أذكر أن ذلك الفصل الدراسي من أسوأ الفصول الدراسية في حياتي ما قبل الدراسة الجامعية، كان ذلك أيام سطوة مدراء المدارس العرب، وكان طابور الصباح كل يوم ساحة تدريبية عسكرية، تنقل لنا الحس التربوي الذي تنتهجه مدرسةٌ في العالم الثالث، من الطبيعي جداً، أن تستمع لكيل من السباب والشتائم الصباحية، ومن رأيي كان من الطبيعي أيضاً أن يكون لكل فعل رد فعل، وهو ما لا و لم يدركه المدير الذي ينفع أن يدير سجناً أو قفصاً للحيوانات، بعيد كل البعد عن القيم التربوية، وعن الحكمة الإنسانية البحتة، كان الشغب في أوجه إبان فترة حكمه للمدرسة، أووبس قصدي فترة إدارته للمدرسه.

كنت أرى في هذا المدير، رغم حداثة أفكاري حينها، كنموذج خالص للديكتاتورية العربية، و إدارتها الفاشلة لأوطانها، كل شيء يرتبط بالعنف متمثلاً بالعصى بأسمائها المختلفة، عزيزة وعميشة ثم زوينة وسعيدة ثم التهديد بالفصل من المدرسة، والعنف المقابل من الطلاب المتمثل بالبيض والفتاك والحصى والمسامير، كانت تلك السنة الثانية منذ أن أصبح فوق سطح منزلنا دش، يعني فيه قناة الجزيرة، وكلام في الديكتاتورية والقمع والديموقراطية والحرية، لم يكن حمام الغبار والأتربة الذي كنا نستنشقه صباحاً كل يوم ذاهبين إلى المدرسة، لم يكن ذلك ليقطع حبل أفكاري عندما أرى زملائي في الحافلة - أو الباص بس تراها ما عربي - أتسائل عن ما هية القيم التي سيعتنقوها في المستقبل بفضل النهج التربوي للمدير أبو زيد، ولكن لا أنكر أن صوت أريام كان ينسيني حتى إسمي آنذاك عندما يجلس أحد المفلع بجانب السائق ويضع شريطها على أغنية "يا معزل" مع بزوغ أولى خيوط شمس ذلك الصباح !

إزدادت الأمور سوءاً عندما أنتدبت مدرستنا للمشاركة في إحتفالات العيد الوطني آنذاك المقامة في ولايتنا، فالأمور لم تكن جيدة قبل إضافة عبء تدريبات المهرجان على الطلاب ناهيك بعدها .. أظن أن لدي متسع من الوقت لأتذكر كيف كان الوضع حينها، ولكني لا أعلم عنك عزيزي القاريء، الطريق الترابي الطويل والحافلة ذات الأرضية المليئة بالثقوب، التي تصنع نوافير للغبار والأتربة، وكنا نستنشق ونتعطر كل/بكل ذلك كالتيوس المبتسمة، ثم طابور الصباح الذي يكون كحفلات الإعدام الجماعي والتهديد والوعيد بالفصل من المدرسة إن لم نفعل ما يقرره موظفوا "المديرية" من مكاتبهم البعيدة، ثم اليوم الطويل بعد ذلك لسبع حصص ثم حمام الغبار مجددا عائدين لبيوتنا، وكان اليوم ينتهي بوصولنا لمنازلنا .. ولكن تقرر أن تشارك المدرسة بإحتفلات العيد الوطني فكانت معاناة اليوم الواحد في السابق أن صارت معاناة يومين في يومٍ واحد.

كان المدرب المسئول من ذات جنسية أبو زيد، مدير المدرسة، كان تقريباً يقول كل شيء ليختمه بالتهديد والوعيد بالفصل من المدرسة ثم ينتزع أبو زيد منه ناقل الصوت - الميكرفون بس تراه ما عربي - ويواصل شتائمه وتذكرينا بالوطنية ومدى أهمية ما نقوم به، أذكر أنه في مرة من المرات نهر المعلمين بإستخدام مكبر الصوت أمام كل الطلاب المجتمعين في ساحة التدريب، لأرى إلى أي مدى ذهب الرجل في طغيانه وديكتاتوريته !

بعد التدريب والبروفات كانت تقدم لنا وجبة بسيطة، حبة فاكهة وحيدة إما أن تكون تفاحة أو موزة أو برتقالة، مع مثلث خبز وجبن وبسكوت نبيل وسنتوب، وأذكر أن أبو زيد هدد في بضع مرات بقطع هذه الوجبه هههههه

عندما انتقلت التدريبات والبروفات إلى ميدان الإحتفال الرئيسي، إزداد الوضع ضراوة وعسرة، فالمكان أبعد، وبطبيعة الحال الوجبة المقدمة لا تعيننا الإنتظار حتى حين عودتنا لبيوتنا، فبيوتنا بعيدة وينهشنا الجوع والتعب، لذا نحث قائد الحافلة أن يقف بنا بجانب إحدى المطاعم خلال طريق العودة، لنكون عبئاً مادياً إضافياً على كواهل أهالينا آنذاك، وإن لم أكن مخطئاً فقد كانت المرة الأولى في حياتي التي آكل فيها شوارما خلال تلك الأيام.

على وجه الخصوص أذكر يوماً بعينه، قبل ذلك اليوم تم إبلاغنا أن وليمة كبرى ستقام من أجلنا وسيوزع علينا الطعام وكنت أتساءل وأتخيل كيف سيحدث ذلك من باب الفضول، جاء اليوم المنشود، ولا أعلم مالذي حدث أو أين الخطأ، كان أن قُدم إلينا دجاج لم يتم طبخه جيداًهع ! أذكر أن الكثيرين تركوه ولم يستسيغوه .. والله ذكريات !

كان أحلى ما فيها، عندما إنتهى الفصل الدراسي، لأجد أني حققت الدرجات النهائية في عدد كبير من المواد، حيث أن هناك درجات تمنح للطلاب المشاركين في المهرجان الطلابي لتعويض فترة غيابهم عن مقاعد الدراسه خلال التدريبات .. أيام راحت


إلى فشكلة أخرى ..

* مصدر الصورة .. Picture source




المصدر : فشكول