ربما هزأ منه الوقت فرماه على جدار النسيان وكتب اسمه على لائحة الظلام وارتحل عنه بعد أن أثار حوله كومة من الغبار .. ربما عبثت بفكره رياح الشمال فانقشعت السحب الماطرة التي كان يستظل ويرتوي منها ليظل عارياً تحت الشمس تحرقه في النهارات بلهيبها وتغسله الرطوبة كل مساء .. ربما لأنه قرأ الحياة بفكر خاطئ فكانت نظرته للحياة قصيرة ومحدودة وظن أن الدهر مرتع أفراح فقط لكن الدهر أثبت له أن كل السعادة مهما تطاول أمدها تبقى شحيحة ويظل الأسى وجه سائد في كل الأنحاء .. ربما ظن أن هؤلاء المارة من البشر حوله منهم رجل رشيد قد يمد له يده كي ينقذه من هذا الغرق لكن كل الرجال قد مروا وتجلت الأقدام وفض الطريق من المارة دون أن يلتفت إليه أحد .. ربما داعبت أخيلته الأمنيات وتراقصت على أطراف أهداب عيناه الأحلام الوردية في المساءات الملونة وظن أن الغد الآتي محملاً بكثير من الجمال ، وظن أن الليل الجاثم بالسواد هو تحقيق لمآرب هذه الأحلام لكنه ظل بحلمه والليل ظل كما هو لم يغادره حتى سئم من أحلامه وسئم من ساعات الليل فراح يبحث في المدى عن الشمس كي يرى فيها النور لكن الشمس ظلت غائبة .. ربما لأنه سافر يبحث عن ذاته التي أضاع ملامحها منذ أيام الطفولة لكن الرحلة طالت والطريق طال ولم يجد من ذاته شيئاً .. ربما أنه أفرد مراكبه وأشرعته بإتجاه الزرقة العميقة ظناً منه أن خلف هذا البحر وطن آخر .. هكذا ظل بإبحاره لكن ثمة عاصفة مجنونة عصفت بمركبه فمزقت أشرعته وحطمت ألواحه وتاه في تلك الزرقة على بعض ألواح حتى حمله الموج إلى هذا الشاطئ المتوثب بالصخور المسننة .. ربما لأنه قد سئم الحياة فقرر الموت .. ربما أنه كذلك ولذلك كانت وصيته على صدره معلقة ومكتوبة بالفحم إن وجدتموني ميتاً فأنا رجل أضاع عمره يبحث نفسه وعن أحلامه وتولى العمر دون أن أمسك على .. لكن وصيته كانت ناقصة ......
جزء من مقالي
جزء من مقالي