الأحكام السلطانية والولايات الدينية--الباب الأول في عقد الإمامة

    • الأحكام السلطانية والولايات الدينية--الباب الأول في عقد الإمامة

      [FONT=&quot] [/FONT]

      الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب

      بالإجماع وإن شذ عنهم الأصم[FONT=&quot]. [/FONT]واختلف في وجوبها هل وجبت بالعقل أو بالشرع؟ فقالت طائفة وجبت

      بالعقل لما في طباع العقلاء من التسليم لزعيم يمنعهم من التظالم ويفصل بينهم في التنازع والتخاصم، ولولا

      الولاة لكانوا فوضى مهملين وهمجاً مضاعين، وقد قال الأفوه الأودي وهو شاعر جاهلي من البسيط[FONT=&quot]:[/FONT]

      لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا

      وقالت طائفة أخرى[FONT=&quot]: [/FONT]بل وجبت بالشرع دون العقل، لأن الإمام يقوم بأمور شرعية قد كان مجوناً في

      العقل أن لا يرد التعبد بها، فلم يكن العقل موجباً لها، وإنما أوجب العقل أن يمنع كل واحد نفسه من

      العقلاء عن التظالم والتقاطع[FONT=&quot]. [/FONT]ويأخذ بمقتضى العدل التناصف والتواصل، فيتدبر بعقل لا بعقل غيره، ولكن

      جاء الشرع بتفويض الأمور إلى وليه في الدين، قال الله عز وجل[FONT=&quot]: " [/FONT]يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا

      الرسول وأولي الأمر منكم [FONT=&quot]".[/FONT]

      ففرض علينا طاعة أولي الأمر فينا وهم الأئمة المتأمرون علينا[FONT=&quot]. [/FONT]وروى هشام بن عروة عن أبي طالع عن أبي

      هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال[FONT=&quot]: "[/FONT]سيليكم بعدي ولاة فيليكم البر ببره، ويليكم الفاجر

      بفجوره، فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق، فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم[FONT=&quot]".[/FONT]

      فإذا ثبت وجوب الإمامة ففرضها على الكفاية كالجهاد وطلب العلم، فإذا قام بها من هو أهلها سقط

      فرضها على الكفاية[FONT=&quot]. [/FONT]وإن لم يقم بها أحد خرج من الناس فريقان[FONT=&quot]: [/FONT]أحدهما أهل الاختيار حتى يختاروا إماماً

      للأمة، والثاني أهل الإمامة حتى ينتصب أحدهم للإمامة، وليس على من عدا هذين الفريقين من الأمة في

      تأخير الإمامة حرج ولا مأثم، وإذا تميز هذان الفريقان من الأمة في فرض الإمامة وجب أن يعتبر كل فريق

      منهما بالشروط المعتبرة فيه[FONT=&quot].[/FONT]

      فأما أهل الاختيار فالشروط المعتبرة فيهم ثلاثة[FONT=&quot]: [/FONT]أحدها العدالة الجامعة لشروطها والثاني العلم الذي يتوصل

      به إلى معرفة من يستحق الإمامة على الشروط المعتبرة فيها[FONT=&quot]. [/FONT]والثالث الرأي والحكمة المؤديان إلى اختيار

      من هو للإمامة أصلح وبتدبير المصالح أقوم وأعرف وليس لمن كان في بلد الإمام على غيره من أهل البلاد

      فضل مزية تقديم بها عليه وإنما صار من يحضر ببلد الإمام متولياً لعقد الإمامة عرفاً لا شرعاً؛ لسبوق

      علمهم بموته ولأن من يصلح للخلافة في الأغلب موجودون في بلده[FONT=&quot].[/FONT]

      وأما أهل الإمامة فالشروط المعتبرة فيهم سبعة أحدها[FONT=&quot]: [/FONT]العدالة على شروطها الجامعة[FONT=&quot]. [/FONT]والثاني[FONT=&quot]: [/FONT]العلم ليؤدي

      إلى الاجتهاد في النوازل والأحكام والثالث[FONT=&quot]: [/FONT]سلامة الحواس من السمع والبصر واللسان ليصبح معها

      مباشرة ما يدرك بها[FONT=&quot]. [/FONT]والرابع[FONT=&quot]: [/FONT]سلامة الأعضاء من نقص يمنع عن استيفاء الحركة وسرعة النهوض

      والخامس[FONT=&quot]: [/FONT]الرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح[FONT=&quot]. [/FONT]والسادس[FONT=&quot]: [/FONT]الشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية

      البيضة وجهاد العدو، والسابع[FONT=&quot]: [/FONT]النسب وهو أن يكون من قريش لورود النص فيه وانعقاد الإجماع عليه،

      ولا اعتبار بضرار حين شذ فجوزها في جميع الناس، لأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه احتج يوم السقيفة

      على الأنصار في دفعهم عن الخلافة عن المشاركة فيها حين قالوا منا أمير ومنكم أمير تسليماً لروايته

      وتصديقاً لخبره ورضوا بقوله نحن الأمراء وأنتم الوزراء، وقال النبي صلى الله عليه مسلم[FONT=&quot]: [/FONT]قدموا قريشاً ولا

      تقدموها[FONT=&quot].[/FONT]

      ليس مع هذا النص المسلم شبهة لتنازع فيه ولا قول لمخالف له[FONT=&quot].[/FONT]

      والإمامة تنعقد من جهتين[FONT=&quot]: [/FONT]أحدهما باختيار أهل العقد والحل[FONT=&quot]. [/FONT]والثاني بعهد الإمام من قبل[FONT=&quot]: [/FONT]فآما انعقادها

      باختيار أهل الحل والعقد، فقد اختلف العلماء في عدد من تنعقد به الإمامة منهم على مذاهب شتى،

      فقالت طائفة لا تنعقد إلا بجمهور أهل العقد والحل من كل بلد ليكون الرضاء به عاماً والتسليم لإمامته

      إجماعاً، وأهذ مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر رضي الله عنه على الخلافة باختيار من حضرها ولم ينتظر

      ببيعته قدوم غائب عنها[FONT=&quot]. [/FONT]وقالت طائفة أخرى[FONT=&quot]: [/FONT]أقل من تنعقد به منهم الإمامة خمسة يجتمعون على عقدها

      أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة استلالا بأمرين[FONT=&quot]: [/FONT]أحدهما أن بيعة أبي بكر رضي الله عنه انعقدت بخمسة

      اجتمعوا عليها ثم تابعهم الناس فيها، وهم[FONT=&quot]: [/FONT]عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وأسيد بن حضير

      وبشر بن سعد وسالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهم والثاني أن عمر رضي الله عنه جعل الشورى في

      ستة ليعقد لأحدهم برضا الخمسة، وهذا قول أكثر الفقهاء والمتكلمين من أهل البصرة[FONT=&quot]. [/FONT]وقال آخرون من

      علماء الكوفة تنعقد بثلاثة يتولاها أحدهم برضا الاثنين ليكونوا حاكما وشاهدين كما يصح عقد النكاح

      بولي وشاهدين[FONT=&quot]. [/FONT]وقالت طائفة أخرى[FONT=&quot]: [/FONT]تنعقد بواحد، لأن العباس قال لعلي رضوان الله عليه أمدد يدك

      أبايعك فيقول الناس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان، ولأنه حكم وحكم واحد نافذ[FONT=&quot].[/FONT]