البرياني والارهاب .... جولة خاطفة فيما بينهما جديد بن دارس

    • البرياني والارهاب .... جولة خاطفة فيما بينهما جديد بن دارس

      (1)

      تعلن الساعة الواحدة والنصف صباحا فتعلن مضيفة الطيران العماني الاستعداد للاقلاع، هذه المرة كانت الواجهة لبلد من أكثر الدول ارتباطا بنا تاريخيا واجتماعيا وحتى ايديلوجيا وفكريا... كثيرا ما ارتبطنا بجمهورية "الهند" ارتباطا امتزج بالصداقة والمحبة ولكن في حالات أخرى بالنفور.. خلال الفترة التي سافرت فيها الى الهند أول مرة ثارت الذكريات المغموسة في عمق التاريخ الذي عاصرته وانا أتذكر أن أول كلمة نطقتها بالانجليزية كانت مع "هندي"، وأول فيلم اجنبي شاهدته كان هنديا وأول طبق غير عماني كان هنديا واول اغنية اجنبية كانت هندية وأول شغالة جلبتها كانت هندية وأول لغة آسيوية عرفتها كانت هندية وأول عملة مسكتها كانت هندية... لكن تلك الأمور لم تكن الآخر ولم تكن النهاية، فالطريق مازال طويلا...

      عرفت أننا مرتبطون بالهند ارتباطا طويلا سبقنا إليه الفاتحون من المسلمين والتجار من العمانيين الذين شدتهم بومباي ليذهبوا اليها حاملين التمر والليمون وليأتوا منها بالتوابل والأرز الذي كبرت به كروش شهبندر التجار وتخمت به كروش المواطنين.. تلك التجارة اغنت بني جلدة تلك البلد النووية فأصبح بعضهم يحمل الجنسية العمانية وقادر على قطع رزق المواطن العماني الأصيل الذي يتفاخر بأصله وفصله لكنه يكسب قوته ممن حمل البوذية ديانة وحمل الفكر التجاري ممارسة..في جولة قصيرة في زمنها طويلة في عمقها أجول بالقارئ الكريم في جمهورية الهند خلال تواجدي في الفترة بين 23 - 29 نوفمبر 2008.


      (2)

      حيثما كنت وحيدا في كابينة رجال الأعمال بالطائرة - وانا لست منهم اصلا - رجعت "فلاشات" الذاكرة الى حيث الصغر، إلى حيث "الثوارة" في سوق نزوى العتيق، حيث كانت "الآنة" هي العملة المحلية التي نتعامل معها، وحيث كانت "الروبية" هي الورقة التي نشتري بها جنبا إلى جنب مع "القرش" بضم القاف، والذي خلّف بعده "القرش" بكسر القاف. اذ لم نكن نعرف الريال أنذاك، فقد انتشرت الروبية في الخليج واصبحت العملة الرئيسية له، بل أن كبار السن وحتى صغارهم في دول مثل البحرين والكويت مازالوا يستخدمون اسم الروبية على المئة فلس.. وكانت "الآنة" هي العملة النقدية المعدنية التي نفرح بها اذا حصلنا عليها أصلا..


      كنا نلعب في الثوارة وهي عين ماء فجرها المولى عز وجل في السوق فكان الماء يخرج من باطن أرض الخير بغزارة. كنا كصبية نلعب ونمرح في طفولة بريئة لم تكن تعرف الـ"ام بي ثري" ولا "نوكيا" ولا "أس أم أس".. والثوارة كانت البداية لمرحلة طفولة صعبة عايشناها في بداية النهضة وكانت قاسية قد لا يتصورها الجيل الجديد الذي لا يعرف شئ عن "أمر المعاناة".. بجنب الثوارة كانت "درامات الكشرة" تتناثر هنا وهناك مخزنة معها بعض القطع من الفواكه والخضار المرمية والتي كانت من نتاج الطبيعة العمانية، فضلا عن بقايا الأسماك المجففة التي تتهافت عليها "السنانير" الجائعة باحثة عن أي شئ تركه لها المواطن الفقير... كنا نبحث عن بقايا الطماطم وجزر الفندال والأمبا (بحسب الموسم)،،، والطماطم والذي كانت نزوى تنتجه بكثرة يذكرني بشخص عرفناه بـ"الطماطة" والذي خدمته الظروف ليصبح فيما بعد وكيل وزارة تنكر لطفولتنا وذكرياتنا التي عشناها معا على الحلوة والمرة...


      (3)

      وما بعد "الثوارة" لم يكن حظنا اوفر في الترفيه وفي ذلك الزمن العصيب والذي يبدو أن التاريخ سوف يعيده الى ابنائنا واحفادنا،، نعم توفرت لنا فيما بعد حياة كريمة وحصلنا على فرصة التعليم والدراسة في الخارج كأسهل ما يمكن من ناحية في حين يعيش اولادنا مرفهين حاملين معهم الجي اس ام حتى إلى المدارس، لكن ماذا بعد الغد؟ هل هناك فرص التعليم العالي ومن ثم فرص العمل متاحة لهم؟ كما قلت: التاريخ يعيد نفسه لكن هذه المرة بالمقلوب...


      ولأن التلفزيون لم يكن موجودا أصلا فلم تكن فرص الترفيه موجودة سوى الالتفاف الى اي شي مثير، فسابق "حمد الأرباب" كما يسمونه في نزوى الى فتح "سينما" تعج بالأفلام الهندية، كشباب مراهقين كنا نتسابق على الذهاب اليها خاصة ان "بوسترات" تلك الافلام كانت معلقة في كافة أرجاء السوق، وبصور تحرك "الهرمونات". فقد دخلنا المرحلة الاعدادية وبـ"شعور" طويلة في ذقوننا وبـ"شعور" متأججة في أجسادنا،،، لكن السينما تتطلب نقودا، ومن أين لنا بالنقود ونحن أطفال مراهقين بالكاد نحصل على العشر بيسات في ذلك الوقت؟


      كان لدينا حلان لكي نحصل على فرصة لمشاهدة تلك اللقطات الساخنة والمثيرة من "هيما ماليني" أو "ريكها" وهن يتراقص مع "دارمندرا" أو "اميتباتشن". فالسينما الهندية تعج بـمشاهد الاغراء التي تحرك الطاقات الجنسية المكبوتة، وكانت الرقابة الحكومية انذاك ضعيفة جدا، فأحيانا يتم عرض بعض الأفلام الاجنبية وبها مشاهد جنسية ومناظر عارية ولا يتم قطعها،، وكمراهقين كنا نبحث عن تلك المشاهد خاصة أن المجتمع أنذاك لم يكن يعرف العبايات الفرنسية ولا ملابس الجينز الضيقة التي تختفي تحت تلك العبايات..


      وبسبب الاقبال الشديد على الافلام الهندية فقد تم انشاء سينما آخرى في نزوى تتعالى أصوات ممثليها وممثلاتها في الفضاء المفتوح، وكانت السينما الثانية قريبة من منزل الوالد، ولطالما اشتكت الأهالي من تلك السينما لكن "الشيخ" صاحب السينما كان ذا نفوذ لدى "الوالي" بحيث لم يستطع أحد أن يقنعه بعمل أي شئ (على الأقل عمل سقف يغلق السينما من الأعلى).. واتذكر أنني كنت قد كتبت بعد تخرجي مقالا في جريدة عمان عن تلك السينما التي تزعج الجوار لكن لم يتحرك أحد، وكل ما حصلت عليه عتاب من والدي لأن الشيخ ذهب الى والدي شاكيا مني بسبب ذلك المقال...


      (4)

      أما الحل الثاني لنحصل على منظر مثير في سينما "الوادي" وسينما "النادي" كما كنا نعرفهما في نزوى فهي العمل... كأطفال في الاعدادية وبعد ذلك في الثانونية لم تتوفر النقود في جيوبنا كما تتوفر الآن في جيوب اطفالنا،، فطفل اليوم يطلب ما لا يقل عن مئتي بيسة للحصة الواحدة، أما نحن فكما قلت تكفينا "الانة" أو "العشر بيسات" لنشرب بها "كندا دراي" والذي اختفى من السوق فيما بعد ومع خبزة وجبنة.. العمل كان يتخذ أشكالا؛ من بينها "الرقاط" أي جمع حبات الرطب أو التمر التي تتساقط من النخيل أو حتى المانجو او الليمون خاصة من نخيل "الوقف" التابعة للحكومة في الوقت الحالي.. بعضهم كان يجمع "القرط" وهو منتج يتم جنيه من نوع معين من الأشجار ويستخدم في "الدباغة" التي يستخدمها العماني بدوره في صنع الجلد الذي يدخل في صنع النعل و"القرب" (خاصة لتبريد الماء) والمنتجات الأخرى التي كانت كافية ليعيش العماني مكتفي ذاتيا عن منتجات الصين وايطاليا ..


      الآن اختلف الوضع،، فرغم من أن الصيحات تتعالي أن الخطر قادم دائما من الغرب إلا أن "الشرق" يلعب دورا في تشكيل بل والتعامل مع المراهقين.. فإذا كان نشاهد السينما الهندية وما بها من مشاهد جنسية مثيرة فإن هذه المشاهد انتقلت الى التلفزيون في الوقت الحالي، فهناك قنوات هندية ناطقة باللغة العربية تركز على الأغاني الهندية المثيرة جنسيا، وهناك "زي العربية" وقناة "ريتمو" التي أصبحت لا تثيرنا بعدما خمدت ثورة الهرمونات في أجسادنا، وكثرت الأعشاب التي تباع في الاعلانات التجارية في جريدة عمان والوطن والشبيبة تبحث عن مشتري لها ربما قتلت الهموم والمشاكل رغباته الجسدية العارمة فأصبح يلجأ إلى "نياجرا" وإلى "فياجرا" بعدما كانت الفحولة العمانية تنجب الأطفال حتى في سن الثمانين... ربما نسأل أنفسنا: أين الخلل؟ هل هو فيسيولوجيا؟ أم سيكولوجيا؟ في السابق كانت الطاقات الجسدية هائلة وكان البعض يتغنى بـ"الصارف" و"العوال" وحتى "الصويلح" كمنشطات طبيعية، أو اليوم فالفياجرا وأخواتها هي التي تفعل مفعولها لدى الرجل،، هل هي هموم الدنيا ومشاكلها أضعفت الرجل فأصبح مقيدا فيسيولوجيا لدرجة أنه لا يستطيع أن يبرز فحولته أمام زوجته؟ أم أن الاغراءات سواء تلك القادمة من الأفلام الهندية أو الاجنبية لم تعد لها اي تأثير؟


      (5)


      أما المشهد الآخر الذي أعادني إلى شريط الذكريات في مدينة التاريخ فقد كان تعلم اللغة الانجليزية... كانت الفرص في نهاية السبعينات ضعيفة لاكتساب اللغة الانجليزية التي كنت امارسها في أكثر من صورة؛ نطقا وكتابة وقراءة.. أما نطقا فكان الرفيج "سوني" والذي يدير محلا في منطقة "العقر" بمدينة نزوى فقد كان بمثابة "صديق" لي. بالطبع كلمة "صديق" في القاموس الهندي تختلف عن مغزاها في القاموس العربي.. فأنت تذهب اليوم الى محل تجاري أو بيع الخضار أو الفواكه فتساوم الرفيج على السعر، فيعطيك سعرا يقول معه "علشان صديق أنت بس".. كيف أصبحت أنا صديقا لك ولا تعرف حتى اسمي فتعطيني تخفيضا خاصا؟


      كان "سوني" وابن عمه "راجو" يديران محلا تجاريا فيه مواد الكترونية، ورغم أن هذا المحل يحمل اسم صاحبه العماني والمعروف لكنني لم أره في حياتي في محله، وبالطبع هذا ليس فقط العماني الوحيد بل غالبية المحلات التجارية.. جلالته - حفظه الله - قال في إحدى جولاته السامية أن التجارة "المستترة" في السلطنة تشكل نسبة تزيد على الـ"70%" من مجمل التجارة.. بعد حوالي عشرين عام التقيت بـ"سوني" لكن هذه المرة في السيب، وجدته يدير محلا كبيرا للالكترونيات بالشارع الرئيسي بالسيب. سلمت عليه، عرفته بصعوبة لكنه عرفني، صحيح أن "كرشه" قد كبرت وشعره قد مال إلى البياض لكن "هزة الرأس" مازالت باقية وهو يتحدث إلي مؤكدا أو نافيا الكلام، فـ"الرفيج" لا تعرف عندما يهز رأسه ما إذا كان يؤيدك أو يعارضك في الكلام!!


      مازحت سوني وأنا أرى "الثراء" عليه، تذكرت كيف كان شكله وحجمه في سوق العقر بنزوى وكيف هو الان بسوق السيب بعد أكثر من عشرين عاما، كان قد التقيت به خارج المحل وتوه كان قد خرج من سيارته اليابانية رقم "واحد" وساعاته وسلاسله الذهبية.. سألته إن كان قد قدم على طلب الحصول على الجنسية العمانية خاصة أنه بالتأكيد قد قضى الفترة القانونية للتجنس، فرد عليّ مازحا أنه يتمنى لو يكون عمانيا، فقد ترعرع أولاده في هذه البلد وأصبحوا يتحدثون اللهجة العمانية، بل أسر إليّ أنه وقد أصبح المالك لعدة محلات في السلطنة، اثنان منها في السيب وبأسماء مختلفة، ورغم أن "اربابه" العماني هو الذي مازال يعلق اسمه في اللوحات التجارية إلا أن المالك الحقيقي والمدير التنفيذي لتلك المحلات هو الهندي سوني...


      سوني وراجو مثالان لهنديان أتيا إلى السلطنة في السبعينات أو الثمانينات وبدأوا كعمال أو موظفين صغار في محلات "الأرباب" العمانية. وعلى مرور السنين انشغل العماني بحياته وانشغل سوني وراجو وحتى كومار بتجارته.. كبرت كرش العماني وربما كبرت ديونه وفي نفس الوقت كبرت أرصدة بابو وراجو.. أتى سوني إلى السلطنة بمرتب لا يزيد على الخمسين ريالا لكن ثروة سوني الآن تضاعت وبأصفار قد تزيد على الخمسة من جهة اليمين، أما بعض العمانيين فكانت أصفارهم على الشمال فقط!!!!


      (6)


      كانت محطتي الأولى هي "كاليكت"، عندما توجب عليّ الذهاب الى تلك المدينة كنت قد خلطت بينها وبين مدينة "كلكتا"، إلى ان ذهبت الى جوجل لأتعرف عن كثب على الخارطة الهندية لأجد أن كاليكت هي إحدى مدن ولاية "كيرلا" والتي تقع في الجنوب الهندي وتدين بالدين الحنيف في حين توجد كلكتا في الشمال الشرقي وتدين بالبوذية.. كان مساعد الطيار العماني قد أعلن أننا سوف نصل الساعة السادسة صباحا. ما ان خرجت من بوابة الطائرة الا ويتم استقبالي بحفاوة وبتحية الاسلام، امتزجت مشاعري بالغبطة والفرح لأسمع تلك التحية والتي يرددها الجميع بوعي وبلا وعي لكن في دولة تعتنق البوذية والسيخية فلسفة حياتية فقد كان للتحية طعما خاصا.. ولما وصلت الفندق سمعت نفس تحية الاسلام، لكن هذه المرة سمعت العربية التي تعودت أن نسمعها في السلطنة.. حياني موظف الاستقبال بحديث ضحكت في داخلي منه: كيف علوم، كيف أخبار؟ رددت عليه بالعربية: كيف تعلم العربية أو بالأحرى اللهجة العمانية؟ فقال لي أنه كان يعمل في إحدى ولايات السلطنة أكثر من 15 عاما لكن بسبب سياسة التعمين فقد اضطر إلى العودة الى بلاده بعدما تعرفت على السلطنة ومواطنيها عن كثب من خلال احتكاكه في محل بيع المواد الغذائية.


      كان انطباعي عن الهند مغايرا لما سمعته أو قرأت عنه، ومن بين الأشياء هي النظافة. فنحن نفتخر بالنظافة في بلادنا حتى ولو على حساب سلامة الأرواح وسلامة دخل بلدنا. المهم أن تصرف الدولة ملايين الريالات على النظافة وجمال المدينة. ومن بين الأشياء التي كنت قد تحفظت عليها هي أن بعض الهنود يعانقون الطبيعة في حالة أن نادتهم غريزتهم، بمعنى أن الشخص لن يتورع أن يتبول في الشارع أو يغطاط اذا ما دعته الحاجة لذلك. ولعل الأمر اقرب إلى الصحة عندما قرأت أن من ضمن خروج البريطانيين المحتلين من الهند هي سياسة الغائط. فالزعيم الروحي المهاتما غاندي حاول بكل الطرق تجنب العنف في نضاله ضد الانجليز فابتكر أساليب جعلت من هؤلاء الشرذمة المحتلين ينفرون من الهنود. وقد تمثل هذا الأسلوب الفريد في أن يقوم الهندي بالاستماع الى غريزته الانسانية في الشارع وعلى مسمع ومرأى الانجليزي الذي كان يتقزز من المنظر المقرف فيهرب عنه الانجليزي عنه. ويبدو أن العادة استمرت لكن بشكل مصغر، أي ترى بعض الهنود يستخدمون الشارع في قضاء حاجتهم البولية... فضلا عن المضغ الذي وصلنا إلى السلطنة. فتجد روي وقد امتزج المضغ والبصق فيها بروائح النارجيل والزيوت المعطرة في رؤوسهم. وهناك أكثر من لائحة وضعتها بلدية مسقط تنوه بعدم البصق وبعدة لغات هندية كما شاهدتها في روي لكن لا حياة لمن تنادي..


      (7)


      كان "حمزة" طيبا جدا في تعامله معي في ذلك الفندق المطل على إحدى الأنهار التي حبى الله الهند بها.. حيث اراد أن يوفر لي كل الخيارات المسموح وغير المسموح بها.. فقد كان يلمح ليّ بأمور خارج إطار الضيافة المتعارف عليها، فكنت أعتذر له بأدب. وعندما طلبت منه توفير بطاقة اتصالي لي (سيم كارد) ذكر أن أن الهند قد شددت في إصدار البطاقات بسبب الهجمات الارهابية من حين لآخر، اذ يتطلب الأمر أن يكون للمتقدم بطلب البطاقة أن يسجل بطاقته الشخصية أو جواز سفره وأن يكون له مكان إقامة بحيث يمكن تتبع موقعه في حالة الاشتباه .... ولما سألت حمزة عن السعر وجدت مبالغة في ذلك لأعرف فيما بعد أنه أراد الاستفادة "من ظهري" كنوع من الخدمة التي سوف يقدمها لي..


      كان حمزة قد عرض عليّ خدمة التدليك الهندية الشهيرة باسم "الايرفيدا" وهي خدمة عريقة في الهند يقوم بها رجال أو نساء كبار في السن يكونوا قد اكتسبوا الخبرة على مدى السنين بحيث يقدمها الرجل للرجل أو المرأة للمرأة، وهي صحية للغاية بل وينصح بها الأطباء خاصة لكبار السن، وهي أيضا موجودة في بعض العيادات الخاصة في السلطنة.. كما عرض عليّ خدمة التدليك لكن من نوع آخر وفي نفس الغرفة، تبسم إليّ عندما حاولت أن أحاوره بشكل من الكياسة فقال لي أصلا هذه الخدمة موجودة في عمان فلماذا تستغرب اذا كانت موجودة في الهند!! ويبدو أن لدى حمزة انطباع سلبي عن أي عماني يذهب للهند طالبا المتعة الحرام وليس العلاج أو العمل..


      وسواء كان لمصلحة أو كان صادقا معي فإن حمزة تكلم عن السلطنة بشكل ايجابي يطرب المستمع.. ربما ننتقد بلادنا بشكل موضوعي أو غير ذلك لكن لا نرى أحيانا الصورة المكبرة إلا إذا كانت هناك مقارنة. فهذا الهندي حمزة يعطي للعماني انطباعا يجب أن نفاخر به وهو يروي طيبة وكرم العمانيين وحسن اخلاقهم وتعاملهم حتى عندما أتى التعمين. فقد طلب منهم "أربابه" البقاء في السلطنة بتغيير نوع وطبيعة الوظيفة في بطاقة العمل ليكون مدير مطعم مثلا كون هذه الوظيفة لن يشملها التعمين إلا بعد سنوات طويلة. لكن حمزة كان – وكما يبدو عليه – قد دبر أمره فأغنى حاله من تجارة المواذ الغذائية فعاد الى الهند بعد خدمة طويلة في السلطنة ليستقر في كليكت ويستثمر الفلوس التي جلبها من السلطنة في أكثر من مشروع تجاري – كما أسر لي، وفي نفس الوقت يعمل في الفندق في خدمات الزبائن خاصة العرب...


      (8)


      ورغم أن حمزة شبع كثيرا أثناء تواجده في السلطنة فيبدو لي أن جوفه لن يملؤه إلا التراب، فقد طرح لي فكرة أخرى يريد الاستفادة مني ومنها بأي شكل؛ (فري فيزا).. هكذا أسماها، تظاهرت بعدم معرفة ذلك المصطلح. فقام بشرحها لي: أحصل أنا على (500) ريال عماني مقابل استخراج تأشيرة لعدد من العمال يعملون في السلطنة تحت كفالتي اسميا لكن لست مسئولا عنهم بل سوف أحصل على مبالغ شهرية ثابتة منهم بقيمة (20) ريالا. حبك حمزة الفكرة بشكل أفضل، فقال: سوف نعطيك خمسة آلاف ريال نقدا لعدد عشرة من العمال الذين هم أقاربي (جبار سينج، وسوكيش، وبابو، الخ)، كما سوف نعطيك (400) ريال شهريا بدون أن تتعب أنت أو تعمل أي شئ، وسوف تأتيك هذه النقود إلى منزلك إن أردت. العرض اذن مغري: مبلغ "محترم" مقدما وراتب شهري يضمن لي دخلا بخلاف دخلي الحكومي الذي سوف يتقلص إلى الربع إذا ما تقاعدت طبيا أو عمريا أو أتت الأوامر الآلهية لعزرائيل بأن يقبض روحي فيعيش أبنائي من بعيد على تلك التجارة التي لن تبور...


      عندما أخبرت حمزة بأنني في الأصل لا أمتلك حتى سجل تجاري وليس لدي أية تجارة فكيف تريدني أن أدخل في هذا المضمار. ضحك عليّ حمزة لدرجة أنني شعرت بالاحراج والحنق خاصة بعدما قال لي أن كل العمانيين لديهم سجلات تجارية ويستخرجون الفري فيزا، كما قال أمرا استغربت كيف عرفه: ألا تعرف أن وزيرين كانا للشئون الاجتماعية والعمل (الآن القوى العاملة) قد باعوا الفري فيزا وسرحوا آلاف العمال، وكل ما حصل لهم أن تم إقصائهم عن عملهم ليتمتعوا بتجارتهم الحرة..


      يبدو أنني أعيش خارج الواقع، فكيف يفعل المواطن ذلك؟ هي تجارة لن تبور وتجارة مضمونة في قاموس حمزة وفي قاموس الكثير من العمانيين الذين يسرحون آلاف العمالة الوافدة لتسرح وتمرح بدورها في الاقتصاد الوطني وتعبث فيه، فلا ريب أن ترى تزايد جرائم السرقة والنصب والاحتيال من قبل العمالة الوافدة بحسب احصاءات شرطة عمان السلطانية، لأن الكثير من تلك العمالة الوافدة مطالبة بدفع تكاليف الفري فيزا ودفع المبالغ الشهرية للمواطن. وكما نعرف فالتجارة هي عرض وطلب، وهؤلاء العمال يكونوا في العادة بلا عمل ثابت وانما يتجولون في المناطق بحثا عن عمل يومي أو بالساعة أو بالمهمة، فمثلا تذهب إلى محل بيع المواد الكهربائية لتطلب "سباكا" يصلح لك "السيفون" أو الحنفية فيأخذ منك مبلغا لا يقل عن عشرة ريالات لعمل لا يتجاوز النصف ساعة، أو تجلب كهربائيا من نفس المحل ليركب لك بعض المصابيح الإضافية فيفرض عليك مبلغا لا يقل عن عشرين ريالا...


      (9)


      كان الأمر يتطلب أن أعمل يوما وأسافر في اليوم التالي إلى المدينة الهندية الأخرى عن طريق التنقل جوا، والعمل والسفر كانا يعطياني بعض الوقت للتجول في أنحاء المدن الهندية الثلاث التي زرتها... من بين الفرص التي سنحت لي هي زيارة منطقة جبلية (لا أتذكر أسمها) تضاريسها شبيهة بالجبل الأخضر.. كما فعل العماني قديما فقد استطاع الهندي تحدي الطبيعة ليذهب إلى تلك الجبال الخضراء ويحرثها ويزرعها شايا وقهوة وفواكه أخرى.. يا لها من صلابة العماني عندما أراد أن يعمر الجبل الأخضر فيسكن فيه ويزرعه أجمل وأشهى الفواكه كالخوخ والرمان والجوز، ويا لها من قوة الهندي الذي استطاع أن يجعل سفوح الجبال مساحة خضراء تعم بالشاي والقهوة..



      وجدت التشابه كثيرا بين موطنين يبتعدان بأكثر من ثلاث ساعات جوا لكن عزيمة وإصرار المواطن وفي الزمن السحيق استطاع تحدي الجبال وتحدي شح الماء وتحدى الصخور التي فجرت له بقدرة المولى عز وجل الماء من بينها، فضلا عن أن أجوائها منحته رزقا لم تمنحه أرض الفضاء المنبسطة..


      ومثلما يشتكي العماني يشتكي الهندي من التقصير في الاهتمام بتلك المناطق الجبلية الرائعة،، فمرافقي المسلم تذمر كثيرا وهو يرى ثروة بلاده الطبيعية وقد أهدرت بسبب النظام السياسي البيورقراطي. فأنت متجه إلى الأعلى بالسيارة تجد المساحات الخضراء بتربتها الغنية القابلة للاستزراع بدون أي مجهود بشري.. فكأنما نزلت تلك التربة من السماوات العلى بدون حاجة إلى تدخل الانسان، تربة في منتهى الخصوبة ولا تحتاج إلى تسميد أو تخصيب، ولا تحتاج حتى إلى ري.. فالماء منتشر في كل مكان والأمطار تهطل بغزارة بدون الحاجة إلى تدخل الهندي فيها.. وكان مرافقي يريني تلك المشاهد الرائعة التي تأبى كاميرا الهاتف إلا أن تلتقط عشرات المشاهد منها... في تلكم المنطقة حدثني مرافقي الهندي عن منطقة كنت قد زرتها في ماليزيا وهي "جنتينج" وهي منطقة جبلية استغلها أحد العباقرة الذي كان طموحا فحولها إلى جنة سياحية يقصدها ملايين الزوار من كافة أنحاء العالم، فلم يجعلها بطبيعتها فحسب بل أنشاء فيها دورا للترفيه وكابلات لنقل الركاب (تيلي فريك)، وزينها بدرر صناعية انغمست مع درر الطبيعة لتصبح "جنة" ماليزيا في الارض...


      لدينا الجبل الأخضر الذي كان اهتمام الحكومة فيه متأخرا كونه منطقة عسكرية، وأتذكر أن مقالا تم طرحه في سبلة العرب آنذاك يطالب فيه بإزالة تصريح الحاجز الأمني في منطقة الدخول، وتصادفت أن أتت الأوامر السامية بإلغائها.. كما تم رصف الشارع وان تأخر تنفيذه كثيرا، ولم يتم محاسبة المقاول الذي دافع عنه آنذاك وزير المواصلات في مجلس الشورى بضرورة مساعدته.. وبخلاف ذلك بقي الجبل الأخضر مقصدا للخليجيين يشترون منتجاته الزراعية الرائعة التي غلى ثمنها، وبقي كثير من العمانيين غير قادرين على شراء عشر حبات رمان بعشرة ريالات، كما بقي الجبل الأخضر بعيدا عن الاستثمار الذي يمكن أن يدر دخلا رائعا للمستثمرين؛ ان تم تطويره بشكل سياحي جيد.. هل هو الهاجس الأمني أم الخوف من ضياع الاستثمار، أم البيورقراطية في الموافقة؟


      (10)



      وهكذا انتهت رحلتي في كليكت بعد ثلاثة أيام من العمل والالتقاء بحمزة وغيره من الذين تركوا انطباعا في الذاكرة لأتجه إلى مدينة أخرى وهي بنجلور عن طريق طيران "كينج فيشر" المحلي.. هذه الشركة تأسست بعدما وجدت الحكومة الهندية نفسها وسط الاقتصاد العالمي الذي يرفض الانغلاق، فغيرت الهند سياساتها فيما يخص النقل الجوي الداخلي والدولي،، وفي مطار كليكت وجدت أكثر من خمس شركات محلية تتنافس لخدمة الخطوط الداخلية بالهند والتي تخدم الولايات الثمانية والعشرين، فضلا عن بعض الخطوط الدولية... كانت الخدمة على الطائرة في قمة الروعة، بل أن احدى المضيفات تصر على أن نقوم بملء الاستبيان الذي يتم تقديمه لرئاسة الشركة لمعرفة مدى رضا الزبون عن الخدمة في ظل التنافس الشديد بين الشركات وكان قبل الاقلاع قد تم عرض مقطوع في الشاشة ألقى فيها رئيس الشركة كلمة يرحب بالراكب ويطلب منه تقديم أي اقتراح من شأنه تحسين الخدمة على متن الطائرة.


      شخصيا لست غريبا عن عالم الطيران، بل أعمل فيه منذ ما يقارب من عقدين من الزمان،،، هناك عشرات المواضيع التي يتم طرحها عن الطيران العماني النقل الوحيد للسلطنة في هذا المنتدى،، تلك المواضيع إما تتذمر من خدمة سيئة للطيران العماني أو تطالب بتخفيض أسعار التذاكر خاصة إلى صلالة، فضلا عن شكوى بعض العاملين في الطيران العماني من الإدارة ذاتها وعلى مر السنين؛ وكان آخرها ذلك الأجنبي الذي أراد إهانة مجموعة من الطيارين فلم يرضوا بالإهانة فقاموا بإيصال رسالتهم إلى كافة الجهات بما في ذلك سبلة عمان، وقام مجلس الإدارة مشكورا بالاستماع إلى شكواهم وفصل ذلك العنصري ليعود إلى بلاده باحثا عن عمل في مكان آخر...


      وكما فتحت حكومة السلطنة المجال بل وتحرير قطاع الاتصالات فإن في نفس الوزارة مجال هو قطاع الطيران المدني الذي نتمنى أن يتم فتحه وتحريره من قبضة الطيران العماني ليكون سوقا حرا يتنافس فيه المتنافسون خاصة أن السلطنة وهي تبني المطارات الستة فإن من اللازم أن يتم تحرير القطاع لفتح الباب لمن يرغب في الاستثمار في هذا القطاع الحيوي سواء كان لشركات طيران داخلية او دولية أو لتدريب الطيارين أو المهندسين أو غيرهم من الفنيين العاملين في هذا القطاع الذي يخدم الاقتصاد الوطني بشكل مباشر...



      (11)


      قبل موعد الوصول إلى "بنجلور" أعلن قبطان الطائرة أنه سوف يبدأ الهبوط التدريجي بعد دقائق، كما أعلن عن بعض المعلومات عن المدينة مثل درجة الحرارة والتوقيت المحلي وموعد الوصول، من خلال صوت الطيار عرفت أنه ليس هنديا رغم أن الهند بها أكثر من مليار نسمة وبالتأكيد يمكن أن "تخلف" ملايين الطيارين المؤهلين لقيادة الطائرات. سألت مرافقي عن سبب تواجد طيار أجنبي في بلد تصدر العمالة الوافدة بما في ذلك الطيارين، فرد عليّ أن هذه الشركة الخاصة أرادت استقطاب أفضل العمالة المؤهلة وفي وقت قصير حتى تقدم أفضل الخدمات، فقامت بجلب العمالة الوافدة وبعقود خاصة ورواتب مغرية كي تؤسس لها مكانا مرموقا في عالم الطيران...



      قد يرى البعض ان مهنة الطيار سهلة خاصة في ظل التقدم التكنولوجي الخاص بتشغيل وحتى تصميم الطائرات. لكن يقع على عاتق الطيار ليس مسئولية التشغيل فحسب بل مسئولية ارواح الناس التي قد يصل عددها إلى الثلاثمئة أو حتى الخمسمائة شخص، لذا يجب أن يكون الطيار مؤهلا علميا ونفسيا وإداريا لذلك وخاصة اثناء حدوث الأعطال الفنية أو حوادث الارهاب كالاختطاف.. ولذا فإن مسئوليته وحتى سلطته مطلقة أمام القانون. وفي هذا السياق أتذكر مقالا للكاتب الكويتي الكبير الاستاذ أحمد الجار الله في صحيفته "السياسة" كان قد روى فيها عن عاهل العرب آنذاك المرحوم الملك فيصل بن عبدالعزيز الذي قطع امدادات النفط عن امريكا عام 1973 وقال قولته الشهيرة أنذاك: النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي. يروى الجار الله حدثا شهده عندما كان برفقته المرحوم الملك، حيث كان الملك في رحلة جوية وكان قائد الطائرة قد خرج من المقصورة ليسلم على جلالته قائلا له: جلالة الملك. فرد عليه الملك فيصلا قائلا له: أنت الملك الآن...


      هي حقيقة ليست سياسية بقدر ما حقيقة يمكن أن نسميها فنية. فطيار الملك - أو طيار أي حاكم في العالم - يمكن أن يتسبب في إيذاء او حتى اغتيال الملك بمجرد لمسة زر في قمرة القيادة بالطائرة، فالحاكم الحقيقي لتلك الدولة تكون سلطته محدودة عندما يكون قائد الطائرة هو الذي يستطيع أن يوصل الحاكم الحقيقي إلى الارض بسلام او يرفعه الى السماوات العلا جنة أو جهنما.. ولعلكم تذكرون قضية "البطوطي" والتي تتخلص في ذلك الطيار قد هوت به الطائرة المصرية في المحيط الأطلسي ليقتل معه نفسه وعدد كبير من الضباط المصريين فضلا عن الركاب الذين كانوا على متنها.. والقضية بقت معلقة لحد الحين: هل الحادث كان مدبرا أم قضاء وقدرا؟ حتى "يسري فودة" أذاع في احدى حلقات برنامجه "سري للغاية" بقناة الجزيرة هذا الموضوع لتبقى القضية عالقة.. وشخصيا تفاعلت مع هذا الموضوع كوني أعمل في مجال التحقيق في حوادث الطيران، ومن خلال المعطيات الفنية يمكن القول أن الحادث ليس مدبرا وأن واقعة الانتحار هي أقرب للحقيقة....



      12)


      ما ان وصلنا مطار بنجلور ودخلنا مبناه الا ودهشت من روعة التصميم وحداثة البناء، حدثت مرافقي عن ذلك المبنى "الجديد" فقال لي أن "القطاع الخاص" هو الذي بناه وليست الحكومة الهندية، كانت الأخيرة - ومازالت - تدير المطارات الداخلية والدولية، لكن مع التوسع والانفتاح في قطاع الطيران المدني وجدت تلك الحكومة نفسها غير قادرة على تلبية ذلك القطاع ماديا ففتحت المجال للاستثمار وان كان قد اقتصر على الاستثمار المحلي بمعنى عدم قبول الأموال الأجنبية في البنية التحتية - بخلاف بعض الدول مثل تايلند.. حتى أمريكا نفسها ترفض الاستثمار في البنى التحتية لأسباب أمنية استراتيجية... هذه النوعية من الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتي تعرف بالانجليزية Foreign Direct Investment ترحب بها الكثير من الدول بما فيها السلطنة ولها وعليها من ميزات وعيوب لكنها وسيلة لتنمية الاقتصاد في ظل المنظومة العالمية...


      في بلادنا مازلنا ننتظر تطوير مطاري مسقط وصلالة منذ ان تم خصخصتهما عام 2001، لكن مشروع الخصخصة قد فشل، فأصبح حكوميا بشكل تجاري. شخصيا كتبت مقالا في جريدة عمان عن فشل ذلك المشروع، ويبدو ان المقال لم يعجب وزير النقل والاتصالات (انذاك)، فالمسئولون لا يعترفون بالخطأ ولا يحاسبون عليه أصلا، وكل ما حدث ان تم تجميدي وظيفيا لأنني تحدثت عن واقع ملموس... لكن لكل دابة رزقها.. وها انا اكتب مرة أخرى لنتعلم من أخطاء الماضي ونمضي قدما بمشروع طال انتظاره. إن مشروعا حيويا كمشروع تطوير مطاري مسقط وصلالة بحاجة إلى المزيد من الشفافية، فها هي جريدة الوطن (على ما اتذكر) كتبت مقالا مؤخرا تستفسر عن تأخر تشييد المطارين، وكثير من المواطنين يستفسرون منا لنفس السبب، وكل ما نستطيع قوله أن المشروع قائم وسوف يبدأ التشييد عما قريب... لقد أصبح قطاع الطيران المدني من القطاعات التي تساهم في مجمل الناتج القومي GDP وبنسبة تصل إلى 3% في بعض الدول، مما يعني فتح المجال للتوظيف والربحية والسياحة وفوق ذلك كله تنمية حركة الطيران التي تفتح البلاد على العالم الخارجي...


      اقتصاديا هناك ما يسمى "النتيجة المتعددة The Multiplier Effect" والتي قيست في قطاع الطيران بالعدد سبعة؛ بمعنى أن أي مسافر يدخل البلاد سائحا فإنه يخلق سبعة وظائف للبلاد، فالسائح بحاجة إلى وسيلة نقل أول ما تطأ قدمه ومن ثم محل اقامة فأكل وشرب وترفيه وتسوق واتصالات.... وبغض النظر عن كيفية تلبية تلك الحاجات (السكن في شقة مثلا او في فندق، او النقل بالباص او بسيارة الأجرة أو حتى ليموزين) فإن هناك من الدول (بما في ذلك دولة الامارات) من تشجع السائح بكافة السبل للقدوم إلى البلاد حتى ولو بعدد بسيط في طائراتها الوطنية لأن ما سوف ينفقه في تلك البلاد خاصة في ظل الحاجة الى العملات الصعبة انما يعوض الخسارة المادية في تلك الرحلة ان وجدت.



      (13)



      بنجلور مدينة قديمة في تاريخها حديثة في مبانيها،،، حظيت بزيارة فيها والتجول في بعض من مرافقها العامة،، إلى أن حان وقت الغداء،، كان مرافقي يسأل عن نوع الأكل الذي أود تناوله باعتبار ان بنجلور بها كافة المطاعم المحلية والعالمية فرددت عليه بأنني في الهند وأريد أن آكل كل ما هو هندي في كل يوم لكن هذه المرة في مطعم شعبي... رد عليّ ضاحكا: علينا بالمطعم الحيدر أبادي الذي يقدم أشهى الوجبات الهندية.. سألني: ماذا تريد أن تأكل فقلت له أنني تعودت على أكل الأرز مع المرق. فسألني ما رأيك في وجبة نسميها نحن "برياني" تظاهرت بأنني لا أعرفها فسألته عما تكون، فوصفها لي. فضحكت فاستغرب من ضحكتي فقلت له: عزيزي هذه الوجبة يعرفها كل عماني خاصة إذا كان أعزبا، فقبل زواجي ولمدة تجاوزت الخمس سنين فلم أترك مطعما هنديا إلا وذهبت إليه وأكلت فيه البرياني..



      دخلنا إلى ذلك المطعم الحيدرأبادي الشعبي، الذاكرة أيضا طافت بي إلى حيث أجد العمانيين وهم يصرخون طالبين البرياني، قد يكونوا عزاب بشكل دائم أو عزاب بشكل مؤقت، فالآخيرون هم الذين تركوا أولادهم وزوجاتهم في ولايتهم ليأتون إلى مسقط خلال الأسبوع يؤدون عملهم لتجدهم يوم الأربعاء اوالخميس وقد زاحموا الآخرين متجهين إلى ولاياتهم،،،، سألت مرافقي عن سبب تسميته باعتبار أنه موجود اصلا في بنجلور وأن حيدرأباد هي ولاية هندية أخرى، فقال لي أن أشهر طهاة البرياني هم الحيدرأباديون الذي يتميزون دون غيرهم في طبخ تلك الوجبة. ولما دخلنا المطعم وجدنا الازدحام غير المعقول في المطعم لدرجة أننا اضطررنا أن ننتظر ومن ثم نجلس بجنب آخرين في نفس الطاولة. أول ما فعله "الجرسون" أن أتى بورقة الموز الخضراء وفرشها فوق الطاولة. لم تمضي دقائق إلا وأتى بالبرياني ووضعه فوق ورق الموز وبجانبه وضع "الصالونة".. الأكل كان لذيذا وشهيا رغم وجود الفلفل الذي يكاد يدمع الآكل. بعد الانتهاء من تلك الوجبة والتي أردت أن آكل غيرها لكن الكرش قد صرخت طالبة الماء البارد جدا ليكي يبرد حرارتها فطلبت من الجرسون أيضا أن يأتيني بالشاي الأحمر، فسألني مرافقي: هل تحب "سليماني"؟ ضحكت مرة أخرى: وهل تسمونه أيضا سليماني؟


      ألا سبحان الله: الوجبة اسمها برياني، والخبز الذي أتى مع المرق اسمه "براتا" وكذلك "شباتي" وكذلك "صالونة" وكذلك "سليماني". وفوق ذلك كله فقد كان الهنود يأكلون على الطاولة بأيديهم.. انه تشابه اجتماعي فيه لمسة حضارية بسيطة وغير متكلفة..وهذه ليست المرة الأولى التي آكل فيها مع مرافقي وباليد.. بل أن كافة الوجبات التي تناولتها السابقة منها واللاحقة كانت باليد، ورغم أنني أتعامل مع مهندسين وكبار المدراء إلا أن طبيعتهم في الأكل هي الطبيعة الذاتية وربما البدائية.. ليس هناك تكليف وتصنع والرغبة في استخدام الشوكة والسكين والملعقة.. وهذا الأمر لمسته في عدة دول شرقية مثل أندونيسيا وماليزيا وباكستان وحتى تايلند: الأكل باستخدام اليد خاصة عند تناول الأرز...


      أتذكر قيام أحد الأصدقاء الأعزاء زائرا منزلي منذ عدة سنوات على وجبة غداء،، سأل عن سبب عدم وجود طاولة للأكل فقلت له أنني لا افضل الأكل على الطاولة، فالراحة هي الأكل على الأرض، وربما كان مرغما على أن يأكل معي في الأرض لكنه سأل أيضا عن الشوكة والملعقة فقلت له موجودة، ولما أتينا بهما فقد يظل يستخدمها في أكل الأرز وتقطيع اللحم... في نظره هي الحضارة عندما نأكل فوق الطاولة والتخلف عندما نأكل بأيدينا. عندما تذهب إلى محلات بيع الأثاث فسوف تجد أشكالا وألوانا من طاولات الطعام والسكاكين والملاعق والشوك الخاصة بالأكل، شخصيا أجدها للاستخدام من قبل الأجانب، أما نحن كعمانيين فالأفضل استخدام "الخمس" لتصل اللقمة الى الكرش سائغة هنية...


      (14)


      بعد الانتهاء من تناول وجبة البرياني الشهية وشاي الـ"السليماني" المحلى بالليمون جلست مع مرافقي ندردش قليلا، كنت قد لاحظت في قائمة الطعام أن سعر الوجبة لم يتجاوز الـ"35" روبية أي أقل من (300) بيسة، فسألته عن أحوال وأسعار الأرز في الهند بشكل خاص وعن السلع والمواد الغذائية الأخرى بشك عام. فرد عليّ بأن بداية العام بالفعل شهد ارتفاعا في الأسعار وصل إلى (10%) فقامت القيامة ولم تقعدها إلا بعدما تدخلت الحكومة الهندية واتخذت عددا من الاجراءات "الرادعة" من بينها منع التصدير. لم أخبره بما فعلت حكومتنا من إجراءات "لم تردع" التجار ولم تمنع ازدياد الأسعار بشكل تضاعف أكثر من مرة لدرجة أن بعض السلع ارتفعت بنسبة تفوق (200%)..


      دخلت قليلا في المزيد من التفاصيل عن الأرز والقهوة والشاي والبهارات وغيرها كون الهند من الدول المنتجة والمصدرة فوجدت - بحسب رأي مرافقي - أنها تشكل "الأمن الغذائي" للدول، وبالتالي وجب على الدولة حمايتها حتى وإن كان منع التصدير هو الحل المثالي رغم أنه مضر لدول تحتاج إلى العملات الصعبة بقوة. وفي سلطنتنا الفنية فإن التصدير مفتوح؛ يكفي أن نعلم أن سمكنا وربياننا وشارختنا وصويلحنا يصدر وبكميات مضاعفة مقارنة بالاستهلاك في السوق المحلية، ويكفي أن نعرف أن تلك المكونات الرئيسية للغذاء المحلي إنما يتمتع بها الأجنبي في أوروبا وآسيا في حين يحرم منها العماني - إلا المقتدر - من تناولها والاكتفاء بسمك العومة والجيذر..



      وليس أبعد من الحديث عن الاجراءات التي اتخذها الحكومة العمانية في السيطرة بل وكبح أسعار المواد والسلع الغذائية، مما أدخل الاقتصاد العماني في دورة اقتصادية ضارة تسمى The Vicious Cycle، تمثلت في التضخم غير المسبوق والآن في مرحلة من الركود سوف يلقي بضلاله على المواطن البسيط، مع بروز أزمة مالية عالمية تستغلها الدول الصناعية فتحاول التلاعب والمضاربات بأسعار النفط والتي تشكل ما نسبته 75% من الايرادات الحكومية لدول الخليج. إن تلك الاجراءات لم تكن سوى شكلية مثل "المناشدة" و"التهديد والوعيد" والعبوة الاقتصادية وجعل دائرة حماية المستهلك تتبع وزير التجارة والصناعة مباشرة لكنها لم تردع أي تاجر تلاعب بقوت الناس، فارتفع سعر الأرز بل وتضاعف، وحتى المنتجات المحلية مثل البيض والسمك فإنها لم تسلم من التلاعب.



      (15)


      في الفندق الذي نزلت فيه وأنا أتمتع بحفاوة الاستقبال ابتداء من ذلك الحارس ذوي الشنبات التي تكاد تهد الجبال لكن بابتسامة عريضة ما أحلاها ومرورا بتلك الجميلة التي تتحدث الانجليزية بطلاقة في الاستقبال إلى غاية الغرفة التي طلت على الشارع المزدحم بالمارة وان كان الازعاج القادم من السيارات من خلال "الهرن" لا يتوقف.. وجدت في الفندق خدمة "الواي فاي" التي أتمتع بها كلما سافرت حاملا معي "اللاب توب" لأكتب هذه الخرباشات وأحيانا أحمل عبء العمل معي الذي كلفت به من قبل الادارة لدينا. لما سألت الاستقبال عن تكلفة الخدمة فقد قيل أنها بـ(400) روبية طوال الأربعة والعشرين ساعة، وإن كنت قد وجدت نفس الخدمة مجانا في الجمهورية الكندية. لكن ما علينا، طالما أنها متوفرة فسوف ندفع لأتمتع بالتصفح كلما سنح لي الوقت، حيث الانقطاع عن السبلة العمانية كان أمرا صعبا فكنت أدخلها كلما سنح لي الوقت مع الاقتصار على التصفح وترك حمل الاشراف على الزملاء الأعزاء..


      ومع خروجي إلى السوق الذي يكاد يرتبط مع الفندق مباشرة أتى إلينا أكثر من شخص يريدنا استخدام سيارته والتي تسمى "ريشتا" وهي نفسها تسمى "تيك تاك" في تايلند، وهي عبارة عن دراجة نارية بثلاث عجلات وبها مقصورة صغيرة يمكن ان تحمل ثلاثة أشخاص في المؤخرة في حين يكون السائق في المقدمة لوحده،، وسيلة نقل صغيرة اقتصادية جدا، شراؤها لا يتطلب الاقتراض من البنوك التي سوف تنهش في عظم الفقير من فوائدها، ولا يتطلب تعبئتها بالوقود كثيرا، فضلا عن أنه يمكن قيادتها حتى في الأماكن الضيقة، ومع ذلك فإن الراكب لا يدفع إلا النذر اليسير من "النول" أو الأجرة.. كانت الشركة التي أزورها قد وفرت السائق والسيارة لاستخدامها في كافة الأوقات لكن قلت لمرافقي بأنني أريد ان أجرب هذه الوسيلة من النقل والتي نفتقر إليها، فوجدتها مريحة وعملية في وقت تعم فيه الهند بملايين الناس في كل مدينة، وتستخدمها العوائل وحتى الموظفين في التنقل..


      طبعا، قد يكسد سوق "الريشتا" في السلطنة، ولا أعتقد أن هوامير وكلات السيارات لم تحاول أن تدخلها الى السلطنة، لكن هؤلاء الهوامير لديهم بعد اقتصادي احتكاري يقتصر على حاجتهم الفعلية لاستغلال الناس، فتجد الوكالة وقد احتكرت أكثر من خمس وكالات عالمية للسيارات، فهل سوف تسمح للـ"الريشتا" بأن تتجول في السلطنة وتحل مشاكل مئات بل آلاف ازمات المواطنين؟ تلك الوسيلة من النقل وان كانت لا تخلو من بعض التحفظات إلا أنها سوف تجد سوقا لمن يريد استخدامها. صحيح أن كثير من العمانيين قد جبلوا على الرفاهية على حساب مرتباتهم؛ فالموظف أول ما يتسلم راتبه فإنه يتجه إلى أقرب وكالة في الوطية ليحجز سيارة رقم "واحد" متناسيا أن البنك سوف يكون رقم واحد في اقتطاع قسطه، يليه بالطبع قرض تجاري وقرض سكني وقرض زواجي وقرض للجمعية وقرض يدفعه لخميس وخلفان وهم زملاؤه في العمل أو أصدقاؤه في المجتمع..


      ناهيك عن أن وسائل النقل لدينا تكون أقرب للرفاهية عن كونها وسيلة ضرورية للنقل. فالشخص لم يصبح يريد التنقل من مكان سكنه إلى مكان عمله وإنما يجب أن يرافق تلك الوسيلة رقم خاص يتميز فيه، فلا بد أن يكون رقم سيارته مميزا،، فهو يحاول أن يبحث عن كل وسيلة للحصول على "واسطة" تساعده في التميز، وإن لم تنجح الواسطة فإنه يتجه إلى شراء ذلك الرقم سواء عن طريق الصحف او حتى سوق سبلة عمان.. وفي كل الأحوال فسوف يبحث عن وسيلة فانية قد تنتهي بمجرد أن تقوم شرطة عمان السلطانية بتغيير طريقة ترقيم السيارات كما تفعل كل بضع سنوات.. وحينها يذهب المال وقد لا يبقى الحال..



      (16)


      كنت في اول يوم من وصولي إلى الهند قد طلبت الحصول على بطاقة هاتف، وكما ذكرت لكم فإن "حمزة" كان يريد أن يجلب لي البطاقة مع حصوله على "بقشيش" مضاعف.. وكان مرافقي هو الأكثر صدقا عندما حصل على البطاقة (السيم كارد) مع بطاقة أخرى للشحن (الرصيد)،، كانت هناك خمس شركات تتنافس لتقديم مثل هذه الخدمة، وبسبب هذا التنافس الشديد فقد ذهلت عندما وجدت أن الاتصال الدولي إلى السلطنة لا يتجاوز السبعة روبيات، أي خمسين بيسة فقط للدقيقة، في حين يتجاوز سعر الاتصال بالدقيقة من السلطنة إلى الهند المئتي بيسة!!!! الآن عرفت سر المكالمات الطويلة لشغالتي بالمنزل عندما تأتيها المكالمة من أهلها من الهند، وكعادة الهنود فهي تتكلم بصوت عالي يصل إلى الصراخ وتأخذ راحتها في المكالمة. لكن قلما تتصل هي من بطاقتها لعمانموبايل كون الدقيقة تصل إلى النصف ريال من البطاقة المدفوعة الثمن!!


      بسبب سوء الخدمة التي نعاني منها من عمانموبايل وعمانتل فقد انتقلت إلى النورس، ورغم أن التحفظ في الأسعار موجود حتى في النورس لكن الخدمة افضل، أتذكر حديثا مع أحد مدراء النورس عن سبب ارتفاع الأسعار فقال أن هيئة تنظيم الاتصالات لا تريد المنافسة بهذا الشكل: أي المنافسة في الأسعار وإنما في تقديم الخدمات، وكما سبق أن صرح أحد مسئولين تلك الهيئة أنها (أي الهيئة) لا تريد ان تشعل حرب الأسعار، لكن هذا المسئول نسى أو تناسى أنها ليست حربا كما سماها وإنما منافسة شريفة تفيد المستهلك، ذلك أن المستهلك لن ينتقل مثلا إلى النورس بسبب انخفاض الأسعار فقط ولكن لأسباب أخرى؛ منها جودة الخدمة، التغطية، الخدمات المضافة، الخ.


      وكما تعلمون فإن الحديث عن قطاع الاتصالات في السلطنة مازال مستمرا ويتم طرحه في هذا المنبر بشكل أسبوعي سواء عن شركتي الاتصالات أو هيئة تنظيم الاتصالات. ورغم اعلان الأخيرة عن دخول النورس كمنافس للهواتف الثابتة وحتى الانترنت لكن الهيئة سوف تقف حجر عثرة في طريق الأسعار التنافسية التي تفيد المستهلك جل الاستفادة...



      (17)



      ها أنا أركب الطائرة مرة أخرى لأودع مدينة بنجلور،،، لم تكن هناك رحلة مباشرة إلى "جيبور" وإنما كان علينا التوجه إلى "مومباي" أو كما عرفناها على طول السنين "بومباي"، وكنت قد عقدت النية على أن أزور بومباي هذه المرة كوني أولا لم أزر الهند في السابق وثانيا لا يمكن ألا أزور تلك المدينة التي عرفها التاريخ اسلاميا وعمانيا، ونحن نسمع ونقرأ عن تفاصيل وجزئيات مروا بها العمانييون سواء في طرق الحلال وحتى طرق الحرام.. كان لدينا وقت للانتظار في مطار بومباي وكان مرافقي قد اقترح أن نقضي ذلك الوقت الطويل للتجول في ربوع المدينة، لكن أشرت إليه أنه من الأفضل الانتهاء من مهمة العمل ومن ثمة الانتهاء ببومباي وقضاء عدة أيام فيها بدلا من عدة ساعات..



      بعد الانتهاء من الأمور الأمنية بالمطار جلست في القاعة، وأول ما شد انتباهي ذلك الحشد من الناس الذي تجمع أمام شاشة التلفزيون وهي تتابع الخبر العاجل Breaking News والذي اعتقدت أن الشبكة الأمريكية "سي أن أن" هي التي تبثه. لم أهتم في بداية الأمر بذلك الخبر لاعتقادي أنه يخص الارهاب في مكان ما في الكرة الأرضية، فقد تعودنا على الانفجارات والتفجيرات والهجمات التي تطيل البرئ أكثر مما تصيب المستهدف، فجلست أتصفح الصحف الصادرة في ذلك اليوم، وعندما رأى مرافقي أنني لم أبدو اهتماما بالأخبار التلفزيونية فقد "عمل حركة" لشد انتباهي لمطالعة التلفزيون.


      تفجيرات في بومباي... الأخبار مباشرة تبثها قناة هندية مرتبطة بالقناة الأمريكية سي أن أن..


      لم يكن لدي ثمة أمر سوى متابعة ذلك الحدث؛ حديث الساعة وحديث القوم في كل مكان... حتى عندما تغير القنوات الأخرى فسوف تجدها وقد قطعت برامجها المعتادة واتجهت إلى الهند بل وقامت بإجراء البث المباشر بواسطة مذيعوها ومحللوها، وكأن بومباي قد خرجت توها إلى تلك الموجة من الارهاب، وها هم المراقبون والمحللون والمشاهدون ينتظرون أن يصدر "تنظيم القاعدة" بيانا بتبني تلك التفجيرات...



      (18)


      كان ولا بد أن يظهر رئيس الحكومة الهندية "مانموهان سينج" ليدين تلفزيونيا وإذاعيا تلك الهجمات "الارهابية"، وفي نفس الوقت ليلمح إلى أن "باكستان" وراء تلك الهجمات مستخدما كلمة "جيراننا". والكل يعرف العداء الدائر بين الدولتين النوويتين.. وإذا كانت بعض القنوات التلفزيونية قد نقلت كلمة سينج على الهواء مباشرة، ونشرت الصحف الصباحية والمسائية ذلك البيان بالتفصيل مع التحليلات الفورية، إلا أن العديد منها ألقت "الاتهام" مباشرة إلى رئيس الحكومة لـ"تقصيره" في صد أو منع مثل تلك الهجمات..



      الهند هي الدولة الأكبر عددا في السكان كجمهورية ينتخب الشعب حاكمها ورئيس وزرائها ونواب مجالسها البرلمانية، والهند هي الدولة الأكبر عددا في الوفيات والاصابات أثناء تلك الانتخابات، فلا تتم انتخابات الا وتكثر حوادث الشغب والمظاهرات بين مؤيد لهذا الحزب أو معارض لذلك. إذن هناك انتقال في الحكم سلميا من حيث الآلية لكن لابد من قتلى وجرحى من حيث التطبيق. ولما شنت الصحف "الحرة" حملتها ضد رئيس الوزراء باتهامه المباشر في التقصير في حفظ الأمن فلم يأتي شخص يدافع عنه دفاعا مستميتا - كما يفعلون في دولنا العربية، ولم يأتي شخص يرفع القضايا كما يفعلون عندنا بتهمة القذف والتشهير والتي سئمنا منها...



      وقبل أن ندخل في تفصيل ذلك الاعتداء على أشخاص تعرضت حياتهم للخطر - من بينهم زميلة عمانية في العمل لدينا - فإنه يجب الإشادة بدور الاعلام في مثل هذه القضايا. وما كنت أقرأه وأشاهده بالهند إنما كانت الديموقراطية في عمق كينونتها وفي وجدان بقائها؛ يجب محاسبة المقصرين من الهنود أنفسهم ومن المسئولين أنفسهم في مثل تلك الاعتداءات بدلا من القاء اللوم على الجيران والصاق تهم الارهاب "الجاهزة" في حقهم.. أي يجب أن يتم الاصلاح من الداخل أولا قبل أن يكسر حجرهم بيوتا زجاجية....



      (19)



      ومثلما لمح رئيس الوزراء الهندي إلى "الجارة" التي صدرت له الارهاب فإن الصحف وكبار المحللين أيضا لمحوا إلى تنظيم القاعدة، ورغم أنه هذه المرة لم يصدر بيان من هذا التنظيم بتبني العمليات إلا أن هناك من ذكر أن التنظيم له من القدرات ما يمكن أن تقوم بمثل هذه الأعمال..


      تعود الذاكرة إلى حيث ينفجر البرجان النيويوركيان وكذلك المبنى الواشطنوي، وإلى حيث يكون تنظيم القاعدة بريئا لكن سرعان ما تملأ تصريحاته بتبني ذلك الموقف الذي غير العالم وأدخلنا في كيان انقسم فيه المعارضون والمؤيدون لحقيقة العالم العربي والإسلامي التي تبددت وسط جثث زاد عددها على الثلاثة آلاف؛ هل فعلها تنظيم القاعدة؟ أم اليهود الذين اختفى خمسة آلاف منهم يوم الحادي عشر من سبتمبر؟ هل بن لادن بطل أم ارهابي غيّر العالم خلال ثلاث ساعات؟


      كنت قد بدأت بعض التحليلات في "سبلة العرب" كوني أعمل في قطاع الطيران المدني لفترة تؤهلني للتقاعد. حيث وجدت أمرين: إما أن العرب ذو ذكاء خارق فاستطاعوا أن يفعلوها أو أنهم ذو غباء بحيث ألصقوا التهمة لأنفسهم دون أن يفعلوها، وقد استنتجت هذين الأمرين نتيجة قربي في مثل هذه الأمور والتي أوجزها فيما يلي:-


      هناك ثلاث مراحل من المراقبة الجوية وهي مراقبة المطار، مراقبة الاقتراب، ومراقبة المنطقة. قبل أن تقلع الطائرة يجب أن تكون هناك "خطة رحلة Flight Plan، والطائرات الحديثة تكون هذه الخطة مبرمجة في أجهزة إدارة الرحلة Flight Management System وهي نظم معقدة يمكن تبسيطها في أن الطيار تكون لديه كافة المعلومات عن مسار الرحلة وعن المكان المتجه إليه، وهذه الرحلة تكون قد وردت أيضا إلى المراقبة الجوية. عندما يأذن المراقب الجوي لرحلة ما تكون كافة بيانات الرحلة موجودة لديه وبشكل آلي متطور، يعطي الإذن بالاقلاع ليغادر المطار ومن ثم تتحول الرحلة إلى مراقب جوي آخر ينظم الرحلة حتى تخرج من مسار 50 ميل تقريبا، وبعد ذلك تتحول إلى مراقبة المنطقة والتي تراقب الرحلات العابرة بين المدن وبين الدول فقط. وفي كل الأحوال لا تخرج الرحلة من عيون المراقبة التي تبقيها على اتصال دائم من خلال ما يسمى Flight Watch. وإن خرجت في خلال دقائق، أي اختفت من شاشة الرادار أو انقطع الاتصال بها يتم محاولة الاتصال، وان تعذر ذلك يتم ابلاغ الجهات المسئولة عن البحث والانقاذ Search and Rescue والتي بدورها تبحث عن احتمال سقوط الطائرة.


      في واقعة الحادي عشر من سبتمبر تختفي الطائرات من شاشات الرادار ولا أحد يفعل شيئا، هذا غير معقول وغير مقبول أيضا.. ان كنتم تتذكرون دروس الأستاذ "فؤاد" مدرس الفيزياء فسوف تعرفون نظرية "دوبلر" الخاصة بالرادار والتي تقول أن الرادار عبارة عن اشارات صادرة من جهاز معين يعكسها جسم آخر لتعود إلى نفس الجهاز ببعض البيانات، وكل المطارات الدولية مجهزة برادارات عملاقة تكون بيضاوية الشكل في العادة. هذه الرادارات توجه الإشارات الالكترونية للطائرات التي بدورها تستقبلها وتعيد ارسالها ببعض البيانات من خلال جهاز في الطائرة يسمى Transponder. هذا الجهاز يعطي المراقب الجوي بيانات عن الطائرة والرحلة (مثل رحلة الطيران العماني رقم 123 المتجهة إلى بومبي وعلى ارتفاع 10 الاف قدم). ما حدث في تلك الواقعة أن تم تعطيل ذلك الجهاز، فأصبح المراقب الجوي يستقبل نقطة بيضاء بدون بيانات في شاشة العرض لديه.


      لتعطيل الجهاز ينبغي أن يذهب أحد من مقصورة الطائرة ومن خلال درج أو سلم صغير إلى مكان يسمى Avionics Bay أي مقر الكترونيات الطائرة. وفي ذلك المقر توجد مئات الأجهزة التي تتشابه ولا يعرفها إلا المهندسون في العادة، فكيف عرفها الخاطفون وقاموا بتعطيلها؟ خاصة إذا ما عرفنا انهم تدربوا على طائرات صغيرة أو أجهزة محاكاة وليس من اختصاصهم معرفة تلك الأجهزة!!



      كيف لم يتصرف المراقبون الجوييون عندما تختفي المعلومات في شاشة العرض لديهم عن الطائرات الأربع؟ من المفترض ابلاغ السلطات المسئولة عن البحث أو الانقاذ او ابلاغ السلطات العسكرية بالتدخل الفوري لحماية الأجواء. فنقطة بيضاء في شاشة العرض يعني وجود جسم غريب في اجواء الدولة لا بد من معرفته. وهناك حادثان مأسويان في هذا الجانب. الأول حادث طائرة كوريا الجنوبية في نهاية السبعينات عندما دخلت الأجواء السوفيتية (انذاك) ولم يستطع برج المراقبة الجوية الاتصال بها فقامت القوات العسكرية السوفيتية باطلاق النار عليها واردائها أرضا مما تسبب في وفاة جميع الركاب فيها. واتضح فيما بعد وجود خلل فني في أجهزة الطائرة. أما الحادث الثاني وهو لطائرة ايرانية فوق الخليج العربي عام 1988 على ما اعتقد، تعرضت تلك الطائرة للنيران الأمريكية والتي أحاطت بها فأردتها بحرا ومات جميع الركاب، واتضح من التحقيق أيضا مشكلة في الاتصال مع الطائرة.


      بخلاف ذلك، كيف استطاع الخاطفون اختراق الأجهزة الأمنية في المطارات؟ كيف استطاع الخاطفون التغلب على الطيارين ومقاومتهم؟ كيف استطاع الخاطفون توجيه الرحلات إلى البرجين بدقة متناهية وفي نفس الموقع الذي أدى إلى انهيارهما؟


      أسئلة تبقى بدون إجابة، وفي كل الأحوال هناك ضحايا ليس لهم ذنب فيما حصل. وبغض النظر عن الدوافع تبقى حياة المدنيين وقد ذهبت سدى لأسباب ايديولوجية صاغتها ظروف معينة غيرت مسار العالم ليصبح عالما آخر تداخل فيه الارهاب، ولتأتي أمريكا بقانون "باتريوت" وقوانين أخرى اعتقدت أنها تحمي نفسها من الارهاب، فلم تعد الدولة التي تحكم العالم في سياسته وفي اقتصاده كما كانت...



      (20)



      وأنا أشاهد تلك المناظر "الحية" التي تبثها أكثر من قناة هندية عن لحظات الارهاب رجعت بي الفلاشات إلى حيث أبدع المخرج "ريتشارد أتنبريج" في فيلمه "غاندي" وهو يصور الأحداث الدامية التي تصادم فيها الهندي المسلم مع الهندي السيخي والهندي الهندوسي. تلك الأحداث كانت قبل مقتل غاندي عام 1947. فقبل ذلك فرح الهندي المواطن بخروج الانجليز لكن دخل في حرب دامية انفصلت بعدها بلادان اسميت الأولى بنجلاديش والاخرى باكستان، وفي كلا الحالتين دفع الهندي المسلم وكذلك الهندي الهندوسي الدم غاليا بعدم تحرر من قبل الاستعمار الانجليزي.


      كما أن الذاكرة لم تبقى في ذلك الفيلم وإنما عادت إلى حيث كشمير؛ ذلك الإقليم الذي يسكنه أغلبية مسلمة، فمنذ عام 1948م والقوات الهندية تحتل جزءا كبيرا منه ومنذ ستون عامًا والمسلمون في كشمير يتعرضون إلى كافة أنواع المعاناة، والتي تتجدد في أشكال التعذيب وحتى القتل من قبل أناس عبدوا البقر وبقروا المرأة المسلمة وأبادوا الديار.. وليس يفصلنا سوى 14 عاما عندما تعود الذاكرة إلى عام 1992م حيث الهجوم على المسجد الباربري الذي هدمه الهندوس، وقتلوا ألفي مسلم تصدوا لهدم مسجدهم، قتلوهم حرقًا، ورميًا بالرصاص، وقتلا بالحجارة والعصي، في تلك السنة لم تكن "سي أن أن" لتبث الحدث مباشرة على العالم، لأن مؤسس تلك القناة "تيد تيرنر" والذي تجري في دمه الأصول اليهودية فإنه لم يشأ أن يشاهد العالم ما يحدث في المسلمين من قتل وتنكيل وحرقهم أحياء، بل كانت المناظر سريعة ومقتطبة. في تلك الأيام حيث لم يكن "الدش" منتشرا بل كنا نشاهد قنوات "ستار" بطريقة مبتكرة والتي كانت تبث قناتي سي أن أن وأي أف أر تي أس وبدون أن نجد تهويل الحدث كان يحدث الآن عندما يكون المسلم هو الفاعل.


      ومنذ ست سنوات ونيف فقط كانت أحداث إقليم جوجارات لمدة ثلاثة شهور متواصلة قد شهدت اعتداءات هندوسية على من آمن بالله ربا وبمحمد رسولا. تلك الأحداث شهدت الذبح والحرق لكل مسلم وقف في طريقهم فضلا عن تدمير المنازل وتشريد العوائل.


      ومع ذلك فنحن نتسامح مع الهندي في بلادنا ونعامله معاملة الأخ لأخيه، بل أن هناك من يدخل الهندي في منزله ويجلسه مع أهله، ولا يخاف على أهله من ذلك الوافد. وهناك من الأسر العمانية من ترى العيب في أن تكشف البنات أو حتى النساء وجوههن أمام العماني، أما الهندي فله أن يشاهد من النساء ما يطيب له فيجلس معهن حتى بوزاره، فهم يعتقدون أن "هرموناته غير شغالة" وأنهن في مأمن من غريزته الحيوانية...



      (21)


      كنت قد اتصلا بزميلا لي حصل على "دورة تدريبية" من الحكومة الهندية مدتها شهرين في نيودلهي.. تلك الدورة تمنحها الهند للسلطنة لكافة الوزارات حسب علمي، حيث تشمل الدورة الرسوم المجانية والإقامة وحتى تذكرة السفر، ولا تدفع حكومة السلطنة سوى 25% من بدلات الموظف اليومية.. إنها بادرة طيبة من بلد تصدر لنا العمالة الماهرة وشبه الماهرة، وهي ليست البلد الوحيد الذي يشجع على تدريس العلم، فهناك اليابان من خلال برنامج "جايكا" والذي استفادت منه السلطنة، وكذلك سنغافورة والتي تقدم برنامج مميزا في التدريب. وأتذكر أنني حضرت مؤتمرا دوليا في كيب تاون بجمهورية جنوب افريقيا لاعداد اتفاقية خاصة بتأجير الطائرات، وزاد الحاضرون على أكثر من خمسين ممثلا لبلادهم، وكان "كرم" الافارقة واضحا سواء في منح تخفيضات هائلة في الفنادق أو تقديم وجبات غداء وعشاء بالمجان للوفود طوال الأسابيع الثلاثة، فضلا عن قيامهم بنقلنا إلى جزيرة "روبين" التي سجن فيها المناضل "نيلسون مانديلا" مدة سبع وعشرين عاما، وقد اتيحت لي الفرصة أن أزور الزنزانة التي انسجن فيها ....



      وبسبب الاوضاع في الهند لم أتمكن من زيارة الصديق، وكانت النية أن أزور بومباي.. كنت قد سألت أحد الأخوة الذي يتردد على بومباي مرارا وتكرارا.. وقد سألته ذات مرة عن معالم المدينة، فرد عليّ بخبث: روح شوف شارع فارس (فارس رود). لم أكن أعلم شيئا عن ذلك الشارع، لكن عندما سألت مرافقي وانا في الهند فقد رد ضاحكا قائلا أنه شارع "الدعارة"!!! كما أن الأخ الآخر الذي تحدث عن فارس رود أشار إلي عن وجود عيادة خاصة يتعامل معها، وبعد سؤاله عشرات الأسئلة تبين أنها متخصصة في علاج الرجال المصابون بالعجز الجنسي، حيث تشتهر تلك العيادة بتركيب أجهزة الكترونية صغيرة لمساعدة أصحاب "العنة" في حالاتهم الميؤوس منها.. الشئ المثير في الأمر أن هذا الصديق ذكر لي أن هناك عشرات العمانيين الذين يلجأون إليه طالبين مساعدته لأخذهم إلى تلك العيادة الهندية مع تحملهم لتذكرته وإقامته وبالطبع عمولته... لا عجب إذن ان تنتشر الاعلانات التجارية خاصة في جريدة الوطن وهي تعلن عن أجهزة ذو "240 حصانا" لتولد طاقة "ماكسيما" او تلك الحبوب "الجنسينج" أو "النياجرا" أو "الفياجرا"...



      سؤال دار في بالي: هل الضعف الجنسي سببه الجري وراء لقمة العيش، أم أمراض الضغط والسكري التي تصيب الرجال بمعدل أكثر من (20%) بحسب إحصاءات وزارة الصحة العمانية، أم عدم التوافق الزوجي، أم خليط بين هذا وذاك؟ هذا الضعف الجنس ولّد حالات من الخيانة الزوجية لم نكن نسمع عنها... أتذكر فيلم عادل امام "النوم في العسل" وكيف أن وزير الصحة كان ينكر تلك الحالة التي أصابت المجتمع المصري بشكل درامي صوره المخرج تحول إلى قضية سياسية تجد فيها كيف يتصرف الوزراء الكرام بشكل ما يسمى مرحلة الانكار Stage of Denial، فضلا عن عدم اعترافه بوجود تلك المشكلة، مثل بعض الذين يكذبون المواطن أو يتهمونه بتضخيم الأمور، أو يقولون أنها حالات فردية شاذة لا ترقى أن تكون ظاهرة...



      (22)


      ورغم أن الأخ الزميل كرر دعواته لي لزيارته في نيودلهي إلا أنني وجدت أن الوقت لن يكون مناسبا للزيارة خاصة أنه سوف يكون منهكما في دراسته، فضلا عن أن نيودلهي كعاصمة سياسية للبلاد لن تمنحني الكثير من المتعة السياحية،، لكن بومباي كانت الأقرب للزيارة.. كنت قد تلقيت رسالة من أكثر من صديق يسأل عن حالي في الهند وما إذا كنت قد تعرضت لأية ارهاصات أو مشاكل بحسبما شاهدوه أو قرأؤه في الاعلام المرئ والمقرؤ.. وكانت الاتصالات من بعض الاصدقاء تثلج الصدر؛ فهي تحمل رسائل المودة والمحبة. وكنت ابلغهم بأن كل شئ على ما يرام...


      وهكذا انتهت الجولة الخاطفة بين أحداث شهدتها على الهواء مباشرة، بل كنت أن أدخل في معمعتها لولا أن القدر قد لطف بي ونجاني من خطر محدق ...



      انتهــــــى



      المصدر : بن دارس


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions