* مزج الشرقي بالغربي هو تشويه للفن.

حوار- ياسر الموافي

اختلفت معنا الوجوه والملامح والفنون, كان لنا العديد من الوقفات والحكايات مع الفن وأهله, كان معنا الممثل والمطرب والمخرج والعازف , لكننا لم نتعرف كثيراً على الأوركسترا ذاك الفن الراقي الذي ارتبط اسمه بالترف والحس العالي والذوق الرفيع, مقطوعاتها بمثابة اللغز بالنسبة للبعض, يعتبرها الكثيرون ضربا من الجنون, لكن كان الأولى بنا أن نعرف الفن من أهل الفن, فقدر لنا قربنا من هلال بن سعود البلوشي عازف كمان بالأوركسترا السلطانية العمانية.

البلوشي الذي انضم لها في 1988 منذ العاشرة من عمره تنقل ما بين عدة آلات, أكدت موهبته أقدامه في مشوار الفن, تمسك هو بحلمه واستمر واجتهد ,قرر الاستمرار بكل جهده, حصل على درجة الدبلوم في العزف من الكلية الملكية للموسيقا في لندن, اشترك في العديد من المناسبات الاحتفالية الموسيقية خارج السلطنة وبمنطقة الخليج وأوروبا, قاد الأوركسترا في عدة مناسبات, حصد العديد من الجوائز والتكريمات مثل المركز الأول في التشكيل خلال الاجتماع السنوي للأوركسترا السلطانية العمانية, حققت مقطوعتاه "الجبل الأخضر" و "جبل شمس" مكانتهما بين مسابقة الأوركسترا السنوية بعد تحقيقهما للمركز الأول بالتأليف الموسيقي , كانت له مشاركة أخيرة بالسلطنة مع نخبة من أبرز الموسيقيين العالميين, وعن الموسيقى والأوركسترا كان لنا معه حديث خاص وهذا نصه :

قدمت حفلا مؤخرا مع مجموعة من أشهر الموسيقيين العالميين فكيف انضممت لهم ؟

تم اختياري من الأوركسترا السلطانية لأشارك بالعزف وسط نخبة من العازفين العالميين المتميزين وبعد تعرفي على المجموعة اندمجت معهم وأحسسنا بالكثير من الالفة فيما بيننا فبعد جلسة العمل الاولى, احسست بشيء مختلف لمشاركتي وسط هذه المجموعة المحترفة .

** حفل ومستقبل

هل الأمر مجرد حفل أم هناك خطط للعمل معهم عما قريب؟

اتفاقي معهم كان للحفل الذي قدمناه في السلطنة في منتجع شانجريلا بر الجصة . أما بالنسبة للمرحلة القادمة فلم تتضح الصورة لي حتى الآن مع ترحابي بالطبع بكل تعاون مستقبلي .

كيف بدأت علاقتك بآلة الكمان ؟

بدأت في عام 1989 مع الأوركسترا السلطانية مع بداية تأسسها, بعد أن التحقت معهم في 1988 وبدأت بعزف الكمان مع الحرس السلطاني العماني, واجتهدت كثيرا بعزفي وادائي الى أن وصلت للدرجة التاسعة وهي بمثابة الدبلوم .

لما اخترت آلة الكمان تحديدا ؟

قبل دخولي للأوركسترا كنت كأي شخص متابع للتلفزيون, وما زلت أذكر فقرة العزف الكلاسيكي الأوركسترالي على قناة عمان وكنت دائم التركيز مع تلك الآلة تحديدا , وقررت بعد التحاقي الاقتراب من تلك الآلة لإكتشاف أسرارها وتعلقت بها فيما بعد كثيرا, لكن قبل عزفي الكمان عزفت وتنقلت ما بين البيانو والعود والجيتار .

** أحب تفردها

هل تجد أن عمل الفنان كعازف يعد من المهن المرضية التي يمكن الاعتماد عليها؟

من الممكن أن اعتمد بكل تأكيد على عملي كعازف كمان كمهنة مستقرة , لكن في حالات الاعتماد على الكمان كآلة موسيقية وحيدة في عمل ما فمن المهم بالطبع أن تدمجها مع بقية الآلات وهذا لا ينفي قدرتها الرائعة على التلون مع من أحب تفردها في عمل ما.

هل تجد أن الفن الكلاسيكي مقتصر على فئة الصفوة فقط؟

لا بالطبع من الممكن أن يستمتع به أيا كان , ولنعد لأيام زمان حينما كانت الموسيقى مقتصرة على الملوك فقط إلى أن جاء بيتهوفن , وبعد ما قدمه من حفلات ومقطوعات هزت العالم والشعوب نجح في تحويل العالم كله لفن الأوركسترا الراقي متماشيا مع شهرة تلك الفترة من رقي فني على كافة المستويات, لكن هناك بعض الناس أسألهم شخصيا لما لا تستمعون لهذا الفن وتصدمني اجابتهم بأنه فن للمجانين بحكم عدم قدرتهم على الاقتراب منه وعدم إقدامهم على محاولة الاستماع له فقط ولو من باب التذوق, وبالنهاية فالامر متفاوت مع اختلاف اهتمامات كل شخص عن الآخر لكني أعذرهم في النهاية لعدم تعودنا على تعدد الفنون منذ الصغر .

** لما لا

ماذا أضاف لك وجودك وسط نخبة معروفة من الأسماء الفنية العالمية ؟

لا أنكر بأني قد سمعت عنهم الكثير بحكم شهرتهم العالمية, وانتابتني تلك الرهبة التي تدفعك للخروج بأفضل ما عندك ان استغللت قدراتك بالشكل الصحيح, وقررت المحاولة ولما لا ! وخرجت معهم بخبرة العمل مع فكر وذوق مستوى آخر من مستويات الدمج الفني لعزفي وسط عناصر من عازفي الجاز والموسيقى الهندية والغربية والعربية وغيرها, وأثبت تدريبنا من البداية نجاحنا في التوافق والاندماج مع بعضنا البعض .

ما الذي قدمته بآلتك وسط هذا المزيج الفني ؟

قدمت مقطوعة عربية من خلال الطبلة اليمنية وكانت من أعمال أبو بكر سالم لكننا غيرنا فيها كثيراً بالعزف والآلات .

كيف تنظر لمستوى فن الأوركسترا بالدول العربية ؟

تأسس في عمان في العام 1985 , ومصر وسوريا ولبنان لا يحضرني تحديداً بداية ولادته فيهم , لكن هذا الفن متأخر بشكل عام في دولنا العربية وليس معنى متأخر أنه لم يجد الاهتمام الكافي بقدر ما أخذ من تركيز غربي عليه وانشغالنا كعرب بشكل طبيعي بفننا الشرقي وآلاتنا الموسيقية .

** مطورة لنفسها

كيف تصف مكانة السلطنة مع الاشادة بفن الأوركسترا ومكانتها على مستوى الشرق الأوسط ؟

الحمد لله مكانتها قوية وسط مثيلاتها من الدول العربية وفنونها متنوعة ومطورة لنفسها باستمرار .

بماذا خرجت من دراستك بالكلية الملكية في لندن ؟

كانت الدراسة مكثفة، وتعلمت فن المؤشر الاوركسترالي , وعدت بخبرة جيدة من خلال الاحتكاك مع مجموعات متفاوتة من الموسيقيين وما قدموه لي من خبرة أفادتني كثيرا في مشواري .

** جهد وحظ

هل تجد أنك مميز أو محظوظ ؟

الحمد لله توفيقي من عند الله كما اجتهدت وعملت على نفسي بصورة كبيرة لأصل إلى ما وصلت إليه.

ما الذي يحتاجه الفن الكلاسيكي بشكل عام؟

بصراحة ليس بحاجة لأي شيء سوى الإجتهاد والتمرن المستمر لا أكثر ولا أقل فقد تعرفت على عازفين على مستوى عال وتفاجأت حين وجدت أن تمريناتهم تمتد حوالي ثمان ساعات يوميا, وفي النهاية فالشخص هو المسؤول عن تطوير نفسه ومستواه ونحن بحاجة لتطوير ذاتنا كعازفين عرب.

** تشويه للأصلي

ما رأيك بمزج الغربي بالشرقي ؟

في رأيي هذا كلام لا يصح فكيف تخرج لي مقطوعات موتسارت مثلا بطبلة وتقول لي هذا من باب التجديد ! وأجد بأن هذه الأمور غير مقبولة بالنسبة لي على كل حال , لأنها تشوه العمل ولاختصر عليك الحديث فنظرتي للأمر لا تتعدى وصفه بتشويه الأعمال الأصلية , من جانب آخر تجد الموسيقار الكبير عمار الشريعي قد قدم نوعا آخر من المزج حيث دمج آلاتنا الشرقية مع الغربية وتفنن بها وأخرج منها مقطوعات في غاية الروعة أثار بها اعجاب الكل وهذا مختلف عما ذكرته في بداية حديثي, ونجح فعلا الشريعي بالخروج بشيء جديد وحديث عما كان سائدا في تلك الفترة .

أمل يراودك ؟

حلمي بأن أكون قائد اوركسترا " مايسترو " ومؤلف , وإن شاء الله يتحقق لي مبتغاي وساستمر بعملي واجتهادي بكل طاقتي لأصل لما أطمح اليه .