عندما تتبعثر الأوراق التي كتبت بين أسطرها الحقيقة بيد عاصفة هوجاء متسلطة ، فإن الكلمات التي ستظهر وجه الحقيقة ، ستنطمس لأنها ستمسح تحت ظلال الأسقف الفارهة ، وأحرفها ستختفي عن الأنظار وتذهب لتحتضنها الأدراج المغلقة ، ساعتها اختفت الحقيقة من أمام أعين الملأ ، فكيف لها أن تشرق من جديد شمسها الساطعة ، ولم يعد بالإمكان لملمتها حروفها ، لهذا يا قلمي أخرست ، لأنك لا يمكن لك أن تبقى كما كنت طالما الأوراق تبعثرت ، فكيف ليدي الحرة أن تعود ، فتمسك بك وأنت مقيدا بالأغلال لترتب تلك الأحرف المتبعثرة، الزمن قاسي جدا آه يا قلماه ، والحسد والأحقاد الجاثمة في الصدور روائحها الخبيثة فاحت ، ولم تعد الأنفس تتقبلها ، ولم تقدر العقول أن تتسع لتفهم مغزاها، فلماذا رتب لك ذلك ـ وما هو الهدف والمغزى منه ، هل هو تخطيط لإخراسك ، لأنك تطرقت إلى أمر ليس لك فيه ناقة ولا جمل ، ولأنك أرادت أن تجد متنفسا لك في ربوع هذه الحياة الفانية ، فتضاربت مع المصالح الدنيوية ، ولم يخطر في بالك أنك تمشي عكس التيار فجرفك ورمي بك في طريق خطر ، أنفس ضعيفة ، همها تحطم قلبك يا قلمي عن تنطق بالحق ، ألم يدخل في عقلك أن عقول بني البشر مهما ازدانت بالعلم والمعرفة لا تتغير أحولها ، يبقى الحسد والكراهية يساور أطباعها ، وجاثما في صدورها ، علمتك قضايا الحياة التي تعرضت لها أمور كثيرة ، فهل كنت مغفلا ولم تأخذ منها الدروس والعبر ، وانكشفت لك وجوه تتلبس أقنعة ألم يكن لك أن تضمر غدرها ، ورأيت وجوهاً كانت ترى ابتساماتها بلسم ينقي قلبك ، لكن بلسمها للأسف سمٌ سريِ بسرعة فأختلط بدمك ، ليدمر قلبك وجسدك ، ويترك جرحا في قلبك الطاهر ينزف دما طول الأبد ، ألم يدر في بالك أن الصديق الوفي في هذا الزمن ، أينما وجد في أي مكان ما هو إلا سلعة نادرة ، مستحيل أن نجدها بيننا نحن البشر ، وخاصة إذا كانت قلوب بني أدم صما كالحجر ، وأن كلمة الصداقة ما هي إلا كلمة فارغة ، لا قيمتها لها تباع برخص التراب في هذا الزمن الأغبر ، فيداس على الصديق تحت الأرجل حتى تكتم أنفاسه ، وتكسر أحلامه وتبدد أماله ، وخاصة إذا غلبت المصالح بيننا نحن البشر عبدت الريال والدرهم ، وتلجم الأقلام حتى لا تنطق إذا حاولت أن تكشف الحقائق لتبقى كالسراب ما له أثر ، ألم يخطر في بالك إنك تعيش وسط غابة ، أم إنك تائها في طريق خطر ، آه يا قلمي تعلمت درسا قاسيا وقذرا ـ هذه هي الحقيقة فإلى أين المفر ، من قبل أيدي أنفس ماكرة ، وقلوب قاسية مخادعة ، هدفها إسكاتك يا قلمي وكتم أنفاسك وضبط اللجام على لسانك ، حتى لا تخرج لتبوح كلمة خير أو أن تسول لك نفسك أن تغير منكر ، تعلمت يا قلمي من الحياة دروسا وعبر ، لأنك كنت طيبا إلى أخر درجة ، تتعامل مع الجميع بحسن نية كأنك ملاك مسخر ، والطيبة للأسف ليس لا لها مكان في هذا الزمان الأغبر ، فإذا فكت قيودك يا قلمي عاهدني بأنك ستغير معاملتك كاملة مع بني البشر ، فحذاري عن يداهمك مرة ثانية الخطر ، أن العبد لا يلدغ من الجحر مرتين هكذا قالها سيد البشر ، ولكي لا تؤكل كما أكل الثور الأبيض في لحظة دهاء ومكر ، لتحمي نفسك من كل خبث وشر ، فهذه هي أطباع البشر ، منذ خرج أدم وحوا من نعيم مستقر ، بوسوسة إبليس اللعين المستكبر ، وإن رحلت فربك أولى بك فهنالك تسأل نفسك عن ما قدمت في دنياك من خير وشر ، فإن كنت على صواب من الأمر ، فإنك ستنال رحمة الباري وكرمه ، وأن أخطأت بحق الآخرين فستنال نفسك المقصرة بخالقها عقابها من الباري يوم الحشر ، هنالك ستتقابل الوجوه أمام الحي القيوم ، لترى ماذا فعلت بحق عباد الله ، وماذا كسبت في طيلة العمر ، يوم لا ينفع مالا ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، فيا أن مصيرها إلى نعيم دائم جنة من حسن جمالها تُبهر ، وأما إلى نار من شدة لهيبها تشوي الوجوه فليس لها قعر .
فتصورا أن أقلامكم مقيدة فهل يا ترى إذا فك قيدها في هذا الزمان بذات بعضها ستنطق بالحق ، أم أن بعضها ستحيد عنه مخافة من أن يعاود إليها فتلجم ، والبعض منها سيبقى يطبل ويسعى وراء تيار المصالح ؟ يا الله يعني القلم بثلاثة ألسن في هذا الزمن ؟ فأي الأقلام تختارون يا أحبة ؟
فتصورا أن أقلامكم مقيدة فهل يا ترى إذا فك قيدها في هذا الزمان بذات بعضها ستنطق بالحق ، أم أن بعضها ستحيد عنه مخافة من أن يعاود إليها فتلجم ، والبعض منها سيبقى يطبل ويسعى وراء تيار المصالح ؟ يا الله يعني القلم بثلاثة ألسن في هذا الزمن ؟ فأي الأقلام تختارون يا أحبة ؟
تم تحرير الموضوع 1 مرة, آخر مرة بواسطة ولد الفيحاء ().