في سنة 1966 م، كنت لاأزال شابا طالبا، أدرس الهندسة الكهربائية في بريطانيا. فأستغليت العطلة الصيفية لذلك العام، لزيارة أهلي في كربلاء-العراق.
وعندما علم بعض أصدقائي، من الطلبة الإيرانيين، بنية زيارة العراق، حملوني بعض رسائلهم، إلى الإمام الراحل الخميني(رحمه الله وطيب ثراه). والذي كان يقيم في مدينة النجف الأشرف، مبعدامن قبل المقبور شاه إيران.
في تلك الفترة من الحكم العارفي في العراق، كانت الأوضاع هادئة نوعاما، في ظل حكم غيرقمعي، وكانت زيارة العلماء في مدينة العلم، النجف الأشرف، متيسرة وبدون خوف، فلارقابة ولاقلق، من مقابلة أي عالم دين.
وكعادة الشيعة، وإنشدادهم لمراقد إئمتهم الأطهار،من آل بيت الرسول(ص)، تشرفت بزيارة مراقد الإئمة، في كربلاء والنجف الأشرف والكاظمين.
أستغليت وجودي في النجف الأشرف، لأتشرف بزيارة العلماء الأعلام، مراجع التقليد، فزرت بيت العلامة، مرجع التقليد المرحوم السيد محسن الحكيم، وبيت زعيم الحوزة العلمية، في النجف الأشرف، المرحوم العلامة السيد أبوالقاسم الخوئي، وكنت أتبعه في التقليد.
ثم زرت بيت العلامة الجليل، الشهيدالسعيد السيد محمد باقر الصدر، وكانت تربطني به معرفة وصداقة قديمة، منذ أن كنت طالبا في الثانوية، حيث أول زيارة قمت بها له، مع زميل لي، كانت سنة 1960 بعد صدور كتاب فلسفتنا.
كنت على إتصال دائم بالشهيد الصدرمن بريطانيا، حيث هو الذي نصحني بالتقديم على بعثة دراسية، إلى بريطانيا،عندماأبديت له رغبتي بالدراسة الدينية، لكنه نصحني قائلا:
بإن البلد بحاجة إلى مؤمنين ملتزمين، بقدر ماهو بحاجة لعلماء دين.
ثم زرت المرجع الديني، المرحوم آية الله الخميني، ولكن لم أوفق لرؤيته في داره، حيث وصلت الدار، بعد أن كان الإمام قدخلد للنوم، لكن إلتقيت بإبنه المرحوم الشهيد مصطفى، وسلمته رسائل زملائي الإيرانيين، وشربت الشاي معه.
قبل تركي لمدينة النجف الأشرف، عائدا لمدينتي كربلاء، عرجت على جامع متواضع، يصلي فيه الإمام الخميني، وشاهدته وقدأم مجموعة متواضعة من المصلين، من كبار السن والمرضى والعجزة، وبعد الصلاة، بدأالإمام يشرح كيف: سيقيم الدولة الإسلامية في إيران!!!! وينشأ النظام الإسلامي و..و...
بدأت مشدوها لكلام الإمام، باديا كل العجب!!! ومتسائلا: أنى لهذا العجوز؟؟ وبمجموعته الصغيرة المتواضعة، من كبار السن والعجزة، أن يزحزح شاه إيران!!!!!! ليقيم دولة الإسلام في أيران؟؟؟ شاه إيران، صاحب رابع أكبرجيش في العالم، ومن ورائه كل طواغيت الأرض، من أمريكان وبريطانيين وفرنسيين وحتى روس!!!! يزحزحه من منصبه هذا العجوز!!!
هل هو في حلم؟ ولكن في داخلي، تمنيت من كل قلبي، أن يحقق الله حلم الإمام الراحل رحمه الله.
ولم يمض على هذا المشهد المتواضع، والمحير سوى عقد واحد من الزمن، حتى شاهدت الإمام الراحل، ينزل منتصرا من على سلم الطائرة، وكنت يومها في الخليج!!!!!!!!
ويومها، تذكرت ذلك المشهد المتواضع، وخطاب الإمام في النجف الأشرف، فأستسخفت من نفسي ومن إيماني.
أشكرالأخت الفاضلة أم ليماعلى التواصل مع الأحاديث. يامكرمة خذي حريتك بالنقد الإيجابي البناء، حتى أستفيد من أراءك ولك الشكرمقدما. نتابع حديث الغربة والتغرب:
كفكف الدمع وغني......فارقتنازينب
أعتدت بإن أساعد زوجتي في ترتيب أمورالبيت، من تنظيف وتصليح وتعديل .....الخ، وكنت ساهيا بعض الشئ، مشغولا في أمرلاأتذكره، وكل مايدوربذهني هوالعمل، الذي كان بذهني أن أقوم به، فكنت أدور في البيت من غرفة لغرفة، جامعاالمخلفات، وماتجمع في سلال المهملات.
فطرقت باب إبنتي الوسطى زينب، مناديا عليها لتسمح لي بالدخول، فلم يكن هناك جواب، وفتحت الباب لأجد الغرفة فارغة من ساكنها، ففطنت للوضع الجديد، وماكان عليه قبلا، فخنقتني العبرة!! وجلست على الأرض باكيا نادبا، ولحكمة الله وسنة حياته قابلا وصابرا.
لقدذهبت زينب، فغادرتناإلى بيت الزوجية، لتكون إسرتهاالخاصة بها، ولم تبق معناإلا ذكرياتهابحلوها ومرها.
إذن هذه هي سنة الحياة، وهذاقانونهاالحديدي الصارم، ولدني أبي لألد أولادي، وأولادي سيلدون أولادهم، وهكذا دواليك تستمرمسيرة الحياة، إلى ماشاء الله لها أن تسير، وكل سيلاقي نفس المصير، ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي القدير.
شعرت نفس الشعور، وتجرعت نفس الغصة والأسى، بعد زواج ولدي البكرومغادرته للبيت، ويومها تذكرت أيام زمان، وتلك الأيام الحلوة الخوالي، حيث يجمع بيت العائلة الكبير، كل الأولادالمتزوجين ليعيشوامع آبائهم وأمهاتهم، ومشاركين لهم هموم حياتهم.
لعن الله الزمن الحاضر، وماحصل فيه من تقلبات وتغيرات، لم نكن نحلم بها ونتصورها، وياليت الأيام تعود لنعيش الماضي الجميل بكل عفويته وبساطته، حيث البيت الكبير، وفيه الجدوالجدة، ومراة العم والعمة، وكنائن العائلة وأولادهن وبناتهن، وهكذا كانت الأسرة كبيرة يحفها ويحتضنهابيت واحد، تتقاسم الهموم والقبول بالمقسوم.
والآن ماذاحل في العالم؟؟ وكيف إنتهت الحياة إلى ماأنتهت إليه ؟؟
ولدنا في المشرق الهادي ومتطلباته البسيطة، وكرمه الكثيرالوفير، حيث الجاريسأل عن الجار، بل ويواسيه في أفراحه وأتراحه، ويتحمل بعض من همومه ومتاعبه، ولغته الجزلة المفعمة بجوها الرومانسي الآسر، وشعرها الغنائي الوافر، والتي تبدأ كتابة من اليمين إلى اليسار، ولكن شاءت الأقدار، وحكم القرار، فدارت بناالأيام لنحل في المغرب الصاخب، وجوه المادي الخائب!!حيث التعقيد الحضاري برنينه، وصرامة قوانينه.
سمعنانداءات الله أكبر، ونحن أطفالا رضع في المهود، وألآن يفتح أطفالناعيونهم على الدنيالتصك مسامعهم أغاني التفاهة وتوجيهات اليهود!!
لاحول ولاقوة إلا بالله، وإنا لله وإناإليه راجعون.
طالماطرحت على نفسي هذاالسؤال: لم يحن الإنسان للماضي؟؟ وإن كان فاضي!! من كل مثيرووثير!!
صحيح كانت الحياة بسيطة وبطيئة، لكنها كانت وادعة ومقنعة، ويعيشهاالفردمسروراوهويرى أولاده الصغار، وهم يرفلون بدفء الأب والأم، وفي نفس الوقت يملأون الدارسرورا وحبور.
وكلماتقدم الزمن بالإنسان، كلما حن لماضيه وذكرياته الجميلة الحلوة وإن كانت في شقوة!!
بمحض الصدفة إلتقيته في باص لسفرة تطول لأكثر من خمس ساعات وقبل أن أهم بالجلوس جنبه بادرني بسلام عليكم.
فأندهشت مسرورا لتحيته، وسألته إن كان يعرف العربية؟؟
فقال هو يتعلمها، ولكنه مسلم.
شاب في أوائل الأربعينات من عمره، ومن أصل هولندي، ويحمل الجنسية الكندية.
بدأ يسألني عن بعض التفاصيل وعن مذهبي سني أو شيعي؟
فحاولت عبثا التملص من الإسئلة الفرعية!! محاولا التركيز على كليات الإسلام وعمومياته، دون التطرق إلى المذاهب الإسلامية، أو المدارس الإسلامية كما نحاول أن نسميها هنا في شمال أمريكا.
ولكنه أصر على معرفة مدرستي الإسلامية!! فأنتبهت إلى إن الرجل يعرف الشئ الكثير، وليس بالمبتدأ.
فقلت شيعي ولكنني منفتح (أحاول نقل القصة كما جرت دون تلميع).
سألني الأخ خليل وهذا إسمه الإسلامي بعد أن كان (Ken)عن أئمة وخطباء المساجد في شمال أمريكا. وهل هم مؤهلون وعلماء دين؟؟
فأجبته هو المتوقع منهم! فقال إستمع لي، لأبين لك سبب سؤالي عن مدرستك أو(YOUR SCHOOL OF THOUGHT)
يقول الأخ خليل: كنت طوال حياتي مسلما. وقبل أن أتعرف على الإسلام، وبعد أحداث الثورة الإيرانية، زاد إهتمامي بالإسلام.
فلجأت لإمام المسجد،والذي رحب بي، وأعنتقت الإسلام على يديه.
فكثر ترددي على المسجد وإمامه. وعندما أبديت له إعجابي بالإمام الخميني، أبدى إمام المسجد إنقباضه وغضبه مني!!! وبدأ يحذرني من الشيعة، ومن هذه الفرقة الضالة التي تشتم الصحابة، وتطعن بنبي الإسلام ورسالته و...و...و..الخ .
وإضاف بإن إمام المسجد، بدأ يتضايق من إسئلتي كثيرا!!! وبدأ يحذرني من كثرة الإسئلة!!! وأنتهيت إلى إن إمام المسجد، سامحه الله، يتصرف كرجل دين كاثوليكي!!! يريدك أن تسمعه ولا تسأله!!!
يقول: قلت له في مرة من المرات، بأنني حديث عهد بالإسلام، ولا أعرف من هم الشيعة؟؟ ولا أعرف هل مهم مسلمون أو غير مسلمين؟؟
وإسئلتي منصبة للتعرف على الإسلام أكثر وأكثر. وكلما سألتك عن شئ!!! حذرتني من الشيعة وهذا ما زاد إهتمامي، بما يسمى الشيعة فمن هم الشيعة؟
وهكذا بدأ إهتمامي بالمذاهب الإسلامية، أو المدارس الإسلامية.
والسؤال الآن إخوتي هو: إنني مؤمن وملتزم بالإسلام والحمد لله. ولكنني لست عالما دينيا أو من تنطبق عليه صفات الداعية في بلاد الغرب.
ولكن ما يحز بنفسي، هم من ينصبون أنفسهم دعاة للدين (والدين أسه وأساسه المعاملة والإخلاق والسلوك الواعي المتعقل)
وفي الحقيقة هم متكسبون على الدين. ومع تكسبهم!! لايحاولون إظهار وجهه المشرق بل يلجأون للتحجر والتقوقع، والتحيز الغير منصف!!! لما وجدنا عليه أباءنا، وإنا على إثرهم سائرون.
رحابة الإسلام وقيمه، هي الجديرة بشد الناس له. لا أقوال المتنطعين المكفرين والذين لا هم لهم سوى تضليل فلان وتكفير علان.
يجد الدارس في أقوال الإمام علي(ع)، وخاصة القصيرة منها، الدستورالعملي للحياة اليومية!!! ومن لايتفق مع هذاالقول ليجرب ويرى!! فمن أقواله الحكمية القصيرة قوله:
شرالإخوان من تكلف له.
فليجرب أحدنا وقع المكثر، من السؤال والطلب واللجاجة، من أصدقائه وأخوانه عليه ويمايزه بقول الإمام عليه السلام.
ومن أقواله أيضا:
إذا سألت كريماحاجة، دعه يفكر، فإنه لايفكرإلا بخير!! أمااللئيم فغافصه(فاجأه) فإنه إن فكرعاد إلى طبعه.
إتصلت إحدى الأخوات بزوجتي، تسألها،إن كان بإمكاننامساعدة إسرة ليبية، بعدأن قررت تلك الأسرة، العودة إلى أرض الوطن، بسبب ترك الزوج الدراسة في الجامعة، وبعد أن فشل في إكمال دراسته، فقطعت عنهم البعثة الدراسية، وهم في ظرف صعب ويحتاجون سيارة كبيرة نوعما، يعني (مني فان) لنقلهم مع إمتعتهم للمطار، بهدف العودة إلى بلدهم ليبيا.
لم نكن نعرف تلك الأسرة الليبية، ولكن الواجب الإنساني، حثناعلى إبداء المساعدة لمن يحتاجها، فشجعت زوجتي على تلبية الطلب.
تركت زوجتي البيت بالسيارة (المني فان)، قاصدة عنوان تلك العائلة الليبية، وتوقعنا رجوعها بعد ساعتين على الأكثر، لأن المطارليس بعيدا عنا. لكنهاتأخرت كثيرا، ولم أكن أعرف تليفون تلك العائلة، إن لم يكن الخط قد قطع عنهم لسفرهم وتركهم البلد، ولاحتى تليفون الإخت التي طلبت المساعدة منا للعائلة الليبية.
إزداد قلقي لأتصل بالبوليس، واصفا لهم نوع السيارة ورقمها، إن كانوا قد إبلغوا بحادثة لاسمح الله!!!لكنهم أجابوابعدم وجود بلاغ بحصول حادثة لنوع السيارة التي ذكرتها، فحمدت الله، لكن القلق أخذ مني كل مأخذ، وزاد حنقي على زوجتي!! لِمَ لَمِ تبلغني عن سبب تأخيرها وغيابها طول تلك المدة.
إستسلمت لقضاء الله وقدره، وتجرعت صبرالإنتظار، وماأمره على الإنسان!!! وفي مثل تلك الظروف، وخاصة عندناطفلة عمرهاستة أشهر، تحتاج لرعاية وتغذية و...و...الخ.
حاولت إشغال نفسي وبقية ألأسرة مع الطفلة الصغيرة، لحين عودة إمها.
مرت الثواني والدقائق ثقيلة علينا، والكل يحاول تهدأتي بعد أن أخذت مني العصبية وسورة الغضب مأخذالاأحسد عليه.
بعد غياب أكثرمن خمسة ساعات، وصلت الزوجة منهكة متعبة، وقلقة على الطفلة الصغيرة!! لتجد الكل حانق وغضبان وقلق بسبب تأخرها.
وبمجرد دخولها، أمطرهاالجميع بالسؤال تلوالسؤال، لماتأخرتي طول هذه المدة؟؟ لِمَ لم تفكري بالصغيرة؟؟ لم لم تتصلي وتشرحي أسباب تأخرك ؟؟ ولم ولم ......الخ وإذا بهاتستسلم لدموعها، رامية بنفسها على الطفلة الصغيرة!! وتلعن الساعة التي وافقت على تلبية ذلك الطلب بالمساعدة!!!!!!!!!
تركهاالجميع بعد أن شاهدناحالتها، وهدأنالنسمع قصتها، ولانثقل عليهاأكثر!!!
بعدالهدوء الذي سادالبيت، بدأت تشرح، ياليت كنت قدإصطحبتك معي لتقوم بالمهمة. وبمساعدة الأخت العراقية، توجب عليناالعودة مرتين لنقل كل حاجيات وأغراض تلك العائلة الليبية. وإن ماشاهدته لم يكن متوقعاأصلا، ولاكان في الحساب!!!
كان جوابي خيراعملت وبارك الله بجهودكما، أنت وأختناالكريمة، والحمد لله على إنهاءكما المهمة الإخوية الإنسانية بنجاح. لكن كان المفروض أن تتصلي لتخبرينا ولاتتركينا في حيرة وقلق عليكما.
صمتت برهة ثم قالت حصل شيئاآخر!!!
ماذا حصل؟؟
أثناء شحن الحاجيات تبين بإن العائلة الليبية، لاتملك الكفاية من المال لتغطي كل تكاليف شحن الأغراض، ووقعنافي حيرة كيف نحل لهماالمشكلة!!!
لحل مشكلة العائلة الليبية، وإنشغالنا ووقعونا في حيص بيص، ذهلت حتى من الأتصال بك، لأخبارك عن كل ذلك، ولم أهتدلأي حل للمشكلة. لكن تحرك شعوري الإخوي الإنساني لأنجد تلك العائلة المحتاجة للمساعدة فإستعملت كارت الفيزاالخاص بنا، لدفع بقية تكاليفهم وكانت بحدود ألف دولار!!! على أن يبعثوالناالمبلغ حال وصولهم لليبيا.
عيب على الإنسان يمدح نفسه، ولكن يشهد الله، إستبشرت خيرا، وشكرتهاعلى تصرفهاالنبيل، إذ لم يكن هناك أي حل آخر!!! لتلك العائلة المسلمة العربية، إلا بمد يدالمساعدة لها.
نسيناالمسألة ومرت الأيام والشهور، وإذابنانستلم ظرفا مرسلا من مدينة في شمال أمريكا، وعندما فتحناه وجدناألف دولارنقدا داخل الظرف ورسالة شكر، وعادة ينصح مسؤولي البريد في شمال أمريكا، بعدم إرسال النقد أوأي شيئا ثميناداخل الرسائل، لكون الرسالة معرضة للفقدان والبريد غيرمسؤول عن فقدان أية أشياء ثمينة في الرسالة وخاصة عندما تكون رسالة عادية غير مسجلة أوخاصة. لكن الرسالة وبحمد الله وصلت مع المبلغ.
ولاتربطنا بها رابطة إلا رابطة العقيدة والقومية، وأخيرالمشاعر الإنسانية، ولم يخيب الله أملنا حيث النية الخيرة والشعورالإنساني، فتيسرت كل الظروف وبحكمة القدر، لكي ينجح تصرفنا الإنساني، فيثري وينتج خيراللمحتاج ولمن تطوع بإبداء المساعدة له.
في بدايات التسعينات ونهايات الثمانينات من القرن الماضي، كنت مشتغلا مع شركة إستشارية، لتقديم خدمات الإتصالات الراديوية الميكرووفية، من أعمال صيانة وإدامة وتطوير وتصليح وغيرها، يعني في مجال إختصاصي.
كان العمل مرهقا بعض الشئ لتواصله المستمر،ولتغيير الوجوه التي تتعامل معها من مدينة لمدينة ومن مكان لمكان، حيث كنا في حركة دائمة على مدار السنة، للتنقل من موقع لموقع، ومن محطة إتصال إلى محطة إتصال أخرى.
وإنتقالنالم يكن سهلا بل متعباومملا ،فكنا ننتقل بأجهزتناالثقيلة الحساسة جوا، مما شكل عبئا علينا، إضافة إلى مفارقة الأسرة والأطفال، ولمدة قد تتجاوز الشهرونصف أِحيانا.
لكنه كان مسليا، حيث تتغير المواقع والمناظر لتشاهد الغرب والشرق، والشمال والجنوب، بتقلباتها الجوية وطقوسها المناخية ...الخ. المهم حصلت لنا سفرة للقطب الشمالي، للقيام بصيانة أجهزة محطات الراديو، والتي كانت تسترق السمع والأستشعار هناك وعلى مقربة من حدود الإمبراطورية السوفيتيه الشيوعية قبل تفككهاوإنهيارها.
أتذكرعندماأخبرت أصدقائي وخاصتي، بنية السفر للقطب الشمالي، زارني جمع من الإصدقاء لتوديعي وغبطتي من البعض، وربماحسدي من البعض الآخر!! حيث الكل كان يتمنى السفر لتلك الأصقاع البعيدة، ليتعرف على مافي القطب الشمالي من طبيعة بيضاء ثلجية ناصعة البياض، وكيفية المعيشة في تلك الظروف الصعبة والقارصة البرودة، وسكانها من الأسكيمو، ومانسمعه عنهم من قصص وحكايات مثيرة.
من طريف ماطرح علي من إسئلة، هوسؤال أحد الزملاء، كيف ستتصرف لوعرض عليك أحدالأسكيمو زوجته!!!!
أخذني العجب من هكذا سؤال!!! إذ لم أسمع مثل هكذا قصة!!ولاحتى من بقية موظفي الشركة التي كنت إشتغل فيها، فأكتفيت بالقول إنني في مهمة عمل، وليس لزيارة أحد من الأسكيمو، ولاأعتقد بإنني سوف أرسل لتلك الأصقاع البعيدة لعمل زيارات!! فأمتعض الزميل من جوابي!! وبعدها لمت نفسي متسائلا إن كانت هناك ضرورة لإعلام معارفي بطبيعة عملي؟؟ الظاهرهاجس الجنس، يظل متابعا للعربي إينما حل وأرتحل.
وأيضا من جملة ماأثاره بعض الأخوة، عن كيفية الصلاة هناك، وأشارة علي بالإتصال بمن كانت عنده المعرفة والعلم، فأتصلت ببعض من عنده العلم في كيفية الصلاة في تلك المناطق النائية، والتي يستمر فيها الليل ستة اشهر!!! والنهار مثلها من المدة!!!
أخبرني أحد الإخوة النجفيين من أهل العلم، بإنه كان يحضرمجلسا للمرحوم آية الله العظمى السيد محسن الحكيم، حينما زاره وفد من جامعة بغداد، من قسم الجغرافية، وكان في رحلة جامعية لتلك المناطق، ليسأله عن كيفية تحديد أوقات الصلاة هناك؟؟
فكان جوابه بإن أوقات الصلاة تحدد بمثل أقرب نقطة لتلك المناطق، حيث تكون فيها أوقات الصلاة أعتيادية، يعني خمسة أوقات من فجروظهر وعصر ومغرب وعشاء.
كان المسافر لتلك الأصقاع، يجهز بملابس خاصة وعدة تتناسب مع متطلبات الطقس، الشديد البرودة بكل هراشته وقراصته وزمهريريته.وعادة تكون تلك الملابس عسكرية بكل معنى الكلمة، وتعليمات وتوجيهات صارمة بإن عليه التقيد بها، لكونها تخص سلامته وحياته.
يتم السفر والنقل عادة بطائرات النقل العسكرية من طراز هركليس، وبمعية وصحبة الجنود المغادرين لتلك القواعد، ولمدة ستة أشهرمتواصلة لكل منهم، للإقامة وتأدية الواجب العسكري هناك.
تدوم الرحلة لمدة 18ساعة متواصلة من الطيران، متعبة ومملة وبدون خدمة داخل الطائرة!!! وضوضاء مزعجة، والكل محشور بين أكتال العدة والعتاد، وصناديق وحاويات الغذاء والشراب الذي ينقل لتلك المناطق.
إرتداء ملابس الرحلة والعمل عادة يبدأ قبل الصعود للطائرة. لكون الجو داخل الطائرة بارد وغير مريح!! وكأن المسافرلتلك المناطق ذاهب لمعركة حقيقية لكنها ليست معركة رجال مع رجال، بل مع طبيعة قاسية غدارة وغيرطبيعية.
عندما تطل من خلف زجاج النافذة الصغيرة، التي يلعب الحظ أن تكون قريبا منها، أويتكرم عليك جندي، لتتطلع من خلال واحدة جنبه لثواني معدودة، تشاهد كثبان الجليد المتراكم على الأرض مثل التلال والجبال العالية ولاشئ آخر. وقتهاكنت أديم النظر لتلك المناظر وإلى جانبي وبإرتفاع مترين أكداس من صناديق الجعة (البيرة) وبعلوممتد إلى سقف الطائرة، فشدني المنظروالتأمل متسائلا:
إمتدت يدي لقلم في جيبي لأكتب شعرا!!! بعد أن شط بي الخيال، وأنتابي شئ من الخوف وعواقب المجهول، ولكن عبثا حاولت ذلك، فأكتفيت بالتشهد والدعاء بالحفظ من غوائل الزمن.
أول توقف للطائرة كان في (تولي) قاعدة عسكرية أمريكية في الجزيرة الخضراء (Green Land) والمملوكة والمحكومة من قبل حكومة الدانمارك الأوببية.
بتنا ليلة واحدة في (تولي) وللعلم كان سعر المبيت للغرفة الخشبية (ببوت خشبية متتنقلة)التي بتنا فيها دولارين فقط لنتابع طيراننا إلى هدفنا في موقع ((ALERT حيث القاعدة العسكرية التي تتواجد فيها أجهزة الإتصالات الراديويية.
القاعدة عبارة عن مجمع صناعي وسط فضاء منبسط لانهائي من الثلوج! والأنتقال من قسم لقسم يكون وفق مسارات محددة بإشارات واضحة جدا وبحبال مربوطة لأعمدة حديدية، حيث تستعمل الحبال كدليل يقودك من محل لآخرفي حالة حصول زواعب وعواصف ثلجية. الخروج من بناية المجمع الرئسيي الذي يحوي المرافق الرئسية من مطعم ومستوصف وبنايات ترفيهية وصالات عرض و..و...الخ لا يكون إلا بإخبار المسؤول لكي يتم التدقيق عن الخارج ومتابعة سلامته خوفا عليه من التيه والضياع ثم الهلاك بالتجمد في ذلك الفضاء الثلجي اللامتناهي.وفي حالة حصول عاصفة الكل يخلد في مكانه الآمن أين ماكان ولايخرج إلا في حالة الضرورة القصوى.
كل الواصلين لتلك البقعة المتجمدة يحاولون إنهاء عملهم وتركها بأسرع وقت ممكن فيماعدا الجند المقيمين فيهاوالتي تستمر لفترة ستة أشهر متواصلة. ورغم كثرة الأكل وتنوعه وتوفيركل وسائل الراحة وزيارات المغنين والمطربين الشعبين للترفيه عن المقيمين في القاعدة لكن الكل يتمنى الخلاص من ذلك الجحيم وتركه في أقرب فرصة والعودة للحياة الطبيعبة في الأجواء الدافئة جنوبا.
موقع القاعدة يقع حوالي تسعمائة ميل جنوب القطب الشمالي الحقيقي، وحوالي ألف وخمسمائة ميل شمال مناطق تواجد الأسكيمو. لذلك لم نلتقي بأي من الأسكيمو في تلك الرحلة، لنتعرف عليهم وعن طريقة حياتهم معايشة، ولسوء حظ الزميل السائل عن كرمهم فيما يخص الجنس. ولم نشاهد الدب القطبي الأبيض ولا الذئاب القطبية وكل ماشاهدناه أرانب وبعض الثعالب الجائعة الباحثة عن بقايا الطعام الذي يتركه سكنة المخيم الإستيطاني.
في ذلك المجمع السكني القطبي كان أحد الطهاة دائما يبتسم لي وفي مرة من المرات بادلته الإبتسامة فقال لي السلام عليكم بلغة بسيطة مكسرة. وعرفت فيمابعد بإنه خدم مع قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في لبنان وكان متعاطفا مع العرب وصرح لي بإنه كان يحب شابة جميلة من جنوب لبنان وكان راغبا بالزواج منها لكن تعصب اهلها حال دون ذلك.
كان ودودا جدا معي ويحاول أن ييهيأ لي وجبة أسماك وبيض لتجنب تناول اللحم الحرام. بعكس زميل له وممن خدم مع قوات حفظ السلام في جنوب لبنان حيث كان تعاطفه مع اليهود ويصرح علنا بكرهه للعرب.
في ليلة من الليالي وبعد أنتهاء العمل الفني كنت أقضي بعض الوقت في الحديث مع صاحبنا الذي كان يحن لشوقه وحبه القديم في لبنان وفجأة ظهر ذلك اللعين الحاقد على العرب ليشاركنا الحديث ويتهمنا بالتعصب والتخلف و..وغيرها مما طفح على لسانه القذر السليط وباح بما في قلبه الأسود العبيط.
أحتد النقاش بيني وبينه ليقول لصاحبه الذي حاول تهدئته، بأن هؤلاء المتعصبين المسلمين يبلغ بهم التعصب حدا سخيفا إلى درجة إنهم حتى إستخدام اليد اليسرى في الأكل محرم عليهم. فتدخلت له لأقول له أنت مشتبه ولايوجد ما يحرم الأكل باليسرى وبإمكانك إستخدام حتى قدمك لتأكل بها إن إستطعت ولاتوجد حرمة في ذلك.
المهم بعد إنتهاء الجلسة مع زميلي الأول العطوف الودود والثاني العدو اللدود، عدت إلى غرفتي وكنت منزعجا جدا مماحصل، وتمنيت أن لا أفتح حديثا معهم، ليحصل ماحصل!! ولكني بقيت متفكرامتأملا بماذكره الثاني لي عن التعصب. وتساءلت هل نحن حقا متعصبين كمايتصورنا الآخرون وماهي حكاية التعصب لعدم تناول الغذاء باليد اليسرى؟؟ فتذكرت كيف كانوا يعلموننا ونحن صغار في السن، بإن اليد اليسرى تستعمل فقط لتنظيف الجسم عندما يكون الإنسان في بيت الراحة!! وهي مايدخل في أحكام التخلي، ففرحت بماتذكرت وعقدت العزم على أن أعيد له الصفعة إن فتح معي الموضوع ثانية، بالمناسبة كان يجلس معنا طول الوقت مرافقي في العمل مهندس آخرحاقد متعصب ويكره العرب كراهية أكثر من الذي ألتقيناه في موقع العمل لكنه كان يفضل السكوت لكوني كنت رئيسه في العمل.
شاهدت الملازم الذي يصفنابالتعصب فحياني من بعيد، ولكنني لم أعبأ به هذه المرة! فمشى بإتجاهي معتذرا عما بدى منه أمس، بادلته الإبتسامة متظاهرا بإن ماحصل لم يؤثرعلي!! ولكنني قلت له وجدت الجواب لك ياإبن الكذا(؟)
فضحك عاليا قائلا : مستحيل أن تقنعني !! قلت له سترى ثم تركته لجلب طعامي فجاءني مبتسمامع الأول عاشق لبنان. بادرني عاشق لبنان بقوله قلت لهذا إبن الكذا ليس بإستطاعته هزيمتك ولكن إبن الكذا يصر بإنه ربح الرهان.
ثم شرحت لهماكيف كانت وسائل النظافة والمنظفات محدودة جدافي الماضي وفي ظروف الصحراء حيث شحة المياه وغيرها، لذلك جاءت تعليمات الدين بإستحباب تخصيص اليد اليسرى لتنظيف جسم الإنسان وخصصت اليد اليمنى للأكل وكل ذلك إستحبابا، فأين التعصب يا أبن الكذا.؟؟فقال له زميله عاشق لبنان ألم أقل لك بإنه سيغلبك!!
بخلاف كل سفرات العمل الأخرى، والتي كانت تجري في ظروف طبيعية، حشرناأنا ومرؤسي في غرفة واحدة وكان علي أن أقيم الصلاة بحضوره وخاصة صلاة وقت الصبح وكان يراقبني جيدا وفي مرة من المرات صرح لي بشكل مكشوف بإن الشيوعية أصبحت في خبركان ولا نخشى منهابعد ألان ولكن عليناأن نخشاكم فأنتم الآن أعداءنا الجدد(طبعا قاله مازحا – لكن الإناء ينضح بما فيه) سألته لماذا تقول هذا أليس من حقي أن أمارس عبادتي كما من حقك هذا؟ فأجاب من حقك ولكن عندما يحركك مبدأك لكي تؤدي واجبادينيا في مثل هكذا ظروف صعبة!! هذا يعني بإنك تقدم دينك على أي شئ آخر وهذامايقلقنا ويتوجب علينا الحذر منه. ثم أردف أنتم أصوليون متعصبون نحن نخشاكم ويجب أن نخشاكم.
حدث هذا قبل أكثر من عشرة سنوات من إحداث 11 سبتمبروتفجيرات نيويورك حيث ضربت أعتى أقوى على وجه الأرض وفي عقر دارها!! فماعليك قارئي العزيز إلا أن تتصور شعور الأمريكان الآن على المسلمين والعالم الإسلامي.
نشرموضوع خطير في ساحة طوى الملغاة، حول الفسق بالمحارم، وإنتشاره في المجتمع السعودي!!!
ولكوني لست من أهل الدار، فلا تعليق لي على ذلك ولكن من ناحية أخرى، الواجب عليناأن ننظربعين الواقع والحقيقة مهماكانت قاسية مرة على قلوبنا!! حيث عندنا من الفضائع والفضائح مايعلم الله بهوله وكبره. ليست هناالمشكلة، حيث لاينجومجتمع من المجتمعات من الفساد والأعمال الشاذة. لكن المشكلة هي التعمية والتغطية على حدوث مثل هكذا أمور، في مجتمعاتنا المغلقة والمنغلقة، على ما يجري فيهامن مشاكل.
مجتماعتنا مغلقة محافظة، ومادامت مغلقة، فحتما لاندري مايجري تحت السطح، من مشاكل ومن مظالم، وأقول مظالم حيث هناك الكثيرمن الضحايا، ولامن شاف ولامن عرف!! وبماإن النوازع البشرية واحدة سواء في الغرب أوالشرق، فإذن مايحدث في الشرق يحدث في الغرب، لكن المجتمعات الغربية سبقتنا، إلى الوعي بهذه النوازع وأعترفت بها لتدرسها وتناقشها بصراحة وإنفتاح لتضع لها الحلول والبحث في الدقائق والفصول!!
بينمانحن نصرعلى التغطية والتعمية لمايحدث، بحجة عيب الكلام في مثل هكذاأمور، ولاأدرى من أين أتى هالعيب؟؟ ولم إدارة الظهرللمشاكل والهروب منها بالتجاهل والتماهل، وأكثرالمظلومين في مجتماعاتناالمرأة نريدها نقيه كالثوب الأبيض والناصع البياض وبودناالحفاظ على النصاعة فيه ولو حدث أن حصلت إشارة لقشة غباروسقطت على ذلك الثوب الناصع البياض لبان الثوب أعورا يجب حرقه قبل غسله. بينماالرجل يلعب على كيفه بدون حسيب ورقيب.
كثيرمن الفتيات الطاهرات النقيات، ذهبن ضحية إشاعة كاذبة أوخطأة بسيطة، لتذبح من الوريد إلى الوريد غسلا للعارورفع الشنارعن شرف العائلة.
وحتى الصحف المحلية والتي تنقل مثل تلك الحوادث تشجع عليها، وتتباهى بنشرالخبرالسعيد!!! قام بقتل إخته أوقريبته غسلا للعار!!!
وكل مايحصل لا أساس له من الدين!! ولا تحبذه الشرائع السماوية!! لكنها العادات القبلية والتقاليد البالية الموروثة. ومن يشذ عن عادة غسل العارعد جبانا، أوخارجاعن الأعراف ليحتقرويتجنب من بقية المجتمع. وهذه العادات لحقت بعض العوائل ممن وصلت إلى ألغرب لتمارس علنا.
المهم إنشغلنافي التسعينات في قرأءة الصحف لحادثة قتل قام بهاعربي مسلم مهاجرلأمريكابسبب فرارإبنته مع صديقهاالمهاجرمن أمريكاالوسطى، ودارحديث عن المشكلة برمتها ليقص لنا أحد الأخوة المصريين قصة قرأها في الصحف ودارت حوادثهاكالآتي:
في داخل العائلة الواحدة أخ يلتقي أخته في علاقة غرامية محرمة ليخاطبها: أنت أكثرإمرأة شبقة جنسيا ضاجعتها في حياتي بعد أمي!!
فتجيبه الأخت: أبي قال نفس الشئ عني.
وعندما أستدركنا عليه إن كان مبالغا فأقسم هذا ماقرأه في الصحيفة الأمريكية.
أندفعت بقوة، والغضب بادئ على وجههاالمحمر، وهي تزبد وترعد لتقول:
إسمع يا (فلان) أنا بألك أهو ماليكش دعوة فية!!!
فتكلم الرجل بهدوء وببرود أعصاب قاتل:
بخدمتك مدام، سوف لن أطلب منك شئ بعد ألان!!!
فأنصدم الجميع من لهجتهاوهيجانها، وفوق كل ذلك طريقة دخولهالصالة الأجتماعات!! وكأن فلان الرجل قد مس كرامتهابكلام!! أوتجاوزحدود اللياقة معها!!
ساد غرفة الدائرة التي كنا مجتمعين فيها هدوء وصمت، مشوب بالإندهاش والغضب على ماسمع وشاهد!! وبدأت النظرات تدوربين الجلوس وكلهامتجهة نحو فلان الذي بدى خجلا مكسورا والإصفرار بادياعلى وجهه.
تحرك رئيس الجلسة والمسؤول عن الإجتماع ليغلق الباب وراءها بعد أن خرجت. ثم سأل فلان مالذي حصل؟؟
فأجابه لاشئ!!! فقط نبهتها بعدم تأخيرطباعةالتقرير!! وأقسم هذا كل ماصدرمني وحصل!!
هنابدأ رئيس الدائريعتذرللجميع، وخاصة لفلان صاحب العلاقة، حينما أوضح كان لزاما علي تنبيه الجميع لكوني قد سلمتها صباح اليوم الأمرالإداري بإنهاء خدماتها. وهنا قال لفلان لاعليك، التطاول حصل منها وليس منك وسوف أهتم بالأمر، ولكن إطمئن حتى لوأعتذرت لك فسوف لن تفلت من عقاب وإن كانت ستترك الشركة كليا.
هذه صورة واقعية لحالات وحالات تحصل، وماذكرته حصل أمامي أثناء عملي في الخليج في الثمانينات من القرن الماضي.
هناك حديث للرسول(ص) ينص:
رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس
الحديث يتكلم عن عقل ورأس العقل، بمعنى قمة التعقل، أوأقصى درجات الإستعمال للعقل، هي للإيمان بالله وكيفية التعامل مع الناس. وبعبارة أخرى أقصى مايدلك عقلك عليه هوأن تجد الله وتؤمن به، ومن ثم كيف تداري أوتتعامل مع الناس.
الإيمان بالله يضمن لك راحة البال، والفوزبكل ماتتمناه النفس في المآل. ومن نتائج ذلك، النظرة التفاؤلية للحياة، والفهم المعنوي لها، والإحساس الخلقي بها.
فالمتفاؤل دائما يبحث عن النتجية الإيجابية ليصل لها، وحتى لوتعثروصوله لها، فرصيده التفاؤلي يشجعه على عدم اليأس، وإعادة المحاولة أملا بالنجاح بعد فشل، وحتى لوتكررالفشل وتكررت المحاولة، يكون الوعي بإسباب الفشل عامل مساعد لأخذالعبرة وتغييرالفكرة في الأستعداد للجولة القادمة، حتى يتحقق المراد في الوصول للهدف.
المداراة، تعني التعايش والحياة، وليس التناكش والموات، بمعنى يجب التعايش مع الناس،وقمة العقل أن تتعايش معهم لاأن تقتلهم أوتتعارك معهم!! لذلك صدق المثل القائل:
عدو عاقل خير من صديق جاهل!!
فرغم كونه عدوا لك!! لكن ممكن التعايش معه!! لكونه محكوم بعقله وليس بجهله وحماقته. في حين الصديق الجاهل، ورغم كونه صديق، لكنه جاهل ولاظابط له من عقل وحكمة وبصيرة!! لذلك لاخيرفيه ولارجاء مأمول منه.
نتابع حديث الغربة والتغرب إخوتي:
===================
بمحض الصدفة إلتقيته في باص، لسفرة تطول لأكثر من خمس ساعات، وقبل أن أهم بالجلوس جنبه، بادرني بسلام عليكم، فأندهشت مسرورا لتحيته! وسألته إن كان يعرف العربية؟ فقال: هو يتعلمها ولكنه مسلم.
شاب في أوائل الأربعينات من عمره، ومن أصل هولندي، ويحمل الجنسية الكندية.
بدأ يسألني عن بعض التفاصيل وعن مذهبي سني أو شيعي؟ !!!!!!!!!!!!
فحاولت عبثا التملص من الإسئلة الفرعية، محاولا التركيز على كليات الإسلام وعمومياته، دون التطرق إلى المذاهب الإسلامية، أو المدارس الإسلامية، كما نحاول أن نسميها هنا في شمال أمريكا. ولكنه أصر على معرفة مدرستي الإسلامية!!!! فأنتبهت إلى إن الرجل يعرف الشئ الكثير، وليس بالمبتدأ. فقلت شيعي ولكنني منفتح (أحاول نقل القصة كما جرت دون تلميع!!!!(
سألني الأخ خليل، وهذا إسمه الإسلامي بعد أن كان، (Ken)عن أئمة وخطباء المساجد في شمال أمريكا، وهل هم مؤهلون وعلماء دين؟؟ فأجبته هو المتوقع منهم! فقال إستمع لي، لأبين لك سبب سؤالي عن مدرستك أو(YOUR SCHOOL OF THOUGHT)
كنت طوال حياتي مسلما، وقبل أن أتعرف على الإسلام!!!! وبعد أحداث الثورة الإيرانية، زاد إهتمامي بالإسلام!!! فلجأت لإمام المسجد الذي رحب بي لأعتنق الإسلام على يديه، فكثر ترددي على المسجد وإمامه، وعندما أبديت له إعجابي بالإمام الخميني!!! أبدى إمام المسجد إنقباضه وغضبه مني!!!!!
وبدأ يحذرني من الشيعة، ومن هذه الفرقة الضالة، التي تشتم الصحابة!! وتطعن بنبي الإسلام ورسالته!! و...و...وإضاف بإن إمام المسجد بدأ يتضايق من إسئلتي كثيرا!!! وبدأ يحذرني من كثرة الإسئلة!!! وأنتهيت إلى إن إمام المسجد، سامحه الله، يتصرف كرجل دين كاثوليكي!!! يريدك أن تسمعه!!!!! ولا تسأله!!!!
يقول: قلت له، في مرة من المرات، بأنني حديث عهد بالإسلام، ولا أعرف من هم الشيعة؟ ولا أعرف هل مهم مسلمون؟؟!! أو غير مسلمين؟؟!!!! وإسئلتي منصبة للتعرف على الإسلام أكثر وأكثر!!! وكلما سألتك عن شئ، حذرتني من الشيعة!!! وهذا ما زاد إهتمامي بما يسمى الشيعة!!!! فمن هم الشيعة؟ وهكذا بدأ إهتمامي بالمذاهب الإسلامية، أو المدارس الإسلامية.
والسؤال الآن إخوتي هو: إنني مؤمن وملتزم بالإسلام والحمد لله. ولكنني لست عالما دينيا، أو من تنطبق عليه صفات الداعية في بلاد الغرب. ولكن ما يحز بنفسي!! هم من ينصبون أنفسهم دعاة للدين!! (والدين أسه وأساسه المعاملة والإخلاق والسلوك الواعي المتعقل) وفي الحقيقة، هم متكسبون على الدين!!! ومع تكسبهم، لايحاولون إظهار وجهه المشرق !!!!بل يلجأون للتحجر والتقوقع والتحيز الغير منصف!!! لما وجدنا عليه أباءنا!! وإنا على إثرهم سائرون!!
رحابة الإسلام وقيمه هي الجديرة بشد الناس له، لا أقوال المتنطعين المكفرين!!! والذين لا هم لهم!! سوى تضليل فلان!!! وتكفير علان.!!!
للمرة الثانية تصلني رسالة من قارئ كريم في أحدى الساحات الحوارية التي أنشرفيهاأحاديث الغربة والتغرب، وهويشكك فيها بصدقية أحاديث الغربة والتغرب، ويعتقد بإنهامحض خيال، وتصورات واحداث تشتهيها النفس لكنهاموضوعة بإسلوب قصصي جذاب!!
وبصراحة لا أعرف ماهي الإشتهائية في أحاديث الغربة؟؟ بل ماهو الخيال المجنح الذي يأخذ بها إلى مايفوق الواقع أوالتصور؟؟
لوإستعرض كل فرد منا مامربه من أحداث وخاصة تلك التي آلمته!! وربط بين تلك الأحداث ومسبباتها وإستخلاص العبرة منها،ثم عمل على وضعها بصورة قلمية رصينة كتجارب حياة، لجاءت تلك الصور بماتجئ به أحاديث الغربة وقد تتفوق عليها!! المهم البراعة في فن صياغة الحدث.
مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة، فليس صعباعلى الفرد أن يصبح كاتباأوشاعرا لوكانت عنده الرغبة والإستعداد للبدء.
أتذكرموقفاجمعني بصديق لي مع أحد شيوخ الدين في كربلاء، وكنت يومها شابا يافعا، وكنا نتذاكر قصيدة شعرية ألقيت في الحفلة السنوية التي كان أهالي كربلاء يقيمونها كل سنة بمناسبة مولد الإمام علي(ع).
وكيف غطت تلك القصيدة الرنانة بوقعهاعلى كل الفعاليات الأخرى، من كلمات ومواعظ وقصائد، وتحليلات فكرية وكلها مرتبطة بصاحب ذكرىالمناسبة الإمام علي(ع)، لما تناولته من احداث سياسية تسود العراق، وتأكيد صديقي بإنه من المستحيل له أن يتعلم الشعر ليصل لمستوى السيد محمد الحيدري عميد مكتبة أهل البيت في بغداد وصاحب القصيدة الرنانة في تلك الحفلة.
أتذكرمطلع القصيدة وهو:
الله يشهد والملائك تعلم............إنا بغير الحق لانتكلم
ندعواإلى الإسلام وهو............طريقناوهوالطريق الأقوم
وتنتهي القصيدة التي أخذت بمجامع الحفل السنوي الكبير، ببتي الشعر:
دين تشرعه السماء لأرضنا............ويسن منهجه الأجل الأكرم
لابد أن يبقى قويا راسخا................تتهدم الدنيا ولا يتهدم
أجابه الشيخ لاشئ مستحيل والمهم له أن يبدأ ويواظب على قراءة الشعر العربي، وكلماتحسس موسيقى الشعركلماتفتحت قابلياته لنظم الشعر!!
ودلل له الشيخ على ذلك بقوله: خذ هذين البيتين من الشعر وأقتفيهما في الوزن والمعنى لتصل لأكثر من بيت شعريضاهيهما.
رأيت الناس قد راحوا...........إلى من عنده الراح
ومن ليس له راح..............فعنه الناس قد راحوا
سأله صديقي كيف؟ فغير الشيخ ببيتي الشعر لتصبح.
رأيت الناس قد ذهبوا..............إلى من عنده الذهب
ومن ماعنده ذهب................. فعنه الناس قد ذهبوا
فأستحسنا شرحه وحاولنا تقليده، فلم نفلح، فأبتدرنا ليعطينا إشارة قائلا حاولوا هذه المحاولة، في صدر البيت.
رأيت الناس قد مالوا...................فأكملناله العجزقائلين...............إلى من عنده المال
ومن ليس له مال......................فعنه الناس قد مالوا.
ثم أكمل الشيخ لناالطريقة التي تساعدناعلى نظم الشعر قائلا:
رأيت الناس قد فضوا................إلى من عنده الفضة
ومن ليس له فضة...................فعنه الناس منفضة.
ثم تركناقائلا: حاولواوإقرأو وسوف تصلوا إنشاء الله.
لذلك فليحاول كل من يرى صعوبة في كتابة حديث!! وليسمه من حقل تجاربي: مثلا فقدان عزيز، أو خسارة صفقة، أو موقف إحراج!! المهم محاولة فهم ماحصل وربطه بمبدأ عام لأخذ العبرة وإستجلاء الخبرة مماحصل وجرى.
هذه هي صدقية أحاديث الغربة والتغرب وليست خيالا مجنحا، ولا فلسفة متعالية!!!
أصبح هكذا يندب ويغني إبن الرافدين المسحوق، والفاقد لكرامته وأبسط حقوقه كإنسان يحلم بعيش رغيد وبلد مشيد، لايحكمه محتل، ولاتتسيد فيه شلة مجرمين قتلة بقيادة طاغي مختل.
وبين الحلم الجميل البعيد، والواقع الثقيل العنيد.
الإنفجارات لاتتوقف، ونزيف الدم لاينضب، والحرائق تشتعل، والماء ينقطع، وخطوط نقل الطاقة الكهربائية وأجهزتها تدمر، وأنابيب النفط تفجر، والإغتيالات تستمربلا إنقطاع، وخطف العلماء وعصارة ماأنتجه العقل العراقي قائم على قدم وساق، وكل مايخطرعلى بال من يعرف مفردات الهدم والتدمير، والخراب والتفجير، تحصل وكل يوم، في بلد يملك من الثروة مايكفي العالم كله!!!
إنهاالعراق ودولة العراق!! شعب العراق، وأهل العراق!!
وهكذاتنام وتفيق بغداد، ومعها باقي المدن العراقية، على أصوات الأنفجارات، ورشقات الطلقات!! حاصدة أرواح الإبرياء، من أطفال وشيوخ ونساء!!
وكل ذلك بإسم مقاومة المحتل والإقتصاص من أذنابه ومؤيديه!!!
أية مقاومة تقتص من برئ مغلوب هُجِِرَليعيش في العراء؟؟؟ وأي جهاد ضحاياه صبية ونساء وكهول ليس عندهاماء ولاكهرباء؟؟
لاأعلم هل الساحة تسمح بالنقدالبناء، أم فقط نستمربالنواح والبكاء؟؟
أكثرمن ثمانين سنة والبلد تحكمه أقلية متسلطة جائرة، ليس فقط تسمح!! بل تشجع على عمل االموبقات!! وتحارب المقدسات!!!يرتفع فيهاالصوت الأموي للصلاة، ويخفت فيهاالصوت العلوي بالدعاء، تقرب المتملقين لهاليصبحواعيونا وجواسيس، وتبعد أهل العلم والفكربحجة كونهم أعاجم مناحيس!!!
حكمت فجارت، وتفرعنت فدمرت، لتدخل البلد في أتون حروب لاأول لها ولاآخر. فإعتدت على الجيران!! وإستباحت أراضي الإخوة والخلان!!
نتابع إخوتي: حديث الغربة والتغرب
---------------------------------------------------
سوف يكون حديثناهذه المرة عنالغربة داخل الوطن!!
بعد إنهاء دراستي ورجوعي من بريطانيا كان علي أن أخدم الحكومة العراقية، على عدد سنين البعثة، كوفاء لعقد البعثة الدراسية فتم تعييني في شمال العراق في مشروع تعديني حقلي بعيد عن جو المدينة. كانت أقرب مدينة كبيرة للمشروع هي مدينة الموصل.
يعني كان علينا أن نعيش في ظروف حقلية، وداخل مخيمات أو مجمعات مؤقتة وخاصة بالنسبة للقادم من الوسط والجنوب. أما من كان من مدينة الموصل والمدن الصغيرة القريبة، فكان يتنقل كل يوم بين المشروع ومحل سكنه.
كنا خليطا من مهندسيين وفنيين من مختلف الإختصاصات وإداريين ومساعدين.
بالنسبة للمهنسين أيضا كناخليطامن خريجي الجامعات الغربية، ومعظمهم من بريطانيا، وخريجي جامعات دول أوربا الشرقية، بالإضافة إلى خريجي الجامعات والمعاهد العراقية.
في التجمعات الصغيرة مثل المجمع الذي ضمنا في المشروع، كان الكل قريب من بعضه، وتحت عينه، لذلك كنا شفافين وقريبين من بعضنا، وإن لم يكن بإنسجام وحب ووئام.
عادة من تنسجم معه وترتاح له تقترب منه اكثرمن البقية.
تعرفت على صديق مساح إشيرلإسمه بالسيد زكي من وسط العراق، طيب، شهم ويملك كل صفات العربي الأصيلة، من كرم وأخلاق وحسن معاشرة ووفاء.
لذلك كنت أرتاح له كثيرا، وأحن كثيرالأحاديثه ونوادره الحلوة، وأعتقد كان هناك تقارب أصالة معه، حيث هو سيد ووالدتي بدوية- قروية مثله(أهديت لوالدي السيد!!!) لذلك كنت كثيرا ماأزوره ويزورني في البيوت الحقلية، وتتكون من غرفتين( الغرفة الواحدة تتسع لشخصين) أو القديمة ذوات الأربعة غرف، وكل غرفة مستقلة لشخص واحد، ولكل بيت هناك مرفق صحي منفرد للبيت الخشبي الواحد.
كنانحاول تجنب النادي، ماعدا مشاهدات التلفيزيون، إذلايوجد فيه مايسر!! سوى زعيق وعربدة السكارى، ولاعبي القمار الورق.
في عطلة نهاية الأسبوع كانت جلساتنا مع السيد زكي تطول لساعات متأخرة من الليل ندردش ونتذاكرليالي الريف الجميلة وسوالف أيام زمان أو(أهل كبل) كمافي التعبيرالعراقي.
وذات ليلة وفي وقت متأخر جدا، حوالي الثالثة صباحا، كناجلوسا نتحادث، وإذا بالباب الرئيسي للبيت يصطك مفتوحابعنف شديد، فأنتبهت مرعوبالعنف الصوت!! لأشاهد السيد زكي يبتسم خفيفا، ويؤشرلي بسبابته القربية من أنفه، بإن أسكت ولا أتكلم!!
سألته همسا ما الخبر؟؟؟ وإذابه يؤشرلي بالسكوت مرة أخرى.
سكت مبهوتاعلى وقع أقدام الداخل، وكأنهاوقع حوافرحمارهائج، أوحصان راهص.
هرول الداخل وكان أحد السكارى، من سكنة البيت الذي يسكنه صديقي السيد زكي، إلى المرافق مباشرة، وبدأ مستفرغا مابجوفه من بيرة ومشروبات روحية، وكنا نسمع صوت إستفراغه بتقزز، يكاد يجعلنانستفرغ نحن الآخرين ماأكلناه.
ثم هرول ثانية نحوغرفته، راكلا باب الغرفة بصوت مرعب وكأنه قد كسرالباب!!! ليهوي مرتمياعلى فراشه كالميت!!! ومخرجا صوتاعاليايوحي بإن السريرقد تفكك وتكسر.
حاولت الكلام وإذا بالإشارة ثالثة أسكت!!!
فسكت وقدزاد فضولي لأسأل السيد زكي عما يجري ولماذا يحاول إسكاتي؟
وفجأة نهض صاحبناكالثورالهائج، مهرولا إلى المرافق ثانية، ليقذف ماتبقى بجوفه، ثم عاد بنفس الطريقة مرتميا علي سريره، ليخمد وكأن أنفاسه قد قطعت.
وهنا نطق السيد زكي عاليا تفضل سيدناالآن بإمكانك أن تتابع الحديث.
قلت له: أنت إشرحي لي مالذي يجري؟؟
فبدأ يشرح بإنه منذ سكنه إلى جوار هذا الشخص، وهويشاهد نفس الروتين في كل عطلة نهاية إسبوع، حتى أصبح يعرف خطوات هذا الساكن بالضبط.
وهنا عقب السيد زكي على جاره السكير، ليستنتج عن تصرف هذاالجارالسكيرمايلي:
1- خسرصحته.
2- خسر أكله.
2- خسرماله ومصروفه.
3- تسبب في إزعاج غيره ممن كان نائماليوقظه على ضجيجه وصخب دخوله إلى البيت.
4- تسبب في إتلاف وربما إعطاب إثاث غرفته والبيت.
5- تسبب في نشرالأوساخ والقاذورات التي قذفهامن جوفه للمرافق.
6- تسبب في حرمان الساكنين معه من الصحة والنظافة في المرافق العامة.
7- ......
8- ......
نعم إخوتي إنها غربة في وطن وإيما غربة.
رحم الله الشاعرحينماقال:
وظلم ذوي القربي أشد مضاضة.................على الفرد من وقع الحسام المهند
والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين
وعلى اله الطيبين الطاهرين وعلى اصحابه ومن سار على
نهجه الى يوم الدين وبعد
اخي السيد مهدي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كنت قد أثرت موضوع يغلب عليه النفس الطائفي قبل فترة وقد
قام الأستاذ فارس الهيتي بغلق الموضوع على انه موضوع طائفي
ومنتديات النيل والفرات بعيدة عن هذه المواضيع ولولا بعدها عن مثل هذه الامور
لكنت قد دخلت معك في مناقشته وبعد إغلاق الموضوع قمت بكتابة موضوع عنوانه
احاديت الغربة والتغرب وعنوانه لايدلل على أي امر طائفي وكتبت في بدايته امور متنوعة
ولكنك إنزلقت الى موضوع الطائفية من خلال موضوع الوصاية الذي تحاور عليه العلماء
السنة والشيعة لعشرات بل مئات السنين ولم يتفقوا وكل احتفظ برايه وأنا ممن يخالفك الرأي
في موضوع الوصاية لسبب بسيط وهو إنه ليس من المعقول ولا المنطقي أن يخالف (120000)
الف صحابي من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وصيته وليس من المنطقي ان يسمع كلام
المصطفى صلى الله عليه وسلم حمسة فقط من الصحابة وهو الصادق الصدوق وهو حبيب الآل
والصحابة والاهل والقرابة
أخي السيد مهدي لو استرسلت معك لطال الموضوع وأخذ ابعاد طائفية ولكنني أقول ايها الأخ العزيز
إن من يبحث عن هكذا مواضيع يجدها في منتديات كثيرة فلماذا نقحم انفسنا في مثل هذه المواضيع
في منتدى ادبي ليس له علاقة لهذه المواضيع
بدأت بشئ وأخذت تغير مجرى الحديث الى ان وصلت للموضوع الذي تم تحذيرك منه
دعنا نتحدث عن الشعر ونكتب الموشحات ونترك هذه المواضيع التي أعيت الناس
ثم إنك في معرض ردك على ردي في قصيدة هند اوردت كلمة نصح التي تقدمت بها اليك مازحا
وقلت النصح احسن من الذبح او ما شابه ذلك لانني لست متاكد من نصك فبالله عليك ما هو وجه الشبه
بين النصح والذبح ( اليس في هذ اشارة الى موضوع تداوله النالس ظلما وبهتانا) لا اريد ان اطيل ولو اسهبت
لطال الحديث دون فائده المهم يا أخي ابتعد عن هذه المواضيع ودعنا مع الشعر والادب
وبارك الله بك
وفقك الله لكل خير
هذي مجموعة أحاديث أكتبها من وحي الذاكرة، ولخبرة حياتية تمتد لعشرات السنين قضيتهافي الغربة، بعيداعن مسقط رأسي وبلدي الذي حرمني منه الحكام الطغاة، لانالتهم رحمة الرحمن، ولاأعادتهم الأقدار، ليحكمواالعراق، بلد الخيرات والمقدسات إنه سميع مجيب.
عسى أن تجدوا فيها من العبرة والخبرة وماينفع الشاب في غربته والغريب في محنته.
ليسامحني من لايتفاعل مع الوقائع، ولكن هكذاهي الحياة فيهاالحلو، كمافيها المر، والصامدالمثابرمن تجرع مرها، كما إستذوق حلوها، وإلى أول حديث منها.
إستمالة شيوعي عراقي في بريطانيا
في الستينات من القرن الماضي، وفي فترة شبابي، كنت طالب بعثة في بريطانيا، وبسبب نشأتي الدينية وإلتزامي الديني، كنت قريبا من بقية الجنسيات الإسلامية، سنية وشيعية والمتواجدة في الكليات والجامعات وبقية المعاهد البريطانية. ولكون الحياة في بريطانية منظمة ومتطورة، وأجواء الحرية متاحة للجميع، في تأسيس الجمعيات والتجمعات الثقافية، كنت تجد في كل جامعة وكلية، جمعية إسلامية أوعربية أوشيوعية وغيرها.
فالطلبة أصحاب الميول الدينية، كانوا منخرطين في الجمعيات الإسلامية، وأصحاب الميول القومية في الجمعيات العربية وهكذا.
ولكن كان هناك تمييز معين بخصوص الجمعيات الإسلامية، وهو دمغها بالأخوانجية أو محسوبة على الإخوان المسلمين، حتى وإن كانت غير عربية، أو شيعية. فالدعاية الناصرية كانت تصور كل نشاط إسلامي شبابي هو نشاط إخوانجي!!
ولم يكن للنشاط السلفي المتزمت، أي وجود ظاهرلكنه نمى لاحقا.
المهم كنا في الجمعية الإسلامية، خليط من الباكستانيين وكان عددهم كبيرا ونشيطا، والعرب من جنسيات مختلفة، عراقيين (الشيعة من المراكز الدينية النجف وكربلاء والسنة من الموصل ) وسودانيين ويمنيين ومصريين وإيرانيين وكانو ثوريين شئ ما، وصوماليين وأريتريين وقبارصة أتراك ومن غرب أفريقيا وشرق أفريقيا........الخ.
كنا إخوة متحابين في الله، فلا مذهبية مميزة ولا طائفية، وكنا متعاونين مع بعضنا، والقيادة كانت للطلبة القدامى، وكانت النشاطات تقتصرعلى إقامة الصلاة، وصلاة الجمعة، وصيام رمضان، وإحياء المناسبات الدينية من أعياد وموالد وغيرها. وأهمها كان مساعدة الطلبة الجدد، للتكيف مع ظروف الحياة الجديدة في بريطانيا.
الشيوعيون العراقيين، كانوا منظويين تحت إسم جمعية الطلبة العراقيين، وكان أحدهم شرس جدا، وكثير التحرش بأعضاء الجمعية الأسلامية، ونعتهم بالعمالة لإسرائيل وأمريكا، وأنهم عملاء إستعمار اخوان المسلمين. وكنا نتحاشاه لشراسته وسوء أخلاقه.
كان يعمل على تمزيق إعلانات الجميعة الإسلامية، أوتلطيخها بالحبر الأسود، وكان يحضر إجتماعات الجمعية لخلق المشاكل والشوشرة.
نتابع حديث الغربة والتغرب: ذنوب قديمة!!! ميلي ياحلوة على الجنبين...........هزالصدرمع الردفين جبت الحسن دا كلو منين...........غوشتيني وغاب عن عين أول وآخرمرة في حياتي، أحضرفيهاملهاليليافي بغداد. كان ذلك في منتصف الستينات من القرن الماضي، ويومهاكنت شابايافعاوعائدا لزيارة الأهل من الخارج، وعلى ما أتذكرإسم الملهى كان(ليالي الصفا) إن لم تخن الذاكرة. لم أذهب لذلك المكان بإختياري، بل سحبني له صديقا لي من أيام الطفولة،والدراسة في المدرسة، وكأنه إراد إكرامي لعودتي لزيارة الأهل ومروري للسلام عليه. خرجنانتجول في شوراع بغداد، فأصطحبني لذلك المكان، ولم أشعرإلا ونحن في داخل الملهى. سألته ماهذا؟؟وإلى إين أتيت بنا؟؟. فقال: هي مرة واحدة في العمر.وأنت قادم لزيارة ألأهل. فهل زرت ملهافي حياتك.؟؟ أجبته لاوالله، ولاكان في نيتي أن أزورملهى. قال: لاعليك، وسوف تستأنس بالحضور، أكثرمن إستئناسك بالراقصات والمغنين. كان المكان عبارة عن جنينة كبيرة في الهواء الطلق ،وقدغطت الأضوية الخافتة والملونة بالزرقاء والبنفسجية كل الأشجارفيها، وبشكل يوحي بمنظرشاعري بهيج. ثم خرج شاب للمسرح ليغني بصوته الشجي. الأغنية التي تصدرت الحديث، وأعتقد كان يحاول تقليد المغني الراحل العراقي ناظم الغزالي. المهم، لم أنتبه كثيرا للراقصة وهي ترقص، بقدرماشدني منظرالحضور. خرجت للرقص أكثرمن راقصة، وبين كل وصلة رقص، تتخللها فترة إستراحة لمدة عشرة دقائق. وعندماسألناالجرسون(باللهجة العراقية يمسونه بوي) ماذا تشربون؟؟ قلنا له (بيبسي كولا) فأستغرب الرجل قائلا: جايين للملهى شباب، وتشربون بيبسي!!! كولوا بيرة، عرك مسيح. عندناأبوالبطة وأبوالسبع وأبوسعدة. يعني هذا ماأتذكرسماعه من الجرسون. كل الحضوركان من الرجال، حيث لم ألحظ وجودأي إمرأة. والكل كان منتشي ويحاول الغناء تجاوبامع المغني والراقصة. أمابالوقوف وهزبطنه أومؤخرته، وكنت خجلابعض الشئ. لأنهاالمرة ألأولى التي أحضربهامثل ذلك المكان. وفي فترة من فترات الأستراحة والأسترخاء. حضرأحدهم وهويتمايل ثملا: وكان يحدث نفسه ويتكلم بحزن عصبي عميق، والكلام يمطه مطا من شفاهه. أنا..أنا ..أبو خلييييل يأخذون محلي مع الأسف. ولكم أنأ أبوخليييييييييييل خليييييييييييييل ياخذون محلي مع الأسف. والحضورينظرله مبتسما. وآخرينادي عليه: تعال أبوخليل تعال. محلك إهنا عيوني. وآخريقف ليزيك له( يعني يخرج أصوات بشعة من فهمه. فيييييييييييييييط تسمي عفاطا أوزيكا باللهجة العراقية). وآخريصعد لحلبة الرقص وهويقول متمايلا ثملا أنا راح أركص لكم. بلا جم زيك جم زيك!!!!!!!!! فيزيك له بعض الحضور. بصراحة المكان وبتصرفات الحضور، كان غابة إنسية بكل معنى الكلمة. فيهاالأنس والجنس، وفيهاالبشاعة والفضاعة، وفيهاالجنون والفنون. وفيها وفيها. قلت لصاحبي خلاص يلا بينا. أرجوك شبعنا من هالتصرفات الغريبة. إن كنت تسمي هذاملهى!!! فهوعندي مشقى. وبدأت ألعن الساعة التي حملتني مع صديقي على المجئ لذلك المكان. اللهم إغفرلي ماتقدم وماتأخرمن ذنبي ياغفارالذنوب وياستارالعيوب. نعم كانت خبرة لي في ذلك المكان. والحمد لله لم أجربها مرة أخرى. وإلى حديث آخر.
رحمك الله يابن مدينتي، ياعزيز علي رغم أصلك الفارسي لكنك كنت عراقي النشأة والروح والعقل والمشاعر لذلك جاءت أغانيك وموالاتك خير معبر عن أحلام العراقيين ومشاعرهم.فمن من العراقيين من لايعرفك؟؟؟ أوحتى العرب فأنت صاحب النشيد المعروف:
يابلاد العرب.........جددي عهد النبي
أرضنا ياقوم أضحت......... موطنا للأجنبي
من أقاصي حضرموت....لأقاصي المغرب...........
يعيش الفردمنا بعيدا عن بيئته وجوه ومحيطه الطبيعي وهويعيش في الغرب. حيث وحيث وحيث....الخ وأم المشاكل والمصائب في عيش الغرب هوكيفية السيطرة على الطفل وتنشئته النشأة الصحيحةبإشعاره، صحيح إننا نعيش جو الغرب لكن لناثقافتناوقيمنا الخاصة بنا، و...و....ولكن هيهات في طبيعة الجوالعام والتلفيزيون والمدرسة ..الخ ينشأ الطفل على الجوالغربي شئناأم أبيناوإنا لله وإنا إليه راجعون.
شاهدت إبنتي الصغيرة وهي تنشد لبرنامجا تلفيزيونيا لانرغب لها أن تتابعه!!
صرخت بوجهها ماذا تشاهدين فصرخت: Baba it's an art!! leave it please
(إنه فن إتركه ياأبي من فضلك)
وجاء كل كلامها باللغة الإنجليزية وأعود فأقول إنا لله وإنا إليه راجعون.
إينة الستة سنوات، طفلة بعمر الزهور، تعرف ماهو الفن وتنشد له!!
وهذا ماذكرني بقصيدة المرحوم عزيز علي الغنائية التي ذكرتها في مقدمة الحديث.
كانت أيام الطفولة حلوة في كربلاء حيث نتابع مجالس المرحوم الشيخ هادي الخفاجي صاحب الصوت الشجي (وخاصة نعيه بالطورالبحراني)والمتفنن في مجالسه الحسينية.
ومجالس الشيخ عبد الزهراء الكعبي قارئ قصة المقتل في أربعينيةالإمام الحسين(ع).
فلم يكن هناك تلفيزيون وسينما وأفلام وكلام فاضي، كانت أيام حلوة محببة بحلاوة الطفولة البريئة (يحق لي أن أذرف لها دموعا غزيرة) وحتى الزمان كان زمان خير وطمأنينة!!
فلا عبث ولابعث ولادمار ولا صدام البين والشؤم صدمه الله وأرسله إلى جهنم وبئس المصير!!
والآن أين وصل بن الرافدين العراقي ؟؟ إلى القطب الشمالي!! نعم وصل!
إلى الفلبين وأوستراليا لتبتلعه المحيطات والبحار!! نعم حصل !!
إلى آخر أصقاع الدنيا!! نعم وصل!!
ألا يحق لي أن أبكي وأغني كما غنى عزيز علي ؟
ألعن أبو الغرب...........لابوأبو الغرب
وإشجابنة الغرب..........يرضيك يارب
ضيعناالدرب.............هجرة وبعدتعب
وعراكنااليوم.............مقبل على الحرب
وإلى حديث آخر.
(إضاءة: الحديث كتب من زمن، يعني قبل إحتلال العراق من قبل قوات التحالف)
من يدرس أخلاقيات العقيدة الإسلامية بعناية وروية، فسوف يكتشف البون الشاسع، بين الواقع الذي عليه المسلمين، وتعليمات العقيدة لشرح تلك الأخلاقيات.
إنهاوالله في القمة، بإعتراف المثقفين من غيرالمسلمين واللادينيين.
فمازرت طبيباهنا،إلاوسألني إن كنت ممن يدمن الشراب والتدخين؟؟ وعندماأجيبه، بإن ملتزم بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
ينبري مباشرة لمدح العقيدة الإسلامية، وماتلزم به أتباعهامن مثل وقيم، تحرم الشراب وأكل لحم الخنزير...الخ.
كلنانعرف بإن الكذب والغيبة والنميمة والنفاق، و...و...الخ من الكبائر. ولكن وبكل أسف، جل حياة المسلمين كذب وغيبة ونفاق وكبائر. ولوعي الرسالة للحالة التي عليهاالبشر، نص نبي الله بالقول، وبعد رجوعه من جهادأعداء الله، في بذل الدم والتضحية بالنفس، نص بالقول صادحا:
أنهيناالجهاد الأصغر، وبقى عليناالجهاد الأكبر.
قيل وماالجهاد الأكبريارسول الله(ص)؟؟ وهل بعد الجهاد تضحية بالنفس جهاد؟؟؟
أجاب نعم. إنه جهاد النفس، وكفهاعن هواها.
ثم أنظرواإلى ماصدح به تلميذه، ومن تربى في حجره، معرفاالإسلام بقوله:
لأنسبن الإٌسلام نسبة، لم ينسبهاغيري إلابمانسبت.
الإسلام هوالتسليم، والتسليم هوالتصديق، والتصديق هواليقين. واليقين هوالعمل، والعمل هوالأداء.
ثم إنظرواإلى درره الأخرى وقوله:
قيمة كل إمرء مايحسنه.
الله اكبر. الله أكبر، هذه هي أخلاقيات الإسلام، في العمل والأداء في العمل، ليصبح القيمة التي تقيم المسلم.
فأين واقع المسلمين من هذه المبادئ العظيمة؟؟؟ التي جعلت مناخيرإمة، أخرجت للناس تأمر بالمعروف، وتنهى عن الفحشاء والمنكر!!
لنواصل ونقارن:
طلبت مني إبنتي الكبرى، الذهاب لدائرة المرورقسم دفع الغرامات. وذلك لدفع غرامة، بسبب وقوفهافي موقف غير مخصص للسيارات.
وصلت الدائرة المنظمة والنظيفة الهادئة، لأشاهد طابوراصغيرا يقف أمامي، لدفع ماجئت لدفعه.
ولحد ألآن كل شئ عادي. حيث يستلم الموظف تذكرة الغرامة، ويدفع المراجع ماعليه من تغريم، ويستلم وصلا بذلك، سالكاطريقه للخروج من الدائرة.
وعندماجاء دورالشخص الواقف أمامي في الدور. سمعته يقول للموظفة:
جئت لدفع غرامة مخالفة.
فطالبته بتذكرة المخالفة. ليقول لها:
لم يوقفن شرطي، بل جئت متطوعامختارالدفعها.
شكرته الموظفة وسألته: وماهي مخالفتك؟؟؟
أجابها: كنت مشغول البال، فتجاوزت الضوء الأحمر!!! (مخالفة كبيرة تستوجب دفع غرامة كبيرة، وتحميل رخصة قيادة السيارة، نقاط إنذار) وحمدت الله كان الشارع فارغا من مروربقية السيارات.
ردت عليه: نسامحك هذه المرة، وشكرالمجيئك.
أجابها: لا، يجب أن أغرم على ماقمت به، تطبيقاللقانون والنظام.
ردت عليه : حسنا 20.0$ فقط هذه المرة، ثم إبتسمت له.
وكل ذلك جرى أمامي.
هذاالتصرف أستوقفني كثيرا، وتركني مشغول البال. سائلا نفسي أليست هذه أخلاق الإسلام التي أمرنابها؟؟ فأين نحن عن مثل هكذاأخلاق؟؟
نعم هوشخص واحد، شاهدته بنفسي. وليس كل من في هذاالبلد يعملها. لكنه الإحساس بالمسؤولية وواجب الرضوخ للنظام.
أتذكرعندماكنافي دروة تدريبة في اليابان، سمعناعن ياباني إنتحر!! لأن رئيس وزراء ذلك البلد، مسكوه في قضية فساد!!!
وعندماناقشنااليابانيين عن ذلك. ذكروابإن الشعورالوطني قوي عند البعض، لذلك يتضجرون من كل فساد يصدرمن ياباني، فيفرغون غيضهم على أنفسهم. وهذاماذكرني مايفعله عندنا، بعض الشيعة في مراسم عاشوراء كربلاء، حيث يفرغون غيضهم على أنفسهم، بجلدها وجرحها.
نعم هي حالات نادرة، لمواطنين واعيين وحساسين لواجب المسؤولية وحفظ النظام.
تذكرلناكتب السيرة، بإن جرحى المجاهدين في معركة أحد، كانوايتبرعون بأدوراهم في شرب الماء، لمن جاورهم من أخوانهم الجرحى. يعني الجريح المسلم يرفض آخرجرعة ماء في حياته، للجريح المسلم جنبه!!!!
الله أكبر.... هكذا المواساة والتضحية التي يربي الإسلام أبناءه الغيارى عليها.
وإذاكانت الغالبية من البشرالمتحضرة في هذه البلدان، تدفع الغرامة عن طيب خاطر. فنحن نتهرب من الخطأالذي نقع فيه، لنرميه على غيرنا!!!
لكن لوإلتزم المسلم بإسلامه، وتخلق بقيمه وتعاليمه. فهوالأولى والله بمثل تلك السجاالباهرة والخصال الشاهرة للقيمة الإنسانية التي تميز البشر بإنسانيتهم وأصالة حريتهم.
اللهم ثبت قلوبنا على دينك،وسدد أعمالنالنهج نبيك، والسالكين طريق آله الطيبين الأطهار، هداة البشرية ومثال الشخصية الإسلامية.
هكذا واجهتني زوجتي، وبهذه العبارة المفحمة!!! فسكت بعد أن تفهمت موقفها. لم أكن متجاوزاعليهابسؤالي. وذلك بعد أن أطالت حديثهاعلى التليفون، وكنت محتاجاله. عارف. سيقول البعض، أليس عندك جوال يغنيك عن التليفون الأرضي؟؟ بصراحة لا. لاأفضله ولاأحبه وأحاول تجنبه قدرالإمكان. لاأحب الجوال، ولاأحب ربطة العنق الكرافتة، ولاأحب ساعة اليد. ولاأحب الرسمي من اللباس. بل أفضل أخف اللباس. ولوسمح لي الظرف، لتحررت من كل لباس، إلا اللباس الداخلي، الذي يستر جسمي. نعود إلى عنوان الموضوع. نعم تطيل العراقييات الحديث على التليفون فيمابينهن، بل وحتى العربيات. لابل كل النساء. ثرثرة النساء على التليفون لاتستهوي الرجال، وليس من عادتي التلصص على حديث زوجتي. لكن بحكم جلوسهاجنبي، أسمعهاتثرثرمع زميلاتها. وجل حديثهن عن الملابس والحاجيات، وماذافي السوق؟؟ وهل شاهدت وحضرت عند فلانة؟؟...الخ من خريط النساء)مع إحتراماتي لكل أخت تقرأ الحديث). في نظرالرجال، ثرثرة النساء عبث، وربماخبث! وخاصة حينمايتم تناول سيرة الغيربالنقد والقدح. لكن هناك أموراإيجابية كثيرة من تلك الثرثرة. ومن تلك الأمورإخباربعضهن البعض، عن الحاجات الرخيصة والجيدة في السوق. حيث تسارع الصديقة الحميمة،إلى إخبارصديقتهاعن حاجة ممتازة وبسعرمناسب. وهكذاكان الحديث مع أم البنين، حيث جرني الحادث للكتابة عنه. سارعت الزوجة المحترمة للسوق، وعادت مثقلة بماإشترته من حاجيات للبيت. ثم طلبت مني مساعدتهابإنزال الحاجيات، فعلقت: تتسلين بالثرثرة مع زميلاتك. ثم تتسلين باللف والدوران في الأسواق، لإختيارمايروق لك من ملابس وحاجيات. وماعلى الرجل سوى خدمتك بدفع الفواتير، وتحمل التعب والنصب في حمل المقادير. فردت، وأنت خليك بثرثرتك مع جماعة النت. مهاترات ومناكفات، وفي الآخرمضيعة وقت، تسميها تسليات. قلت: لايابنت الحلال. جربي حوارات النت، وسوف تستهويك وتسليك. فردت: لالا خليك أنت بحالك وأنابحالي. نعم. هنامجال للأخذ والردبين شركاء الحياة، وممن يحويهم بيت واحد. قدتكون الأمورعادية في بلداننا، لكنها ليست كذلك في الغربة والمهجر. هناالأمورمعقدة ومضنية، تعافهانفس العربي، ممن تعودعلى السهل والمريح. فالبيت مفتوح في بلداننا،وسفرة الطعام جاهزة بمالذوطاب للخطاروالأحباب. لكنهاليست كذلك في بلادالغرب. فهناحتى الزيارة لصديق حميم، تحتاج للتفكيرقبل إتخاذالقرارللقيام بها. فبداية هل هي زيارة شخصية أم عائلية؟؟ وهل الزوجة مستعدة ومبادرة؟؟ ويجب أن يكون هناك سبباوجيها، يستدعي الزيارة......الخ من مشاكل يجب تصفيتهامع الزوجة، قبل إتخاذالقراربالزيارة. وبعدإتخاذالقرار.يجب أن تتصل به تليفونيا، وتستطلع أحواله،إن كان فاض ومستعد لإستقبالك!!!!!!!! فإن إحسست بإن مزاجه رايق للزيارة قمت بها. وإلاعليك إلغاء الفكرة. لاتستغربواقرائي الكرام. نعم هكذاهي الحياة في الغرب. مملة قاحلة ماحلة. لاتستهوي العربي الذي تعودعلى الكرم،وزيارة الإحبة من عرب وعجم. نعم حاول بعض إخوتناالعراقيين، القادمين من دول الخليج وغيرها. وممن أبعدهم المقبورصدام الشوم من مسقط رأسهم، إلى دول الجوار،أوالدول المانحة للآجئين. حاولواأن يخلقواالجوالعربي والإسلامي، بإقامة الديوانيات في بيوتهم وشققهم، وهناك من فتح مقهى عربي، وآخرمطعم وهكذا. لكن يبقى نجاح هؤلاء محدود جدا، بإزاء حجم الجاليات العربية في الغرب. والمشكلة التي برزت وبشكل صارخ للعلن، هوتقليد المرأة العربية المغتربة لنظيرتهافي الغرب. فرغم حجابها وإلتزاماتها الخلقية. لكنها بدأت تتعلم بإن للمرأة خصوصية، ونوع من الإستقلالية عن الزوج والرجل. وخاصة ممن بدأن يتعلمن ويدرسن لتوسيع ثقافتهن، لتتوسع مداركهن. أماالجيل الذي تربى وولد في الغرب، فحدث ولاحرج. يعني شيئ طبيعي أن تردعليك إبنتك، وبلهجة عنيفة واثقة.
IT’S MY BUSINESS AND NOT YOURS DAD.
إنه شيئ يخصني، ولايخصك أبي!!!!. ثم إصبح مايخص البنت أوالولد(بزنس) يعني نصيحة الأب والأم للجيل الصاعد، ينظرلها الجيل على إنها مصلحة، وليس تعاليم مراعاة للتقاليد والدين. ياسلام. شوف عندك ياسلام. شوف أبوالزيد الهلالي.........غربة صارت بالعلالي وإسمعواالزيرالمهلهل...........للجليلة صاروالي يعني كمايقول المثل العربي(عرب وين طنبورة وين) يعني لايكفي أن يسمع الزوج زوجته، تعنفه بإن لايتدخل بعمل النسوان. أصبحت البنت اليافعة، وبعمرالزهور. هي الأخرى تطلب من الوالد، بإن لايتدخل في تصرفها!!!!!!!!!! وعلى غرارإنشاد المرحوم المغني العراقي عزيز علي، وأغنيته الوطنية: يابلاد العرب.................جددي عهد النبي
أرضناياقوم صارت........موطناللأجنبي
من أقاصي حضرموت......لأقاصي المغرب يقول السيد مهدي: يابلاد العجم..........صرت فيك أنتمي
هكذاإجتمعن العراقيات، يغنين وينشدن في حفلة زفاف، لعراقية تتزوج في المهجر.
كنت أنتظرفي السيارة لحين عودة إبنتي الصغيرة، من القاعة الكبيرة التي جمعت العراقيات، ونواعم عربيات أخريات وغيرهن، وهن يحتفلن بزفاف عراقية تزوجت من عراقي في بلاد المهجر.
وماأن فتحت إبنتي باب القاعة لتخرج، حتى سمعت الجلبة والهيصة وأنغام الموسيقي الصادحة، وغناء العراقيات:
إحنابنات المنصور............وبيوتناكلهاقصور
إحنابنات الكوفة...............والناخذة مانعوفة
علت وجهي إبتسامة خفيفة لكنهامن القلب، وتمنيت أن أشارك المجتمعات فرحهن بالعروسة العراقية، لكن هيهات، وقدنقلنا تقاليدناالشرقية، التي تحرم الإختلاط في مثل هكذا مناسبات.
إنهامناسبة فرح، وفي الأفراح يكون هناك إجتماع، ومظاهر إبداع، في اللبس والمأكل والمغنى وبقية الفاعاليات.
وعندماتجتمع العراقية بنظيراتها من العراقيات تتذكرمدارج صباها، وبيت نشؤوهاوحماها، وبقية أهلهاومسقط رأسها.
والكل عارف بإن الزواج سنة الله في خلقه، وأيضاعارف بإن المرأة، حينماتظهربزينتهاورونقها،يتغيرشكل العالم في نظرالرجل، لتظهرالبهجة والأنس والسرور، وكل أنواع الحبور، ليخشع قلب مؤمن، خشية الوقوع في الحرام، كماتتفرعن شهوة الجنس، لإمتلاك من تأسربرقتها، وتسحربإنوثتها، لتسكر بجاذبيتها، ليتحرك الوجدشعرا، ونظم الغزل توشيحاوسحرا.
ياغزال الروض واوجدي عليك....كاد سري فيك أن ينهتكا
هذه الصهباء والكأس لديك.........وغرامي في هواكاإحتنكا
إسقني كأساوخذكأساإليك...........فلذيذالعيش أن نشتركا
نعم إنهاغربة عن الوطن والأهل، غربة عن الجووالمحيط والعيش البسيط. ولكن رغم كونهاغربة، فهي رحيمة حميمة، يسعفك مستوى المعيشة والحياة فيها، لتستحضرعبروسائل الثورالتكنولوجية في نقل المعلومات، جوبلدك وأهلك ونمط حياتك، لكنهاتظل غربة بالمعنى الحقيقي.
كان لنا جار فرنسي، شديد الحذرمن التعامل معنا!! وينظر لنانظرة ريبة وترقب!!! مع إننا جاورناه لفترة ليست بالقصيرة.
ومع إنه لم يحصل أي إحتكاك غيرمرضي بيننا وبينه، لكنه كان متحفظا من التقرب منا.
وعادة الغربيين لايتواصلون مع الجارإلا نادرا، حيث الكل محتفظ بإستقلاليته ومحيطه. لكن علاقة الجوار، تظل علاقة إحترام. يعني بدون أي تجاوز، ولوحصل تجاوزفالناس مؤدبة هادئة تعتذرللتجاوز الغير مقصود.
المهم كنت أجلس في حديقة الدار، مستمتعا بدفء شمس الربيع، وزهور التولب التي تزين الحديقة، ولم أكن منتبهالدارالجيران ومايجري فيها.
وفجأة سمعت صوتا هادئا يحييني، ومستبشرا بقدوم فصل الربيع الجميل وطقسه الخلاب الذي ينتظره الجميع، للخلاص من جوالشتاء بثلوجه وزمهريرية برودة طقسه.
رددت له التحية بشكل طبيعي وبدون إندهاش، لأبارك له كذلك مجئ الفصل الربيعي وجوه الهادئ المفعم بالراحة من تجاوزهراشة فصل الشتاء.
وكعادة العربي المضياف دعوته لتناول كوب قهوة معي. إكراما له بفتح باب التعارف والحديث.
فوافق شاكرا دعوتي، لننعم بالحوارالتالي، وعنوانه الذي تصدرحديث الغربة الحالي.
دارحديث طويل بيننا، معتذرا بعدم معرفته بتقاليدنا، ليفتح باب التزاور.
طمأنته بإن لايبالي لذلك. حيث سبق لي العيش في أوربا، وأعرف طبيعة الغربيين. فأرتاح كثيرا لمعرفة بعض من ماضي معيشتي وتفهمي.
بدى متفهما بعض عادات المسلمين، وخاصة حجاب النساء. لكنه لم يفهم حجاب بناتي الشابات وحتى الصغيرة.
فضحكت من تفهمه المقلوب لمسألة الحجاب، لأنبه لفهمه الخاطئ.
قلت له بالعكس، الشابة هي المفروض بها تتحجب محتشمة، لكونها في قمة رونقها ونظارتها، وليس الكبيرة التي يسقط عنها الحجاب، كلما تقدم بها العمر، وأصبحت غيرمثيرة لفضولية نظرالرجل وشبق الجنس عنده.
وأكملت شرحي له، بإن لاوجوب لحجاب الصغيرة، لكن نحجبها مبكرا لتتعود عليه عندما تكبر.
فأبدى الرجل كثيرمن التفهم، وأيدني في فكرة الحجاب الصحيحة.
ومن هذه النقطة جرنا الحديث، لأكتشف بإن صاحبي لامنتمي. بمعنى لايؤمن بفكرة الدين، ولايلتزم بها.
بل يعيش ليومه ملتزما بالقانون العلماني الذي يحكمه، ويحاول الإستمتاع بمتع الحياة مادامت مشروعة، لاتتجاوز على حريات ومعتقدات الآخرين.
وهنا حالة واقعية، فيها بعضا من المثالية والتفرد. حيث يلتقي منتمي(وهو أنا المسلم المتلزم)- وصاحبي اللامنتمي(الذي لايؤمن بأي إلتزام غير إنصياعه للقانون العلماني الذي يحكمه).
تقبل الله الطاعات من الجميع في هذاالشهر الفضيل، أعاده الله على الجميع باليمن والبركات.
إن لهذا الشهر العظيم طعم خاص في بلاذ الغرب، حيث يلتقى المومنون على مائدة إفطار واحدة، وحيث ينعم العازب بإفطار جاهز بعكس بقية أيامه.
وحيث الأدعية المأثورة المعتبرة، وحيث الصلاة جماعة، وحيث.......وحيث........وماشاء الله شهر كله عطاء وحيوية ونشاط.
وتلاقي روحي وصلواة، فحيا الله رمضان بخيره الوفير وعطائه البثير.
من خواطر رمضان الحلوة، وذكرياته المرحة والمرة في نفس الوقت.
هي أول صيام لي في بلاد الغرب، حيث طلبت من صاحبة البيت (اللاند ليدي) الذي كنت أسكن فيه. بإن تهيئ لي إفطارالصباح التالي، لأتناوله مساءافي الساعة الثانية عشرة ليلا. ليكون سحوري لصيام اليوم التالي.
سألتني عن السبب، فشرحت لهامناسبة رمضان، وأخبرتها بأنني سوف أكون على هذا المنوال لمدة شهر.
ثم تابعت لتسأل: وهل سوف تقاوم لمدة شهر؟؟ بدون أن تتضايق خاصة!!! وإنك تعيش بعيدا عن جوبلدك، ومايجري في من عادات وتقاليد!!
شرحت لها: بإن الصيام ليس عادة أو تقليد، لكنه واجب ديني.
فإستدركت، لكنك لست في بلدعربي وجو إسلامي، ولايوجد مسجد قريب منك، لتمارس به طقوسك الدينية!!
شرحت بأن الإلتزام بالدين، والتمسك بتعاليمه لاتحتاج لمسجد أوجوديني.
فالإنسان المؤمن، هو الذي يخلق الجو الديني، لأنناكمسلمين، نفهم الحياة، فهما معنويا(مقدمة لحياة أخروية لاعناء ولاإبتلاء) ونحس بها إحساساخلقيا(كل شئ وفق مايقرره رب العباد لعباده).
وكما يعبر شهيد الإسلام الخالد السيد محمد باقر الصدر(طيب الله ثراه) في:
تمهيد كتاب فلسفتنا.
المهم كان جوابها الأخير،لامانع عندهامن أن تقدم لي فطوري الصباحي، مساء في الساعة الثانية عشرة، من كل يوم ولمدة شهر.
ثم عقبت وماتقوم به هوشأنك، لكن فهمكم للدين يسترعي ويستدعي التأمل!!!!.
الظاهر بإن صاحبة البيت (اللاند ليدي) حكت لزوجها ماحدث!!
فسألني مازحا، إن كنت سأنجح في تغيرهم؟؟ أو التأثير عليهم في إعتناق الدين الإسلامي. يعني إسلمتهم!!!
(ويومها كنت لا أزال شابا مندفعا وبخلفية متعصبة، بعض الشئ. وفي نفس الوقت معتقدا، بإن كل مسلم هو قمة في التقوى والإيمان والكياسة والنباهة!!! وكل ماهوغير مسلم سئ وردئ وفاسد لا ينفع لشئ!!!):
قلت له:لووافقتني وإسلمت سوف أبني لنفسي قصرا في الجنة وسوف أعطيك غرفة فيه!!
ضحك الرجل وأجابني بخبث ظاهر، ربنا المسيح أعطانا كل شئ، وجعلكم تأتون هنا، لنعلمكم الثقافة والعلم وكل أصول المدنية.
فأنتم همج رعاع، لا تعرفون من الحياة العصرية المدنية شئ وكل ماتحسنونه القتل وإراقة الدماء. !!!!
كانت لغتي الإنكليزية، ليست بالمستوى الذي يجعلني أفهم كل ماقاله!! ولكن حفظت الكلمات الجديدة التي سمعتها منه.
فسارعت لغرفتي، لأفتح القاموس باحثاعن الكلمات الجديدة التي سمتعتها منه!!
عرفت بإن الرجل قد شتمني وأهانني، فدمعت عيني!! وعقدت العزم على ترك ذلك البيت،والبحث عن بيت آخر.
لكنني تذكرت الصعوبة التي واجهتني، في الحصول على سكن فبلعت المر وسكت.
ولكنني كنت أغلي في داخلي، وتمنيت لوإنني لم أقل ماقلته.
في اليوم التالي، لم أستطع أن أخفي تؤثري وزعلي من زوج صاحبة البيت. وعندما حييتني اللاند ليدي في الصباح، جاء ردي على التحية فاترا.
وكنت منقبضا بعض الشئ، فعرفت بإن زوجها قدأغاضني.
تقدمت مني بحنان، وإبتسامة ودية ماسكة بيدي. وقالت لاعليك فسوف لن يزعجك زوجي بعدألآن، وماقاله كان مجرد مزاح.
لأول مرة في حياتي، وكنت لاأزال شابا مراهقا، تمسك بيدي إمرأة أجنبية، بحنية وبمودة ظاهرة!!
شعرت يومها، وكأن بدني قد أصيب بتيار كهربائي خدر كل أعضاء جسمي، فشعرت بالخوف والحياء والخجل ليحمر وجهي، وإستأذنت بالذهاب لغرفتي.
لاحظت هي حالتي، فتبعتني لتسألني إذاكنت بخير؟؟؟ أوإن شيئا ماقد حصل لي!!! قلت: لاشئ ولكنني لست معتاد أن تمسك بيدي إمرأة، وأنت أول من فعل ذلك.
فضحكت قائلة أنت هنا في بلد الحرية والإنفتاح، وأوعدك سوف أجد لك صديقة، تعلمك أصول الحياة الإنجليزية!!
كنا أطفالا صغارا، والمناسبة مناسبة عيد. ومن كانت تلاعبنا فتاة عراقية كربلائية، في مقتبل النضج والشباب.
كان ذلك في مدينة كربلاء وفي أواخرالأربعينات من القرن المنصرم. حيث كان المرحوم الوالد، يملك خانا كبيرا لخزن الحبوب والتمروغيرها، حسب المواسم الزراعية.
وبجانب خان الوالد المرحوم، كانت هناك مسافرخانة كبيرة، مايشبه الهوتيل أوالفندق من الطراز القديم، لإستقبال زوارالإمام الحسين(ع) في المناسبات الشيعية.
وكان صاحب المسافرخانة يؤجرها للمعوزين وضعيفي الدخل من المواطنين الكربلائيين، في غيروقت الزيارات الشيعية المعتادة لمراقد الإئمة، حيث كان يشرف ويمتد طابقهاالأول على مجموعة كبيرة من الدكاكين المؤجرة أيضا.
وبين عمودين من الأعمدة الحديدية التي كانت تحمل شرفة الطابق الأول ربطت تلك الفتاة الكربلائية حبلا سميكا، لتعمل منه إرجوحة نتسلى بها نحن الصغاربمناسبة العيد، تحت إشرافها ورعايتها.
وكانت هدايا العيد النقدية تملأجيب كل طفلا منا، نقودا من العملة العراقية القديمة، من فئة الفلس والعانة وأم العشرة فلوس والقران، ومحظوظ من كان يملك درهما عراقيا.
وكنا نعطي تلك الفتاة التي تعلقنا بها، لتسلينا وتلاعبنا بإرجوحتها الحبلية البائسة، بعض النقود، كل حسب إقتداره وطول المدة التي يركب بهاالأرجوحة.
وفي ثاني يوم العيد، تجمع عددا كبيرا من الأطفال الصغاريبحث عن الأرجوحة وتلك الفتاة الحنونة علينالتلاعبنا وتركبناأرجوحتها، مقابل مبلغا زهيدا من الفلاسين العراقية.
ولكن لم نرالأرجوحة ولاصاحبتها.
لقد إختفت، وبدء بعض الصبية بالبكاء، يريد ركوب الأرجوحة التي أختفت مع صاحبتها.
وفجأة ظهرالحاج كريم، ليقول لنا: روحوا بعد ماكو مراجيح.
وبعد النضج العمري، كنت أتذكربعض ماسمعته ولم أعيه وأنا صغير، بإن بعض الشباب الكربلائي، قد تحرش بتلك الفتاة، بسبب نضجها ونظارتها، فأوقفت عنايتها وإهتمامها باطفال المحلة، لتتوارى في محل سكناهاالمؤجر، في تلك المسافرخانة.
لقد حرمنا ونحن صغارمن كل شئ، فلاتلفيزيون ولاأنترنيت ولاألعاب مسلية ولاأي شئ يلهي الطفل وينمي مواهبه العقلية وقابلياته الفكرية.
وحتى عندما يحصل ظرف يساعد الطفل على تعلم شيئا ما، أوتسلية بريئة تحرمه الظروف منها. ومثال فتاة الأرجوحة شاهد على تلك القصة التي عشتها وأنا طفلا صغيرا.
وقد يضحك البعض على هذه القصة التي نقلتها كصورة قلمية لماعايشته في إربعينات القرن المنصرم. نعم يضحك ويهزرأسه ويقول: وأين أنت من الصورة القادمة في القرن الواحد والعشرين من العراق، وصبية بعمرالزهورتعلوهم الأوساخ والذباب الطائربقرفه وميكروباته المتطايرحولهم.
نعم بكل أسف هذا هوحال العراقيين في أواخرالقرن العشرين وبداية القرن الواحدوالعشرين! بسبب الحاكم المقبورالذي سام الشعب العراقي قهرا وسجنا وتقتيلا، حتى أوصله للإحتلال والمنطقة كلها للإختلال.
وكل ماأتذكرما مرعلى بلدي وأهلي ينتابني الحزن والأسى،وألوم نفسي لأقول: