الحلقة الرابعة - تقرير الكونجرس حول أحداث 11 سبتمبر
الوجود العسكري الأمريكي بالخليج .. أخرج الإرهاب من القمقم
كتب : مرعي يونس
دخل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة دائرة اهتمام مكتب التحقيقات الفيدرالي بعد الهجوم الأول علي مركز التجارة العالمي في فبراير 1993م. وعلي الرغم من أن المكتب لم يربط الهجوم باسم بن لادن ربطاً مباشراً. إلا أن التحقيقات انتجت معلومات مفادها أن إسلاميين. من بينهم المشاركون في الهجوم. قد تم تجنيدهم في مكتب الكفاح للاجئين ببروكلين في نيويورك وتم إرسالهم إلي معسكرات تدريب في أفغانستان لمقاتلة الجيش السوفيتي في باديء الأمر ثم لخوض جهاد ضد الولايات المتحدة بعد ذلك. وفي عام 1993. أعلن مكتب التحقيقات عن وجود مؤامرة لنسف الجسور والأنفاق ومعالم أخري في نيويورك. وأدي التحقيق إلي إدانة الشيخ الضرير عمر عبدالرحمن لتحريضه آخرين علي ارتكاب جميع أنواع الإرهاب في عام 1993م وعندئذ أصدر بن لادن فتوي بالانتقام لحبس الشيخ الضرير.. وأكد ذلك في بيانات صحفية لاحقة.
يحاول تحقيق الكونجرس في هجمات 11 سبتمبر وضع هذه الهجمات في بيان تاريخي أوسع. زاعما ان هذا الحدث الرهيب يمثل ذروة اتجاه جديد في الارهاب. ربما تكون بدايته حادث تفجير السفارة الأمريكية وثكنات المارينز في بيروت عام 1983. ومع ذلك يعترف التحقيق ان هذا الاتجاه أخذ يتبلور بصورة أوضح خلال التسعينيات. وبالتحديد مع محاولة تفجير مركز التجارة العالمي 1993. وتزامنت هذه المحاولة مع اعتقال 18 شخصا بتهمة التآمر لنسف معالم نيويورك وكان من أبرز المتورطين "الشيخ عمر عبدالرحمن" واكتشاف مؤامرة "بونيكا" التي كانت تستهدف نسف السفارتين الأمريكية والإسرائيلية بمانيلا وخطف طائرتين واغتيال البابا وتدمير مقر ال "سي آي ايه".
ويقر التحقيق حقيقة هامة طالما أغفلها الكثيرون وهي ان حرب الخليج الثانية "تحرير الكويت" وما أسفرت عنه من وجود عسكري أمريكي ظاهر ومكثف في دول الخليج قد أطلق الإرهاب الديني من عقاله وإخرج المارد من قمقمه وراح المتشددون وعلي رأسهم بن لادن يجاهرون علنا برغبتهم في قتل الأمريكيين حتي علي أرضهم.
ويرصد التقرير التغييرات التي طرأت علي شكل الإرهاب بعد صعود القاعدة ويقول ان هذا الصعود أحدث تغييرا في الرؤية الأمريكية للارهاب ورغم ذلك يوحي التقرير ان هجمات 11سبتمبر كانت فوق تصور الأمريكيين. ولذلك لم يستطيعوا منعها رغم كل الدلائل التي توافرت علي حدوثها.
ويعدد التقرير خمس سمات اتسم بها تنظيم القاعدة معترفاً بأنها أذكي وأقوي تنظيم إرهابي خلال القرن العشرين تفوقت علي الالوية الحمراء في ايطاليا والجيش الأحمر الياباني والجيش الجمهوري الايرلندي.
من التساؤلات الأساسية التي طرحها التحقيق هو ما إذا كانت أجهزة الاستخبارات والأمن الأمريكية قد أدركت بصورة كافية طبيعة التهديد الذي تشكله الجماعات الإرهابية الدولية علي الولايات المتحدة؟ للإجابة علي هذا السؤال. درس فريق التحقيق تطور التهديد الارهابي علي هذا البلد وما تعلمته أجهزة الاستخبارات الأمريكية أو ما كان ينبغي أن تتعلمه من كافة المصادر والتجارب. بما في ذلك الهجمات الإرهابية السابقة حول طبيعة هذا التهديد.
ويؤكد التقرير ان فهم هجمات 11سبتمبر يتطلب النظر إلي هذا الحدث الرهيب من منظور تاريخي أوسع من تفاصيله. لذلك توقف التحقيق عند الأحداث الارهابية الكبري التي وجهت إلي الولايات المتحدة خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من بينها:
- تفجير السفارة الأمريكية وثكنات المارينز في بيروت عام 1983 من جانب الجهاد الإسلامي.
- اختطاف واغتيال وليم بكلي مسئول ال "سي آي ايه" في بيروت عام 1984م واختطاف مواطنين أمريكيين في لبنان بعد ذلك.
- تفجير مطعم كان يرتاده عسكريون أمريكيون بالقرب من قاعدة توريجون الجوية في اسبانيا في ابريل 1984 بواسطة جماعة حزب الله التي تدعمها إيران.
- تفجير ملحق السفارة الأمريكية ببيروت في سبتمبر 1984
- اختطاف طائرة تابعة لشركة ترانز ووردل ايروايز الأمريكية في يونيه 1985م.
- اختطاف السفينة اكيلي لاورو في اكتوبر عام 1985م.
- اختطاف طائرة مصر للطيران القادمة من أثينا في نوفمبر 1985م.
- الهجوم الذي شنته جماعة ابو نضال علي مطاري روما وفيينا في ديسمبر 1985م.
الرؤية القديمة
قبل صعود القاعدة في أوائل التسعينيات. كانت هذه الهجمات وافعالها تشكل رؤية الحكومة الأمريكية للاسلوب والطريقة التي تتصرف بها الجماعات الارهابية. وبصفة عامة كانت الولايات المتحدة تنظر إلي هذه الجماعات علي أنها ادوات تستخدمها دول ترعاها ولم تكن تهتم باحداث وايقاع ضحايا باعداد هائلة.. وقد عبر عن ذلك برنت سكوكروفت مستشار الامن القومي السابق في شهادته امام التحقيق بالقول :
"حتي اواخر الثمانينات. كان الأرهاب ظاهرة ترعاها أو تساعدها دولة أو تتسامح ازائها. لذلك كان من الطبيعي أن تفكر في ردع الارهاب او تتعامل معه من خلال الدولة التي ترعاه اكثر مما تفكر في التعامل مع التنظيمات الارهابية مباشرة.
ويمضي سكوكروفت قائلا : وثمة نقطة أخري هي انه لم يكن هناك في ذلك الوقت تنظيمات ارهابية ذات تمدد وانتشار دولي وكان ذلك في نظرنا يعني أنه بينما الافراد الامريكيون والمصالح الامريكية غير محصنة فان الداخل كان محصنا.. كانت التنظيمات الارهابية تبدو في نظرنا اما انها اقليمية أو متصلة بمسألة اقليمية. وعلي الرغم من أنه كان يعتقد أن حزب الله كان يقف وراء العديد من الاعمال الارهابية التي وقعت ابان ادارة الرئيس الأسبق رونالد ريجان فان هذه الاعمال كانت تبدو لنا احداثا مستقلة وغير منسقة اكثر منها استراتيجية شاملة.
بدأ الارهاب الموجه نحو الولايات المتحدة يتسم بمجموعة مختلفة من السمات والاشكال في التسعينيات مع ظهور بن لادن كتهديد للولايات المتحدة. كان بن لادن عاقدا العزم علي ضرب الولايات المتحدة من الداخل.. واكتشفت المخابرات الامريكية دلائل عديدة علي وقوع هجوم ارهابي وشيك من جانب القاعدة في ربيع وصيف عام 2001م.
سلالة جديدة من الارهابيين
سدد الارهاب الدولي ضربات مباشرة داخل الولايات المتحدة في فبراير 1993م. عندما انفجرت شاحنة ناسفة في جراج مركز التجارة العالمي بنيويورك. ودوي الانذار الثاني في يونيه من نفس ذلك العام عندما اعتقلت المباحث الفيدرالية 8 أشخاص بتهمة التآمر لنسف معالم بمدينة نيويورك من بينها الأمم المتحدة ونفقي لينكولن وهولاند. وكانت الشخصيات البارزة في هذه المؤامرة هي رمزي يوسف والشيخ عمر عبد الرحمن الذي كان زعيما للجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد الاسلامي المصري. وعلي الرغم من أن المخابرات لم تستطع تحديد دور لبن لادن في هذه المؤامرة إلا أنه تبين بعد ذلك أن لرمزي يوسف وعبد الرحمن صلات مع بن لادن. وأظهرت هاتان المؤامرتان اللتان وقعتا في 1993م
وجود نية متعمدة ومبيته لقتل آلاف من جانب مجموعة مؤلفة من جنسيات مختلفة دون أن ترعاها دولة. وهذه سمة كانت غائبة عن المشروعات الارهابية في الماضي.
أصبح هذا الاتجاه الجديد في الارهاب اكثر وضوحا في يناير 1995 عندما اكتشف البوليس الفلبيني معملا يمتلكه رمزي يوسف لصناعة القنابل في مانيلا واعتقل شريكه عبدالحكيم مراد. وكشفت المواد التي تمت مصادرتها والتحقيقات مع مراد مؤامرة يوسف لقتل البابا ونسف السفارتين الامريكية والاسرائيلية في مانيلا وتفجير طائرتين امريكتين فوق المحيط الهادي والانقضاض بطائرة علي المقر الرئيسي لل سي أي إيه. وعرفت هذه الخطط مجتمعة باسم "مؤامرة بونيكا" وأدين مراد في نهاية المطاف بسبب دوره في المؤامرة وهو الآن محبوس داخل الولايات المتحدة.
كانت المحاولة الأولي لتفجير مركز التجارة العالمي ومؤامرة نسف معالم نيويورك واكتشاف مؤامرة بونيكا مؤشرات علي أن شكلا جديدا من الارهاب أخذ في الظهور. وكشفت هذه المؤامرات عن وجود تهديد متنام من أشخاص ينسبون إلي الإسلام السني وتشمل إحداث ضحايا باعداد هائلة واكدت أن الارهابيين الدوليين مهتمون بمهاجمة أهداف تعد رموزا داخل الولايات المتحدة مثل مركز التجارة العالمي.
وقد ساهم التطور المتزايد للمنظمات الارهابية القائمة علي الدين في التسعينيات اسهاما مباشرا في ظهور هذا الشكل الجديد من الارهاب وكما قال بروسي هوفمان خبير الارهاب في مؤسسة راند في شهادته امام التحقيق "إن العنف بالنسبة للارهاب الديني هو أولا وقبل كل شئ عمل مقدس أو واجب ديني".
أسباب الارهاب المتستر وراء الدين
وقد ركزت السلالة الجديدة أو الجيل الجديد من الارهابيين علي الولايات المتحدة وكما يقول ساندي بيرجر في شهادته امام التحقيق فإن الارهابيين الجدد قد اشتد عودهم بفعل المعارك التي خاضوها ضد السوفيت في أفغانستان وإبان عقد الثمانينات. نشط الارهابيون ضد الولايات المتحدة ضد الوجود العسكري الذي تركناه في المملكة العربية السعودية أثر حرب الخليج.
كان الهجوم الأول علي مركز التجارة العالمي عام 1993م أي قبل سنوات من دعوة بن لادن العلانية لاتباعه بتوجيه الجهاد ضد امريكا علامة واضحة علي أن المتشددين السنة يسعون إلي قتل الامريكيين علي الاراضي الامريكية وبعد ذلك بسبع سنوات تم اعتقال أحمد رسيم ومصادره مواد لصنع متفجرات في سيارته علي الحدود الامريكية - الكندية. وهذا الحدث كان ينبغي أن يبدد كافة الشكوك بأن تنظيم القاعدة والمتعاطفين معه يسعون للعمل داخل الاراضي الامريكية علي الرغم من أن معظم العقول المدبرة للارهاب بقيت في الخارج.
تغيير مهم
كان التأكيد علي القتل الجماعي تغييرا هاما آخر طرأ علي الارهاب علي خلاف الارهاب الذي شهدته الولايات المتحدة خلال عقد الثمانينيات وعلي الرغم من أن الهجمات التي وقعت في الثمانينات كانت تستهدف قتل مئات من الرسميين أو العسكريين. والمثال الواضح علي ذلك تفجير ثكنات المارينز والسفارة الامريكية في بيروت. إلا أنه لم تحاول جماعة ارهابية كبري قتل آلاف المدنيين. في عام 1975. كتب بريان جينكينز الخبير في شئون الارهاب: "أن الارهابيين أن يشاهد أعمالهم ويسمع عنها أكبر عدد ممكن من الناس. وليس موت أكبر عدد من البشر".
وتشير طبعة 1999م من كتاب مكتب التحقيقات الفيدرالية بعنوان "الارهاب في الولايات المتحدة"إلي أن عدد الهجمات الارهابية تناقص خلال عقد التسعينيات لكن عدد الضحايا تزايد. لقد تطور الارهاب من خطر عرضي مثير للرعب قد يقتل المئات إلي تهديد ينذر بالشؤم ويهدد حياة عشرات الآلاف من الامريكيين تهديدا مباشرا.
أن ادراك أجهزة الاستخبارات الامريكية لهذا الشكل الجديد من الارهاب والتعرف عليه قد استغرق بعض الوقت وفي المقابلات التي جرت خلال التحقيق. يشير موظفو مكتب التحقيقات الفيدرالية الذين شاركوا في التحقيقات الخاصة بعملية تفجير مركز التجارة العالمي. إلي أن المخابرات الأمريكية كانت في بادئ الأمر مرتبكة وحائرة إزاء هذا العدو الجديد. أن هذا الشكل الجديد من الارهاب ميز العرب القادمين من دول تعادي بعضها بعضا ويعملون معا بدون رعاية من دولة. وفي النهاية تعرف خبراء مكافحة الارهاب علي هذا التحول وادمجوه في تحليلاتهم
صعود بن لادن والقاعدة
لفتت صلات بن لادن بالارهاب الدولي انظار أجهزة الاستخبارات الأمريكية في أوائل التسعينيات وطبقا لشهادة رئيس سابق لمركز مكافحة الارهاب أمام التحقيق. فان بن لادن كان ينظر اليه علي أنه سعودي ثري يدعم قضايا اسلامية تتسم بالتطرف وقد أسس تنظيم القاعدة عام 1989 وانتقل إلي السودان عام 1991 أو 1992م وخلال اقامته في السودان بني بن لادن شبكة من المتطرفين الاسلاميين وتحالف مع جماعات ارهابية سنية أخري.
وشجع بن لادن علي بناء شبكة واسعة من الراديكاليين الاسلاميين للقتال في البلقان والشيشان وكشمير في محاولة - من وجهة نظره - للدفاع عن الاسلام ضد مضطهديهم. وحمل مقاتلون من السعودية ومصر وباكستان ودول أخري عديدة السلاح لمساعدة اخوانهم في الدين بينما ساهم مسلمون من جميع انحاء العالم في هذا النشاط بالأموال وعلي الرغم من ان الاعمال المحددة للقاعدة لم تحظ في الغالب بتأييد واسع إلا أن القضايا التي ناصرتها القاعدة كان ينظر اليها علي أنها شرعية ومشروعة وتحظي بالثناء في جميع أنحاء العالم.
في ديسمبر 1992 وبينما كانت القوات الأمريكية تنتشر في الصومال في اطار عملية الأمن لتوفير المساعدة الانسانية لشعب يتضور جوعا. هاجم متطرفون اسلاميون فندقا في عدن باليمن يضم عسكريين امريكيين يدعمون العملية.. وخلصت ورقة للمخابرات الأمريكية ان جماعة بن لادن لها بكل تأكيد دور في هذا الهجوم وأشار مقال نشر في صحيفة يومية بتاريخ ابريل 1993 إلي ان ما بين 300 إلي 400 متشدد اسلامي تلقوا تدريبا في العام السابق داخل معسكرات يمولها عرب خليجيون بأفغانستان وان احد هذه المعسكرات يديرها مصري ويموله بن لادن.
وفي شهادته أمام التحقيق ذكر كوفر بلاك رئيس مركز مكافحة الارهاب السابق ان ال سي آي ايه علمت في عام 1993 ان بن لادن يقوم بنقل أموال للمتطرفين المصريين وعلمت في عام 1994م ان تنظيم القاعدة يمول ثلاث معسكرات لتدريب الارهابيين شمالي السودان. وأشار أيضا إلي صلة بن لادن بمحاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك وأضاف ان احد الفارين أوضح لنا دور بن لادن كزعيم لشبكة ارهابية دولية.
في نوفمبر 1995 قتل 5 أمريكيين عندما تم تفجير مكتب ادارة أحد البرامج داخل منشأة تابعة للحرس الوطني السعودي بالرياض.. وطبقا للمخابرات فان الادلة التراكمية اشارت في النهاية إلي مسئولية بن لادن.
انتقال بن لادن إلي أفغانستان
في مايو أو يونيه من عام 1996م انتقل بن لادن من السودان إلي أفغانستان حيث عومل معاملة كريمة من جانب حركة طالبان الحاكمة في ذلك الوقت وطبقا لشهادة ثبتت في التحقيق. فان بن لادن بمجرد ان وجد ملاذا آمنا في أفغانستان كشف عن عدائه السافر للولايات المتحدة ووصف نفسه علانية بانه تهديد لها.. وفي سلسلة من الأحاديث الصحفية أوضح كراهيته للأمريكان وكل ما يمثلهم. بعد ذلك راح يصدر فتاويه بقتل الامريكان في شبه الجزيرة العربية وكل مكان في العالم. وفي مايو 1998. ناقش بن لادن علنا وعلي رءوس الأشهاد نقل الحرب إلي الأراضي الأمريكية.
في 7 أغسطس من نفس ذلك العام دمرت شاحنتان ناسفتان سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي عاصمة كينيا ودار السلام عاصمة تنزانيا واكدت المخابرات الأمريكية علي وجه السرعة مسئولية تنظيم القاعدة عن هذه الهجمات التي اظهرت أن هذا التنظيم علي تنفيذ هجمات متزامنة توقع عددا هائلا من الضحايا واسفر الهجوم عن مصرع 242 شخصا بينهم 122 امريكيا واصابة 5 آلاف آخرين.
في أوائل ديسمبر 1999م اعتقلت الحكومة الأردنية عددا من أعضاء خلية ارهابية كانت تعتزم مهاجمة أماكن دينية وفنادق سياحية لها صلة بالاحتفالات ببدء الألفية الثالثة وبعد ذلك بأسبوع وبالتحديد في منتصف ديسمبر حاول المتطرف الجزائري أحمد ريسام دخول الولايات المتحدة من كندا وبحوزته مواد كيماوية ومعدات تفجير وتم اعتقاله بعد أن طلب احد موظفي الجمارك تفتيش سيارته وحاول الهرب.. وكشفت التحقيقات انه احد نشطاء القاعدة وكان ينوي تفجير مطار لوس انجلوس.
الصفات المميزة لعمليات بن لادن الإرهابية
مع مرور سنوات عقد التسعينات أصبح واضحا ان شبكة بن لادن الارهابية غير عادية علي الرغم من أنها غير فريدة في مهاراتها وقدرتها علي التطور. وقد اظهرت الهجمات علي السفارتين الامريكيتين في كينيا وتنزانيا والهجمات المزمعة التي احبطتها الشرطة الاردنية خلال الاحتفالات بالألفية الثالثة والهجوم علي المدمرة كول ان تنظيم القاعدة خصم عنيد علي درجة عالية من القدرة وكشفت العمليات التي نفذها بن لادن قبل هجمات 11 سبتمبر عددا من السمات المثيرة للقلق أهمها:
* التخطيط طويل المدي:
فالهجوم علي السفارتين تم تنفيذه بعد خمس سنوات من التخطيط له.. كما ان التخطيط للهجوم علي المدمرة كول استغرق عدة سنوات.
* العمليات المتزامنة:
اظهرت هجمات 1998 علي السفارتين ومؤمرات الألفية قدرة القاعدة علي شن هجمات متزامنة مما يشير إلي القدرة علي التخطيط الشامل المتطور. وفي بيانه أمام التحقيق اشار بروس هوفمان في معهد راند إلي أن الهجمات الارهابية المتزامنة نادرة حيث ان جماعات قليلة هي التي تملك عددا كافيا من العلماء واللوجستيين والمخططين المهرة للقيام بمثل هذه العمليات.
* الأمن العملياتي أو أمن العمليات:
تؤكد وثائق وكتيبات الارهابيين والتدريبات علي ضرورة ابقاء العمليات سرا وتقسيم التفاصيل إلي أجزاء مستقلة. كما تم ايضا التأكيد علي أمن الاتصالات وهكذا يصعب اعاقة العمليات حتي لو ارتكب جنود المشاه ذوي المستوي الادني اخطاء وتم اعتقالهم وقد وقع العديد من الهجمات التي نفذها عملاء بن بلادن بدون انذار أو تحذير وحتي النجاح في احباط جزء من المؤامرة كما حدث في احتفالات الألفية لا يكشف بالضرورة الهجمات الأخري التي تم التخطيط لها مثل الهجوم علي سفينة أمريكية تم التخطيط له في نفس الوقت.
* بناء قيادي مرن
تستخدم شبكة بن لادن علي الاقل أربعة أساليب عملياتية مختلفة هي: أسلوب القمة والقاع أو أسلوب القمة الهابط ويستخدم هذا الاسلوب المتشددون ذوو المهارات العالية وتدريب الهواة مثل ريتشارد ريد المدعو "بصانع الأحذية" لتنفيذ هجمات بسيطة لكنها قاتلة وبمساعدة جماعات محلية علي تنفيذ خططهم مثلما حدث مع المتآمرين الاردنيين أثناء الألفية ورعاية المتمردين المتشابهين والمتماثلين.. وبالتالي فان التكتيكات التي يمكنها وقف نوع واحد من الهجوم لا تعمل بالضرورة ضد الأخري.
* التخيل
معظم الارهابيين محافظون في أساليبهم ويعتمدون علي الأسلحة الصغيرة أو المتفجرات البسيطة بيد ان الهجوم علي المدمرة كول كان دليلا واضحا علي المرونة التكتيكية التي تتمتع بها شبكة بن لادن وعلي الاستعداد لتجاوز أساليب الايصال التقليدية.
* الحجم
يميز الحجم شبكة بن لادن عن العديد من الجماعات الارهابية الاخري وطبقا لهوفمان. فان الجماعة الراديكالية اليونانية التي تم احباطها مؤخرا واسمها 17 نوفمبر كانت تضم اقل من 50 شخصية والجيش الأحمر الياباني والالوية الحمراء كل منهما كان يضم اقل من 100 من الأعضاء المكرسين حتي الجيش الجمهوري الايرلندي الذي يعد واحدا من أضخم المنظمات الارهابية لم يكن يضم أكثر من 400 نشط.
وكان اعتقال ومحاكمة عدد من أعضاء هذه الجماعات أسلوبا فعالا لانهاء أو تقليص تهديداتها.
Copyright eltahrir.net 2003 ©
Designed by :
الوجود العسكري الأمريكي بالخليج .. أخرج الإرهاب من القمقم
كتب : مرعي يونس
دخل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة دائرة اهتمام مكتب التحقيقات الفيدرالي بعد الهجوم الأول علي مركز التجارة العالمي في فبراير 1993م. وعلي الرغم من أن المكتب لم يربط الهجوم باسم بن لادن ربطاً مباشراً. إلا أن التحقيقات انتجت معلومات مفادها أن إسلاميين. من بينهم المشاركون في الهجوم. قد تم تجنيدهم في مكتب الكفاح للاجئين ببروكلين في نيويورك وتم إرسالهم إلي معسكرات تدريب في أفغانستان لمقاتلة الجيش السوفيتي في باديء الأمر ثم لخوض جهاد ضد الولايات المتحدة بعد ذلك. وفي عام 1993. أعلن مكتب التحقيقات عن وجود مؤامرة لنسف الجسور والأنفاق ومعالم أخري في نيويورك. وأدي التحقيق إلي إدانة الشيخ الضرير عمر عبدالرحمن لتحريضه آخرين علي ارتكاب جميع أنواع الإرهاب في عام 1993م وعندئذ أصدر بن لادن فتوي بالانتقام لحبس الشيخ الضرير.. وأكد ذلك في بيانات صحفية لاحقة.
يحاول تحقيق الكونجرس في هجمات 11 سبتمبر وضع هذه الهجمات في بيان تاريخي أوسع. زاعما ان هذا الحدث الرهيب يمثل ذروة اتجاه جديد في الارهاب. ربما تكون بدايته حادث تفجير السفارة الأمريكية وثكنات المارينز في بيروت عام 1983. ومع ذلك يعترف التحقيق ان هذا الاتجاه أخذ يتبلور بصورة أوضح خلال التسعينيات. وبالتحديد مع محاولة تفجير مركز التجارة العالمي 1993. وتزامنت هذه المحاولة مع اعتقال 18 شخصا بتهمة التآمر لنسف معالم نيويورك وكان من أبرز المتورطين "الشيخ عمر عبدالرحمن" واكتشاف مؤامرة "بونيكا" التي كانت تستهدف نسف السفارتين الأمريكية والإسرائيلية بمانيلا وخطف طائرتين واغتيال البابا وتدمير مقر ال "سي آي ايه".
ويقر التحقيق حقيقة هامة طالما أغفلها الكثيرون وهي ان حرب الخليج الثانية "تحرير الكويت" وما أسفرت عنه من وجود عسكري أمريكي ظاهر ومكثف في دول الخليج قد أطلق الإرهاب الديني من عقاله وإخرج المارد من قمقمه وراح المتشددون وعلي رأسهم بن لادن يجاهرون علنا برغبتهم في قتل الأمريكيين حتي علي أرضهم.
ويرصد التقرير التغييرات التي طرأت علي شكل الإرهاب بعد صعود القاعدة ويقول ان هذا الصعود أحدث تغييرا في الرؤية الأمريكية للارهاب ورغم ذلك يوحي التقرير ان هجمات 11سبتمبر كانت فوق تصور الأمريكيين. ولذلك لم يستطيعوا منعها رغم كل الدلائل التي توافرت علي حدوثها.
ويعدد التقرير خمس سمات اتسم بها تنظيم القاعدة معترفاً بأنها أذكي وأقوي تنظيم إرهابي خلال القرن العشرين تفوقت علي الالوية الحمراء في ايطاليا والجيش الأحمر الياباني والجيش الجمهوري الايرلندي.
من التساؤلات الأساسية التي طرحها التحقيق هو ما إذا كانت أجهزة الاستخبارات والأمن الأمريكية قد أدركت بصورة كافية طبيعة التهديد الذي تشكله الجماعات الإرهابية الدولية علي الولايات المتحدة؟ للإجابة علي هذا السؤال. درس فريق التحقيق تطور التهديد الارهابي علي هذا البلد وما تعلمته أجهزة الاستخبارات الأمريكية أو ما كان ينبغي أن تتعلمه من كافة المصادر والتجارب. بما في ذلك الهجمات الإرهابية السابقة حول طبيعة هذا التهديد.
ويؤكد التقرير ان فهم هجمات 11سبتمبر يتطلب النظر إلي هذا الحدث الرهيب من منظور تاريخي أوسع من تفاصيله. لذلك توقف التحقيق عند الأحداث الارهابية الكبري التي وجهت إلي الولايات المتحدة خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من بينها:
- تفجير السفارة الأمريكية وثكنات المارينز في بيروت عام 1983 من جانب الجهاد الإسلامي.
- اختطاف واغتيال وليم بكلي مسئول ال "سي آي ايه" في بيروت عام 1984م واختطاف مواطنين أمريكيين في لبنان بعد ذلك.
- تفجير مطعم كان يرتاده عسكريون أمريكيون بالقرب من قاعدة توريجون الجوية في اسبانيا في ابريل 1984 بواسطة جماعة حزب الله التي تدعمها إيران.
- تفجير ملحق السفارة الأمريكية ببيروت في سبتمبر 1984
- اختطاف طائرة تابعة لشركة ترانز ووردل ايروايز الأمريكية في يونيه 1985م.
- اختطاف السفينة اكيلي لاورو في اكتوبر عام 1985م.
- اختطاف طائرة مصر للطيران القادمة من أثينا في نوفمبر 1985م.
- الهجوم الذي شنته جماعة ابو نضال علي مطاري روما وفيينا في ديسمبر 1985م.
الرؤية القديمة
قبل صعود القاعدة في أوائل التسعينيات. كانت هذه الهجمات وافعالها تشكل رؤية الحكومة الأمريكية للاسلوب والطريقة التي تتصرف بها الجماعات الارهابية. وبصفة عامة كانت الولايات المتحدة تنظر إلي هذه الجماعات علي أنها ادوات تستخدمها دول ترعاها ولم تكن تهتم باحداث وايقاع ضحايا باعداد هائلة.. وقد عبر عن ذلك برنت سكوكروفت مستشار الامن القومي السابق في شهادته امام التحقيق بالقول :
"حتي اواخر الثمانينات. كان الأرهاب ظاهرة ترعاها أو تساعدها دولة أو تتسامح ازائها. لذلك كان من الطبيعي أن تفكر في ردع الارهاب او تتعامل معه من خلال الدولة التي ترعاه اكثر مما تفكر في التعامل مع التنظيمات الارهابية مباشرة.
ويمضي سكوكروفت قائلا : وثمة نقطة أخري هي انه لم يكن هناك في ذلك الوقت تنظيمات ارهابية ذات تمدد وانتشار دولي وكان ذلك في نظرنا يعني أنه بينما الافراد الامريكيون والمصالح الامريكية غير محصنة فان الداخل كان محصنا.. كانت التنظيمات الارهابية تبدو في نظرنا اما انها اقليمية أو متصلة بمسألة اقليمية. وعلي الرغم من أنه كان يعتقد أن حزب الله كان يقف وراء العديد من الاعمال الارهابية التي وقعت ابان ادارة الرئيس الأسبق رونالد ريجان فان هذه الاعمال كانت تبدو لنا احداثا مستقلة وغير منسقة اكثر منها استراتيجية شاملة.
بدأ الارهاب الموجه نحو الولايات المتحدة يتسم بمجموعة مختلفة من السمات والاشكال في التسعينيات مع ظهور بن لادن كتهديد للولايات المتحدة. كان بن لادن عاقدا العزم علي ضرب الولايات المتحدة من الداخل.. واكتشفت المخابرات الامريكية دلائل عديدة علي وقوع هجوم ارهابي وشيك من جانب القاعدة في ربيع وصيف عام 2001م.
سلالة جديدة من الارهابيين
سدد الارهاب الدولي ضربات مباشرة داخل الولايات المتحدة في فبراير 1993م. عندما انفجرت شاحنة ناسفة في جراج مركز التجارة العالمي بنيويورك. ودوي الانذار الثاني في يونيه من نفس ذلك العام عندما اعتقلت المباحث الفيدرالية 8 أشخاص بتهمة التآمر لنسف معالم بمدينة نيويورك من بينها الأمم المتحدة ونفقي لينكولن وهولاند. وكانت الشخصيات البارزة في هذه المؤامرة هي رمزي يوسف والشيخ عمر عبد الرحمن الذي كان زعيما للجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد الاسلامي المصري. وعلي الرغم من أن المخابرات لم تستطع تحديد دور لبن لادن في هذه المؤامرة إلا أنه تبين بعد ذلك أن لرمزي يوسف وعبد الرحمن صلات مع بن لادن. وأظهرت هاتان المؤامرتان اللتان وقعتا في 1993م
وجود نية متعمدة ومبيته لقتل آلاف من جانب مجموعة مؤلفة من جنسيات مختلفة دون أن ترعاها دولة. وهذه سمة كانت غائبة عن المشروعات الارهابية في الماضي.
أصبح هذا الاتجاه الجديد في الارهاب اكثر وضوحا في يناير 1995 عندما اكتشف البوليس الفلبيني معملا يمتلكه رمزي يوسف لصناعة القنابل في مانيلا واعتقل شريكه عبدالحكيم مراد. وكشفت المواد التي تمت مصادرتها والتحقيقات مع مراد مؤامرة يوسف لقتل البابا ونسف السفارتين الامريكية والاسرائيلية في مانيلا وتفجير طائرتين امريكتين فوق المحيط الهادي والانقضاض بطائرة علي المقر الرئيسي لل سي أي إيه. وعرفت هذه الخطط مجتمعة باسم "مؤامرة بونيكا" وأدين مراد في نهاية المطاف بسبب دوره في المؤامرة وهو الآن محبوس داخل الولايات المتحدة.
كانت المحاولة الأولي لتفجير مركز التجارة العالمي ومؤامرة نسف معالم نيويورك واكتشاف مؤامرة بونيكا مؤشرات علي أن شكلا جديدا من الارهاب أخذ في الظهور. وكشفت هذه المؤامرات عن وجود تهديد متنام من أشخاص ينسبون إلي الإسلام السني وتشمل إحداث ضحايا باعداد هائلة واكدت أن الارهابيين الدوليين مهتمون بمهاجمة أهداف تعد رموزا داخل الولايات المتحدة مثل مركز التجارة العالمي.
وقد ساهم التطور المتزايد للمنظمات الارهابية القائمة علي الدين في التسعينيات اسهاما مباشرا في ظهور هذا الشكل الجديد من الارهاب وكما قال بروسي هوفمان خبير الارهاب في مؤسسة راند في شهادته امام التحقيق "إن العنف بالنسبة للارهاب الديني هو أولا وقبل كل شئ عمل مقدس أو واجب ديني".
أسباب الارهاب المتستر وراء الدين
وقد ركزت السلالة الجديدة أو الجيل الجديد من الارهابيين علي الولايات المتحدة وكما يقول ساندي بيرجر في شهادته امام التحقيق فإن الارهابيين الجدد قد اشتد عودهم بفعل المعارك التي خاضوها ضد السوفيت في أفغانستان وإبان عقد الثمانينات. نشط الارهابيون ضد الولايات المتحدة ضد الوجود العسكري الذي تركناه في المملكة العربية السعودية أثر حرب الخليج.
كان الهجوم الأول علي مركز التجارة العالمي عام 1993م أي قبل سنوات من دعوة بن لادن العلانية لاتباعه بتوجيه الجهاد ضد امريكا علامة واضحة علي أن المتشددين السنة يسعون إلي قتل الامريكيين علي الاراضي الامريكية وبعد ذلك بسبع سنوات تم اعتقال أحمد رسيم ومصادره مواد لصنع متفجرات في سيارته علي الحدود الامريكية - الكندية. وهذا الحدث كان ينبغي أن يبدد كافة الشكوك بأن تنظيم القاعدة والمتعاطفين معه يسعون للعمل داخل الاراضي الامريكية علي الرغم من أن معظم العقول المدبرة للارهاب بقيت في الخارج.
تغيير مهم
كان التأكيد علي القتل الجماعي تغييرا هاما آخر طرأ علي الارهاب علي خلاف الارهاب الذي شهدته الولايات المتحدة خلال عقد الثمانينيات وعلي الرغم من أن الهجمات التي وقعت في الثمانينات كانت تستهدف قتل مئات من الرسميين أو العسكريين. والمثال الواضح علي ذلك تفجير ثكنات المارينز والسفارة الامريكية في بيروت. إلا أنه لم تحاول جماعة ارهابية كبري قتل آلاف المدنيين. في عام 1975. كتب بريان جينكينز الخبير في شئون الارهاب: "أن الارهابيين أن يشاهد أعمالهم ويسمع عنها أكبر عدد ممكن من الناس. وليس موت أكبر عدد من البشر".
وتشير طبعة 1999م من كتاب مكتب التحقيقات الفيدرالية بعنوان "الارهاب في الولايات المتحدة"إلي أن عدد الهجمات الارهابية تناقص خلال عقد التسعينيات لكن عدد الضحايا تزايد. لقد تطور الارهاب من خطر عرضي مثير للرعب قد يقتل المئات إلي تهديد ينذر بالشؤم ويهدد حياة عشرات الآلاف من الامريكيين تهديدا مباشرا.
أن ادراك أجهزة الاستخبارات الامريكية لهذا الشكل الجديد من الارهاب والتعرف عليه قد استغرق بعض الوقت وفي المقابلات التي جرت خلال التحقيق. يشير موظفو مكتب التحقيقات الفيدرالية الذين شاركوا في التحقيقات الخاصة بعملية تفجير مركز التجارة العالمي. إلي أن المخابرات الأمريكية كانت في بادئ الأمر مرتبكة وحائرة إزاء هذا العدو الجديد. أن هذا الشكل الجديد من الارهاب ميز العرب القادمين من دول تعادي بعضها بعضا ويعملون معا بدون رعاية من دولة. وفي النهاية تعرف خبراء مكافحة الارهاب علي هذا التحول وادمجوه في تحليلاتهم
صعود بن لادن والقاعدة
لفتت صلات بن لادن بالارهاب الدولي انظار أجهزة الاستخبارات الأمريكية في أوائل التسعينيات وطبقا لشهادة رئيس سابق لمركز مكافحة الارهاب أمام التحقيق. فان بن لادن كان ينظر اليه علي أنه سعودي ثري يدعم قضايا اسلامية تتسم بالتطرف وقد أسس تنظيم القاعدة عام 1989 وانتقل إلي السودان عام 1991 أو 1992م وخلال اقامته في السودان بني بن لادن شبكة من المتطرفين الاسلاميين وتحالف مع جماعات ارهابية سنية أخري.
وشجع بن لادن علي بناء شبكة واسعة من الراديكاليين الاسلاميين للقتال في البلقان والشيشان وكشمير في محاولة - من وجهة نظره - للدفاع عن الاسلام ضد مضطهديهم. وحمل مقاتلون من السعودية ومصر وباكستان ودول أخري عديدة السلاح لمساعدة اخوانهم في الدين بينما ساهم مسلمون من جميع انحاء العالم في هذا النشاط بالأموال وعلي الرغم من ان الاعمال المحددة للقاعدة لم تحظ في الغالب بتأييد واسع إلا أن القضايا التي ناصرتها القاعدة كان ينظر اليها علي أنها شرعية ومشروعة وتحظي بالثناء في جميع أنحاء العالم.
في ديسمبر 1992 وبينما كانت القوات الأمريكية تنتشر في الصومال في اطار عملية الأمن لتوفير المساعدة الانسانية لشعب يتضور جوعا. هاجم متطرفون اسلاميون فندقا في عدن باليمن يضم عسكريين امريكيين يدعمون العملية.. وخلصت ورقة للمخابرات الأمريكية ان جماعة بن لادن لها بكل تأكيد دور في هذا الهجوم وأشار مقال نشر في صحيفة يومية بتاريخ ابريل 1993 إلي ان ما بين 300 إلي 400 متشدد اسلامي تلقوا تدريبا في العام السابق داخل معسكرات يمولها عرب خليجيون بأفغانستان وان احد هذه المعسكرات يديرها مصري ويموله بن لادن.
وفي شهادته أمام التحقيق ذكر كوفر بلاك رئيس مركز مكافحة الارهاب السابق ان ال سي آي ايه علمت في عام 1993 ان بن لادن يقوم بنقل أموال للمتطرفين المصريين وعلمت في عام 1994م ان تنظيم القاعدة يمول ثلاث معسكرات لتدريب الارهابيين شمالي السودان. وأشار أيضا إلي صلة بن لادن بمحاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك وأضاف ان احد الفارين أوضح لنا دور بن لادن كزعيم لشبكة ارهابية دولية.
في نوفمبر 1995 قتل 5 أمريكيين عندما تم تفجير مكتب ادارة أحد البرامج داخل منشأة تابعة للحرس الوطني السعودي بالرياض.. وطبقا للمخابرات فان الادلة التراكمية اشارت في النهاية إلي مسئولية بن لادن.
انتقال بن لادن إلي أفغانستان
في مايو أو يونيه من عام 1996م انتقل بن لادن من السودان إلي أفغانستان حيث عومل معاملة كريمة من جانب حركة طالبان الحاكمة في ذلك الوقت وطبقا لشهادة ثبتت في التحقيق. فان بن لادن بمجرد ان وجد ملاذا آمنا في أفغانستان كشف عن عدائه السافر للولايات المتحدة ووصف نفسه علانية بانه تهديد لها.. وفي سلسلة من الأحاديث الصحفية أوضح كراهيته للأمريكان وكل ما يمثلهم. بعد ذلك راح يصدر فتاويه بقتل الامريكان في شبه الجزيرة العربية وكل مكان في العالم. وفي مايو 1998. ناقش بن لادن علنا وعلي رءوس الأشهاد نقل الحرب إلي الأراضي الأمريكية.
في 7 أغسطس من نفس ذلك العام دمرت شاحنتان ناسفتان سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي عاصمة كينيا ودار السلام عاصمة تنزانيا واكدت المخابرات الأمريكية علي وجه السرعة مسئولية تنظيم القاعدة عن هذه الهجمات التي اظهرت أن هذا التنظيم علي تنفيذ هجمات متزامنة توقع عددا هائلا من الضحايا واسفر الهجوم عن مصرع 242 شخصا بينهم 122 امريكيا واصابة 5 آلاف آخرين.
في أوائل ديسمبر 1999م اعتقلت الحكومة الأردنية عددا من أعضاء خلية ارهابية كانت تعتزم مهاجمة أماكن دينية وفنادق سياحية لها صلة بالاحتفالات ببدء الألفية الثالثة وبعد ذلك بأسبوع وبالتحديد في منتصف ديسمبر حاول المتطرف الجزائري أحمد ريسام دخول الولايات المتحدة من كندا وبحوزته مواد كيماوية ومعدات تفجير وتم اعتقاله بعد أن طلب احد موظفي الجمارك تفتيش سيارته وحاول الهرب.. وكشفت التحقيقات انه احد نشطاء القاعدة وكان ينوي تفجير مطار لوس انجلوس.
الصفات المميزة لعمليات بن لادن الإرهابية
مع مرور سنوات عقد التسعينات أصبح واضحا ان شبكة بن لادن الارهابية غير عادية علي الرغم من أنها غير فريدة في مهاراتها وقدرتها علي التطور. وقد اظهرت الهجمات علي السفارتين الامريكيتين في كينيا وتنزانيا والهجمات المزمعة التي احبطتها الشرطة الاردنية خلال الاحتفالات بالألفية الثالثة والهجوم علي المدمرة كول ان تنظيم القاعدة خصم عنيد علي درجة عالية من القدرة وكشفت العمليات التي نفذها بن لادن قبل هجمات 11 سبتمبر عددا من السمات المثيرة للقلق أهمها:
* التخطيط طويل المدي:
فالهجوم علي السفارتين تم تنفيذه بعد خمس سنوات من التخطيط له.. كما ان التخطيط للهجوم علي المدمرة كول استغرق عدة سنوات.
* العمليات المتزامنة:
اظهرت هجمات 1998 علي السفارتين ومؤمرات الألفية قدرة القاعدة علي شن هجمات متزامنة مما يشير إلي القدرة علي التخطيط الشامل المتطور. وفي بيانه أمام التحقيق اشار بروس هوفمان في معهد راند إلي أن الهجمات الارهابية المتزامنة نادرة حيث ان جماعات قليلة هي التي تملك عددا كافيا من العلماء واللوجستيين والمخططين المهرة للقيام بمثل هذه العمليات.
* الأمن العملياتي أو أمن العمليات:
تؤكد وثائق وكتيبات الارهابيين والتدريبات علي ضرورة ابقاء العمليات سرا وتقسيم التفاصيل إلي أجزاء مستقلة. كما تم ايضا التأكيد علي أمن الاتصالات وهكذا يصعب اعاقة العمليات حتي لو ارتكب جنود المشاه ذوي المستوي الادني اخطاء وتم اعتقالهم وقد وقع العديد من الهجمات التي نفذها عملاء بن بلادن بدون انذار أو تحذير وحتي النجاح في احباط جزء من المؤامرة كما حدث في احتفالات الألفية لا يكشف بالضرورة الهجمات الأخري التي تم التخطيط لها مثل الهجوم علي سفينة أمريكية تم التخطيط له في نفس الوقت.
* بناء قيادي مرن
تستخدم شبكة بن لادن علي الاقل أربعة أساليب عملياتية مختلفة هي: أسلوب القمة والقاع أو أسلوب القمة الهابط ويستخدم هذا الاسلوب المتشددون ذوو المهارات العالية وتدريب الهواة مثل ريتشارد ريد المدعو "بصانع الأحذية" لتنفيذ هجمات بسيطة لكنها قاتلة وبمساعدة جماعات محلية علي تنفيذ خططهم مثلما حدث مع المتآمرين الاردنيين أثناء الألفية ورعاية المتمردين المتشابهين والمتماثلين.. وبالتالي فان التكتيكات التي يمكنها وقف نوع واحد من الهجوم لا تعمل بالضرورة ضد الأخري.
* التخيل
معظم الارهابيين محافظون في أساليبهم ويعتمدون علي الأسلحة الصغيرة أو المتفجرات البسيطة بيد ان الهجوم علي المدمرة كول كان دليلا واضحا علي المرونة التكتيكية التي تتمتع بها شبكة بن لادن وعلي الاستعداد لتجاوز أساليب الايصال التقليدية.
* الحجم
يميز الحجم شبكة بن لادن عن العديد من الجماعات الارهابية الاخري وطبقا لهوفمان. فان الجماعة الراديكالية اليونانية التي تم احباطها مؤخرا واسمها 17 نوفمبر كانت تضم اقل من 50 شخصية والجيش الأحمر الياباني والالوية الحمراء كل منهما كان يضم اقل من 100 من الأعضاء المكرسين حتي الجيش الجمهوري الايرلندي الذي يعد واحدا من أضخم المنظمات الارهابية لم يكن يضم أكثر من 400 نشط.
وكان اعتقال ومحاكمة عدد من أعضاء هذه الجماعات أسلوبا فعالا لانهاء أو تقليص تهديداتها.
Copyright eltahrir.net 2003 ©
Designed by :