باسم معادة السامية تُكمم الأفواه!

    • باسم معادة السامية تُكمم الأفواه!

      باسم معادة السامية تُكمم الأفواه!

      كتب: محمد عيد العريمي *

      ما كاد محاضير محمد ينهي كلمته أمام القمة الإسلامية المنعقدة في ماليزيا حول سيطرة اليهود علي القرار الدولي وتوظيفه لإشعال حروب ضد المسلمين، وقبل أن يرفع ـ حتى ـ رعنان غيسين، المتحدث باسم أريئيل شارون، رئيس الحكومة الإسرائيلي، عقيرة صوته، ارتفعت أصوات بعض القادة الأوروبيين منددة بتصريح رئيس وزراء ماليزيا ومتهمة إياه بمعاداة السامية!

      ما قاله رئيس وزراء ماليزيا ليس افتراءا ولا تجنيا وإنما هي حقيقة لا تحتاج إلى إثبات أو تأكيد. فسيطرة قلة من اليهود واللوبي المتصهين على مراكز اتخاذ القرار في الغرب ليست كذبة من بنات أفكار العرب أو إشاعة يرددها مسلمون متحاملون، وتحريض إسرائيل لأمريكا لشن حروب ضد دول عربية وإسلامية على غرار الحرب على العراق والاستعداد لشن أخرى على سوريا وإيران، حقيقة يقرها حتى الأمريكيون أنفسهم.

      وعلى خطاهم يسير بعض الأوروبيين. فرئيس الوزراء البريطاني لم يجد سببا أفضل غير "الخوف على الكيان الصهيوني من الأسلحة النووية إيرانية" للوقوف خلف إدارة البيت الأبيض في سعيها لإجبار إيران على تلبية مطالبهم بإخضاع برامجها النووية المخصصة لأغراض مدنية للتفتيش!

      وما قاله رئيس وزراء ماليزيا قاله قبله ديفيد ديوك، عضو الكونغرس الأمريكي الأسبق، الذي أماط اللثام في كتابه "لصحوة: النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية" عن خفايا التأثير اليهودي على قرار السياسة الأمريكية‏،‏ وكشف سياسة كم الأفواه التي تمارسها إسرائيل من خلال المنظمات واللوبيات السياسية ووسائل الإعلام التي يهيمن عليها رأس المال اليهودي!

      بينما اعتبر كيفين ماكدونالد، المفكر وأستاذ علم نفس في جامعة ولاية كاليفورنيا، في كتابه "ثقافة النقد" القرن العشرين "قرنا يهوديا"، حيث يستعرض تاريخ نمو التأثير اليهودي على الحكومات الغربية طوال القرن الماضي:" عاش اليهود في الغالب فقراء في أوربا الشرقية محاطين من قبل سكان معادين، بينما اليوم، يتم تأسيس إسرائيل في منطقة "الشرق الأوسط" وأصبح اليهود النخبة الأغنى والأقوى في الولايات المتحدة والبلدان الغربية الأخرى"، ولكن الأخطر من هذا، حسب ماكدونالد، هو ما أطلق عليه "التهويد الثقافي للعالم الغربي".

      ما أوردته سابقا ليس سوى بعض مما يعترف به المفكرين والسياسيين الغربيين علنا رغم علمهم أن ذلك سيجر عليهم مصاعب ومصائب شتى. فنقد اليهود أصبح من المحرمات التي استطاعت الصهيونية العالمية فرضها على العالم عامة. وتجلى ذلك في الحملة التي شنت ضد رئيس وزراء ماليزيا محاضير محمد رغم أن تصريحاته ليست جديدة ولعلها أقل صراحة من تلك التي يقولها بعض مثقفي الغرب نفسه.

      وما قاله محاضير أو بما معناه أن الغرب ومعهم إسرائيل يعطون أنفسهم الحق في تحقير الآخرين والإساءة لهم ولكن إذا تحدث الآخرون عنهم فانا الدنيا تقـوم ولا تقعد، حقيقة تثبتها وقائع اليوم لا المس. فعندما تحدث وليم بوكين، نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشئون الاستخبارات، عن جهوده للقبض على بعض قادة الحرب الصوماليين "كنت أعرف أن ربي أكبر من ربهم، كنت أعرف أن ربي آله حقيقي وأن ربهم هـو صنم".. لم نسمع صوتا يدين هذه التصريحات التي تجاوز الإساءة إلى الإسلام في أتباعه وإنما إلى الله سبحانه وتعالى.

      وعندما سئل وزير الدفاع الأمريكي عن تصريحات مساعده، كان جوابه "أقبح من ذنب" مساعده، حين قال انه ليس معني بمساءلة كل من تفوه بكلمة هنا أو هناك. وهكذا أدرجت إهانات المسلمين كتلك التي تفوه بها بوكين "أن الإسلام دين وثني دنس نشن ضده حربا مقدسة"، في خانة "ما يقال هنا أو هناك من كلام"! . ولم نسمع احد في أوروبا يتهم المسئول الأمريكي هذا بأنه معاد للإسلام"

      ويبدو أنه مطلوب منا الاعتراف بان اليهود شعب مختار ومنزه وفوق كل انتقاد، بل ويمنع علينا حتى الاحتجاج اللفظي تجاه ما يلحق بنا من إساءات التي أصبحت لا تقتصر علينا كبشر "تخطيء ونصيب" وإنما تطال الركن الإيماني الأول في العقيدة الإسلامية "الله" سبحانه وتعالى.

      وليس ببعيد ما أطلقه الحاخام الأكبر (عوفادا)، الأب الروحي للصهاينة واحد أقطاب التحالف الحكومي، العنان للسانه العفن وطالب جيش الكيان الصهيوني ابادة العرب عن بكرة أبيهم بعد أن وصفهم قبلها بالثعابين السامة، فحينها لم نسمع من أحد كلمة واحدة تذكر فقط بخطورة تلك التصريحات من الذين لم ينتظروا حتى يكمل محاضير كلمته لنعته بمعادة السامية. والغريب في الأمر أن تاريخ الدول الأوروبية التي سارع قادتها إلى إلصاق تهمة معادة السامية برئيس وزراء ماليزيا هي الأكثر تلوثا بدماء اليهود وما زال الدخان والغبار يتصاعد من محارقها ومدافنها الجماعية!

      فالعرب والمسلمين لم يضطهدوا اليهود ولا اغتصبوا أراضيهم ولا استولوا على منازلهم وأموالهم، ولم يقم المسلمون إبان الفتوحات الإسلامية محاكم تفتيش أو سواها من أساليب الاضطهاد التي تعرضت لها الأقليات الدينية في أوروبا وبينهم مسلمي الأندلس ودول البلقان.

      فلماذا هذا التناقض الفج والانحياز الصارخ في مواقف قادة شعوب تتباهى بقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان؟! أما إذا أراد سياسيو أوروبا التكفير ـ بفعل الابتزاز الصهيوني الذي لا ينتهي ـ عن ما ارتكبه النازيون والفاشيون فليبحثوا عن أساليب أخرى بعيدا عنا، فنحن لم نشترك معهم في محارقهم ولا تولثت أيادينا بدماء احد، وإنما كنا ولا نزال ضحايا خطاياهم، وأطماعهم، وهوسهم الاستعماري وان بدت دمائنا "في نظرهم" أرخص من دماء غيرنا!
      ــ
      جريدة الوطن: الأثنين 24 شعبان 1424 هـ ـ الموافق 20 اكتوبر 2003 العدد 7400