* العمر الجيولوجي لسلسلة جبال الحجر وفي شمال عمان يعد صغيراً بين 4 إلى 6 ملايين سنة حين بدأت في الارتفاع بالشكل الحالي ومازالت هذه السلسلة الجبلية تنمو بحوالي 2 ملم في السنة.

مسقط - خميس السلطي

يعرض مساء اليوم فيلم تراث عمان الجيولوجي الذي دشنه مؤخرا معالي وزير الإعلام حمد بن محمد الراشدي بحضور عدد من المهتمين بقطاع الجيولوجيا بالسلطنة، هذا الفيلم الذي مدته 52 دقيقة من إعداد وإخراج خالد بن أحمد الحضري مع المصور محمد الفارسي وطالب الحديدي وصالح الغماري. وبالتعاون مع الجمعية الجيولوجية العمانية، التي أعد المادة العلمية للفيلم فريقها المكون من د.محمود بن سيف المحروقي رئيس الجمعية الجيولوجية العمانية ود.جمعة بن درويش البلوشي، ود.محمد بن هلال الكندي، والبروفيسور كن جلني العضو الفخري في الجمعية.

تصوير الفيلم استغرق ما يقارب عاما كاملا، جابت خلالها المجموعة عددا من المواقع الجيولوجية المعروفة في عمان، بداية من جبال مسندم مرورا بجبال الحجر في شمال عمان وهضاب منطقة الحقف وجبال محافظة ظفار، بالإضافة إلى رمال الشرقية والربع الخالي وسبخة أم السميم بمنطقة الظاهرة.

إبراز هوية

يعد الفيلم نقلة نوعية في أنشطة الجمعية الجيولوجية العمانية، الهادفة إلى إبراز الهوية الجيولوجية للسلطنة والحفاظ على تراثها الجيولوجي الفريد. كما يعتبر هذا الفيلم من أكبر المشاريع التي قدمتها الجمعية منذ إشهارها في مايو 2001م. جسدت مفردات هذا الفيلم المميز، إجابات مباشرة حول تساؤل الكثيرين عن مشهد الرواسي الشامخات وقمم الجبال العالية والكثبان الرملية الممتدة، حول الكيفية التي شكلت بها أرض عُمان ويوم ظهرت على وجه البسيطة قبل ملايين السنين، وظل التساؤل يمثل عقبة أمام الجيولوجيين لوقت طويل. فكانت الإجابات شاهدة من خلال المناظر المتعددة، هذا الفيلم الذي جاء كنسق فني مفعم بموسيقى رائعة يروية أعضاء الجمعية الجيولوجية العُمانية، وفريق فني من وزارة الإعلام، وهم يتجولون في ربوع البلاد، حيث يعتقد الجيولوجيون أن العمر الجيولوجي لسلسلة جبال الحجر وفي شمال عمان يعد صغيراً بين 4 إلى 6 ملاينن سنة، حين بدأت في الارتفاع بالشكل الحالي، ومازالت هذه السلسلة الجبلية تنمو بحوالي مليمترين في السنة، ويوجد أسفل هذه السلسلة في الجبل الأخضر صخور جليدية تكونت في فترات قديمة جداً يرجع تاريخها إلى حوالي 700 مليون عام. إلا أن أقدم الصخور توجد في جبل قهوان شمال شرق عُمان. ويتم تحديد عمر الصخور إما عن طريق العناصر المشعة في الصخور كما هو الحال في في الصخور النارية أو عن طريق تحليل أعمار الأحافير الموجودة في الصخور كما هو الحال في الصخور الرسوبية، ويرجع تاريخ أولى البعثات الجيولوجية إلى عشرينيات القرن الماضي، حيث عملت هذه البعثات على التنقيب عن النفط، من خلال المسوحات والتراكيب الجيولوجية، وتحديد مواقع الاستكشاف.. وفهم طبيعة تكون سطح الأرض.

رموز الحكاية

وكان لابد لفريق العمل أن يتجه نحو نقطة البداية الجيولوجية وذلك لفك رموز الحكاية الجيولوجية للفيلم، حيث وقوع عمان في أقصى الجنوب الشرقي من الصفيحة القارية العربية وهذه الصفيحة هي واحدة من 14 صفيحة رئيسية يتكون منها سطح الكرة الأرضية.

وتفصل بين هذه الصفائح أخاديد وحيود يتكون باطن الكرة الأرضية، من لب داخلي صلب يليه لب خارجي منصهر، تليه طبقات الوشاح، التي تشكل النسبة الأكبر من كتلة الأرض، ثم يكسو كل ذلك طبقة رقيقة تعرف بالقشرة الأرضية وهي الجزء البارد الذي نعيش عليه وباطن الأرض ديناميكي جداً، فالحرارة المختزنة في باطنه تؤدي إلى تولد تيارات حمل حرارية ضخمة تتحرك بمعدل 4 ملم سنوياً وتؤدي هذه الحركة إلى تباعد الصفائح في مناطق الحيود وتداخلها في مناطق أخرى، وهذه الحركة هي المسؤولة عن بناء الكثير من الجبال والبراكين والزلازل على الأرض. كذلك فإن هذه الحركة سبب لانزياح القارات، وحركاتها المستمرة عبر العصور المختلفة، وعمان مع بقية الصفيحة العربية تحركت في مناطق مختلفة على وجه الأرض من مناطق قرب خط الاستواء وصولاً إلى القطب الجنوبي ثم تدريجياً إلى موقعها الحالي، وهي مازالت حتى اليوم تتحرك ببطء باتجاه الشمال لتشهد مناخات وظروفا جيولوجية مختلفة.

يصور الفيلم أن الصفيحة العربية بالتشكل والظهور عندما تلاحمت كتل مختلفة من قارات عديدة منذ حوالي 900 مليون عام في ذروة النشاط البركاني. وهذا ما نراه جليا في جبل قهوان في الشمال الشرقي لعمان بالقرب من ولاية صور، حيث نرى أقدم الصخور في عمان على الإطلاق.

كما توجد هذه الصخور النارية بطريقة مشابهة وأكثر اتساعاً في ولاية مرباط بمحافظة ظفار، حيث توجد حواجز نارية تخترق بصورة عمودية صخور الجرانيت الأقدم عمراً وتظهر أيضاً هذه الصخور الجرانيتية القديمة جداً في منطقة الجوبة في ولاية محوت.

الفيلم يوضح لنا أن الصفيحة القارية العربية تعرضت لمناخ جليدي عبر فترات مختلفة الأولى قبل حوالي 700 مليون عام ونتجت عنها رواسب جليدية نراها اليوم في جبال مرباط بمحافظة ظفار وكذلك في عمق الجبل الأخضر، وهي عبارة عن رواسب صخرية متفاوتة في الاحجام والنوع حيث يتم جرفها ونقلها عبر الكتل الجلدية من موقعها الأصلي تم ترسبها في أماكن مختلفة على اليابسة أو في الماء بعيداً عن مصدرها الأساسي، هذه الصخور الجليدية تعلوها رواسب تشكلت فيما يبدو في بحار استوائية تكونت بعد ذوبان الجليد.

أحواض ملحية

وتضم سلطنة عُمان ثلاثة أحواض ملحية (حوض جنوب عمان وحوض فهود وحوض غابة، والملح المتكون عادة يكون أقل كثافة من جميع ما يعلوه من الصخور في الأعماق التي تزيد عن حوالي 500م وتحت الضغط يمتلك الملح القدرة على السيلان تدريجيا إلى أعلى ويؤدي أحياناً إلى تكوين اختراقات ملحية تصل إلى السطح مكونة قببا دائرية، وهو ما نراه في منطقة قرن علم بولاية أدم حيث نرى مجموعة من القبباب تبدو وحيدة في منطقة منبسطة من وسط عمان.

وتشير مجريات الفيلم أن قبل حوالي 520 مليون عام ارتفعت اليابسة تدريجياً في عمان فيما يبدو بسبب التصادم مع شبه القارة الهندية بعدها ترسبت في عمان مجموعة من الصخور تعرف بصخور هيما والتي هي عبارة عن تعاقبات من الترسبات التي حدثت في اليابسة والبحر مشكلة مكامن ضخمة للنفط والغاز كما هو الحال في تكوين (أمين) الظاهر بوضوح في قبة (بوه) في منطقة الحقف.

وقبل حوالي 260 مليون عام حدثت واقعة مهمة كان لها الاثر العظيم في جيولوجية عمان والتي يصورها الفيلم، حيث تطور حيد انفصالي محيطي جديد يعرف بمحيط تثييس الجديد وهو ما يمثل ولادة لقشرة محيطية جديدة. هنا اندفعت الحمم البركانية من باطن الأرض، حيث بردت تدريجياً مع اقترابها من سطح المحيط. أما في وادي الأبيض بولاية وادي المعاول حيث نستطيع رؤية خط الموهو بوضوح وهو الخط الذي يفصل بين صخور الوشاح الغامقة اللون وصخور القشرة.

ويصور الفيلم أن قبل حوالي 30 مليون عام بدأ البحر الأحمر بالانشقاف لتتكون صفيحة محيطية تفصل بين جزيرة العرب وأفريقيا ونتيجة لذلك اندفعت شبه الجزيرة العربية باتجاه الشمال الشرقي لتصطدم ببطء بالصفيحة الأوروبية الاسيوية وتعرضت مناطق التصادم لضغط شديد أدى تكون سلاسل جبلية، حيث ارتفعت جبال الحجر في عمان لتعانق الأفق وهذه العملية مستمرة حتى اليوم.

فالبحر الأحمر مستمر بالانفصال بمعدل حوالي 2 ـ 3 سم سنويا والجزيرة العربية تتجه إلى الشمال بمعدل حوالي 2 سم سنوياً وشواطئ شبه جزيرة مسندم تنخفض بمقدار 6 مم سنويا تحت مضيق هرمز.. بينما ترتفع شواطئ عمان الأخرى وربما جبال الحجر بمقدار ملمترين سنوياً.

تغير مستوى البحر يقدر بحوالي 130 مترا خلال دورة ال 100 ألف سنة الماضية بسبب ذوبان الكتل الجليدية القطبية، ومع هذا الارتفاع بدء الخليج العربي بالتكون قبل حوالي 14 ألف عام.

وعمان بها مجموعة من أكبر الكهوف الكلسية على مستوى العالم وهذه الكهوف دليل على غزارة هطول الأمطار في العصور السابقة فالصخور الجيرية تتحلل وتتآكل نتيجة تفاعل كميات من الماء مع هذه الصخور أثناء سقوط المطر، وينشأ عن هذه العملية تحول الكسور والشقوق.

في الصخور الجبرية إلى كهوف، فتكشف فيها نتيجة سقوط الأمطار الغزيرة فتحات عميقة وكهوف كبيرة ككهف مجلس الجن في جبال الحجر الشرقية غرب ولاية صور والذي يعتبر من أكبر الكهوف الكلسية على مستوى العالم.

غاز ونقط

أن الطبيعية الجيولوجية لعمان سمحت بتكون النفط والغاز على فترات زمنية مختلفة وفي أماكن مختلفة حيث يتكون النفط حينما تموت الكائنات الحيوانية والنباتية ومعظمها كائنات بحرية خصوصا العوالق البحرية وتنطمر بشكل بطيء في الرواسب في أعماق سحيقة جداً داخل البرك المائية على قاع البحر لفترات زمنية طويلة تمتد لملايين السنين.

وتزخر سلطنة عُمان بالعديد من الثروات المعدنية كالنحاس فهناك الكثير من المناجم والمصاهر القديمة التي استخدمها العمانيون منذ 3000 ألف سنة بالإضافة إلى الفحم والكروميت والمنجيز والأحجار الكلسية والرخام وغيرها من المعادن الأخرى، وتشكل الصخور الجيرية مكامن كبيرة للنفط والغاز فالطبيعة الجيولوجية أثرت أرض عمان بهذه الثروات الطبيعية.

ويخبرنا الفيلم من خلال التواصل بين مفرداته أن التنمية والنمو العمراني في عمان تأثير بجيولوجية المكان، فبدت قاسية في بعض الأماكن وسهلة ورحبة وجميلة في أماكن أخرى، بل وشكلت الجيولوجيا جمالاً وتنوعاً للبيئة العمانية وقبلة للباحثين والدارسين من مختلف أنحاء العالم.