القاهرة - ش

يعد ديوان "الأعمال الكاملة لإنسان آلي" للشاعر المصري شريف الشافعي، أنموذجًا أدبيًا للجمالية المدهشة المتمردة، إذ يأتي كدراسة أكاديمية تطبيقية، مصحوبة بتأصيل نظري في ثنايا البحث، فالديوان يأتي في صورة متتالية شعرية من عدة أجزاء، صدر أول أجزائها بعنوان "البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية" في ثلاث طبعات كإصدار خاص بـ(القاهرة 2008)، وعن دار تالة السورية بـ(دمشق 2009)، وعن دار سندباد للنشر (القاهرة 2010). ويصدر الجزء الثاني هذا الصيف بعنوان "غازات ضاحكة" في ستمائة وخمس عشرة صفحة.

ويتجلى "الروبوت" مبدعًا على صفحات الديوان على نحو غير مسبوق، ويطرح أفكارًا إنسانية طازجة، ويقدم رؤية بانورامية شاملة للعصر الحديث، بأسلوب شعري عميق وبسيط.. بحيث يعتمد الـ"إنسان الآلي" على جماليات جديدة، تخالف الدارج والمألوف، وتمثل الطليعة الشعرية الحقيقية التي تعمل في صمت وتميز، وتثبت جدارتها بعيدًا عن صخب المزيفين.

ويلاحظ القارئ أن تجربة الشافعي تؤسس لذائقة جديدة في مسار قصيدة النثر العربية، إذ يستند في دراسته ملامح "ما بعد الحداثة" إلى عدد من النقاط المهمة؛ منها: الانطلاق من مبدأ اللايقينية وسقوط المركزيات الثقافية الكبرى التي بشرت بها ما بعد الحداثة، وإعادة الاعتبار للذات لا الأدلجة بوصفها منبرًا ومعبرًا لرؤية العالم، وهذا ما يتضح في تجربة "الروبوت"، الذي يقرأ العالم بأبعاد جديدة.. وأيضًا الانطلاق من قراءة علاقة الشاعر الذاتية مع الأشياء والأجهزة ومعطيات التقنية الحديثة، وهذه التجربة الأولى عربيًّا في هذا الصدد، وإن سبقتها تجارب أخرى فردية ومتناثرة، لكن تجربة "إنسان آلي" تقدم العلاقة التي يمكن تخيلها بين الإنسان والآلة، والإنسان والأشياء والطبيعة، بشكل صريح وواضح وجمالي، وعبر كتابة متصلة مكتملة المعالم.

ومن تلك النقاط أيضًا التي استندت إليها الدراسة، اعتماد الشاعر على جمالية متمردة وصادمة في آن، كما في استخدامه الكلمات الإنجليزية، ومفردات الحاسوب الأجنبية، وتشعيرها، وكأننا نقرأ تفاصيل حياتنا شعريًّا، وبرؤى عميقة.. أما بنية الإخراج الطباعي، فهي ذات علاقة عضوية بقراءة النص وبناء دلالته، وهي مدرسة راسخة في الشعر الأمريكي المعاصر، وإن جربها بعض الشعراء العرب بشكل مفتعل، ولكنها لدى الشافعي جزء أساس في التجربة، لا يمكن فصله ولا تجاهله.

أكثر...