حديث جلالة السلطان قابوس لرئيس تحرير جريدة السياسة الكويتية بتاريخ 11 فبراير 2006

    • حديث جلالة السلطان قابوس لرئيس تحرير جريدة السياسة الكويتية بتاريخ 11 فبراير 2006

      حديث جلالتة لرئيس تحرير جريدة السياسة الكويتية بتاريخ 11 فبراير 2006
      06-09-2009 09:58

      لقائه مع جريدة السياسة الكويتية بتاريخ 11 فبراير 2006

      هناك تحتار ماذا ترى.. المكان مفتوح على أربع جهات العرب وأربع بوابات الأرض في الشرق بحر العرب، في الغرب جزيرة العرب، وفي الجنوب بداية البوابات نحو المفتوح الأكثر من الأرض واتجاهاتها. ومن يقرأ سلطنة عمان بهذا الموقع الجغرافي لا يستغرب العدوء الذي يغرق هذا البلد العربي بسكينته، ولا يستغرب الصرامة الساكنة في وجه حاكم هذا البلد جلالة السلطان قابوس بن سعيد. فالأمان النفسي يأتي من الجوار، والجوار كله عربي. والسكينة تأتي من النفس والنفس كلها عمانية. وحين دخلت مع جلالة السلطان في الحوار وجدتني أبتعد عن مألوف السؤال والجواب، وهو مألوف سياسي، وأدخل في جوار متصل بالوجود نفسه، وبفلسفة هذا الوجود وفي كينونة الحاكم داخل هذه المعادلة الدقيقة التي في أحيان كثيرة تقضي على المشتهى الخاص، قضاء مبرما... هنا وجدتني في حوار متبادل لا يخلو من السؤال ومن الجواب، ويدخل في تقديم التجربة من باب توحد الراعي بالرعية،
      ومن باب وحدة الحلم الذي اذا راود الحاكم يأتي في وقت مراودة المحكوم، وكأن النفوس هنا تراها منعقدة في موعد واحد، إما للمخاطبة، أو الإجتماع على الكلام الواحد. واللافت في الأمر هنا هو أنك لا تستطيع الدخول في عوالم جلالة السلطان، إلا اذا قاربته مع العوامل الإنسانية الصرفة، فهنا تأتيك الصورة من مكان واحد مكان المسؤول ومكان الآخرين المشمولين بالمسؤولية، ولا يبدو بعدها أن ما هو سائد في أماكن كثيرة، حيث الحدود مرسومة بدقة بين منقطة الحكم ومنطقة المحكومين، سائد هنا في عُمان. خيل إلي وأنا في \"حصن الشموخ\" حيث ألاقي جلالة السلطان وأتحاور معه، أنه حتى المسافة الفاصلة بيننا وبينه، وهي مسافة معنوية، قد تلاشت لصالح فهم المقصود من الكلام، وهو مقصود روحي حعل صورة الحاكم تبدو أمامنا متركزة على الهداية والعرفانية، وربما على وحدة الوجود. ودائما كان يصدمنا صاحب الجلالة بهذه الحقيقة العليائية، اذ بين كل محطة كلام وأخرى كان يذكر بأن عوائد عمله ليست له بل لعمان وأهلها، وأنه يراها نابعة من النفس ذاتها المختلطة دائما بالناس والحديث إليهم من موقع انه واحد منهم. وكون الوقت، وهو الحياة، مكرس كله لعمان وأهلها، لا يبقى الحكم في معناه الأعلى على رسالة، والحاكم هنا يصبح صاحب رسالة، كما هو في الوقت نفسه صاحب سلطة من أجل احكام الضبط والربط، ومتابعة الشأن العماني بشكل حثيث...
      هنا نص الحوار في \"حصن الشموخ\"مع جلالة سلطان يتحاور مع نفسه، متوحد ببلده، وقادر في نفس الوقت أن يقدم للتجربة الإنسانية حدودا في الحكم، ونوعية في الحكام، تصرف النظر إلى الذات بعمق وتبتعد عن السياسة متى استطاعت، لكنها قادرة على الأداء في كل أنواع الظروف وتحديد الأولويات، وقادرة على التكيف مع كل متغيرات الأحوال التي تضرب العالم وظروفه... سألته:
      + جلالة السلطان... دعني أبدأ معك من السؤال عن سر هذا الولاء التي تحظى به في عُمان، من يوم أن توليتم الحكم حتى الآن، فنحن كرجال اعلام لم نسمع في يوم خبرا يتصل بأمنك الشخصي وسلامتك الفردية.
      = في مقدمة الإجابة أطلق السلطان قابوس ابتسامة ناطقة مغلفة بالمعاني وقال: ماذا أقول لك في هذا الجانب وبماذا أجيبك؟ لعل الله هو الذي يحميني. اني هنا أعمل لعمان أرضا وشعبا، بل أن كل كل عملي لها ولشعبها. ولعل اختلاطي الدائم بهذا الشعب وفر له قناعة بأن عملي محبب إليه، ومحل رضاهم... وفي الواقع فأنا لا اعمل لشيء لي بل لهم. ان متعتي هي أن ارى بلدي، وأرى شعبي بالصورة التي تخيلتها من أول يوم تسلمت فيه السلطة... انني أشعر باني صاحب رسالة ولست صاحب سلطة، لذلك ترى وقتي مكرسا من أجل عمان وأهلها، ولعل سر الولاء يكمن هنا في هذه الناحية، وتحديدا ناحية تماثلك بأهلك، وتفرغك للعمل من اجلهم. اني دائم الاختلاط بالناس، كما تعلم، واتحدث معهم كواحد منهم. نعم ... أنا من اشد المؤمنين بالضبط والربط، لكني اؤمن بما يمكث في الأرض، أي بما ينفع الناس. اني اتابع الشأن العماني بشكل حثيث.

      + جلالة السلطان، حفظك الله ورعاك... لماذا لم تحدث منغصات أمنية تستهدف شخصك بالذات طوال الخمس والثلاثين سنة الماضية علما ان زعامات كثيرة واجهت مشكلات، ودولا كثيرة واجهت متغيرات؟
      = الأمن في عمان مستتب، وانت كاعلامي تعرف عمان. ليس عندنا، وعلى مستويات كثيرة، ما ينغص أمن البلاد الوطني. واحمد الله انه سبحانه يعلم ما في الصدور وما في النفوس. ومن يدري لعل ما في صدري يحظى برضا الله، الأمر الذي يجعل العناية تواكبنا في كل ما نعمل. وعلى كل حال فان عملنا كله شفاف، ومبذول كله لبلدي ولشعبي. وكا ترى فحتى انا لا احيط نفسي باي اجراءات أمنية فوق العادة، ربما كانت هذه الاجراءات بالنفس، لكن نحن نقول ادفع بالتي هي أحسن. لا يوجد عندنا ما يعكر صفو امن بلدنا وامننا الوطني، وحتى أمننا الشخضي.

      + جلالة السلطان... الا يوجد ما يقلقلك وانت ذاهب إلى مخدعك؟
      = ابدا، ابدا، ابدا ... وكل ما يحصل اني استمع الى بعض الاخبار قبل النوم، واقرأ بعض المواضيع، ثم اقرأ ما تيسر من كتاب الله العظيم، واخلد الى النوم. في العادة انام بعد قضاء يوم حافل بالاعمال الكثيرة، ما يقلقني منها أنهيه وابت فيه في ساعات النهار، والباقي اقضيه في التفكير بتجاوز الحاضر الى ما هو افضل منه، او في اتخاذ قرار حول هذا الامر مع جهات الاختصاص. وفي هذا المجال أعترف بأني اتمتع كثيرا بهذه الرحلات الداخلية التي أقوم فيها بطول البلاد وعرضها... في هذه الرحلات ألتقي بالناس مواجهة، وأسمع إلى مطالبهم، وهم يسمعون وجهات نظري... انني أشعر بالألفة هنا وهم كذلك. ان تفقد احوال الرعية شأن موجود في تاريخ الاسلام، ويعد من واجبات القائد. هناك مواطنون قد لا تسمح لهم ظروفهم بان يطرقوا ابوابا معينة فآتي انا إليهم بشكل مباشر. اني مرتاح وأجد متعة نفسية بهذه الرحلات الداخلية، اجتمع فيها بأهلي وأختلط بأنفس كثيرة، اسمع منها وتسمع مني، ونعطي جميعنا الثمار المطلوبة، اني اتمتع وأنا أرى أهلي يستمعون إلى توجيهات ولي الأمر ويعملون بها، من هنا تخلف ثقافة الضبط والربط والتي هي سر تفاعل الرعية براعيها، هذا التفاعل الذي يخلق بدوره الولاء المتبادل بين الطرفين.

      + جلالة السلطان... في هذا الجو المرتبط بالعلاقة المتبادلة اسألك هل يفترض في اي بلد، وفي أي زمان ومكان، ان يكون القائد محبوبا أو مخيفا أو محترما؟
      = يا أخ احمد.. عندما يجعل القائد من نفسه شخصية يخافها الناس وتهاب الحوار معها، فإن هذا القائد سيرى نفسه محاطا بالمنافقين وأصحاب المصالح، الذين يزينون له سوء عمله، أو يدفعون به إلى هواه ورغباته التي قد لا تكون سوية.. انه لن يكون محاطا بالمصلحين والناصحين.. ان هذا النوع من القيادات لا يتطلع الى محاكاته أي قائد سوي وحكيم. نعم يجب ان يكون هناك ضبط وربط لكن ليس الى الدرجة التي يصبح فيها الحاكم شخصية مخيفة، ومحيطه يتحول الى مرتع للمنافقين. الولاء والاحترام هما الصفة التي يجب أن يتحلى بها القائد السوي وصاحب السلطة. وفي البداية سبق لي وقلت لك أني لست سلطة إلا لزوم الضبط والربط، وفي عملي اشعر بأني صاحب رسالة أؤديها بكل صدق ونقاء لأرض عمان وشعبها الوفي.

      + جلالة السلطان.. نرى في هذه الأجواء الشأن العماني يأخذ معظم وقتك، ولا يتبقى لك منه ما يكفي للإهتمام بالشؤون الإقليمية والعربية والعالمية؟
      = الشأن العماني هو كل هاجسي بلا شك ومعايشتي اليومية وهو فكري وعملي وكل شيء حولي حوالي ما عدا ذلك هناك تطورات في المجال الإقليمي والعربي والدولي نتأثر بها ونؤثر عليها، وتأخذ منا بعض الوقت للتعرف على كيفيات التعامل معها ومع هواجسها، وهذا أمر طبيعي لكننا نؤمن بالقول المأثور (( رحم الله من عرف حده فوقف عنده ))، هناك من يتحدثون عن شؤون لا تخصهم، نحن لا نستخدم هذا الاسلوب في الشأن العماني، فلدينا الكثير الذي يستوعب وقتنا وعملنا، فعمان الأمس ليست كعمان اليوم، وأحلامنا لأجمل عمان كثيرة وكبيرة، وشعبنا حملنا مسؤولية نحملها بأمانة وجد، انني لا ارتاح لمن يتنطح بشأن ليس شأنه، لا هو متأثر منه أو مؤثر فيه. نسمعه يصرخ: لن نسمح. لن نوافق ولن ولن ولن، ولكن في واد لا يعنيه ولا يمتلكه، أي يصرخ في واد غير واديه.

      + جلالة السلطان... أراك مقلاً في الأحاديث الاعلامية، بل إن جلالتكم يتحاشاها ويبتعد عنها؟= ابتسم جلالة السلطان ثانية الابتسامة المثقلة بالمعاني وقال: اني أكره المبالغة، وحتى تعليماتي لأجهزة الاعلام لا تتضمن توجيهات بعدم اللجوء إلى المبالغة، وان يتم الحديث عن المنجزات وفق ما هو عليه حجمها، لا اكثر ولا أٌقل، اي ان يتم الحديث ببساطة، ثم أنا من الذي يحبون ان تتحدث الأشياء عن نفسها وان يراها الناس كما هني من دون بهارات. اما أن نردد \"سنعمل\" و \"سنفعل\" فهذا أمر ليس من شيمنا، وانا لا احب الادعاء، والحكومة هنا تعمل ضمن هذا المنظور.

      + جلالة السلطان... وأنت تتحدث عن البساطة كنتُ قد دخلت الكثير من المنشآت العمانية، وزرت مدينة مسقط والقرى المجاورة لها، فلم أر الا البساطة فعلا وجمالا لافتا.
      = سر الجمال يكمن دائما في البساطة. ان كل ما في هذا البلد بسيط حتى ألوان المدينة ومبانيها الخارجية محكومة بألوان مختارة ومحددة اعتقد أنها سبعة ألوان أنيقة فقط. نريد دائما ان يكون هناك دمج بين الموروث والعصرنة واعتقد أن السياسة العمانية قد نجحت في تحقيق هذا الدمج.. ان لنا خصوصية نعتز بها.

      + جلالة السلطان.. وانت تتحدث عن الموروث والعصرنة كانت لهجتك توحي بأنك قاتلت معركة كبيرة حتى تحقق الدمج بينهما ومن أجل بناء نهضة عمان الحديثة.. والسؤال هل حان الوقت لتحقيق انفتاح اجتماعي اكثر وأوسع في البلد؟
      = نعم .. ان هذه النقطة كنت اتداولها مع نفسي وأعايشها كثيرا ورأيت أني ارفض ان تطغى العصرنو على الموروث فموروثنا جميل ولا يحتاج الا الى بعض التطوير وإلحاقة بالعصرنة بشكل متوازن لا يطغى فيه هذا على ذاك. لقد وصلت عمان في نظري الى مراحل متقدمة في هذا المضمار، واعتقد انه اصبح علينا أن نريد من جرعة الانفتاح خصوصا ان البنية التحتية اكتملت والمدينة جميلة وعلينا أن نزيدها جمالا، فهي مهيأة وفيها الأمن والأمان اللذان يتطلبهما الانفتاح إضافة الى اننا جملنا التراث وقاربناه مع العصرنة.

      + جلالة السلطان.. ماذا تقصد بزيادة جرعة العصرنة وزيادة الانفتاح بشكل أعلى؟ هل تعني زيادة الانفتاح السياحي وزيادة استقطاب الاستثمارات الدولية؟
      = في ما يتعلق بالاستثمار فلدينا استثمارات مجزية من اليابان وأميركا وكوريا الجنوبية والمانيا ودول خليجية عدة. في السابق عندما كنا نتحدث عن مشاريع بـ 100 مليون دولار أميركي كنا ننبهر، من ضخامة الرقم، واليوم نتحدث عن مشاريع بالبلايين ولا ننبهر، وهذه المشاريع كثيرة وموجودة على مستويات عدة ومعلنة وأعتقد ان امامنا استثمارات كبيرة ومقبلة سواء كانت خليجية أم اجنبية. ما يتعلق بالسياحة نعم .. فقد بدأت اشعر انه يجب أن نبدأ بزيادة الجرعة الانفتاحية على ان تتم المحافظة على التراث العماني والثقافة العمانية. لقد مارسنا الانفتاح بالتدرج وماضون فيه على المستوى السياحي ولا ننسى ان ما يأتي سهلا يذهب سهلا ولا اريد ان يأتي الانفتاح سهلا حتى لا يذهب سهلا. لقد وضعت عمان على الخارطة السياحية وستعزز مكانتها وستنجح مثلما تقدمت حركة الاستثمارات.. جغرافية البلد جميلة، وشعبها طيب ومضياف.

      + صاحب الجلالة، بماذا كنت تحلم في بداية حكمك وأنت تتسلم هذا الارث.. جغرافية شاسعة وشعب كان يعيش على مسافات متفاوتة من المعاصرة؟
      = في ذلك الوقت كانت تشغلنا عملية الدمج بين الموروث والعصرنة، وكيف احبك خيوط الشمس في نسيج تلك المرحلة المظلمة، واذكر اننا بدأنا بتعليم المرأة وبناء المدارس ودخلنا برفق على المجتمع وقلنا من يريد ان يعلم ابنته فأهلا وسهلا به من يرد التمسك بالتقليد فهو حر. قضية تطوير مجتمعنا هو التي كانت تشغلنا وكذلك دفع هذا المجتمع الى رحاب النور، يومهها لم يكن الوضع الاقتصادي مريحا لتحقيق هذه الاهداف لكننا اعتمدنا على الله وعلى الامكانات الموجودة ولم تكن واضحة للعين، كان أمامنا ثروات قليلة وكنا نتحدث عن الزراعة والثروة السمكية. المهم اننا اجتزنا هذه المرحلة الان والمجتمع العماني اصبح غير الامس. لقد طور العمانيون موروثهم وتعاملوا مع العصرنة وفق الجرعات المقررة لهم من قبل القيادة واني أرى مجتمعا نفخر به ويحترمه كل من يزوره.

      + صاحب الجلالة.. لو سألتك ماذا تحلم للأعوام الخمسة عشر المقبلة وما تريد أن تصنع لعمان؟
      = لو سألتني هذا السؤال قبل خمسة عشر عاما لكنت أجبتك بأني اتحسس من الناحية الاقتصادية، وتوفير الاموال للصرف منها على الاحلام. الآن الوضع مختلف من جهة المداخيل.. البنية التحتية شبه كاملة، الدمج بين الموروث والعصرنة شبه مكتمل، وأنا مرتاح له. المهم انه علينا الآن ان نعمل لأن امامنا المثير حالياً عن نفسي وبمتابعة مني أركز على تدريب الناس واعدادهم لدخول سوق العمل، ولا اريد ان يتأفف أحد من أي مهنة، إلا تلك التي تخدش الحياء والاخلاق.. وحتى الخيم السلطانية فاننا ندرب الرجال والنساء على العمل فيها واعدادها وترتيبها، وكل سنة ندرب اعدادا مهمة على هذه الصنعة باشرافنا... الكثير من مواطن التدريب، ومنها هذه هي رديف لإعداد المواطن اعدادا مهنيا نعطية فيه السنارة لتعلم صيد السمك، بدل أن نعطيه سمكا يعيش منه ليوم واحد.. اننا هنا نعطيه مهنة يعيش منها ابدا وطول العمر. في السابق كنا اذا استعرضنا الارقام والعمالة والمهن ووجدنا ان القطاع الخاص قد استوعب منها عشرة آلاف شخص نقول انه رقم مهم وكبير ومفرح. اليوم القطاع الخاص يتسوعب ما يزيد عن مئة ألف شخص من المدربين على مهن متعددة. وعندما يستوعب القطاع الخاص هذا العدد فانه لا يستوعبه مجاملة للقرارات الحكومية، بل لأن الناس مدربون على مهنهم، وعليهم ان يعطوها حقها. لا اريد ان يتأفف أحد من المهن الموجودة في سوق العمل.. هذا النوع من التأفف لا أحبه ولا اريده نعم ان موضوع التأفف هذا نجده في مجتمعات خليجية كثيرة، لكن عندنا لا نريد للشركات ان توظف احدا لا تاخذ حقها منه. ولا يعطي مردودا لها.. أنا اتابع هذه التفاصيل لانها مربحة لنا ولإقتصادنا.

      + جلالة السلطان .. في متابعتي الاقتصادية لمسار الموازنة العمانية نلاحظ عجزاً.. هل هذا العجز مستمر ما هي اوضاع المداخيل المتوفرة من الثروات الوطنية؟
      = عند وضع الموازنة العامة يوضع سعر النفط اقل من السعر السوقي، ولذا تجد أن هناك عجزا في الموازنة. الى جانب آخر فان هذه الموزانة توضع في العادة لتغطية انجاز مشاريه في سنة قادمة، وعلى كل حال فان ما يستنفذ من الموازنة ليس دائما كلها، اذ يرحل مالم يستنفذ منها الى السنة القادمة. اما فيما يتعلق بمداخيل النفط وفق الاسعار السوقية فان فارق السعر بين ما وضعناه في الموازنة. وما هو عليه في السوق، هو أعلى بالطبع، فيذهب الى صندوق الاحتياطي ليستثمره بشكل جيد وتحفظي ومربح ليس فيه مخاطرة. لقد تحدث معنا كثيرون حول استثمار اموال صندوق الاحتياط بشكل اوسع، لكننا لم نرغب بأي مخاطرة لأموال الصندوق وفضلنا ان تكون الاستثمارات مدروسة وليس فيها مخاطر. وتسألني عن الموارد في المستقبل فأقول لك ان هناك نفوطا عمانية ثقلية، باحتياطات كبيرة كانت باسعارها القديمة السابقة غير مجدية اقتصاديا لجهة الانتاج، لكن الان وبالاسعار السائدة للنفط، التي لا أظن انها ستتراجع بحكم مرئيات النمو في العالم.. اسعار انتاج هذه النفوط الثقيلة اصبحت مجدية ومربحة، اضافة الى ان هذه النفوط الثقيلة اصبحت مطلوبة من الاسواق الدولية ثم لدينا الغاز نصدره باتفاقات مريحة وطويلة، كما لدينا ثروات اخرى كالجبس والكروم والاسمنت، والثروة الزراعية والسمكية، الى جانب الانفتاح الذي قررنا الدخول فيه بجرعات اعلى على جبهتي الاستثمار والسياحة. اعتقد اننا نسير بشكل مستقيم وموثوق.

      + جلالة السلطان.. ونحن نتحدث عن الثروة الغذائية، هل تصدر عمان منها شيئا للخارج، وهل عمان مكتفية ذاتيا ولا تستورد غذائها من الخارج؟
      = لا يوجد بلد في العالم نستطيع ان نقول عنه ان مكتف ذاتيا، اما لجهة الغذاء او الاحتياجات الاخرى. تبادل السلع والمعرفة موجودة منذ الازل في نطاق الحركة البشرية، والله تعالى يقول في محكم كتابة (( فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه )) وهذه هي العولمة التي وردت في كتابنا العزيز قبل أن ترد كتب العالم الموضوعة.. ولا توجد دولة لديها اكتفاء سواء على مستوى الغذار أو على مستوى توفر حاجات انتاج الغذاء كالطاقة. تبادل السلع شأن انساني، نحن نرسل للآخرين السمك والنفط وهم يرسلون لنا التفاح والموز، والمهم هنا ان تكون لدينا القدرة على التصدير بشكل عادل مع مصالحنا ومصالح الاخرين.

      + جلالة السلطان .. في كل هذه وتلك من القضايا وفي كل الصور المشرقة التي رسمتها لشعبك ولوطنك، هل تعتقد ان هذا الشعب قريب من طموحك ومتفاعل معك؟
      = اعتقد ذلك نعم.. الاكثرية لديها نفس الرؤية وحتى بعض اصحاب العواطف غير الواضحة لي، من اجيال كثيرة. فهؤلاء عندما اجلس معهم وأناقشهم اجد لديهم نفس المطامح ونفس الرغبات ونفس الصورة التي يرونها لبلدهم ولشعبهم، هذا التلاقي يدفعني الى العمل اكثر ان اجيء على نفسي اكثر. نعم.. اعيس في بوتقة واحدة، والخيم السلطانية تضعني في معاني تفقد الراعي لرعيته والاستعلام عن مطالبها، وفي هذه الطموحات تجد كل شيء يصب في مصلحة الرعية ولا هدف لي منها، بل كلها للناس الذين اعطوني ثقتهم لأمارس عليم دور من يعطي الرسالة قبل أن يمارس السطلة فيهم.

      + جلالة السلطان.. عجبي كبير وأنا ارى المجتمع العماني يماثل المجتمعات الخليجية الأخرى في تعدد النسبب القبلي، لكن جلالتكم خلقتم موزانة بين هذه القبائل، بينما الخليجيون الآخرون مازالوا يعانون الارهاق من التعامل مع الخصوصيات القبلية، وتراهم الان بصدد العمل لإكتشاف المعادلة الطبيعية لهذا التعامل. في عمان اجد ان مسألة القبائل محلولة.. ما سر معادلتكم هذه؟
      = ابتسم السلطان الابتسامة المفعمة بالمعاني والاشارات وقال: تاريخ الاسرة الحاكمة في عمان يسجل لها أن انتخبت سلطانا ذا ميول حيادية. ومن يومها اتسم الحكم بأنه للكل وحول الكل. هذه المعادلة التي أعمل بها. في رحلاتي الداخلية اسمع من الصغير والكبير، وليست لدينا أي تعقيدات في هذا الامر. نحافط على وجاهة الكل الاجتماعية، ونتعامل مع الجميع بتكريم وتقدير، ونستمع الى مطالبهم ويستمعون الى مرئياتنا، ولا توجد بيننا أي منغصات.. هذا هو سر المعادلة، حفظ كرامة كل شخص كما يجب، اعطاء كل ذي حق حقع لجهة التقدير. نحن نحافظ على كرامة الجميع، وعلى وجاهاتهم الاجتماعية. والتي هي جزء من خصوصيتنا.

      + جلالة السلطان.. في الثامن عشر من شهر نوفمبر سنة 1994 ألقيت خطابا يعيش العالم الآن ابعاده، ويعاني من ثقل معانيه، هل فيك شيء لله يا صاحب الجلالة؟
      = ابتسم جلالته هذه المرة ابتسامة حزينة وقال: تقصد ذاك الخطاب الذي حذرت فيه شعبنا من الارهاب، ومن استخدام نصوص الدين في غير معانيها، اذا كان الامر كذلك فدعني أضف لك ما استجد منذ سنة 1994، العالم يعاني الان، وبوضع مكشوف من الارهاب، ونحمد الله ان تلك النباتات الكريهة والسامة رفضتها التربة العمانية الطيبة، والتي لا تنبت إلا طيبا، ونحمد الله ان شعبنا تجاوب مع ما جاء في ذلك الخطاب، وربما كا صاحب رؤية مستقبلية، فوقاه ووقانا معه تلك النباتات السامة الكريهة. عمان كما قلت لك مقدما ليس فيها منغصات أمنية، شعبها يؤمن بالضبط والربط ويؤمن بدينه، دين اليسر ولا دين العس. وبعض دول المنطقة تعرضت لهذا المرض، وبمشيئة الله ستنتصر عليه بدين اليسر والمجادلة بالحسنى، الارهاب في انحسار طالما عرفنا كيف نحاربه وفهمنا طرق محاربته، ومتى نحاربه.

      + جلالة السلطان.. فقد مجلس التعاون الخليجي أربعة من قادته المهمين الذي عايشوا مرحلة تأسيسة، الملك فهد رحمه الله، الشيخ جابر رحمه الله، الشيخ عيسى رحمه الله، الشيخ زايد رحمه الله.. هل سيؤثر رحيل هؤلاء القادة على مسيرة المجلس؟
      = مجلس التعاون تجذر في المنطقة وفي نظري فإن لديه خير خلف لخير سلف، الى جانب أن المجلس له نمط وجود، ومرئيات، واتفاقات، وكل ما هنالك على كل بلد عضو ان يحافظ على خصوصياته تحت جناحه، وعلى سيادته، حتى يحقق ربطا مشتركا لمصالح المنطقة. هذا التجمع معول عليه الكثير كالتكامل الاقتصادي والصناعي، واعتقد أنه مستمر في أداء هذا الدور. ومع تجذر ثقافة التعاون سيزداد المجلس أهمية. ولا يمكن الا يكتمل هذا العقد، في الوقت الذي يتحدث فيه العالم في كل أصقاع الدنيا. هذه ست دول متجانسة ومتآلفة، ولديها ثروات مجزية، ولا اعتقد انها ستتباعد عن بعضها في وقت تجتاح فيه العولمة كل العالم.

      + جلالة السلطان.. كلما التقيتُ بأميرنا الشيخ صباح أجد أنه يكن لجلالتكم كل المودة والتقدير؟
      = أشعر والله أنني كلما اقتربت من هذا الرجل الودود يزداد تقديري الزائد له ولشخصيته المحببة.. وفقه الله في منصبه لخدمة شعبه ووطنه.. انه رجل مريح يفرض الاحترام.. انه محل تقدير واعزاز من قلبي شخصيا.. أدعو له بالتوفيق والصحة والعافية.
      منقـــــــــــــــــــــول
      ‏​آگثر ما أُحِبْ ! آلثرّثَرھ .. آلصَامِته مع نفسي ۈ آلحديث آلمُختصَر مع ( النَّاسِ ) .. ! :)
    • حديث جلاله السلطان قابوس لرئيس تحرير جريدة السياسة الكويتية بتاريخ 28 أبريل 2008

      حديث جلاله السلطان قابوس لرئيس تحرير جريدة السياسة الكويتية بتاريخ 28 أبريل 2008
      06-09-2009 09:58

      \" عندما تكون في حضرة السلطان قابوس بن سعيد فإنك تستشعر حتماً عبق هدوء المكان وعظمة صاحبه... تسمع طنبة الإبرة على الأرض من زخم الهدوء.. يتحدث زوار المكان في همس ويتحاورون بلغة الشفاة قبل الأصوات.. كل شيء حولك يسكنه هدوء الأناقة المتناهية ويلفه جمال النفس والمنظر.
      ما إن تترجل من الطائرة وتطأ قدماك قاعة المطار الشرفية تختطف عينيك الأناقة التي تلازم مد بصرك في طريقك إلى الفندق.. ترى هندسة مدنية أبدعتها ـ قطعاً ـ ريشة فنان قدير.. إلى حيث مكان السلطان يسير كل شيء وفق ترتيب متناهي الدقة دون صخب أو ضجيج,... جميع ما حولك يريح الذهن ويبعث على الإبداع ولا أنكر أنني وجدت نفسي أعيش حالة تساؤلات عدة لم تكن في الذهن, وما إن وصلت المكان, آزرتني طبيعته وجماله وساعدت ذاكرتي على استنباط الكثير من الموضوعات,
      ووجدت أنني أرغب في الحديث بشأنها في حضرة السلطان الذي بدا بصحة جيدة ووجه مريح بشوش كعادته وبخلق الاحترام والتقدير الذي ينزع الرهبة والخوف من زائره.. تتطلع إلى وجه السلطان ترى أن حجم التفاؤل لا حدود له... تستشعر راحة نفسية أفقها بعيد.. وأنك تريد أن تسأل وتسأل, فتباغتك إجابة السلطان التي تصحبها ابتسامة غاية في الرقة, إنها ابتسامة سلطان تحيط به نظرات الصدق الذي يبعث على الأمن والأمان وراحة النفس.
      في حضرة السلطان تحيط بك وحولك دبلوماسية وبروتوكول عريق تفهم من خلاله ما لك وما عليك, وتسير الأمور ودية وفق مستقر لها.
      في هذا الحوار حاولت الولوج إلى عقل وقلب سلطان تتفاعل داخله أحلام قائد تسامى بعنفوانه ورباطة جأشه على المعضلات فأنشأ دولة عصرية يشار لها دولياً, وزعيم نصَّبته التجارب الناجعة رجل السلام, وهي جائزة لا تمنح إلا للرجال وللخيرين الذين آمنوا بأن الدنيا يجب أن يعيش أهلها في تحاب.
      مع جلالة السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان وفي حضرته دار هذا الحوار:

      * جلالة السلطان: بداية.. شعبك وشعب المنطقة الذي تابع مسيرة النهضة في عمان, يريد الاطمئنان على صحتك...

      ** ها أنا أمامك واعتقد أنك تراني أتمتع بكامل الصحة والعافية على الرغم من أن النفوس إذا كبرت تعبت في مرادها الأجسام وعندما يزداد الوزن أو ينقص هناك من يبتعد كثيراً في تفكيره ويعتقد أن الصحة معتلة مع أن الحمية هي الدواء ورسولنا (صلى الله عليه وسلم) يقول:
      نحن شعب لا يأكل حتى يجوع, وإذا أكل لا يشبع. والتوازن في الوزن هو صحة وليس علة أنا بخير ومنغمس في شؤون بلدي وهي الصحة الدائمة لي, تأكد يا أخ أحمد أنا بخير والحمد لله وها أنا أمامك, برنامجي اليومي هو متابعة شؤون الدولة بدقة, وكما قلت لك في مقابلة سابقة إنني أخلد إلى النوم بذهن مرتاح وبصفاء, وأتابع الأخبار من حولي, وأخبار من نؤثر فيهم ونتأثر بهم, وبذكر الله دائماً تطمئن القلوب.
      أخلد إلى النوم وأصحو مرتاحاً وأتابع الشؤون الورقية أمامي, ومتابعتي لها جد دقيقة, ولا أحب الخطأ في القرار, وبعض ما أوافق عليه وأبعث به إلى جهات الاختصاص لتنفيذه يظل في ذهني, ومرات كثيرة أستعيد هذه القرارات لأتأكد أنها قرارات حصيفة, وأنني لم أخطئ فيما قررت. أرض عمان وأهلها في القلب والخاطر, منصبي هو تكليف وليس تشريفاً, ولقد سبق وقلت لك: إننا مكلفون, ورسالتنا هي خدمة هذه الأمة التي تجاوبت معنا في النهوض بالوطن العماني الرحب الأرجاء.

      * سيدي صاحب الجلالة: عندما تسلمتم مهامكم قبل ما يقارب الأربعين عاماً, كان شعبكم على مسافة طويلة من المعاصرة فهل بدأتم ببناء الحجر أم بناء البشر وأنتم تبنون هذه النهضة العمانية المباركة؟

      ** لو عدت إلى كل الخطابات والتوجيهات التي تقدمت بها إلى الأمة منذ كلفت برسالة العمل, ستجد أن بناء البشر كان من أولوياتي, وكان الناس شتاتاً خارج وطنهم فأعدناهم وقلنا لهم: تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم, وقد عادوا إلى وطنهم, والذين رفعوا السلاح بوجه الدولة تحت إرهاصات معينة, أتوا وبنينا معهم وطن اليوم, بعضهم كان في مقدمة الصفوف, وبعضهم في الصفوف الخلفية.. وكلهم عادوا إلى وطنهم, وكلهم لبوا الدعوة.. إننا جسد واحد, والشمس أشرقت على بلادنا, وسنعيدها سيرتها الأولى بلداً مشهوراً قوياً, يحسب له حساب قوامه الاحترام والتقدير.
      إننا آمنا بأن العنصر البشري هو الأساس في تحويل أحلامنا إلى واقع يعيشه البشر, ومن هنا كان بناء البشر هو هاجس الدولة العمانية, خصوصاً إننا كنا فعلاً على مسافة طويلة من المعاصرة, وقد أوضحت ذلك في خطبي الكثيرة وفي مناسبات عدة, وها نحن نجني ثمار بنائنا للبشر, فكان التعليم والتدريب والإعداد, وكانت العودة للمأثور والتراث الذي أخذنا منه ما يفيد زماننا, واعتبرنا منه أيضاً بما يخدم توجهاتنا, وأصدقك القول إنني سعيد جداً لتجاوب الناس مع هذا البناء البشري.
      مع ذلك لم نغفل النهضة العمرانية أي ـ كما تقول ـ بناء الحجر, فكلما ازداد شعبنا تدرباً ووعياً وثقافة, تعامل مع التطور المادي والعمراني على النحو المنشود, وأنت وغيرك يشهد كيف كانت بلادنا وكيف أصبحت, ولايزال أمامها الكثير والكثير.

      * سيدي جلالة السلطان: هذه النهضة التي قدتها, وأذكركم يا صاحب الجلالة, وأذكر جيلنا الجديد, بأنك قلت سنة 1970 في خطاب اعتلاء العرش: \"إن عمان كانت دولة عظيمة وقوية ومشهورة, وأن الشمس ستشرق عليها\", فهل أشرقت الشمس في الحدود التي أردتها؟
      ** نعم, الشمس مشرقة ولا نريدها أن تغيب عن عمان التي قلت يوما لأبنائنا هنا ولأهلنا: إننا سنعيد عمان إلى ما كانت عليه من قوة وأن الظلام سينجلي, يوم شحذت همم أبناء الوطن واهله ومفكريه كي نكون لحمة واحدة لبناء هذا الوطن الذي لم تنتهك سيادته طيلة تاريخه, ودافع أهله عن أرضه في مواجهة كل غاز وطامع, وعمان كانت سيدة في البحر والبر, وقلاعها تشهد عليها, ولقد شهدت على امتداد العقود الأربعة الماضية نهضة أعجب بها أهلها قبل الذين أطلوا عليها, ووثق بها أبناؤها قبل ثقة الآخرين بها, ولا يزال أمامنا الكثير ليعمل, وتجاوب شعب عمان يبعث على السرور في النفس.

      * سيدي صاحب الجلالة: هل تشعرون أن طموحكم الشخصي نحو نهضة عمان المباركة, يجد تجاوباً بنفس القياس من جهازكم التنفيذي؟
      ** قلت لك سابقا: إن النفوس إذا كانت كبيرة تعبت في مرادها الأجسام, وحتى الآن استطيع أن أقول لك إن الجهاز التنفيذي بما فيه الحكومة والمستشارون يبذلون الجهد, وهو جهد مريح, نعم أطمح إلى أن يكون الإنجاز أسرع وألا يخطئ أحد, ومن ملاحظاتي ومن متابعتي فإن خطأ المخطئ هو خطأ المجتهد الذي لم يصب ودوري هنا أن أنبه, وإذا ما تفاعل الخطأ تعطى الأدوار لمن هم أقل خطأ. أو بلا أخطاء.. وأكرر إن أكثر الأخطاء التي تحدث ليست متعمدة, وهذا يجعلني لا أعتب كثيراً, وإن عتبت فهو عتب المحب.

      * سيدي جلالة السلطان: مع كثرة الأعمال والمتاعب هل مازلت قادراً على مراقبة إنجازات وأعمال الحكومة بنفس الآلية والحيثية السابقة؟
      ** أخبرتك بأننا بنينا البشر, ومع بناء البشر أصبحت أمورنا تسير وفق ما قرر لها.. الناس تسير بكيفية مريحة, وبنهج عمل محدد تدربت عليه.. لدينا خططنا المعلنة مسبقاً وأخرى خمسية, وثالثة قريبة أو بعيدة المدى, وكل شيء يمضي إلى مستقره, وهذا يبعث على الراحة, حيث لا تحتاج النفس إلى بذل ذات الجهود المبذولة في البدايات.. نعم المراقبة موجودة, ولكنها ليست مراقبة متعبة كما في السابق.

      * سيدي صاحب الجلالة: يلاحظ الناس أنكم انشغلتم في ترتيب الداخل قبل الانفتاح على الخارج, فهل الانفتاح الآن أصبحت جرعته كافية؟
      ** انشغلنا في الداخل, وهيأنا الداخل, وكما تقول الإدارة الحصيفة, إذا أردت أن تكون قويا في الخارج فكن قويا في الداخل, والانفتاح هو جزء من تقوية الداخل, وهو انفتاح مدروس ولكنه أكيد. والجرعة العالية للانفتاح قد تفقدنا مصالح نريدها للشعب العماني.. نعم نحن الآن نسوّق إمكانات البلد داخلياً أولاً وخارجياً ثانياً عبر استثمارات نشعر أن فيها قيمة مضافة لبلدنا, وأول هذه القيمة استيعاب أي عمالة تكون متوفرة, أو عمالة بدون عمل, ونشدد على أن يكون تسويق هذه الإمكانات والفرص عبر استثمارات أجنبية تكون القيمة المضافة فيها واضحة, وأن يكون التمصلح مشتركاً يفيد ويستفيد, ولا يكون هذا التمصلح لحساب طرف دون آخر. نعم, هذا ما أردناه وما نظن أننا نجحنا فيه.

      * سيدي صاحب الجلالة: في جو هذا الانفتاح, وبالجرعة التي أردتها, هل وردت إليكم استثمارات كثيرة وهل تمت الاستفادة من فرص الاستثمار التي برزت في جو النهضة العمانية؟
      ** نعم, الاستثمارات كثيرة وعلى مستويات متعددة, والكثير يأتي الآن, ولكنني كما قلت لك: نريد استثمارات ذات قيمة مضافة, وأعطيك مثلا, عندما يأتي المستثمر ونفتح له الأبواب ثم يتبين فيما بعد أنه دلال استثمارات, هنا نتوقف, فلسنا بحاجة إلى دلالين وإنما نريد أن تكون هذه المبادلات مع المستثمرين الجادين أنفسهم ومباشرة الذين يأتون دون وسطاء.. لا مانع أن يكون هناك وسطاء ولكن للتعريف, إنما تداول المصالح يكون مع أصحاب الشأن أنفسهم, إن حجم الاستثمارات ـ كما قلت لك ـ جاء وفق ما توقعناه, وهي استثمارات متنوعة, بعضها يقوم به القطاع الخاص العماني ويشارك فيه أصحاب المعرفة الأجانب وبعضها يخدم صناعة السياحة, وهي صناعة كما تعرف, مهمة جداً, وبعضها يخدم الاستكشافات النفطية, وبعضها يعمل على تطوير القطاع العقاري وبعضها الآخر عبارة عن منشآت إنشائية عقارية متنوعة بتنوع الحاجة والطلب الوطني.

      * سيدي صاحب الجلالة: لا أرى في عمان تلك الأثنيات والأعراق والتوجهات المختلفة التي أراها في أوطان كثيرة, فما سر ذلك؟
      ** عندما توليت المسؤولية, وبعدها بسنتين أتذكر أنني خاطبت أبناء الأمة وقلت لهم: \"إن أكرمكم عند الله أتقاكم\", كما قلت أيضا: \"إننا جميعا نسيج واحد, وجسد واحد وأمة واحدة, والأتقى منا هو من يعمل لوطنه, ومن يساهم في نهضة بلده\", ولذا تجد أن نسيجنا الاجتماعي واحد, وسيظل كذلك, فقد تجاوب أهل عمان مع فكر ولي الأمر, الأمر الذي صنع هذه الوحدة الوطنية, فنحن لا نشكو من تعدد المكونات, والشعب العماني مكون واحد, ولاؤه لوطنه ولولي أمره, كما تأمرنا بذلك عقيدتنا السمحاء, وأذكر وأنا أخاطب الناس, بهذا المعنى, أن التجاوب كان سريعاً, فهناك من تباطأ بعض الشيء, لكن ذلك كان طبيعياً حتى استوعب الفكرة ومحاسنها, فبلدنا يقوم على فكر واحد هو الولاء للوطن وأمنه واستقراره ونموه.

      * سيدي صاحب الجلالة: تربة عمان هل لا تزال طيبة لا تنبت إلا طيباً كما قلت في أحد خطبك؟
      ** نعم.. وأعتقد أنك كإعلامي تلمسها وتعرفها.. ليس لدينا بذور شقاق ولا فرقة, بل نتفيأ ظلال وحدة وطنية لا شقاق فيها ولا تنابز.. أخيرنا من أحسن عمله وأحب وطنه.. لا ولاء إلا لله والعقيدة والوطن, والحمد لله بلدنا لا يحدث فيه ما يجري في المجتمعات الأخرى, فالأمن مستتب, ومسؤولو الأمن ولاؤهم لولي الأمر وأوامره وليس لمذهب أو طائفة أو عائلة أو فرقة من الفرق, فالجميع سواسية أمام العمل على أمن الوطن وأهله وازدهاره واستقراره.

      * سيدي صاحب الجلالة: في هذه الأجواء كيف هي حالة التضخم في بلدكم, وهل أسعار النفط الحالية ستساعد على نمو أكثر؟
      ** حالة التضخم ليست بالمقلقة, وهي ليست كبيرة, وهي تختلف عن الدول الأخرى التي تصل فيها حالة التضخم إلى أرقام فلكية, فالتضخم عندنا ليس بتلك الحدة, وأحيانا فإنه عند أرقام معينة يمكن أن يوصف بأنه حالة صحية لتسارع النمو, أسعار النفط لا شك أنها رفعت الدخل, وإن كانت ـ كما يقول الخبراء ـ إنها أسعار ربما لا تستمر وهي وصلت إلى هذه الحدود نتيجة تراجع سعر صرف الدولار, وعلى كل لا أستطيع أن أفتي بهذا الشأن, لكن إذا ما حصل تراجع كما يقول الخبراء فلن يكون كبيراً, وأسعار النفط دعنا نتركها إلى حالة العرض والطلب, يقولون إن الخزانات النفطية في العالم مملوءة وإن السوق مشبعة بالنفط ولكن هذه هي الأسعار السائدة, وليس من شك في أن أسعار النفط الآن ستنعكس على حجم الأموال في المنطقة كما هو الحال في عمان.

      * سيدي صاحب الجلالة: المداخيل العمانية من ارتفاع سعر النفط, هل يصاحبها حجم أكبر في إنتاج النفط نفسه؟
      ** نعم, هناك استكشافات كثيرة ولا أعتقد أن الشركات التي تنفق المال بكثرة على هذه الاستكشافات ليست متأكدة من أن هناك نفطاً, فهناك نفط بكثرة وهناك غاز والاكتشافات التي تجريها العديد من الشركات أظهرت أن هناك مخزونا نفطيا في أماكن عدة, وكذلك الغاز, وبالطبع هذا سيزيد من الإنتاج, وسيكون له أثره على الدخل الوطني, وبالمناسبة أقول لك: إن الدخل الوطني يزداد عندنا, وهناك أيضا ناتج الاستثمارات السيادية المكونة من الاحتياطي العام وهناك أيضا القطاع الخاص له نشاطه في الداخل والخارج وهناك تدفقات مالية تأتي من قطاع السياحة وقطاعات أخرى ونحن أيضا نستثمر المال السيادي, أو ما يسمى الاحتياطي العام في مناطق مهمة من العالم, ولدينا الآن وفد ذهب إلى فيتنام لاكتشاف مجالات استثمارية, كما إننا موجودون في دول أخرى مهمة, فكل هذه تستثمر بشكل جيد وتعطي ثماراً جيدة للدخل الوطني العماني, ونحن نطور اقتصادنا بشكل امن وأكيد بعيداً عن أي مغامرات لا تخدم موازين عملنا الاقتصادية.

      * سيدي جلالة السلطان: عندما جاء الإعصار الأخير (جونو) يقال إنك رفضت أي مساعدات, فهل هذا يندرج تحت بند أنكم لا تريدون منة يلحقها أذى؟
      ** ليس الموضوع بهذا الوصف, فنحن لم نرفض بالشكل الحاد المطروح في سؤالك, لكن عندما حصل الإعصار وجدنا أنفسنا مع شعبنا قادرين على حصر نتائج الكارثة, وأردنا أيضا أن نجرب قوتنا أمام مثل هذه الكارثة, فشعبنا خضع للتجربة, وأقول لك: إننا نجحنا فيها, وهذه التجربة أيقظت الناس, والشعب العماني وجدناه لحمة واحدة واستطاع أن يقوم بالواجب الذي كنا ندعو إليه دائماً, فهناك مع الأسف من فسر هذه الكارثة على أنها عقاب إلهي, وهؤلاء يفسرون بعيدا عن مقاصد الشريعة, وهذه القضية دعنا نأخذها على أنها تحذير إلهي ليتهيأ للناس بأن الحياة ليست دائماً من دون مصاعب, وأن عليهم أن يستعدوا لكل ما يقدر لهم, فهذا طبيعي, وعلينا أن نقول دائماً: الحمد لله على ما قدر ولطف.. فهناك دول أخرى, نجد أن هذه الكوارث الطبيعية عندها دائمة وليست استثناء, أما ما حدث عندنا, وربما يحدث مرة أو مرتين, نعتبره استثناء إذا ما قسناه بغيرنا ممن تقع عندهم الكوارث بشكل سنوي أو متعدد, ولقد واجهنا هذه الكارثة بتعاون عال من المشاعر الوطنية, وكنت أشد الناس سروراً لتعاون الشعب العماني على تجاوز نتائج هذا الإعصار دون هلع أو فزع أو فوضى وبقلوب مطمئنة.

      * سيدي جلالة السلطان: هل ما زال الشأن العماني الداخلي هو هاجسك دون غيره؟
      ** نعم.. هو هاجسي. قلت لك سابقا إنك إذا أردت أن تكون قويا في الخارج عليك أن تكون قويا في الداخل.. نعم أردنا لبلدنا القوة والسمعة الحسنة.. ولا يعني هذا أننا لا نتابع الرياح التي تهب علينا من هنا أو هناك. رياح قد تؤثر فيها أو نتأثر بها, ولذلك أردنا إذا كانت هذه الرياح مؤثرة علينا تجدنا أقوياء نعرف كيف نتعامل معها. وكيف نصدها.. الشأن العماني هو شغلي الشاغل وأنتم في هذا الإقليم تدركون ذلك وتعرفون أننا لا نلهو بالزبد الذي يذهب جفاء, ولكننا نلهو بما ينفع الناس ويمكث في الأرض.
      لقد بدأت النهضة العمانية من الصفر وأنتم أيضا تعرفون ذلك والآن هي أرقام نفخر بها ويفخر بها شعبنا الذي تعاون معنا حتى أصبحت بلادنا ملء السمع والبصر وحضن وحصن المواطن العماني وكل من يعيش فيها أو يزورها.

      * سيدي صاحب الجلالة: أشرفتم بدقة على بناء المسجد الكبير وقد زرته وأديت فيه الصلاة, هو تحفة فنية وروحانية, فماذا يعني لك؟
      ** الدول بلا أسس روحانية هي خواء وليس هناك أهم من الجانب الروحاني في بناء الأمم, فهي التي توجد التماسك والتلاحم, وهي التي تخلق أجواء السماحة والأمان والسلوك الحسن, وهناك دول قامت بلا روحانيات وغابت, وأرجع إلى تاريخ الأمم سواء السحيق أو المعاصر, فمن الذي انتهى؟ إنهم الذين كانوا بدون عقيدة, ولنأخذ مثلا.. الأيديولوجية الشيوعية ألم تنته؟ لأنها استمدت عملها وهيكلها من ماديات أرهقت الإنسان وحولته إلى ماكينة بلا رحمة.

      * سيدي صاحب الجلالة: يصفكم البعض بأن غضبكم غضب صامت يفهمونه بالإشارة؟
      ** أنتم أيها الإعلاميون تفسرون ظواهر الأشياء أحيانا بغير بواطنها, وإذا كان هذا هو تفسيركم فإنني أدعه لكم, لكنني رجل متفائل دائما وجهازي التنفيذي, ومن يعرفني يفهم غاية مرادي عبر شروح هادئة ومطمئنة وعبر التفاهم الودي, والحر عند العرب تكفيه الإشارة.

      * سيدي صاحب الجلالة السلطان: لقد أرسيت دبلوماسية عريقة في هذا البلد وكذلك نظام حكم فريد له خصوصية وطقوس يحترمها الكل, فهل هذه الطقوس هي طقوس الدولة الأموية أم العباسية, وهل تعتقد أنها طقوس راسخة ومستمرة؟
      ** نعم.. لدينا خصوصية مجذرة وهي مستمرة وأصبحت دبلوماسية عريقة يحترمها الجميع والأمل إنها داعمة مصداقاً لقوله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).. إنها دبلوماسية قائمة على الاحترام المتبادل.. احترام الصغير للكبير والثقة بالله وولي الأمر, والكل يوقن بأن الدبلوماسية العمانية هي دبلوماسية هادئة لا صخب فيها ولا نصب.

      * سيدي صاحب الجلالة السلطان قابوس: هل طموحاتك في بناء النهضة العمانية تحققت جميعها, أم أن هناك المزيد؟
      ** قلت لك في هذا الحديث أن النفوس إذا كبرت تعبت في مرادها الأجسام.. حتى الآن لا نشعر بالتعب.. أمامنا الكثير من العمل.. طموحاتنا كبيرة وكثيرة.. لسنا أمام نقصان, بل أمام اكتمال.. لدينا الكثير الناهدون للعمل, فالشعب العماني الطيب إذا عمل عملا أحسنه, وهذا ما يريح قلبي ويفرحني, لعل الله أراد بناء الخير، حيث مسار النهضة مستمر, وأُكلُها يعطي ثماره دائما.

      * سيدي صاحب الجلالة: ما سر أن عمان ليس لها خلافات مع دول الإقليم ولا حتى مع العالم.. الخلاف الوحيد الذي أتذكره كإعلامي عندما رفضتم مقاطعة مصر في مؤتمر القمة العربية في بغداد, وأيضا عندما اختلف معك العرب لم ترد على انتقاداتهم؟
      ** ليس لدينا أي خلافات, وأيضا نحن لا نصب الزيت على النار في أي اختلاف في وجهات النظر مع أحد.. عندما اختلفنا حول مقاطعة مصر ذاك الوقت كان لنا وجهة نظر لم نفرضها على الآخرين, ولم ننتقد كذلك الآخرين على اجتهاداتهم, وتركنا للزمن الحكم على مرئياتنا ومرئيات غيرنا.. ليس لنا أي منغصات مع أحد لا في الإقليم أو خارجه.. نحن دولة سلام وحتى كما قلت أنت في أحد أسئلتك إذا ما غضبنا فإننا نغضب في صمت, والزمن كفيل بحل المشكلات, وكلام ربنا يقول: \"ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم\".

      * سيدي صاحب الجلالة طالما وأن بلادكم ليس لها عداوات ولا منغصات مع أي دولة في الإقليم والعالم... ألستم مهيئين للنصح فيما تواجهه الدول من منغصات فيما بينها؟
      ** تقصد إذا كنا قد قمنا بوساطات؟.. نعم قمنا بوساطات كثيرة وأخمدنا خلافات كثيرة وتحركنا دبلوماسيا لأشياء كثيرة أيضا وكلها تمت من دون إعلان أو إشهار ولكننا يقينا نعرف أن الذين سعينا لهم ونجحنا في مساعينا لأجلهم يعرفون ذلك ويقدرونه وهذا جل ما نريده ونتوخاه.. ولندع التاريخ يحفظ لنا ذلك عندما يكتب.

      * سيدي صاحب الجلالة: في عام 1998 كنت رجل السلام ومنحت جائزة السلام من الأمم المتحدة ومرت هذه الجائزة بهدوء ومن دون إعلان أو إبهار أيضا... لماذا؟
      ** أخ أحمد أنت تعرف أنني إذا كنت أكره شيئا فهو الإبهار في الإعلام... أريد أن يأخذ كل شيء حجمه الطبيعي, ولكنني اعتز بهذه الجائزة كونها من كبرى المؤسسات الدولية العريقة, ومع ذلك أؤكد مجددا أننا في النهاية نعكس طبيعة بلدنا المحب للسلام.

      * سيدي جلالة السلطان: هل يريحكم الاطراء الذي يعكس حب الناس؟ وهل تسعدون به ـ فأنتم بشر في النهاية؟
      ** صدقني أنني لا أحب الاطراء, فمن أحبه الله حبب إليه خلقه وأنا بالنسبة لي, الاطراء الحقيقي هو ما أشاهده من عمل حسن عندما أرى أننا نعمل, وأن نتائج عملنا مفيدة, والناس تحس بذلك.. هذا هو الاطراء الذي تتقبله نفسي, فلا وقت عندي إلا لسماع كيف يمكن أن نعمل بشكل أفضل, وكيف نفيد الناس وكيف نفيد هذا الوطن, \"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون\" وإذا كان هناك, كما تقول, غضب صامت, فهناك ود صامت.

      * سيدي صاحب الجلالة: المؤسسات الدستورية العمانية التي راهنت عليها والتي هي في نظر البعض أفضل من الديمقراطيات المستوردة.. هل هي أفضل النظم السياسية أم ترى أن غيرها أفضل؟
      ** أفضل النظم السياسية هي المستمدة من خصوصيات الشعوب ومن تراثها وثقافاتها وإرثها الاجتماعي والسياسي.. الديمقراطيات السائدة كنظم في دول كثيرة ممارسة منذ ثمانمئة سنة, ونجد أن اللغو هو السائد بين أصحابها .. نجد أن الخلافات في مجتمعاتهم تصل أحيانا إلى حد الاقتتال.. خلافات ونقاش وجعجعة بلا طحين.. لا أتهم الكل بالطبع ولكنني أرى أن النظام السياسي النابع من تراث وإرث الشعوب وخصوصياته هو الأجدى.. القوانين تصدر لإسعاد الناس لا لإشقائهم. نعم القوانين ضرورة للدول المتحضرة, ولكن لتكن قوانين من بيئة المجتمعات ولتكن رحيمة.. قوانين يسر لا عسر.. تخدم الناس لا أن تشدهم وتشل حركتهم وتدخلهم في دوامة تفسيرات وتضعهم أمام مواقف عقيمة يجد المسئول أنه مشلول أمام ممارسة مرئياته الإنسانية, بعد أن يتقيد بمواد قانون قوية لا تصلح لجسد أمته. لقد استنبطنا نظاما لمؤسساتنا الدستورية ينفع الناس ويريحهم وينسجم مع خصوصياتهم وتراثهم وثقافاتهم .. وأعتقد أننا نجحنا عبر نظامنا أن نغلف القانون بأثواب ذات قياسات مريحة يجد فيها المسئول القدرة على تطبيق الجانب الوردي وليس الجانب الأسود من القانون.

      * سيدي صاحب الجلالة شعوب المنطقة وربما شعوب الشرق الأوسط وربما أيضا شعوب شرق آسيا تميل إلى طقوس الحكم الملكي أو السلطاني وقد شعرت هذه الشعوب بالإساءة مع كل الثورات التي مرت بالمنطقة.. هل تعتقد أن فكرة الثورات قد فشلت.. وأنها لم تعد ذات معنى ولن تتكرر.
      ** هذه الشعوب ألفت نوعا من الحكم حتى في عقيدتها ونحن شاهدنا أن أي شعب في أي مكان عندما يفقد الشرعية التي تحكمه يحتاج إلى سنين حتى يستعيد ثقة العالم به وذلك لأن شرعيته الجديدة تحتاج إلى وقت حتى تستعيد ثقة التعامل معها عالميا ولا أعتقد أن العالم سيشهد شبيه ما شهده في عقود ماضية عندما كانت الحرب الباردة في أوجها بين القوتين العظميين فالوضع مختلف الآن والوعي ساد شعوبا كثيرة والناس تتطلع إلى من يوفر لها الاستقرار والازدهار والأمان.

      * سيدي صاحب الجلالة هل تعتقد أن المنطقة مقبلة على الحروب أم أنها ستعيش في سلام.
      ** عمان كما قلت لك بلد محب للسلام نبني علاقاتنا عبر المصالح المشتركة مع الجميع من دون أن نغبن أو نغبن وهذا ما وضع دبلوماسية الدولة العمانية على الطريق الهادئ الصائب فليست لدينا أي خصومة مع أي دولة في المنطقة نعرف أن البعض لديه مصالح يريدنا أن نحترمها وندرك أيضا أن لنا مصالح يجب على الآخرين احترامها وعند هذا تتلاشى الخلافات .. كل ما أتمناه ألا يطل شبح الحرب على هذه المنطقة التي تعد عصب الاقتصاد العالمي وتستأثر باهتمام دوائر وصناع القرار باستحواذها على أكبر نسبة من النفط المخزون وشعوبها لا تنشد سوى السلام.. نريد منطقتنا بعيدة عن كوارث الحروب.. نريدها تسير في مسار النمو وتتمتع بفوائضها النقدية وأن تنعم بالازدهار والاستقرار والتقدم وكل ذلك يتأتى وفق معادلة سهلة مفادها أن نحترم مصالح الآخرين مثلما نطالبهم باحترام مصالحنا وعندها لن تسمع الشعوب سوى ترانيم السلام.

      * أخيرا.. سيدي صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد لنفسك عليك حق.. ماذا تعطي لنفسك؟
      ** راحتي ليست في البعد عن العمل الذي أحبه ويقال سعيد من هوايته مهنته. قلت لك سابقا إن المنصب تكليف لا تشريف ونحن أصحاب رسالة أحببناها.. أجد متعتي وراحتي في نهضة عمان.. إننى عندما أشعر بمتاعب الروتين اليومية هذا إن حدث فإن متعتي وراحتي في التحرك الميداني حيث أجوب الأقاليم وأختلط مع الناس.. أعيش حياتهم وأسمع شكواهم وأتطلع إلى مسار نهضة بلادنا وسرعة الإنجاز فيها... هذه أعتبرها إجازة وراحة كبرى للنفس كما إننى لا أشكو من حاجة ولله الحمد.. هذه البلاد وشعبها وفروا لولي الأمر كل ما يريحه لإكمال رسالته.

      وأخيرا أخ أحمد دعني أسالك عن الإخوة في الكويت كيف حالكم.






      قلت لجلالة السلطان إنك تطل علينا وتعرف أحوالنا.... ابتسم جلالة السلطان وقال تحياتي إلى أميركم الصديق العزيز وإلى شعب الكويت الذى يحبنا ونحبه.
      انتهت المقابلة التي دامت أكثر من ساعتين وأعترف كإعلامي أنني كنت أمام رجل يضع تجاربه أمامي.. يتحدث عن فلسفة حكم الشعوب وكيف يجب أن تكون ويضيف اليها نتائج هذه الرؤى وهي نتائج يلمسها كل من تطأ قدماه أرض السلطنة.\"




      منقـــــــولــــــ
      ‏​آگثر ما أُحِبْ ! آلثرّثَرھ .. آلصَامِته مع نفسي ۈ آلحديث آلمُختصَر مع ( النَّاسِ ) .. ! :)