حديث الصمت
عاد أحمد من سفره بعد أن أتم دراسته يتقدير إمتياز
عاد ملهوفا ً لرؤية حبيبته حنان التي ما برحت صورته خياله
وهاهو الآن يلتقي بها
لم يبق َ أحد ٌ غيرهما بعد أن غادر الجميع وتلاشى الضجيج وعاد السكون مرة أخرى يجثم فوق المكان مثل طائر ٍ حزين ..
جلس إلى جانبها .. أراد أن يجاذبها حديثا ً ما .. لكنه لزم الصمت .. ربما فعل ذلك احتراما لصمتها .. حيث أنها لا تنبس ببنت شفة .. وكأن العكبوت نسج خيوطه على شفتيها التي غادرهما الكلام .. أو أنه استعذب الصمت مثلها .. فقد يكون للصمت أحيانا حديث يصغي له العاشقون .. مد َّ يده .. وراح يعبث بذرات التراب كأنه يبحث عن شيء ٍ ضاع منه منذ أمدٍ بعيد ..
همس معاتبا ً : أهكذا يفعل الحب ؟!.. هل من الإنصاف أن تفعلي ذلك بي ؟
لاذت بالصمت كعادتها .. وحز َّ في نفسه أنه لم يسمع جوابا ً
تمتم من جديد : يمكنك البقاء صامتة ً كما تشائين .. ولكنني سأبقى أتكلم .
سكت لحظة ً .. تمنى أن يسمع جوابا ً ، ولكن دون جدوى .. كتب اسمها على التراب ، حاول أن تكون الخطوط أشبه بزهرة متفتحة ، لكن رغم براعته في الرسم بدت الخطوط أشبه ما تكون بقلب ٍ جريح .
إستأنف حديثه مغمغما ً : أتذكرين أفراحنا وأحلامنا وتلك الأماني العريضة ؟ أم تراك نسيت ِ كل ذلك ؟ لا أريد جوابا ً .. إنني ما زلت أحترم صمتك .. لكنني أتعجب .. ألا يحق لي أن أتعجب ؟! .. لقد كنت معي في كل خطوة .. وكنت ترسمين معي صورة المستقبل .. وكانت الدنيا لا تسع أحلامنا .. ربما تقولين : إننا لم نتعرف على بعضنا إلا مدة وجيزة .. إنها أيام فقط .. أو بضعة أسابيع .. ولكنها برغم كل ذلك كانت أياما ً جميلة وطويلة في عمر الحب الذي احتضن قلبينا كعش ٍّ ضم َّ عصفورين بللهما مطر الشتاء .. لقد شعرت بأنني أعرفك منذ زمن ٍ طويل .. منذ أن جئت ِ إلى الدنيا ..
لم يسمع أحمد جوابا ً سوى الصمت الكئيب .. ترقرقت الدموع في عينيه .. وأجال بصره محدقا ً في المدى البعيد .
كان الصمت ما يزال سيَّد المكان .. إلا غراب كان ينعق فوق شجرة أحرقها الخريف .
استأنف حديثه بصوت أشبه بنشيج الميزاب في مواسم المطر : لقد اتفقنا على كل شيء .. هل غيرت ِ رأيك ؟! .. لا أريد جوابا ً .. إنني لا أزال أحترم صمتك .. لقد أتيت حين أتيت والشوق يلفني من رأسي حتى أخمص قدمي .. كعصفور شريد ٍ أضناه البعد .. فكان كل همه الوصول إلى عشه قبل أن تغيب الشمس ..
إنسابت دمعة ٌ يتيمة وسقطت فوق التراب كقطرة مطر بائسة ..
سمع خطوات تقترب منه .. رفع رأسه .. فإذا بعجوز ٍ غريب انتصب أمامه كقدر ٍ صارم .. كان ينوء بحمل رخامة بيضاء بيضاء وضعها ببطئ فوق التراب ليمنعه من التحدث إليها .. إمتدت الرخامة أمامه كتابوت من الثلج .....
حدق في النقوش السوداء المحفورة على الرخامة .. وقد كتب عليها إسم حبيبته حنان .. وتمتم وهو يقرأ بحزن ٍ ـ وهو غير مصدق ـ إسم حبيبته حنان المنقوش على الرخامة ..
قرأ عليها الفاتحة .. وشعر بأنه يقرؤها على نفسه أيضا ً.. وغادر المقبرة وحيدا ً ..
كان ذلك قبر حبيبته الراقدة فيه بآمان سالمة .
------------
عربي1977
مع تحياتي
nunita...al7booba
عاد أحمد من سفره بعد أن أتم دراسته يتقدير إمتياز
عاد ملهوفا ً لرؤية حبيبته حنان التي ما برحت صورته خياله
وهاهو الآن يلتقي بها
لم يبق َ أحد ٌ غيرهما بعد أن غادر الجميع وتلاشى الضجيج وعاد السكون مرة أخرى يجثم فوق المكان مثل طائر ٍ حزين ..
جلس إلى جانبها .. أراد أن يجاذبها حديثا ً ما .. لكنه لزم الصمت .. ربما فعل ذلك احتراما لصمتها .. حيث أنها لا تنبس ببنت شفة .. وكأن العكبوت نسج خيوطه على شفتيها التي غادرهما الكلام .. أو أنه استعذب الصمت مثلها .. فقد يكون للصمت أحيانا حديث يصغي له العاشقون .. مد َّ يده .. وراح يعبث بذرات التراب كأنه يبحث عن شيء ٍ ضاع منه منذ أمدٍ بعيد ..
همس معاتبا ً : أهكذا يفعل الحب ؟!.. هل من الإنصاف أن تفعلي ذلك بي ؟
لاذت بالصمت كعادتها .. وحز َّ في نفسه أنه لم يسمع جوابا ً
تمتم من جديد : يمكنك البقاء صامتة ً كما تشائين .. ولكنني سأبقى أتكلم .
سكت لحظة ً .. تمنى أن يسمع جوابا ً ، ولكن دون جدوى .. كتب اسمها على التراب ، حاول أن تكون الخطوط أشبه بزهرة متفتحة ، لكن رغم براعته في الرسم بدت الخطوط أشبه ما تكون بقلب ٍ جريح .
إستأنف حديثه مغمغما ً : أتذكرين أفراحنا وأحلامنا وتلك الأماني العريضة ؟ أم تراك نسيت ِ كل ذلك ؟ لا أريد جوابا ً .. إنني ما زلت أحترم صمتك .. لكنني أتعجب .. ألا يحق لي أن أتعجب ؟! .. لقد كنت معي في كل خطوة .. وكنت ترسمين معي صورة المستقبل .. وكانت الدنيا لا تسع أحلامنا .. ربما تقولين : إننا لم نتعرف على بعضنا إلا مدة وجيزة .. إنها أيام فقط .. أو بضعة أسابيع .. ولكنها برغم كل ذلك كانت أياما ً جميلة وطويلة في عمر الحب الذي احتضن قلبينا كعش ٍّ ضم َّ عصفورين بللهما مطر الشتاء .. لقد شعرت بأنني أعرفك منذ زمن ٍ طويل .. منذ أن جئت ِ إلى الدنيا ..
لم يسمع أحمد جوابا ً سوى الصمت الكئيب .. ترقرقت الدموع في عينيه .. وأجال بصره محدقا ً في المدى البعيد .
كان الصمت ما يزال سيَّد المكان .. إلا غراب كان ينعق فوق شجرة أحرقها الخريف .
استأنف حديثه بصوت أشبه بنشيج الميزاب في مواسم المطر : لقد اتفقنا على كل شيء .. هل غيرت ِ رأيك ؟! .. لا أريد جوابا ً .. إنني لا أزال أحترم صمتك .. لقد أتيت حين أتيت والشوق يلفني من رأسي حتى أخمص قدمي .. كعصفور شريد ٍ أضناه البعد .. فكان كل همه الوصول إلى عشه قبل أن تغيب الشمس ..
إنسابت دمعة ٌ يتيمة وسقطت فوق التراب كقطرة مطر بائسة ..
سمع خطوات تقترب منه .. رفع رأسه .. فإذا بعجوز ٍ غريب انتصب أمامه كقدر ٍ صارم .. كان ينوء بحمل رخامة بيضاء بيضاء وضعها ببطئ فوق التراب ليمنعه من التحدث إليها .. إمتدت الرخامة أمامه كتابوت من الثلج .....
حدق في النقوش السوداء المحفورة على الرخامة .. وقد كتب عليها إسم حبيبته حنان .. وتمتم وهو يقرأ بحزن ٍ ـ وهو غير مصدق ـ إسم حبيبته حنان المنقوش على الرخامة ..
قرأ عليها الفاتحة .. وشعر بأنه يقرؤها على نفسه أيضا ً.. وغادر المقبرة وحيدا ً ..
كان ذلك قبر حبيبته الراقدة فيه بآمان سالمة .
------------
عربي1977
مع تحياتي
nunita...al7booba