ـ الأخلاق أولاً ـ

كثيرُ من الناس يعتقد أن الأمم والحضارات تُبنى بالتقدم العمراني والتكنلوجي في مختلف مجالات الحياة، كما أن بعضهم يعتقد أن الأمة التي لا تتقدم علميًا أو إقتصاديًا متخلفة، بل أن البعض يجزم على أن الفرد المثقف ذلك الذي يجمع بين علوم الحياة بين حواف جمجمته الصغيرة، ومنهم من يُعرف المثقف على أساس "العارف بجميع العلوم أو على الأقل بشيء من مجمل ما هو متداول ومعروف أو يراد معرفته".

إلا أن "المثقف" من وجهة نظري القاصرة تتمثل في تلك الأخلاق التي يتحلى بها الفرد في التعامل مع الأخرين، فقد جاءت الآية الرابعة في سورة القلم لتوضح أهمية الأخلاق عند الفرد حيث قال تعالى: "وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ"، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وأكدت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ذلك حينما سُئلت عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : "كان خلقه القرآن".

وعلى طالب العلم في شتى المجالات العلمية والثقافية والدينية والاجتماعية أن يدرك أن الأخلاق هي المفتاح الأول لشتى العلوم في هذه الحياة وبدونها لا يمكن أن نَطلق على الفرد كلمة "مثقف"، كما أننا لا نستطيع أن نطلق عليه أنه طالب علم مجتهد .

فما أكثر من يسعى إلى قراءة الكتب في مختلف المجالات، ويأكلها كما يأكل الطعام ويسعى للحصول على أفضل الشهادات العلمية في تخصصات ينفرد بها دون غيره وبتقديرات أكثر من ممتازة، إلا أن ذلك كله لا يتعدى الفقاعة التي تصعد في الجو تدريجيًا وما أن تتربع في القمة حتى تتلاشى كما يتلاشى دخان السجائر في الجو .

وعلى جميع الطلاب في جميع المؤسسات التعليمة عامة كانت أو خاصة أن يصنعوا من أنفسهم شخصية تتحلى بالأخلاق قبل كل شيء، لأنها السراج المنير التي تنير لهم الطريق نحو المستقبل المشرق، يقول الشاعر الكبير أحمد شوقي :

صَـلاحُ أَمْـرِكَ لِلأَخْـلاقِ مَرْجِعُـهُ فَقَـوِّمِ النَّفْـسَ بِالأَخْـلاقِ تَسْتَقِـمِ

ولا شك أن الأخلاق لا تٌشترى من الأسواق، كما أنها لا تنزل من السماء على شكل قطرات من المطر، إنما تأتي بالتربية الصالحة التي حثنا عليها الإسلام، وأول المسئولين عن هذه التربية أولياء الأمور بداية من الرجل الذي عليه عاتق اختيار الزوجة الصالحة لتكون له عونًا لأبنائه في المستقبل، يقول الشاعر معروف الرصافي :

هِـيَ الأَخْـلاقُ تَنْبُـتُ كَالنَّبَـاتِ إِذَا سُـقِيَـتْ بِمَـاءِ المَكْـرُمَـاتِ

فَكَيْـفَ تَظُـنُّ بِـالأَبْنَـاءِ خَيْـراً إِذَا نَشَـأُوا بِحُضْـنِ السَّـافِـلاتِ

وعلى الأب والأم أن يحرصوا كل الحرص على تنشئة الأبناء التنشئة الأسلامية التي تنص في القرآن والسنة على أهمية الأخلاق، كما أكدتها الأقوال المأثورة من الحكم والأمثال والقصائد في مختلف العصور السابقة.

وعلى طالب العلم أن يفكر في الأخلاق قبل أي شيء أخر، لأنها تسمو به إلى قمم التميز والنجاح، فهذا شاعرنا الأصيل محمود الأيوبي يكتب قائلاً :

والمَرْءُ بِالأَخْـلاقِ يَسْمُـوا ذِكْـرُهُ وبِهَا يُفَضَّـلُ فِي الـوَرَى وَيُوَقَّـرُ

وأخر كلمة في هذا المقال أنصح فيها نفسي وأرشدها إلى التحلي بالأخلاق، والتأدب بأدب الأسلام، والترفع عن كل ما يدنس النفس البشرية من سوء الإخلاق، مستعينًا بقوله تعالى في الآية 44 من سورة البقرة " أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ باِلْبرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ" .

تم نشر هذا المقال يوم الأحد 10يناير2009م
في جريدة الرؤية .