عُمان -

سيف بن ناصر الخروصي:



البناء المتين لا بد له من أسس وقواعد لكي يبقى ويدوم والبناء المتين للحياة السعيدة من قواعده المتينة والأساسية التي يقوم عليها وتبقيه، إنما هو التخطيط السليم؛ فهو أساس لكل عمل يراد له النجاح وهو الذي لا يغيب عن الفطناء ولا يحيد عن أولي البصائر فمن أراد لنفسه السعادة في الدنيا أو في الآخرة او كلاهما معا لجأ اليه في كل توجهاته، فالعاقل هو الذي يخطط اولا كيف يقضي يومه من حيث الزمن ؛ حيث يقسم وقته بدقة متناهية لكي يستطيع ان يشغله فيما يفيده وينفعه ولا يضيع منه شيئا .

ثم يتجه الى تحديد الأولويات فيما سيقوم به في ذلك اليوم من أعمال مقدما الأهم فالمهم ثم يحدد الخطوة الأفضل التي ينبغي أن يخطوها واذا بدأها إلى أين توصله وماذا ستحقق له هذه الخطوة؟ اسئلة لا بد من أن يطرحها الانسان الفطن على نفسه قبل أن يقدم على أي عمل يريد أن يقوم به وبهذا فانه سيسير في طريق سوي وعلى بصيرة من أمره، فقل من يقع في متاهات الدنيا من يخطط في الحياة ويقف مع نفسه محاسبا لها، فالمرء الذي يسيرعلى هذا النهج يكون حليفه النجاح ولا يدنو من الفشل سواء كان ذلك التخطيط للدنيا أو للآخرة فالمخططون تقل اخطاؤهم ويكثر نجاحهم في أي مشروع كان؛ فهم أكثر الناس سعادة لانهم يسيرون في طريق سوي معبد خال من الأشواك حيث إنهم فكروا في توجههم وأعدوا له العدة وتسلحوا بالتصورات السليمة واخذوا الحيطة والحذر من مواطن الخطأ فهم في أمن وأمان في ما يعملون في هذه الحياة .

وهناك من وضع لوقته برنامجا حافلا بالعمل والعبادة لينال خيري الدنيا والآخرة وأتذكر احد المشايخ الذي عرف قيمة الزمن وأدرك كيفية استغلاله؛ في ذات يوم من الايام عرض لي قائمة حدد فيها بالدققة ما ذا يصنع فيها وجدته قد عمل جدولا زمنيا لتحركاته، كذا وكذا دقيقة لعمل كذا وكذا للأكل وكذا للراحة وكذا للاستجمام وكذا للزيارة وكذا للجلوس مع الاسرة وكذا للعبادة حتى الصلوات الخمس لم تخل من تسجيل في هذا الجدول مع انها معلومة الوقت ولكنه لا يذهب اليها الا في الوقت المحدد فلا تجد دقيقة من يومه ضائعة لم ينتبه لاستغلالها فيما لا فائدة فيه؛ فهو لا يقضي يومه الا على برنامج محكم يسير عليه لا يحيد عنه.

اذن التخطيط في الحياة ينبغي اولا أن ينطلق من تحديد الزمن فيما ذا يجب ان يستغله الانسان بحيث يوزع ساعات يومه على الأعمال التي يريد أن يعملها متخذا الأهم فالاهم ثم التخطيط نحو التوجه من اين يبدأ والى اين ينتهي فتحديد الاولويات أمر مهم للغاية.

وهكذا ينبغي أن يخطط لشهره كيف يقضيه ثم لسنته المقبلة ثم ينتقل الى الجوانب العملية التي يريد أن يقوم بها ويقف مع نفسه يسألها إلى أين أتجه وما هو العمل الأجدى والأسهل واذا استقر رأيه على أمر ما عليه أن يتفحص أبعاده ومدى جدواه وما هي البدائل فيما اذا فشل هذا المشروع وما هي النتائج والى أي شيء ينتقل فالمشروع ان لم يخطط له مسبقا يتلاشى ويضيع وكم هم الذين وقعوا في هذه المتاهات حيث دخلوا في أعمال لم يخططوا لها فخسروا وندموا ولات ساعة مندم .

ان صنع المستقل السعيد لا يتأتى الا بالتخطيط السليم ولم تبلغ امة من الأمم ما تصبو اليه الا بمدى حنكتها وفطنتها وإتقانها التخطيط لهذه الحياة فيما يأتون ويذرون.

ولم يبلغ فرد من الافراد مبلغا إلا وكان التخطيط حليفه فهناك دول تقدمت من خلال حرصها على إتقان التخطيط وهناك دول تراجعت بل وبادت بسبب إهمالها له وكذلك الأفراد فما علينا الا ان ننتبه للتخطيط وندرك اهميته في الحياة فهو عنوان التقدم والتحضر في اي زمان.

اذن التخطيط امر مهم للغاية لمن أراد لنفسه ولمجتمعه ولأمته السعادة؛ فالفطناء لا يخطون خطوة في هذه الحياة دون تفكير ولا يعملون شيئا دون بصيرة ، همهم البحث عما يبلغهم ما يصبون اليه في دنياهم وأخراهم .