الكاهنة تفتح نهارها مع انسحاب شمسٍ حمراء ... انفتاح يُمزِّقُ لحظة هبوط الظلام بتمائم وأدعيةٍ وبخور ... تضئ كهفها – الذي بدا كخرائب
مهجورةٍ – بأنفاس شمعةٍ تتقدُ لتهبط الرؤى والأحلام أو ربما لتفرش ذاكرات تعودت الانطواء في كهفٍ جمجمةٍ ثقيلة ... فتدفع كوامنها عبر لسانها إلى ضوء الشمعة المنتظِر ... الشمعة تمتص البخور والحروف لتواصل إحتراقاتها .. ثم تنفثها لتعبِّق الكهف بروائحها .. الكهف وثنيات حيطانه يُقلّبُ تاريخاً لنهارات وليالي أضاءتها النبوءات والأصوات اللاهثة المتسائلة .. الوجوه المغبرة ... والهموم التي تركت آثار مرورها على الأجساد .. رنا الكهف إلى الكاهنة ورنت هي بإتجاه بابها تنتظر أنفاسا حائرة ... ربما تقرع الباب محمَّلة بأسئلة ومخاوف وتراكمات مستقبل ينتظر في ركن أظلمته الأيام ...

تنفتح ... تندفع روائح البخور والإنتظارات... الأفكار والذكريات ... الرعشة والترنيمة تصدم جسده مرتبك الأنفاس .. مشدودة خضرة عينيه إلى همومٍ وتواريخ تدفعه ليعبر تجويف الباب ... أنفاسه تسائل عينيه :
أما آن لها – هذه الأقدار – أن ... تنفتح ... ؟
بصمتٍ مرتبكٍ تعلنه رعشة أصابعه … دوران عينيه الخضراوين وهي تتسع لتستطلع المكان …… شفتاه تنطبقان وتنفتحان عن همسٍ مذعور الحروف لتكرر السؤال :
أما آن لها – هذه الأقدار – أن ... تنفتح ... ؟
بحواسٍ مفتوحةٍ تتلقفه الكاهنة .. يدور لحظةً أمام عينيها ثم تتسارع الحروف على شفتيها.. تمتمات تجر تمتمات .. التعاويذ تسجل حضورها .. رائحة البخور تعود … تغمض عينيها وتشبك أصابع مرتجفة … تهبط أنفاس المكان في قعر السكون …
يرتعش جسده مبللاً بعرق يوشّح حضوره .. هذا الحضور المنتظِر لانطلاق نبوءةٍ تمنح لحظته المؤرقة تاريخاً ومستقبلاً تغمره ارتعاشةٌ … يرقبه الكهف .. تهمس الكاهنة بحروف أوراقها الصفراء تمد أصابعها لتمنح بؤرة النار اشتعالا آخر … تتمتم .. ترسم أوفاقاً… تؤشر زوايا مربعاتها توزع الحروف والدوائر توصلها بخطوط أو تفرّقها بعلامات تتلو أسماءً وترنم .. تعلو همساتها وتخفت .. همسات تلقي بظلال الرهبة على المكان .. المكان يخترقه الصمت تماماً … جسده يتكوَّر في زاويته الظلماء .. والمساء في أوله .. لم يتثاءب
بعد … تمتد أصابع الكاهنة المعروقة لترمي إلى النار ما يؤجج روائحها … يتحدُّ حضورها وأنفاس الدخان اللاهثة التي تعلو وتنشر ظلالها على الأشياء .. يخترقه صوتها الثاقب ليعلن نبوءة دارت في أفق ذاكرتها .. ثم وجدت طريقاً إلى شفتيها :
أراها .. شجرة زيتون وحيدة تنشر ظلها المبقّع بفجوات ضياء .. يرقبها القدر … والأقدار انتظارات ولهاث لزمن لم ينهض بعد .....
زمن ماء يعوِّم أجساداً في ثنياته ... لكنَّ سمكة وحيدة ترنو ...
تدور .. ثم تغادر لتركن إلى ظل شجرة الزيتون بانتظار نثار الماء ....
قدرٌ ... والأقدار – دائما – في انتظار ..
انسحب جسده خارج الكهف كلمات النبوءة تنحفر على صلصال أعصابه ... شرايينه.. خضرة عينيه .. تجتاحه تساؤلات ... حروفه تهذي ... والأزمنة تمر على ذاكرته... أزمنة برّاقة .. شاسعة ... مختصرة ...
مُدوًّرة ... لكنها أحيانا كثيرة لا تلتفتُ إليه... بلهاء تعدو ... يطلق أنفاسه إلى الهواء ... يدور... ويحمل النبوءة ... يعرضها على قمر يترقب وشوارع تنفرش ... وأجساد تغفو في ظل هدوء .. يمرُّ بها على وجه الماء فتلقفه سمكة كانت ترقب أنفاس الليل وهدأة الماء ... يستقر في ثغرة ذاكرتها .. فتنسحب إلى عمق الماء لتخبئ قدراً منتظراً ... جسده محارب ينحبس في قيد رغبة .. كلما هدأت صلصة القيد تسآءل :
أما آن لي أن أُرحّلها هذه الأزمنة من واقعها المقيد بتراتيب وأنساق لا تفكّ أسارها عنها... إلى فضاءاتٍ تفك ألغازها الأمطارُ ... ؟
أمطاري – أنا – التي تناثرت على أرضي … تموج بتوهجات شباب يأتلق ويرنو إلى شجرة زيتون تنفرد بظلالها التي توارفت في ظهيرة خامدة .. زيتونة تشابكت أغصانها لتدعو الشفاه الضامئة إلى الاستظلال ببردها
العميق … فينتشر وهج اللقاء ...
لقاء يدندن للنهار كي يغفو ... للأنفاس كي تترحل بعيداً ... للصمت كي يُقيم احتفالاً... اللقاء ...
هكذا هو دائما ... ينقش شارات تتقاطع عند مفترق السنوات ... ومفترق النهارات... ثم يستلقي على الأرضٍ هشةٍ لينام خاشعاً لقمرٍ يهزأُ بالنهارات المكسوّة بأشعة شمسٍ وضجة عرق الأجساد .... .
تغفو خضرة عينيه ... توقظ الكاهنة النبوءة ... ترسِّلُها شعاعاً إلى ذاكرةِ جسده فتمنحها وضوحاً وصفاء ... نبوءة توقظ أشياء خفية لها حفيف يضئ غوافي ذاكرتهِ ... ينعش فورة الدماء في شرايينهِ الفتية ... فتبدأ بإيقاد لحظة كانت تغفو في هدوء حلم ... لكنها الآن تراود خضرة عينيه لتؤشّر رنو سمكةٍ تصعد من عمق كثافة مياهٍ باردة إلى وجه الماء .. تجول في عالمها
المائي ... ترصدُ خفاياه بعينين زجاجيتين وهو يضجّ بأجسادِ أسماكٍ
باردة ... أسماك تعيش انتظاراتها لهبوط أيام دافئة ... فتصعد لترمي بيوضاً صاخبة عند حافةِ النهرِ .. ثم تفلت عائمة لتُغرِق وجودها في أعماقه المعشبة الغبراء ... .
جولات ... وجولات ووجه الماء يُشرق بوهج شعاع ساطع ... تطاولت عينا السمكة إليه ... صدمها وهج أخضر يخترق الماء ... شدّها إلى وجه الماء ... عَوّمت متسائلة عن هذا الوهج ... وأحلامها تستيقظ ... .
بهدوء خافت مَدَّ الجسدُ عينيه الخضراوين لتفتحا أبواب الرمل وروائح الليل المخضل بالعشب والوحل والنجوم عَلَّ النبوءة تنبع من العالم المائي الذي تُطل عليه ... فوجئت السمكة بعوالم تُشِّعُ خضرة تنهالُ ... شفاه تقطر ... أحلاما ونبوءات تستيقظ من مكامن غائرة في ذاكرتها لتعاود حضورها الآن ... حوار ... وحوار ... ليالٍ ونهارات ... والكلمات لا تنحرف عن الرسوِّ في أركان جسدها ... ركناً ركنا ... حتى ثارت السمكة على عالمها ... ارتمت على الرمل ... امتصت حرارته وروائحه ... غباره بدأ يغزو ماء جسدها ... يجفف ذاكرتها ليزرع فيها روائح الشمس والشوارع ... والسقوف ... روائح الأحلام المضيئة ... مَدَّ الجسد أصابعه ليُمسِّدَ جسدها فتناثرت القشور ... قشرةً ... قشرةً ... قشرة ... تطاولت الزعانف لتستحيل أصابع وكفوفاً وحناناً ... مَدَّ أصابعه مرةً مضافة ... فتناثر زجاج عينيها .. انطبق جفناها على أرض
الحلم ... حلم من عالم أخضر يُشرِقُ بلا أغلال ... . فيما النهر يضيع بين التثاؤب والملل ... يرقص أحياناً مع أوراق شجرية جافة ... مع أعواد كانت أغصاناً مورقة ومؤرَّقة بخضرتها ... لكنها الآن تندفع بقوَّتهِ التي لا تعرف القهر أو التوقف... الآن يرفس السنوات وشعاع الشمس .. يرقبُ أصابع صغيرة عارية لطفولةِ أسماكٍ تجوبُ ثناياهُ فتوقظ حرائق طفولته ... يستذكرُ سمكةً حبسها أعواماً في جوفه المظلم لكنها الآن تعوم وتزهو بعبق الرمل ... ودفئه فتغفو ويغفو العالم المائي ... .
في ضحى نهارٍ شمسي أيقظ النهر فرحٌ خفي ... فاندفع يعبر
الأنابيب ... يجتاز مساحات الرمل ليستلقي نثاراً على جسد السمكة وهي تخبئُ ارتباكها ونشوةَ ألقها المتوهج المسكون بخضرة طافحة ... خضرة باركت عالمها الذي أصبح الآن رملياً ... يترحَّلُ إلى فضاءات تتبادل العتمة والضياء ... الفرح والألم ... التوهج والإنطفاء ... ثم تعدو لتبارك نشوتها بوهج نثاره المتقافز عبر أنبوبٍ ينفتح ... فتعدو قطراته المعبقّة بروائح المطر حيناً وروائح النهار
أحياناً ... الأجساد ونثار الماء والنبوءة التي بدت الآن مثل شمسٍ تسطع في ظهيرةٍ حادة ....
الكاهنة لملمت بخورها ... أحجارها ... كتيباتها المصفرّة .. روائح النهرِ .. رؤاه... رؤاها ... خبأتها في دولابٍ لم تعرف الشمس طريقاً لكشف خباياه ... أقفلته لعل ذاكرتها تفرغَ تماماً ... فينتهي ليلها النهاري بنداءٍ مدوٍّ يخترق الفضاءات ترددهُ السمكة مع (فانون) :
أترى ؟
أصبحت الثورة ضرورية وممكنة في عالمٍ (ي) بات يعي أنّه ليس أمامه ما يخسره غير أغلالهِ …
12/6/2000
المصدر : dr-wighdan
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions