لم يكن ديفيد كي عميلا لصدام حسين، ولم يقبض منه، ولم يلتقه مرة واحدة في حياته، لكنه تحدى جورج بوش بقوته وجبروته، وقال الحقيقة كاملة «لا توجد في العراق أية أسلحة للدمار الشامل».
وديفيد كي هو رئيس لفريق مكون من (1200) خبير قام بمسح العراق من الشمال للجنوب، ومن الشرق للغرب حتى يعثر على دليل واحد يريق ماء وجه الرئيس بوش، ويبرر عدوانه على العراق حتى يرد على من اتهموه بتضليل الرأي العام ويستعيد شعبيته التي تدهورت كثيرا وتراجعت من 75 % خلال شهر ابريل الماضي إلى حوالي 47 % أوائل الشهر الجاري.
انتظر بوش التقرير على أحر من الجمر، فديفيد كي أمريكي ولن يخذله، وصدام سقط، وأرض العراق أصبحت مستباحة، وكل هذا يعزز امكانية صدور تقرير ينقذ الرئيس المأزوم، إلا أن ديفيد كي قال ودون تردد: «إننا لم نعثر على أسلحة كيميائية أو بيولوجية وأن حكومة بوش بالغت في المعلومات التي رددتها عن امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل لإقناع العالم بالحرب».
كان ديفيد كي يعرف أن شهادته قد تكلفه الكثير، وكان أمامه مشهد ما جرى لزوجة السفير الأمريكي السابق جوزيف ويلسون الذي حقق في مزاعم شراء العراق ليورانيوم النيجر، وأكد أن الوثائق مزورة، وأحرج الرئيس الأمريكي، فجرى تسريب متعمد إلى الصحف الأمريكية يثبت أن زوجته تعمل لصالح الـ «سي. آي. إيه» .. لكن كل هذا لم يثن ديفيد كي عن موقفه وكشف زيف وأكاذيب رئيسه جورج بوش.
كان التقرير الجديد بمثابة صدمة مروعة للرئيس بوش، لأنه باختصار يؤكد أن العراق كان صادقا، وأن بوش هو الذي كذب على الجميع، وضلل الجميع وخاض حربا لأسباب بعيدة عن الادعاءات التي كان يروجها، وهي أسباب لا تخلو من المصالح الشخصية والمادية.
خذ مثلا عندك ما أعلن أخيرا عن قيام أفراد من أسرة وأصدقاء الرئيس جورج بوش بتشكيل شركة في العراق مهمتها تسهيل العقود والعطاءات واحتكار العديد من عقود التعمير، ناهيك عن شركات على علاقة بديك تشيني ودونالد رامسفيلد، وغيرهما من كبار المسئولين الأمريكيين تعمل الآن في مجالات البترول داخل العراق.
وبدلا من أن يعترف الرئيس بوش بفضيحته ويطلب العفو من الشعب الأمريكي أو يتقدم باستقالته إذا به يخرج علينا بتصريح غريب يقول فيه: إن صدام حسين خدع المجتمع الدولي وأوهمنا بأن لديه أسلحة دمار شامل حتى يمنع الحرب عليه.
أي سذاجة تلك التي يتحدث بها جورج بوش، وأي ادعاءات كاذبة تلك التي يصر على ترويجها، إنها مأساة حقيقية يعيشها الشعب الأمريكي تحت قيادة هذا الرئيس الذي هو بحاجة إلى توقيع فحص طبي عاجل على قواه العقلية.
بالأمس هدد الأمم المتحدة، وهدد قادة فرنسا وألمانيا وروسيا، وهدد أيضا معارضيه داخل الكونجرس، واليوم جاء ليهدد الشعب الأمريكي حيث راح يرد على استطلاعات الرأي التي أكدت تدهور شعبيته بالقول: «أحيانا يرضى الشعب الأمريكي عن مواقفي وأحيانا لا يرضى، ولكن على الشعب أن يعرف أنني سأتخذ قرارات صارمة لما أعتقد أنه الحق».
إنها الديكتاتورية بعينها، فالرئيس الذي يريد أن يعلمنا الديمقراطية وأصولها يعلن هكذا جهارا نهارا أنه سيتخذ ما يعتقد أنه صحيح سواء رضي الشعب الأمريكي أم لم يرض.
إن ما يجري الآن في العراق من عمليات قتل ونهب وتخريب ودمار يؤكد صحة كل ما طرحناه منذ البداية، ويكشف أن من روجوا لسياسات جورج بوش ووقفوا إلى جانب عدوانه الآثم على أشقائنا في العراق لم يكونوا سوى أدوات رخيصة تحركها خيوط خفية لها أهدافها التي تصب لمصلحة المعادين لهذه الأمة.
كنت أتمني من هؤلاء الذين روجوا وهيأوا المسرح أن يعتزلوا مواقعهم وأن يحطموا أقلامهم الملوثة لو كانت لديهم ذرة من انتماء وبقايا ضمائر محطمة، لكنهم أبدا لن يفعلوا ذلك لأنهم مجرد مسخ أمريكي صهيوني في صورة بشر ينتمون لهذه الأمة.
إن الأمة العربية لن تنسى لهؤلاء أنهم شاركوا بشكل مباشر في تحطيم العراق وقتل مئات الآلاف من أبنائه حتى ينالوا الرضا السامي الأمريكي، ويقبضوا الثمن من خلف ستار.
إن الشعب العراقي أفاق من الصدمة وأدرك من هم أعداؤه ومن هم اصدقاؤه وحلفاؤه، ولهذا راحت المظاهرات تعم أرجاء العراق في كركوك والخالدية والأعظمية وبغداد ترفع صور صدام حسين وتطالب بعودته للسلطة من جديد، بعد أن أدركت أن كل ما جرى لم يكن إلا فيلما خياليا صنع في معامل الـ «سي. آي. إيه» وروج على أوسع نطاق في العالم العربي والخارجي.
إن الذين يخرجون رافعين صور صدام حسين حتى ولو كان ليس حبا فيه ولكنه نكاية في الأمريكان وعملائهم وكأنهم يقولون إن كل ما جرى لنا في زمن صدام حسين لا يرقى إلى جريمة واحدة من الجرائم التي ترتكبها أمريكا في الوقت الحالي.
وهكذا يثبت الشارع العراقي مجددا أنه لن يقبل أبدا بالهوان، وأن أي تغيير يجب أن يكون بيده هو وليس بيد أية قوى من الخارج، ولذلك انطلقت المقاومة في كل مكان لتحصد أرواح الأمريكيين وحلفائهم مما دفع الرئيس بوش وأركان إدارته للبحث عن حل عاجل وسريع ينقذ ماتبقى من الجنود الذين سقطوا في مستنقع الوحل العراقي.
إن ما تشهده الساحة العراقية يمنحنا شعاعا من الأمل في نهوض هذه الأمة من جديد، وفي هزيمة المخطط الأمريكي إلى غير رجعة، وفي التأكيد أن روح الجهاد لم تمت في النفوس.
إن المقاومة العراقية تقف وحيدة في الساحة دون مساندة من أحد، ومع ذلك فيدها تطول جنود الاحتلال في كل مكان، الأمر الذي دفع قائد قوات الاحتلال في العراق إلى القول إن هناك قيادة مركزية لهذه القوات، وإن هناك خططا للمقاومة جرى اعتمادها قبل سقوط بغداد.
إن التاريخ سيكتب الحقيقة كاملة في يوم ما، سيكشف أسماء المتورطين والذين روجوا والذين باعوا، ولكن الأكيد في كل ذلك أن شعب العراق سينتصر في أقرب مما يظن الكثيرون، وساعتها سيكون حساب الجميع قاسيا.
أما جورج بوش وعصابته فسيحاكمهم الشعب الأمريكي ولن يدعهم يهربون بما حصلوا عليه من غنائم من دم الشعب العراقي، لأن الثمن كان فادحا، آلاف الجنود من القتلى ومزيدا من الكراهية للسياسة الأمريكية في العالم بأسره.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
بقلم الأستاذ / مصطفى بكري - رئيس تحرير صحيفة "الأسبوع" المصرية
وديفيد كي هو رئيس لفريق مكون من (1200) خبير قام بمسح العراق من الشمال للجنوب، ومن الشرق للغرب حتى يعثر على دليل واحد يريق ماء وجه الرئيس بوش، ويبرر عدوانه على العراق حتى يرد على من اتهموه بتضليل الرأي العام ويستعيد شعبيته التي تدهورت كثيرا وتراجعت من 75 % خلال شهر ابريل الماضي إلى حوالي 47 % أوائل الشهر الجاري.
انتظر بوش التقرير على أحر من الجمر، فديفيد كي أمريكي ولن يخذله، وصدام سقط، وأرض العراق أصبحت مستباحة، وكل هذا يعزز امكانية صدور تقرير ينقذ الرئيس المأزوم، إلا أن ديفيد كي قال ودون تردد: «إننا لم نعثر على أسلحة كيميائية أو بيولوجية وأن حكومة بوش بالغت في المعلومات التي رددتها عن امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل لإقناع العالم بالحرب».
كان ديفيد كي يعرف أن شهادته قد تكلفه الكثير، وكان أمامه مشهد ما جرى لزوجة السفير الأمريكي السابق جوزيف ويلسون الذي حقق في مزاعم شراء العراق ليورانيوم النيجر، وأكد أن الوثائق مزورة، وأحرج الرئيس الأمريكي، فجرى تسريب متعمد إلى الصحف الأمريكية يثبت أن زوجته تعمل لصالح الـ «سي. آي. إيه» .. لكن كل هذا لم يثن ديفيد كي عن موقفه وكشف زيف وأكاذيب رئيسه جورج بوش.
كان التقرير الجديد بمثابة صدمة مروعة للرئيس بوش، لأنه باختصار يؤكد أن العراق كان صادقا، وأن بوش هو الذي كذب على الجميع، وضلل الجميع وخاض حربا لأسباب بعيدة عن الادعاءات التي كان يروجها، وهي أسباب لا تخلو من المصالح الشخصية والمادية.
خذ مثلا عندك ما أعلن أخيرا عن قيام أفراد من أسرة وأصدقاء الرئيس جورج بوش بتشكيل شركة في العراق مهمتها تسهيل العقود والعطاءات واحتكار العديد من عقود التعمير، ناهيك عن شركات على علاقة بديك تشيني ودونالد رامسفيلد، وغيرهما من كبار المسئولين الأمريكيين تعمل الآن في مجالات البترول داخل العراق.
وبدلا من أن يعترف الرئيس بوش بفضيحته ويطلب العفو من الشعب الأمريكي أو يتقدم باستقالته إذا به يخرج علينا بتصريح غريب يقول فيه: إن صدام حسين خدع المجتمع الدولي وأوهمنا بأن لديه أسلحة دمار شامل حتى يمنع الحرب عليه.
أي سذاجة تلك التي يتحدث بها جورج بوش، وأي ادعاءات كاذبة تلك التي يصر على ترويجها، إنها مأساة حقيقية يعيشها الشعب الأمريكي تحت قيادة هذا الرئيس الذي هو بحاجة إلى توقيع فحص طبي عاجل على قواه العقلية.
بالأمس هدد الأمم المتحدة، وهدد قادة فرنسا وألمانيا وروسيا، وهدد أيضا معارضيه داخل الكونجرس، واليوم جاء ليهدد الشعب الأمريكي حيث راح يرد على استطلاعات الرأي التي أكدت تدهور شعبيته بالقول: «أحيانا يرضى الشعب الأمريكي عن مواقفي وأحيانا لا يرضى، ولكن على الشعب أن يعرف أنني سأتخذ قرارات صارمة لما أعتقد أنه الحق».
إنها الديكتاتورية بعينها، فالرئيس الذي يريد أن يعلمنا الديمقراطية وأصولها يعلن هكذا جهارا نهارا أنه سيتخذ ما يعتقد أنه صحيح سواء رضي الشعب الأمريكي أم لم يرض.
إن ما يجري الآن في العراق من عمليات قتل ونهب وتخريب ودمار يؤكد صحة كل ما طرحناه منذ البداية، ويكشف أن من روجوا لسياسات جورج بوش ووقفوا إلى جانب عدوانه الآثم على أشقائنا في العراق لم يكونوا سوى أدوات رخيصة تحركها خيوط خفية لها أهدافها التي تصب لمصلحة المعادين لهذه الأمة.
كنت أتمني من هؤلاء الذين روجوا وهيأوا المسرح أن يعتزلوا مواقعهم وأن يحطموا أقلامهم الملوثة لو كانت لديهم ذرة من انتماء وبقايا ضمائر محطمة، لكنهم أبدا لن يفعلوا ذلك لأنهم مجرد مسخ أمريكي صهيوني في صورة بشر ينتمون لهذه الأمة.
إن الأمة العربية لن تنسى لهؤلاء أنهم شاركوا بشكل مباشر في تحطيم العراق وقتل مئات الآلاف من أبنائه حتى ينالوا الرضا السامي الأمريكي، ويقبضوا الثمن من خلف ستار.
إن الشعب العراقي أفاق من الصدمة وأدرك من هم أعداؤه ومن هم اصدقاؤه وحلفاؤه، ولهذا راحت المظاهرات تعم أرجاء العراق في كركوك والخالدية والأعظمية وبغداد ترفع صور صدام حسين وتطالب بعودته للسلطة من جديد، بعد أن أدركت أن كل ما جرى لم يكن إلا فيلما خياليا صنع في معامل الـ «سي. آي. إيه» وروج على أوسع نطاق في العالم العربي والخارجي.
إن الذين يخرجون رافعين صور صدام حسين حتى ولو كان ليس حبا فيه ولكنه نكاية في الأمريكان وعملائهم وكأنهم يقولون إن كل ما جرى لنا في زمن صدام حسين لا يرقى إلى جريمة واحدة من الجرائم التي ترتكبها أمريكا في الوقت الحالي.
وهكذا يثبت الشارع العراقي مجددا أنه لن يقبل أبدا بالهوان، وأن أي تغيير يجب أن يكون بيده هو وليس بيد أية قوى من الخارج، ولذلك انطلقت المقاومة في كل مكان لتحصد أرواح الأمريكيين وحلفائهم مما دفع الرئيس بوش وأركان إدارته للبحث عن حل عاجل وسريع ينقذ ماتبقى من الجنود الذين سقطوا في مستنقع الوحل العراقي.
إن ما تشهده الساحة العراقية يمنحنا شعاعا من الأمل في نهوض هذه الأمة من جديد، وفي هزيمة المخطط الأمريكي إلى غير رجعة، وفي التأكيد أن روح الجهاد لم تمت في النفوس.
إن المقاومة العراقية تقف وحيدة في الساحة دون مساندة من أحد، ومع ذلك فيدها تطول جنود الاحتلال في كل مكان، الأمر الذي دفع قائد قوات الاحتلال في العراق إلى القول إن هناك قيادة مركزية لهذه القوات، وإن هناك خططا للمقاومة جرى اعتمادها قبل سقوط بغداد.
إن التاريخ سيكتب الحقيقة كاملة في يوم ما، سيكشف أسماء المتورطين والذين روجوا والذين باعوا، ولكن الأكيد في كل ذلك أن شعب العراق سينتصر في أقرب مما يظن الكثيرون، وساعتها سيكون حساب الجميع قاسيا.
أما جورج بوش وعصابته فسيحاكمهم الشعب الأمريكي ولن يدعهم يهربون بما حصلوا عليه من غنائم من دم الشعب العراقي، لأن الثمن كان فادحا، آلاف الجنود من القتلى ومزيدا من الكراهية للسياسة الأمريكية في العالم بأسره.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
بقلم الأستاذ / مصطفى بكري - رئيس تحرير صحيفة "الأسبوع" المصرية