وعود الادارة الامريكية والغزو الفرنسي

    • وعود الادارة الامريكية والغزو الفرنسي



      هل التاريخ يعيد نفسه ؟؟



      جئت لانقاذكم من الطغيان



      جئت لانقذكم من الارهاب يا >>>>>>



      وعود الادارة الاميركية للعراقيين لا تختلف كثيرا عن وعود الغزو الفرنسي للمصريين، فماذا تكون النتيجة؟

      لاشيء سوى الفوضى! ذلك هو الوصف الدقيق لما يحدث في شوارع عاصمة الرشيد.

      فمنذ أطاح الاميركان بنظام بغداد رافعين شعار "التحرير"، انفلت الشارع العراقي وتحلل الجميع من قبضة القانون الذي تحلل هو أيضا من قبضة النظام العراقي ليتقيد بأغلال الرأسمالية المحتلة وينضوي تحت لواء الحاكم المدني الاميركي بول بريمر.

      قبل قرنين قال نابليون، الذي جاء لشعب مصر غازيا، إنه جاء "من طرف الجمهورية الفرنساوية المبنية على أساس الحرية والمساواة" وإنه "يعرف أهالي مصر بأن هذه الزمرة من المماليك يفسدون الاقليم الحسن الذي لا يوجد له مثيل في كرة الارض كلها" وأن "رب العالمين القادر على كل شيء حكم على انقضاء دولتهم" مدعيا بأنه "ما قدم إلا ليخلص حق المصريين من يد المماليك".

      وقبل أشهر أيضا قال بوش للعراقيين إن "أميركا صديقة للشعب العراقي" وإن "مطالبه موجهة فقط إلى النظام العراقي الذي يستعبده ويهدده وعندما تلبى هذه المطالب سيجني العراقيون أول وأعظم منفعة" مدعيا أن "قمع الاكراد والشيعة وسواهم سيتوقف وسينتهي أسر العراق الطويل، ويبدأ عصر من الامل الجديد فالعراق بلد غني وإذا تحرر الشعب العراقي من عبء الطغيان فسيستطيع أن يشارك في تقدم وازدهار عصرنا".

      ما أشبه الليلة بالبارحة فالتاريخ يعيد نفسه ولا جديد تحت الشمس. هاهو شعب العراق يبدأ مقاومة الاحتلال ونهضت الفلوجة كما الازهر في "زمان الفرنساوية" وفقدت المدينة الباسلة في "عملية شبه الجزيرة" أمس مئة شخص برصاص من جاء لينهي "أسر العراق الطويل".

      ومثلما جاء الفرنسيون حاملين أفكار فولتير ومنتسكيو وروسو وغيرهم من منظري ثورة الحريات الفرنسية ليبرروا بها تدخلهم في مصر عام 1798 جاء الاميركيون بأفكار الديمقراطية وحقوق الانسان والمساواة التي قامت عليها حضارتهم الحديثة ليقولوا انهم جاءوا "محررين".

      لم يدر بخلد العراقيين الذين صفقوا في أبريل/نيسان الماضي لسقوط صدام حسين ان الحدث سيفتح عليهم أبواب الجحيم من جديد. وعندما توقع وزير خارجية نابليون الفرنسي تاليريان في تقريره عن الحملة "استقبال الشعب المصري لها بالاحترام لانه يأمل أن يتخلص من حكامه الظالمين" لم يدر بخلده أيضا أن الثورة ستعم الشعب ذاته بعد عامين من بدء الحملة وأن فرنسا ستخرج من مصر مكرهة.

      وبالمثل تحدثت القيادة الاميركية عن ان العراقيين سيستقبلون القوات الاميركية "المحررة" بالورود والان تلاقي مقاومة عنيفة من الاهالي.

      لم يخجل نابليون من التصريح بمآربه الاقتصادية في خطابة وشكواه من "الظلم الذي يتعرض له التجار الفرنساوية". وبالمقابل كانت مجموعة هاليبرتون الاميركية للخدمات النفطية أول شركة أبرمت تعاقدا من أجل إطفاء الحريق في آبار العراق الجنوبية حتى قبل سقوط النظام العراقي. ويتمتع ديك تشيني نائب الرئيس الاميركي بعضوية في مجلس إدارة هذه الشركة التي فازت بعدها بتعاقدات أخرى في العراق.

      أما مسيرة التحديث التي قدمتها الحملة مؤيدة باختراع المطبعة التي كانت ثورة القرن في مجال الاتصالات فقد قدمتها أميركا أيضا في إطار ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. وقبل أن تعيد الولايات المتحدة العمل في مدارس العراق أنشأت إذاعة موجهة.

      ولا يمكن إغفال صراع القوى السياسية الدولي من أجل نفط الشرق الاوسط والنفوذ السياسي لها في عمقه الاستراتيجي. ولا بد أن نضع في الاعتبار أيضا الزخم السياسي والقوى المتناحرة الساعية للوصول إلى السلطة في الكثير من بلدان المنطقة ذات الموقع الاستراتيجي المهم. على تلك الصخور تتمزق أقدام الغزاة ما لم تأخذ في الحسبان مزالق هذا المستنقع.

      وفي تحليل لتصريحات بونابرت قال المؤرخ ج. كريستوفر هيرولد إن "الافكار الدينية كانت على الدوام مسيطرة على الشعب المصري وكان بونابرت يشكو من المواعظ العدائية التي يلقيها الائمة في المساجد في صلاة الجمعة وكتب (لقائده المحلي) كليبر يقول علينا أن نهدهد التعصب حتى ينام قبل أن نستطيع اقتلاعه".

      ومع اتفاق الطرفين الاميركي المعاصر والفرنسي البائد على تثبيت الاقدام في الشرق بدعوى مكافحة التعصب كما يدعي نابليون أو الارهاب كما يدعى بوش يمكن التقاط طرف الخيط المشترك بين الحملتين وإن اختلفت المسميات أو النهج السياسي ولكن تعددت الاسباب والاحتلال واحد.

      نابليون.. الذي قاد دولته العظمى في حملتها على مصر فشل في تحقيق مأربه برغم الحملة الدعائية التي واكبت غزوه لبلد يشكل ثقلا حضاريا هائلا في الشرق. والشيء نفسه فعله بوش بأدوات دعائية لا تختلف كثيرا عن تلك التي سخرها نابليون لخدمة أغراضه. فهل يفشل بوش؟

      lover323