"أبو عمران".. فاقد البصر لكنه لم يفقد البصي

    • "أبو عمران".. فاقد البصر لكنه لم يفقد البصي

      * يناهز السبعين عاما، وقصة كفاحه دامت 54 سنة وما زال الأمل يلوح من حُمرة عينيه وشهيق أنفاسه.

      مسقط- انتظار الجابرية

      طرقنا الباب فتدافع ثلاثة من أطفاله ليعرفوا من القادم، دلفنا إلى البيت فإذا هو جالس بين أولاده في صحن الدار، كانوا يفصلون الغث عن السمين من كومة تمر أمامهم.

      وقفنا نتأمله وهو يميز التمر بعناية.

      "العم" أبو عمران كفيف البصر يناهز السبعين عاما، وقصة كفاحه دامت 54 عاما ولا تزال مستمرة.

      * السادسة عشرة

      أبو عمران ودعت عيناه النور وهو في السادسة عشرة من عمره بسبب "الرمد" الذي انتشر خلال تلك الآونة، لم يكن لأبي عمران علاج يمكن أن يشفي حالته آنذاك، ولا يذكر سوى أنه ترك في غرفة مظلمة بعيدا عن الشمس أملا في الشفاء لكن لا جدوى من ذلك، ويسرد لنا حكايته وهو ينتقي التمر بعناية فيقول: "لم أكن الوحيد الذي أصبت بهذا المرض فكان معي ما يقارب 20 شخصا من الحارة والجميع تلقوا نفس العلاج لكن شاءت الأقدار أن أكون الوحيد بينهم الذي لم تشف عيناه".

      * الذكريات باقية

      فقد أبو عمران البصر لكن لا تزال ذكريات الماضي محفورة في مخيلته حتى الآن، فيحكي لنا عن بنات الحارة باللباس التقليدي والحلي الفضية أيام زمان. "القاشع" ، "الغنيبة" و"السيداف" و"الملحلاح" كانت قوتي خلال تلك الأيام وكنت أسعد كثيرا عندما نقوم بإعدادها للغداء أو العشاء، ولم تكن القهوة كما تعرفونها اليوم بل كنا نقوم بقلي "اللوبيا" ثم نشربها كالقهوة.

      ويبدأ الكفاح

      لم يختر أبو عمران العزلة بعيدا عن الحياة و ضجيجها، ولم يجعل من العمى عائقا يقف أمامه وأمام حياته التي لم يبدأها بعد، فكسر تلك المخاوف التي كانت تراوده، وفك نفسه من تلك القيود التي كانت تحاصره، وقرر الكفاح والعمل لأن الحياة الصعبة آنذاك تتطلب منه أن يسعى لسد رمقه ويكسب قوت يومه، فعمل على حمار كان يسافر من خلاله إلى نزوى حينا وإلى مطرح أحيانا أخرى ليبيع قطع سمك وتعود عليه بقروش معدودة ليهنأ بها وأهل داره.

      * رفيقي العصا

      ويكمل: "كانت الدروب التي نقطعها خلال السفر طويلة جدا، وكنا نقضي أياما ونحن في الطريق. لم تكن الطرق آمنة مثل اليوم بل كانت موحشة جدا بخاصة عندما أكون وحيدا في سفري عندها لا أجد في الطريق ما يؤنس وحشتي غير العصا الذي يكفيني كرفيق أينما أذهب، أتلمس به الأرض والحجارة فيرشدني إلى الطريق الصحيح".

      * "قلبي دليلي"

      الجميل في الأمر أن أبا عمران لا يحتاج لأحد أن يقوده أو يدله على الطريق، فهو يعرف البلد معرفة تامة وكما يقول المثل: "أهل مكة أدرى بشعابها"، فقد اعتاد أبو عمران أن يسلك الطريق وحده دون مساعدة من أحد وعندما سألناه كيف ذلك؟ كان الرد مختصرا بعبارة: " قلبي دليلي". لا يواجه أبو عمران أية صعوبة في المشي وحيدا في بلدي بولاية سمائل مطلقا، لكن في الأماكن الصعبة مثل مسقط أو السيب -حسب قوله- فلا يستطيع أن يغامر لكنه يكتفي بأن يمشي أحد أمامه فيمشي هو وراءه.

      * محاولة... لكن

      بعد أن انتهى زمن التنقل على "الحمير" عمل أبو عمران لمدة شهرين كمدني في ولاية صلالة وكان عمله مرافقة الضباط الأجانب من المطار وأثناء تجوالهم في المنطقة، وخلال تلك الفترة حاول معالجة عينيه، ونجحت تلك المحاولة بأن شفاه الله واستطاع أن يرى بعين واحدة. عندها تعلم أبو عمران قيادة السيارة ونجح في ذلك، لكن ما لبث أن عاد إلى سمائل حتى عادت عينه كقرينتها الأخرى ومنذ ذلك الحين لم تر عيناه النور مرة أخرى.

      * أحب الليل

      لا يفرق لدى أبي عمران الوقت ليلا كان أو نهارا لكنه أحب الليل أكثر ولم يعتد النوم فيه أكثر من 3 ساعات وذلك بسبب عمله الذي يعمله خلال السنوات الأخيرة، حيث يعمل "بيدار" يتابع الفلج ويسقي المزارع وغالبا ما يكون موعد ريها ليلا، ويقول في هذا الشأن: "أحب الليل لأنه ساكن ولا أجد في الطريق ما يزعجني، عملي في الري لا أجد فيه أية صعوبة بل إن راحتي تكمن في سقي النخيل و تغيير "صوار" الفلج من مزرعة إلى أخرى وهذا ما أجني منه رزقي طوال هذه السنوات والحمد لله".

      * في السوق

      يعتمد على نفسه في شراء أي غرض يحتاجه ولا يثق بكلام البائع فالتاجر دائما ما يمدح بضاعته، لكن أبو عمران يتفحصها قبل الشراء، ويسأل عن السعر وبعد مشاورته لذاته يشتري ما يناسبه. دائما ما يحاول الباعة خداعه في الحساب بخاصة عند إرجاع المال إليه فيعيدون إليه ريالا واحدا عوضا عن الخمسة، لكن أبو عمران هيهات هيهات أن يخدع، فحسه وإدراكه يمكناه من التفرقة بينهما ولا مجال لخداعه في ذلك.

      * "سف الخوص"

      ونحن جلوس مع أبي عمران وعلى الزاوية ركام من أعماله "الخوصية" التي تتطلب الدقة والمهارة وليس ذلك على أبي عمران غريبا فقد تعلم هذه الحرفة منذ الصغر ولا يزال يمارسها فيداه تحنان بين فينة وأخرى إليها، وأكثر الأيام التي "يسف" فيها أبو عمران "الخوص" قبيل العيد، فأهالي القرية يعتمدون عليه ليصنع لهم "خصفة الشواء"

      * أمنية لم تتحقق

      يتمنى أبو عمران أن يرزقه الله البصر ولو للحظة ليرى أبناءه وفلذات كبده ، ليحس بهم ويسمع همسهم وأنينهم وضحكاتهم وصراخهم، لكنه يتمنى أن يداعبهم يوما وهو يراهم ولو بعين واحدة.

      أمنية -إن شاء الله- ستتحقق بقدرة المولى العلي القدير.


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions