علماء العراق .. الاغتيال مازال مستمرا والف

    • علماء العراق .. الاغتيال مازال مستمرا والف

      كتب - د. خالد محمد غازي

      ( 1)

      على مدى السنوات العشر الماضية- خاصة - تعرضت النخبة الفكرية العراقية الى موجة واسعة من الاغتيالات المخططة استهدفت علماء واكاديميين واساتذة جامعيين ويصعب على الحكومة العراقية أو الاحتلال الامريكي إعطاء رقم دقيق حول عدد القتلى من بين هؤلاء ، غير ان سلطات الاحتلال تقدر ان ما يقرب من خمسة من مفكرين وعلماء عراقيين يقتلون شهريا إضافة إلى ما بين خمسة وعشرة اغتيالات شهرياً .. لكن بصرف النظر عن العدد الحقيقي للقتلى فإن الضحية الاولى هي حرية الرأي .

      هل جريمة هؤلاء أنهم ارادوا البقاء على أرض وطنهم يشاركون شعبهم نفس المصير؟ أم أن اعداء العراق يعرفون ان هذه الأدمغة المفكرة أداة مهمة لتكوين ونهضة العراق الجديد ، الذي مازال محض حلم - فكان لابد من التخلص منهم؟ ففي الجامعات العراقية اثارت الاغتيالات المتلاحقة مناخا من الرهبة و الخوف ، حتى أن العديد من الأساتذة اصبحوا يرفضون الخوض في أحاديث سياسية .. أو ما يتعرضون له من تهديدات بالاغتيال بسبب آرائهم أو مواقفهم السياسية أو حتى العلمية .

      ان افضل الأدمغة العلمية العراقية تتعرض للاغتيال- هذا لاشك فيه - لهذا السبب آثر الكثير منهم مغادرة البلاد حفاظا على حياتهم !

      يتحدث اساتذة جامعيون فيما بينهم عن موجة الاغتيالات التي يتكهنون بهوية المجرمين الذين قد يشملون الطلاب الغاضبين او البعثيين او القوات الأمريكية او اجهزة مخابرات اجنبية يتحدثون فيما بينهم عن ضلوع اسرائيل او «السي . آي. إيه» في قتل العلماء العراقيين وذلك لمنعهم من المساهمة في إعادة بناء البرنامج النووي العراقي، فيما اعتبر آخرون ان ايران المجاورة هي التي قد تكون ضالعة في الاغتيالات، فيما رجح آخرون سوريا او تركيا لنفس الأسباب ، وينحي آخرون باللائمة على البعثيين الذين يريدون اسكات العلماء الذين قد يعرفون اكثر مما ينبغي حول ملف اسلحة الدمار الشامل في عهد حكم صدام حسين.

      وعلى حد تعبير د. صالح العليوي " لسنا نعرف السبب لكن هناك نية مبيتة لقتل العلماء. وباعتباري مدرسا او عالما فإنني اعتقد أنهم يريدوننا نتوقف عن التعلم " .

      (2)

      أي مصير ينتظرعلماء العراق؟ هكذا يتساءل كثير من النخب العربية .. هل أرهبهم التهديد بالتصفية والاغتيال.. ام ارهبتهم العصا الأمريكية فاستسلموا، أم طمعوا في جزرتها فضعفوا ؟! هل اضطروا للهجرة لأمريكا.. ودول الغرب. البحث عن مصير العلماء يبدو للبعض عبثاً، فبعد سقوط الجسد وانهياره لا يرى البعض جدوى من البحث عن العقول، وعلى العكس يؤكد آخرون أهمية البحث عن العلماء العراقيين ومحاولة التواصل معهم وإنقاذ ثروة العراق العلمية والعقلية بقدر ما نستطيع، هذا إن كانوا مازالوا على قيد الحياة!

