بســــــــــــــــــــــم الله الـرحمن الـرحيم
((( موقعة النهـــروان و أهــواء الـمؤرخـين )))
تمهيد: ـ
الحمد لله وكفى ، وصلاة وسلاماً على المصطفى وآله وصحبه أجمعين ،
أما بعد:
هذه قراءة في جزءٍ من الفتنة التي ثارت بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم أكن لأتعرض لها لولا جرأة بعض المخالفين في الرأي خلال حوار دار بيننا وبينهم ، فتعرضوا لبعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشتم والسباب ، وقد دعموا طعنهم بشيء مما ورد في بعض المصادر التأريخية الإسلامية .
هذه القراءة هدفها تحذير المسلمين من الخوض في هذه الفتنة المظلمة التي وقعت بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي مبنية على حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم :
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي شَرٍّ فَذَهَبَ اللَّهُ بِذَلِكَ الشَّرِّ وَجَاءَ بِالْخَيْرِ عَلَى يَدَيْكَ ، فَهَلْ بَعْدَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، تَأْتِيكُمْ مُشْتَبِهَةً كَوُجُوهِ الْبَقَرِ ، لا تَدْرُونَ أَيًّا مِنْ أَيٍّ . ( رواه أحمد)
فإن كانت هذه الفتن مشتبهة على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يدروا أياً من أيٍّ ، فكيف تكون علينا نحن الذين أتينا في زمان بعيد عنهم ؟!
إنني لم أكن لأدخل في هذا الأمر لو لا أن جرَّني البعض إليه جرَّا ، فقمت بمحاولة للدفاع عن أصحاب رسول الله ، وأحتسب أجري على الله.
منهج البحث: ـ
هدفنا الأسمى هو توحيد أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ومنهجنا هو عدم التعرض لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحكام شخصية ، وإذا ذكرنا شيئاً من الأحكام فإنما هو نقلٌ لأقوال كبار الصحابة أنفسهم ، أو لأحد من كبار التابعين القريب لتلك الفترة ، والذي يؤخذ قوله بالقبول من جميع الأطراف ، وكذلك من مصادر يقبلها المخالف في الرأي ما استطعت ، وفي ذلك أولاً غمطٌ كبير للمصادر الإباضية رغم شهادة المخالفين لهم بالنـزاهة عن الكذب ، وثانياً في ذلك ترك للكثير من الحقائق والحجج التي لو اعتمدت عليها لأغنتني عن الكثير من النقل.
محور دراستنا هم أهل النهروان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذين تعرَّض لهم بعض المتهورين بالطعن والتفسيق ، وهذا يحتَّم علينا بطبيعة الحال التعرض للفتنة ، والدخول في متاهاتها ، نسأل الله أن يجعل لنا نوراً يمكننا من الخروج من ظلمائها سالمين .
سأحاول جاهداً أن أعرض فقط ما يكون ذكره ضرورةً من أحداث الفتنة ، والتي تعني أهل النهروان مباشرة
مثار الفتنة: ـ
مثار الفتنة هو مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان ، ومطالبة بعض الصحابة بتعجيل القصاص من قَتَلته ، وهذا موضوع لن ندخل في تفصيلاته ، ولكن في خلافة الإمام علي ابن أبي طالب ، انشقَّ معاوية بن أبي سفيان ، ولم يسلِّم للإمام علي بن أبي طالب القياد ، واستأثر ببلاد الشام ، وكان مؤازره صحابي آخر هو عمرو بن العاص 0
من جانب آخر خرج الصحابة طلحة والزبير على الإمام علي وانضمت إليهم أم المؤمنين عائشة ومعهم خلق كثير ، فتمت المواجهة في ما سمي ب(موقعة الجمل) وقتل في هذه المعركة عدد كبير من المسلمين يقدَّر بالآلاف ، وكانت الغلبة للإمام علي ، فتوجه بعدها لإخضاع معاوية فكانت (موقعة صفين ) حيث قُتل مرةً أخرى ألوفٌ من المسلمين ، وكاد جيش معاوية أن ينهزم لولا خروج عمرو بن العاص داهية العرب بخطة جديدة ، وهي رفع المصاحف طلباً للتحكيم 0
فكانت أول نتيجة أن انقسم جيش علي إلى قسمين أحدهما يرى وجوب وقف القتال حقناً للدماء ، وآخر يتزعمه بعض الصحابة يرى أنَّ هذه من دواهي عمرو عندما رأى الهزيمة بين عينيه ، ونادَوا أنْ (لا حكم إلا لله) ؛ وحكم الله واضح في قتال الفئة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله بانضوائها تحت راية الخليفة المنتخب ، ولكنْ مع ميل الإمام علي للرأي الثاني فإن رضوخه كان للرأي الحاقن للدماء ، وهنا نشبت الفتنة الجديدة وانقسم جيش الإمام علي ، فانحاز الكثير من الصحابة – وفيهم رجالٌ من أهل بدر وأهل بيعة الشجرة ، وتبعهم خلقٌ كثير ممن لم يرتضوا التحكيم إلى منطقة تدعى (حروراء) ، ونصبوا إماماً جديداً عليهم بعد أن خلع الإمام عليّ البيعة من عنقه بارتضائه للتحكيم ، وذلك اتباعاً لقوله صلى الله عليه وسلم الذي ورد في صحيح مسلم في كتاب الإمارة :
{..وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً }
وكانت الفتنة فعلي بن أبي طالب لم ير هؤلاء إلا فئة باغية اغتصبت الخلافة منه مثلهم في ذلك مثل معاوية ، فاقتتل جيش الإمام علي في موقعة النهروان ، وسقط من المسلمين مرةً ثالثةً أعداد كبيرة ، فيهم بقية الله في أرضه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا متفق عليه بين كلِّ المصادر التأريخية باختلاف مشاربها.
قراءة الأحداث: ـ
هذه فتنة عمياء ، اقتتل فيها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والحقُّ أنه لم يقم المسلمون بعدها إلا على ضلع أعوج ، فتحزبوا أحزاباً ومذاهب شتى ، كلٌ يتأول هذه الأحداث على طريقته والخلفية التأريخية التي ينظر من خلالها ، ولم يخل كاتبٌ من التحيُّز لفريق دون آخر ، وهذا ليس بالعجيب ، فهي كما وصفها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم فتنٌ كقطَع الليل المظلم ، كيف لنا أن نبصر فيها ، ولكن كانت هنالك سبيل السلامة ؛ تلك التي أصَّلها الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز بقوله: (تلك دماءٌ طهَّر الله منها سيوفَنا ، أفلا نُطَهِّر منها ألسنتنا) ، والتي استلهمها من قوله تعالى : {تلك أمةٌ قد خلتْ لها ما كسبتْ ولكمْ ما كسبتمْ ولا تُسألون عمَّا كانُوا يَعملون} وما أسلمها من طريق ! كيف لا ونحن لا نصل مُدَّ أحد أولئك الصحابة ولا نصيفه ، ولو أنفقنا مثل أحدٍ ذهبا ، وقد أحسن أبو عمرو بن العلاء في قوله (ما نحن فيمن مضى إلا كبقل في أصول نخل طوال)!
((( موقعة النهـــروان و أهــواء الـمؤرخـين )))
تمهيد: ـ
الحمد لله وكفى ، وصلاة وسلاماً على المصطفى وآله وصحبه أجمعين ،
أما بعد:
هذه قراءة في جزءٍ من الفتنة التي ثارت بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم أكن لأتعرض لها لولا جرأة بعض المخالفين في الرأي خلال حوار دار بيننا وبينهم ، فتعرضوا لبعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشتم والسباب ، وقد دعموا طعنهم بشيء مما ورد في بعض المصادر التأريخية الإسلامية .
هذه القراءة هدفها تحذير المسلمين من الخوض في هذه الفتنة المظلمة التي وقعت بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي مبنية على حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم :
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي شَرٍّ فَذَهَبَ اللَّهُ بِذَلِكَ الشَّرِّ وَجَاءَ بِالْخَيْرِ عَلَى يَدَيْكَ ، فَهَلْ بَعْدَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، تَأْتِيكُمْ مُشْتَبِهَةً كَوُجُوهِ الْبَقَرِ ، لا تَدْرُونَ أَيًّا مِنْ أَيٍّ . ( رواه أحمد)
فإن كانت هذه الفتن مشتبهة على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يدروا أياً من أيٍّ ، فكيف تكون علينا نحن الذين أتينا في زمان بعيد عنهم ؟!
إنني لم أكن لأدخل في هذا الأمر لو لا أن جرَّني البعض إليه جرَّا ، فقمت بمحاولة للدفاع عن أصحاب رسول الله ، وأحتسب أجري على الله.
منهج البحث: ـ
هدفنا الأسمى هو توحيد أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ومنهجنا هو عدم التعرض لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحكام شخصية ، وإذا ذكرنا شيئاً من الأحكام فإنما هو نقلٌ لأقوال كبار الصحابة أنفسهم ، أو لأحد من كبار التابعين القريب لتلك الفترة ، والذي يؤخذ قوله بالقبول من جميع الأطراف ، وكذلك من مصادر يقبلها المخالف في الرأي ما استطعت ، وفي ذلك أولاً غمطٌ كبير للمصادر الإباضية رغم شهادة المخالفين لهم بالنـزاهة عن الكذب ، وثانياً في ذلك ترك للكثير من الحقائق والحجج التي لو اعتمدت عليها لأغنتني عن الكثير من النقل.
محور دراستنا هم أهل النهروان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذين تعرَّض لهم بعض المتهورين بالطعن والتفسيق ، وهذا يحتَّم علينا بطبيعة الحال التعرض للفتنة ، والدخول في متاهاتها ، نسأل الله أن يجعل لنا نوراً يمكننا من الخروج من ظلمائها سالمين .
سأحاول جاهداً أن أعرض فقط ما يكون ذكره ضرورةً من أحداث الفتنة ، والتي تعني أهل النهروان مباشرة
مثار الفتنة: ـ
مثار الفتنة هو مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان ، ومطالبة بعض الصحابة بتعجيل القصاص من قَتَلته ، وهذا موضوع لن ندخل في تفصيلاته ، ولكن في خلافة الإمام علي ابن أبي طالب ، انشقَّ معاوية بن أبي سفيان ، ولم يسلِّم للإمام علي بن أبي طالب القياد ، واستأثر ببلاد الشام ، وكان مؤازره صحابي آخر هو عمرو بن العاص 0
من جانب آخر خرج الصحابة طلحة والزبير على الإمام علي وانضمت إليهم أم المؤمنين عائشة ومعهم خلق كثير ، فتمت المواجهة في ما سمي ب(موقعة الجمل) وقتل في هذه المعركة عدد كبير من المسلمين يقدَّر بالآلاف ، وكانت الغلبة للإمام علي ، فتوجه بعدها لإخضاع معاوية فكانت (موقعة صفين ) حيث قُتل مرةً أخرى ألوفٌ من المسلمين ، وكاد جيش معاوية أن ينهزم لولا خروج عمرو بن العاص داهية العرب بخطة جديدة ، وهي رفع المصاحف طلباً للتحكيم 0
فكانت أول نتيجة أن انقسم جيش علي إلى قسمين أحدهما يرى وجوب وقف القتال حقناً للدماء ، وآخر يتزعمه بعض الصحابة يرى أنَّ هذه من دواهي عمرو عندما رأى الهزيمة بين عينيه ، ونادَوا أنْ (لا حكم إلا لله) ؛ وحكم الله واضح في قتال الفئة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله بانضوائها تحت راية الخليفة المنتخب ، ولكنْ مع ميل الإمام علي للرأي الثاني فإن رضوخه كان للرأي الحاقن للدماء ، وهنا نشبت الفتنة الجديدة وانقسم جيش الإمام علي ، فانحاز الكثير من الصحابة – وفيهم رجالٌ من أهل بدر وأهل بيعة الشجرة ، وتبعهم خلقٌ كثير ممن لم يرتضوا التحكيم إلى منطقة تدعى (حروراء) ، ونصبوا إماماً جديداً عليهم بعد أن خلع الإمام عليّ البيعة من عنقه بارتضائه للتحكيم ، وذلك اتباعاً لقوله صلى الله عليه وسلم الذي ورد في صحيح مسلم في كتاب الإمارة :
{..وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً }
وكانت الفتنة فعلي بن أبي طالب لم ير هؤلاء إلا فئة باغية اغتصبت الخلافة منه مثلهم في ذلك مثل معاوية ، فاقتتل جيش الإمام علي في موقعة النهروان ، وسقط من المسلمين مرةً ثالثةً أعداد كبيرة ، فيهم بقية الله في أرضه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا متفق عليه بين كلِّ المصادر التأريخية باختلاف مشاربها.
قراءة الأحداث: ـ
هذه فتنة عمياء ، اقتتل فيها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والحقُّ أنه لم يقم المسلمون بعدها إلا على ضلع أعوج ، فتحزبوا أحزاباً ومذاهب شتى ، كلٌ يتأول هذه الأحداث على طريقته والخلفية التأريخية التي ينظر من خلالها ، ولم يخل كاتبٌ من التحيُّز لفريق دون آخر ، وهذا ليس بالعجيب ، فهي كما وصفها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم فتنٌ كقطَع الليل المظلم ، كيف لنا أن نبصر فيها ، ولكن كانت هنالك سبيل السلامة ؛ تلك التي أصَّلها الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز بقوله: (تلك دماءٌ طهَّر الله منها سيوفَنا ، أفلا نُطَهِّر منها ألسنتنا) ، والتي استلهمها من قوله تعالى : {تلك أمةٌ قد خلتْ لها ما كسبتْ ولكمْ ما كسبتمْ ولا تُسألون عمَّا كانُوا يَعملون} وما أسلمها من طريق ! كيف لا ونحن لا نصل مُدَّ أحد أولئك الصحابة ولا نصيفه ، ولو أنفقنا مثل أحدٍ ذهبا ، وقد أحسن أبو عمرو بن العلاء في قوله (ما نحن فيمن مضى إلا كبقل في أصول نخل طوال)!
