أحوال القلوب وأقسامها

    • أحوال القلوب وأقسامها

      لما كان القلب للأعضاء كالملك المتصرف في الجنود التي تصدر كلها عن أمره ويستعملها فيما يحب ، فكلها تحت عبوديته وقهره ، وتكتسب منه الاستقامة والزيغ ، وتتبعه فيما يعقده من العزم أو يحله ، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب))(رواه البخاري ومسلم) .
      فهو ملكها وهي المنفذة لما يأمرها به القابلة لما يأتيها من هديه ، ولا يستقيم لها شيء من أعمالها حتى تصدر عن قصده ونيته ، وهو المسؤول عنها كلها ، فكل راعٍ مسؤول عن رعيته ، لذا كان الاهتمام بتصحيح القلب وتسديده أول ما اعتمد عليه السالكون والنظر في أمراض القلب وعلاجها أهم ما تنسك به الناسكون .
      ولما علم عدو الله إبليس أن المدار على القلب والاعتماد عليه ؛ أجلب عليه بالوساوس ، وأقبل بوجوه الشهوات إليه ، وزين له من الأحوال والأعمال ما يصده عن الطريق ، وأمده من أسباب الغي ما يقطعه به عن أسباب التوفيق ، ونصب له من المصايد والحبائل ما إن سلم من الوقوع فيها لم يسلم من أن يحصل له بها التعويق ، فلا نجاة من مصايده ومكايده إلا بدوام الاستعانة بالله تعالى والتعرض لأسباب مرضاته والتجاء القلب إليه وإقباله عليه في حركاته وسكناته ، والتحقيق بذل العبودية الذي هو أول ما تلبس به الإنسان ليحصل له الدخول في ضمان : (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان)(الحجر/42).
      أقسام القلوب :
      لما كان القلب يوصف بالحياة وضدها انقسم بحسب ذلك إلى أقسام ثلاثة : قلب سليم ـ وقلب ميت ـ قلب مريض .
      القلب السليم :
      وهو القلب الذي لا ينجو يوم القامة إلا من أتى الله به كما قال تعالى : (يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم)(الشعراء/88) .
      والسليم هو السالم الذي صارت السلامة صفةً ثابتةً له كالعليم والقدير ، وأيضـًا فإنه ضد المريض والسقيم والعليل ، فهو الذي قد سَلِمَ مَن كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ، ومن كل شبهة تعارض خبره ، فسلم من عبودية ما سواه ، وسلم من تحكيم غير رسوله ، فخلصت عبوديته لله تعالى إرادةً ومحبةً وتوكلاً ، وإنابة وإخباتـًا وخشية ورجاء ، وخلص عمله لله ، فإن أحبَّ أحب في الله ، وإن أبغض أبغض في الله ، وإن أعطى أعطى لله ، وإن منع منع لله ، ولا يكفيه هذا حتى يسلم من الانقياد والتحكيم لكل من عدا رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيعقد قلبه معه عقدًا محكمـًا على الائتمام والاقتداء به وحده دون كل أحد في الأقوال والأفعال .
      القلب الميت :
      هو القلب الذي لا حياة فيه ، فهو لا يعرف ربه ولا يعبده بأمره وما يحبه ويرضاه ، بل هو واقفٌ مع شهواته ولذاته ، ولو كان فيها سخط ربه وغضبه فهو لا يبالي إذا فاز بشهوته رضى ربه أم سخط ، فهو متعبد لغير الله حبـًا وخوفـًا ورجاءً ورضـًا وسخطـًا وتعظيمـًا وذلاً ، إن أحب أحب لهواه ، وإن أبغض أبغض لهواه ، وإن منع منع لهواه ، وإن أعطى أعطى لهواه ، فهواه آثر عنده من رضا مولاه ، فالهوى إمامه ، والشهوة قائده ، والجهل سائقه ، والغفلة مركبه ، فهو بالفكر في تحصيل أغراضه الدنيوية مغمور ، وبسكرة الهوى وحب العاجلة مخمور ، ينادى إلى الله والدار الآخرة من مكان بعيد فلا يستجيب للناصح ويتبع كل شيطان مريد ، الدنيا تسخطه وترضيه ، والهوى يصمُّه عما سوى الباطل ويعميه ، فمخالطة صاحب هذا القلب سقم ، ومعاشرته سم ، ومجالسته هلاك .
      القلب المريض :
      قلب له حياة وبه علة ، فله مادتان تمده هذه مرة وهذه أخرى ، وهو لما غلب عليه منهما ، ففيه من محبة الله تعالى والإيمان به والإخلاص له والتوكل عليه ما هو مادة حياته ، وفيه من محبة الشهوات وإيثارها والحرص على تحصيلها والحسد والعجب والكبر وحب العلو والفساد في الأرض والرياسة ما هو مادة هلاكِهِ وعطبه ، وهو ممتحن بين داعيين : داعٍ يدعوه إلى الله ورسوله والدار الآخرة ، وداعٍ يدعوه إلى العاجلة ، وهو إنما يجيب أقربهما منه وأدناهما إليه جوارًا .
      فالقلب الأول حي‌ٌ مخبتٌ ، والثاني يابسٌ ميتٌ ، والثالث مريض فإما إلى السلامة أدنى ، وإما إلى العطب أدنى .
      عُمانيٌ وأنطلقُ إلى الغايات نستبقُ وفخري اليوم إسلامي لغير الله لا أثقُ وميداني بسلطنتي وساحُ العلمِ منطلقُ
    • يسلموا على الموضوع
      إذا سمـــاؤكـ يــومــــاً تحَّجبت بــالغيـــــوم أغمض جفونكـ تبصـر خلف الغيـوم نجــوم " و " الأرض حــولكـ إذا مـــا توشحت بـالثلـــوج أغمض جفونكـ تبصــر تحت الثلـوج مروج
    • يسلمو على المرور
      عُمانيٌ وأنطلقُ إلى الغايات نستبقُ وفخري اليوم إسلامي لغير الله لا أثقُ وميداني بسلطنتي وساحُ العلمِ منطلقُ