      الأرقام المعلنة عن العلماء والأساتذة الذين تم اغتيالهم وإجبارهم على الرحيل مفزعة، ويكفي أن نشير هنا إلى المعلومات التي ذكرت في ندوة عقدت بالقاهرة، تشير إلى أن فرق الاغتيالات الإسرائيلية اغتالت الآلاف من علماء وأساتذة العراق، ولاحقاً تم الكشف عن أن أكثر من 500 من العلماء اختفوا ولا يعرف ما مصيرهم .. وأساتذة موضوعون على قوائم الاغتيال الإسرائيلية، وتشير أيضاً إلى أن نحو عشرين ألفاً أو يزيد من العلماء والأساتذة أجبروا على الرحيل عن العراق منذ بدء الاحتلال، هذه التصفية الجماعية لعلماء العراق وأساتذته، ليست سوى وجه واحد من وجوه محنة قاسية مؤلمة يعيشها أساتذة العراق اليوم، وتعيشها جامعاته ومؤسساته الأكاديمية.

      (3)

      من هذا المنطلق طرحنا التساؤلات.. وبدأنا البحث عنهم ، منذ البداية كان الهدف واضحاً وهو ما عبر عنه السيناتور الأمريكي جوزيف بايران الذي اقترح مشروع القانون صراحة بأن القانون يسعى لحرمان العراق من الكوادر الفنية والهندسية الضرورية لاستمرار برنامجه في إنتاج أسلحة الدمار الشامل وأن مشروع القانون سوف يساعد المفتشين.. ومثل كل شيء في العراق، يبدو مصير العراقيين مجهولاً مبهماً، ويظل محلاً للتخمينات والتوقعات، هناك من يجزم بهجرة عدد كبير منهم إلى أمريكا بعد سلسلة من الضغوط الأمريكية مورست عليهم، تنوعت بين الترهيب والترغيب بدأتها أمريكا مبكراً أثناء عملية التفتيش، وقبل احتلال العراق بفترة طويلة، منها القرار الأمريكي الذي صدر بتسهيل منح العلماء العراقيين الراغبين في إفشاء أسرار أسلحة الدمار الشامل الجنسية الأمريكية، ووصل الأمر لسن قانون خاص لهجرة العلماء العراقيين صدق عليه مجلس الشيوخ لمنح العلماء العراقيين الذين يوافقون على إفشاء معلومات مهمة عن برامج بلادهم التسليحية بطاقة الهجرة الأمريكية الخضراء، كان الهدف واضحاً وهو ما عبر عنه السيناتور بايران ، والذي اقترح مشروع القانون صراحة بأن القانون يسعى لحرمان العراق من الكوادر الفنية والهندسية الضرورية لاستمرار برنامجه في إنتاج أسلحة الدمار الشامل، واعتقد بايران أن مشروع القانون سيساعد المفتشين الدوليين، ويسهل مهمتهم في البحث عن الأسلحة، ورغم صدور القانون ومواصلة عمل المفتشين، وبالرغم من وجود آلاف المفتشين الأمريكيين الذين دخلوا بعد سقوط بغداد للبحث عن هذه الأسلحة، فإن أحداً لم يسمع عن وجودها! ولم نسمع أيضاً عن أسماء أعلنتها الإدارة الأمريكية لعلماء حصلوا على بطاقة دخول الجنة الأمريكية؟

      عقل العراق إذن كان مستهدفاً، وليس أدل على ذلك من وجود عدد من علماء العراق النوويين والبيولوجيين على القائمة الشهيرة التي وزعتها وزارة الدفاع الأمريكية للمطلوبين العراقيين.

      دليل آخر جاء في مواد القرار 1441 لمجلس الأمن والذي أصرت واشنطن على أن يتضمن بنداً حول استجواب العلماء العراقيين، وكان بالطبع لديها كشوف بأسماء وعناوين هؤلاء العلماء، وتردد أنه تمت مطاردتهم بعد الاحتلال واعتقال بعضهم وتهديدهم لتسليم ما لديهم من أبحاث، مما دفع بعض هؤلاء العلماء للاستعانة من خلال البريد الإلكتروني لإنقاذهم من عمليات المداهمة والتحقيق والاعتقال وكشفوا أيضاً عن محاولات لإغرائهم ونقلهم إلى مراكز بحثية غربية.

      ويكشف حديث لجنرال فرنسي متقاعد عن جانب آخر من المأساة ، حيث أكد وجود عدد من وحدات الكوماندوز الإسرائيلي دخلت الأراضي العراقية بهدف اغتيال العلماء العراقيين، الأصابع الإسرائيلية يراها البعض واضحة تماماً فيما حدث ويحدث بالعراق، وهو ما يؤكده د. باهر أيوب أستاذ العلوم السياسية حيث يري أن دخول قوات إسرائيلية أثناء عملية احتلال العراق أمر وارد، خاصة بعد ما تردد حول مسعى قوات التحالف للاستعانة بخبرة إسرائيل لقمع أية حركة تمرد داخل الشعب العراقي، ولأن إسرائيل أيضاً تعلم جيداً أن المشروع العراقي القومي لن يجهض إلا بإبادة القائمين عليه، وهم العلماء، إلغاء الميزانيات لا يجهض المشروع، وإنما اغتيال العقول التي يكمن فيها الحلم والتي تسعى لتحقيقه.

      وعلى حد تعبير د. محمود بركات رئيس هيئة الطاقة الذرية العربية السابق ، فالظروف التي تعرض لها هؤلاء العلماء دمرتهم من الداخل، الحصار الطويل عليهم، ونقص الأدوية، والرعاية الطبية، ومعظمهم في سن تجاوز الخمسين مما عرضهم للإصابة بالذبحات والجلطات، ويؤكد على أنه شخصياً يعرف أربعة من أهم رجال المفاعلات ماتوا بسبب نقص الأدوية، ويشير إلى أن هناك بالطبع آلافًا ممن لا يعرفهم تعرضوا للاغتيال المعنوي النفسي بعد أن منعت عنهم المراجع والأجهزة والأدوات والمواد اللازمة لعملهم، بعد أن دمرت الجامعات، وفرض عليهم التجويع والحصار، وقبضة النظام العراقي السابق، التي أحكمت سطوتها خاصة بعد محاولات عدد محدود من العلماء السفر، والذين كان هدفهم الخروج من الحصار والبحث عن مكان للعلاج إلا أن الحكومة العراقية السابقة تنبهت لذلك، وخشيت من هروب كوادرها العلمية ففرضت رسوماً باهظة لخروج العلماء وصلت إلى ما يعادل 40 ألف دولار كان هدفهم كما يقول د. محمود الحفاظ ـ الكوادر العلمية، لكن في ظل الظروف القاسية التي تعرض لها العلماء انهاروا معنوياً وبالطبع علمياً، ووصل بهم الأمر لدرجة أنهم لجأوا لبيع مراجعهم وكتبهم للحصول على ثمن الدواء، واضطر آخرون لترك العلم والعمل في مجالات أخرى من أجل الحصول على القوت اليومي.

      بالطبع ازدادت الصورة بعد الاحتلال سوءاً، فبعد سقوط الدولة، وبعد انهيار النظام لم يعد لأي شيء قيمة، لا نتصور بالطبع وجود جامعة تعلم أو كوادر للبحث العلمي تواصل نشاطها، فالانهيار كان تاماً وشمل الجميع وانقطعت بالطبع الصلة بالعلماء العراقيين أيضاً فالتواصل معهم صعب ومثير للقلق أيضاً ووسائل الاتصال مقطوعة كما يؤكد د. بركات ـ ومن ثم فقدنا الاتصال بالعلماء العراقيين وبالطبع لا تستطيع أية هيئة عربية دخول العراق إلا بدعوة مثلها مثل أية منظمة دولية.. خلاصة القول: أصبح مصير العلماء العراقيين محزناً، وفي تصوري أن العدد الأكبر منهم مازال في العراق يعيش ظروفه القاسية، وهناك قلة نجحت في السفر لبعض البلاد العربية.

      (4)

      أياً كان المصير فالهدف تحقق في النهاية، وهو القضاء على الصرح العلمي العراقي الذي ضم آلاف العلماء، ومن الصعب بالطبع حصر الأعداد بدقة فالنظام العراقي السابق كان عاشقاً للسرية.. إلا أنه يمكن القول إن هذا الصرح ضم مدرسة علمية متفردة، ومتعددة الجوانب في المجال الطبي والنووي والكيماوي والبيولوجي، ويمكن القول إنه في مجال العلوم النووية فقط وصل عدد المتخصصين العراقيين إلى عدد يترواح ما بين 200 و300 عالم.. ويتميزون بمكانتهم العلمية وخبراتهم وتفوقهم، حيث تخرجوا من أكفأ المدارس العلمية الأمريكية والروسية والإنجليزية المتخصصة في هذه المجالات ومن ذلك يمكن اعتبارهم رأسمالاً بشرياً، كما وصفهم البعض، وكان الهدف بالطبع هو القضاء عليه والعمل على إنهائه وانهياره، لإرجاع ليس العراق فقط، وإنما المنطقة كلها للعصور الوسطى، فالمنطقة كلها كانت وستظل مستهدفة، والهدف دائماً هو القضاء على أية محاولة تقوم بها أية دولة عربية للاعتماد على نفسها وإثبات تفوقها ووجودها.

      الهدف هو القضاء على المشروع الوطني العراقي، هذا المشروع الذي سعى لتسخير العلم بهدف الحفاظ على الأمن القومي، ولأنه يتعارض مع مصلحة إسرائيل ، ولأنه يتيح الفرصة للاعتماد على النفس وعدم التبعية للغرب فكان من الضروري العمل على إنهائه حتى لا يخرج عن المنظومة التي رسمتها الإمبراطورية الأمريكية لمشروعها الاستعماري الذي تدعم به حليفتها إسرائيل وليست هناك أدلة على صدق ذلك من تصريح جاء على لسان وزيرة الخارجية الامريكية السابقة كونداليزا رايس عندما قالت: " إن القضاء على نظام صدام أسهم في توفير الحماية والأمن لإسرائيل.

      وقد أصدرت رابطة الجامعيين العراقيين تقريرًا عن أشكال الاعتداءات عليهم في العراق كشف حقائق مأساوية سواء عن صور في أشكال الاعتداءات على الأساتذة والجامعات، أو عن الجهات التي تنفذ هذه الاعتداءات من صور الاعتداءات التي يرصدها التقرير مثلاً: القتل والاعتقال والخطف الإقصاء القسري من المناصب الإدارية، وتدخل جهات أجنبية في إدارة الاحتفالات، واقامة معارض الكتاب وانتهاك حرمة الجامعات والمؤسسات التعليمية من قبل القوات الأمريكية والحرس الوطني وميليشيات خاصة، ويكشف التقرير أن هذه الاعتداءات وغيرها، لا تشملها فقط قوات الاحتلال، وإنما أيضاً قوى وجهات طائفية، وعصابات إجرام منظمة، هي إذن حملة تصفية وإبادة منظمة لكل علماء وأساتذة العراق وعقوله، وهي حملة تخريب شاملة لكل مؤسساته العلمية وجامعاته.

      ما حدث للعراق هو ردة علمية ولن يستطيع إيجاد عدد آخر من العلماء إلا في ظل وجود مناخ علمي متمثل في وجود المكتبات والمراجع والأجهزة والأدوات، وقاعات البحث العلمي، والمعامل ، وكلها عوامل غير متوافرة وغائبة، واستعادتها ليست بالأمر السهل.

      لابد من التحرك لحماية هؤلاء العلماء .. لكن لن يحدث ذلك، مادام أن هناك احتلال!!

      k@k-ghazy.com


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions