彡♥彡ذِكــــرَيات منَقُولَـــة 彡♥彡

    • 彡♥彡ذِكــــرَيات منَقُولَـــة 彡♥彡





      [B]لاتودع الذكريات الجميلة والبريئة اتركها في ذاكرتك وابتسم


      هُنا فتحنا باب للذكريات القديمة والمنقولة

      شاركنا ذكرياتك !!

      ومتعنا بذكريات الأخرين وإن كانت

      منقولة!!

      فما أجمل أن نعيش ذكريات الأخرين لنتذكر

      أيام وشهور وسنين جميلة

      أحببناها وعشناها مع أحب الناس إلينا

      ما الذي تُحويه ذاكرتك من ذكريات !!





      أحبكم وفي إنتظار أن تمتعونا بالذكريات ..

      أختكم

      [[ حيـــــــارى]]

      [/B]
    • حيـــــــارى
      موضوع جميل وشيق !
      يُسعدني أن أكون أول المارين عليه!
      معك بكل شوق ومحبة
      لقراءة تلك الذكريات
      ورود
      اللهم إني أستغفرك لكل ذنب خطوت إليه برجلي ، أو مددت إليه يدي ، أو تأملته ببصري ، أو أصغيت إليه بأذني ، أو نطق به لساني ، أو أتلفت فيه ما رزقتني .. ثم استرزقتك على عصياني فرزقتني ثم استعنت برزقك على عصيانك فسترته علي وسألتك الزيادة فلم تحرمني ولا تزال عائدا عليّ بحلمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .. (كم من مستدرج بالإحسان إليه ، وكم من مفتون بالثناء عليه ، وكم من مغرور بالستر عليه)


    • مذكرات طالب جامعي:)

      بالطبع سؤال يتبادر إلى ذهني كلما فكرت فيه، هل أملك الإجابة الوافية له؟ هل هو نوع من الهوس والاعتزاز بالنفس ورسم صورة مخلدة لطالب جامعي، أم هو سرد تاريخي لأحداث جرت داخل الحرم الجامعي، عايشتا خلال دراستي وعاصرتها كأحد الذين نالهم شرف عمل بالصحافة الطلابية والمحلية على حد سواء، أم تلك المذكرات تجربة تستحق إخراجها حتى تستفيد منها الأجيال القادمة من طلبة الجامعة.

      هذا كله لا يعد إجابة مقنعة للسؤال بل أجدها تفسيرات لتلك المذكرات، إنما السؤال ذاته أرى أن الإجابة عليه تكمن في كتابة المذكرات بكل تجرد وموضوعية، وهو ما يجده البعض من الصعب تحقيقه، خاصة وأني سأكون ضمن سياق الأحداث التي ستكتب بل هي تدور (أي الأحداث) ذاتها حولي تارة وأنا بعض القصص حول قضايا تارة أخرى.

      وحتى لا يعتقد القارئ إن هذه المذكرات فرصة لكشف الأسرار وتشويه سيرة ومواقف بعض الشخصيات والمؤسسات، وأقصد هنا أساتذة الجامعة وبعض الطلبة والقوائم الطلابية والمؤسسات الطلابية، إضافة إلى بعض المؤسسات الإعلامية كالصحف وغيرها، فجميعهم اعتز بهم مهما كانت درجة الاختلاف بيني وبينهم، فهذه المذكرات هي تفسير لما جرى أمامي ومن الطبيعي أن تكون الصورة إلى حد ما ناقصة، أو تحتاج إلى مزيدا من الإيضاح وهو ما لا يمكن إضافته لكون هذه المذكرات ليست كتاب تاريخي يؤرخ مرحلة من مراحل الحياة الطلابية في جامعة الكويت، بل هي رؤية خاصة لحلم تحقق لطالب عاش بتلك الجامعة من عام 1999 إلى 2005.

      ربما تتساءل أيها القارئ الكريم ما الذي سآتي به من مذكرات، ومن أنا لأكتب مذكراتي وهذا سؤال وجيه ومن حق الجميع أن يقوله، لكن أعتقد بأن لكل إنسان صفحات من حياته يعتز بها ويرى بها أنها أساس مستقبله وكانت نتاج ماضيه، كما إن كتابة المذكرات هي مشاطرة من يود التعرف علي أكثر ويعيش معي ذلك الحلم الذي أصبح حقيقة!
      مذكرات طالب جامعي الطريق إلى الجامعة

      الثلاثاء, 26 مايو 2009 18:21 مذكرات بدر بن غيث

      المدرسة الكبيرة

      كنت مع أبي في طريقنا إلى البيت بعد أن أقلني والدي من مدرسة سعد بن عبادة الابتدائية الكائنة بمنطقة العديلية، وسألته ..

      يبه.. هذه مدرسة شنو؟
      يبه .. هذه مو مدرسة هذه جامعة.
      انزين ليش مااروح لها؟
      إن شاء الله انت صير شاطر وانجح وراح تروح لها؟

      كنت أسأله بالطبع عن كلية التجارة والاقتصاد والعلوم السياسية، التي تعرف الآن بكلية البنات الجامعية، قبل تغيير اسمها وتخصصها حيث كانت كلية العلوم الإدارية، قبل أن تنتقل لموقعها الحالي للشويخ وهو ما سأذكر حوله إحدى الإحداث التي خشيت الصحافة الكويتية الحديث عنه!!

      دائما ما حاولت تخيل ما يجري في هذه "المدرسة الكبيرة"هكذا كنت أسمي تلك الكلية القريبة من مدرستي الابتدائية، وبفضل الله أنهيت هذه المرحلة بتفوق وذلك عام 1990، وسط فرحة الأهل والأقارب بهذا النجاح وانتقالي للمرحلة المتوسطة، إلا أن الغزو العراقي الغاشم الذي دام سبعة شهور أجلت دراستي لهذه المرحلة الجديدة، ومع تحرير الكويت من الغزاة وأكرم الله شعب هذه الأرض بنعمة التحرير وعودة الشرعية والحياة فيها كما كانت، عام 1992 انضممت لمدرسة الفيحاء المتوسطة وكان النظام المتبع بعد التحرير دمج السنتين الأولى والثانية في عام واحد، وذلك حتى يتم تعويض الطلبة من فترة انقطاع التعليم جراء الغزو العراقي الغاشم، لقد كانت الدراسة في الفيحاء رائعة حيث تعلمت العديد من الأمور، وصرت أرغب في الذهاب للمدرسة حتى في أيام العطل، بفضل معلم التربية الفنية الفنان التشكيلي عبد العزيز آرتي الذي أبدى اهتمامه بي وراح يعلمني كيف أرسم، حتى أنه طلب مني أن أعمل معه ومجموعة من الطلبة للرسم على جدران الكافيتريا "مسرح المدرسة"، نفذنا بعض الرسومات حول التحرير، ولا أعلم إن كانت موجودة حتى الآن أم أنها ذابت مع مرور السنين.

      أنهيت سنة الدمج بنجاح وتفوق مما يعني أنني سأكون في العام المقبل في السنة الثالثة المتوسط، انتقل الأهل للسكن في بيتنا بمنطقة مشرف مما يعني أنني سأنضم لمدرسة مشعان الخضير في منطقتي الجديدة، الحقيقة تبدل كل شيء حيث البيت الجديد القديم، والبحث عن أصدقاء جدد، كنت معتادا على المرح واللعب مع الأصدقاء بمنطقة كيفان حيث بيت جدتي، أما في مشرف كانت الشوارع خالية والساحات الترابية نادرا ما أجد الأطفال من عمري يمارسون كرة القدم، ومع هذا بدأت أتعرف على "صبيان الفريج" واحدا تلو الآخر، وبخصوص الدراسة أحسست بالوحشة في صفي 3\5، لم أع ما يجري حولي رغم نجاحي بالصف لكن ترتيبي تراجع وصرت في المرتبة 8، وذات الشيء في السنة الرابعة إلا أن عدد الأصدقاء زاد حتى "صبيان الفريج" بدؤوا بالخروج وتعرفت عليهم وبدأنا باللعب والتقرب من بعضنا البعض.

      مرحلة جديدة

      كانت عطلة الصيف عام 1994 هي الفترة التي بدأ الجميع من حولي، توجيه انتباهي بأن المرحلة القادمة ستكون مختلفة ومهمة إذا أردت أن أصبح طالب في جامعة الكويت، أعلى الصروح التعليمية في الكويت، خصوصا وأنا أكبر الأبناء والكثير من الأقارب اقتنع بأن هذا الصبي "بدر" سيكون جامعي يوما ما، وبدأت الدراسة في مدرستي الجديدة ثانوية صالح شهاب للمقررات وأنهيت العام الأول بمعدل "جيد جدا"، كان عاما دراسيا مميزا حصدت في إعجاب المعلمين وبعض الزملاء وتوثقت علاقتي بالعديد من الأصدقاء الجدد مثل الصديق العزيز فيصل الفداغي، الذي كان رفيق جلوسي وأنا أنتظر والدي في "الهده" بعد نهاية الدوام أيام الدراسة في مشعان الخضير (المرحلة المتوسطة)، كان نادي القادسية وأخباره وعالم كرة القدم و القاسم المشترك الأول الذي جمعنا، وزامن ذلك تطابق جدوله الدراسي مع جدولي مما يعني قضاء كافة الأوقات معه، وفي العام التالي بدأت الدراسي تصعب خصوصا وأن تخصيصي "علوم" والأهل بدئوا مرتاحين من اعتمادي على نفسي في الدراسة، وفي الحقيقة أنهيت السنة الثانية ومعدلي انخفض لعدة أسباب منها الانضمام لفريق الناشئين بنادي كاظمه لكرة القدم، واهتمامي بكرة القدم واللعب مع فريق "الفريج" تقريبا طيلة أيام الأسبوع!!

      هزة أرضية!!

      لم أكن اعلم أن هذه الأمور ستكون كفيلة بابتعادي عن الحلم، وفجأة تعرضت في أحد الأيام لهزة أرضية أشعر بألمها كلما دخلت ثانوية صالح شهاب ووقفت أمام المربي الفاضل أ.سعد العازمي الذي كان معلما لمقرر الكيمياء، وحاليا هو المدير المساعد في المدرسة التي أعمل فيها معلما، وأرجع لتلك الهزة ففي أحد الفصول الدراسية وبينما كنت فرحا بمشاركتي بأحد المباريات في دوري الناشئين، صدمت بشهادة الفترة الأولى حيث حصلت في مقرر الكيمياء على درجة "ضعيف" أما بقية المقررات فلم أحصل على درجة "ممتاز" إلا في مقرري اللغة العربية والتربية البدنية، كانت صدمة لم أجد أي كلمة تحتوي الموقف أمام الأهل، فلم يكن أحد يتوقع حتى أن أحصل على درجة "جيد" كأقل تقدير فكيف بهذه الدرجة التي لا تمثل طموح وتوقعات أقرب الناس من حولي!!

      ومن بعد هذه الدرجة بدأت بتدارك الوضع فالمعدل الدراسي تراجع وصار في موقع اعتبرت مهددا لضياع حلمي، وللأسف بدأ مستواي الدراسي يتراجع بشكل رهيب حتى وصل لمعدل "جيد"، وليس أمامي سوى عام دراسي كامل وهي السنة الأخيرة لي في المرحلة الثانوية، ولا محال للتعويض، واتخذت عدة قرارات بعدما استمعت في جلسة عائلية مع أبي وأمي حول مستقبلي وكيف أمثل لهما الحلم الكبير، وأن نجاحي يعني لهما الكثير ولإخوتي ولبقية الأقرباء وكذلك الأصدقاء المقربين لي كثيرا، أما عن قراراتي فكانت كالتالي:

      التوقف عن ممارسة القدم في النادي.
      اللعب يوم واحد في الأسبوع لكرة القدم.
      اللعب ساعة إلى ساعتين لـ (بلاي ستيشن).
      تكثيف ساعات الدراسة.
      ملازمة الصلاة في أوقاتها وكثرة قراءة القرآن.
      التقليل من الجلوس مع "الربع في الفريج
    • مذكرات مره !
      الكاتب : مجهول

      يعتقد الكثيرون أن الخطيئة دائماً سوداء واضحة الحدود والملامح، وأن الفضيلة دائماً بيضاء. أن الخاطيء قادرٌ دائماً على أن يتوب، وأن يغفر لنفسه ويولد من جديد.

      لكن حين تحيا في مجتمعٍ غارقٍ في الخطايا من رأسه إلى أصابع قدمه ، تتداخل الحدود وتتقاطع ، ويتحول السواد إلى بياضٍ قبل أن يرتد إليك طرفك.

      حينها تصبح يقظة الضمير لعنة ، وتغدو التوبة عذاباً أبدياً لا يرحمك منه إلا العودة إلى الخطيئة والإنغماس فيها.

      سأحكي في حلقاتٍ هنا، خطاياي ..خطايا مجتمع وسلطات ونظام..

      سأحاول أن أقارب الخط الرفيع الفاصل بين العقل والجنون ..بين الكفر والإيمان .. بين العدل والظلم ...بين كل المتناقضات..

      سألخص سبع سنواتٍ من عمري ومئات الحكايا والتجارب في حلقات قصيرة مكثفة ..تتشارك في صناعتها أحداثٌ عايشناها جميعاً ..صاغت حيواتنا ولامست مصائرنا بدرجاتٍ متفاوتة...وأحداث تتأرجح بين الخاص والعام..بين حرارة الحب وبرودة المعتقل..بين لذة الخيانة وسخف الوفاء.. بين حتمية الموت والأمل في النجاة..

      لعل كتابتي وقرائتكم تكون رحلةً نحو الذات ...ذات الفرد والجماعة

      لعلها تطهرني وتيسر خلاصي

      لعلني أغفر لنفسي يوماً
      و
      أولد من جديد

    • اليوم الخميس، أحد أيام صيف 2000 ، احتفل بولادة أول أبنائي الذكور وثاني أطفالي بعد مرام: هيثم.

      أقمنا بهذه المناسبة وليمة غداء في منزل جده الكبير، حضرها الأهل والجيران وأصدقاء الصبا.

      جلسنا كلنا في السبلة متحلقين حول صواني الطعام ..وأنا في غاية البهجة...أمعنت النظر في من حولي لأرى من منهم قد يكون أوفر حظاً أو أكثر سعادة مني ....

      لا أحد....كلهم بائسون ودوني بمراحل ..شعرت بنشوة غامرة .. وزادت رؤوس الذبائح المسجاة على الصواني من إحساسي بالفخر والغبطة.

      لكن كل هذا تلاشى حين دخل ساعد مسلماً ، حاملاً في يده زجاجات ماءٍ بارد وضعها ثم اتخذ مكانه قرب أبيه..

      كم أكره هذا الصبي الأرعن !!
      وأكره كل الإشاعات وسوالف الحريم التي تربطه بنا..

      لماذا جاء؟!

      أستعيد وجه أمه السمين، وأطيل النظر في ملامح أبيه الأعمى منذ ولد، فلا أراه يحمل سمرتهما ولا تقاطيعهما بل بياض أبي وحمرته وأنفه الضخم وعينيه الغائرتين.

      يشبهه أكثر مما أشبهه.

      عليه اللعنة

      ابن الحشاشة .. ثمرة الحرام !

      كبرنا تحيط بنا أخبار مغامرات أبي النسوية مع فلانة وعلانة، كل من في البيت يسمع وتُنقل له الأخبار أما أنا فنصيبي في أيام الصبا كان أكثر من مجرد السماع . رأيته يشلح وزاره ودشداشته ليخوض إحدى مغامراته أمام عيني..

      كنت أشق طريقي في مزرعتنا بحثاً عن أبي لأخبره أن جدي لأمي جاء ليراه وينتظره في السبلة..
      بحثت عن أبي وسألت العمال..لا أحد يعرف..

      واصلت بحثي حتى لمحت دشداشته وسمعت أصوات ضحكات نسائية ..
      أدركت بحدسي الذي غذته أخبار بطولات الوالد، أنه يوشك على بدء مغامرةٍ جديدة ..

      اختبأت خلف أشجار الليمون وأنا أراه يلقي بالحشاشة السمراء على الأرض بين حشائش "المسيبلو" الطويلة ويرمي بجثته الضخمة عليها . إلى جانبها المجز ملقىً على عجل وعصا أبي التي كثيراً ما أكلت ظهورنا.. بعد لحظات سمعت لهاث أبي وخواره وأنا أرى جسده الضخم يتحرك ويرتجف ..دقائق مرت وأنا جامدٌ في مكاني بلا صوت ولا نفس..رأيته بعدها ينهض على عجل، يعدل وزاره ودشداشته وهو يكح بشكلٍ متواصل محاولاً التقاط أنفاسه ..بصق على الأرض وانحنى لياخذ عصاه ومضى في اتجاه المنزل.. أما هي فنهضت لتسوي ملابسها والتقطت المجز وأخذت تكمل جز الحشائش لتطعم الهوش دون أن تنبس بكلمة.

      تجرعت مرارة هذه الذكرى وأنا أقسم لنفسي أنني سأجنب هيثم كل مرارةٍ مماثلة !

    • بعد الغداء و انصراف الضيوف ونوم القيلولة، جلست مع أبي واخواني في السبلة نتجاذب أطراف حديث باهت. كنت أريد أن أكون قريباً من طفلي لولا أنه وأمه في بيت أهلها ، ولا قبل لي اليوم بمجالسة أبيها السمج واخوتها ثقيلي الظل الذين حرمهم الله من كل جمالٍ في الخلقة والخلق وعوضهم بمصنعٍ وآراضٍ وأموالٍ طائلة...

      أرجو صادقاً أن لا يصيب أبنائي شيئاً من جينات أخوالهم !

      قال أخي سلطان ، في محاولةٍ منه لبث قليل من الحرارة في أحاديثنا الفاترة: سمعت الوالد عن حميد بن سالم ؟ يقولوا دخل في شغل الأسهم ..

      انتفض والدي حين سمع اسم منافسه اللدود، قائلاً : خليه يغيب غابت عينه ..مو فهمه هذا الطبش في الاسهم ..باغي يفوز ويغلب لكن آخرتها بيدمره رب العالمين وبيغيبن فلوسه، فلوس الحرام . أكبر لص هو هذا، لا بارك الله فيه
      أجاب سلطان: يقولوا انه مشتري اسهم في ثلاث شركات وفي كل شركة دافع ما اقل عن خمسة آلاف

      ضحك أبي باستهزاء قائلاً : خرطي ماشي منه ..من هين هذا بيعق 15 ألف فالأسهم؟! ياولدي يقولوا يوم المتكلم مجنون، المستمع يكون عاقل..

      هذا باغي الشهرة والسمعة ، بو قيمته ريال يقول حال الناس انه مشترنه بعشرة

      لاتستوي ياولدي كما الحريمات تصدق بو يقال لك وتطير بالسالفة ..

      احمر وجه سلطان لسخرية أبي اللاذعة..وابتسمتُ أنا بتشفٍ ..

      أكمل أبي: ماحد كماييّ أنا يعرفه هذا ود سلّوم...وا نسيتوا انتوه فضيحته يوم عرس ولده .قس على الحريمات وخلاهن يدورن في الحارة يسولفن عن ذبايح عمان بو شارنهن .قالوا اوين ود سلّوم مشتري خمسين ذبيحة عمانية حال عرس حمود ..وكل الحارة صدقت وساروا يتراكضوا حال عشاه، إلا أنا قلت من هين هذا الهس ولد الهسة يروم يسوي كذاك ، وأراد الله أنه يفضحه قدام الناس وطلع اللحم كله مال الصومال ..

      وضحكنا جميعاً إلا سلطان ..

      يستلذ أبي بتكرار هذه الحكاية والسخرية من سقطات عدوه والتشنيع به في كل مناسبة. لكنني مع ذلك أحترم صراحة مشاعره ومواقفه، فهو لا يتردد في الإفصاح عنها أمام الجميع ولا يبذل أي جهدٍ لإخفائها أو حتى للمحافظة على أدنى حدود العلاقات الإجتماعية مع غريمه. كان هذا واضحاً في عرس ابنه وعزاء عمه، المناسبتين اللتين قاطعهما أبي.
      [B]
      تركت السبلة بعد ذلك بقليل واتصلت بزوجتي لأطمأن على هيثم.

      حدثتني مرام أيضاً بكلمات متقطعة لم أفهم منها إلا بابا، وماما، وحلاوة.
      قلت لها أن بابا سيزورها غداً ويحضر لها حلاوة كبيرة أكبر منها.

      يجب أن أزورهم غداً قبل أن أعود إلى مسقط . إلى وظيفتي الصباحية المملة، والشركة التي أديرها في المساء مع شريكٍ آخر .

      ضايقتني فكرة العودة إلى منزلٍ خالٍ . حتى الشغالة أخذتها غالية معها. كيف تفترض أنني ساتدبر أموري ومن سيقوم على خدمتي؟

      غريبٌ كيف يتعود المرء على نمطٍ معين من الحياة حتى يتخيل أن الدنيا ستتوقف إذا طرأ أدنى تغيير عليه !

      كنت أستمتع سابقاً، قبل الزواج ،بحياتي وحدي في مسقط ، بكل الحرية والإستقلالية. بكل الوقت الذي أملكه لنفسي. كانت فكرة الزواج ترعبني ، ولم أستسلم إليها إلا بعد أن أقتنعت أن العبث في مسقط صعبٌ ومكلفٌ وغير آمن ، وأنني لا يمكن أن أصبح رجلاً كاملاً في نظر عائلتي ومجتمعي إلا حين امتلك امرأةً وأطفالاً.

      ابتسمتُ وأنا أتذكر سنوات دراستي في القاهرة، مغامراتي الصغيرة البيضاء الناعمة المتغنجة.. كنتُ دائماً اكثر حذراً من والدي لكي لا تترك مغامراتي أثراً ولا رائحة، وأكثر حرصاً من أصدقائي الذين وقعوا فريسةً لأوهام العشق والغرام.

      كل هذا ماضٍ انتهى الآن .
      منذ تزوجت لم أعرف امرأةً أخرى غير غالية الطيبة الهادئة إلى حد الملل !

      تزوجتها بناءً على رغبة عائلتي، ولأنني لم أرى سبباً يدفعني لرفض اختيارهم .

      معلمة ،مثقفة. من قبيلة أصيلة وعائلة تملك الكثير.
      صحيح انها ليست بالجمال الذي كنت أرجوه ، لكن ملامحها هادئة ومريحة وعمانية . عاديةٌ جداً إلى درجة أنها لو لم تكن زوجتي لما استطعت أن أميزها من بين المئات.

      رأيتها مرة من بعيد برفقة أختي قبل أن أتقدم لخطبتها ..وبعد شهرين كان حفل زفافنا !
      كانت ليلةً عظيمة. حرص فيها والدي على انتقاء الذبائح العمانية بنفسه، وأشرف شخصياً على الإتفاق مع صاحب مصنع الحلوى.

      كنت متوتراً وقلقاً بعض الشيء،وكارهاً لمراسم الزفاف وجلبة النساء والأطفال وضجيج الموسيقى .
      ذهبت في سيارتي البي ام السوداء، إخواني من خلفي في سياراتهم وباصات الزفة تتبعنا بهرناتها وصخبها.

      وصلت إلى بيت العروس المزين بأضواءٍ ملونة . دخلت إلى صالتهم معي نساء عائلتي ورأيتها هناك على أحد الكراسي المزينة : كومةً خضراء ضئيلة.

      لماذا لم تلبس فستاناً أبيضَ هذه الحمقاء؟ هل يصعب عليها كثيراً أن ترضي تخيلاتي ؟!
      حاولت أن أطرد الخيبة التي انتابتني . تقدمت ووضعت يدي على رأسها ..شعرت بها ترتجف تحت يدي .
      أطفئوا الموسيقى لدقيقةٍ قرئت فيها الفاتحة، ثم رفعت عنها الغطاء الأخضر .

      عادوتني الخيبة مرةً أخرى ..خيبةٌ أشد وأقسى !
      [B]
      كانت ترتدي دشداشةً عمانيةً خضراء وسروال، كما كانت تفعل عرائس الباطنة منذ عشرات السنين . شعرها مغطىً بـ "وقاية" خضراء لا تظهر منه إلا بضع خصلات استراحت على جبهتها. وجهها به قليلٌ من المكياج الأحمر وكثيرٌ من الكحل .
      كانت أجمل من المعتاد، لكنها لم تكن متألقةً كما كنت أحلم . بدت لي كصورةٍ باهتة من احتفالات أعيادنا الوطنية.

      تجسدت كل بساطتها وسذاجتها في أصيص الزهور البلاستيكية الذي تحمله في يدها. كان بائساً ومثيراً للشفقة !
      أخذتها وذهبنا إلى بيتنا .
      انصرف الجميع وبقيت أنا وهي .
      جلسنا على أطراف السرير ، أمسكت يدها، وحاولت أن أستجمع بعض كلمات الحب والغزل التي أجيدها، لكنني كنت أشعر بكثير من الزيف والتصنع .
      أشفقتُ عليها من قسوة إدراكي للحقيقة.

      رأيتها مرتبكةً خائفةً كعصفورٍ تائهٍ في المطر، فزاد اشفاقي عليها . شعرتُ بعاطفةٍ رقيقةٍ شفافة تلامس قلبي و تشدني لهاتين العينين الخجلتين ..مزيجٌ من العطف والحنو .
      تركت إحدى يداي ممسكةً بيدها بينما انتقلت الأخرى إلى وجنتيها ..إلى شفتيها الفزعتين ..قبلتها لأهديء من روعها فجفلت !
      أدركت حينها أن مهمتي لن تكون سهلةً أبداً.
      ......
      حتى بعد تلك الليلة وبعد ثلاثة أعوامٍ من العشرة ، لم تستطع غالية أن تثير في نفسي أكثر من العطف والحنو والود المشفق.

      أعترف أنني تعلمت الإستمتاع بجسدها أكثر ، واستطعنا أن نصل إلى درجةٍ عاليةٍ من الإنسجام والتفاهم . إلا أنني لم أشعر معها بتلك اللذة الحارقة التي عرفتها من قبل وسأعرفها بعد ذلك ! لم تستطع أن توقفني على اصبعٍ واحد وتقلب روحي وجسدي من الداخل إلى الخارج . لم أحلق معها إلى أبعد من سقف الغرفة الصغيرة . لم ألمس القمر ولم ألمح حدائق الجنة!

      لكنها منحتني قرة عيني مرام وهيثم

      وبهما أنا مدين لها أبداً.

      [/B]
      [/B]
    • يعتقد الكثيرون أن الخطيئة دائماً سوداء واضحة الحدود والملامح، وأن الفضيلة دائماً بيضاء. أن الخاطيء قادرٌ دائماً على أن يتوب، وأن يغفر لنفسه ويولد من جديد.

      لكن حين تحيا في مجتمعٍ غارقٍ في الخطايا من رأسه إلى أصابع قدمه ، تتداخل الحدود وتتقاطع ، ويتحول السواد إلى بياضٍ قبل أن يرتد إليك طرفك.

      حينها تصبح يقظة الضمير لعنة ، وتغدو التوبة عذاباً أبدياً لا يرحمك منه إلا العودة إلى الخطيئة والإنغماس فيها.

      سأحكي في حلقاتٍ هنا، خطاياي ..خطايا مجتمع وسلطات ونظام..

      سأحاول أن أقارب الخط الرفيع الفاصل بين العقل والجنون ..بين الكفر والإيمان .. بين العدل والظلم ...بين كل المتناقضات..

      سألخص سبع سنواتٍ من عمري ومئات الحكايا والتجارب في حلقات قصيرة مكثفة ..تتشارك في صناعتها أحداثٌ عايشناها جميعاً ..صاغت حيواتنا ولامست مصائرنا بدرجاتٍ متفاوتة...وأحداث تتأرجح بين الخاص والعام..بين حرارة الحب وبرودة المعتقل..بين لذة الخيانة وسخف الوفاء.. بين حتمية الموت والأمل في النجاة..

      لعل كتابتي وقرائتكم تكون رحلةً نحو الذات ...ذات الفرد والجماعة

      لعلها تطهرني وتيسر خلاصي

      لعلني أغفر لنفسي يوماً
      و
      أولد من جديد


      اليوم الخميس، أحد أيام صيف 2000 ، احتفل بولادة أول أبنائي الذكور وثاني أطفالي بعد مرام: هيثم.

      أقمنا بهذه المناسبة وليمة غداء في منزل جده الكبير، حضرها الأهل والجيران وأصدقاء الصبا.

      جلسنا كلنا في السبلة متحلقين حول صواني الطعام ..وأنا في غاية البهجة...أمعنت النظر في من حولي لأرى من منهم قد يكون أوفر حظاً أو أكثر سعادة مني ....

      لا أحد....كلهم بائسون ودوني بمراحل ..شعرت بنشوة غامرة .. وزادت رؤوس الذبائح المسجاة على الصواني من إحساسي بالفخر والغبطة.

      لكن كل هذا تلاشى حين دخل ساعد مسلماً ، حاملاً في يده زجاجات ماءٍ بارد وضعها ثم اتخذ مكانه قرب أبيه..

      كم أكره هذا الصبي الأرعن !!
      وأكره كل الإشاعات وسوالف الحريم التي تربطه بنا..

      لماذا جاء؟!

      أستعيد وجه أمه السمين، وأطيل النظر في ملامح أبيه الأعمى منذ ولد، فلا أراه يحمل سمرتهما ولا تقاطيعهما بل بياض أبي وحمرته وأنفه الضخم وعينيه الغائرتين.

      يشبهه أكثر مما أشبهه.

      عليه اللعنة

      ابن الحشاشة .. ثمرة الحرام !

      كبرنا تحيط بنا أخبار مغامرات أبي النسوية مع فلانة وعلانة، كل من في البيت يسمع وتُنقل له الأخبار أما أنا فنصيبي في أيام الصبا كان أكثر من مجرد السماع . رأيته يشلح وزاره ودشداشته ليخوض إحدى مغامراته أمام عيني..

      كنت أشق طريقي في مزرعتنا بحثاً عن أبي لأخبره أن جدي لأمي جاء ليراه وينتظره في السبلة..
      بحثت عن أبي وسألت العمال..لا أحد يعرف..

      واصلت بحثي حتى لمحت دشداشته وسمعت أصوات ضحكات نسائية ..
      أدركت بحدسي الذي غذته أخبار بطولات الوالد، أنه يوشك على بدء مغامرةٍ جديدة ..

      اختبأت خلف أشجار الليمون وأنا أراه يلقي بالحشاشة السمراء على الأرض بين حشائش "المسيبلو" الطويلة ويرمي بجثته الضخمة عليها . إلى جانبها المجز ملقىً على عجل وعصا أبي التي كثيراً ما أكلت ظهورنا.. بعد لحظات سمعت لهاث أبي وخواره وأنا أرى جسده الضخم يتحرك ويرتجف ..دقائق مرت وأنا جامدٌ في مكاني بلا صوت ولا نفس..رأيته بعدها ينهض على عجل، يعدل وزاره ودشداشته وهو يكح بشكلٍ متواصل محاولاً التقاط أنفاسه ..بصق على الأرض وانحنى لياخذ عصاه ومضى في اتجاه المنزل.. أما هي فنهضت لتسوي ملابسها والتقطت المجز وأخذت تكمل جز الحشائش لتطعم الهوش دون أن تنبس بكلمة.

      تجرعت مرارة هذه الذكرى وأنا أقسم لنفسي أنني سأجنب هيثم كل مرارةٍ مماثلة !


      بعد الغداء و انصراف الضيوف ونوم القيلولة، جلست مع أبي واخواني في السبلة نتجاذب أطراف حديث باهت. كنت أريد أن أكون قريباً من طفلي لولا أنه وأمه في بيت أهلها ، ولا قبل لي اليوم بمجالسة أبيها السمج واخوتها ثقيلي الظل الذين حرمهم الله من كل جمالٍ في الخلقة والخلق وعوضهم بمصنعٍ وآراضٍ وأموالٍ طائلة...

      أرجو صادقاً أن لا يصيب أبنائي شيئاً من جينات أخوالهم !

      قال أخي سلطان ، في محاولةٍ منه لبث قليل من الحرارة في أحاديثنا الفاترة: سمعت الوالد عن حميد بن سالم ؟ يقولوا دخل في شغل الأسهم ..

      انتفض والدي حين سمع اسم منافسه اللدود، قائلاً : خليه يغيب غابت عينه ..مو فهمه هذا الطبش في الاسهم ..باغي يفوز ويغلب لكن آخرتها بيدمره رب العالمين وبيغيبن فلوسه، فلوس الحرام . أكبر لص هو هذا، لا بارك الله فيه
      أجاب سلطان: يقولوا انه مشتري اسهم في ثلاث شركات وفي كل شركة دافع ما اقل عن خمسة آلاف

      ضحك أبي باستهزاء قائلاً : خرطي ماشي منه ..من هين هذا بيعق 15 ألف فالأسهم؟! ياولدي يقولوا يوم المتكلم مجنون، المستمع يكون عاقل..

      هذا باغي الشهرة والسمعة ، بو قيمته ريال يقول حال الناس انه مشترنه بعشرة

      لاتستوي ياولدي كما الحريمات تصدق بو يقال لك وتطير بالسالفة ..

      احمر وجه سلطان لسخرية أبي اللاذعة..وابتسمتُ أنا بتشفٍ ..

      أكمل أبي: ماحد كماييّ أنا يعرفه هذا ود سلّوم...وا نسيتوا انتوه فضيحته يوم عرس ولده .قس على الحريمات وخلاهن يدورن في الحارة يسولفن عن ذبايح عمان بو شارنهن .قالوا اوين ود سلّوم مشتري خمسين ذبيحة عمانية حال عرس حمود ..وكل الحارة صدقت وساروا يتراكضوا حال عشاه، إلا أنا قلت من هين هذا الهس ولد الهسة يروم يسوي كذاك ، وأراد الله أنه يفضحه قدام الناس وطلع اللحم كله مال الصومال ..

      وضحكنا جميعاً إلا سلطان ..

      يستلذ أبي بتكرار هذه الحكاية والسخرية من سقطات عدوه والتشنيع به في كل مناسبة. لكنني مع ذلك أحترم صراحة مشاعره ومواقفه، فهو لا يتردد في الإفصاح عنها أمام الجميع ولا يبذل أي جهدٍ لإخفائها أو حتى للمحافظة على أدنى حدود العلاقات الإجتماعية مع غريمه. كان هذا واضحاً في عرس ابنه وعزاء عمه، المناسبتين اللتين قاطعهما أبي.


      تركت السبلة بعد ذلك بقليل واتصلت بزوجتي لأطمأن على هيثم.

      حدثتني مرام أيضاً بكلمات متقطعة لم أفهم منها إلا بابا، وماما، وحلاوة.
      قلت لها أن بابا سيزورها غداً ويحضر لها حلاوة كبيرة أكبر منها.

      يجب أن أزورهم غداً قبل أن أعود إلى مسقط . إلى وظيفتي الصباحية المملة، والشركة التي أديرها في المساء مع شريكٍ آخر .

      ضايقتني فكرة العودة إلى منزلٍ خالٍ . حتى الشغالة أخذتها غالية معها. كيف تفترض أنني ساتدبر أموري ومن سيقوم على خدمتي؟

      غريبٌ كيف يتعود المرء على نمطٍ معين من الحياة حتى يتخيل أن الدنيا ستتوقف إذا طرأ أدنى تغيير عليه !

      كنت أستمتع سابقاً، قبل الزواج ،بحياتي وحدي في مسقط ، بكل الحرية والإستقلالية. بكل الوقت الذي أملكه لنفسي. كانت فكرة الزواج ترعبني ، ولم أستسلم إليها إلا بعد أن أقتنعت أن العبث في مسقط صعبٌ ومكلفٌ وغير آمن ، وأنني لا يمكن أن أصبح رجلاً كاملاً في نظر عائلتي ومجتمعي إلا حين امتلك امرأةً وأطفالاً.

      ابتسمتُ وأنا أتذكر سنوات دراستي في القاهرة، مغامراتي الصغيرة البيضاء الناعمة المتغنجة.. كنتُ دائماً اكثر حذراً من والدي لكي لا تترك مغامراتي أثراً ولا رائحة، وأكثر حرصاً من أصدقائي الذين وقعوا فريسةً لأوهام العشق والغرام.

      كل هذا ماضٍ انتهى الآن .
      منذ تزوجت لم أعرف امرأةً أخرى غير غالية الطيبة الهادئة إلى حد الملل !

      تزوجتها بناءً على رغبة عائلتي، ولأنني لم أرى سبباً يدفعني لرفض اختيارهم .

      معلمة ،مثقفة. من قبيلة أصيلة وعائلة تملك الكثير.
      صحيح انها ليست بالجمال الذي كنت أرجوه ، لكن ملامحها هادئة ومريحة وعمانية . عاديةٌ جداً إلى درجة أنها لو لم تكن زوجتي لما استطعت أن أميزها من بين المئات.

      رأيتها مرة من بعيد برفقة أختي قبل أن أتقدم لخطبتها ..وبعد شهرين كان حفل زفافنا !
      كانت ليلةً عظيمة. حرص فيها والدي على انتقاء الذبائح العمانية بنفسه، وأشرف شخصياً على الإتفاق مع صاحب مصنع الحلوى.

      كنت متوتراً وقلقاً بعض الشيء،وكارهاً لمراسم الزفاف وجلبة النساء والأطفال وضجيج الموسيقى .
      ذهبت في سيارتي البي ام السوداء، إخواني من خلفي في سياراتهم وباصات الزفة تتبعنا بهرناتها وصخبها.

      وصلت إلى بيت العروس المزين بأضواءٍ ملونة . دخلت إلى صالتهم معي نساء عائلتي ورأيتها هناك على أحد الكراسي المزينة : كومةً خضراء ضئيلة.

      لماذا لم تلبس فستاناً أبيضَ هذه الحمقاء؟ هل يصعب عليها كثيراً أن ترضي تخيلاتي ؟!
      حاولت أن أطرد الخيبة التي انتابتني . تقدمت ووضعت يدي على رأسها ..شعرت بها ترتجف تحت يدي .
      أطفئوا الموسيقى لدقيقةٍ قرئت فيها الفاتحة، ثم رفعت عنها الغطاء الأخضر .

      عادوتني الخيبة مرةً أخرى ..خيبةٌ أشد وأقسى !


      كانت ترتدي دشداشةً عمانيةً خضراء وسروال، كما كانت تفعل عرائس الباطنة منذ عشرات السنين . شعرها مغطىً بـ "وقاية" خضراء لا تظهر منه إلا بضع خصلات استراحت على جبهتها. وجهها به قليلٌ من المكياج الأحمر وكثيرٌ من الكحل .
      كانت أجمل من المعتاد، لكنها لم تكن متألقةً كما كنت أحلم . بدت لي كصورةٍ باهتة من احتفالات أعيادنا الوطنية.

      تجسدت كل بساطتها وسذاجتها في أصيص الزهور البلاستيكية الذي تحمله في يدها. كان بائساً ومثيراً للشفقة !
      أخذتها وذهبنا إلى بيتنا .
      انصرف الجميع وبقيت أنا وهي .
      جلسنا على أطراف السرير ، أمسكت يدها، وحاولت أن أستجمع بعض كلمات الحب والغزل التي أجيدها، لكنني كنت أشعر بكثير من الزيف والتصنع .
      أشفقتُ عليها من قسوة إدراكي للحقيقة.

      رأيتها مرتبكةً خائفةً كعصفورٍ تائهٍ في المطر، فزاد اشفاقي عليها . شعرتُ بعاطفةٍ رقيقةٍ شفافة تلامس قلبي و تشدني لهاتين العينين الخجلتين ..مزيجٌ من العطف والحنو .
      تركت إحدى يداي ممسكةً بيدها بينما انتقلت الأخرى إلى وجنتيها ..إلى شفتيها الفزعتين ..قبلتها لأهديء من روعها فجفلت !
      أدركت حينها أن مهمتي لن تكون سهلةً أبداً.
      ......
      حتى بعد تلك الليلة وبعد ثلاثة أعوامٍ من العشرة ، لم تستطع غالية أن تثير في نفسي أكثر من العطف والحنو والود المشفق.

      أعترف أنني تعلمت الإستمتاع بجسدها أكثر ، واستطعنا أن نصل إلى درجةٍ عاليةٍ من الإنسجام والتفاهم . إلا أنني لم أشعر معها بتلك اللذة الحارقة التي عرفتها من قبل وسأعرفها بعد ذلك ! لم تستطع أن توقفني على اصبعٍ واحد وتقلب روحي وجسدي من الداخل إلى الخارج . لم أحلق معها إلى أبعد من سقف الغرفة الصغيرة . لم ألمس القمر ولم ألمح حدائق الجنة!

      لكنها منحتني قرة عيني مرام وهيثم

      وبهما أنا مدين لها أبداً.

      دخلت مكتبي في وزارة الشؤون وأنا ألعن الحر والصيف والشتاء الذي لا يأتي أبداً. وقفت أمام جهاز التكييف لدقائق أفكر بأي الملفات المتراكمة على طاولتي سأبدأ الصباح، وأنتظر وصول زميلي حسين اللتوي الذي أسمع صوت خطواته في الممر وتحياته الصباحية الصاخبة لكل من يمر بهم.

      دخل المكتب ،الذي يقاسمني إياه، مبتسماً بشوشاً كعادته:
      -صباح الخير أبو هيثم. من متى كل هالنشاط ؟ أول مرة توصل قبلي.

      صافحته ضاحكاً : أنت اللي راحت عليك نومة اليوم.

      تبادلنا التحيات وآخر أخبار البلاد والعالم ونحن نشرب شاي الصباح. أخبرني عن المؤامرة التي راح ضحيتها مديرٌ عام في وزارةٍ شقيقة لأنه حاول الوقوف في وجه هامورٍ كبير. وأخبرته عن معاناتي مع موظفي الجمارك لتمر بضاعتي الجديدة عبر الحدود، و البهذلة التي تعرضت لها واضطرتني إلى اللجوء لوالدي الذي حل المشكلة بطريقته المعتادة :مكالمة إلى شيخ ، ومن شيخ إلى ضابط! مرت بعدها بضاعتي بسلام، وحصلت انا على اعتذاراتٍ وفنجان قهوة في مكتب المسؤول!

      تنهد حسين قائلاً: كل شي فهالبلد صاير ما يمر إلا بواسطة ..واللي ماعنده حد يسنده يضيع في الطوشة.

      ثم اعتدل في جلسته فجأة كمن تذكر شيئاً مهماً، ليسأل:
      -سمعت عن موقع سبلة العرب؟

      هززت رأسي نافياً وتطلعت إليه بفضولٍ أسعده، فتابع:

      هذا ، الله يسلمك، موقع عماني على الإنترنت فيه أعضاء كثيرين يكتبون فيه. كلهم شباب مثلنا. وما شاء الله عليهم ما مقصرين ، كل فضايح الحكومة ينشروها هناك. اللي يتكلم عن الوزراء واللي يتكلم عن الشرطة ..محد سلم من ألسنتهم .

      لم أستطع ان اكتم دهشتي لما أسمع، فقلت بنبرةٍ يغلبها الشك:

      -معقولة؟ وكيف الحكومة ساكتة عليهم وسامحتلهم يسووا كل هذا؟

      ابتسم حسين بثقةٍ وأجاب:
      - ترى الحكومة بعد مستفيدة من هالشغلة، والا تراها قادرة تلمهم من أولهم لآخرهم وتسكر الموقع والانترنت كله عن عمان.

      - كيف عاد تستفيد من الفضايح؟

      - شوف ياعادل المسألة سهلة .. الموقع هذا صار للحكومة مثل نقطة العسل التي تخلي النمل كله يترك بيوته ويتجمع عليها.
      بدون عسل النمل مابيطلع ولا حد بيعرفه.
      ولما يجي الوقت المناسب بيسكروا الموقع وبيخلوهم عبرة لمن لا يعتبر.

      -ايوا بس لحد ما يسكروا الموقع ، الحكومة بتخسر كثير إذا الأسرار والبلاوي طلعت للناس.

      - يا حبيبي لا تنسى أنه 95% من الشعب ماعنده انترنت ومايعرف ويش قاعد يصير. بعدين ترى ماكل اللي يكتبوا في السبلة ضد الحكومة. بعضهم منها وفيها ، ما عندهم شغلة إلا الدفاع عنها 24 ساعة . وبعضهم يستغلوها كوسيلة يتملقوا فيها الحكومة ويحققوا مكاسب شخصية.

      -وانت تفكر تكتب معهم ولا لا؟

      -لا طبعاً أعوذ بالله. يكفيني اللي صار لاهلي من قبلي . خليني أربي أولادي أحسن لي، والله يتولى هالبلد برحمته.

      انتقل حسين بعدها بحديثه إلى موضوع آخر ، بينما كنت أنا أفكر فيه. في بساطته وتلقائيته وصدقه. أعرف أنه لا يكون على سجيته هكذا إلا معي . وأنا أبادله العاطفة بمثلها. إن لم يكن لطيبته وشهامته، فلبشاشته وخفة ظله التي تضيف بعض الألوان لساعات الدوام الرمادية.


      قطع مدير القسم سيل الأحاديث والأفكار حين دخل مكتبنا مسلماً ، تتبعه امرأةٌ بصوت حذائها العالي.
      حيّانا، ثم قدمها إلينا قائلاً:
      -هذي الأخت سامية الكليشي ، طالبة علم إجتماع من جامعة السلطان قابوس جاية تتدرب عندنا لمدة أربعة أسابيع. كان المفروض أن تتولى الزميلة منى الجحري الإشراف على تدريبها ..لكن منى أخذت اجازة اضطرارية هذا الأسبوع..

      ثم التفت إليها مشيراً بيده إليّ:
      سامية هذا الأخ عادل الخوشني بيحل محل منى هذا الأسبوع. وإن شاء الله مابيقصر معاش.

      أنهى كلامه ببعض الملاحظات العملية التوضيحية لها ولي، ثم انصرف ليتركني وجهاً لوجه معها.

      لم يخطر ببالي في تلك اللحظة أن لقائي بسامية الآن، ولقائي بالعقيد محمود الحسبي، ضابط الأمن الداخلي، بعد أسابيع قليلة سيغيران وجه الحياة كما عرفته دائماً، ويوصلاني إلى مصيري المحتوم!
      .......................................

      كانت سامية تبدو أكبر من سنها الحقيقي . بيضاء ، ممتلئة.... و امرأة.

      أزعجني في البداية التناقض الحاد بين خضرة لحافها الباهتة وأحمر شفتيها الفاقع، ورائحة البخور والعطر الثقيلة التي ملأت الغرفة. حاولت أن أبدو لطيفاً وأرحب بها ، لكنني في الحقيقة كنت مستاءً جداً من هذه المهمة السمجة.

      ألا يوجد في القسم موظف غيري ليجالس هذه الحمقاء؟!
      كل صيف يأتون لنا بمتدربين من الجامعة. لا تعرف من أكثر حمقاً: شبابهم أم فتياتهم؟ . لا يفقهون شيئاً ولا يريدون أن يتعلموا. لعب ومسخرة ، ومضيعة وقتٍ لنا.

      سألتني ببلاهةٍ واضحة:
      -أنت تخص معالي الوزير؟

      ضحك حسين قائلاً: ايوا. عادل متعين هنا بالواسطة.
      عنفته بنظراتي، وأجبتها بالنفي مؤكداً:
      -لا بس تشابه أسماء.
      -لكن أكيد من نفس المنطقة . صح؟
      -يعني. قريب.
      ثم سارعت بمحاولة تغيير دفة الحديث:
      -وين ناوية تشتغلي بعد التخرج إن شاء الله؟
      - بصراحة أتمنى أحصل في وزارة ما أريد أبداً أشتغل في مدرسة ..ضِيقة وكروب

      ضحك حسين ضحكةً ذات مغزىً لم تفطن له سامية التي تابعت حديثها عن الدراسة والجامعة والعمل بكثير من التفصيل الذي لاداعي له.

      لاحظتُ انها تحاول بإصرار إخفاء لهجتها العمانية، بالزج بمفردات شامية ومصرية وخليجية في كلامها..والناتج كان مسخاً مضحكاً.

      مذهلٌ ما تستطيع أن تعرفه عن المرء من طريقة حديثه وسلوكه ولباسه !

      كانت تبدو لي نموذجا مثيراً للتحول النفس- اجتماعي الذي تشهده البلاد. أنماطٌ وقيمٌ جديدةٌ تظهر وأخرى تنسحب نحو الظل لتموت بهدوء. طبقات مهمشةٌ تسلخ جلدها وتتوق إلى الصعود ، لكن يبقى صراعها الداخلي ظاهراً مستعصياً على الحل مفرزاً صوراً عجيبة للتشوه الإجتماعي. وطبقاتٌ أخرى تتعلق بتلابيب مجدٍ آفل بعد أن عجزت عن التأقلم مع صدمة القيم الجديدة. الناجحون الآن هم المنبوذون سابقاً، صعاليك العقود الماضية، وبعض من استطاع مبكراً أن يفهم قوانين اللعبة الجديدة. هؤلاء هم الذين يعيدون تشكيل الهرم الإجتماعي ويحددون المسافات الفاصلة بين القاعدة والقمة، ومابينهما. ومايزيد الأمر تعقيداً ، أن موقعك في التقسيمة الإجتماعية الجديدة لا ينسجم بالضرورة مع ما في محفظتك من نقود.

      فكرت في كل هذا وأنا أتأمل شفتيها المنشغلتين بثرثرة صامتة.

      كانت سامية، على تفاهتها الظاهرة، أهم من أن تمر على مصيري دون أن تغيره !


      كانت الأيام التالية سيئة فعلاً !

      حسين غاب لثلاثة أيامٍ في دورةٍ تدريبية وتركني وحيداً تحاصرني أسئلة سامية الغبية ورائحة عطورها التي تشعرني بالغثيان.

      القاذورات بدأت تتجمع في منزلي الذي لم ينظفه أحد منذ أن جاء هيثم إلى الدنيا ومعدتي مقلوبة من أكل المطاعم .

      الأطباء قرروا أن يجروا عمليةً جراحيةً لطفل منى الجحري حتى تضطر إلى تمديد إجازتها وأضطر أنا لتحمل ساميةً أسبوعاً آخر.

      استيقظت يوم الثلاثاء على صوت المنبه المزعج ، نهضت بتثاقل لأستحم فأقرفتني رائحة الحمام. انتهيت بأسرع ما يمكنني وخرجت لأرتدي ملابسي . بحثت عن وزارٍ نظيفٍ في الدولاب فلم أجد، ذهبت إلى غرفة الخادمة لعلها كانت تكويهم وتركتهم هناك ، لكن لم أجد شيئاً.

      بدأت أشعر بصدري يضيق وأنني أفقد أعصابي.

      اتصلت بغالية فجائني صوتها ناعساً:

      -عادل؟
      -بعدك نايمة؟!
      - ايوا هيثم ماخلاني أنام طول الليل
      -وين وزرتي؟
      -نعم؟
      -مالاقي ولا وزار نظيف؟
      -طيب وديهم المغسلة.
      -والحين ويش البس؟!
      -.........
      -ردي لا؟ ويش البس؟
      -.........
      -متى بترجعي؟
      -لما اخلص الاربعين!
      -لا انا اليوم بجي آخذش
      -لا عادل مايصير لأن..............
      -شوفي اذا ما بترجعي اليوم جلسي فبيت اهلش وماترجعي البر.

      ثم أغلقت الهاتف في وجهها.

      خرجت إلى الدوام واللعنات لا تفارق فمي . وصلت لأجد العمل متراكما على طاولتي وسامية تبتسم ببلاهةٍ تنافس بلاهة لحافها البرتقالي.

      تعوذت من الشيطان وسألتها:

      -تعرفي تطبعي على الكمبيوتر؟
      - ايوا تراني اطبع كل بحـ...

      قاطعتها بضجر وأنا أناولها بعض الأوراق:
      -زين لو سمحتي ياريت تطبعي هذي الرسائل

      وعدت إلى مكتبي وقبل أن أجلس رن هاتفي. كان المتصل أبي:

      -عادل؟
      -صباح الخير الوالد . كيف الحال؟
      -الحمدلله. اسمع باغنك فسالفة
      -تفضل الوالد
      -أخوك فيصل بيجيك اليوم.
      -اليوم ؟ ليش؟
      -أنا مطرشنه يخلص موضوع في المحكمة وقلت له يمر عليك بعدين. أبغاك تكلمه وتناصحه لأني تعبت ومابقى عندي غير الخيزران.
      -خير الوالد ايش مسوي فيصل؟
      -ماتشوفه كما مو مستوي؟ مسوي له لحية كما لحية التيس وأمس شل دهاديشه كلهن معَ الخياط اوين باغي يقصرهن. ولازق في الحمار عبود بو مايخابر حتى أمه. حتى لسانه انقلب. استوى مايتكلم غير كما بو في التلفزيون
      -بسيطة الوالد يوم الا كذاك . خليه الله يهديه.
      -مو يعني احنا كفار وضالين؟! ترانا كلنا نصلي ونصوم لكن ما سوينا كذاك في عمارنا بعيد الشر.
      -إن شاء الله بكلمه، لكن الموضوع مايستاهل خيزران وعصبية.
      -تراك انت مافاهم شي ياولدي. اليوم طوّل اللحية وقصّر الدهداشة وباكر أشد وأعظم . ترانا شفناهم بوقبله كما مو استووا .

      ثم تغيرت نبرة صوته وقال كمن يبوح بسرٍ خطير:
      -ما سدّه يتكلم علينا وعلى خواته. قام حتى يتكلم على بو فوق. ماشي شي فالبلد عاجبنه.
      -كيف يعني؟
      - ماينقال هذا الكلام في التلفون. بيخبرك هو مابيقصر.

      وعدت أبي أن أكلم فيصل وأنصحه، ثم حاولت أن أطيب خاطره معللاً أن مايحدث لأخي رعونةُ شبابٍ ستمر. إلا أن هذه المكالمة ظلت تشغل بالي. هل يعقل أن فيصل يتجرأ على انتقاد الحكومة في بيتنا؟ لقد تربينا على الحديث في كل شيء إلا السياسة. كان أبي حاسماً جداً في هذه المسألة، نحن ندين بالكثير " للي فوق" ، كما يسميهم الوالد، ونحتاجهم لنظل كما نحن ، لذا لابد أن نبقى خدماً مطيعين لهم لنبقى أسياداً على غيرهم. لن يقبل أبي أبداً أن تتأثر علاقته بكبار الشخصيات الذين يسهلون له مصالحه . خصوصاً الآن وأخي عبدالعزيز يستعد ليرشح نفسه لمجلس الشورى.

      قطعت عليّ سامية أفكاري :
      -عادل ماعرفت كيف أسوي هذا الجدول ممكن تجي تشوفه؟

      (توش كنتي تقولي انش خبيرة كمبيوتر!) قلت لنفسي بغيظ وأنا أذهب لمساعدتها. اقتربتُ من شاشة كمبيوترها ومددت يدي إلى الماوس، فلامست يدها.

      احمر وجهي للحظات. كانت تكلمني وتؤشر على الشاشة وجسدها يكاد يلتصق بجسدي. لأول مرةٍ أشعر بهذا الكم الهائل من الحرارة ينبعث من جسد امرأة. كانت كتلةً من نارٍ تحترق بقربي وتنقل حرارتها إلى أحشائي.

      الآن وأنا قريبٌ منها حد الإلتصاق، لم تعد رائحة عطرها تزعجني بل تتغلغل إلى عروقي فتُسْكِرُها. لأول مرةٍ أرى في شفتيها أكثر من أداةٍ للثرثرة.

      لا أعرف لماذا قفزت إلى ذهني في تلك اللحظة حقيقةُ أنني لم أمارس الجنس منذ أكثر من شهرٍ ونصف!

      قلت وأنا أجاهد لأخفي الإرتباك في صوتي:
      -خلاص خليه بكمله أنا .

      كنت أريد ان أبتعد عنها بأسرع ما يمكن.

      لم تعلق . لقد أدركت الملعونة كل شيء. لم تفتها ارتعاشة صوتي!


      خرجت من الدوام وتوجهت إلى مطعم الملعقة الذهبية في الخوير حيث ينتظرني فيصل.

      طلبنا الطعام وجلسنا ننتظر.

      قلت له:
      -الوالد معصب عليك.
      -أعرف.
      -شوف يا فيصل، تريد ربك يرضى عليك، ابدأ بطاعة والديك.
      -إلا في معصية الله. أبوك يبغاني أسكت على الفساد والمنكر. وأنا والله لن أفعل.
      -أي فساد وأي منكر ؟ أصلح نفسك وعائلتك أول وخلك من الحكومة أحسن لك ولنا.

      -ألا ترى الخمور في كل مكان؟ وبيوت الدعارة والأغاني والموسيقى في كل مكان؟ كل سنة يجيبوا عشرات المطربين في مهرجان الخلاعة ويخلوهم يغنوا في حفلات مختلطة. البنت ترقص مع الرجل، لا حياء ولا خوف من رب العالمين. أما فتياتنا المنقبات الطاهرات العفيفات يجبروهن على خلع النقاب في الجامعة والمدارس. حشا ما كأنّا في بلد مسلم.

      حاولت لساعة ونصف أن أقنعه بأن يركز على دراسته ويخلي الأمر لصاحب الأمر، لكنه كان أصلب من الصخر.

      قال لي في الطريق إلى بيتي:
      -ويش أخبار صاحبك سلمان؟

      ضحكت وأنا أجيبه :
      -لازم تسأل عنه تراه مطوع مثلك.
      -وإن شاء الله أنا وياه بنتعاون عليك علين ما تستوي مثلنا وأحسن.
      -أحسنتوا ماتقصروا أنا مرتاح كذا.

      وصلنا إلى البيت، واتصلت، بناءً على إلحاح فيصل، بصديق الطفولة سلمان الرخوصي ليمر علينا.

      وصل سلمان بعد ساعة، وغرقت معه في تحياتٍ طويلةٍ وأحاديثٍ كثيرةٍ مؤجلة، ثم تركته لفيصل ليتداولا آخر فتاوى الخليلي والقنوبي ويسخرا من بعض معتقدات "الحشوية" كما يحبان تسميتهم.
      ..

      قال سلمان وهو ينظر في ساعته:
      -اليوم في محاضرة جديدة لسماحة الشيخ بعد صلاة المغرب، ويش رايكم تجوا معي؟

      أجاب فيصل بحماسة شديدة:
      -طبعاً أكيد بجي معك.

      أما أنا فتحججت بعملٍ مهمٍ في الشركة. إلا أنهما لم يقتنعا بهذا العذر وألحا عليّ حتى لم أجد مفراً من مرافقتهما على شرط أن أغادر فور إنتهاء المحاضرة لأذهب للشركة ولو لساعة.

      ابتسمتُ وأنا أتخيل ردة فعل أبي حين يعرف أنني بدلاً من إقناع فيصل بالعدول عن هذه الطريق، آخذه معي إلى محاضرة دينية !

      غادرا قبلي في سيارة سلمان، ولحقت بهما في سيارتي.

      انطلقنا نحن الثلاثة دون أن نعرف أن القدر في هذه اللحظة يرسم لنا طريق النهاية!


      كانت المحاضرة عادية لامثير فيها .لم أفهم سر الإعجاب والإشادة العجيبة التي تتردد على الأفواه من حولي مع تكبيراتٍ ودعواتٍ بأن يحفظ الله الشيخ ويزيده من علمه.هالني الإجلال والإعظام الذي يكنه جميع الموجودين للشيخ الخليلي. هالتني السلطة التي يملكها هذا الرجل على عقول الناس وأفئدتهم. كان الجميع يتسابقون للسلام عليه وسؤاله والإستماع له. وإذا تكلم اشرأبت الأعناق بعمائمها البيضاء لتنصت له.

      لم أكن قد التقيتُ به من قبل أو حضرت محاضرةً له أولسواه. صلتي بالمسجد لا تتعدى صلوات الأعياد وبعض الجمع المتفرقة وقليلٌ جداً من الصلوات التي اضطر لحضورها حين أكون برفقة أصدقاء. فيما عدا ذلك، كنت بعيداً عن الدين. ولولا صداقتي القديمة لسلمان، لقلت أيضاً أنني بعيدٌ تماماً عن المتدينيين. بعيدٌ عنهم بخيارٍ واعٍ.

      يستفزني جداً تعطيلهم لعقولهم ، ويقينهم المطلق بأنهم أهل الحق وأصحابه وأنهم وحدهم من يملكونه ويملكون الله. ويغضبني أنهم يعطون لأنفسهم الحق في التدخل في خصوصيات الآخرين وأن يملوا عليهم كيف يجب ان يعيشوا حياتهم.

      أبي يؤمن أنهم مجموعة من المنافقين الوصوليين التفّه الذين يتخذون من الدين غطاءً لتحقيق مآربٍ شخصية والوصول إلى شكل من أشكال السلطة والمكانة الإجتماعية التي لم يرتقي بهم أصلهم لها. وهو محقٌ إلى حدٍ ما ، فكثيرٌ من النماذج التي التقيتها تطابق هذه الصورة بشكل مذهل. لكنه مخطيء أيضاً. لأنني أعرف أخي فيصل وأعرف سلمان. أعرف صدقهم وإخلاصهم. أراه في التماعة أعينهم حين يتحدثون. وأشعر به في تلك العبرة الرقيقة التي تتسلل دون قصدٍ إلى كلماتهم. نعم ينقصهما الكثير من الذكاء وعمق الرؤية ، وتعيبهما السذاجة والثقة المطلقة، لكن الحماسة وإتقاد العاطفة والإيمان العميق بالهدف والغاية، تجعلني أحسدهما كثيراً.. أحسدهما لأنني لم أستطع يوماً أن أؤمن بشيءٍ حد البكاء ولم أعتنق مبدأً يستحق التضحية.

      لا أريد طبعاً أن أطيل لحيتي وأقصر دشداشدتي وأقضي بقية أيامي في مناقشة مسند الربيع وحفظ غاية المراد والحديث عن الجنة والنار وعرش الله والهجوم على الوهابية. لكنني أريد ان أؤمن. بالله أو بغيره ..المهم أن أؤمن. أريد أن أعرف غايةً لحياتي وأريد أن أجاهد. مهما كانت هذه الغاية .. حتى لو كانت نفسي. ومهما كان شكلُ هذا الجهاد.

      ويبدو أن القدر سيستجيب لهواجسي بأسرع مما كنت أظن!


      استسلمتُ لهذه الأفكار وانا أقود سيارتي في شوارع مسقط الهادئة، بعد ليلة عملٍ طويلة.

      كانت مسقط تكبر وتتغير كل يوم. تكبر كفتاةٍ تودع آخر سني مراهقتها وتستقبل أنوثتها الطاغية بلا رحمة. جميلةٌ هذه المدينة النائمة في غفلةٍ من الدنيا. العالم كله يدور في مدارٍ واحد ، ومسقط تدور في مدارها الخاص.

      توقفتُ أمام مقهىً بائس، اشتريت سندويتشات وزجاجة ديو ثم توجهت إلى البيت.

      أكلت وحدي على السرير، ثم رميت الأكياس والزجاجة الفارغة تحت السرير وأنا أضحك.
      لحظات وذهبت بعدها في نومٍ عميق.

      استيقظت في الثانية فجراً لأكتشف أنني لم أنم للحظة. كنتُ أحلم بها!

      كانت متجسدةً أمامي بعينيها الواسعتين. بشفتيها . بخصلات شعرها التي تطل متحديةً من تحت لحافاتها الملونة.

      لماذا أحلم بسامية؟!
      شعرت بشيء من الذنب والحرج. ثم شيء من الفزع.

      هل هذا يعني أنني أحبها؟ كيف يعقل أن أحبها وأنا أشد المؤمنين بغبائها وسخافتها؟
      أرعبتني مجرد الفكرة.
      أنا ؟! بعد هذا العمر؟! أقع في الحب؟!

      حاولت ان أطرد هذه الفكرة من رأسي . لا يمكن أن يكون حباً. كل مافي الأمر أنني أشعر بالوحدة وأفتقد زوجتي وربما أثارني قربها ذلك الصباح.

      تذكرت تلك اللحظات المشتعلة.

      ثم تذكرت يد هيثم الصغيرة وهي تقبض على ابهامي لأول مرة.

      كلا. لن أسمح لنفسي بأن أتورط بأي شكلٍ مع هذه الفتاة المسطحة. لن أخون زوجتي. لن أتحول إلى أبي.

      ظللت أتقلب بين أفكاري ومخاوفي حتى جاء الصباح.
      خرجت إلى عملي مكرهاً. كنت أتهيب رؤيتها.

      وضعت شريط قرآنٍ في مسجل السيارة، ورفعت الصوت.
      لأول مرةٍ أبتهج بالزحمة وأرجو ان لا تتيسر. كنت أريد ان أحشد كل دفاعاتي قبل أن أراها.

      حين وصلت الوزارة، تعمدتُ أن أضيع الوقت في السلام على الزملاء.
      لكن لا مفر.

      رأيتها.

      كانت أجمل من الأيام السابقة. لفت شعرها بلحافٍ أسود (لأول مرة !) وتركت خصلاته تعابث عينيها.

      ابتسمت بجاذبية وهي ترد على تحيتي المقتضبة.

      ياإلهي. كل شيء فيها يستفز رجولتي.

      أريدها.

      جلست إلى مكتبي. بدأت تسأل وتثرثر كعادتها وأنا غارقٌ في أفكاري.

      وقفتُ فجأةً كالملسوع. استأذنتها وخرجت. اتصلت بغالية. لكنها لم ترد. عاودت الإتصال مرةٌ أخرى

      أرجوكِ ردي يا غالية. أحتاجك الآن.

      -آلو عادل

      لأول مرة أحس بكل هذه السعادة لسماع صوت زوجتي:
      -هلا غالية صباح الخير
      -أقولك أنا مشغولة الحين جالسة أسبح هيثم يدي كلها ماي
      - أحتاج أكلمش الحين ضروري
      -خير؟
      -ماشي بس الدوام ملل

      ضحكت وهي تجيب:
      -خليني أسبح هيثم قبل لا يموت من البرد .دوك كلم مرام سوالفها ما تخلص.

      كلمت طفلتي لعشر دقائقٍ كاملة . قلت لها كلاماً كثيراً أشك في أنها فهمت شيئاً منه. لكنها كانت مبتهجة وتضحك.

      شعرت بثقةٍ أكبر في نفسي وعائلتي. قررت أن أهرب بسرعة إلى البلد وأن أقضي أطول وقتٍ ممكنٍ مع طفليّ. أن أستمد من برائتهما القوة لمغالبة هذا الهاجس الذي يتهددنا.
      ....

      اتصلتُ بأبي لأسأله إن كان يريد شيئاً من مسقط، فجائني صوته مهموماً:

      -زين أنك اتصلت. تو مبوني ناوي اتصل فيك
      -خير الوالد في شي؟
      - لا تتأخر اليوم تعال من وقت.
      -إن شاء الله بوصل قبل صلاة العصر.
      -بو كنت خيفان منه استوى. العقيد محمود الحسبي شمج الشيخ بدر اتصل بي تو وقال بيمر يتقهوى بعد صلاة المغرب!


      جلسنا ننتظر العقيد الحسبي في السبلة، أنا وأبي وإخوتي في ماعدا فيصل الذي طلبتُ منه أن يبقى بعيداً ولا يعود حتى أتصل به. كنت أخشى عليه من أبي ومما يمكن أن يحدث بعد مغادرة العقيد.

      كان أبي في غاية القلق والإضطراب ، يغرق لدقائق طويلةٍ في تفكيرٍ عميق وهو يحتسي فنجان قهوته في صمت ، فلا نجرؤ على مقاطعته، ثم ينتفض فجأة منذراً بالكارثة التي توشك على أن تحل بنا وتهدم مابناه في عقود.

      أخي عبدالعزيز، المنشغل أبداً بأعماله وزيجاته والاستعداد للمجلس، تفرغ هذا اليوم وظل مرابطاً في السبلة يشتم ويلعن ويزيدُ نار أبي اشتعالاً.

      وصل العقيد أخيراً ، فهب الجميع لاستقباله والترحيب به.

      كان ضخماً، ذا كرشٍ كبيرة وشاربٍ كث وعينين غائرتين تضيقان كلما تحدث. في يده اليسرى ساعة رولكس ثمينة وخاتمٍ ذي فصٍ أحمرَ كبير.

      كان يتحدث بلهجةٍ مسقطية يداخلها الكثير من الفصحى ، ينتقي كلماته بعناية محافظاً على ابتسامته.

      بعد التحيات والمناشدة عن العلوم وتبادل الأخبار ،أحضر أخي سلطان الفوالة ودلة القهوة. كنا جميعاً نريد التخلص من هذه المراسم بسرعة لنصل إلى صلب الموضوع الذي جاء من أجله العقيد.

      بعد أول فنجان قهوةٍ، هزالعقيد فنجانه وبدأ حديثه ، قائلاً:
      -في الحقيقة ياشيخ ناصر انا جاي اليوم بدافع احترامي وتقديري لك. ولأنكم ناس معروفين في البلد وولائكم للوطن مشهود ونحن مانرضى أنه مصالحكم تتضرر. وفيصل تراه مثل ولدي، ما أرضى انه مستقبله يضيع بسبب طيش شباب .

      تمتم أبي ببعض كلمات الشكر والموافقة. فواصل العقيد:
      -المشكلة ياأبو عبدالعزيز أنه فيصل منساق وراء جماعة من المطاوعة اللي أثّروا عليه بأفكارهم المتطرفة الهدامة واستغلوا صغر سنه وحماسته عشان يضموه لصفوفهم ويخلوه ينقلب على أهله ووطنه. وترى الدولة مانايمة يا شيخ ناصر. ولدك الله يهديه مابقى مكان إلا وتكلم فيه على الحكومة والمسؤولين بكلام ما أظن رجل وطني مثلك يرضاه .

      انتفض أبي قائلاً:
      -حاشا لله مانرضى

      أكمل العقيد:
      -نحن وأنتم نتعب ونشقى من أجل خير هذي البلاد وتقدمها، وذيلا الصغيرين يدوروا بين الناس بالكلام الفاضي والاتهامات لأصحاب المعالي الوزراء وللحكومة كلها وهُمّا الواحد بعده مامخلص دراسة ومايعرف شماله من يمينه.

      أومأ أخي عبدالعزيز موافقاً وهو يقول بحرارة :
      -تراهم ماعاشوا قبل النهضة وما يعرفوا النعمة اللي هم فيها بفضل مولانا جلالة السلطان.

      واصل العقيد:
      -والحين مسوييلهم موقع على الانترنت يتجمعوا فيه ويتطاولوا على رموز البلد ويشيعوا الفتنة والبلبلة بين الناس ويهددوا منجزات النهضة وأمن هذا البلد.

      ثم سكت لثوانٍ قليلة حتى يتأكد أن كلامه أحدث التأثير المطلوب، وواصل:
      - لولا احترامنا لك يا أبو عبدالعزيز، وحرصنا على مستقبل فيصل ما كنت جيت اليوم، لكن نحن واثقين أنك قادر تنصحه وترشده وتخليه يترك عنه هذي السوالف اللي تضره وتضركم ، ويركز على دراسته ومستقبله حتى ينجح ويتخرج وينضم إلى اخوانه في خدمة هذا الوطن.

      أكد أبي بحماسٍ وحرارة أنه سيؤدب فيصل ويعيده إلى الصراط القويم ، حتى لو اضطر إلى تكسير هذي "المحنايّة" (ورفع عصاه مهدداً) على ظهره.

      ابتسم العقيد برضىً، وهو يقول:
      -مافي داعي للشدة ياشيخ ناصر. وفيصل ماشاء الله عليه رجّال وعاقل وكل مافي المسألة طيش شباب، سيتجاوزه بمناصحتكم وارشادكم ومتابعتكم.

      ثم التفت إليّ قائلاً بابتسامة عريضة:
      -كيف الشغل عندكم في الشركة ياعادل؟

      أربكني سؤاله المفاجيء وتغييره لدفة الحديث:
      -الحمدلله الحمدلله.
      - وين ساكن في مسقط انت؟
      -في الغبرة
      -خلاص خلينا نلتقي مادام احنا الاثنين في مسقط ، يمكن نحتاج من عندك كمبيوتر ولا شي.
      قال هذا وهو يضحك.
      فأجبته متصنعاً الضحك:
      -أكيد طبعاً الشركة كلها تحت أمرك.

      كانت هذه الكلمات القليلة التي تبادلناها بداية النهاية!


      ما إن تحركت سيارة العقيد حتى انفجر أبي فينا وهو ينتفض غضباً :

      -شفتوا؟! شفتوا أخوكم الضال كلب جهنم هين وصّلنا؟! مو خانته هو بالحكومة؟ مو باغي منها؟! لعنة الله عليه إلى يوم الدين

      ثم التفت إليّ وهو يصرخ:
      -اتصل به تو ذي الدقيقة خليه يجي

      لم يطاوعني قلبي أن أتصل بفيصل أدعوه لمواجهة غضبة أبي وانتقامه. فتظاهرت انني أتصل ثم هززت رأسي علامة اليأس قائلاً:
      -ماشي فايدة الوالد تلفونه مسكر. خليه لين بكر....

      قاطعني الوغد سلطان قائلاً وهو ممسكٌ بهاتفه:
      -لا لا مامسكر. أنا يرن عندي

      لعنته في سري مئة مرة هذا الوغد الجبان.

      قال أبي بحدة:
      - اها تخبره بشي. قوله يجي بسرعة ضروري

      أدركت حينها أن مصيره سيكون أحلك سواداً مما توقعت!

      أرسل أبي سلطان ليحضر حبلاً، وجلسوا ينتظرون. حاولت أن أتدخل لتهدئة أبي لكن كلامي ضاع في سيل اللعنات والشتائم التي تتدافع من فمه.

      وما إن دخل فيصل مسلماً حتى قفز عليه عبدالعزيز وسلطان يقيدانه. وقبل ان يستوعب المسكين ما يجري كان مقيدا يجره الإثنان إلى الحوش ليربطاه في نخلة كما أمرهما أبي الذي انهال عليه ضرباً بالخيزران على بطنه وذراعيه وكل مايطاله من جسده .

      كان يضربه بوحشية وهو يكرر ماقاله العقيد:

      -مرابع لي مطاوعة ولاد حرام ؟! ها؟ خلهم تو يفلتوك من يديني. مو باغي تسب الحكومة؟ مو خانتك فيها؟ لولا الحكومة كنت تواحي ميت جوع يالحمار..متى بتتأدب وبتستوي رجّال؟

      كانت يده لا تتوقف ، ولسانه لا يتوقف.

      حاولت أن أمسك أبي وأبعده عنه إلا أن الخيزران طالتني وأجبرتني على الإبتعاد.

      جاءت أمي مسرعةً وهي تبكي وترجو أبي أن يرحمه ويتوقف، لكن لا شيء في تلك اللحظة يمكن أن يوقف اندفاع أبي الذي تحول إلى وحشٍ هائج يفتك بابنه.

      كان فيصل يصرخ ويتلوى من الألم وهو يحاول التملص من قيوده وتحاشي ضربات العصا، لكن بلا فائدة.

      لم يتوقف أبي إلا حين تكسرت الخيزران وتمزقت دشداشة أخي العزيز وسالت دماءه. كان صوت فيصل بدأ يخفت ويتلاشى من كثرة الصراخ وجسده كله يرتجف ألماً.

      واصل أبي تهديده ووعيده بانه سيقلع عينه ويقطع لسانه ويدوسه بالسيارة إن لم يتب. ثم بصق على الأرض وسار عائداً إلى البيت ولعناته لا تتوقف. ورائه يسير سلطان وعبدالعزيز.

      أسرعت أمي إلى فيصل تفكه وهي تنتحب.

      بينما وقفت أنا جامداً في مكاني.

      كنتُ أبكي !

      هرب فيصل من البيت في تلك الليلة وذهب إلى منزل أخوالي. كان غاضباً مكسوراً كحيوانٍ جريح. اعتقدَ أننا تآمرنا عليه جميعاً وغدرنا به.

      تدخلت بعد ذلك أطرافٌ عديدة من العائلة لمصالحته بأبي الذي وعد بأن لا يضربه مرةً أخرى مقابل وعدٍ منه بأن "يعقل".

      كل هذه الأحداث أبقتني مشغولاً طوال العطلة لكنها لم تنسني التفكير في سامية .
      كلما جاهدت لأبعد صورتها عن بالي زادت في الحاحها وعنادها.

      زرت زوجتي وأطفالي وقضيت معهم وقتاً طويلاً. لعبنا وضحكنا. طبخت لي غالية وجبتي المفضلة وخرجنا للتسوق. لكنها كانت معنا!
      كانت في كل مكان. تنظر إليّ بعينيها الواسعتين وابتسامتها اللذيذة.
      لم أستطع منع نفسي من المقارنة بينها وبين غالية. كانت دائماً الرابحة!

      .......

      غادرت بلدتي الصغيرة يوم الجمعة متجهاً إلى مسقط.
      كان الشارع مزدحماً وكئيباً تتناثر على جنباته البيوت القديمة ومزارع النخيل الموحشة وبعض الدكاكين والمقاهي التي يتحلق حولها العمال الآسيوييون ليشاهدوا فيلماً أو يرتشفوا كأس شايٍ مفعمٌ بالغربة والفقر والشقاء.

      كم هي مملةٌ ومتعبة هذه الرحلة الأسبوعية الطويلة على نفس الطريق.

      وجدتً نفسي رغماً عني أعاود التفكير بها.

      ماذا سيحدث لو تركت نفسي أستسلم لسحر المغامرة وإغوائها؟
      مجرد التفكير بالأمر يجعل نبضي يتسارع
      كنت كالواقف على أعتاب المجهول، أمان الحاضر واستقراره يقنعني بالبقاء حيث أنا بينما داخلي يتحرق ليخطو خطوةً أخرى نحو المجهول بغموضه الفاتن ووسوسته المغوية.

      هل حقاً سأقضي حياتي كلها مع غالية وحدها حتى الموت؟
      هل هذا هو نصيبي الأبدي من السعادة، ولا شيء غيره؟

      لست سعيداً معها.
      إنها بلا لون ولا طعم ولا رائحة. هكذا هي حياتي معها.

      أي أذىً سيحل بأطفالي إذا نال أبيهم حظه من السعادة واستمتع قليلاً بحياته؟
      لايمكن لما يجهلونه أن يؤذيهم .
      لن أكون مستهتراً كأبي. سأحرص على أن أبقي الأمر سراً بعيداً عنهم.

      نعم. لن يعرفوا ..لن يعرف أحدٌ أبداً. سيكون هذا هو سري الصغير
      أعجبتني الفكرة ! أن يكون لدي سرٌ أخفيه عن العالم ..حياةٌ سرّية .

      تفتقد حياتي لهذه الإثارة.
      وأنا أريدها. وأريد سامية.

      ..............

      قضيت تلك الليلة أخطط للحصول عليها.

      وعندما استيقظتُ كنتُ أشعر بسعادة طفلٍ يستعد لتنفيذ أول مقلبٍ في حياته.
      وقفت طويلاً أمام المرآة أتأكد من لفة المصر وأنا أبتسم وأصفر لحن أغنيةٍ قديمة ، ضحكت وأنا أمسك بزجاجة العطر. سأنافسها اليوم وأجعلها لا تشم إلا عطري.

      كنت أسمع أصواتاً عديدة بداخلي تسخر من مراهقتي وتدعوني إلى العودة إلى رشدي
      لكنني كنتٌ مصراً على أن لا أسمع. لن أدع طعم الفرحة هذا يغادر فمي

      فلتكن مراهقةً وليكن تهوراً ولتكن حماقة، أنا مدينٌ لنفسي بقليلٍ من البهجة ولن أحرمها ذلك.
      ومادام القدر قد وضعها في طريقي، من أنا لأعانده؟!

      وصلت إلى المكتب فوجدتها أمامي تعبث ببعض الأوراق.
      جميلة
      جداً
      حييتها بإبتسامةٍ واسعة وبدأت معها الحديث على غير العادة.

      لاحظتُ استغرابها في البداية، لاسيما بعد محاولاتي الغبية لتجنبها في الاسبوع الماضي، لكنها سرعان ما استجابت .

      تركتُ كل المعاملات المتراكمة على طاولتي وتفرغتُ لها.
      لم يزعجني إلا وجود حسين الذي اقتحم أحاديثنا. كنتُ اتمنى لو أنه يختفي من الوجود لساعةٍ واحدةٍ فقط.

      تحدثنا في أشياء كثيرة : في العمل والدراسة، في العائلة، في الرواتب وتكاليف المعيشة، في حياة الطلبة

      كنت أنتقل من موضوعٍ إلى آخر بترتيبٍ مسبق حتى وصلتُ إلى اللحظة التي أريدها فقلت:

      -احنا في الشركة الحين ندور على مندوبين مبيعات. يعني ناس يساعدونا نروج لبضاعتنا ونحصل زباين. طبعاً بيكون زين اذا حصلنا أحد في الجامعة لأنه مثل ما انتي عارفة الطلاب الحين مايقدروا يستغنوا عن الكمبيوتر.
      -فكرة حلوة. يعني بدل مايشتروا من عند حد ثاني أنتوا أولى
      -ايوا وطبعا في نسبة مقابل كل زبون.
      سكتُّ قليلاً وأنا أراقب علامات الإهتمام في عينيها، ثم أردفت:
      -ويش رايش ؟ المهمة سهلة. يعني بس تكلمي صديقاتش وتقنيعهم انه يشتروا كمبيوتراتهم من عندنا. والربح مضمون بدون اي تعب.

      تظاهرت بالحيرة وهي تقول :
      -مااعرف والله...

      -انتي لا تستعجلي. فكري وردي عليّ.

      قلتُ هذا وأنا أناولها بطاقتي.


      لم يفارق الهاتف يدي طوال اليوم.
      ظللت أترقب اتصالها على أحر من الجمر وأفكر في الكلام الذي سأقوله.

      في المساء ذهبت إلى الشركة وشرحت لشريكي جمال الهويبي فكرة مندوبي المبيعات، لكني طبعاً لم أخبره السبب الذي جعلني أخرجُ بها.

      تحمس جمال للفكرة أكثر مما توقعت ، واقترح أن نضع إعلاناً في الجريدة. ضحكتُ في سري كثيراً.

      جلست بعدها في مكتبي الصغير المطل على أحد شوارع روي، أراجع بعض الحسابات وعيني لا تغفل عن الهاتف.

      في الساعة التاسعة التاسعة إلا ربع وأنا أستعد للمغادرة، رن الهاتف!

      خفق قلبي بقوة ، وأنا أدعو الله أن لا يخيب ظني.

      ظهر لي رقمٌ غريب لا أعرفه.
      كنت متأكداً أنها هي.

      أجبت وأنا أجاهد لكتمان إثارتي:

      -آلو نعم؟

      لكن يا للخيبة ! جاءني صوت أجش . صوت رجل.

      -مرحبا الشيخ عادل كيف الحال؟
      -الحمدلله بخير
      -ماعرفتني؟ معاك العقيد محمود

      ابتلعتُ المفاجأة بسرعة لأقول:
      -أهلاً أهلاً اسمحلي ماعرفتك . كيف الحال؟
      -الحمدلله بخير. كيف الوالد؟
      -طيب من فضل الله
      -عسى بس الأمور مرت على خير مع فيصل؟
      -والله ايش اقولك الوالد كان غضبان
      -ماعليه ماعليه خير إن شاء الله. .....كيف برنامجك بكره؟ نقدر نلتقي العصر ؟ بغيتك في موضوع.
      -أكيد طبعاً أي وقت العصر؟
      -خليها الساعة خمسة في مسقط انتركونتيننتال يناسبك؟
      -أكيد يناسبني
      -تمام إذن. نلتقي بكره

      ثم أغلق الهاتف وتركني غارقاً في بحارٍ من الحيرة.

      ماذا يريد مني العقيد؟!
      لم أتوقع إتصاله القريب. هل هناك جديدٌ عن فيصل يريد إطلاعي عليه؟
      هل فعلاً يريد شراء كمبيوتر كما قال لي مازحاً تلك الليلة؟

      ظللت أضرب أخماساً في أسداس طوال الليل وأنا أحاول تخمين سبب اللقاء. حتى أنني نسيت سامية تماماً!

      ......

      في الصباح لم أرها كثيراً. انشغلتُ في اجتماعٍ مع مدير القسم ، وانشغلت هي بمهمة طباعةٍ كبيرة أوكلها إليها حسين.

      كنت متلهفاً لموعد الخامسة .

      ذهبت إلى هناك في الرابعة والنصف عصراً . جلست في ركنٍ هاديء من بهو الفندق بعيداً عن الداخلين والخارجين وظللت أحتسي أكوابَ شايٍ قلقة ومترقبة حتى وصل.

      حياني بحرارة ومودة كبيرة وكأننا أصدقاء منذ زمن.
      كان يناديني بالشيخ عادل وهو لقبٌ لم أعتده فقد كان حكراً على أبي وأخي عبدالعزيز.

      طلب هو فنجان قهوةٍ بينما طلبت أنا كوب شايٍ آخر.
      وعندما انصرف النادل مال علي قائلاً:

      -أكيد انت تتساءل عن سبب هاللقاء.
      -أياً كان السبب تسعدني دايماً معرفتك
      -الله يخليك يا شيخ .

      ثم ضاقت عيناه ومال جهتي أكثر، مردفاً:
      - شوف يا عادل الموضوع اللي بكلمك فيه ، في غاية الأهمية والسرية. لذا أرجو أنه مهما كانت الظروف يظل بينا ومايخرج إلى أي أحد حتى أقرب الناس إليك. هذا لمصلحتك ومصلحة البلد.

      قلت باهتمامٍ بالغ:
      -أكيد طبعاً طبعاً

      -طبعاً يا عادل أنت رجل ناجح ومحترم ومن أسرة كبيرة ومعروفة والوطن يفتخر ويعتز بالمواطنين الصالحين أمثالك. وتأكد أن الدولة حريصة على أبنائها المخلصين وماتنساهم.
      وطبعاً أنت عارف الجهد الذي بذله مولانا جلالة السلطان حتى يرتقي بالبلد ويوصلها إلى مصاف الدول المتطورة، ويحافظ على أمنها واستقرارها بسياسته الحكيمة.

      هززت رأسي موافقاً دون أن أنطق. فأكمل:
      -لكن للأسف ياعادل هناك فئات مندسة بين الشعب تسعى لهدم منجزات النهضة وتبغى ترجّع البلد للظلام والجهل والتخلف مرة ثانية. والخطر الأعظم أنهم يتسترون تحت غطاء الدين ليروجوا لأفكارهم المعادية للنهضة ولتقدم البلاد وتطورها. يستغلوا إيمان الشعب وتمسكه بدينه ليحققوا أهدافهم السياسية الدنيئة ويخدعون الشباب بسبب صغر سنهم وسذاجتهم ليجندوهم لمصلحتهم ويقضوا على مستقبل أولادنا. وعندك أكبر مثال أخوك فيصل اللي ابتلع الطعم وسار ورائهم حتى وقعّوه في مشاكل مع أهله وبكره يمكن في مشاكل مع الأمن والدولة. وصدقني اذا استمر على هالحال فماراح يضر نفسه وبس ، بيضركم كلكم.

      أفزعني كلامه كثيراً فقلت:
      -فيصل تعلم الدرس ومابيعود مرة ثانية لهالطريق واحنا....

      فقاطعني:
      -يا شيخ عادل المشكلة مافي فيصل بس. مئات الشباب راحو ضحايا مثله لهذي الجماعات . عندك مثلاً صديقك سلمان الرخوصي

      انتفضت حين سمعت اسم سلمان ، وأدرك هو أن رسالته وصلت.

      -مثل ما أنت شايف ياعادل خطرهم يزداد يوم ورا الثاني ، لذلك لازم نتصدى لهم ونوقفهم عند حدهم . احنا طبعاً مانستخدم القوة والعنف لأن العنف مايولد إلا عنف. وهمّا في النهاية عمانيين مثلنا وأبناء لهذا الوطن ضلوا الطريق وغرتهم الأماني ..واحنا واجبنا ان نعيدهم لطريق الصواب حتى يرجعوا مواطنين صالحين يخدموا هذا البلد. والدولة وضعت ثقتها فيك ياعادل وتطلب منك تساعدها.

      صعقتني المفاجأة :
      -أنا؟! كيف؟!

      -نعم أنت ياعادل وهذا شرف كبير والدولة مارح تنسى خدماتك. وبعدين كل مرة حد يستفيد، واللي استفادوا قبلك ما أحسن منك.
      -أنا أضحي بعمري لعمان لكن ايش أقدر أنا أسوي؟

      -تقدر تسوي كثير ياعادل . واحنا مانريد منك إلا أنك تمدنا بالمعلومات اللي نحتاجها وتخبرنا عنهم ..أي شي تعرفه أو تسمعه تبلغنا فيه. وماتعرف، يمكن معلومة صغيرة منك تساعدنا نحمي هالبلد ومنجزاته. وهذا ما يكلفك شي ولا يعطل أعمالك.. ونحن ما نريد الخدمة اللي تقدمها للوطن تضر أعمالك بالعكس احنا نشجعها. وصدقني هذي فرصة تخدم فيها بلدك وتنال فيها خير كثير إن شاء الله لك ولعائلتك.

      أطرقت مفكراً للحظات ثم قلت:
      -والله ما اعرف ايش أقول..

      لم يتركني العقيد أكمل:
      -أنت فكر في كلامي وشاور ضميرك وبتعرف أن هذا الطلب ماكثير على عمان يا أبو هيثم.

      ثم نهض، وهو يقول:
      -وعلى العموم بيكون لنا لقاء قريب بإذن الله . ومايحتاج أوصيك أن الكلام اللي بينا ما يوصل لأي مخلوق.

      ثم تركني تحت وقع المفاجأة، ورحل!

      بقيتُ مسمراً على مقعدي في بهو الفندق. يأتي الناس ويذهبون وأنا في مكاني.
      كانت المفاجأة أكبر من قدرتي على الإستيعاب.

      مئات الأسئلة تتزاحم في رأسي، ومشاعرعديدة تضطرم في داخلي. مزيجٌ من الدهشة والخوف والإثارة، بل وقليلٌ من الفرح!

      لماذا أنا؟ لماذا أنا بالذات؟
      إن مايحدث لي، بلا شك، أمرٌ عظيم. شعرت بالفخر وبأنني مهم. بلادي تثق بي وتطلب عوني. وهاهو العقيد بنفسه يفضي لي بسره ويأتمنني على معلوماتٍ دقيقة.

      مرت ببالي خواطر مضحكة، تذكرت أفلام ومسلسلات الجاسوسية.. جيمس بوند ورأفت الهجان.
      هل سأكتب بالحبر السري وأتعلم التخاطب بالشفرة وأحتفظ بمسدسٍ تحت الوسادة؟
      ضحكت لهذه الأفكار الطفولية.

      لكنها فعلاً مغامرة مثيرة وحياة تمتلأ بالغموض والسرية. عالمٌ آخر ودنيا جديدة. نقطة تحولٍ كاملٍ لمسار حياتي.

      هل أقبل إذن؟! وهل أستطيع أن أرفض؟

      إذا رفضت فلن أسلم أنا وعائلتي من غضبهم.أما إذا قبلت بهذه المهمة فإن أبواب الجنة ستفتح لي .

      أخذت أسترجع الحكايا التي كنتُ أسمعها في مجلس الوالد. عن خميس الذي يعمل في الأبحاث (كما يسمون جهاز الأمن) وكيف أصبح عضواً في مجلس الشورى ثم خرج منه ليتسلم منصباً رفيعاً لا يحلم به. وعن مسعود ود العبد الذي يغير سيارته كل ستة أشهر ويحيا حياة الشيوخ في مسقط وهو من لا أصل له.

      حتى مدير قسمنا السابق ، سمعت حسين أكثر من مرةٍ يلمح إلى صلته بالأمن وأن هذا هو السبب الرئيس في ترقياته المستمرة حتى بات الرجل الثاني في الوزارة بعد معالي الوزير.

      لكن هل يمكنني أن أصبح مخبراً وأنقل أسرار إخوتي وأصدقائي إلى الحكومة؟ أليس هذا خطأً؟
      لكن ماذا لو كانت أسرارهم تتضمن الإضرار ببلادي وشعبي؟ إنني أعرفهم جيداً وأعرف أفكارهم ولا أتمنى أبداً أن يصلوا يوماً إلى السلطة وإلا فعلى بلادنا السلام!
      سيعيدون البلاد إلى ماقبل التاريخ ويقضون على كل ماتحقق من منجزات.

      تذكرت فيصل وسلمان وأفكارهما الساذجة . نعم، العقيد محق. لابد أن ننقذ البلاد منهم وننقذهم من أنفسهم ونعيدهم إلى جادة الصواب.

      لم يخرجني من هذه الأفكار إلا رنين الهاتف.

      كان رقماً آخر لا أعرفه. هل هو العقيدُ مرةً اخرى؟

      -آلو نعم؟

      وجاءني صوت سامية. رقيقاً ناعماً يقطرُ أنوثة!


      برغم اللهفة التي كانت تعتريني لسماع صوتها في الأيام السابقة، في تلك اللحظة تحديداً لم أكن مستعداً.
      لكن كان لابد من الحديث:

      -آلو مرحبا أهلاً أهلاً
      -معي عادل؟
      -ايوا ايوا كيفش سامية؟
      -بخير الحمدلله. عسى بس ما اكون ازعجتك؟
      -لا ابدا ابدا بالعكس
      - بس كنت اريد أقولك اني موافقة على موضوع الشغل
      -ممتاز جميل جميل جداً. خلاص لما نلتقي في الدوام بعطيش كل التفاصيل وبنتكلم عن النسبة
      -اوكي تمام

      كان يجب أن أقول شيئاً بسرعة حتى لا تغلق الهاتف:

      -تعرفي زين اللي اتصلتي الحين لأني..
      وبدأت أثرثر وأختلق أموراً لم تحدث، فقط لأبقيها على الهاتف أطول وقتٍ ممكن.

      كانت مستمتعةً بحديثي . تضحك وتجيب على أسئلتي بأنوثةٍ متناهية. كانت امرأةً تعرف تماماً ماذا تفعل وعلى أي شيءٍ هي مقدمة.
      أكدت لي تلك المكالمة أنها تريدني كما أريدها وربما أكثر.

      كنت متلهفاً لأراها في الصباح. تحدثنا قليلاً عن مهمتها كمندوبة مبيعات وكثيراً عنها . ساعدنا في ذلك غياب حسين لقضاء مأمورية كلفها به المدير في إحدى الولايات.

      وعندما ذهبتُ لإجتماعٍ قصير مع أحد الزملاء، عدتُ لأجدها وقد اشترت لي عصيراً وسندويتش فلافل وضعته على طاولتي.
      -شكرا ليش تعبتي نفسش؟ ماكان في داعي
      -لا عادي طرشت الهندي يشتري لي ريوق واشتريتلك معاي.
      قالتها بنعومةٍ وضحكت.
      وددت لو أقبل شفتيها في تلك اللحظة.