وقفة سوريا مع "الجريمة" والعقاب أخبار الشبيبة

    • وقفة سوريا مع "الجريمة" والعقاب أخبار الشبيبة

      * على المستوى الأخلاقي، فإن الكثير من المواقف وبيانات الإدانة الدولية، جاءت مستعجلة وبنيت على تقارير ومشاهد اتضح أنها ملفقة. وهذا يعطي مزيداً من الاعتبار لحديث النظام عن مؤامرة لعقابه على "جريمته" المتمثلة بموقفه السياسي.

      ياسر قبيلات yassek@yahoo.com إذا كانت الثورة التونسية والمصرية، ونظيرتهما الليبية، قد قامت بوجه أنظمة كانت بشكل أو آخر تقف في مساحة معسكر ما سمي قبل أفوله الدراماتيكي بـ"الاعتدال العربي"، ومنها من كان يقيم علاقات دبلوماسية مع العدو الإسرائيلي؛ فإن الاحتجاجات السورية تنهض في وجه نظام يقف في المساحة المقابلة المعروفة بـ"الممانعة". وفي هذا رسالة لافتة: انتهى زمن مصادرة الحرية، تحت أي مسمى، وأية ذريعة!

      ولأننا، في الشام، نعرف سوريا معرفتنا بباطن يدنا، لم نتردد في إدانة تغليب الحل الأمني في التعامل مع الاحتجاجات الشعبية. وهذا، بالذات، ما يفرض علينا في هذا المقام أن نكون موضوعيين فنضيء على جوانب أخرى من الصورة السورية، من تلك الجوانب التي يغفل عنها كثير من المتابعين متعمّدين، ويجتهد بعض كثير من الإعلام في إغفالها. لذا، لا بد من التوقف عند بعض الملاحظات الأساسية، حول الوضع في سوريا، كما حول الأداء الإعلامي في تغطية أحداثها.

      ملاحظة أولى؛ النظام في سوريا غير مرشح للسقوط: والسبب المحلي في ذلك أن تغيير النظام غير مرغوب. أما السبب الخارجي، فيكمن في انعدام القدرة على ضمان الاستقرار بحال تغيير النظام، وهو ما يجعل التغيير في سوريا بحد ذاته أمراً مرعباً.

      وعملياً؛ فإن الدفع الداخلي، وهو متواضع بالمقارنة مع التدخلات الخارجية (من قبل أطراف عربية وأجنبية)، لا يذهب نحو إسقاط النظام، ويحمل مطالب إصلاحية، هي أقل مما نراه في الأردن مثلاً، التي يطالب شعبها بالإصلاح السياسي والاقتصادي الشامل، بينما يافطة الإصلاح في سوريا تتركز على الحريات السياسية تحديداً، وتحمل طابعاً حقوقياً.

      وخارجياً؛ يدرك المتورطون بالشأن الداخلي السوري، أن من غير الممكن إسقاط النظام، ولا يسعون إلى ذلك تحديداً. بل يتجه جهدهم لاستغلال الفرصة السانحة لإضعاف النظام وممانعته، واستغلال الأحداث في تمرير قرارات دولية ضده. وهذا أمر جار على قدم وساق.

      لقد ربط النظام السوري نفسه بصراع جوهري، وتموضع في موقف يحظى بالتأييد الشعبي الشامل، لا سيما من شعوب الشام التي تشعر (ومعها الشعب المصري المجاور) أكثر من غيرها بوطأة الوجود الإسرائيلي. وهنا، يمثل ضرب النظام السوري إخلالاً بموقف الطرف العربي ضمن معادلات هذا الصراع، وهو الأمر الذي لا يثير إلا الرفض والامتعاض الشعبي.

      وبالمقابل، فإن قوى المعارضة في سوريا ليست واحدة؛ حيث نجد في الداخل معارضة منقسمة، وغير فاعلة، ولا تستطيع التنكر لنجاح النظام في تحقيق هدفين استراتيجيين، كانا بعيدي المنال: الأول؛ نقل سوريا من فوضى الانقلابات العسكرية والسياسية إلى استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي. وهذا ما قاد إلى تحقيق الهدف الاستراتيجي الثاني؛ وهو النجاح في تحويل سوريا إلى قوة إقليمية (على المستوى السياسي على الأقل)، وذلك في منطقة يراد لها أن تبقى تحت وطأة قوة إقليمية وحيدة هي إسرائيل. هذا في حين أن بعض المعارضة الخارجية، متورط إسرائيلياً وأمريكياً ويتعاطى مع الأجندات الدولية، ولا يملك تمثيلاً حقيقيّاً للداخل، بل إن حركتها بين العواصم الأجنبيّة تثير القلق باعتبارها تستعيد تجربة المعارضة العراقية، التي جرت الويلات على ذلك البلد العربي المنكوب.

      ويدرك المتورطون بالشأن الداخلي السوري، كذلك، أن إسقاط النظام في سوريا لن يسقط القوى التي يستند إليها ولن يلغي قاعدته الاجتماعية، وهي بالمجمل معادية لكل المشاريع التي يهدف إليها التغيير الذي ينشده هؤلاء. وعملياً، فإن الساحة، في حال إسقاط النظام، ستشهد بلمح البصر تشكل "حزب الله" سني في سوريا، وحينها فإن يافطة "المقاومة الإسلامية في لبنان" التي يرفعها حزب الله اللبناني، لن تعود مجرد شعار دبلوماسي يخفي الطابع الشيعي لهذه المقاومة. وسيكون على المتورطين مواجهة "مقاومة إسلامية في بلاد الشام" بقيادة لبنانية سورية.

      ملاحظة ثانية؛ يحتفظ النظام في سوريا بأدائه المستقر: قيل في وصف طريقة وأسلوب تعامل الرئيس السوري مع الملفات المطروحة، بأنه "لا يعمل تحت ضغط الأزمة، بل حسب الأهمية". والأهمية هنا، هي إدارة عملية الإصلاح وتهيئة ملفها، بما لا يضر بمعادلات الصراع، ولا يخلخل ميزان الدولة، أما التجييش الخارجي والحملات الإعلامية، فتأتي تالياً.

      والمؤشرات تؤكد ذلك موجودة، فالنظام السوري حدد خلال الفترة القصيرة الماضية أهم الخطوط العريضة للإصلاح السياسي وانتقل إلى التفاصيل، وتبدو حركته في هذا الاتجاه أسرع من اشقاء آخرين يراوحون مكانهم في بحث الخطوط العريضة للإصلاح.

      ملاحظة ثالثة؛ القاعدة الاجتماعية المتماسكة: بالرغم من ميل الإعلام إلى وصف النظام السوري بـ"البعثي العلوي"؛ إلا أن الواقع يقول أن مثل هذا النظام لم يكن ليستطيع الاستمرار كل هذا الوقت لو كان مستنداً بالفعل إلى أقلية طائفية؛ وعلينا هنا أن ننتبه أولاً إلى تنوع النخبة السياسية في سوريا بتلقائية تعكس تنوع وثراء المجتمع. وثانياً أن النظام يستند في حقيقة الأمر على قاعدة سنية، ما تزال تمحضه التأييد والدعم، الذي يلاقيه كذلك من فئات أخرى في المجتمع.

      ومقابل ذلك، نجد أن من يتصدر المشهد من الاتجاه الآخر، هي معارضة ملثمة على شاشة التليفزيون، وتعيش في كنف بعض القوى السياسية اللبنانية بأسماء مستعارة (كما تلاحظ وكالة الأنباء الفرنسية). وهنا، لا يمكن التعويل على وطنية وجدية مثل هذه المعارضة، التي "يصدف" أن صعلوكاً مثل محمد زهير الصديق أكثر شجاعة منها.

      ملاحظة رابعة؛ الاستفادة من التدخل الخارجي: التدخل الغربي في ليبيا أتاح للقذافي تحويل الثورة إلى تمرد، وهو في طريقه لتحويلها إلى مجرد أزمة سياسية. والتدخل النشط في سوريا، لا سيما من قبل أطراف عربية لا تحظى بالشعبية في بلاد الشام عموماً، من شانه أن يتيح للنظام استثارة المشاعر الوطنية.

      ملاحظة خامسة؛ التزوير الإعلامي وربّ ضارة نافعة: اجتاز الإعلام (العربي بالذات) في تغطيته للأحداث في سوريا، حاجز المواكبة والتغطية والتعاطف والمبالغة والتضخيم، إلى محاولة صنع الحدث. ثم حينما بدا أن ذلك غير ممكن، راح يبث دون تمحيص أية تقارير ومشاهد يقال أنها من سوريا، ويكرر بثها حتى بعد أن يثبت أنها ملفقة، وهذا أضعف الثقة بالحديث عن "ثورة سورية"، ويزيد من شعور السوري العادي أن وطنه مستهدف.

      ملاحظة سادسة؛ عدم اخلاص الخصوم لمطالب الشعب بالحرية: من السمات الأساسية للثورة المضادة أنها تسعى للاستيلاء على السلطة بأي ثمن، ولو كان ذلك على حساب الشعب والوطن؛ هذه اللهفة قادت إلى عمليات مشبوهة بالتعاون مع الخارج، والطعن بـ"الممانعة" مرة بالقول أنها كذبة، ومرة ثانية بالقول أنها لا تستحق، هذا في الخطاب الموجه للشارع العربي. أما في الخطاب الموجّه للخارج، فالدعوة الصريحة لرفع العلم الإسرائيلي في دمشق. كما أدت هذه اللهفة، كذلك، إلى التورط برفع يافطات عرقية وطائفية. وهنا، أمكن للنظام أن يحول ذلك إلى نقاط تميز أساسية بوجه خصومه، من خلال نبذ الخطاب الطائفي في مواجهة استعدادهم أن يكونوا طائفيين، وتبني خطاب وطني مقابل استعدادهم للتعامل مع الأجنبي والخارجي.

      وعلى المستوى الأدبي والأخلاقي، فإن الكثير من المواقف وبيانات الإدانة الدولية، جاءت مستعجلة وبنيت على تقارير ومشاهد اتضح أنها ملفقة. وبالمقابل، وهذا يعطي مزيداً من الاعتبار لحديث النظام عن مؤامرة لعقابه على "جريمته" المتمثلة بموقفه السياسي.

      وهنا، نود لو نكون واثقين من أن النظام السوري حريص بما يكفي على أن لا يتورط، ولم يتورط، في إضافة جريمة يدان عليها من كل الضمائر الحية، إلى تلك "الجريمة" التي نقبل أن ندان معه بها!

      أكثر...


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions