الصحافة العمانية الجديدة.. وضرورات التطوير

    • الصحافة العمانية الجديدة.. وضرورات التطوير






      د. حسني محمد نصر - أستاذ الصحافة والنشر الالكتروني - جامعة السلطان قابوس :






      استوقفني أثناء مشاركتي في ندوة "الصحافة العمانية: التطورات الراهنة وتحديات المستقبل" التي نظمها المنتدى الأدبي الأسبوع الماضي، إننا جميعا كنا نتحدث عن الصحافة الورقية وكيف يمكن ان تواجه التحديات الكثيرة المحيطة بها، ومن بين الأوراق الخمس التي ناقشتها لم يكن هناك سوى ورقة واحدة تتناول الصحافة الالكترونية العمانية وسبل تطويرها. شعرت بعد انتهاء الندوة أن تحمسنا للصحافة الورقية قد غيب عنا حقيقة أن الصحافة الالكترونية هي المستقبل حتى وان ظلت الصحف الورقية تعمل معها جنبا إلى جنب في بعض الدول. فالندوات والمؤتمرات تصب جميعها في مجال وسائل الإعلام التقليدية.. والدورات التدريبية والتأهيلية ما زالت تقتصر على صحفيي الصحافة الورقية.. حتى الخطط الدراسية لأقسام وكليات الإعلام بالسلطنة مازالت عازفة عن التوسع في تدريس الصحافة الجديدة وتأهيل طلابها للعمل فيها، ويقتصر الأمر في بعضها على مقرر واحد يتيم لا يسمن ولا يغني من جوع.
      لقد أصبحت الصحافة الالكترونية حقيقة واقعة يجب التعامل معها صحفيا وأكاديميا وتدريبيا بمزيد من الجدية، خاصة وان هذه الصحافة في السلطنة ما زالت تفصلها عن المستوى العالمي مسافة كبيرة. وأول الخطوات الجادة للتعامل مع هذه الصحافة يتمثل في تحقيق العدالة أو بالأقل تحقيق نوع من التوازن بين اهتمامنا بالصحافة الورقية وبين الصحافة الالكترونية، حتى وإن كنا ننحاز - بحكم التربية الإعلامية الطويلة - للصحف الورقية ونشعر بالخوف على مستقبلها. وهذا ما يدفعنا إلى المطالبة بزيادة الاهتمام بذلك النوع من الصحافة الذي سيصبح شئنا أم أبينا هو الخيار الإعلامي في المستقبل القريب لكثير من القراء والمؤسسات الإعلامية.
      ومن هذا المنطلق فإنني أبدأ بنفسي - كما يقولون - وأكتب عن متطلبات تطوير الصحافة الالكترونية، وأولها ضرورة تغيير فلسفة الوجود على شبكة الانترنت التي تنتهجها الصحف العمانية، تلك الفلسفة التي تقدم في النهاية منتجا صحفيا معادا يحول بين هذه الصحف وبين الانتشار العربي والعالمي ويزيد الهوة بينها وبين مستخدمي الانترنت، رغم ما ينفق عليها من أموال.
      إن الانترنت كوسيلة اتصال تتميز بسمتين يجب أن تستفيد منهما الصحافة الالكترونية العمانية بشكل أوسع، وهما: البيئة متعددة الوسائط التي تقدمها الوسيلة الجديدة، وإمكانية التحديث المستمر للقصص الخبرية المنشورة على الشبكة. ورغم تلك الإمكانات الهائلة التي تقدمها الشبكة في مجال الخدمات الإخبارية فان مواقع الصحف العمانية ما زالت تقصر خدماتها الالكترونية على تقديم النصوص المنشورة في النسخة المطبوعة فقط دون أية إضافات أخرى يمكن أن تثري المادة الصحفية وتزيد قارئيتها كالوسائط المتعددة والتحديث المستمر والتفاعلية. وتعرف هذه الطريقة باسم طريقة "المجرفة" تعبيرا عن قيام الصحف بنقل محتواها النصي كما هو إلى مواقعها على الشبكة دون أية إضافات أو تغيير. ويبرر المحررون الذين يتبعون هذه الطريقة قيامهم بذلك بنقص الميزانيات المخصصة للنسخ الالكترونية، خاصة وان كل المواقع الصحفية الالكترونية تقريبا باستثناء موقع صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية لم تحقق أرباحا من وجودها على الشبكة حتى الآن.
      ان المؤسسات الإعلامية العمانية رغم مرور أكثر من عشر سنوات على دخولها إلى مجال الصحافة الالكترونية ما زالت تتبع طريقة واحدة من الطرق الأربعة المعروفة في العالم لملء موقعها بالمحتوى، وهي طريقة النقل "المجرفة"، فيما تتجاهل الطرق الثلاثة الأخرى الأكثر تطورا مثل طريقة التحديث المعتدل، وطريقة التحديث الواسع، وطريقة المحتوى الأصلي.
      وتستخدم الصحف العمانية اليومية طريقة النقل لأسباب متعددة، أهمها أنها وسيلة رخيصة وسهلة، فالأخبار والصور والموضوعات الصحفية تكون موجودة بالفعل في الصحيفة وتم إنتاجها في صورة رقمية للوسيلة التقليدية سواء ورقية أو مسموعة أو مرئية وبالتالي يكون من السهل نقلها إلى الموقع الاليكتروني. والواقع ان تلك المزايا كالكلفة المنخفضة وسهولة التنفيذ وقبول القراء لها، هي ما تجعل العديد من الصحف العمانية تتمسك بها ولا تتعداها إلى الطرق الأخرى. ولكن في المقابل فان طريقة نقل المحتوى من الصحيفة الورقية إلى نظيرتها الالكترونية لا يخلو من عيوب جوهرية، تتمثل في أنها لا تنظر إلى الويب كوسيلة اتصال منفصلة ومتميزة عن الوسائل التقليدية وبالتالي لا تستفيد إفادة كاملة من الإمكانات التي يوفرها الويب وغير موجودة في الوسائل التقليدية. وتفقد هذه الطريقة الصحف العمانية الالكترونية واحدة من أهم سماتها وهي ربط القارئ بالمعلومات السابقة حول الموضوع أو بمصادر معلوماتية أخرى، كما تمنعها من استخدام خاصية الفورية التي يتميز بها الويب وتعني القدرة على تقديم المعلومات بسرعة إلى القراء فور وقوع الحدث. ويعود ذلك إلى ان معظم برامج النقل التي تستخدمها الصحف الالكترونية العمانية التي تتبع هذه الطريقة تحتفظ بالقصص الخبرية لرفعها جميعا إلى الموقع في أوقات محددة من اليوم ومرة واحدة في الغالب.
      ان غياب تلك السمات تجعل زيارة الموقع من جانب القارئ عملا غير مفيد أحيانا خاصة إذا كان مشتركا في الصحيفة الورقية إذ لا يقدم له الموقع أية إضافات معرفية تختلف عما هو منشور في النسخة الورقية. وبالتالي يمكن القول إن طريقة النقل تمنح الوسيلة التقليدية وجودا سهلا ورخيصا على الويب ولكنها لا تمنح القارئ الكثير.
      وبناءً على ما سبق فان على الصحف الالكترونية العمانية ان تتحول ولو تدريجيا إلى الطرق الأخرى مثل التحديث المحدود التي تمكنها من الاستفادة من الوظيفة الفورية للويب، خاصة وان هذه الطريقة لا تحتاج إلا إمكانات بسيطة كاستخدام برامج مرنة لإدارة المحتوى الالكتروني تسمح بالتحديث الفوري بالإضافة إلى تخصيص محرر في غرفة الأخبار يتولى هذا الأمر. ويمكن للصحف العمانية أن تستغل هذا التحديث في الترويج لكل من الموقع والصحيفة المطبوعة في آن واحد. إذ يمكن أن يوجهوا قارئ الصحيفة إلى زيارة الموقع الالكتروني لقراءة أخر تطورات القصة الخبرية، كما يمكن استغلال الموقع لتوجيه القراء إلى محتوى الصحيفة الورقية وتزويدهم بالمعلومات الخاصة بالاشتراكات والتوزيع.
      وتكتفي بعض الصحف العمانية الالكترونية بوضع شريط إخباري متحرك على رأس موقعها الالكتروني يحمل عناوين آخر المستجدات في الأخبار العالمية وبعض الأخبار المحلية ولكنها تكون مستمدة في الغالب من مضمون الصحيفة في اليوم السابق ومضمون الموقع ولا تحمل تحديثات حقيقية.
      وفي مرحلة تالية يمكن أن تنتقل الصحف الالكترونية العمانية من التحديث المحدود لبعض الأخبار والأحداث إلى التحديث الواسع أو الكبير أو ما يطلق عليه aggressive Updating. ويمكن ان تصل الصحف العمانية إلى هذه المرحلة عندما يدرك القائمون عليها الإمكانات الفورية لشبكة الويب وتتوافر لديهم الإرادة والإمكانات البشرية والتكنولوجية التي تمكنهم من تعيين صحفيين أو حتى فنيين يتولون تحديث المعلومات المنشورة ومتابعة تحميل كل جديد بمجرد توافر المعلومات على الموقع وذلك على مدار اليوم، بالإضافة إلى البرامج التي تسمح بالتحديث الواسع بسهولة وسرعة.
      وبدون المرور على الطريقتين السابقتين في تحديث المحتوى واستغلال إمكانات الويب، فإن الصحف العمانية الالكترونية لن يكون بمقدورها الوصول إلى المرحلة الاعلى في النشر الالكتروني وهي مرحلة إنتاج محتوى أصلي للنسخة الالكترونية، وهي المرحلة التي تنفصل فيها الإدارة التحريرية وربما المالية والإدارية للنسخة الالكترونية عن النسخة الورقية، ويكون للأولي رئيس تحرير وهيئة تحرير مستقلة تقوم بتغطية الاحداث والقضايا لحساب الصحيفة الالكترونية دون أن يعنى هذا غياب التعاون بين الاثنتين.
      وعلي هذا الأساس نقول إن التطور الحقيقي للصحف الالكترونية العمانية في المستقبل يتمثل في تحولها إلى بوابات إخبارية شاملة تابعة للمؤسسات الصحفية ولكنها مستقلة عنها تحريريا، وذلك حتى تستطيع منافسة مثيلاتها في المنطقة العربية والعالم، ولكي تمنح المستخدمين شيئا جديدا لا يجدونه في النسخ المطبوعة




      منقول
      " الدoــعــة الأســيــرة " .. صـــgتـــيـــة NEW
      هـنــــــا