مساء مجنون ..هذيان
..
..
ثمة من لا يلهو مع القطيع...
.....
....
...عاد الفلاحون مع عودة الطيور لأعشاشها... عند انزلاق الشمس نحو الجهة الأخرى...
لا زالت القطة نائمة ... وها أنا أمارس طقوس هوايتي المفضلة أتسلل بدهاء وخفة ورائها
وحين أصبح قريبا منها.. اصرخ بقوة ... تقفز برعب ووجل كالمجنون..وتفر هاربة ورجليها
كما نقول بالعامية (تدور فري) ..لن اراها الا وقت العشاء..هه..حتى القطة تبيع كرامتها بعظمة
..ليس البشر فقط... على سيرة المجنون كانوا..وفي الحقيقة لا يزالون..ينادوني المجنون أو حينما
يحاولون تخفيف كلماتهم بخبث يدعون فيه اللطف فيقولون متخلف عقليا.. العلوج المرتزقة..
لا يفقهون شيئا سوى طعامهم وسريرهم..إلا هي من بثت فيني عبث الجنون أو جنون العبث
هي وحدها تسميني المختلف عقليا...عندي الأمر سيان فالعقل كالحب في هذا الوادي يصبح
ضئيلا جدا وبغيض حين نفرط فيه ...وأن أكون إنسانا عاقلا بدا لي أمرا في منتهى البشاعة ...
هذا المساء سأمرر تلك الأهداب الدقيقة بين مسامات الجبل..ارفع كمتي...كخوذات المحاربين
الإغريق.. وارميها في الهواء..علامة النصر..سألطم الأمل..وأخوزق السعادة..ما أشبه أشجار
الغاف ليلا بأشباح عملاقة ...سأجمع أفكاري الرثة وأودعها اليابسة وأعود إلى البحر...
بحر الجنون
سأذهب للوادي...
قالوا أن الوادي لم يعاني في تاريخه القديم من أهواء الأقدار ولا من الأوبئة ولا الجدب
ولا الغزاة ... وان سلالات الخفاء تتقمص جبال الوادي فتستحيل الألوان اكثر برودة واكثر
رمادية..وفي الليل كما يقول الشايب خلف تتجلى اميرة الخفاء بجمالها الخرافي تغني على سفح
الجبل..وأن من يهتك حرمة المكان ويراها يستحق القصاص فينزع عقله من رأسه لشدة فتنها..
فادركت اني معصوم عن العقلانية وبريء منها برأة الذئب من دم يوسف..وايقنت مناعتي المكتسبة..
حينها اخذتني ملكة الفضول وفكرة النشوة والغموض لاستبيح بكارة الجبل...
وصلت هناك ..كان الجبل شاهقا..شاهقا جدا حتى يكاد يخيل الي انه يلكز القمر بقمته... ربما
يستفز هذا العلو فيني حاسة جديدة مضمرة حاسة النظر الى اعلى..وهي اقرب الحواس خلاعة
الى حاسة اخرى هي بالنسبة الي رجس من عمل الانسان..حاسة الامل........
كان المكان متخما بالصمت .. اسمع هذا الصمت يعلو كالصرخات المأتمية ...مدد يدي في مكانها ..
تلمست أغشية الحزن ...تزامن فحش الظلام وسلطة الرهبة في غور قلبي... تدفق الخوف في وجهي
باندفاع كحتمية البغاء في قلب التناقض... ووجهي كصحراء جرداء تحاول احتواء تدفق الوديان...
وقفت أمام تلك الكأبة عاجزا..مستمتعا ..هه استمتع بهذا العذاب..أتذكر ألان كلمات بودلير
حين قال:" التعذيب هو وليد الجزء السافل من قلب البشر المتعطش إلى المتعة " ..يا لقلبي السافل....
للحظة تذكرت ابي .. أورثني آبي عينيه المسبلتين كما أورثني هذا العته الذي يتتابع كمسلسل
يومي من حلقة واحدة فقط.. ربما هي جينات البؤس أو بالأحرى هي تناسخ في المشاعر...
حين يعصف بي هذا الكائن الخرافي يندحر النور من هذه الدنيا كفلول الطالبان والقاعدة
منسحبين إلى كهوف الصمت والوجل .. ربما كنت أمارس أحد طقوس الخروج من الجسد...
لغة الربما أصبحت اكثر سوقية في دفتري..هه ..يا للسخرية...
ولكن ..متى كانت روحي في جسدي
ولكن..هل امتلك انا روحا بالفعل؟؟؟؟
هه...صرت لا امتلك روحا ..ولا جسدا..ولا عقل...
رجعت نفسي الى نفسي بعد ان استطردتني الافكار الى روحي وجسدي وعقلي ..ثلاثية المطلق
... رجعت او ربما بالأصح خرجت من نفسي من شدة المتعة...احسست يدا باردة كحبات البرد
في صيفنا.. كانت على كتفي ..وكنت كالممسوس اوربما انا كذلك ..مشدوها.. فاغر الفاه..
جاحظ العينين.. وكما تعلمون فاقد الروح والعقل والجسد..دارت بي الدنيا عشرون عاما في
لحظة كنت اشعر ان الوقت يمر.. يمر بسرعة ..بطيش.. فشلت في محاولة ايقافه كما فشلت على
الالتفات للوراء.. تقلصت عضلاتي وانقبضت..فرحت اتنفس بشبق وكأني احاول افراغ الكرة
الارضية من الاكسجين..او ربما افراغ صدري من الخوف.. وفجأة
سمعتها..
نعم سمعتها..حين لم يسمعها غيري
....
همست بخفة وصوت زفيرها يضج في أذني ..
...
همست وقالت..
سأغرز أصابعي الطويلة في ظهرك حتى تخرج من صدرك
سأسحب أحشائك بقوة وأمررها على رقبتك..
....
كنت أنا لا زلت مبهما ...في حالة تستعصي عن الشرح..
...
ثم أردفت قائلة..سأصفعك على وجهك وستصبح ترابا منثورا..
....
..كنت ارتجف..
...
أترقب
تلك الصفعة..
وفجأة أحسست بالصفعة تلفح وجهي..
...
...
...
...
...
...
حينها ازداد الأمر غموضا وأنا اسمع صوت أمي يقول:
...
....
قوم من النوم سلمانووووه.. وإلا تراني بصفعك مرة ثانية ..قوم بسك نوم يالدشنة...
صلاة الفجر بتفوتك..قوم ولا تراني بجيب كوب ماي بارد وبكبه فوق راسك..
أخ عليك ما تشبع نوم!!!!!
لم أدرك أنى احلم إلا حين فتحت عيني... فرحت أتلمس جسدي وجلدي وانا اشكر ربي واحمده...
..
..
ثمة من لا يلهو مع القطيع...
.....
....
...عاد الفلاحون مع عودة الطيور لأعشاشها... عند انزلاق الشمس نحو الجهة الأخرى...
لا زالت القطة نائمة ... وها أنا أمارس طقوس هوايتي المفضلة أتسلل بدهاء وخفة ورائها
وحين أصبح قريبا منها.. اصرخ بقوة ... تقفز برعب ووجل كالمجنون..وتفر هاربة ورجليها
كما نقول بالعامية (تدور فري) ..لن اراها الا وقت العشاء..هه..حتى القطة تبيع كرامتها بعظمة
..ليس البشر فقط... على سيرة المجنون كانوا..وفي الحقيقة لا يزالون..ينادوني المجنون أو حينما
يحاولون تخفيف كلماتهم بخبث يدعون فيه اللطف فيقولون متخلف عقليا.. العلوج المرتزقة..
لا يفقهون شيئا سوى طعامهم وسريرهم..إلا هي من بثت فيني عبث الجنون أو جنون العبث
هي وحدها تسميني المختلف عقليا...عندي الأمر سيان فالعقل كالحب في هذا الوادي يصبح
ضئيلا جدا وبغيض حين نفرط فيه ...وأن أكون إنسانا عاقلا بدا لي أمرا في منتهى البشاعة ...
هذا المساء سأمرر تلك الأهداب الدقيقة بين مسامات الجبل..ارفع كمتي...كخوذات المحاربين
الإغريق.. وارميها في الهواء..علامة النصر..سألطم الأمل..وأخوزق السعادة..ما أشبه أشجار
الغاف ليلا بأشباح عملاقة ...سأجمع أفكاري الرثة وأودعها اليابسة وأعود إلى البحر...
بحر الجنون
سأذهب للوادي...
قالوا أن الوادي لم يعاني في تاريخه القديم من أهواء الأقدار ولا من الأوبئة ولا الجدب
ولا الغزاة ... وان سلالات الخفاء تتقمص جبال الوادي فتستحيل الألوان اكثر برودة واكثر
رمادية..وفي الليل كما يقول الشايب خلف تتجلى اميرة الخفاء بجمالها الخرافي تغني على سفح
الجبل..وأن من يهتك حرمة المكان ويراها يستحق القصاص فينزع عقله من رأسه لشدة فتنها..
فادركت اني معصوم عن العقلانية وبريء منها برأة الذئب من دم يوسف..وايقنت مناعتي المكتسبة..
حينها اخذتني ملكة الفضول وفكرة النشوة والغموض لاستبيح بكارة الجبل...
وصلت هناك ..كان الجبل شاهقا..شاهقا جدا حتى يكاد يخيل الي انه يلكز القمر بقمته... ربما
يستفز هذا العلو فيني حاسة جديدة مضمرة حاسة النظر الى اعلى..وهي اقرب الحواس خلاعة
الى حاسة اخرى هي بالنسبة الي رجس من عمل الانسان..حاسة الامل........
كان المكان متخما بالصمت .. اسمع هذا الصمت يعلو كالصرخات المأتمية ...مدد يدي في مكانها ..
تلمست أغشية الحزن ...تزامن فحش الظلام وسلطة الرهبة في غور قلبي... تدفق الخوف في وجهي
باندفاع كحتمية البغاء في قلب التناقض... ووجهي كصحراء جرداء تحاول احتواء تدفق الوديان...
وقفت أمام تلك الكأبة عاجزا..مستمتعا ..هه استمتع بهذا العذاب..أتذكر ألان كلمات بودلير
حين قال:" التعذيب هو وليد الجزء السافل من قلب البشر المتعطش إلى المتعة " ..يا لقلبي السافل....
للحظة تذكرت ابي .. أورثني آبي عينيه المسبلتين كما أورثني هذا العته الذي يتتابع كمسلسل
يومي من حلقة واحدة فقط.. ربما هي جينات البؤس أو بالأحرى هي تناسخ في المشاعر...
حين يعصف بي هذا الكائن الخرافي يندحر النور من هذه الدنيا كفلول الطالبان والقاعدة
منسحبين إلى كهوف الصمت والوجل .. ربما كنت أمارس أحد طقوس الخروج من الجسد...
لغة الربما أصبحت اكثر سوقية في دفتري..هه ..يا للسخرية...
ولكن ..متى كانت روحي في جسدي
ولكن..هل امتلك انا روحا بالفعل؟؟؟؟
هه...صرت لا امتلك روحا ..ولا جسدا..ولا عقل...
رجعت نفسي الى نفسي بعد ان استطردتني الافكار الى روحي وجسدي وعقلي ..ثلاثية المطلق
... رجعت او ربما بالأصح خرجت من نفسي من شدة المتعة...احسست يدا باردة كحبات البرد
في صيفنا.. كانت على كتفي ..وكنت كالممسوس اوربما انا كذلك ..مشدوها.. فاغر الفاه..
جاحظ العينين.. وكما تعلمون فاقد الروح والعقل والجسد..دارت بي الدنيا عشرون عاما في
لحظة كنت اشعر ان الوقت يمر.. يمر بسرعة ..بطيش.. فشلت في محاولة ايقافه كما فشلت على
الالتفات للوراء.. تقلصت عضلاتي وانقبضت..فرحت اتنفس بشبق وكأني احاول افراغ الكرة
الارضية من الاكسجين..او ربما افراغ صدري من الخوف.. وفجأة
سمعتها..
نعم سمعتها..حين لم يسمعها غيري
....
همست بخفة وصوت زفيرها يضج في أذني ..
...
همست وقالت..
سأغرز أصابعي الطويلة في ظهرك حتى تخرج من صدرك
سأسحب أحشائك بقوة وأمررها على رقبتك..
....
كنت أنا لا زلت مبهما ...في حالة تستعصي عن الشرح..
...
ثم أردفت قائلة..سأصفعك على وجهك وستصبح ترابا منثورا..
....
..كنت ارتجف..
...
أترقب
تلك الصفعة..
وفجأة أحسست بالصفعة تلفح وجهي..
...
...
...
...
...
...
حينها ازداد الأمر غموضا وأنا اسمع صوت أمي يقول:
...
....
قوم من النوم سلمانووووه.. وإلا تراني بصفعك مرة ثانية ..قوم بسك نوم يالدشنة...
صلاة الفجر بتفوتك..قوم ولا تراني بجيب كوب ماي بارد وبكبه فوق راسك..
أخ عليك ما تشبع نوم!!!!!
لم أدرك أنى احلم إلا حين فتحت عيني... فرحت أتلمس جسدي وجلدي وانا اشكر ربي واحمده...