بلسم الكتابة في الأدبية .
(( هناك شيء من ضعة المنبت والخسة في جنوح أي قاري أو كاتب إلى التعرض للشؤون الشخصية لخصمه عندما تعوزه الحجة ويشعر بضعف جانبه . مثل هذا الشخص كمثل من يتسلق جدار بيته ليتفرج على ما يجري في مخدع جيرانه .))
خالد القشطيني .
بهذه الكلمات ذات الكينونة الفلسفية.. التي تجعل الحياة فهماً أولياً لمن تعوزه الدراية الكافية للرد على خَصمه ، حينما يفكّر من جانبه أنه يجب عليه ، أن يتسلق جداره ، لمعرفة ما يدور في جُحر فضاء الآخر ، حتى ولو كان هذا الفِعْل فيه من الخسّة ، او من ُصنع ضِعة المنبت ، تعويضاً للنقص في ذاته الشخصية .
ومن هذه الصفة اللاأخلاقية في المنبت الحسن ، واللاإنسانية لما تتضمنه في فعل مأخوذٌ عليه ومذمومٌ لكل نفس ذات نيّة نقية ، وذات مخدعٍ طاهر .
والحقيقة أنه وفي كثير من الأحيان ، يتساءل بعض الأعضاء عن اسمي الحقيقي، ومن أكون ..! ويُرسل بعضهم خطابات يُشكك فيها جنسيتي .. ويُرسل الكثيرون منهم مُستنفراً عن بعض تصوراتي النقدية منها والكتابية ، وبعضهم من يُسيء الظن غير الحسن في منبت أفكاري .. ويُثير تساؤلات عدة حول عُمري الكتابي ، أو عُمر سنوات بداياتي ... وبعضهم من يستوحي أني ربما أكون أنثى او رجل ، أو ربما غيرهم يُشككون إن كنت أحمل الصفتين ( الذكر والأنثى ) !!.
وبعضهم يتطلع قائلاً إن عمري كبير .. وبعضهم الآخر من يُشكك أن سني الطفو لي لا يزال بِكْراً ، وبعضهم من تتملّكُه حيرة التساؤل ، فيوجّه سؤاله إلى حيث حالتي الإجماعية .. وغيرهم من يرمي بشباكه ليأتي بثمار عكسي ، فيحمل تساؤلاته في عرض رحمَ حالتي النفسية .. ! وجاء من يسألني مُستعطفاً إيّاي عن رقم هاتفي ، بحجّة أنه يرغب في الاطمئنان على حالتي ..!! .
فتجاهلت الأمر كثيراً ، وابتعدتُ عن كثير من الإشكاليات ، ورغبت في قيام ثورة التشكيك ، لمزيد من الحماسة .. فأرجأتُ تحفظاتي لأنتهز ظرفية التواجد بينهم ..ووعدتُ الكثيرون أنه بالإمكان الحصول على رقم هاتفي ولكني أحتاج لبعض الوقت .. وحمل بعضهم سوء نية التشكك.. ولكني أقول لهم جميعاً ، فأنا لا أحمل الصورة الازدواجية ، ولا يحمل اسمي معنى معاكس .. وأنا بطبعي لا أخجل ، وتعلمتُ أني لا أخجل ولا أُخفي حتى أدق الأسرار في تفاصيل حياتي الشخصية ، كما يخجل منها الآخرون .. فكتاباتي تُفضي بأني لا أزال رِهَان لحالة علمية / ثقافية / معرفية .. ذلك لسببُ بسيطٌ جداً ، هو أنني لأفعل شيئاً أعتبره مُخجلاً أو مُفضحاً ، كما يفعلون .!
لكن ومن ظاهر القول ، أن السادة الكرام يعتبرون أفكاري الفلسفية مجردة من الهدف الإنساني الأسمى وهو إصلاح ما يمكن إصلاحه ، وتوضيح ما يُمكن توضيحه .. أو ما يُمكن إلقاء الضوء عليه .. إذا كان من مُسلّمات الحياة . ويتحرّق الكثيرون شوقاً للتعرّف على شخصيتي .. وليس لمعرفتي .. ويتوق غيرهم إلى فهم إنسانيتي وشاعريتي وثقافتي بأي ثمن ، حتى لو أن هذا الثمن صار ضدي التوجه وعكسي الفهم .! بل أحياناً أشعر أن الناس لا يُريدون مثقفاً ، ولا يعيرون اهتماما لرهافة إحساس الشاعر ولا يكترثون لهاجس كتابات الأشخاص ذو الثقافة العالية والمعرفة الواعية ولا ينظرون لمن يحمل مشعل الإبداع والنور السامي.. ولا يهتمون كثيراً لمن بيده بعث حياة الأمل في النفوس المعوجّة ، ذلك لكي يحملها إلى نور الحياة وأمل الكتابة بسراجها الوهّاج.. لبدأ واقع جديد من هاجس الكتابة في الساحة .
وذات ليلةٍ جميلة ، التقيتُ بأحد الأعضاء البارزين في الساحة ، ودارت بينا حِوارات وصلت إلى مُنتهاها .. ولكن هذا العضو كان بمثابة المُنقذَ لي، إذْ أخرجني من دائرة تصميمي الجاد ، حينما كُنت أُفكر في إخلاء عُهدتي بهذه الساحة ، التي كان ولا يزال لها وقعٌ نفسي بالنسبة لي .. ففراقُها صعب ٌ ، ليس لأني عضوٌ فاعل فيها ، ولكنها كانت لي الأم الحاضنة التي كرستُ جُهدي كله من أجل الخروج بآليةٍ تجديدية لبقاء الكاتب أخذ حُرية .. وتجرعتُ بقاء هذه الحرية بكثير من الغصص ، وقوبلتُ بوصمة عارٍ من الكلمات الجارفة ، وبكلمات جارحةٍ أيضاً ..! ورغم هذا وذاك ، فقد كانت صلابتي الكتابية أكبر من سني ، ذلك لأني هاوٍ للكتابة وغاوٍ للقراءة ، وباعث أمل جديد في نفسي كُلما مررتُ بإحدى هذه المرارة ، فأطويها كُلما طويتُ صفحة من عُمري الذي يذهب ولا أستطيع إرجاع ولو شيء قليلٌ منه ..!!!! .
وفي مطلع عام 2002 ، التقاني ، عبر ألما سينجر ، أحد كِبار رجالات الساحة ، ودردشتُ معه حول رؤيتي .. وعقدنا صُلح أخوي .. كصلح الحديبة ، ولكني فوجئتُ أنه نقض العهد ، وقبض الصلح بين فكّيه ، قبضة عصْماء ، فلم يرى غير تلك القبضة متمسّكاً بها واندهشتُ ، حينما أشار عليّ أن أبقى بعيداً لأيام ، بُغية تهدئة الوضع بين المُتناحرين بأقلامه في الساحة الأدبية ..والتي لم أرى آنذاك أقلامٌ تُشار إليها بالبنان غير قلمين يتيمين ، وأقلامٌ ملقوفة على غير معرفة ثقافية كبيرة .وجاء ردّي بما لا تهوى به نفسه ، فأبيتُ التخلّي دون فهمٍ واضحٍ ، وكان طبعي جدلي ، يستنفذ صبر الذي يُجادلني .. هذا الجدل الحواري أسمد يته من واقع فلسفي / معرفي وقراءات في أدب الحوار .. ولم يأتي من واقع عبثي ، خاوٍ، لا فضاء له ولا هاجس كتابي ولا هدف قائم .! وقد عرفني منذ ذلك اليوم أني فلان ، حينما أخبرته يوم أن كشفتُ له عن اسمي الحقيقي ، بعد أن شهد على نفسه ، بالاحتفاظ على سُرية الاسم ، مهما اختلفتُ معه ..! والحقيقة كان عند كلمته .. فهو وكما قال لي ( أنا عند كلمتي .. لا أختلف ولا أحيد عنها ..) فنعم الرجل هوَ ، فقد بقي على العهد ، إلى يومي هذا ..! وبقيتُ على الساحة لأني لم أجد سببٌ مُقنعٌ .. وكان آنذاك ديدني حُرية الإبداع ، حسب ثقافتي وتحرري الفكْري الذي جئتُ به .. لكن الحُرية مقبوض عليها بتهمٌ كبيرة لا فرار لها ولا قرار لها ، غير كَبْتها او سِجْنها وإلزامها بعد شيخوختها بدفع غرامة فكرية وهي بقاء سير الإبداع كما هو بلا حُريةٍ ولا تجديد .! لكن الحرية التي أُسقطت من يد أصحابها ، كانت بفعل ( زر صغير ) لتكون بعد ثوانٍ بعيداً عنا .. لكن النهاية كانت قريبة من فهم معانيها ، حينما وجدنا أنفسنا بحاجة إلى تنوير ساحاتي كبير ، خاصة فيما يخص الأدب والثقافة ، والإبداع الفكري . ، ناهيك أن البعض يومذاك ، تحمّس بمشاركات ،عضوية ، كانت قابلة للتشكيك ، لمجرد فهم محاور بعض الرؤى حسب سياق الأفكار ، وهدف المطالبة ، فقالوا هل يُعقل أن يكون هذا العضو بصغر تواجده في الساحة يُوازي حجم كتابته هذه .! إذن لا بُد وأن يكون هو ..! فلم نرى له غير أجنحة تطير هنا ولا نشاهدها عبر رؤية حقيقة الرؤية المجردة ..!!.
وبعد هذا التقى بي الكثيرون من خلال ألما سينجر الجديد، فهولاء الذين التقيتهم عبر الحوارات النارية ، هُم لوحدهم يعرفون توجهي الفكري ، ويقدرون حجم ثقافتي ويقدرون أصالة معرفتي ..ويفهمون الكثير .. خاصة أن بعضهم عرف اسمي الحقيقي ..!!!!!! ورغم سفري البعيد ، وطوال تلك الأيام ، وأنا أتابع ملح الكتابة وأطالع هاجس فهم تقدم المبدعين .. ووجدتُ تحرراً كتابياً ، ومساحة من الحرية غير الكافية ، لكنها مساحة في مشوارها الحقيقي..! ، وجزا الله صاحبي الذي هداني إلى عودتي ، لدفع حركة الحرية الإبداعية ، وجزا الله القائمون على تفهمهم أحياناً لما نكتب وما نقصد ..! وما جُهدنا هذا إلا مسعى ، سعيناه منذ فترة ، ونحن مُلتزمون به ، إلى آخر قطرة من رمق الحياة .. حياة النفس او حياة الكتابة ..!! فبالرغم من حُبي الكبير للساحة ومحاولاتي الجادة لخلق إبداع حُر ، يتطلع إلى آفاقٍ يسعى إليها .. مع التزام بحقوق الآخرين ..! معنىً وقيمةً ، وفهماً وفكراً ، جدلية أو حوارية أو ثرثرة أو هاجساً كتابياً ، أو إبداعياً تجديدياً ، تقليدياً كان أوحداثياً.. وبالرغم من هذا او ذاك ، فقد ذُقت الأمريْن من البعض ، كما أن البعض الأخر، لحقني من أقلامهم ومؤامرتهم وحسدهم ما لم يذقه عُضو آخر.. لا لشيء ، فقط لأني لا أعرف أُجامل ، لمن لا يستحق المجاملة ، خاصة فيما يخص الأدب والإبداع . وكثرت العداءات ، حتى أن أحدهم أستطلع أحد كبار القائمون على هذه الساحة ، بعد قطع فقرات او حوار.. جاء بحسن نيّة ليصطاد به عداءه لي ، في الماء العكر ، الذي ظنّ أنه ناجٍ من المؤامرة التي طوقها على نفسه .. بغض النظر عن بُعد ثقافتي عن ثقافتهم، ولكن الحسد الآدمي الغريزي ، قابعٌ في ذواتنا نحن بني البشر .. ويكاد يكون ساكناً في أعماقنا .. ومتمكناً في أوصالنا وذائباً في شريان مجرى دمائنا ..
لذا ، وقبل أن أنهي مقالي هذا .. أدعو الأخوة الكرام ، أن يكونوا في زُمرة ، ونُصرة المبدعين . وأن يُشمروا عن ساعد الجد ، لنبذ الخلافات ، والابتعاد عن سفا سف الكلمات ، وعدم الغلو في الأحساد والأحقاد ، لبث الفرقة والضغائن فيما بينهم . وكفانا شتاتاً وأحقاداً وفرقة ً ، والكف عن الكلمات والدسائس العدائية ، والألفاظ الباهتة ، الضاربة إطنابها في جبهة التقاط بعض الفقرات والعبارات التي تدخل في منظور الفكر الإنساني ، فلا تسوق لنا غير وقفاتٍ بلْهاء ، لا تعدو إلا ونّات وخفايا ، لا تُحقق إلا فجوة في جسد الشفافية التي ندعو إليها ..! وعلينا أن نستفيد من ثقافات الآخرين كماً وكيفاً عبر هذه المُلقيات الإلكترونية الجديدة .
وأنا أدرك أن خزعبلات البعض لا تثنيتي أبداً عن الكتابة ، ولا تُرضخني عن الوقوف بجانب هدف حرية الإبداع .. ورونق ثقافة الناس .. سواء بمساحتها التجديدية الفكرية او حصراً بمساحتها الإبداعية .. وسأقف بقوة إلى جانب كل مبتدئ .. منتقداً إياهُ بكل جرأةٍ ، لكي يقف على عودٍ صلْبٍ وقوي أمام تيارات الأفكار المختلفة ليُحدد بنفسه مسار حياة إبداعه ، وفكره ، آنياً أو مستقبلاً .. ليحضى على بلسم الكتابة ، وشفافية روح الأحرف وهو يُسجل حروفه على الأدبية ، بكل ثقة وعزمٍ وإتقان.