مسقط - ش
إن الزكاة قرينة الصلاة، لا ينفك أحدهما عن الآخر، متلازمتان تلازم الليل والنهار والصباح والمساء، وإن كان لكل منهما شروطه الخاصة به، إلا أن الجامع بينهما أنهما ركنان أساسيان من أركان الإسلام، أي لا يقوم إسلام المرء دونهما، فلا يصح جحدهما أو إنكار أحدهما ولو لم تجبا على شخص ما، فهما مما علم من الدين بالضرورة، ليس للمرء الخيار فيهما أو التشاور في أمرهما أو إجالة النظر في مدى مشروعيتهما، بل قضي الأمر الذي فيه تستفتيان.
الركن العملي الثاني
إن الزكاة هي الركن العملي الثاني من أركان الإسلام، ولا يقوم بناء دون أركان، ولا تنتصب خيمة دون عمود، ولا يستقر جدار دون أساس متين، فهي فرض واجب على من ملك النصاب وحال عليه الحول ، ومن عظم شأنها أنه واجبة حتى في مال الصبي والمجنون والمعتوه، يدفعها عنهم وليهم أو وكيلهم من أموالهم إن كانوا أغنياء بخلاف الصلاة التي لا تجب على أي منهما، ولا ينيب أحد عن آخر فيها.
أثرها أعم وأشمل
الصلاة أكثر ما تفيد المصلي، وضرر تركها أكثر ما يقع على تاركها عقوبة في الدنيا وعقوبة في الأخرى، ولا ينفي ذلك وقوع أضرار على المجتمع المسلم بسبب ترك الصلاة، لكن الضرر في حق تارك الزكاة أبين وأوضح وأشد وأكبر، فأثرها أعم وأشمل إن كان سلبا بسبب التقصير في أدائها وإيجابا إن تعاون الجميع على أدائها، وإن آثارها لتشمل المجتمع والأفراد معا.
إن للزكاة أبعادا وآثارا نفسية جمة على المزكي وعلى الأصناف الثمانية المستحقين لها. إن الإنسان السوي الذي تأثل مالا، وامتلك ما يوجب عليه الزكاة ليشعر بسعادة غامرة وهو يدفع ما وجب عليه شرعا بنفس مطمئنة.
إن من كان على الفطرة لينتابه إحساس بالفرحة وهو يؤدي ما عليه، يتخلص من تبعات، ويتجنب يوم القيامة محاكمات، فيستقر في قرارة نفسه بأداء ما عليه أن موازينه يوم الحساب راجحات، إن الإنسان إذا أوكل إليه إنسان أو مؤسسة ما عملا ما مقابل أجر ما تضمنه عقد ما بينه وبين المؤسسة كراتب مثلا فأنجز عمله على خير ما يرام ليشعر بحالة نفسية من الغبطة، لأنه أخلص في عمله، ولأن المسؤول راض عنه، والزكاة عقد وميثاق معنوي بين العباد وربهم، من أداها منهم وقد وجبت عليه كان له الجزاء الأوفى، ومن قصر في أدائها كان حسابه عند ربه، ولا شك أن من سعى إلى تنفيذ العقد اطمأنت نفسه، وهدأ روعه.
تدخل البسمة في قلوب المستحقين
إن الزكاة قد تدخل البسمة في قلوب المستحقين لها، فانظر رحمك الله الفارق بين أن تكون سببا في عويل وصراخ وبين أن تكون سببا في رسم ابتسامة تتعدى الشفاه إلى سويداء القلوب، ألا تكون مسرورا بتلك الابتسامة حتى ولو لم تكن صانعها أو سببا فيها؟ بلى فكيف إن كنت بفضل زكاتك مُنشِئُها وشاهد على ميلادها؟
أخي المسلم المقصر في أداء زكاة أموالك تصور أنك دعيت لحضور معرض تشكيلي لعدد من الرسامين البارعين، وقد أبدعت مخيلتهم في التصور، وأجادت أناملهم في التصوير، فإذ ببصرك يقع على صورة يكسوها الحزن، وتملؤها الكآبة، وتتحدر على وجنتيها دمعة، وعلى الوجه شحوب وشرود، إنك لا شك وبفطرتك وسجيتك ستتأثر نفسيا لما شاهدت، وقد تسرع إلى الرسام مستفسرا عن سر الصورة، فيبلغك أنها تحاكي واقعا كان بسبب حروب طاحنة أو كوارث طبيعية أليمة، إنه بفضل فطرتك السليمة تأثرت نفسيا مع أنه ليس لك فيها ناقة ولا جمل فيما حل وحصل، وكذلك فإن الأمر طبيعي خلال الحروب والكوارث الطبيعية وقوع ضحايا، أفلا تسعد وتسر نفسيا وأنت تدفع ما عليك إلى المستحقين؟ إنه أمر غير طبيعي أن لا تتأثر نفسيا وأنت تشاهد محتاجين عليهم البؤس وهم لهم حق في أموالك؟ إنه أمر غير طبيعي أن تكون قادرا على إخراجهم من سوء حال إلى سعته وأنت لا تفعل؟ علما بأن المال مال الله (وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُم) وأنت عليه وكيل و خليفة (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) إنه من غير الطبيعي أن يخالف الوكيل وصية وأمر من وكله.
مرضاة للرب، وحصن للمال
إنك تأثرت برؤية مشهد على ألواح وجدران، لم تشهد المأساة، ولم تخطها بيمينك، وربما بالغ الرسام في التصوير بسبب بعد خياله، وإجادة تصويره، فكيف لا تتأثر بمشهد على مرأى منك ومسمع، لك فيه يد، ومنك عليه بصمة، أنت قد تكون صانعه أو سبب فيه، إنك لا تسعد نفسيا أخي وأنت تمنع حقا مقررا من قبل الله جل وعلا لأناس وأصناف ثمانية؟ إنك لا تسر نفسيا وأنت تحبس حقوقا عن أصناف ثمانية أو عن بعضها فتكون سببا في تحدر دمع أو بؤس أي منهم، إنك بحسك المرهف لا يمكن أن تبخل بمالك من أجل مسلم يطلب حقه المكفول له من رب الأرض والسماء.
إن زكاتك مرضاة ربك، وحصن مالك، وطهارة نفسك، ونماء ثروتك، وصدق عبوديتك، وحرصك على دينك أفلا تسعد وترتاح نفسيا إن تحقق لك ذلك؟ بلى فسارع إلى الخيرات.
تلك أخي المزكي راحتك النفسية إن أديت ما عليك، فما ظنك بمن أديت له حقه، وسلمته ماله الذي بيدك؟ تصور لو أنك أضعت مالا وكنت في أمس الحاجة إليك، وعلى حين قساوة من الدهر وكروب من الزمن وضيق ما في اليد أتاك المال الذي عنه تبحث ألا تشعر بسعادة غامرة وفرحة عامرة؟ بلى وبل إنك لسعيد بالمال ولو لم تكن له فاقدا أو إليه محتاجا ما دام أنه حلال، لأنه خير.
الفقير ينتظر حقه في مالك
تصور لو أنك أقرضت أحدا مبلغا من المال ولو كان يسيرا وكنت أنت في حالة يسر، فعلمت أن من أقرضته صار خليا من بعد أن كان مليا، وقد خسر في صفقة ما كل ماله، ألا تتوجس خيفة؟ وتتكدر نفسك؟ ويضيق صدرك لعلمك أن أموالك لن تسدد في القريب العاجل، أو حتى في القريب المنظور، بل قد لا تسدد إليك أصلا؟
إن الفقير ينتظر حقه في مالك كل حول بعد بلوغ النصاب، وهو في مسغبة أو متربة فإن أديت ما عليك ألبسته ثوب الفرح النفسي، وكسوته حلل اللباس المادي والمعنوي، جنبته ذل السؤال، وكفيته حرقة المعاناة بكتمانه الفقر من التعفف عن مد اليد وإراقة ماء الوجه (لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ).
إن الفقر مظنة الكفر، والحاجة بريد كثير من الأعمال المشينة الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية، فهو مدعاة للكسب الحرام بالنسبة للبعض، وهو وسيلة بالنسبة لبعض لارتكاب الجرائم والجرائر، وهو من طرق الإدمان على الخمور والمخدرات هربا من حالة الفقر، ويمكن أن يجد ذلك من خلال أعمال أخرى قد تكون غير أخلاقية أو عن طريق رفقاء السوء، فالفقير قد يصاب بحالة نفسية سيئة ـ وهذا طبعا لا ينطبق على كل فقير ـ لكن الجامع بين الفقراء هو ظنك العيش، وصعوبة توفير أساسيات الحياة، وملازمة الحرج، وضيف ما في اليد، والتقتير على أنفسهم، وعدم القدرة على تلبية حاجيات أبنائهم وذويهم، وشعور ذويهم ومن يعولون بأنهم دون غيرهم في المأكل والملبس والمشرب، وهنا يأتي دور المزكي الذي يبعث الحياة في نفوس أولئك الفقراء والمساكين، وبسبب زكاته يريهم الضوء وسط النفق المظلم، وعن طريق المال الذي آتاهم ترتسم البسمة في أفئدتهم وشفاههم، بسمة حقيقية لا مصطنعة لتخفي مر الحياة أو لستر عوار لا يرغب صاحب البسمة المصطنعة كشفه.
زكاتك بلسم وشفاء
أخي المقصر في أداء الزكاة بادر إليها، واصنع المعروف، فإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، زكاتك بلسم وشفاء وهي دواء فلا تمنع الدواء مستحقيه، ولا تحبسه عن طالبيه ومحتاجيه، فليس هنا حق براعة الاختراع، ولا مجال هنا إلى ما يسمى بحق الملكية الفكرية، لأن ما لديك مال الله، والله قد أمرك بإيتاء حقه يوم حصاده (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) فما لك فيه من خصوصية إلا المحافظة عليه بما ينميه من الكسب الحلال، وإنفاقه في وجوه الخير والبر، والزكاة من هذه السبل والطرق.
أخي المقصر في أداء الزكاة إنك لتحافظ على الصلاة ويقشعر جسدك إن لم تصل، وتنصح أبناءك بالصلاة، فاعلم إذن أن الصلاة والزكاة لا ينفصلان، وكلاهما فرض واجب، والآمر بهما واحد، صلاتك لله تصل، وزكاتك لله وللفقراء تصل، تحيي بها نفوسا.
ما نقص مال من صدقة
أخي المقيم على زكاته بورك في كفك التي أنفقت، وبوركت نفس بالمال ما تعلقت، بالإسلام قد تحلت وعن البخل والشح قد تخلت، زكاتك رأس مالك، وعليك حق آخر في مالك صدقة التطوع بعد أدائك زكاة الفرض، فما نقص مال من صدقة، ومن ضاعف في العطايا ضاعف الله له في الأجر والثواب (وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ).
أخي المقصر في أداء الزكاة سارع إلى الخيرات، وأد ما عليك من زكاة، تفز دنيا وأخرى.
وأنت أخي المقيم المواظب على الزكاة هنيئا لك معرفتك مقام ربك، وعملك بوصايا نبيك، وإحساسك ببني جلدتك وجنسك من أمة الإسلام من أهل مجتمعك وقريتك وحارتك وجيرانك، بزكاتكما تنقذان أسرا مسلمة، وبصنيعكما تعينان وتعيلان أهل الحاجة والمسغبة، وبصدقاتكما تدخلان الفرحة، بزكاتكما تقتلان الفقر، وتساهمان في البنيان وصلاح المجتمع وتعمير الأوطان، تطردان الفاقة، وتقيان الآخرين ذل السؤال.
إن اشتراككما في أداء ما عليكما يعني الخوف من رب العالمين، فالإسلام ليس مجرد انتماء أو هوية، بل عمل وتطبيق. إن المجتمع بحاجة إلى تعاون أبنائه كل في مجال مقدرته، وإن الاتكال على مؤسسة ما في تقديم الخدمات يؤدي إلى التقاعس والتفريط في الواجبات، وإن أداء المؤسسة لواجبها لا يحط عني ما علي من واجب.
في سجل المزكين
لنتذكر أيام الأعياد والمناسبات كل يلبس الجديد، ويأكل الجديد وأصناف المطعومات الحلال والمشروبات الحلال، ثم تبقى فيئة ترتقب هل من معين فأينا أسرع في أداء الزكاة كان هو الأفضل في تطبيق أمر دينه وخدمة أبناء مجتمعه، لنرقب البيوتات ولنسأل عن الفقراء، وليتبن كل منا معاشر من وجبت عليه الزكاة أسرا يدخل عليها السعادة ببعض من المال. كم من دعوة ترتفع إلى السماء قائلة حناجرها بارك الله فيك، وكثر من خيرك، وزادك مالا، أحسنت وما قصرت ألا تشعر بسعادة وطمأنينة نفسية؟ ألا تشعر باستقرار وراحة بال؟
إن زكيت كتبك الله في سجل المزكين فتشعر أنك مسلم القلب والعقل والفكر لا مجرد مسلم الميلاد والهوية.
أخي المسلم إنك أنت المجتمع والمجتمع أنت، فكيف تفترقان؟، المجتمع كل وأنت جزء، فلم لا تلتقيان؟
فاعمل يا صاحب المال رعاك الله بقول الله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
حياتك أيها المزكي تطيب بزكاة أموالك، وأموالك تنمو بصدقاتك، فذلك شكر ربك، وهو معنى قولك الحمد لله رب العالمين. قال العلامة أبو مسلم البهلاني:
ما تبتغي من حطام أصله تعب والمنتهى حسرة لا حد يقصيها
كم تخزن المال لا تعطي حقائقه تلك المخازن ملأى من مكاويها
هلا نجوت سليما من معاطبها فالنفس ميسور هذا العيش يكفيها
قرص وتمر وشكر فهي مملكة عظيمة ملك كسرى لا يوازيها
أخي المزكي، أخي المقصر في أداء زكاته إن كنت عازما على أداء ما عليك من زكاة ارجع إلى كتاب جوابات الإمام نور الدين السالمي الجزء الثاني، أو شرح صحيح الربيع بن حبيب للإمام نور الدين السالمي تجد تفاصيل كيفية أداء الزكاة، وفيما تجب، وكيف تصرف، ومن هم الأصناف الثمانية.
إن الزكاة قرينة الصلاة، لا ينفك أحدهما عن الآخر، متلازمتان تلازم الليل والنهار والصباح والمساء، وإن كان لكل منهما شروطه الخاصة به، إلا أن الجامع بينهما أنهما ركنان أساسيان من أركان الإسلام، أي لا يقوم إسلام المرء دونهما، فلا يصح جحدهما أو إنكار أحدهما ولو لم تجبا على شخص ما، فهما مما علم من الدين بالضرورة، ليس للمرء الخيار فيهما أو التشاور في أمرهما أو إجالة النظر في مدى مشروعيتهما، بل قضي الأمر الذي فيه تستفتيان.
الركن العملي الثاني
إن الزكاة هي الركن العملي الثاني من أركان الإسلام، ولا يقوم بناء دون أركان، ولا تنتصب خيمة دون عمود، ولا يستقر جدار دون أساس متين، فهي فرض واجب على من ملك النصاب وحال عليه الحول ، ومن عظم شأنها أنه واجبة حتى في مال الصبي والمجنون والمعتوه، يدفعها عنهم وليهم أو وكيلهم من أموالهم إن كانوا أغنياء بخلاف الصلاة التي لا تجب على أي منهما، ولا ينيب أحد عن آخر فيها.
أثرها أعم وأشمل
الصلاة أكثر ما تفيد المصلي، وضرر تركها أكثر ما يقع على تاركها عقوبة في الدنيا وعقوبة في الأخرى، ولا ينفي ذلك وقوع أضرار على المجتمع المسلم بسبب ترك الصلاة، لكن الضرر في حق تارك الزكاة أبين وأوضح وأشد وأكبر، فأثرها أعم وأشمل إن كان سلبا بسبب التقصير في أدائها وإيجابا إن تعاون الجميع على أدائها، وإن آثارها لتشمل المجتمع والأفراد معا.
إن للزكاة أبعادا وآثارا نفسية جمة على المزكي وعلى الأصناف الثمانية المستحقين لها. إن الإنسان السوي الذي تأثل مالا، وامتلك ما يوجب عليه الزكاة ليشعر بسعادة غامرة وهو يدفع ما وجب عليه شرعا بنفس مطمئنة.
إن من كان على الفطرة لينتابه إحساس بالفرحة وهو يؤدي ما عليه، يتخلص من تبعات، ويتجنب يوم القيامة محاكمات، فيستقر في قرارة نفسه بأداء ما عليه أن موازينه يوم الحساب راجحات، إن الإنسان إذا أوكل إليه إنسان أو مؤسسة ما عملا ما مقابل أجر ما تضمنه عقد ما بينه وبين المؤسسة كراتب مثلا فأنجز عمله على خير ما يرام ليشعر بحالة نفسية من الغبطة، لأنه أخلص في عمله، ولأن المسؤول راض عنه، والزكاة عقد وميثاق معنوي بين العباد وربهم، من أداها منهم وقد وجبت عليه كان له الجزاء الأوفى، ومن قصر في أدائها كان حسابه عند ربه، ولا شك أن من سعى إلى تنفيذ العقد اطمأنت نفسه، وهدأ روعه.
تدخل البسمة في قلوب المستحقين
إن الزكاة قد تدخل البسمة في قلوب المستحقين لها، فانظر رحمك الله الفارق بين أن تكون سببا في عويل وصراخ وبين أن تكون سببا في رسم ابتسامة تتعدى الشفاه إلى سويداء القلوب، ألا تكون مسرورا بتلك الابتسامة حتى ولو لم تكن صانعها أو سببا فيها؟ بلى فكيف إن كنت بفضل زكاتك مُنشِئُها وشاهد على ميلادها؟
أخي المسلم المقصر في أداء زكاة أموالك تصور أنك دعيت لحضور معرض تشكيلي لعدد من الرسامين البارعين، وقد أبدعت مخيلتهم في التصور، وأجادت أناملهم في التصوير، فإذ ببصرك يقع على صورة يكسوها الحزن، وتملؤها الكآبة، وتتحدر على وجنتيها دمعة، وعلى الوجه شحوب وشرود، إنك لا شك وبفطرتك وسجيتك ستتأثر نفسيا لما شاهدت، وقد تسرع إلى الرسام مستفسرا عن سر الصورة، فيبلغك أنها تحاكي واقعا كان بسبب حروب طاحنة أو كوارث طبيعية أليمة، إنه بفضل فطرتك السليمة تأثرت نفسيا مع أنه ليس لك فيها ناقة ولا جمل فيما حل وحصل، وكذلك فإن الأمر طبيعي خلال الحروب والكوارث الطبيعية وقوع ضحايا، أفلا تسعد وتسر نفسيا وأنت تدفع ما عليك إلى المستحقين؟ إنه أمر غير طبيعي أن لا تتأثر نفسيا وأنت تشاهد محتاجين عليهم البؤس وهم لهم حق في أموالك؟ إنه أمر غير طبيعي أن تكون قادرا على إخراجهم من سوء حال إلى سعته وأنت لا تفعل؟ علما بأن المال مال الله (وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُم) وأنت عليه وكيل و خليفة (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) إنه من غير الطبيعي أن يخالف الوكيل وصية وأمر من وكله.
مرضاة للرب، وحصن للمال
إنك تأثرت برؤية مشهد على ألواح وجدران، لم تشهد المأساة، ولم تخطها بيمينك، وربما بالغ الرسام في التصوير بسبب بعد خياله، وإجادة تصويره، فكيف لا تتأثر بمشهد على مرأى منك ومسمع، لك فيه يد، ومنك عليه بصمة، أنت قد تكون صانعه أو سبب فيه، إنك لا تسعد نفسيا أخي وأنت تمنع حقا مقررا من قبل الله جل وعلا لأناس وأصناف ثمانية؟ إنك لا تسر نفسيا وأنت تحبس حقوقا عن أصناف ثمانية أو عن بعضها فتكون سببا في تحدر دمع أو بؤس أي منهم، إنك بحسك المرهف لا يمكن أن تبخل بمالك من أجل مسلم يطلب حقه المكفول له من رب الأرض والسماء.
إن زكاتك مرضاة ربك، وحصن مالك، وطهارة نفسك، ونماء ثروتك، وصدق عبوديتك، وحرصك على دينك أفلا تسعد وترتاح نفسيا إن تحقق لك ذلك؟ بلى فسارع إلى الخيرات.
تلك أخي المزكي راحتك النفسية إن أديت ما عليك، فما ظنك بمن أديت له حقه، وسلمته ماله الذي بيدك؟ تصور لو أنك أضعت مالا وكنت في أمس الحاجة إليك، وعلى حين قساوة من الدهر وكروب من الزمن وضيق ما في اليد أتاك المال الذي عنه تبحث ألا تشعر بسعادة غامرة وفرحة عامرة؟ بلى وبل إنك لسعيد بالمال ولو لم تكن له فاقدا أو إليه محتاجا ما دام أنه حلال، لأنه خير.
الفقير ينتظر حقه في مالك
تصور لو أنك أقرضت أحدا مبلغا من المال ولو كان يسيرا وكنت أنت في حالة يسر، فعلمت أن من أقرضته صار خليا من بعد أن كان مليا، وقد خسر في صفقة ما كل ماله، ألا تتوجس خيفة؟ وتتكدر نفسك؟ ويضيق صدرك لعلمك أن أموالك لن تسدد في القريب العاجل، أو حتى في القريب المنظور، بل قد لا تسدد إليك أصلا؟
إن الفقير ينتظر حقه في مالك كل حول بعد بلوغ النصاب، وهو في مسغبة أو متربة فإن أديت ما عليك ألبسته ثوب الفرح النفسي، وكسوته حلل اللباس المادي والمعنوي، جنبته ذل السؤال، وكفيته حرقة المعاناة بكتمانه الفقر من التعفف عن مد اليد وإراقة ماء الوجه (لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ).
إن الفقر مظنة الكفر، والحاجة بريد كثير من الأعمال المشينة الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية، فهو مدعاة للكسب الحرام بالنسبة للبعض، وهو وسيلة بالنسبة لبعض لارتكاب الجرائم والجرائر، وهو من طرق الإدمان على الخمور والمخدرات هربا من حالة الفقر، ويمكن أن يجد ذلك من خلال أعمال أخرى قد تكون غير أخلاقية أو عن طريق رفقاء السوء، فالفقير قد يصاب بحالة نفسية سيئة ـ وهذا طبعا لا ينطبق على كل فقير ـ لكن الجامع بين الفقراء هو ظنك العيش، وصعوبة توفير أساسيات الحياة، وملازمة الحرج، وضيف ما في اليد، والتقتير على أنفسهم، وعدم القدرة على تلبية حاجيات أبنائهم وذويهم، وشعور ذويهم ومن يعولون بأنهم دون غيرهم في المأكل والملبس والمشرب، وهنا يأتي دور المزكي الذي يبعث الحياة في نفوس أولئك الفقراء والمساكين، وبسبب زكاته يريهم الضوء وسط النفق المظلم، وعن طريق المال الذي آتاهم ترتسم البسمة في أفئدتهم وشفاههم، بسمة حقيقية لا مصطنعة لتخفي مر الحياة أو لستر عوار لا يرغب صاحب البسمة المصطنعة كشفه.
زكاتك بلسم وشفاء
أخي المقصر في أداء الزكاة بادر إليها، واصنع المعروف، فإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، زكاتك بلسم وشفاء وهي دواء فلا تمنع الدواء مستحقيه، ولا تحبسه عن طالبيه ومحتاجيه، فليس هنا حق براعة الاختراع، ولا مجال هنا إلى ما يسمى بحق الملكية الفكرية، لأن ما لديك مال الله، والله قد أمرك بإيتاء حقه يوم حصاده (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) فما لك فيه من خصوصية إلا المحافظة عليه بما ينميه من الكسب الحلال، وإنفاقه في وجوه الخير والبر، والزكاة من هذه السبل والطرق.
أخي المقصر في أداء الزكاة إنك لتحافظ على الصلاة ويقشعر جسدك إن لم تصل، وتنصح أبناءك بالصلاة، فاعلم إذن أن الصلاة والزكاة لا ينفصلان، وكلاهما فرض واجب، والآمر بهما واحد، صلاتك لله تصل، وزكاتك لله وللفقراء تصل، تحيي بها نفوسا.
ما نقص مال من صدقة
أخي المقيم على زكاته بورك في كفك التي أنفقت، وبوركت نفس بالمال ما تعلقت، بالإسلام قد تحلت وعن البخل والشح قد تخلت، زكاتك رأس مالك، وعليك حق آخر في مالك صدقة التطوع بعد أدائك زكاة الفرض، فما نقص مال من صدقة، ومن ضاعف في العطايا ضاعف الله له في الأجر والثواب (وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ).
أخي المقصر في أداء الزكاة سارع إلى الخيرات، وأد ما عليك من زكاة، تفز دنيا وأخرى.
وأنت أخي المقيم المواظب على الزكاة هنيئا لك معرفتك مقام ربك، وعملك بوصايا نبيك، وإحساسك ببني جلدتك وجنسك من أمة الإسلام من أهل مجتمعك وقريتك وحارتك وجيرانك، بزكاتكما تنقذان أسرا مسلمة، وبصنيعكما تعينان وتعيلان أهل الحاجة والمسغبة، وبصدقاتكما تدخلان الفرحة، بزكاتكما تقتلان الفقر، وتساهمان في البنيان وصلاح المجتمع وتعمير الأوطان، تطردان الفاقة، وتقيان الآخرين ذل السؤال.
إن اشتراككما في أداء ما عليكما يعني الخوف من رب العالمين، فالإسلام ليس مجرد انتماء أو هوية، بل عمل وتطبيق. إن المجتمع بحاجة إلى تعاون أبنائه كل في مجال مقدرته، وإن الاتكال على مؤسسة ما في تقديم الخدمات يؤدي إلى التقاعس والتفريط في الواجبات، وإن أداء المؤسسة لواجبها لا يحط عني ما علي من واجب.
في سجل المزكين
لنتذكر أيام الأعياد والمناسبات كل يلبس الجديد، ويأكل الجديد وأصناف المطعومات الحلال والمشروبات الحلال، ثم تبقى فيئة ترتقب هل من معين فأينا أسرع في أداء الزكاة كان هو الأفضل في تطبيق أمر دينه وخدمة أبناء مجتمعه، لنرقب البيوتات ولنسأل عن الفقراء، وليتبن كل منا معاشر من وجبت عليه الزكاة أسرا يدخل عليها السعادة ببعض من المال. كم من دعوة ترتفع إلى السماء قائلة حناجرها بارك الله فيك، وكثر من خيرك، وزادك مالا، أحسنت وما قصرت ألا تشعر بسعادة وطمأنينة نفسية؟ ألا تشعر باستقرار وراحة بال؟
إن زكيت كتبك الله في سجل المزكين فتشعر أنك مسلم القلب والعقل والفكر لا مجرد مسلم الميلاد والهوية.
أخي المسلم إنك أنت المجتمع والمجتمع أنت، فكيف تفترقان؟، المجتمع كل وأنت جزء، فلم لا تلتقيان؟
فاعمل يا صاحب المال رعاك الله بقول الله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
حياتك أيها المزكي تطيب بزكاة أموالك، وأموالك تنمو بصدقاتك، فذلك شكر ربك، وهو معنى قولك الحمد لله رب العالمين. قال العلامة أبو مسلم البهلاني:
ما تبتغي من حطام أصله تعب والمنتهى حسرة لا حد يقصيها
كم تخزن المال لا تعطي حقائقه تلك المخازن ملأى من مكاويها
هلا نجوت سليما من معاطبها فالنفس ميسور هذا العيش يكفيها
قرص وتمر وشكر فهي مملكة عظيمة ملك كسرى لا يوازيها
أخي المزكي، أخي المقصر في أداء زكاته إن كنت عازما على أداء ما عليك من زكاة ارجع إلى كتاب جوابات الإمام نور الدين السالمي الجزء الثاني، أو شرح صحيح الربيع بن حبيب للإمام نور الدين السالمي تجد تفاصيل كيفية أداء الزكاة، وفيما تجب، وكيف تصرف، ومن هم الأصناف الثمانية.
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions