ماذا لو ..........

    • ماذا لو ..........

      أولئك منا الذين تابعوا عن كثب نشاطات القاعدة وبياناتها عبر السنوات قد لاحظوا بما لايقبل الشك ان قادتها نادرا ما يتحدثون عن المستقبل. فقد اعتدنا على سماع محاولات اسامة بن لادن المثيرة للشفقة في تفسير الاحداث والتطورات حول العالم بالشكل الذي يبرر همجية ووحشية القاعدة و افعالها المخزية. و من ناحية اخرى لقد تذوقنا الامرين من محاضرات ايمن الظواهري المملة و التي لا تعدو كونها محاولات مكشوفة لتحريف التاريخ في سعيه الى تصوير المجازر وحفلات الافتراس التي تمارسها القاعدة في حق البشرية على أنها تجسد (الجهاد) ضد عالم ظالم لا يرحم!

      و لكن الملفت للانتباه حقا هو ان (شيوخ) القاعدة نادرا ما يتطرقون الى ما تتمحور حوله (رؤيتهم) للمستقبل بالضبط و سبب ذلك واضح و هو ان القاعدة ليس لها اي تطلعات للمستقبل. ومن الواضح ان حركة (الشباب) المنتمية لها في الصومال ايضا ليست معنية بالمستقبل.

      فبعد مرور عشر سنوات على هجمات الحادي عشر من سبتمبر على الولايات المتحدة، ادرك العالم بأكمله طبيعة و حقيقة تنظيم القاعدة. فمن الصعب علينا أن نتصور أن هناك أي انسان في اي مكان على الارض لم تتضح له صورة القاعدة القبيحة. فالبشرية باسرها تدرك ان الشيء الوحيد الذي تجيده القاعدة هي اعمال العنف و التي ترتكبها من اجل العنف و لا شيئ غيره.


      فألحاق اكبر قدر من الالم والمعاناة بأكبر عدد من الناس هو العمل الوحيد الذي اجادته القاعدة. وهو النشاط الوحيد الذي تمارسه الان والذي يمثل ويجسد جوهر نظرتها السوداوية والمتشائمة للمستقبل.


      و قد سجل المجتمع الدولي ملاحظاته و اعرب عن مخاوفه في السنوات الاخيره بخصوص خضوع مناطق متعددة من الصومال تحت سيطرة الجماعة الارهابية التي تدعى (الشباب) و التي تنتمي الى تنظيم القاعدة. و بالرغم من أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي يساندان الجهود التي تبذلها الحكومة الانتقالية في الصومال و التي تسعى للسيطرة على أعمال العنف الناجمة عن (الشباب)، فان البشرية باسرها -- وخاصة المسلمون في شتى اركان الارض – يمكنهم ان يستلهموا العبر القيمة مما فعلته (الشباب) والذي يعد مثالا حيا لما ستفعله القاعدة ان اتيحت لها الفرصة لان تحكم البشر.


      فقد أثبت تنظيم القاعدة مرارا و تكرارا أنه يتقن عملية التخطيط لاختيار المستشفى او المسجد الذي سيكون هدفا للهجوم او التفجير، و هو حتما لديه خبرة طويلة في كيفية تحويل المناسبات السعيدة مثل حفلات العرس الى مأتم في غمضة عين. ومع ذلك، فان احداث الدمار والخراب يختلف تماما عن عملية بناء وتجهيز القدرات لمواجهة العدد الكبير من التحديات التي تواجه البشر في شتى انحاء العالم في عالمنا هذا. ويجب ان لا تفوتنا هنا حقيقة اخرى يدركها الجميع و هي ان الهدم اسهل بكثير من البناء.


      و من ثم فهو ليس من الصعب على اعضاء (الشباب) ان يستغلوا سذاجة شاب فيقنعوه بأن ليس هنالك من معنى أفضل لحياته أو عمل انبل من أن ينهي حياته بنفسه - وحياة العديد من الاخرين - وبابشع الطرق. و لكن هنالك فرق كبير ما بين تلك الحيل الدنيئة و ما بين توفير الفرص لشباب المجتمع و ترسيخ روح المواطنة فيهم و التي تجعلهم يقبلون على اداء دور هام في تأسيس مجتمع مستقر ومزدهر و ان ذلك سوف يعود عليهم بالفائدة .


      في السياق نفسه ، فأن الفساد أو انعدام الكفاءة و التقصير في تلبية أبسط احتياجات الناس الذين من المفترض انك مكلف بحماية مصالحهم هو شئ، لكن التجاهل التام لأمن و سلامة و حياة البشر الذي تظهره حركة (الشباب) باستمرار هو شيئ اخر تماما. فمن الواضح أن (الشباب) تضع طموحاتها و اهدافها السياسية قبل كل شيء و قد تسبب هذا في ان يدفع الشعب الصومالي المغلوب على امره ثمنا غاليا.


      مرة اخرى، فهو ليس امرا مثيرا للتعجب أن مجموعة تشارك تنظيم القاعدة في ايمانها بثقافة الموت التي تروج لها كما هو حال حركة (الشباب)، لم تتخذ اي اجراءات لكي تجعل اهالي المنطقة اكثر استعدادا لمواجهة حالة الجفاف و التي سبق و ان اجتاحت منطقة القرن الافريقي في اكثر من مرة في ما مضى.

      وبالمثل، فإن المرء لا يتوقع ان تنظيم القاعدة او من هم على شاكلته و التي تكرس جميع طاقاتها تجاه التخريب والدمار أن توسع من نطاق نشاطاتها الضيق لكي تشمل التخفيف من معاناة الناس. ومع ذلك فإن منع المساعدات الإنسانية الدولية من الوصول إلى من هم في امس الحاجة إليها يتطلب مستوى فريدا من نوعه من الانحلال الخلقي و الذي يحول قلب الانسان الى حجر او ارض يابسة.


      و خلافا لادعاءاتهم بأنهم ملتزمون بمكارم الأخلاق والقيم العليا ، الا ان رفض (الشباب) الالتزام بأبسط طبائع الإنسانية -- الا و هي إطعام الجائع -- يثير تساؤلات كثيرة حول ما هي منظومة القيم هذه التي تحث على مثل هكذا افعال مؤسفة. و ما كانت محاولة (الشباب) الاخيرة للظهور على انها (ملائكة الرحمة) من خلال التقاط صور تظهرهم يقدمون بعض المساعدات لبعض المتضررين من المجاعة الا حملة دعائية واضحة تسعى بلا أمل للتغطية على سجلها المخزي في هذا المجال.


      في السياق نفسه ، هنالك حقيقة موثقة اخرى و التي تشير الى أن (الشباب) قد منعت الآلاف من الصوماليين من مغادرة المناطق المنكوبة و الأكثر تضررا من الجفاف. و مع الاسف الشديد، و كما هو الحال عادة ، لقد اثرت تصرفات الشباب التعنتية هذه على اطفال الصومال اكثر من اي فئة اخرى من المجتمع.


      ففي الوقت التي تعمل فيه اغلب الدول والحكومات بشكل دؤوب سعيا لأيجاد حلول و طرق جديدة للتعامل مع الظروف الاقتصادية الصعبة التي قد اثرت على العالم بأكمله، و تحاول التقليص من الاضرار الاجتماعية التي عادة ما ترافق التغيرات المتعلقة بالحداثة، فرغت الشباب وقتها للتعامل مع قضايا ذات اهمية قصوى مثل حظر الاستماع للموسقى و منع الناس من لعب او مشاهدة كرة القدم !!!! و من ثم فهو ليس من الغريب ان ما تعتبره (الشباب) تنفيذا للعدالة يتمحور حول قتل بنات في سن المراهقة و اشخاص معاقين ذهنيا بعد اتهامهم بأنهم جواسيس !!!


      و في نفس القدر من الاهمية، و بينما تنفق الحكومات حول العالم مبالغ كبيرة على التعليم من باب أن تفوق الاطفال سوف يكون له دور اساسي في تحديد مستقبل الوطن -- تستنزف حركة (الشباب) ما يعتبره الكثيرون اهم ثروات اي دولة الا و هم الاجيال القادمة من خلال تجنيدها للأطفال و اكراههم على الانضمام الى كوادرها لكي يقوموا بتنفيذ هجماتها الجبانة على المدنيين الصوماليين. وقد أجبرت تلك الاساليب المؤسفة العديد من اولياء الامور على سحب أطفالهم من المدارس. و هو من نافلة الكلام أن نقول ان (الشباب) لم تحسن من مستويات التعليم او محو الأمية في الصومال و لو قيد انملة. بل لقد برهنوا مؤخرا مدى عدائهم لاطفال الصومال عندما استهدفوا طلابا بشاحنة مفخخة في مقاديشو .


      و كدليل آخر عن أولويات الشباب الملتوية ، وفي خضم معاناة شعب الصومال من الكوارث الطبيعية و اثناء محاولته التشافي من الصراعات و العنف المستمر ، جعلت حركة (الشباب) حياة الصوماليين اكثر تعقيدا و زادت من حدة عدم الاستقرار في البلاد من خلال شن هجمات خارج حدود الصومال ضد بعض الدول المجاورة، و حيث استمرت على نفس المنوال و استهدفت المدنيين العزل في الملاعب الرياضية والمقاهي.


      الولايات المتحدة والمجتمع الدولي يبذلان قصارى جهدهما لضمان أن شعب الصومال لا يصبح رهينة لأهواء حركة (الشباب) و رؤيتها الرجعية. ولكن بالرغم من ذلك فأن وحشية (الشباب) وعجزها المطلق عن ادارة شؤون الصوماليين الذين وقعوا تحت سيطرتها، تقدم لنا دليلا حيا يوضح حقيقة الحياة تحت حكم القاعدة فيما لو اتيحت لها الفرصة لكي (تحكم) في اي مكان. فأي كابوس مرعب سيكون!


      فهد

      فريق التواصل الإلكتروني

      وزارة الخارجية الأمريكية