كتب- خميس السلطي

من بين المشاهد المألوفة لدى أغلب العمانيين، خاصة المزارعين منهم، أو مالكي النخيل، مشهد عملية حفظ التمر، التي تأتي بعد عدة مواسم ومراحل تمر بها النخلة، بدءا من الطلع والتلقيح، إلى مرحلة جني الرطب مرورا بفترة (الجداد) أي حصاد الغلال، ولكن هذا المشهد قد يبدو غريبا للبعض، لما به من إيحاء وطريقة مختلفة في عملية الحفظ.

الصورة تبرز لنا واقع حياة العماني مع عمته النخلة، والتي تلقب بهذا اللقب، فالعمانيون يرون أن النخلة خير عون للتعاضد والتراحم، لما فيها من خير وأجر وثواب، فنرى أنها ذات كفاية لجميع مفرداتها، هنا وفي هذه الصورة نرى هؤلاء الفتية وهم يمرون بأقدامهم فوق التمر، ليكون سهل التناول بعد عملية الحفظ، والتي قد تستمر لأكثر من عام داخل (الجراب أو الضميدة) في بعض الأحيان، فبعد فترة (التنقي) أي فرد التمر عن المخلفات الأخرى والتي تسمى أيضا (الحشف) باللهجة العمانية الدارجة، يوضع التمر في العراء ليتلقى أشعة الشمس، فتعمل على إذابته شيئا فشيئا، وبعد ساعات من تلك اللحظة، يؤتى بالتمر في حصيرة دائرية تسمى (سمّة) عند العمانيين، حيث يقوم الرجال بعدها برش التمر بالماء، ويقوم عدد من الرجال بتمرير أقدامهم عليه، وذلك بعد غسلها بالماء والصابون بصورة متقنة، هذا المشهد يروي لنا كيفية حفظ التمر بعيدا عن التلوث، وعن الحشرات والحيوانات التي دائما ما تتخذ من بعض الأمكنة الدافئة مسكنا لها، هذه الصورة لمفردة تراثية وعادة رائعة اتخذها العمانيون، ورغم تقدم الوسائل الحديثة لحفظ التمر، تبقى هذا الصورة بعيدة عن النمطية المبالغ في اتخاذها ومحفورة في أذهان الإنسان العماني.

فالمشهد ينقل لنا صور عملية الحفظ والتي تأتي في مجملها من صناعات بسيطة اتخذت من النخلة نفسها، فـ (الجراب) الذي يوضع فيه التمر هو من أغصان النخلة أو (الخوص) كما يطلق عليه بالدارجة العمانية، كما أن الحبال التي تصنع لأجل توثيق هذا (الجراب) هي من (ليف) النخيل في أساسها، إضافة إلى (السمة) ومفردات أخرى عديدة، فعملية التكامل واضحة لا جدال فيها، لتبقى للنخلة خصوصيتها ومكانتها لدى العمانيين.

أكثر...