هل علينا أن نصغي للتوقعات عن مستقبلنا ؟
الانسان فضولي بطبعه و منذ قديم الأزل كان الانسان مفتتنا بالمعرفة القبلية للمستقبل وكان يكافح بكل الطرق لمعرفة ما تخبئه الأقدار له
فمنذ الأزمنة الغابرة كانت الثقافات والحضارات تستنبط طرقا عدة يستطيع الانسان من خلالها رؤية واستبيان المستقبل
فالتطلع للمستقبل كان شيئا مثيرا وغامضا يشدنا لمعرفة ما سيقع غدا أو في الأسبوع القادم أو في السنوات التي ستأتي
هل سينجح المشروع الذي أقدم عليه ؟ هل سيتزوج من فتاة الأحلام ؟ هل ستدوم علاقة الحب مع الشريك ؟ وغيرها من تلك الأسئلة التي تمر في أذهاننا ولا نجد لها حلا أو اجابة شافية
من يطرح السؤال ؟
الأسئلة التي تتعلق بالمستقبل تخامر ذهن كل انسان له معدل طبيعي من الوعي . فلما نحس بعدم الأمان أوعدم الارتياح من شيء ما سرعان ما تقفز الى الأذهان تساؤلات من هذا القبيل أو شكوك في النتائج المحتملة ، أو لما نريد أن نشعر بالاطمئنان لنتيجة ما ( امتحان ، علاقات الخ ) ، فنتطلع الى سلطة روحانية أو شخص يوثق به ليعطينا الاجابات على كل الأسئلة الصعبة والغامضة التي نستشعرها .
من ينبئنا المستقبل ؟
المنجمون وقارؤو الكف والفنجان والطالع هم الذين يذهب اليهم الناس كي يتسقرئوا مستقبلهم . ومن صفات قارئي الطالع والحظ الكاريزما وقوة الجاذبية والحضور وقدرتهم البارعة والرهيبة على التأثير وجعل المغفلين يصدقون ما يقولون .
قراءة الطالع وسيلة لكسب الملايين
يكسب المنجمون ملايين الدولارات ويحققون ثروات وأرباحا خيالية بفضل هذه المهنة السهلة والمربحة والتي لا تتطلب مجهودا كبيرا الا قليلا من البراعة في الكذب والضحك على الذقون وادعاء المعرفة . فكم من أمي جاهل لا يعرف فك الحروف أصبح بقدرة قادرة غارقا في الثراء الفاحش وصاحب أملاك ومنازل فخمة وسيارات فارهة من أحدث موديل
التحليل العلمي لظاهرة التنجيم
علميا التنبؤات المستقبلية يرفضها العلم لأنها تفتقد الأمانة العلمية والدقة والثبات . ومع ذلك فالتوقعات التي تستند الى ثوابت علمية دقيقة هي أشياء ضرورية لكل دراسة علمية . كتلك الأبحاث والدراسات التي تعنى بعلم الاجتماع وعلوم الفلك والجيولوجيا والجينيالوجيا والدراسية المناخية لكوكب الأرض وغيرها من العلوم التي تقوم بدراسات وأبحاث معمقة لمعرفة ما سيحدث في المستقبل من تغيرات على أسس علمية ودلائل واشارات متكاملة ومترابطة تكون فيها نسبة امكانية الخطأ قليلة جدا ان لم تكن معدومة أصلا.
والفرق بين ما يتوقعه رجل العلم وقارئ الطالع كبير ، فمثلا لما يقوم عالم فيزياء بعملية تقدير وتوقع لظاهرة فيزيائية ما سيستعمل معلومات وحقائق أكيدة لاثبات صحة النظرية وسيدعمها بالعديد من المعطيات والبراهين العقلانية ، فالأمر أشبه بعملية حسابية مبنية على الحس العقلي لنصل الى نتيجة أكيدة لا تقبل الاختلاف والشك فمثلا لما تجري سيارة بسرعة 120 كم في الساعة فستصل الى المكان المحدد ( x ) في الوقت الفلاني اعتمادا على سرعة السيارة وطول المسافة ، بينما يعتمد المنجم على تقديرات ذاتية وشخصية تخلو من الموضوعية وأحيانا لا يقدم تفسيرات منطقية قابلة للتصديق بل سيعزوها للحدس أو الحاسة السادسة أو لقوى خارقة أو موهبة وقدرة ذاتية ليس لها تفسير علمي ، فهو يدعي أن الكوكب الفلاني منحوس أو أن حركة الكواكب في وقت معين ستجلب البخت والحظ لمواليد برج من الأبراج الفلكية ، فأين المصداقية في ذلك وأين الاثبات العلمي لما يستنتجه ؟ بل بالعكس الغموض والريبة هي التي تلف كلامهم غير المنطقي حتى وان زعم البعض أن علاقة الفلك بحياة الناس ومصائرهم وتأثيره الشديد على الأقدار والمستقبل علم يدرس في الكليات والمدارس المختصة ، وقد يدعي المنجم أنه يقوم بعمليات حسابية كالتي يقوم بها الفيزيائي وقد يحدث أن يكون كلامه صحيحا لشخص ما لكن قطعا سيكون خاطئا وزائفا لشخص آخر وهذا ما يدل على هشاشة هذا " العلم " وعدم توافر الشروط العلمية والمنهجية التي توجد في بقية العلوم التي تستند على التوقعات .
لكن ما يجعل العديد من الناس ، على اختلاف مستوياتهم الثقافية والاجتماعية ، يصدقون هذه الترهات والأقاويل هو تلك المسحة من الغموض حول بعض الظواهر التي يصعب تفسيرها وقد يكون العلم في حد ذاته مازال عاجزا أو قاصرا في تحليلها وتكييفها وتكميمها مما قد يترك المجال واسعا وفسيحا للاستنتاجات اللاعقلانية كالربط بين ما يحدث في العالم المادي وما يحدث في العالم الميتافيريقي ذلك العالم المجهول والذي ، يُعتقَد أن قوى خارقة وعجائبية هي التي تسيطر عليه وتتحكم فيه ..
ظاهرة التجيم وارتباطها بعلم النفس
يرتبط علم التنجيم كظاهرة بميدان علم النفس ، فكي نفسر مدى تأثير هذه الظاهرة في العقول البشرية وأسباب تصديق الكثير من الناس لما يقوله لهم قارئ الطالع أو المنجم علينا أن نحللها من زاوية علم النفس والسايكولوجيا البشرية . فلما يذهب ذلك الشخص الذي يعاني من فراغ روحي رهيب والذي يحاول ايجاد مخرج لمشاكله النفسية والحياتية بأي طريقة كانت فنسبة تصديقه لما سيقال له ستكون كبيرة بل أن تأثير ذلك الكلام سيكون عميقا جدا الى درجة تحقيقه فعليا ، لأنه ذهب الى ذلك المكان وذلك الشخص وهو مؤمن ايمانا شديدا بقدرة المنجم والمشعوذ وقارئ الطالع على استقراء طالعه ومستقبله ومصيره ، فالحل والربط بيديه وما يقوله لا غبار عليه والاقتناع والايمان بتلك القدرات والأشياء من تحصيل الحاصل . فالوعي الماقبلي والاوعي يقبلان ضمنيا تلك التعليمات فيخلق تباعا ذلك المستقبل المرغوب وبالتالي تتأثر الأفكار والتصرفات وفق تلك الرؤية الجديدة ، علما أن الجهل وعدم معرفة معلومات معينة حول شيء ما يكون في العادة غامضا ( فراغ عقلي ) يسهل آليا تقبل أي معلومات و توجيهات جديدة حوله .
مثلا لما تكون جاهلا معرفيا ( لا تمتلك الرصيد المعلوماتي ) لظاهرة علمية غريبة أو شيئا لم تعرفه أو تجهله ويأتيك أحدهم ويفسرها لك أو يحدثك بها ، فستكون قابلية التقبل لتلك المعلومات سريعة والأرضية ممهدة لشحن عقلك ومخك بها .
مثلا لما تكون جاهلا معرفيا ( لا تمتلك الرصيد المعلوماتي ) لظاهرة علمية غريبة أو شيئا لم تعرفه أو تجهله ويأتيك أحدهم ويفسرها لك أو يحدثك بها ، فستكون قابلية التقبل لتلك المعلومات سريعة والأرضية ممهدة لشحن عقلك ومخك بها .
مثال آخر ، نحن نجهل عدد الأطفال الذين سننجبهم عندما تتزوج فالعقل يفتقر لتلك المعلومة في الوقت الحاضر ويذهب شخص ما الى العراف أو الشواف فيخبره أنه سينجب خمس أبناء ، وهذه الامكانية قابلة للتحقيق فعليا ، وقد تنجب خمس أبناء لا ينقصون ولا يزيدون ، لماذا ؟ لأن تحديد النسل وظيفة جسدية يتحكم فيها العقل الباطن وبما أن التوجيهات تم تمريرها وتقبلها ضمنيا له فسيتصرف الجسد وفق تلك الآلية ووفق تلك المعلومات التي استبطنها اللاوعي ومررها لبقية أعضاء البدن ، وهذا ما يعرف بسلطة الاقناع الباطني في علم النفس .
ماذا لو رفضنا تقبل ما يقوله المنجم ؟
لما يستمع الشخص للمنجم فهناك فرضيتان ، اما يصدق أو يكذب . بل قد يستهزئ بالكلام الذي يسمعه وفي تلك الحالة ( الرفض ) فسيقل تأثير ذلك الكلام وربما يتلاشى قليلا لكن لن يمحى من ذهنك نهائيا ، فعدم صدقية ذلك الكلام أوذلك الخطاب لا يعني أنك طردته من مخك نهائيا ، ستبقى تلك المعلومات مخزونة في العقل الباطن ليتم اعتمادها كمرجع معلوماتي جديد في المستقبل ( القريب أو البعيد ) ، وتبقى قابلية تأثير تلك المعلومات على تصرفاتك قائمة رغم كل شيء ، مما يعني أن الاستماع للتنبؤات المستقبلية ستؤثر فينا في كل الأحوال ، رغم تفاوت ذلك التأثير حسب درجة تصديقك أو تكذيبك
الحل المثالي
الحل الأمثل للتخلص من تأثير التكهنات ، هو أن نتجنب قراءة أو سماع أي تنبؤات مهما كان الشخص الذي قالها لك .
ربما لا مانع أو ضرر من سماع كلام ايجابي ، لكن لو شعرت أن ما ستقرأه أو تسمعه سيكون سلبيا فابتعد عنه وحاول الابتعاد عن قراءة " حظك اليوم " و " ما ستقوله لك النجوم " أو اعطاء كفك للعراف ليهمهم لك بكلمات قد لا تدري بمدى تأثيرها السلبي عليك
والأدهي أن هؤلاء المنجمين سيقولون لك أن حياتك في كف عفريت وأن طريقك مسدود وحبيبة قلبك في قصر موصود وسيختلقون ألف كذبة وكذبة كي يشغلوا تفكيرك ويحيروا بالك ، مما سيدفعك الى البحث عن حلول عندهم . وهذه الحلول التي يدعون نجاعتها ليست سوى خزعبلات وحيل ماكرة ليستنزفوا جيبك ويبتزوا أموالك ، وستكثر حينئذ طلباتهم الغريبة من قبيل ذبح خروف وتعجيج المنزل بالبخور ولبس التعويذة أو وضع حجاب في المنزل الخ
فبدل أن تكون لديك مشكلة واحدة ستصبح لديك كومة من المشاكل التي لن تنتهي ، وفي الأثناء سيحاول هؤلاء المتحيلين طمأنتك وتقديم وعود زائفة من وقت الى آخر حتى لا ينفروك منهم وحتى تكون متأرجحا بين الخوف والأمل ، وبين الجزع والطمع ..
ما هي الحلول ؟
بدل الانسياق وراء تجارة التحيل والخداع والحظ هذه ، علينا أن ندرك أن أهم شيء نكتسبه هو مقدار الايمان والى أي حد نعتقد في حدوث شيء من عدمه ، فبمجرد ايماننا العميق بالقدر سواء أكان خيرا أو شرا سيقينا من الجري خلف المشعوذين وقراء الطالع وسيجعلنا واثقين من أنفسنا وفيما نقوم به من أعمال ، فقط علينا أن نتوكل على الله ونعقد العزم ونشد الهمة ونخلص في الأعمال التي توكل لنا وسنصنع نجاحنا بأيدينا وسننحت الصخر وسنخلق من الضعف والوهن قوة لا تقف أمامها ادعاءات الدجالين وكيد الكائدين وحسد الحاسدين وكذب الكاذبين
هل علينا أن نغمض أعيننا ؟
نعم ، في هذه الحالات علينا أن نغمض أعيننا ولا نلقي بالا ولا نعطي اهتماما لما سيحدث لنا في المستقبل ، وبدلا من ذلك بامكانا اتباع مقاربة علمية ، وتوقع ذاتي لما سيحدث .
مثلا عبر مراجعة أخطائنا الماضية وومحاولة تفاديها في الحاضر ، فكلما كررنا نفس الأخطاء الا وكبرت امكانية الفشل ، كذلك عبر تحديد الوسائل الناجعة لتحسين مستوى حياتك الحالي ، وبالتالي سينعكس ذلك على مستوى حياتك في المستقبل وفي الأثناء علينا أن نبتعد عن كل ما يمت بصلة بالتدجيل والشعوذة وقراءة الطالع والكف والحظ ، لأنها أشياء تشتت أفكارنا وتشغل بالنا وتنقص من تركيزنا .
مثلا عبر مراجعة أخطائنا الماضية وومحاولة تفاديها في الحاضر ، فكلما كررنا نفس الأخطاء الا وكبرت امكانية الفشل ، كذلك عبر تحديد الوسائل الناجعة لتحسين مستوى حياتك الحالي ، وبالتالي سينعكس ذلك على مستوى حياتك في المستقبل وفي الأثناء علينا أن نبتعد عن كل ما يمت بصلة بالتدجيل والشعوذة وقراءة الطالع والكف والحظ ، لأنها أشياء تشتت أفكارنا وتشغل بالنا وتنقص من تركيزنا .
فالانسان هو الذي يكتب قدره ومصيره ، والله وهبه الحرية الكاملة ليختار الطريق الذي يسير فيه ، فلا يجب أن ندع الغير هم الذين يكتبون سيناريو حياتنا ، ورغم أن هناك أشياء تتجاوز طاقتنا ومقررة مسبقا الا أن ذلك ليس مانعا من التحدي والطموح والاجتهاد ، وبدل أن نسمع كلام الدجالين لنصخ آذاننا لنصائح الأصدقاء والأولياء والناس المقربين لأنهم يحبوننا لذواتنا لا حبا في ما نملك من نقود وأموال .
أسئلة نقاشية
ما هو رأيك في ظاهرة التنجيم وقراءة الطالع أو الحظ ؟
هل أنت مهتم بقراءة " حظك اليوم " والأبراج الفلكية ؟
لماذا يؤمن الكثير من الناس بهذه الخزعبلات ، هل هو فراغ روحي أو ايمان بقدرة المنجمين على حل المشاكل ؟
هل تفكر كثيرا فيما ستخبئه الأقدار لك ؟ وهل المستقبل يشغل بالكــ ؟
مع تقبل فائق الاحترام .. نمير
[COLOR="#000080"]رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً