الازدواجية: بين التعليم المدرسي والتعاليم الدينية موذجاً - جديد التاريخ

    • الازدواجية: بين التعليم المدرسي والتعاليم الدينية موذجاً - جديد التاريخ


      لو نظرنا اليوم إلى الثقافة الإسلامية عموماً والثقافة الوهابية والإباضية خصوصاً، فسنجد بوناً شاسعاً حد التضارب بين التعاليم الدينية المذهبية والتعليم المدرسي النظامي: فمثلاً يعلمون الأطفال في المدارس الفنون كالرسم والنحت والتصوير والموسيقى والرقص، بينما يعلمهم المشايخ والكثير من الآباء والأمهات أن هذه الأمور بدعٌ محرمة: سيصب الله في آذانكم الرصاص المذاب لو استمتعوا للموسيقى والغناء مثلاً. فريقٌ يعلم لغة اليوم وفريقٌ ينادي بلغة الأمس.


      وحين يكبرون، يتعلمون في المعاهد والجامعات أصول الاقتصاد والتجارة الحديثة كالمعاملات البنكية والتأمين، وتبقى التعاليم الدينية تصب عليهم ليلاً نهاراً بأن هذه المعاملات من الربى المحرم شرعاً.


      وحين يخرجون إلى سوق العمل ينقطع التعليم وتبقى التعاليم: أتذكر هنا فتوى مفتي عمان بحرمة شراء أسهم الشركة الوطنية للاتصالات، وأتخيل معاناة الراغبين في الدخول في سوق الأسهم الواقفين بين مطرقة الفقر والحاجة، أو حتى الطمع، من جهة وسندان التعاليم الدينية من جهة أخرى. (كما أتذكر استحواذ فئات أخرى على أسهم الشركة: إما لأنهم رموا بهذه التعاليم وراء ظهورهم أو لأن مذهبهم له ازدواجيته الأخرى).






      من منا لا يعيش بشخصيتين (على الأقل): واحدة ظاهرة وأخرى باطنة؟ ومن منا لا يعيش بنمطيين سلوكيين؟؟ لا أقصد هنا بالطبع الازدواجية بمفهومها المرضي الذي يحتاج إلى تدخل خارجي (حتى الآن)، وإنما الحديث عن المفهوم السلوكي اليومي الذي تفرضه العادات والتقاليد والأديان. أستطيع أن أجزم ألا أحد. في كل المجتمعات وعبر الأزمنة والحضارات: والمثال الشائع هنا هو: إن الإنسان يأكل عندما يكون مع الناس بطريقة تختلف عن الطريقة التي يأكل بها حين يكون وحيداً.




      الفرق سيكون في المقدار فقط وليس في النوع. بمعنى: إن فكرة الشخصيتين قائمة لا محالة ولكنها ستتفاوت، من أمة إلى أخرى، في البون بين الشخصية الظاهرة والأخرى الباطنة.



      لازدواجية الشخصية أسباب كثيرة: فهي نتاج ثقافي حضاري من جهة وسبب في استمرارية الثقافة والحضارة من جهة أخرى. ما أعنيه هنا هو إن بعض الممارسات الاجتماعية والقيم والمبادئ والطقوس التي يقرها مجتمع ما تحتم على الإنسان أن يسلك مسلكين: مسلك يحفظه في المجتمع وآخر يحقق مآربه التي لا يقرها المجتمع. بهذه الوسيلة التفاوضية المهادنة تنشأ الازدواجية وتتعمق بقدر العمق بين متطلبات المجتمع ومناهجه ومتطلبات الفرد ورؤاه.




      متى تصبح هذه الازدواجية ظاهرة اجتماعية سيئة: تضر بالفرد والجماعة وبالثقافة عموماً؟؟ عندما تبدأ في تعطيل مسيرة المجتمع ونموه الحضاري والاقتصادي. وعندما تبدأ هذه الازدواجية في إيذاء الفرد نفسياً وجسدياً ومالياً. وعندما يشعر الفرد بأنه لم يعد ينتمي إلى هذه الثقافة ولم يعد قادراً على تحمل المزيد من الازدوجية والتمثيل. عندما تقوم الازدواجية على التمزيق أكثر مما تقوم على الترقيع أو عندما يصبح ترقيعها شكلياً وبالياً.وعندما يضمحل التجانس الجمعي ومع ذلك تصر بعض القوى الاجتماعية أو الدينية على أن يبقى الجميع متلاحمين بالقوة، وبالأنماط التي لا يعرفون ولا يعترفون بغيرها.



      لهذه الازدواجية تبعات كثيرة: منها ما يمس الفرد ويؤذيه نفسياً حين يجد نفسه يعيش في قطيع يرفضه ولا ينتمي إليه إلا اسمياً، ومنها ما يضر بالعلاقات الأسرية والاجتماعية، كأن تجد زوجيين دارت بهما الأيام ليبقى أحدها من القطيع ويُطرد الآخر خارجه، ومنها ما يمس الاقتصاد الوطني بفرضه أنماطاً بدائية من المعاملات تعطل تدفق الأموال والنمو الطبيعي للاقتصاد، ومنها ما يمس التقدم والرقي الحضاري بالمقاييس التي تريد الدولة أن تتبعها، ومنها ما يمس الأمن القومي للبلد: حين تصر التعاليم على موقفها وعلى مقاييسها ولكنها لا تجد سماءً لتمد فروعها فيها فتبدأ بمد جذورها في الخفاء وتبدأ بالنمو في الظلمات.


      ولي عودة إلى هذه المسألة.










      المصدر : مدونة التاريخ


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions