مع الانبياء ... تفاصيل جميع الانبياء بطريقة رائعة

    • يسلمووو اخي موضوع جميل للغاية سأكون متابع واستفيد من معلوماتكم :)


      موفق .
      [SIGPIC][/SIGPIC]
      اللهـــم زد من يحبني جنـــونــا بــي
      وامنــح من يكرهنـــي نعمــة العقــل
    • ولد البـــدو كتب:

      يسلمووو اخي موضوع جميل للغاية سأكون متابع واستفيد من معلوماتكم :)


      موفق .
      الله يسلمك اخي ولد البدو ... شكرا لك ولمتابعتك
    • ماني غير عن الناس كتب:

      طرح موفق اخي فخر سنكون متابعين لك ... للفائدة
      جزاك الله خيرا


      شكرا عزيزي ماني غير عن الناس ... بارك الله فيك
    • بحر بدون ماء كتب:

      بارك الله فيك الله يقدرني اكون متابع لك مع كل الانبياء
      في ميزان حسناتك


      كل الشكر والتقدير لك اخي الكريم ... بارك الله فيك
    • هود عليه السلام


      [ATTACH=CONFIG]73765[/ATTACH]

      قال اللهُ تبارك وتعالى :{وإلى عادٍ أخاهُم هودًا قال يا قومِ اعبدوا اللهَ ما لكُم من إلهٍ غيرُهُ أفلاَ تتَّقون} (سورة الأعراف/65). بعد أن نجَّا اللهُ تبارك وتعالى نبيَّهُ نوحًا عليهِ السلام ومن معه في السفينة وأغرقَ الذين كذبوهُ من قومه بالطوفان العظيم الذي عمَّ جميعَ الأرض، نزل الذين ءامنوا من السفينة يعبدون اللهَ تعالى وحدَه ويعْمُرون الأرض، وكثرت الذرية من أولاد نوح الثلاثة سام وحام ويافث الذين كانوا على دين ءابائهم الإسلام، وكانوا يعبدون الله تعالى وحده ولا يشركون به شيئًا.

      ثم بعد أن طال الزمن عاد الفسادُ والجهل وانتشر في الأرض ورجعَ بعض الناس إلى الإشراكِ باللهِ وعبادةِ غير الله، فبعث اللهُ تبارك وتعالى هودًا، قال تعالى :{كذبت عادٌ المرسلين * إذ قال لهُم أخوهُم هودٌ ألا تتقون * إنّي لكُم رسولٌ أمين} (سورة الشعراء/123-124-125). وقد سماهُ اللهُ أخًا لهم لكونه من قبيلتهم لا من جهة أخوة الدين، لأن أخوة الدين لا تكون إلا بين المؤمنين كما قال تعالى :{إنما المؤمنون إخوةٌ} (سروة الحجرات/10).

      اصل نسب هود عليه السلام

      [ATTACH=CONFIG]73765[/ATTACH]

      سيدنا هود عليه السلام هو عربيٌّ في أصله، وقيل إنه هود بن عبد الله بن رباح بن الجلود بن عاد بن عَوْص بن إرم بن سام بن نوح، وقيل غير ذلك. وقد جاء في صحيحِ ابن حبان عن أبي ذرّ في حديث طويل في ذكر الأنبياء والمرسلين قال :"وأربعةٌ من العرب: هود وصالح وشعيب ونبيّك محمد".


      عددُ المرات الذي ذُكر فيها هود عليه السلام في القرءان

      [ATTACH=CONFIG]73765[/ATTACH]

      ذُكر هودٌ عليه الصلاة والسلام في القرءان الكريم سبْع مرات، وقد ذكر اللهُ تبارك وتعالى قصته عليه السلام مع قومه مع شىء من التفصيل في سورة الأعراف وسورة هود وسورة المؤمنون وسورة الشعراء وسورة الأحقاف وسورة فصلت.


      الصور
      • 121210011226g0yqvcb8tyf.gif

        8.56 kB, 345×56, تمت مشاهدة الصورة 258 مرة
    • دعوة هود عليه السلام قومَه إلى عبادة الله وحده
      //

      وما جرى بينه وبين قومِه من جدال وحسن دعوته إلى الله تعالى



      أعطى اللهُ تبارك وتعالى قبيلة عاد نِعمًا كثيرة وافرة وخيرات جليلة، فقد كانت بلادهم ذات مياة وفيرة فزرعوا الأراضي وأنشأوا البساتين وأشادوا القصور الشامخة العالية، إضافة لما منحهم اللهُ تعالى فوق ذلك من بَسْطة في أجسادهم وقوة في أبدانهم لكنهم كانوا غير شاكرين لله على نعمه، فاتخذوا من دونه ءالهةً وعبدوا الأصنام وصاروا يخضعون لها ويتذللون ويقصدونها عند الشدة، فكانوا أول الأمم الذين عبدوا الأصنام بعد الطوفان العظيم الذي عم الأرض وأهلك الكافرين الذين كانوا عليها، فبعث اللهُ تبارك وتعالى إليهم نبيَّه هودًا وكان أحسنهم خُلُقًا وأفضلهم موضعًا وأوسطهم نسبًا، فدعاهم إلى دين الإسلام وعبادة الله تعالى وحده وترك عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، وأن يُوحّدوا الله الذي خلقهم ولا يجعلوا معه إلهًا غيره، وأن ينتهوا ويكفوا عن الظلم والبغي والفساد بين الناس، ولكنهم عاندوا وتكبروا وكذبوا نبيَّ الله هودًا عليه الصلاة والسلام وقالوا :{من أشدّ منَّا قوة} (سورة فصلت/15)، وءامن به واتبعه أناس قليلون كانوا يكتمون إيمانهم خوفًا من بطش وظلم قومهم الكافرين المشركين، قال الله تبارك وتعالى :{فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحقّ وقالوا من أشدّ منّا قوة أولم يروا أن اللهَ الذي خلقهم هو أشدّ منهم قوّة وكانوا بآياتنا يجحدون} (سورة فصلت/15)، وقال الله تبارك وتعالى :{وإلى عادٍ أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا اللهَ ما لكم من إلهٍ غيره أفلا تتقون} (سورة الأعراف/65) المعنى أن هودًا قال لقومه: يا قوم اعبدوا الله وحده ولا تجعلوا معه إلهًا غيره فإنه ليس لكم إله غيره أفلا تتقون اللهَ ربَّكم فتحذرونه وتخافون عقابَه بعبادتكم غيره وهو خالقكم ورازقكم دون كل ما سواه، فأجابه قومه بما أخبر اللهُ تبارك وتعالى به {قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنُّك من الكاذبين * قال يا قوم ليس بي سفاهةٌ ولكنّي رسولٌ من ربّ العالمين} (سورة الأعراف/66-67).

      المعنى أن الملأ الذين كفروا وجحدوا توحيد الله وعبدوا الأصنام وأنكروا رسالة هود وكذبوا ما جاء به قالوا له: إنا لنراك يا هود في سفاهة ويريدون بذلك أنك في ضلالة عن الحقّ والصواب بتركك ديننا وعبادة ءالهتنا وإنا لنظنك من الكاذبين في قولك إني رسول من رب العالمين {قال يا قوم ليس بي سفاهةٌ ولكني رسول من رب العالمين * أبلغكم رسالاتِ ربي وأنا لكم ناصحٌ أمين} (سورة الأعراف/67-68)، أي يا قوم ليس بي سفاهة عن الحق والصواب بل إني على الحق المبين والطريق الصواب، رسول من رب العالمين أرسلني إليكم فأنا أبلغكم رسالات ربي وأؤديها إليكم، وأنا لكم ناصحٌ فيما دعوتكم إليه من عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام التي لا تضرّ ولا تنفع، فاقْبلوا نصيحتي فإني أمين على وحي الله وعلى ما ائتمنني عليه من الرسالة لا أكذب فيه ولا أزيد ولا أبدل، بل أبلغ ما أمرت به كما أمرت.

      قال تعالى :{أو عجبتم أن جآءكم ذِكر من ربّكم على رجلٍ منكم لينذركم} (سورة الأعراف/63). أي عجبتم أن أنزل اللهُ وحيَه بتذكيركم وأرسل نبيه إليكم يدعوكم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام، ولينذركم عذابه إن لم تقبلوا دعوته ولم تدخلوا في دينه الإسلام، وقد قال لهم هود هذا منكِرًا عليهم بعد أن استبعدوا أن يبعث اللهُ رسولاً بشيرًا يأكل ويشرب كما يأكلون ويشربون، واعتبروا أن تصديقه في دعواه خسارة وبطلان {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بصطه فاذكروا ءالاءَ الله لعلكم تفلحون} (سورة الأعراف/69)، المعنى اتقوا اللهَ في أنفسكم واذكروا ما حلّ بقوم نوح من العذاب إذ عصوا رسولهم وكذبوه وكفروا بربهم واستمروا على بَغيهم وتكبرهم، فإنكم إنما جعلكم ربكم خلفاء في الأرض بعدهم لما أهلكهم، فاتقوا الله أن يحل بكم نظير ما حلّ بهم من العقوبة فتهلككم كما أهلكهم ويبدل منكم غيركم سنته في قوم نوح قبلكم على كفرهم وتجبرهم. ثم بيَّن لهم نِعم الله الجليلة عليهم إذ زادهم في الخلق بسطة فزاد في أجسادهم وقوامهم فأمرهم أن يذكروا نعمَ الله عليهم وفضله عليهم في أجسادهم وقوامهم، فيشكروا اللهَ تعالى على ذلكَ بأن يعبدوا الله وحدَه ويخلصوا له العبادة ويتركوا الإشراك وعبادة الأصنام كي يفحلوا.

      لكنَّ قوم هود رغمَ هذا البيان المقنع والكلام الناصح من نبيهم هود عليه السلام لم يقبلوا الحق الذي جاء به، وأعلنوا له أنهم لن يتركوا عبادة الأصنام وأنهم يعتقدون أن بعض ءالهتهم غضب عليه فأصابه في عقله فاعتراه جنون بسبب ذلك، كما أنهم استبعدوا إعادتهم يوم القيامة وأنكروا قيام الأجساد بعد أن تصير ترابًا وعظامًا، فقال لهم نبيُّهم هود عليه السلام ما أخبرنا الله به في القرءان الكريم :{وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ءايَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135)} (سورة الشعراء). وقال تعالى مخبرًا عن قول هود عليه السلام في موضع ءاخر من القرءان الكريم {يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (51) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ (52)} (سورة هود).

      فبين لهم سيدنا هود عليه السلام أنَّه لا يَطلُب على نصيحته لهم أجرًا يأخذه منهم أو رئاسة يتزعم بها عليهم، وأنّه لا يطلب الأجر في دعوته لهم إلى الإيمان والإسلام إلا من الله تبارك وتعالى، ثم قال لهم واعظًا ما معناه أتبنون بكل مكان مرتفع بناءً عظيمًا هائلاً تعبثون ببنائه ولا حاجة لكم فيه وأنتم تسكنون الخيام العظيمة، ثم تتخذون القصور رجاء منكم أن تعمروا في هذه الدار أعمارًا طويلة، ثم ذكر لهم أنهم يتجبّرون ويظلمون الناس فأمرهم أن يتقوا الله بأن يدخلوا في دينه ويعبدوا الله وحده ويطيعوه، وذكّرهم بما أنعم الله به عليهم وبما أمدّهم به من أنعام وبنين وما رزقهم من مياه وافرة وبساتين خضراء يانعة يتنعمون بها، وحذرهم من عذاب الله العظيم يوم القيامة الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم من الكفر والشرك، ولكن قوم هود أصرّوا على كفرهم وعنادهم وقالوا له فيما قالوا: أجئتنا لنعبد الله وحده ونترك عبادة الأوثان والأصنام ونخالف ءاباءنا وأسلافنا وما كانوا عليه، وقالوا له على وجه التهكم والعناد والاستكبار إن كنت صادقًا فائتنا بما تعدنا من العذاب فإنا لا نصدقك ولا نؤمن بك وقد أخبرنا الله في القرءان بذلك: {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ (34) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ (35) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37) إِنْ هُوَ إِلا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38)} (سورة المؤمنون).

      وقال :{ قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي ءالِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ ءالِهَتِنَا بِسُوَءٍ (54)} (سورة هود)، وقال تعالى :{قَالُوا سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مّنَ الْوَاعِظِينَ (136) إِنْ هَذَا إِلاَّ خُلُقُ الأَوَّلِينَ (137) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138)} (سورة الشعراء) أي أن هذا الدين الذي نحن عليه إنْ هو إلا دينُ الأولين أي الآباء والأجداد ولن نتحول عنه، فأعلمهم هود عليه السلام أنهم استحقوا الرّجس والغضب من الله لإصرارهم على كفرهم وعبادة الأصنام، ولينتظروا عذاب الله الشديد الواقع عليهم لا محالة.
      قال الله تعالى :{قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ ءابَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَءابَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنّي مَعَكُم مّنَ الْمُنتَظِرِينَ (71)} (سورة الأعراف).
    • إهلاك عاد وإنزال العذاب بهم لتكذيبهم نبي الله هودًا عليه السلام



      لما تجبّر قوم هود عليه السلام ولم يستجيبوا لدعوة نبيهم هود عليه السلام بل عصوا رسول الله هودًا وكذبوه وجحدوا بآيات الله التي أقامها هود عليه السلام دلالة على صدقه في أنه مرسل من ربّه واتبعوا أمر كل جبار عنيد من ملإ قومهم وأصروا على عبادة الأصنام، أحلَّ الله تبارك وتعالى بهم نِقمته وعذابه في الدنيا بعد أن أنذرهم سيدنا هود عليه السلام بالعذاب القريب الذي ينتظرهم، قال تعالى :{قال رب انصرني بما كذبون (39) قال عما قليل ليصبحنَّ نادمين(10)} (سورة المؤمنون)، وقال تعالى إخبارًا عن هود :{فانتظروا إني معكم من المنتظرين} (سورة الأعراف/71)، فأمسك الله عنهم المطر حتى جهدوا، وكان كلما نزل بهم الجَهد ذكَّرهم هود بدعوة الله وأنه لا ينجيهم من البلاء والعذاب إلا الإيمان والاستماع لنصائحه بالقبول، فكان ذلك يزيدهم عتوًّا وعنادًا فازداد العذاب عليهم وصاروا في قَحْط وجفاف شديدين فطلبوا السقيا والمطر وأوفدوا وفدهم إلى مكة يستسقون لهم، فأنشأ الله سحابًا أسود وساقه إلى عاد فخرجت عليها من واد فلما رأوها استبشروا أنه سحاب مطر وسُقيا رحمة فإذا هو سحاب عذاب ونقمة قال تعالى :{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمّرُ كُلَّ شَىْءٍ بِأَمْرِ رَبّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25)} (سورة الأحقاف)، أي أن الله أرسل عليهم ريحًا شديدةً عاتية حملت رحالهم ودوابهم التي في الصحراء وقذفت بها إلى مكان بعيد، فدخل قلوبهم الفزع وهرعوا مسرعين إلى بيوتهم يظنون أنهم ينجون، ولكن هيهات إذ حملتهم هذه الرياح الشديدة وأهلكتهم. وكان بعد ذلك العرب إذا بعثوا وفدًا لهم قالوا: لا تكن كوافد عاد، روى الإمام أحمد في مسنده أن الحارث بن حسان البكري قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم :"أعوذُ باللهِ ورسوله أن أكون كوافدِ عاد" الحديث.

      قال الله تعالى في سورة الحاقة :{وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُم مّن بَاقِيَةٍ (8)}.لقد أرسل الله على قوم هود ريحًا باردة شديدة الهبوب سخرها الله على القوم الكافرين سبع ليال وثمانية أيام كوامل متتابعات حتى أهلكتهم وصاروا صَرعى، وقد شبههم الله بأعجاز النخل التي لا رءوس لها، وذلك لأن هذه الريح كانت تجيء إلى أحدهم فتحمله فترفعه في الهواء ثم تنكسه على أُمّ رأسه فتشدخه فيبقى جثة هامدة بلا رأس، قال الله تبارك وتعالى :{وفي عادٍ إذ أرسلنا عليهِمُ الريحَ العقيم} (سورة الذاريات/41) أي التي لا تنتج خيرًا، وقال تعالى :{ما تذر من شىء أتت عليه إلا جعلته كالرميم} (سورة الذاريات/42). أي كالشىء البالي الفاني الذي لا ينتفع به بالمرة، وقال تعالى :{إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ (19) تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21)} (سورة القمر).

      ومن قال إن يوم النحس المستمر يوم الأربعاء وتشاءم به لهذا الفهم فقد أخطأ وخالف القرءان فإن الله تعالى قال :{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنصَرُونَ (16)} (سورة فصلت)، وروى البخاريّ عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"نُصرت بالصبا، وأُهلكت عاد بالدَّبُورِ".

      ولقد نجى الله هودًا عليه السلام ومن معه من المؤمنين قال تعالى :{فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ (72)} (سورة الأعراف)، وقال تعالى :{وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58)} (سورة هود).

      وقد حجّ بعد ذلك سيدنا هود عليه السلام كما روى ذلك أبو يعلى في مسنده، أما موضع قبره ففيه خلاف، قيل بحضرموت في بلاد اليمن، وقيل بالحِجر من مكة، وذكر ءاخرون أنّه بدمشق، وبجامعها مكان في حائطه القبلي يزعم بعض الناس أنه قبر هود عليه السلام والله أعلم. وبلاد عاد اليوم رمال قاحلة لا أنيس فيها ولا ديار، فسبحان الملك العزيز الجبار.

      عاش 464 سنة ودفن شرقى حضر موت باليمن
      والله تعالى أعلم
      :)
    • صالح عليه السلام
      ثمود وارثة عاد
      [ATTACH=CONFIG]73766[/ATTACH]

      اندثرت عاد بالريحالصرصر العاتية، ولم ينج منهم إلاّ من أنجاهالله تعالى. وأورث سبحانه الأرض قوم ثمود أخيجديس بن عاثر بن إرم بن سام بن نوح(ع)، وهم منالعرب العاربة، كانوا يسكنون في وادي القرىبين الحجاز وتبوك، قريباً من شواطئ البحرالأحمر، شمالي مكة المكرمة.
      وثمود هؤلاء همأبناء عم عاد، وكانوا ذوي شأن وتأثير فيالحياة داخل الجزيرة العربية، ولاتزالآثارهم أو بعضها إلى اليوم في مايعرف بديارثمود، أو مدائن صالح، غربي المدينة المنوّرةوجنوبيها حيث توجد البئر المعروفة ببئرالناقة.
      عبدت ثمود الأصنامكعادٍ، وكان لهم مايقارب الأربعين صنماً،جعلوا لها بيوتاً يدفعون الناس إليها،ليقدّموا لها القرابين التي كانت تؤمِّن لهمزيادة أموالهم وتنمية ثرواتهم، وكان أكبر تلكالأصنام هو الصنم "ود"، يليه "هبل" و"اللات".
      وعمرت ثمود واديالقرى تماماً كما فعلت عاد قبلهم، وقد هبهمالله بسطة في الأجسام وطول الأعمار، ولكنهمكانوا شرسي الطباع، قساة القلوب، خصوصاًبعدما كثرت أموالهم واتسع سلطانهم. إذ أصابهمالبطر والغرور، كما أصاب قبلهم قوم عاد،فأفسدوا في الأرض، وبطشوا بالناس، وجحدوا نعمالله التي أنعم بها عليهم.
      وكان لثمود ملك ظالماسمه جندع بن عمرو، سيِّئ الطباع، قاسي القلبمثلهم جباراً، فجاء إليه جماعة ممن أنجاهمالله من بقايا عاد، وراحوا يعظونه، ويذكرونله ماحلَّ بقومهم إثر كفرهم وطغيانهم،وتجبرهم، وراحوا يصفون له غضب الله الذي حلَّعليهم، بعد دعوة نبيهم هود(ع) لأنهم رفضواعبادة الله، كل ذلك وهم يظنون أن جندع سيتعظبمن سبقه، ويرعوي، ويرتدع عن غيِّه وبطشه،ولكن جندع قال لهم بصلف وغرور أكبر: إنما هلكقوم عاد لإنَّهم لم يكونوا يحسنون بناءالبيوت، كما نفعل نحن، فقد كانوا يجعلونهاعلى الرمال، ونحن نبني بيوتنا في الجبالوننحتها في الصخور، وكانوا لايحسنون عبادةأصنامهم والاهتمام بها، وها نحن نعبد أصنامناكما يجب ونبني لها البيوت ونعيّن لها الخدم،كما أننا نحن أشدّ من عادٍ قوة، ولذلك لايمكنأن تُهلكنا الريح مهما كانت صرصراً عاتية .

      صالح عليه السلام

      [ATTACH=CONFIG]73766[/ATTACH]

      واستخف الملك جندعبن عمرو وقومه ثمود فتابعوه في غيِّه وغروره،ولم يتعظوا بما حلّ بأبناء عمومتهم من عاد،وأصروا على فسادهم وكفرهم، فبعث الله فيهمنبياً منهم هو صالح(ع): {وإلى ثمود أخاهمصالحاً}، فراح(ع) ينهاهم ويعظهم ويجادلهم،ويعدهم ويتوعدهم للرجوع عن ضلالتهم ويدعوهمإلى عبادة الله الخالق المنعم {قال: يا قوماعبدوا الله مالكم من إله غيره هو أنشأكم منالأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبواإليه إن ربي قريب مجيب}.
      وصالح(ع) هو ابن ثمودبن عابر بن إرم بن سام بن نوح(ع) نشأ وترعرعبينهم في بيت شريف من بيوتات ثمود، وكان أبوهخادماً للصنم "ود" كبير أصنام القبيلة،وتعلَّم(ع) حتى وصل إلى درجة عالية فنمتشخصيته ووهبه الله تعالى من الذكاء والفطنةوالحكمة والشجاعة، ماجعله محترماً بينهممسموع الكلمة سديد الرأي، وهيَّأه ليكونمرجعاً لثمود في الملمات يستشيرونه ويطيعونهفيما يشير به عليهم في معظم أمورهم.
      رأى صالح(ع) ماكانتعليه ثمود من الضلال والكفر والطغيان، وفسادالتصرف وسوء الأخلاق والمعاملة، والإنحراففي العبادة، فراح يفكر في طريقة لتخليصهم مماهم فيه، فهداه الله سبحانه وأوحى إليه وبعثهرسولاً إليهم: {وإلى ثمود أخاهم صالحاً قالياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره} وراحيذكِّرهم بنعم الله عليهم إبتداءً من نعمةالخالق حتى ماهم فيه من النعيم: {واذكروا إذجعلكم خلفاء من بعد عاد وبوَّأكم في الأرضتتخذون من سهولها قصوراً وتنحتون فاذكرواآلاء الله ولاتعثوا في الأرض مفسدين}.
      بعد هذه الدعوةالتذكيرية، آمن جماعة من قوم ثمود برسالةصالح(ع) لأنهم عرفوا أنه إنما كان رسولاًنبياً يتمتع بكل صفات النبوة، فهم يعرفون أنهلايكذب، وقد خبروه وهو يعيش بين ظهرانيهم،وهو الحكيم العالم الحصيف، صاحب الرأي السديدالرشيد، الذي كانوا يرجعون إليه في الملمات،ولكن جماعة منهم وهم الكثرة الغالبة، لميؤمنوا بل غيّروا رأيهم في صالح (ع) ومقتوه بعدأن كانوا يحبونه، واحتقروه وكذبوه بعدماكانوا يصدقونه ويحترمونه، وقالوا: {ياصالح قدكنت فينا مرجواً قبل هذا} أي قبل أن تأمرنابعبادة الله، وترك عبادة الأصنام، وقبل أنتنهانا عمّا نحن فيه من الإفساد في الأرضوالتجبر أما وقد أمرتنا اليوم بترك عبادةالأصنام، ودعوتنا إلى عبادة إلهٍ واحد فإنناأصبحنا نشك في مكانتك التي كانت لك عندنا: {أتنهاناأن نعبد مايعبد آباؤنا وإننا لفي شكٍ مماتدعونا إليه مريب}.
      وأخذ صالح (ع) يسردلهم الأدلة والبراهين على وحدانية اللهالخالق ويسوق الحجج على أنه نبي مرسل إليهم منربهم وأنه لايطلب منهم أجراً على مايقوم به منالتعليم وتبليغ الرسالة لهم: {إذ قال أخوهمصالح ألا تتقون. إني لكم رسول أمين. فاتقواالله وأطيعون. وماأسألكم عليه من أجر إن أجريإلا على رب العالمين}.
      ورغم ماكانوايعرفونه من أن صالحاً صادق في دعوته وأنه كانذا مكانة مرموقة فيهم نظراً لاستقامته، قبلأن يصبح رسولاً إليهم ورغم إصرار صالح(ع)وجهده في تبليغهم رسالة ربه، رغم كل ذلك، فإنثمود استكبروا واتهموه بالكذب، ورفضوااتّباعه وتصديقه: {فقالوا أبشراً منا واحداًنتبعه إنا إذاً لفي ضلال وسعر. أألقي الذكرعليه من بيننا بل هو كذاب أشر}.
      ولم يكتفِ المفسدونالمستكبرون من ثمود بذلك، بل تمادوا فيطغيانهم وغرورهم، وكما اتّهمت عاد نبيهاهوداً(ع) بأنه كاذب وساحر، كذلك اتّهمالثموديون نبيهم صالحاً(ع) بأنه كاذب وساحر: {قالواإنما أنت من المسحَّرين. ما أنت إلاّ بشرمثلنا} فلماذا تكون نبياً ويختارك اللهليبعثك رسولاً إلينا، هذا محض افتراء وكذب.
      أما الطيبونالعاقلون من ثمود فقد عرفوا صدق صالح(ع)ونبوته، فآمنوا به ودعوا الآخرين إلى الإيمانبرسالته. وهكذا انقسم الثموديين فريقين فريقيدعو إلى اتباع صالح(ع) وعبادة الله الخالق،وفريق دعا إلى محاربته وقتله، وأخذ يدبِّر لهالمكائد، ويحاول تعجيزه وتهزيئه وتعزيره هوومن آمن معه ويقولون: {اطّيّرنا بك وبمن معك...وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرضولايصلحون. قالوا تقاسموا بالله لنبيّتنّهوأهله ثم لنقولنّ لوليه ما شهدنا مهلك أهلهوإنا لصادقون}.
      وألهم الله نبيّهصالحاً الجواب المنطقي المقنع لو كانوايعقلون: {قال طائركم عند الله بل أنتم قومتفتنون}، وتابع المفسدون المستكبرون من ثمودمحاولاتهم لصدّ الناس عن الإيمان بدعوة صالح(ع)،فحاولوا تطويقه إعلامياً ومحاصرتهإجتماعياً، فلجأوا إلى الإستهزاء به وبمن آمنبرسالته وقد استضعفوهم وقالوا لهم: {أتعلمونأن صالحاً مرسلٌ من ربه!؟ قالوا إنا بما أرسلبه مؤمنون. قال الذين استكبروا إنّا بالذيآمنتم به كافرون}.
      وباءت هذهالمحاولات كلها بالفشل الذريع، إذ أنجاه اللهوحفظه من كيد المفسدين {ومكروا مكراً ومكرنامكراً وهم لايشعرون}، فتابعوا مكرهم وكيدهم،والله سبحانه يهيئ لهم العذاب، حتى إذا حقعليهم نزل بهم وهم عنه لاهون .


      شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يُهدى لعاصي
    • الناقة المعجزة



      لم يكترث نبي اللهصالح(ع) بأساليب المستكبرين ولم تؤثر فيهأساليبهم الخبيثة الملتوية، وراح يتهددهمويتوعدهم بعذاب الله الأليم، إن هم أصروا علىاستكبارهم وكفرهم، وأن الله لن يتركهم هكذاوإن طال بهم الزمن، ومدَّ لهم في الوقت، فإنالله يمهل ولايهمل، وراح ينصح الجماعة إن همأطاعوا المفسدين منهم اتقاءً لعذاب الله،مذكِّراً إياهم بأنّهم لن يتركوا ليفسدوا فيالأرض وهم مطمئنون مرتاحون: {أتتركون في ماهاهنا آمنين. في جنّات وعيون. وزروعٍ ونخلٍطلعها هضيم. وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين.فاتّقوا الله وأطيعون. ولاتطيعوا أمرالمسرفين. الذين يفسدون في الأرض ولايصلحون}.
      وأبى قسمٌ كبير منثمود طاعة نبي الله صالح(ع)، وأصروا علىفسادهم وعبادتهم للأصنام، ولم يقفوا عند هذاالحد بل وصلت بهم الوقاحة إلى أن دعوا صالحاً(ع)إلى ترك عبادة الله الخالق، ليعبد الأصناممثلهم فينزل على رأي الجماعة، ورفض(ع)، دعوتهمقائلاً لهم: {ياقوم أرأيتم إن كنت على بينة منربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إنعصيته فما تزيدونني غير تخسير}.
      ولما رأى المفسدونالمستكبرون إصرار صالح(ع)، وعناده في دعوتهالحق، راحوا يسألونه المعجزات قائلين: {ما أنتإلاّ بشر مثلنا فأتِ بآية إن كنت من الصادقين}.فقال لهم(ع): وماذا تطلبون حتى تؤمنوا وتعودواإلى رشدكم؟...
      واجتمع الثموديونفي ناديهم وصالح بينهم ثم إنهم أشاروا إلىصخرة قريبة وقالوا: إن أنت أخرجت لنا من هذهالصخرة ناقة عشراء حمراء وبراء، لاتشبهالنوق، ولها ضرع أكبر من القلال يشخب منهاللبن غزيراً صافياً، ويخرج منها إبن لهامثلها ويصوت أمامنا كما تصوت، إن أنت أتيتبتلك الناقة صدقناك وآمنا بأنك رسول الله.
      وراحوا يحدّدونويدققون في الوصف ظناً منهم أن صالحاً(ع)سيعجز عن الإتيان بهذه الناقة التي يصفون،وبذلك يظهرونه بأنه كاذب فيتفرّق الناس عنه،وتبطل رسالته.
      وأدرك صالح (ع) بوحيٍمن الله، أدرك سوء نواياهم، فما كان منه إلاّأن رجع إلى ربه يسأله، فانتحى ناحية فصلّىودعا ربه وهو الصادق المخلص، فأوحى اللهتعالى إليه، أن سأعطيهم ماسألوا: {إنا مرسلواالناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر}.
      عندها وقف صالح(ع)وقال لهم: وهل ستؤمنون إن جئتكم بالناقة؟قالوا نؤمن إذا كان لبنها ألذّ من الخمر وأحلىمن العسل، فقال لهم: سخرجها ربي أفتؤمنون...فأخذوا في كل مرة يزيدون صفة أصعب من الصفاتالتي ذكروها، وهم يخافون أن تخرج فيظهر صدقصالح(ع) ويبين كذبهم هم وفسادهم، تماماً كمافعل اليهود عندما سألهم موسى(ع) أن يذبحوابقرة، وصفها لهم، فتغابوا عنها فراح (ع) يحددفي الصفات وفي كل مرة يأتي بصفة أصعب من الأولحتى ذبحوها وماكادوا يفعلون.
      ظن الثموديون أنصالحاً(ع) لايمكن أن يأتي بالناقة التي وصفوالأنه لس بمقدور مخلوق أن يأتي بمثلها، ومنالصخرة التي أشاروا إليها، فقالوا لصالح(ع):نؤمن إذا جئت بالناقة كما وصفنا، فقال(ع) شرطألا يركبها أحد منكم، ولا ترمونها بالحجارةولابالسهام، ولاتمنعوها من الشرب من بئركم هيوفصيلها، فقالوا لك ذلك..
      وماهي إلاّ لحظاتحتى كان أمر الله مفعولاً، فاضطربت الصخرةواهتزت، فإذا هي تنشق عن ناقة عظيمة فيها كلالصفات التي وصفوا.. ثم يخرج منها فصيل كأنّههي، فقال صالح(ع): {هذه ناقة لها شرب ولكم شربيوم معلوم}.. {هذه ناقة الله لكم آية فذروهاتأكل في أرض الله ولاتمسوها بسوءٍ فيأخذكمعذاب أليم}.
      ونظر الثموديون إلىالناقة العظيمة، فبهتوا وأخذتهم الدهشة.. بأيقدرة استطاع صالح أن يأتي بهذه الناقة التيتتحرك، من الصخرة الجامدة التي لاحياة فيها!!هذا ليس سحراً ولاكذباً.. ولاشك أن هناك قوةقادرة هي التي خلقت من الصخرة الميتة ناقة حيةحقيقية.. وهذه القوة قادرة، بلا شك، على الإفناء كقدرتها على الإحياء .

      عقر الناقة وعذاب ثمود



      بعد معجزة الناقة،انفسهم الثموديون ثلاثة فرقاء: فريق آمنوأيقن أن صالحاً(ع) نبي مرسل من الله سبحانهوتعالى وفريق أحب الإيمان، أو قُل أراد أنيؤمن لمّا رأى ذلك، ولكنهم خافوا على أنفسهمبطش المفسدين المستكبرين، فآمنوا سراًوكتموا إيمانهم، أما الفريق الثالث، فأصرواعلى كفرهم، ولم يستطيعوا إدراك كنه المعجزة...وهؤلاء راحوا يتحينون الفرص ليضربوا ضربتهم،بعد أن أسقط في أيديهم وأخرستهم الحقيقة،وشلتهم قدرة الله الخارقة.
      وانقضت أيام وأيام،وثمود تشرب من الناقة لبنها الصافي.. فيماتشرب الناقة يوماً من البئر التي كانوايستقون منها، فتأتي على كل مافيها من ماء،لكنها لم تكن لتقرب البئر في اليوم التالي إذتترك الماء لهم ليشربوا ويغتسلوا آنيتهموثيابهم.
      ولما كان فريق منهملم يؤمنوا، وسكتوا على مضض، فقد ظلوا يتحينونالفرص للتخلص من صالح ومعجزته ودينه، وهؤلاءأخذوا يظهرون امتعاضهم وسخطهم، ولم يكنأمامهم إلاّ الناقة، فراحوا يحتجون بحججواهية وهم يكيدون ويمكرون: فمرة يقولون إنالناقة تشرب البئر كلها ولاتترك لنا ماءً،ومرة يقولون إنها ضخمة تنفر أغنامهموأبقارهم، وثالثة يقولون إنها ترعى الواديفلا تترك لمواشيهم ماترتعيه ولذلك ضعفتماشيتهم وضمرت، كل ذلك في محاولة منهم للتخلصمن الناقة، ففي التخلص منها كما يظنون تخلصاًمن المعجزة التي ظهر بها صدق نبوة صالح(ع)،فإذا غابت المعجزة كان بمقدورهم تكذيب صالحمن جديد والقضاء على الرسالة التي بعثه اللهبها.
      وقرر المستكبرون منثمود عقر الناقة سراً، فأوحى الله إلى نبيِّهبقرار ثمود، فجاءهم ووعظهم، وحذّرهم وبيَّنلهم أن الناقة رحمة من الله لهم، فهم يشربونلبنها حتى يرتوون، ولكنهم أنكروا ذلك وجحدواوراحوا ينظرون بعضهم إلى البعض الآخرباستغراب ودهشة.. كيف عرف صالح بما يبيِّتون..خصوصاً وأن صالحاً(ع) قد وصف لهم الشخص الذيسيعقر الناقة.
      ولم يرتدعالمفسدون، بل شكّلوا فرقة منهم لقتل الناقة،وكانوا تسعة هم قدار بن سالف، ومصدع، وأخاه،وحراباً، ورعيناً، وداود خادم الأصنام،والمصرد ومفرج وكثير: {.. تسعة رهط يفسدون فيالأرض ولايصلحون}.
      رصد هؤلاء التسعةالناقة وكمنوا لها في مكان قريبٍ من البئر،حتى إذا جاءت لتشرب تقدم قدار منها، بعد أنفشل الآخرون في قتلها، وأهوى بسيفه علىقائمتيها الأماميتين قسقطت إلى الأرض وهيتصوّت بصوت تجاوبت به أطراف الوادي، ثم وضعمصدع سهماً في قوسه ورماها به في نحرها،فتخبطت بدمائها، وتقدم الباقون فأجهزواعليها: {كذبت ثمود بطغواها. إذ انبعث أشقاها.فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها،فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهمفسواها. ولايخاف عقباها}.
      واجتمع الثموديونفرحين بما آتوا، وكان بينهم رجل مؤمن،فانسلَّ من بينهم، وتوجَّه إلى صالح(ع) وأخبرهبالأمر، فتوجّه(ع) إلى مكان الحادثوالثموديون مجتمعون هناك، فقال لهم: سيصيبكمعذاب عظيم بما فعلتم إلاّ أن تتداركوا ولدالناقة عسى أن يرحمكم الله، وتراكضوا نحو قمةالجبل، وهناك وجدوا الفصيل مقتولاً.. فما كانمنهم إلاّ أن سحبوه إلى جانب أمّه وأشعلواناراً وراحوا يشتوون من لحيمهما، فقال لهمصالح(ع): {تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعدغير مكذوب} يحل عليكم بعدها غضب الله...
      ولم يصدقوا وعيدصالح(ع) لهم بل قالوا: {ياصالح ائتنا بما تعدناإن كنت من المرسلين}.
      ليس هذا فحسب، بلراحوا يأتمرون لقتل صالح(ع) وقرروا أن يتخلصوامنه، بأن يضربوه ضربة واحدة حتى لايعرف قاتلهويطلب بثأره، وكمن له جماعة منهم فيهم: قداربن سالف ومصدع، قريباً من مسجده واستعدواجميعاً لضرب صالح(ع) ولكن الله كان لهمبالمرصاد فزلزل بهم المكان الذي كمنوا فيه،فانهارت عليه الصخور فقتلتهم جميعاً: {فانظركيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهمأجمعين}.
      بعد هذا أمضىالثموديون ليلتهم في خوف وقلق، خصوصاً وأنهمرأوا ماحلَّ بأصحابهم، وكيف نجا صالح(ع) منكيدهم، وأصبحوا ووجوههم مصفرة، فزاد خوفهموقلقهم، وباتوا ليلتهم الثانية فأصبحواووجوههم محمّرة، فأيقنوا أن تهديد صالح لهمسيتحقق وأن العذاب واقع لامحالة، فاحتفرواالحفر ي دورهم ليموتوا فيها وباتوا ليلتهمالثالثة فأصبحوا ووجوههم مسودة، فراحوايعولون ويصيحون، وصفرت الريح، وتزلزلت الأرضفدمرت البيوت على من فيها وصدرت أصوات تصمالآذان: {فأخذتهم الصيحة مصبحين} {صيحة واحدةفكانوا كهشيم المحتضر}.. إنّها الصيحة التيقضت على الكافرين المستكبرين من ثمود: {فتلكبيوتهم خاوية بما ظلموا إنَّ في ذلك لآية لقوميعلمون. وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون}.
      شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يُهدى لعاصي
    • وفاة صالح عليه السلام






      يقول المسعودي فيمروج الذهب: "ورممهم باقية، وآثارهم باديةفي طريق من ورد الشام، وحجر ثمود في الجنوبالشرقي في أرض مدين، وهي مصاقبة لخليج العقبة".

      أما صالح والجماعةالذين اتبعوه فقد توجهوا إلى مسجد صالح (ع)فانجاهم الله جميعاً من الصيحة التي قضت علىالمستكبرين الكافرين من ثمود، وماكان من نبيالله صالح(ع) إلاّ أن رحل من الأرض التي حلَّعليها غضب الله مصطحباً معه جماعته، وتوجهواشمالاً باتجاه فلسطين، وحطوا رحالهم في مدينةالرملة...
      ويذكر أن نبي اللهصالحاً(ع) حجَّ بيت الله ملبيّاً وقد مرَّبوادي عسفان، الذي مرَّ فيه قبله النبي هود(ع).
      ويروى أنه (ع) تركبلاد فلسطين ماراً بأرض الشام قاصداً إلى مكةالمكرمة، فوصلها، وظلَّ فيها يعبد الله حتىوافاه الأجل.
      ويقال: إنه ذهب إلىحضرموت من أرض اليمن إذ إنَّ أصله من هناك،وتوفي فيها عن عمر يناهز الثامنة والخمسين،وفيها دفن، فسلام الله على صالح إنه كان منالمرسلين .

      والعلم عند الله

      شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يُهدى لعاصي
    • لوط عليه السلام

      نسبه عليه السلام



      هو لوط بن هاران بن تارح، وهو آزر، كما تقدم، ولوط ابن أخي إبراهيم الخليل، فإبراهيم، وهاران وناحور إخوة و لوط عليه السلام قد نزح عن محلة عمه الخليل عليهما السلام بأمره له وأذنه، فنزل بمدينة سدوم كان القوم الذين بعث إليهم لوط عليه السلام يرتكبون عددا كبيرا من الجرائم البشعة. كانوا يقطعون الطريق، ويخونون الرفيق، ويتواصون بالإثم، ولا يتناهون عن منكر، وقد زادوا في سجل جرائمهم جريمة لم يسبقهم بها أحد من العالمين. كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء.
      كانت تصرفات قوم لوط تحزن قلبه عليه السلام..كانوا يرتكبون جريمتهم علانية في ناديهم.. وكانوا إذا دخل المدينة غريب أو مسافر أو ضيف لم ينقذه من أيديهم أحد.. دعاهم لوط عليه السلام إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي ما ذكر الله عنهم من الفواحش،و لكنهم لم يستجيبوا له ولم يؤمنوا به، حتى ولا رجل واحد منهم، ولم يتركوا ما عنه نهوا، بل استمروا على حالهم، ولم يرتدعوا عن غيهم وضلالهم، وهمّوا بإخراج رسولهم من بين ظهرانيهم ولقد جاهدهم لوط عليه السلام جهادا عظيما، وأقام عليهم حجته، ومرت الأيام والشهور والسنوات، وهو ماض في دعوته بغير أن يؤمن له أحد.. لم يؤمن به غير أهل بيته.. حتى أهل بيته لم يؤمنوا به جميعا. كانت زوجته كافرة. وزاد الأمر بأن قام الكفرة بالاستهزاء برسالة لوط عليه السلام، فكانوا يقولون: (ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فيئس لوط منهم، ودعا الله أن ينصره ويهلك المفسدين.

      إضافة بسيطة عن مكان ولادة سيدنا لوط عليه السلام
      .............


      ولد لوط (عليه السلام) في العراق في قرية من قرى الكوفة يقال لها "كوثار" أو "فدّان آرام" وأمه أخت أمّ إبراهيم(عليه السلام) وهي ابنة لاحج، وكان نبياً منذراً لم يرسل إلى أحد.
      ولوط (عليه السلام) هو أخو سارة زوجة إبراهيم (عليه السلام) لأمّها.




      ذهاب الملائكة لقوم لوط




      وبعث رسله الكرام، وملائكته العظام، فمروا على الخليل إبراهيم، وبشّروه بالغلام العليم، وأخبروه بما جاؤا له من الأمر الجسيم والخطب العميم
      ( قَالَ فَمَا خَطْبُكُم أَيُّهَا الْمُرسَْلُونَ، قَالُوا إِنَّا أُرسِْلنَْا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ، لِنُرسِْلَ عَلَيهِْم حِجَارَةً مِنْ طِينٍ، مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِين) وقال: (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبرَْاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مهْلِكُوا أَهلِْ هَذِهِ القَْريَْةِ إِنَّ أَهلهَا كَانُوا ظَالِمِينَ، قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُوا نَحْنُ أَعلَْمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّينَّهُ وَأَهلَْهُ إِلاَّ امرَْأَتَهُ كَانَتْ مِن الْغَابِرِينَ) وقال الله تعالى: (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوط) وذلك إنه كان يرجو أن يجيبوا أو ينيبوا ويسلموا ويقلعوا ويرجعوا قال تعالى: (إِنَّ إِبرَْاهيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنيبٌ، يَا إِبرَْاهِيمُ أَعرِْض عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنهمْ آتِيهِم عَذَابٌ غَيرُ مَرْدُود) خرج الملائكة من عند إبراهيم عليه السلام قاصدين قرية لوط.. بلغوا أسوار سدوم.. وابنة لوط واقفة تملأ وعاءها من مياه النهر.. رفعت وجهها فشاهدتهم.. فسألها أحد الملائكة: يا جارية.. هل من منزل؟ قالت [وهي تذكر قومها]: مكانكم لا تدخلوا حتى أخبر أبي وآتيكم.. أسرعت نحو أبيها فأخبرته. فهرع لوط عليه السلام يجري نحو الغرباء. فلم يكد يراهم حتى (سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ) سألهم: من أين جاءوا؟ .. وما هي وجهتهم؟.. فصمتوا عن إجابته. وسألوه أن يضيفهم.. استحى منهم وسار أمامهم قليلا ثم توقف والتفت إليهم يقول: لا أعلم على وجه الأرض أخبث من أهل هذا البلد. قال كلمته ليصرفهم عن المبيت في القرية، غير أنهم غضوا النظر عن قوله ولم يعلقوا عليه..

      وعاد لوط عليه السلام يسير معهم ويلوي عنق الحديث ويقسره قسرا ويمضي به إلى أهل القرية - حدثهم أنهم خبثاء.. أنهم يخزون ضيوفهم.. حدثهم أنهم يفسدون في الأرض. وكان الصراع يجري داخله محاولا التوفيق بين أمرين.. صرف ضيوفه عن المبيت في القرية دون إحراجهم، وبغير إخلال بكرم الضيافة.. عبثا حاول إفهامهم والتلميح لهم أن يستمروا في رحلتهم، دون نزول بهذه القرية. سقط الليل على المدينة.. صحب لوط عليه السلام ضيوفه إلى بيته.. لم يرهم من أهل المدينة أحد.. لم تكد زوجته تشهد الضيوف حتى تسللت خارجة بغير أن تشعره. أسرعت إلى قومها وأخبرتهم الخبر.. وانتشر الخبر مثل النار في الهشيم. وجاء قوم لوط له مسرعين.. تساءل لوط عليه السلام بينه وبين نفسه: من الذي أخبرهم؟.. وقف القوم على باب البيت..

      خرج إليهم لوط عليه السلام متعلقا بأمل أخير، وبدأ بوعظهم (هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) قال لهم: أمامكم النساء -زوجاتكم- هن أطهر.. فهن يلبين الفطرة السوية.. كما أن الخالق -جلّ في علاه- قد هيّئهن لهذا الأمر. (فَاتَّقُواْ اللّهَ) يلمس نفوسهم من جانب التقوى بعد أن لمسها من جانب الفطرة.. اتقوا الله وتذكروا أن الله يسمع ويرى.. ويغضب ويعاقب وأجدر بالعقلاء اتقاء غضبه.

      (وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي) هي محاولة يائسة لِلَمْس نخوتهم وتقاليدهم. و ينبغي عليهم إكرام الضيف لا فضحه.
      (أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ) أليس فيكم رجل عاقل؟.. إن ما تريدونه -لو تحقق- هو عين الجنون.

      إلا أن كلمات لوط عليه السلام لم تلمس الفطرة المنحرفة المريضة، ولا القلب الجامد الميت، ولا العقل المريض الأحمق.. ظلت الفورة الشاذة على اندفاعها. أحس لوط بضعفه وهو غريب بين القوم.. نازح إليهم من بعيد بغير عشيرة تحميه، ولا أولاد ذكور يدافعون عنه.. دخل لوط غاضبا وأغلق باب بيته.. كان الغرباء الذين استضافهم يجلسون هادئين صامتين.. فدهش لوط من هدوئهم.. وازدادت ضربات القوم على الباب.. وصرخ لوط في لحظة يأس خانق (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) تمنى أن تكون له قوة تصدهم عن ضيفه.. وتمنى لو كان له ركن شديد يحتمي فيه ويأوي إليه.. غاب عن لوط في شدته وكربته أنه يأوي إلى ركن شديد.. ركن الله الذي لا يتخلى عن أنبيائه وأوليائه.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقرأ هذه الآية: "رحمة الله على لوط.. كان يأوي إلى ركن شديد".

    • هلاك قوم لوط




      عندما بلغ الضيق ذروته.. وقال النبي كلمته.. تحرك ضيوفه ونهضوا فجأة.. قالت الملائكة :
      (يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيكَْ) وذكروا أن جبريل عليه السلام خرج عليهم فضرب وجوههم خفقة بطرف جناحه، فطمست أعينهم، حتى قيل: إنها غارت بالكلية، ولم يبق لها محل ولا عين، ولا أثر، فرجعوا يتحسسون مع الحيطان، ويتوعدون رسول الرحمن، ويقولون: إذا كان الغد كان لنا وله شأن.
      قال الله تعالى :
      (وَلَقَد رَاوَدُوهُ عَن ضَيفِْهِ فَطَمَسنَْا أَعْينهم فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ، وَلَقَد صَبَّحهمْ بُكرَْةً عَذَابٌ مُستَْقِرٌّ) وقال تعالى في سورة النمل: (وَلُوطاً إِذ قَالَ لِقَومِْهِ أَتَأْتُونَ الفَْاحِشَةَ وَأَنْتُم تُبْصِرُونَ، أَئِنَّكُم لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهوَْةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَل أَنْتُم قَومٌْ تَجهَْلُونَ، فَمَا كَانَ جَوَابَ قَومِْهِ إِلاَّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِن قَريَْتِكُم إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ، فَأَنجَينَْاهُ وَأَهلَْهُ إِلاَّ امرَْأَتَهُ قَدَّرنَْاهَا مِنْ الْغَابِرِينَ، وَأَمطَْرنَْا عَلَيهِْم مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ) وقوله تعالى: (إِلاَّ امرَْأَتَك) على قراءة النصب، يحتمل أن يكون مستثنى من قوله (فَأَسرِْ بِأَهلِْكَ)، كأنه يقول: إلا امرأتك فلا تَسْرِ بها . ويحتمل أن يكون من قوله: (وَلاَ يَلتَْفِتْ مِنْكُم أَحَدٌ إِلاَّ امرَْأَتَكَ)، أي: فإنها ستلتفت فيصيبها ما أصابهم. ويقويّ هذا الاحتمال قراءة الرفع، ولكن الأول أظهر في المعنى والله أعلم.

      التفتت الملائكة إلى لوط وأصدروا إليه أمرهم أن يصحب أهله أثناء الليل ويخرج.. سيسمعون أصواتا مروعة تزلزل الجبال.. لا يلتفت منهم أحد.. كي لا يصيبه ما يصيب القوم.. أي عذاب هذا؟.. هو عذاب من نوع غريب، يكفي لوقوعه بالمرء مجرد النظر إليه.. أفهموه أن امرأته كانت من الغابرين.. امرأته كافرة مثلهم فسيصيبها ما أصابهم. كما قال تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمرَْأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبدَْينِْ مِن عِبَادِنَا صَالِحَينِْ فَخَانَتَاهمَا فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلين) و خانتاهما أي خانتاهما في الدين فلم يتبعاهما فيه وليس المراد أنهما كانتا على فاحشة، حاشا وكلا فإن الله لا يقدر على نبي قط أن تبغي امرأته، كما قال ابن عبَّاس وغيره من أئمة السلف والخلف: ما بغت امرأة نبي قط. ومن قال خلاف هذا فقد أخطأ خطأ كبيراً.

      سأل لوط عليه السلام الملائكة: أينزل الله العذاب بهم الآن.. أنبئوه أن موعدهم مع العذاب هو الصبح
      (أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) خرج لوط مع بناته ويقال: إن امرأة لوط مكثت مع قومها ويقال: إنها خرجت مع زوجها وبنتيها.. ساروا في الليل وغذوا السير.. واقترب الصبح.. كان لوط قد ابتعد مع أهله.. ثم جاء أمر الله تعالى.. قال العلماء: اقتلع جبريل، عليه السلام، بطرف جناحه مدنهم السبع من قرارها البعيد.. رفعها جميعا إلى عنان السماء حتى سمعت الملائكة أصوات ديكتهم ونباح كلابهم، قلب المدن السبع وهوى بها في الأرض..أثناء السقوط كانت السماء تمطرهم بحجارة من الجحيم.. حجارة صلبة قوية يتبع بعضها بعضا، ومعلمة بأسمائهم، ومقدرة عليهم.. استمر الجحيم يمطرهم.. وانتهى قوم لوط تماما.. لم يعد هناك أحد.. نكست المدن على رؤوسها، وغارت في الأرض، حتى انفجر الماء من الأرض.. هلك قوم لوط ومحيت مدنهم. كان لوط يسمع أصوات مروعة.. وكان يحاذر أن يلتفت خلفه.. نظرت زوجته نحو مصدر الصوت فانتهت.. تهرأ جسدها وتفتت مثل عمود ساقط من الملح.


      قال العلماء: إن مكان المدن السبع.. بحيرة غريبة.. ماؤها أجاج.. وكثافة الماء أعظم من كثافة مياه البحر الملحة.. وفي هذه البحيرة صخور معدنية ذائبة.. توحي بأن هذه الحجارة التي ضرب بها قوم لوط كانت شهبا مشعلة. يقال إن البحيرة الحالية التي نعرفها باسم "البحر الميت" في فلسطين.. هي مدن قوم لوط السابقة.



    • بنت عُمان كتب:

      بصراحه متابعه من أول العرض وعجبني التنسيق مع ان الخط صغير بس الجمال واضح في التنسيق ..
      بوركت فخر ...
      /
      بالتوفيق دائماً



      شكرا اختي ... متابعة ممتعه ان شاء الله ،،،
      //
      \\
      اما بخصوص الخط . فضلت ان يكون اصغر قليلا لان الفقرات طويلة والخط الصغير يبسط الفقرات اكثر
      //
      \\
      جزيتي الجنات ورضى الرحمن .

    • أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في سيدنا لوط عليه السلام



      قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: يرحم الله لوطا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي ، ونحن أحق من إبراهيم إذ قال له : (أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ) .

      الراوي: أبو هريرة - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 4694

      قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: من وجدتموه يعمل عمل لوط، فاقتلوا الفاعل و المفعول به
      الراوي: عبدالله بن عباس - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 6589


      قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: إن أخوف ما أخاف على أمتي، عمل قوم لوط
      الراوي: جابر بن عبدالله - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1552


      وفاة لوط (عليه السلام)





      لبث لوط بين أهل سدوم حوالي ثلاثين عاماً، يدعوهم إلى عبادة الله، وينهاهم عن ارتكاب الفواحش، وينصح لهم كما أمره الله بذلك إلى أن حق عليهم العذاب ودمر الله عليهم بلادهم بعد أن لم يرتدعوا ولم يؤمنوا بلوط (عليه السلام).
      ويذكر المؤرخون أنَّ لوطاً (عليه السلام) لما أمره الله بترك سدوم. توجه إلى صوعر. يحث نجاه الله برحمته، فظل يدعو إليه ويتعبد له إلى أن وافاه الأجل.
      وظلت قصته مع قومه عظة وعبرة لمن {خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى}.
      فسلام على لوط {وإن لوطاً لمن المرسلين}.


      لم تذكر الكتب المدة التى عاشها

      هذا والله أعلم

    • طرح رائع اخوي فخر ، استمتعت في قراءته . ما شاء الله عليك :)
      شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يُهدى لعاصي
    • الدال على الخير كتب:

      طرح رائع اخوي فخر ، استمتعت في قراءته . ما شاء الله عليك :)


      شكرا استاذي .... يالله دورك فالطرح #j
    • ومع نبي وأي نبي . هو أبو الانبياء

      ابراهيم عليه السلام

      ونسبه




      هو : إبراهيم بن تارح بن ناحور ....... وينتهي نسبه إلي ( سام بن نوح ) وبينه وبين نوح - عليه السلام - مدة تزيد علي ألف عام وهذا النسب هو الذي ذكره المورخون نقلا عن التوراة وأن اسم أبيه هو ( تارح) والقرآن الكريم ذكر اسم أبيه هو (آزر) وفيه خلاف بين أن يكون آزر عمه وليس أبوه أو هو أبوه .
      اما ما ذكره المورخون بناء علي مافي التوراة فإن من المقطوع به عند المسلمين أن التوراة والإنجيل دخل إليها تحريف كبير فلم يعد هناك مجال للوثوق بما فيهما من النصوص.


      مولد إبراهيم عليه السلام



      في وسط هذه البيئة المنحرفة وفي زمن وعهد هذا الملِك الجبار الكافر النمرود كان مولدُ إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وفي موضع ولادته عليه السلام خلاف قيل: ولد بالسُّوس من أرض الأهواز، وقيل: ولد ببابل وهي أرض الكلدانيين، وقيل: بحران، وقيل: بغُوطة دمشق في قرية يقال لها بَرزة في جبل يقال له قاسيون، والمشهور عند أهل السير والتاريخ أنه ولد ببابل.

      قال أهل التواريخ في السير: إنّه لما أراد الله عز وجل أن يبعث إبراهيم عليه السلام وأن يجعله حجة على قومه نبيًّا ورسولاً إليهم، ولم يكن فيما بين نوح وإبراهيم عليهما السلام من نبي قبله إلا هودًا وصالحًا عليهما السلام، ولما تقارب زمان إبراهيم أتى المنجّمون إلى هذا الملِك نمرود وقالوا له: اعلم أنا نجد في علمنا أن غلامًا يُولد في قريتك هذه يقال له إبراهيم، يفارقُ دينكم ويكسرُ أوثانكم في شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا. فلما دخلت السنة التي وصف أصحاب النجوم لنمرود بعث نمرود هذا إلى كل امرأة حُبلى بقريته فحبسها عنده إلا ما كان من أم إبراهيم زوجة ءازر والد إبراهيم عليه السلام فإنه لم يعلم بحبلها، وذلك أنها كانت جارية لم يعرف الحبل في بطنها، فجعل هذا الملك الطاغية لا تلدُ امرأةٌ غلامًا في ذلك الشهر من تلك السنة إلا أمر به فذُبح، فلما وجدت أمّ إبراهيم عليه السلام الطَّلْق خرجت ليلاً إلى مغارة كانت قريبة منها فولدت فيها إبراهيم عليه السلام وأصلحت من شأنه ما يُصنع بالمولود، ثم سدّت عليه المغارة ورجعت إلى بيتها، كانت تزوره وتطالعه في المغارة لتنظر ما فعل، فكان يشبّ في اليوم ما يشبُّ غيرُه في الشهر وكانت تأتي فتجده حيًّا يمصّ إبهامه، فقد جُعل رزقُ إبراهيم عليه السلام في إبهامه فيما يجيئه من مصّه، ولم يمكث إبراهيم عليه السلام في المغارة إلا خمسةَ عشَر شهرًا، ثم ترعرع وكَبرَ واصطفاه اللهُ تعالى لحمل رسالته وإبانة الحقّ ودعاء قومه إلى عبادة الله وحدَه وإلى العقيدة الصافية من الدنس والشرك، وإلى ترك عبادة الكواكب والأصنام وإلى الدخول في دين الإسلام الذي هو دين جميع الأنبياء.
      شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يُهدى لعاصي
    • منزلة إبراهيم عليه السلام





      هو أحد أولي العزم الخمسة الكبار الذين اخذ الله منهم ميثاقا غليظا، وهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد.. بترتيب بعثهم. وهو النبي الذي ابتلاه الله ببلاء مبين. بلاء فوق قدرة البشر وطاقة الأعصاب. ورغم حدة الشدة، وعنت البلاء.. كان إبراهيم هو العبد الذي وفى. وزاد على الوفاء بالإحسان.

      وقد كرم الله تبارك وتعالى إبراهيم تكريما خاصا، فجعل ملته هي التوحيد الخالص النقي من الشوائب. وجعل العقل في جانب الذين يتبعون دينه.

      وكان من فضل الله على إبراهيم أن جعله الله إماما للناس. وجعل في ذريته النبوة والكتاب. فكل الأنبياء من بعد إبراهيم هم من نسله فهم أولاده وأحفاده. حتى إذا جاء آخر الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، جاء تحقيقا واستجابة لدعوة إبراهيم التي دعا الله فيها أن يبعث في الأميين رسولا منهم.

      ولو مضينا نبحث في فضل إبراهيم وتكريم الله له فسوف نمتلئ بالدهشة. نحن أمام بشر جاء ربه بقلب سليم. إنسان لم يكد الله يقول له أسلم حتى قال أسلمت لرب العالمين. نبي هو أول من سمانا المسلمين. نبي كان جدا وأبا لكل أنبياء الله الذين جاءوا بعده. نبي هادئ متسامح حليم أواه منيب.

      يذكر لنا ربنا ذو الجلال والإكرام أمرا آخر أفضل من كل ما سبق. فيقول الله عز وجل في محكم آياته: (وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) لم يرد في كتاب الله ذكر لنبي، اتخذه الله خليلا غير إبراهيم. قال العلماء: الخُلَّة هي شدة المحبة. وبذلك تعني الآية: واتخذ الله إبراهيم حبيبا. فوق هذه القمة الشامخة يجلس إبراهيم عليه الصلاة والسلام. إن منتهى أمل السالكين، وغاية هدف المحققين والعارفين بالله.. أن يحبوا الله عز وجل. أما أن يحلم أحدهم أن يحبه الله، أن يفرده بالحب، أن يختصه بالخُلَّة وهي شدة المحبة.. فذلك شيء وراء آفاق التصور. كان إبراهيم هو هذا العبد الرباني الذي استحق أن يتخذه الله خليلا.


      حال المشركين قبل بعثة إبراهيم

      [B]


      لا يتحدث القرآن عن ميلاده أو طفولته، ولا يتوقف عند عصره صراحة، ولكنه يرسم صورة لجو الحياة في أيامه، فتدب الحياة في عصره، وترى الناس قد انقسموا ثلاث فئات:

      [/B]
      فئة تعبد الأصنام والتماثيل الخشبية والحجرية.

      وفئة تعبد الكواكب والنجوم والشمس والقمر.

      وفئة تعبد الملوك والحكام.

      شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يُهدى لعاصي

    • نشأة إبراهيم عليه السلام

      [B][/B]


      في هذا الجو ولد إبراهيم. ولد في أسرة من أسر ذلك الزمان البعيد. لم يكن رب الأسرة كافرا عاديا من عبدة الأصنام، كان كافرا متميزا يصنع بيديه تماثيل الآلهة. وقيل أن أباه مات قبل ولادته فرباه عمه، وكان له بمثابة الأب، وكان إبراهيم يدعوه بلفظ الأبوة، وقيل أن أباه لم يمت وكان آزر هو والده حقا، وقيل أن آزر اسم صنم اشتهر أبوه بصناعته.. ومهما يكن من أمر فقد ولد إبراهيم في هذه الأسرة.

      رب الأسرة أعظم نحات يصنع تماثيل الآلهة. ومهنة الأب تضفي عليه قداسة خاصة في قومه، وتجعل لأسرته كلها مكانا ممتازا في المجتمع. هي أسرة مرموقة، أسرة من الصفوة الحاكمة.

      من هذه الأسرة المقدسة، ولد طفل قدر له أن يقف ضد أسرته وضد نظام مجتمعه وضد أوهام قومه وضد ظنون الكهنة وضد العروش القائمة وضد عبدة النجوم والكواكب وضد كل أنواع الشرك باختصار.

      مرت الأيام.. وكبر إبراهيم.. كان قلبه يمتلأ من طفولته بكراهية صادقة لهذه التماثيل التي يصنعها والده. لم يكن يفهم كيف يمكن لإنسان عاقل أن يصنع بيديه تمثالا، ثم يسجد بعد ذلك لما صنع بيديه. لاحظ إبراهيم إن هذه التماثيل لا تشرب ولا تأكل ولا تتكلم ولا تستطيع أن تعتدل لو قلبها أحد على جنبها. كيف يتصور الناس أن هذه التماثيل تضر وتنفع؟!


      مواجهة عبدة الكواكب والنجوم

      [B]

      قرر إبراهيم عليه السلام مواجهة عبدة النجوم من قومه، فأعلن عندما رأى أحد الكواكب في الليل، أن هذا الكوكب ربه. ويبدو أن قومه اطمأنوا له، وحسبوا أنه يرفض عبادة التماثيل ويهوى عبادة الكواكب. وكانت الملاحة حرة بين الوثنيات الثلاث: عبادة التماثيل والنجوم والملوك. غير أن إبراهيم كان يدخر لقومه مفاجأة مذهلة في الصباح. لقد أفل الكوكب الذي التحق بديانته بالأمس. وإبراهيم لا يحب الآفلين. فعاد إبراهيم في الليلة الثانية يعلن لقومه أن القمر ربه. لم يكن قومه على درجة كافية من الذكاء ليدركوا أنه يسخر منهم برفق ولطف وحب. كيف يعبدون ربا يختفي ثم يظهر. يأفل ثم يشرق. لم يفهم قومه هذا في المرة الأولى فكرره مع القمر. لكن القمر كالزهرة كأي كوكب آخر.. يظهر ويختفي. فقال إبراهيم عدما أفل القمر (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) نلاحظ هنا أنه عندما يحدث قومه عن رفضه لألوهية القمر.. فإنه يمزق العقيدة القمرية بهدوء ولطف. كيف يعبد الناس ربا يختفي ويأفل. (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي) يفهمهم أن له ربا غير كل ما يعبدون. غير أن اللفتة لا تصل إليهم. ويعاود إبراهيم محاولته في إقامة الحجة على الفئة الأولى من قومه.. عبدة الكواكب والنجوم. فيعلن أن الشمس ربه، لأنها أكبر من القمر. وما أن غابت الشمس، حتى أعلن براءته من عبادة النجوم والكواكب. فكلها مغلوقات تأفل. وأنهى جولته الأولى بتوجيهه وجهه للذي فطر السماوات والأرض حنيفا.. ليس مشركا مثلهم.

      استطاعت حجة إبراهيم أن تظهر الحق. وبدأ صراع قومه معه. لم يسكت عنه عبدة النجوم والكواكب. بدءوا جدالهم وتخويفهم له وتهديده. ورد إبراهيم عليهم قال:

      أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) (الأنعام)

      لا نعرف رهبة الهجوم عليه. ولا حدة الصراع ضده، ولا أسلوب قومه الذي اتبعه معه لتخويفه. تجاوز القرآن هذا كله إلى رده هو. كان جدالهم باطلا فأسقطه القرآن من القصة، وذكر رد إبراهيم المنطقي العاقل. كيف يخوفونه ولا يخافون هم؟ أي الفريقين أحق بالأمن؟

      بعد أن بين إبراهيم عليه السلام حجته لفئة عبدة النجوم والكواكب، استعد لتبيين حجته لعبدة الأصنام. آتاه الله الحجة في المرة الأولى كما سيؤتيه الحجة في كل مرة.

      سبحانه.. كان يؤيد إبراهيم ويريه ملكوت السماوات والأرض. لم يكن معه غير إسلامه حين بدأ صراعه مع عبدة الأصنام. هذه المرة يأخذ الصراع شكلا أعظم حدة. أبوه في الموضوع.. هذه مهنة الأب وسر مكانته وموضع تصديق القوم.. وهي العبادة التي تتبعها الأغلبية.
      [/B]
      شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يُهدى لعاصي
    • نجاة إبراهيم عليه السلام من النار




      وفعلا.. بدأ الاستعداد لإحراق إبراهيم. انتشر النبأ في المملكة كلها. وجاء الناس من القرى والجبال والمدن ليشهدوا عقاب الذي تجرأ على الآلهة وحطمها
      واعترف بذلك وسخر من الكهنة. وحفروا حفرة عظيمة ملئوها بالحطب والخشب والأشجار. وأشعلوا فيها النار. وأحضروا المنجنيق وهو آلة جبارة ليقذفوا
      إبراهيم فيها فيسقط في حفرة النار.. ووضعوا إبراهيم بعد أن قيدوا يديه وقدميه في المنجنيق. واشتعلت النار في الحفرة وتصاعد اللهب إلى السماء.
      وكان الناس يقفون بعيدا عن الحفرة من فرط الحرارة اللاهبة. وأصدر كبير الكهنة أمره بإطلاق إبراهيم في النار.

      جاء جبريل عليه السلام ووقف عند رأس إبراهيم وسأله: يا إبراهيم.. ألك حاجة؟ قال إبراهيم: أما إليك فلا. انطلق المنجنيق ملقيا إبراهيم في حفرة النار. كانت النار موجودة في مكانها، ولكنها لم تكن تمارس وظيفتها في الإحراق. فقد أصدر الله جل جلاله إلى النار أمره بأن تكون (بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ). أحرقت النار قيوده فقط. وجلس إبراهيم وسطها كأنه يجلس وسط حديقة. كان يسبّح بحمد ربه ويمجّده. لم يكن في قلبه مكان خال يمكن أن يمتلئ بالخوف أو الرهبة أو الجزع. كان القلب مليئا بالحب وحده. ومات الخوف. وتلاشت الرهبة. واستحالت النار إلى سلام بارد يلطف عنه حرارة الجو.

      جلس الكهنة والناس يرقبون النار من بعيد. كانت حرارتها تصل إليهم على الرغم من بعدهم عنها. وظلت النار تشتعل فترة طويلة حتى ظن الكافرون أنها لن تنطفئ أبدا. فلما انطفأت فوجئوا بإبراهيم يخرج من الحفرة سليما كما دخل. ووجهه يتلألأ بالنور والجلال. وثيابه كما هي لم تحترق. وليس عليه أي أثر للدخان أو الحريق. خرج إبراهيم من النار كما لو كان يخرج من حديقة. وتصاعدت صيحات الدهشة الكافرة. خسروا جولتهم خسارة مريرة وساخرة.

      وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) (الأنبياء) لا يحدثنا القرآن الكريم عن عمر إبراهيم حين حطم أصنام قومه، لا يحدثنا عن السن التي كلف فيها بالدعوة إلى الله. ويبدو من استقراء النصوص القديمة أن إبراهيم كان شابا صغيرا حين فعل ذلك، بدليل قول قومه عنه: (سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ). وكلمة الفتى تطلق على السن التي تسبق العشرين.


      مواجهة عبدة الملوك

      [B][/B]



      إن زمن اصطفاء الله تعالى لإبراهيم غير محدد في القرآن. وبالتالي فنحن لا نستطيع أن نقطع فيه بجواب نهائي. كل ما نستطيع أن نقطع فيه برأي، أن إبراهيم أقام الحجة على عبدة التماثيل بشكل قاطع، كما أقامها على عبدة النجوم والكواكب من قبل بشكل حاسم، ولم يبق إلا أن تقام الحجة على الملوك المتألهين وعبادهم.. وبذلك تقوم الحجة على جميع الكافرين.

      فذهب إبراهيم عليه السلام لملك متألّه كان في زمانه. وتجاوز القرآن اسم الملك لانعدام أهميته، لكن روي أن الملك المعاصر لإبراهيم كان يلقب (بالنمرود) وهو ملك الآراميين بالعراق. كما تجاوز حقيقة مشاعره، كما تجاوز الحوار الطويل الذي دار بين إبراهيم وبينه. لكن الله تعالى في كتابه الحكيم أخبرنا الحجة الأولى التي أقامها إبراهيم عليه السلام على الملك
      الطاغية، فقال إبراهيم بهدوء: (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ) قال الملك: (أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ) أستطيع أن أحضر رجلا يسير في الشارع وأقتله، وأستطيع أن أعفو عن محكوم عليه بالإعدام وأنجيه من الموت.. وبذلك أكون قادرا على الحياة والموت.

      لم يجادل إبراهيم الملك لسذاجة ما يقول. غير أنه أراد أن يثبت للملك أنه يتوهم في نفسه القدرة وهو في الحقيقة ليس قادرا. فقال إبراهيم: (فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ
      الْمَغْرِبِ) استمع الملك إلى تحدي إبراهيم صامتا.. فلما انتهى كلام النبي بهت الملك.

      أحس بالعجز ولم يستطع أن يجيب. لقد أثبت له إبراهيم أنه كاذب.. قال له إن الله يأتي بالشمس من المشرق، فهل يستطيع هو أن يأتي بها من المغرب.. إن للكون نظما وقوانين يمشي طبقا لها.. قوانين خلقها الله ولا يستطيع أي مخلوق أن يتحكم فيها. ولو كان الملك صادقا في ادعائه الألوهية فليغير نظام الكون وقوانينه.. ساعتها أحس الملك بالعجز.. وأخرسه التحدي. ولم يعرف ماذا يقول، ولا كيف يتصرف. انصرف إبراهيم من قصر الملك، بعد أن بهت الذي كفر.
      شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يُهدى لعاصي
    • وفاة إبراهيم الخليل عليه السلام وما قيل في عمره

      [B][B]

      [B]ذكر
      ابن جرير في تاريخه أن مولده كان في زمن النمرود بن كنعان وهو فيما قيل الضحاك الملك المشهور الذي يقال : إنه ملك ألف سنة وكان في غاية الغشم والظلم ، وذكر بعضهم أنه من بني راسب الذين بعث إليهم نوح عليه السلام ، وأنه كان إذ ذاك ملك الدنيا ، وذكروا أنه طلع نجم أخفى ضوء الشمس والقمر ، فهال ذلك أهل ذلك الزمان ، وفزغ النمرود فجمع الكهنة والمنجمين وسألهم عن ذلك فقالوا : يولد مولود في رعيتك يكون زوال ملكك على يديه ، فأمر عند ذلك بمنع الرجال عن النساء وأن يقتل المولودون من ذلك الحين ، فكان مولد إبراهيم الخليل في ذلك الحين ، فحماه الله عز وجل وصانه من كيد الفجار ، وشب شبابا باهرا ، وأنبته الله نباتا حسنا حتى كان من أمره ما تقدم ، وكان مولده بالسوس . وقيل : ببابل . وقيل : بالسواد من ناحية كوثى . وتقدم عن ابن عباس أنه ولد ببرزة شرقي دمشق ، فلما أهلك الله نمرود على يديه ، وهاجر إلى حران ، ثم إلى أرض الشام ، وأقام ببلاد إيليا كما ذكرنا ، وولد له إسماعيل وإسحاق ، وماتت سارة قبله بقرية حبرون التي في أرض كنعان ، ولها من العمر مائة وسبع وعشرون سنة فيما ذكر أهل [/B][/B][/B]
      الكتاب فحزن عليها إبراهيم عليه السلام ، ورثاها رحمها الله ، واشترى من رجل من بني حيث يقال له : عفرون بن صخر مغارة بأربعمائة مثقال فضة ، ودفن فيها سارة هنالك . قالوا : ثم خطب إبراهيم على ابنه إسحاق فزوجه رفقا بنت ثبويل بن ناحور بن تارخ وبعث مولاه ، فحملها من بلادها ومعها مرضعتها وجواريها على الإبل . قالوا : ثم تزوج إبراهيم عليه السلام قنطورا فولدت له ؛ زمران ، ويقشان ، ومادان ، ومدين ، وشياق ، وشوح ، وذكروا ما ولد كل واحد من هؤلاء أولاد قنطورا .

      [B]وقد روى ابن عساكر
      [/B]
      عن غير واحد من السلف عن أخبار أهل الكتاب في صفة مجيء ملك الموت إلى إبراهيم عليه السلام أخبارا كثيرة الله أعلم بصحتها . وقد قيل : إنه مات فجأة . وكذا داود وسليمان والذي ذكره أهل الكتاب وغيرهم خلاف ذلك . قالوا : ثم مرض إبراهيم عليه السلام ومات عن مائة وخمس وسبعين . ودفن في المغارة المذكورة عند امرأته سارة التي في مزرعة عفرون الحيثي ، وتولى دفنه إسماعيل وإسحاق صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .

      [B]وقد ورد ما يدل أنه عاش مائتي سنة ، كما قاله
      ابن الكلبي . وقال ابو حاتم بن حبان [/B]
      في صحيحه : أنبأنا المفضل بن محمد الجندي (ص 404) بمكة ، حدثنا علي بن زياد اللحجي ، حدثنا أبو قرة عن ابن الجريج ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن ابي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اختتن إبراهيم بالقدوم ، وهو ابن عشرين ومائة سنة ، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة . وقد رواه الحافظ ابن عساكر من طريق عكرمة بن إبراهيم ، وجعفر بن عون العمري ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد ، عن ابي هريرة موقوفا .
      [B]ثم قال ابن حبان
      : ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن رفع هذا الخبر وهم ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن الجنيد ببست ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا الليث ، عن ابن عجلان ، عن أبيه ، عنأبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اختتن إبراهيم حين بلغ مائة وعشرين سنة ، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة ، واختتن بقدوم . وقد رواه الحافظ ابن عساكرمن طريق يحيى بن سعيد ، عن ابن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : وقد أتت عليه ثمانون سنة . ثم روى ابن حبان، عن عبد الرزاق أنه قال : القدوم اسم القرية . قلت : الذي في الصحيح أنه اختتن وقد أتت عليه ثمانون سنة ، وفي رواية وهو ابن ثمانين سنة . وليس فيهما تعرض لما عاش بعد ذلك ، والله أعلم .

      [/B]
      [B]هذا والله اعلم [/B]
      شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يُهدى لعاصي