مسقط - ش

معهد عمر بن الخطاب للمكفوفين، مؤسسة تعليمية متخصصة تقدم خدماتها لفئة كفيفي وضعاف البصر، أنشئ بدعم من مؤسسة سعود بهوان للأعمال الخيرية، وتشرف عليه دائرة التربية الخاصة بالمديرية العامة للبرامج التعليمية بوزارة التربية والتعليم، حيث تم افتتاحه في العام الدراسي 1999/ 2000، ومنذ ذلك الحين والمعهد يستقبل الطلبة كفيفي وضعاف البصر من أجل تهيئتهم علميا ونفسيا واجتماعيا ورياضيا، حيث لا يقتصر دور المعهد على القيام بالعملية التربوية التعليمية بل يتعدى دوره لتسهيل عملية التواصل بين كفيفي وضعاف البصر وأفراد المجتمع الآخرين.

التحقيق التالي يسلط الضوء على الخدمات التي يقدمها معهد عمر بن الخطاب لطلبته، كما يتطرق إلى آراء الطلبة في هذه الخدمات، والبرامج والفعاليات التي قامت بها الهيئة الإدارية والتدريسية من أجل تسهيل مهمة التعلم للطلبة، وتسهيل عملية تواصل الطلبة بالعالم الخارجي عبر استخدام الوسائل التقنية الحديثة.

** البداية

بداية لقاءاتنا كانت مع المكلفة بتسيير أعمال مديرة معهد عمر بن الخطاب للمكفوفين لميس بنت عباس البحرانية التي حدثتنا عن تاريخ المعهد قائلة: افتتح المعهد في العام الدراسي 1999/ 2000، وكان عدد الطلاب فيه اثني عشر طالبا وطالبة، بدأوا دراستهم في المعهد بالإمكانيات المتوافرة في ذلك الوقت، أما حالياً فيبلغ عدد الطلاب مائة وأربعة وعشرين طالبا وطالبة، يدرسون في الصفوف من التمهيدي حتى الثاني عشر، وقد احتفل المعهد بتخريج أول دفعة أنهت الصف الثاني عشر -تعليم كبار- خلال العام الدراسي الفائت 2008/2009 وكان عددهم عشرة طلاب.

** معايير القبول

أما عن معايير القبول في المعهد فتقول لميس البحرانية قائلة: يقبل المعهد حالات كف البصر وضعاف البصر الذين تقل حدة إبصارهم عن 60/6 أو 200/20 طبقاَ لمقياس سنلن(snellen) بالعينين، كما يقبل المعهد حالات ضعف البصر الذين تترواح حدة أبصارهم 60/6-24/6 وتستخدم الحروف المكبرة في تدريسهم .

مضيفة: أما عن أعمار الطلبة فإن المعهد يقبل الطلاب من سن خمس سنوات في الصف التهيئة، كما يتم قبول الطلاب الذين تزيد أعمارهم عن اثني عشرة سنة في فصول محو الأمية وتكون مدة الدراسة ثلاث سنوات ومن ثم ينتقل الى الدراسة في فصول تعليم الكبار .

** تكييف وتكبير الكتب

وتوضح لميس البحرانية آلية التواصل بين الطلبة وطاقم التدريس في المعهد بقولها: من أجل إيجاد وسيلة سهلة للتواصل بين المعلمين والطلبة، وتمكين المعلمين من تقديم الخدمات التعليمية بشكل جيد يتم تأهيل جميع المعلمين عن طريق الدورات التدريبية والمشاغل التربوية التي تقام بالمعهد، إضافة لتأهليهم على كيفية التعامل مع الطالب الكفيف والتي تنظمها دائرة التربية الخاصة بالمديرية العامة للبرامج التعليمية بديوان عام الوزارة، حيث يتمتع الكادر التدريسي والإداري في المعهد بكفاءة عالية ومهارات التواصل بلغة برايل مع الطلبة، إضافة للمهارات الأخرى.

مستطردة: أما الطلبة الدارسون في المعهد فيتلقون تعليمهم من خلال المناهج الدراسية العادية حالهم كحال زملائهم المبصرين في بقية مدارس وزارة التربية والتعليم، ويكمن الفرق في طريقة طباعة الكتب فقط، حيث قام المعهد بتنفيذ مشروعين رائدين هما تكييف الكتب الدراسية بلغة برايل، وتكبير خط المناهج الدراسية لضعاف البصر، وجاءت فكرة مشروع تكييف المناهج إيماناً من الوزارة بأن الكتاب المدرسي أساس مهم من أسس التعليم ووسيلة قيمة في نمو ثقافة الطلبة ونظراً لأن الطالب الكفيف جزء لا يتجزأ من المنظومة التعليمية ومن هنا جاءت فكرة تحويل الكتاب العادي الى كتاب مطبوع بلغة برايل ليخدم الطلبة ذوي الإعاقة البصرية وتكبير أحجام خطوط الكتب العادية بما يمكنهم من التعرف على محتوياتها والاطلاع على المعارف والمعلومات التي تضمها، إضافة لتوفير مجموعة من الكتب التي يحتاجها الطالب في مركز مصادر التعلم بلغة برايل مثل المصحف الشريف وأمهات الكتب الدينية وكتب المعارف العامة والموسوعات.

** خدمات مختلفة

يقدم معهد عمر بن الخطاب للمكفوفين العديد من الخدمات التي تجعل الكفيف يعيش حياة طبيعية تبعده عن الشعور بفقدان إحدى حواسه التي يتمتع بها المبصرون، وفي هذا الإطار تقول باسمة بنت صالح الغيلانية الأخصائية الاجتماعية بالمعهد: يقدم المعهد العديد من الخدمات للطلبة من بينها الخدمات العلاجية والوقائية، والنفسية كتحقيق الاستقرار والتكيف النفسي والاجتماعي والتربوي للطالب مع البيئة المدرسية الأمر الذي يؤدي الى التفاعل الإيجابي مع العملية التعليمية والأنشطة المدرسية وبرامجها من حيث اكتشاف الحالات الفردية ومساعدة الطالب في حل هذه المشاكل التي تحول بينه وبين الاستفادة من البرامج التعليمية ليصبحوا قادرين على التكيف النفسي والاجتماعي في البيئة المدرسية .

مضيفة: أما من الناحية الاجتماعية فيتم الالتقاء بأولياء الأمور لمساعدتهم على الاهتمام بأبنائهم وتوفير البيئة المناسبة للاستذكار داخل المنزل والاطلاع على تقارير الأداء الخاصة بأبنائهم بشكل دوري، وإشراك الطلبة في مختلف الأنشطة التي تقيمها المدرسة والمدارس الأخرى سواء أكانت أنشطة فنية أو مسرحية أو رياضية، وتقديم الجوائز الرمزية والمعنوية والمادية وتنظيم الرحلات المدرسية بالتنسيق مع المدرسة.

** تواصل مستمر

احتفل معهد عمر بن الخطاب للمكفوفين خلال العام الدراسي الفائت 2008/2009 بتخريج الدفعة الأولى من طلاب الصف الثاني عشر وبهذا الشأن تشير مساعدة مديرة المعهد كاذية بنت الصقر الخروصية قائلة: من منطلق إتاحة الفرصة لإكمال الطلبة خريجي المعهد لدراستهم الجامعية في مؤسسات التعليم العالي قام المعهد بمساعدة الطلبة للتسجيل في نظام القبول الموحد وعليه تم قبول طالبة في جامعة السلطان قابوس والبقية في الجامعات والكليات الخاصة الموزعة على مختلف أرجاء السلطنة، وقد كان للوزارة دور في تسهيل تسجيل هؤلاء الخريجين بمؤسسات التعليم العالي عن طريق التواصل مع مركز القبول الموحد بوزارة التعليم العالي، وتهيئة الظروف لقبولهم في التخصصات التي تتناسب وقدراتهم.

وتضيف كاذية الخروصية: كما كان للمعهد دور في تواصل طلبته ببقية المؤسسات المهتمة بالمكفوفين كجمعية النور للمكفوفين حيث يلتقي طلاب المعهد مع أعضاء الجمعية في الفترة المسائية، والمشاركة في الأنشطة والبرامج التي تنفذها الجمعية، إضافة إلى مشاركة المعهد في برنامج التواصل مع المجتمع والذي يهدف إلى مشاركة أولياء الأمور في البرامج التي ينفذها المعهد، والاستفادة من المهارات التي يمتلكونها عبر تقديمهم لمشاغل تدريبية في مختلف المجالات، وتسهيل حصول طلبة المعهد على بعض الامتيازات الخاصة والتي تلبي احتياجاتهم وتعينهم على التعايش مع بقية أفراد المجتمع.

** القسم الداخلي

وتوضح باسمة الغيلانية قائلة: يوفر معهد عمر بن الخطاب للمكفوفين من المناطق البعيدة عن محافظة مسقط قسما داخليا يتوفر به كافة الخدمات التربوية والاجتماعية والترفيهية التي يحتاجها الكفيف، حيث يستقبل المعهد في القسم الداخلي الطلبة من سن ست سنوات حتى خمس وعشرين سنة، فهناك قسم منفصل للذكور، وآخر للإناث، كما يتم فصل الطلبة الكبار عن الصغار، مع توفير مربيات للأطفال الذين تقل أعمارهم عن عشر سنوات، ووجود مشرفين لبقية الطلبة الذين تزيد أعمارهم عن العشر سنوات.

** مركز الوفاء لتقنيات المكفوفين

يوجد بمعهد عمر بن الخطاب للمكفوفين مركز الوفاء لتقنيات المكفوفين، وهو مركز خاص برعاية المكفوفين بأسلوب يمكنهم من التعايش مع العالم الخارجي بطريقة سهلة، وفي هذا الإطار يقول المعلم أحمد بن حمد الخروصي المكلف بأعمال مساعد مديرة معهد عمر بن الخطاب للمكفوفين لشؤون مركز الوفاء لتقنيات التعليم للمكفوفين: المركز يقوم بدعم المعهد للانتقال بالمكفوفين الى عصر التكنولوجيا والمعلوماتية، وتقديم التقنيات الحديثة لرفع مستوى الدراسة بالمعهد ليتناسب مع المؤسسات التعليمية الأخرى بالسلطنة، وتوفير التجهيزات اللازمة لطباعة الكتب وإعداد وتنفيذ الرسومات والخرائط والأنشطة التي تساعد الكفيف وضعيف البصر على تلمس مكونات العالم المحيط به من خلال لغة برايل، إضافة لتقديم الخدمات التعليمية باستخدام التقنيات الحديثة لكافة المكفوفين وضعاف البصر كالتسجيلات الصوتية والتي يتم تسجيلها في المركز من خلال وجود غرفة مهيأة بالوسائل والأجهزة الخاصة بهذا الغرض.

** برنامج الناطق

من أجل تسهيل عملية تواصل طلبة المعهد بالعالم المحيط بهم عبر استخدام الوسائل التقنية وفر المعهد أجهزة الحاسب الآلي الناطق، وحول هذا المشروع يقول المعلم رائد بن عبدالحافظ الفارسي وهو معلم كفيف البصر ومشرف على برنامج الناطق: استخدام الحاسب الآلي كان حلما بالنسبة لنا نحن كفيفي البصر، وقد وفر برنامج الناطق الاستقلالية التامة للكفيف عن الآخرين في مجال استخدام الحاسب الآلي، وتقوم فكرة البرنامج الناطق على توفير أجهزة حاسب آلي مزودة ببرامج ناطقة (قارئات الشاشة) تساعد المكفوفين على سماع التعليمات الخاصة بالأيقونات التي يريد المستخدم الدخول إليها، وهي بهذه الطريقة تسهل على الطلبة كفيفي وضعاف البصر مهمة الوصول إلى البرامج التي يحتاجونها، وتزويد هذه الأجهزة بخدمة شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) وفق برامج خاصة بالمكفوفين تمكنهم من الوصول إلى المعلومات بكل يسر وسهولة.

أما عن الفوائد التي اكتسبها المكفوفين من خلال هذا البرنامج فيقول رائد الفارسي: حقق البرنامج العديد من الفوائد والتي منها الانتقال بالمكفوفين الى عصر التكنولوجيا وتقديم الخدمات التعليمية باستخدام التقنيات الحديثة لكافة المكفوفين وضعاف البصر .

** لا فرق بيننا

الطلبة الدارسون في المعهد كانت لهم وجهة نظرهم التي تعكس مدى استفادتهم من الخدمات التي يقدمها المعهد، حيث يقول رضا بن يعقوب الحضرمي الطالب بالصف العاشر: الدراسة في المعهد مثل الدراسة في المدارس الأخرى، والفرق أننا ندرس بطريقة برايل، و في المعهد نمارس مختلف الأنشطة الرياضية والفنية، إضافة إلى وجود مركز لمصادر التعلم بلغة برايل يمكننا من الاطلاع على مختلف أنواع العلوم.

ويضيف رضا الحضرمي موضحا استفادته من وجوده بالمعهد: استفادتي كبيرة، حيث أخرجني المعهد من الظلام إلى النور، ولا أشعر بوجود فرق بيني وبين المبصرين إلا فقدان حاسة البصر، حيث أستطيع الآن استخدام التقنية في التواصل مع الآخرين.

الطالبة حبيبة بنت سالم الشرجية الدارسة بالصف الثامن تقول : استفدت أشياء كثيرة مثل استخدام الحاسب الآلي، ولغة التواصل بين المكفوفين والآخرين وهي لغة برايل، ولا أجد فرقا بيني وبين زملائي المبصرين، لأن المعهد يوفر لنا خدمات كثيرة مثل الرحلات والمشاركات الخارجية في مختلف المجالات .

وتنصح حبيبة زملاءها الذين يعانون من كف البصر ويختبئون في منازلهم قائلة: أنصح زملائي الذين يعانون من كف البصر بضرورة التسجيل بالمعهد والاستفادة من الخدمات التي يقدمها في مختلف المجالات، موضحة أنها تنوي إكمال دراستها الجامعية في جامعة السلطان قابوس في تخصص التاريخ لتكون مدرسة بالمعهد في المستقبل.

الطالب ليث بن إسحاق الكندي الدارس بالصف السادس، والمجيد في كثير من الأنشطة التي ينفذها المعهد إضافة لحفظه جزءا كبيرا من القرآن الكريم قال : استفدت من خلال دراستي بالمعهد أشياء كثيرة، مثل اللغة العربية واللغة الإنجليزية، والحاسب الآلي، كما أتاح لي الفرصة للمشاركة في العديد من الأنشطة التي ينظمها المعهد كالرحلات والأمسيات، وقد شاركت في الإنشاد ورواية القصة في كثير من المناسبات.

وتختم اللقاءات الطالبة نعمة بنت محمد الشرجية الدارسة بالصف العاشر بقولها: ندرس في المعهد كل المواد التي يدرسها زملاؤنا في المدارس الأخرى عن طريق لغة برايل، ولا أجد صعوبة في ذلك، كما أتاح لنا المعهد المشاركة في أنشطة المسرح والإذاعة المدرسية وممارسة الأنشطة الرياضية الخاصة بالمكفوفين كالتنس، كما يوفر لنا المعهد كل الوسائل التعليمية مثل الحاسب الآلي وآلة البركنز وهي الآلة الخاصة بالكتابة للمكفوفين، وهذا يجعلنا نشعر بالراحة كوننا نحظى بالاهتمام والرعاية، مضيفة: أتمنى إكمال دراستي الجامعية في تخصص التاريخ لأنها تعرّفني بتاريخ الأمم السابقة.

** وقفة أخيرة

معهد عمر بن الخطاب للمكفوفين، ليس مجرد معهد يقدم خدماته التعليمية للمكفوفين فحسب، بل إنه يزرع الأمل في نفوس الطلبة الدارسين فيه ويؤهلهم في نفس الوقت لدخول سوق العمل عبر اكتسابهم للعديد من المهارات التي تهيؤهم لمواكبة كل المتغيرات التي يشهدها العالم من حولهم.