أن تكون كائنا غير قياسي ..
نشر هذا المقال في جريدة الرؤية بتاريخ 24 يناير 2010 ضمن سلسلة مقالات سأقوم بكتابتِها أسبوعياً للجريدة.
حيثماً ولَّى المرءُ وجهه يجدُ لوحاتٍ ودعاياتٍ كثيرةٍ للغاية تتناولُ قضيةَ الوزنِ والجَمال والأظافر والشفاه ومنشطات القدرة الجِنسية. حتى لو لم تقلْ هذه الوسائل الإعلامية لكَ كمتابعٍ ذلك فهي ببساطة توصلُ رسالة ضمنية لك: ما تفعلُه ليس كافياً مهما كانَ مناسباً لك ومهما كنتَ تعيش بخير وفي صحة وعافية.
ألقي باللائمة على الهوس الإعلامي الأمريكي بهذا الأمر، بدءا من امرأة أمريكا السمراء أوبرا وينفري إلى طبيبها النفسي الدكتور فِيل أو باقي البرامج التي يتابعها ملايين العرب في الفضائيات الشهيرة. أعني التعرُّض لهذه الأفكار يشبه حالات الإحباط التي يسببها لك مديرُك مثلا وهو يصرخُ فيك كلَّ يوم [أنت لا تجيد ما تفعل] أو طفلاً يصرخ فيه أبوه ليل نهار: انته ما مال شيء. أو أمَّ تصرخُ في ابنتِها دائما: لا يبدو شكلك مناسباً للمكان الذي سنذهب إليه.
سواءً كان الشعور بعدم الاكتمال، أو بالحاجة إلى تعديل أو تجميل عضو من أجسادنا سببه العائلة أو المجتمع أو الثقافة المُحيطة أو المُقارنة مع الآخرين، يصبحُ من المستحيل منطقياً السعي إلى الجسد المثالي ذي الشعر الناعم، ذي الأظافر القوية ذي الجلد البرَّاق الأبيض أو الأسمر، ذي الخ الخ.
أعني يمكنك أن تضع صورة بطل من أبطال هوليود بعدما اشتغلَ فريقٌ كاملٌ على تجميلِه، وفريق كاملٌ على تعديل الصورة باستخدام برامج تعديل الصور وتحاول أنت مسكيناً الوصول إلى هذا المستوى !!! لا يبدو الأمر عادلا على الإطلاق.
&&&
تتبعتُ الفكرة قليلاً مع دائرة اجتماعية متصل بها، جميعهم يسكنون في مسقط، وجميعهم في السن من 25 إلى 35 سنة من العُمر. ما يفوق 80 % منهم أوضحَ لي أنَّه يخطط لتخفيف وزنِه ولديه عشرات الخطط والطموحات التي يريدُ أن يبدأها ذاتَ يوم. قلة قليلة منهم لم يبدو اهتماماً وكانوا سعداء بأجسادهم، بعضهم لم يكن يعاني أصلا من زيادة الوزن، والبعض الآخر كان يعاني بشكل خفيف. بالطبع لا يمكن اعتبار استبانة مثل هذه علميةً أو ذات فائدة في دراسة رضى الناس عن أنفسهم، ما يعنيني هُنا هو مجيء الفكرة.
معظم القادمين من هذه المجموعة من الأشخاص يتعرضون لتأثير مباشر من قبل قنوات فضائية تعرض البرامج الأمريكية الشهيرة، أعني في النهاية في عُمان نحن قادمون من عالمٍ مختلف تماماً عن العالم الصحي؛ وجبتنا الرئيسية هي الأرز المكوَّن من عدد مهول من الكالوريات، وطعامنا مبني على ما يصلب الظهر، أو يصلب الركعة [الركب] أو ما يقوي القدرة الجنسية، وأخيرا ما يقولُ عنه الشياب [فيه سر] أي يحتوي على سرٍّ ما، علينا أن نعترف من جهةِ النظام الغذائي لسنا أكثر شعوب الأرض اعتدالا في الطعام !!
ثقافة الغذاء والصحة هي مسألة جديدة تماما ومطروحة بشكل بسيط جداً في عالم الشياب وكبار السن لاختلاف المعلومات المُعطاة إليهم والأجيال الأصغر.
الأصغر سنا والذين لم يصلوا الخمسين مختلفون قليلا، والصحة تهمهم كثيراً أعني من النادر أن تجدَ الآن من ينكر أن السمنة أو سوء التغذية تسبب الأمراض. ولكن الشكل لا يعنيهم كثيراً الكرش بالنسبة له [حاملة الخنجر] كما يقولون في بعض الأماكن في عُمان، والكرش كذلك عامل هيبة يحسب لها حساب لا بأس به، فلا يكون ذا كرش إلا من كان ذا مال ومن كان ذا مال فهو ذو جاه وهلمَّ جرَّا.
&&&
المُقلق في الأمر:
كشابٍ عُماني لم يصل للثلاثين أعيش وأتواصل مع أبناء جيلِنا الحالي، أجدُ أنَّ التعرَّض إلى هذا التأثير الدائم من الشعور المؤرق بعدم الرضى عن الذات قد أفرزَ عدَّة ظواهر اجتماعية، وفي جيلنا الشاب يبدو الأمر مختلفاً عمَّا كان عليه في زمن آبائنا، أعني لم تعد مسألة الصحة مطروحة، المهم هو الشكل، والرشاقة في حقيقتها ليس في المظهر الممتلئ المليء بالصحة وإنما في الشحوب والنحول ومحاولة البقاء في الوزن المثالي.
يزيد تأزم الأمر مع الشباب المُقبلين على الزواج هم أيضا يتزينون لنسائهم، وتراهم في الصالات الرياضية بعرقِهم وتعبِهم محاولين إنقاص تلك الكيلوات العنيدة بعدَ الملكة قبلَ النقلةِ، وفي الوقتِ نفسه الاستجابة لإغراءات المدربين الذين يغرقونَهم بما أمكنَ من المنتجات الكيميائية ذات الأثر السريع.
كوننا قادمين من ثقافة اجتماعية في التربية قائمة على فكرة [مدحنا السنور سرق، ومدحنا الطوبج احترق] أي مدحنا القط فسرق طعاما، ومدحنا لوح الصاج فإذا به يحترق ويسودُّ ويمتلئ بالسخام؛ فإنَّ مثل هذه الأفكار ستدخل بسهولة بالغة، ما دامَ سلوك اجتماعي قائم على إشعار الآخر بأنَّه بخير غير موجود. الرسالة التي يقولُها العالم: أنتَ لست قياسياً، أما المجتمع فربما يقول: لا أريد أن أفسدك بالإطراء !!! ولا ننسى أن البعض في مناطق من عُمان يجدُ ممارسة الرياضة لسبب غير الصحة، أو المتعة هو ضرب من ضروب التفولية غير المحبَّذة.
قد تكون مثل هذه الفكرة غير موجودة فينا كجيل لم يصل للثلاثين، ولكنها تبقى مزعجة ومؤرقة جدَّا لمن هم أقل من الخامسة والعشرين، ومع النساء يزداد الأمر سوءا، أعني كما يُفهم ونفهم يمكن لرجلٍ أن يتحمل كرشا صغيرة تتدلى أمامُه منبئة بالجلوس الكثير أمام التلفاز، ولكن هل تتحمل النساء ذلك؟؟
هذه صورة نمطية مزعجة، والتعرض لهذه التأثيرات الدائمة أو السماح لأنفسنا بالتعرض لها يحرِّك بداخلنا ذلك الكائن الشاك غير الراضي، حينها يخرج منها من يخرج لتجويع نفسِه، وآخرون يخرجون لتناول العقاقير، وغيرهم لتناول حبوب من أجل تخفيف الوزن، أو ينهك البعض أنفسهم بشكل جنوني فوق تحمل عضلاتهم وعظامهم في الصالات الرياضية.
فقط قلَّة قليلة من الناس تستوعب أن الوزنَ وشكل الجسم يمكن أن يأتي بنظام غذائي منظَّم، ورياضة بسيطة لا تتجاوز المشي ساعة يومياً مع الاحتفاظ بما تبقى من الرضى عن النفس ما دامَ المرء بخير وبعيد عن الأمراض وقاكم الله شرَّها.
&&&
شخصياً من هذه اللحظة إن وجدت مجلَّةً أو برنامجاً يعيد ويزيد في هذه الحكاية، سوف أقلب الصفحة أو القناة مشترياً دماغي مفكراً بساعةٍ في اليوم تكفي تماماً للوقايةِ من بأسِ مصائب العصر، ومداعباً الكرش الجَميلة التي تكبرُ أو تصغر حسبَ الوقتِ والمكانِ والزمان والمكان كما هي حالات الرضى والسخط.
المصدر : مدونة معاوية الرواحي
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions