الشبـــــــــــــاب والغـــــــــــــــرب

    • الشبـــــــــــــاب والغـــــــــــــــرب


      الشباب والغرب


      الشباب وتقليد العالم الغربي


      (فَبَشِّرْ عِبَادِ*الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ... )(17/18 الزمر)


      الحمقى والمنابهة والمحاكاة :
      إن الحمقى أيضاً مثل الأطفال الصغار يقعون تحت تأثير ( المنابهة والمحاكاة ) وتقليد الآخرين بشكل لا إرادي ، فهؤلاء وبسبب قصور العقل وعجز الفكر لا يستطيعون تحليل وتفسير المسائل ومعرفة السليم من السقيم ولهذا السبب يقومون بإظهار موافقتهم أو اعتراضهم ، يصدقون ويكذبون دون تفكير ، وهذا هو دليل بين على حماقتهم وقصور أفكارهم .
      اختبار العقل :
      عن أبي عبدالله ( الصادق ) (عليه السلام )قال : " إذا أردت تختبر عقل الرجل في مجلس واحد فحدثه في خلال حديثك بما لا يكون فإن أنكره فهو عاقل وإن صدقه فهو أحمق " (سفينة البحار ج 1 مادة ( حمق ) ص 341) .
      إن الحمقى مستعدون لتقبل أعمال الآخرين بصورة عمياء ( لقلة عقلهم ) ، فهؤلاء يتعلمون أعمال الآخرين بدون حساب أو تفكير ، ويعتبرونها قدوة لهم ، ويقومون بها . وقد قال الإمام زين العابدين (عليه السلام )عن قصور ذهن الأحمق : " لا علمه من نفسه يغنيه ولا علم غيره ينفعه " (سفينة البحار ج 1 مادة ( حمق ) ص 341) .
      الأمية والتقليد الأعمى :
      إن الاُمي والجاهل هم أكثر من يتعرض للقليد الأعمى ، ولهم استعداد ، نتيجة فقدانهم للمعلومات ، ( للمنابهة والمحاكاة ) . ونحن نعلم أن تحصيل العلوم ، وارتقاء مدارجها يغني العقل ويرفع مستوى الإدراك ، ويقوي قوة الإستدلال ، ويمنح الإنسان قدرة التحقيق والدراسة .
      إن المجتمع المثقف تقل فيه نسبة ( المنابهة والمحاكاة ) لأن أعمال الآخرين تكون موضع دراسة وتحقيق ، وتؤخذ قدوة بوعي وإدراك ودراسة وجوهها الإيجابية والسلبية ، وعكس ذلك المجتمعات غير المثقفة والجاهلة يكثر فيها التقليد الأعمى وتقبل التلقينات الجاهلة دون تبصر ، ولو قام فرد أو أفراد بسوك وهمي باطل وله ظاهر مخادع فإن البقية من الناس في ذلك المجتمع يعقون تحت تأثير ذلك العمل فيتبعونه دون تبصر .
      قال علي (عليه السلام ): " إنما الجاهل من استعبدته المطالب " (فهرست الغرر : 54) .
      الإحباط النفسي :
      إن الإحباط النفسي أيضاً يمكن اعتباره من جملة العلل المؤدية إلى ( المنابهة والمحاكاة ) فهو يدفع الإنسان للإتباع الجاهل والتقليد الأعمى ، وقد يعتقد الأشخاص العقلاء البالغون والمثقفون أحياناً بعظمة شخص ما لدرجة أنهم يقعون تحت تأثيره فينجذبون إليه بكل وجودهم ، ويفكرون فيه ، ويدرسون أقواله ، ويدققون في أعماله ويتخذون منها بوعي وإرادة مثالاً وقدوة لأنفسهم . ويعتبرون أن قدوتهم ومحبوبهم موجود كامل ، ويتمنون أن يجعلوا أنفسهم صورة لتلك الشخصية ، ويتشبهون بها تماماً ، ولهذا فإنهم يقلدون سلوكه ، ويتبعون تصرفاته لكي يرتقوا مدارج السمو ويصلو إلى مرتبة العظمة والكمال .
      إلى جوار التقاليد الإرادية والمتعمِّدة ، فإن هؤلاء يتعلمون بعض أعمال من يحبون بصورة لا إرادية وعن طريق ( المنابهة والمحاكاة ) وبدون أن يعلموا يريدون أن يصبحوا كالمرآة التي تعكس حركات من يحبون ، يمشون ويجلسون ويتكلمون ، ويحركون أيديهم ، وينظرون ويضحكون مثلهم ، ونظراً لما يحملونه لهم من المشاعر ، فإنهم يقومون بقسمٍ من أعمالهم دون إرادة أو تفكير .
      لسوء الحظ ، إن العقل يسدل عليه ستار في مجال المحبة الشديدة ، يفقد توهجه وتألقه ، فيصبح الإنسان أعمى وأصم ، لا يرى المساوئ ، ولا يهتم لكل ما هو قبيح ، ويرى محبوبه خالياً من أي نقص أو عيب ، ومنزها عن القبائح .
      قال علي (عليه السلام ): "عين المحب عمية عن معايب المحبوب وأذنه صماء عن قبح مساويه" (غرر الحكم ص 500) .
      مواكبة التقدم :
      كل شعب يريد أن يواكب التقدم والتطور في عصره وأن لا يتخلف عن المجموعات المتكاملة ، عليه أن يدرس التحولات وينسجم مع تطورات عصره ويستفيد من آثارها . وهذا الموضوع أشار برعايته النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم :
      " رأى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن اتساع الفتوح يقضي بأن يتعلم بعض أصحابه صنعة الدبابات والمجانيق والضبور ، فأرسل إلى جرش اليمن اثنين من أصحابه يتعلمانها " (1) .
      ولكي لا يصاب الشباب المثقف لدى الاستفادة من معلومات وعلوم الغربيين واتباع أساليبهم العلمية بالأفكار المنحرفة ، ولا ينساقوا وراء التفريط والإفراط وجلب التعاسة لأنفسهم وللآخرين ، لابد من توضيح نقطتين :
      العلم الحديث والتقدم الصناعي :
      الاولى : مع أن الحصول على علوم اليوم يعتبر ضرورة لا يمكن اجتنابها في الحياة ، ولا يمكن بدونه وجود حضارة صناعية ، إلا أن ذلك لا يعني أن سعادة البشر يمكن تأمينها وضمانها عن طريق العلوم المادية ، وأن الإنسان يسعد في ظل التكنولوجيا ، وإنما بالعكس فإن اتساع العلوم الطبيعية والصناعات الميكانيكية إلى جانب الراحة التي تجلبها هذه العلوم والصناعات للإنسان ، إلا أنها تزيد من مصائبه وآلامه في الحياة أيضاً .
      إن تطور المصانع زاد من القلق والإضطراب إلى جانب زيادة الأمراض النفسية والعصبية . والحياة الصناعية أدت إلى تأخير سن الزواج وبالتالي إلى انتشار الفحشاء والانحلال الخلقي ، كما أصابت العلاقات العائلية بأضرار أضعفت مكارم الأخلاق والسجايا الإنسانية . وأخيراً فإن التقدم التكنولوجي أعد الوسائل والأجهزة الحديثة لقتل الإنسان ، وإن أرقام وإحصاءات المذابح والجرائم في حالتي الحرب والسلم ، في ازدياد مطرد .
      " لقد كان الإنسان في القرن التاسع عشر يأمل الكثير من
      التكنولوجيا والصناعة ، وإن تياراً قوياً للأفكار والعقائد كان يقرن سعادة الإنسان بالتقدم الفني الصناعي ، ويعلن أن ماكنة البخار ، والسكك الحديدية ، وخطوط التلغراف قد سهلت شؤون الحياة ، وأنها تمهد لسعادة الإنسان .
      أما في بداية القرن العشرين فقد اصطدمت هذه الآمال بالحقيقة المتحجرة وظهر أن الناس لا يملكون إحساساً بالسعادة ، وأنه يجب الإكتفاء بهذه النتيجة وهي أن التسلط والسيطرة على الطبيعة لا يشكل شرطاً للسعادة كما أنه لا يمكن تجاهل التقدم الفني الصناعي " (2) .
      التقليد العشوائي :
      إن سجون أوروبا وأمريكا مليئة بالقتلة والمختطفين ، واللصوص والمجرمين والجناة والخونة . ويشيع في عالم الغرب المشروبات الكحولية والمخدرات ، والعهر ، والزنا والاغتصاب والظلم والاستبداد وبقية الجرائم .
      وفي بعض المدن الكبرى جعل الجناة المسلحون الأمن مفقوداً حتى إن الناس لا يجرؤون على الخروج من بيوتهم عند المساء . ولذا فمن الواضح أن التقليد غير المشروط للغربيين لا يجلب غير الفساد والضياع ، والأعمال الإجرامية والممارسات الرذيلة .
      العلماء والأفكار الخرافية :
      يجب أن لا نغفل عن أن علماء الغرب غير جديرين بالتقليد دون قيد أو شرط ، لأن الكثير منهم ، وإن كان بعضهم اُستاذاً متخصصاً في فرعه ، ويستحق التقليد والتبعية ، إلا أنهم من حيث العقيدة والرأي يعتقدون ببعض النظريات الوهمية ويتمسكون بالأفكار الخرافية . إن اتباع أفكارهم الخيالية وغير الواقعية يعني أتباع الجهل ورفض العقل والفكر .
      والطريف أن الإعتقاد بالأفكار الخرافية والنظريات غير الواقعية لا ينحصر بأساتذة اليوم ، وإنما كان يوجد بين علماء القرون الماضية من كان يعتقد بالأوهام والخرافات ، وبينوا بالقلم واللسان آراءهم هذه .
      تجاهل المعايير الأخلاقية :
      إن اهتمام هؤلاء معدوم ، أو بشكل أفضل ضئيل تجاه القوانين والسنن الدينية والآداب والتقاليد الوطنية والعواطف والأحاسيس العائلية ، والمقاييس الأخلاقية والاجتماعية لهم ، وهم في الغالب يتجاهلونها في العمل ، بينما نجدهم بالعكس يهتمون بتقاليد الغربيين ويميلون نحو ما يقربهم ويصبغهم بالصبغة الاوروبية .
      التوازن المعدوم بين العلم والأخلاق :
      إن عدم التوازن هذا في العلم والأخلاق يوضح هذه الحقيقة وهي أن الإنسان ولكي يعدل غرائزة وشهواته ويجتنب الشرور والخطيئة يحتاج إلى قوة الإيمان ، وبدونها لا يستطيع أن يحصل على السعادة أبداً . كما أن تقدم العلم المادي بدون الإيمان لا يستطيع أبداً أن يكبح جماح الغرائز ويحول بين الإنسان والخطيئة ، وإنما بالعكس فإن الغرائز المتمردة هي التي تستثمر العلم ، إذ إنها تتوسع وتصبح خطرة في ظل قوى العلم ، فتزيد من عدوانها ، إذ إنها تأتي بمصباح العلم لتسرق ما هو أثمن وأغلى
      إن مشكلة العالم الغربي لا تنحصر في الخطيئة وأعمال الجريمة ، بل إن المجتماعات الاوروبية والأمريكية مصابة بالتناقض الداخلي والاضطرابات النفسية المختلفة نتيجة التركيبة الاجتماعية الخاطئة والنقص الثقافي وسوء التربية . وعلماء النفس والاجتماع يعتبرون هذا التناقض وعدم الانسجام نوعاً من الأمراض النفسية .
      الانحطاط الأخلاقي :
      إن الشعوب الغربية التي تعي بصورة أو باخرى الجرائم والانحرافات وغيرها من المشكلات التي تعاني منها بلدانها ، وترى عن كثب تمرد شبابها تعترف بالنقائص التربوية والاجتماعية ، وتعلم أن فقدان القيم المعنوية والأخلاقية والاستغراق في الشهوات والرغبات والميول النفسية تسوق الإنسان نحو الانحطاط والتعاسة ، ولكن يظهر أن ( المتغربين ) لدينا ونتيجة عشقهم للغرب اُصيبوا بالعمى والصمم فلا يرون نقائص اولئك ، ولا يهتمون بمفاسدهم وانحرافاتهم ، وينمون في أفكاره الحياة الغربية ، ويريدون أن يجعلوا من أنفسهم ( غربيين ) ، ولهذا السبب فإنهم يسيرون وراء الغربيين ، ويقلدون تصرفاتهم دون قيد أو شرط ويتصورون هذه التبعية العمياء تطوراً وطريقاً للسعادة .
      إن التقليد المطلق لطريقة الغربيين في بعض القضايا مخالف للقوانين الدينية ، ورفض للأداب والسنن الاجتماعية وعدم اهتمام بالمشاعر والأحاسيس العامة ، والعواطف العائلية ، وهذا ما يؤدي إلى صراع في عقائد وآراء الشيوخ والشباب وظهور اختلافات ونزعات بينهم .

      الصلاح والفساد الحقيقيان :
      إن الذات القدسية الإلهية هي المشروع في الإسلام ، الذي وضع جميع القوانين والقرارات الدينية على أساس المصالح والمفاسد الحقيقية ، وعدم الإهتمام بأي من هذه القرارات الإلهية والتهرب من أدائها ، هو ابتعاد عن الصلاح وميل نحو الفساد ، ينتهيان بضرر الإنسان ويصيبان سعادته بالضرر المادي والمعنوي .
      عن علي (عليه السلام ) قال : " لا يترك الناس شيئاً من أمر دينهم لاستصلاح دنياهم إلا فتح الله عليهم ما هو أضر منه " (نهج البلاغة: الكلمة 103) .


      العالم الغربي والجنس :
      منذ زمن والغرب ينساق في الإفراط بالقضايا الجنسية ، وحطم الكثير من موازين العفة والأخلاق . فهو لم يسمح للنساء والرجال ، شباباً وشيوخاً ، بإقامة العلاقات الجنسية بحرية فحسب بل إن بعض البلدان أجازت وسمحت بالإنحراف الجنسي ، وأعطته صفة قانونية .
      إن هذا الأمر جاء بمفاسد مختلفة حيث يعود قسم من جرائم العالم الغربي إلى الانحلال الخلقي والحرية الجنسية .
      إن ( المتغربين ) في بلداننا ، الذين يتبعون بشكل أعمى الغربيين بحثاً عن السعادة ، يأملون بتنفيذ برنامج الغرب في العلاقات الجنسية في مجتمعنا ، وفتح الأبواب الواسعة أمام الذكور والإناث لإشباع رغباتهم خارج إطار القانون بهدف الحصول على اللذة ، غافلين عن أن تنفيذ هذا البرنامج في مجتمعنا غير ممكن ، ونظراً للاختلافات الموجودة بين مجتمعنا والمجتمعات الغربية ، فإن تلك العلاقات تخلق مفاسد تكون أكبر بكثير وأخطر من مفاسد الغرب .
      مجتمعنا والمشاعر الدينية :
      يتكون معظم مجتمعنا من اُسر تعنتق الدين الإسلامي ، وتعتبر العلاقات غير القانونية بين الذكور والإناث غير شرعية وهي خطيئة يعاقب عليها ، والآباء والاُمهات المؤمنون لا يسكتون أمام التصرفات المخالفة للعفة لدى أبنائهم . ومن المؤكد أنه ستظهر اختلافات شديدة بين الشيوخ والشباب بسبب علاقات الخطيئة والزنا بين الشباب .
      ففي محيطنا الإجتماعي تعتبر العلاقات غير القانونية بين المرأة والرجل الأجنبي وصمة عار على الأبوين وسوء سمعة للعائلة كلها ولا توجد عائلة ، حتى تلك التي لا تتقيد بالدين ، ترضى بهذا العار وتتحمل أن يشار إليها بالبنان في المحافل والمجالس . وقد ينتهي الأمر بالقتل والجريمة إذا ما اضطرت مثل تلك الاُسر إلى إبداء ردود فعل معينة لإزالة هذا العار ونتيجة كل ذلك تقع أضرار لا يمكن تعويضها ، حيث توجد الآن قضايا عديدة أمام المحاكم من هذا القبيل .
      نتيجة البحث :
      من مجموع البحث نستنتج أن شباب الشرق ، في عالم اليوم ، ملزمون بتعلم العلوم الطبيعية وفنون الصناعة لعلماء الغرب ، والاستفادة من تجاربهم في الفروع المختلفة ، والتقدم مع التطور العلمي العالمي وتجهيز أنفسهم للتطور الصناعي ، ولكن بشرط أن يكون التقليد واعياً وبالمقدار الصحيح في إطار العقل والمنافع ، وليس أن يجعل الشرقيون من أنفسهم عبيداً للغربيين .
      إن التقليد غير المشروط للأساليب الغربية جميعها ، يعني تقبل الكثير من الرذائل الأخلاقية والصفات الإجتماعية المنحطة .
      إن مثل هذا التقليد يجر شباب الشرق نحو الشهوات المخالفة للعفة، وإلى الإدمان المضر، والخطيئة والجريمة والفساد والضياع . مثل هذا التقليد يوجِّه ضربة نحو إيمان الناس ويفسد أخلاق المجتمع ، ويقضي على القيم الوطنية .

      المصادر
      (1) الإسلام والحضارة الغربية ص 103 .
      (2) أفكار فرويد 121 .
      (3) تأثير العلم على المجتمع ص 20 .
      (4) الإسلام والحضارة الغربية : 8 .
      (5) مبادئ علم الإجتماع ص 209 .
      (6) الأخلاق والشخصية ص 83 .
      (7) صحيفة كيهان ـ العدد ( 8420 ) .
      ‏​آگثر ما أُحِبْ ! آلثرّثَرھ .. آلصَامِته مع نفسي ۈ آلحديث آلمُختصَر مع ( النَّاسِ ) .. ! :)