"من المفارقات المهمة أيضا في شخصية هذا العام أنها أعادت العرب وتحديدا شبابهم مرة أخرى إلى الغلاف السنوي الشهير للمجلة، بعد غياب 34 عاما."
د. حسني نصر
قليلة هي المرات التي لا تختار فيها مجلة "تايم"الأمريكية ذائعة الصيت شخصا واحدا ليكون هو رجل العام. هذا التقليد الذي تتبعه "تايم" منذ عام 1927 وينتظره العالم في الأسابيع الأخيرة من كل عام وتضم قائمته قمم السياسة والاقتصاد والأعمال والفنون مثل غاندي وهتلر وستالين ومصدق وخروتشوف والخوميني وجورباتشوف وبوتين ورؤساء أمريكا من روزفلت إلى باراك أوباما، خرجت عنه "تايم" عشر مرات فقط خلال 84 عاما، أولها في عام 1950 عندما اختارت "المقاتل الأمريكي" ليكون رجل العام، وآخرها العام الحالي عندما اختارت "المحتج" ليكون شخصية العام 2011، وبينهما اختارت المجلة "المطالبون بالحرية في المجر" في عام 1956، و"العلماء الأمريكيون" في 1960، و"الجيل الأمريكي تحت 25 سنة" في عام 1966، و"الطبقة الوسطى الأمريكية" في 1986، و"المرأة الأمريكية" في 1975، و"الكمبيوتر" في عام 1982، و"صناع السلام" في عام 1993، و"الجندي الأمريكي" في عام 2003.
ورغم أن ترشيحات قراء المجلة لهذا العام ضمت عشرات الأسماء لسياسيين ورياضيين وفنانين من مختلف أنحاء العالم، على رأسهم رجب طيب اردوجان رئيس الحكومة التركية، ومن بينهم محتجون عرب بارزون مثل اليمنية الفائزة بجائزة نوبل للسلام توكل كرمان، والتونسي الراحل محمد البوعزيزي، والمصريين محمد البرادعي ووائل غنيم، وقناة الجزيرة القطرية، إلا أن هيئة تحرير "تايم"تركت كل هؤلاء هذا العام واختارت صورة رمزية لرجل ملثم أسمته "المحتج"، وكتبت تحتها "من الربيع العربي إلى أثينا ومن احتلوا وول ستريت إلى موسكو".وبذلك تصدر المحتج المشهد، ممثلا لكل من خرج إلى شوارع المدن في قارات العالم القديمة والجديدة حاملا روحه على كفيه، ومطالبا بحقوقه وداعيا إلى التغيير، ومشعلا حركات احتجاجية هزت دولا عديدة وأسقطت أنظمة ودفعت أنظمة أخرى إلى مراجعة نفسها والسعي إلى مصالحة شعوبها.
تفوق المحتج إذن على كل الشخصيات التي أثرت في العالم إيجابا أو سلبا خلال العام الذي يوشك على الانتهاء. تفوق على الأميرال وليام مكريفن قائد العمليات الخاصة الأمريكية المشتركة الذي احتل المركز الثاني في قائمة "تايم"، وهو الذي ينظر الأمريكيون إليه على أنه بطل قومي لأنه قاد المهمة السرية الأمريكية التي قتلت زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن بباكستان في مايو الفائت.
المفارقات في هذا الاختيار تبدو كثيرة ومهمة. ففي عام 1982 اختارت المجلة "الكمبيوتر" ليكون رجل العام، لتكون المرة الأولى التي تختار فيها آلة لهذا اللقب. وفي نهاية عام 2006 اختارت المجلة نفسها ان يكون شخصية العام هو الإنسان مستخدم الإنترنت في كل مكان وخاصة أولئك المستخدمين الذين تحولوا من مستهلكين للمعلومات إلى منتجين وموزعين لها عبر المدونات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة. وحمل غلاف المجلة في ذلك العام كلمة واحدة هي "أنت" للدلالة على أهمية نوع جديد من الصحافة هو صحافة المواطن التي اعتبرتها ثورة حقيقية، في إشارة إلى مستخدمي الإنترنت الذين يساهمون في إنتاج وسائلهم الإعلامية على شبكة الويب عبر التدوين الإلكتروني. وقد تنبأت المجلة بأن هذا النوع من الصحافة من شأنه ليس فقط تغيير العالم، ولكن أيضا تغيير الطريقة التي يتغير بها العالم، عبر تجميع المساهمات الصغيرة لملايين من الناس وجعلها ذات قيمة، وهو ما حدث في العام التالي. ولذلك عادت المجلة وفي هذا الوقت من العام الفائت لتختار مارك زوكربيرج صاحب الستة والعشرين عاما ومؤسس موقع التواصل الاجتماعي الشهير "فيسبوك" لكي يحتل غلاف مجلة "تايم" باعتباره شخصية عام 2010، وكأنها كانت تقرأ ما سيقع من أحداث جسام في عامنا الحالي نتيجة استخدام موقع زوكربيرج. إذ في هذا العام أصبح اتباع زوكربيرجمن مستخدمي موقعه، في أماكن مختلفة من العالم هم شخصية العام الحالي، بعد أن تجمعوا على الفضاء الإلكتروني الذي وفره لهم زوكربيرجثم خرجوا إلى الشوارع في حركات احتجاجية بدأت في تونس ثم انتقلت إلى مصر والبحرين وليبيا واليمن وسوريا واليونان والكيان الإسرائيلي والهند وتشيلي والصين وبريطانيا وإسبانيا والولايات المتحدة ولم تنته حتى اليوم. ولم يكن هذا المحتج ليصل إلى غلاف "تايم" لولا الكمبيوتر والإنترنت والفيسبوك والشبكات الأخرى مثل يوتيوب وغيرها، والتي ساهمت في الإعداد للاحتجاجات وإشعالها والترويج لها والدفاع عنها، وهو ما حول بعضها إلى ثورات شعبية حقيقية أطاحت بأنظمة ديكتاتورية كانت راسخة لفترات طويلة من الزمن.
من المفارقات المهمة أيضا في شخصية هذا العام أنها أعادت العرب وتحديدا شبابهم مرة أخرى إلى الغلاف السنوي الشهير للمجلة، بعد غياب 34 عاما. اذ كان الرئيس المصري الراحل أنور السادات هو آخر شخصية عربية تختارها المجلة كرجل للعام في 1977، وكان قد سبقه في العام 1974 الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود. إن الشباب العربي الذي ألهم شباب العالم في 2011 واحتل غلاف "تايم" مدين في ذلك دون شك لطلائعه التي استطاعت من خلال صرختها المدوية نهاية العام الماضي ومطلع العام الحالي أن تفتح الباب أمام احتجاجات شبابية عالمية غيرت العالم. ويأتي على رأس هؤلاء التونسي محمد البوعزيزى بائع الخضراوات والفواكه الذي أشعل النار في نفسه في ميدان عام، واليمنية توكل كرمان، والمصريان وائل غنيم الذي كان أول من استغل الفيسبوك في الدعوة للاحتجاج ثم الثورة، واحمد حرارة الذي لم يسهم فقط في الثورة المصرية وإنما ضحى أيضا بعينيه من أجل نجاحها، كما أنه مدين قبل ذلك لمارك زوكربيرج الذي بدأ عملية تغيير العالم بتأسيس الفيسبوك قبل سبع سنوات.
والشاهد ان المحتجين قد غيروا العالم والطريقة التي يتغير بها العالم، تماما مثلما غير اختيار "تايم" لهم المعادلة السياسية لينتقل مركز الثقل فيها من الزعماء إلى الشعوب الثائرة، فهل تتغير مقولة أبو الفلسفة الحديثة الفرنسي رينيه ديكارت الشهيرة "أنا أفكر إذن أنا موجود"، لتصبح "أنا أحتج إذن أنا موجود"؟
أكثر...
د. حسني نصر
قليلة هي المرات التي لا تختار فيها مجلة "تايم"الأمريكية ذائعة الصيت شخصا واحدا ليكون هو رجل العام. هذا التقليد الذي تتبعه "تايم" منذ عام 1927 وينتظره العالم في الأسابيع الأخيرة من كل عام وتضم قائمته قمم السياسة والاقتصاد والأعمال والفنون مثل غاندي وهتلر وستالين ومصدق وخروتشوف والخوميني وجورباتشوف وبوتين ورؤساء أمريكا من روزفلت إلى باراك أوباما، خرجت عنه "تايم" عشر مرات فقط خلال 84 عاما، أولها في عام 1950 عندما اختارت "المقاتل الأمريكي" ليكون رجل العام، وآخرها العام الحالي عندما اختارت "المحتج" ليكون شخصية العام 2011، وبينهما اختارت المجلة "المطالبون بالحرية في المجر" في عام 1956، و"العلماء الأمريكيون" في 1960، و"الجيل الأمريكي تحت 25 سنة" في عام 1966، و"الطبقة الوسطى الأمريكية" في 1986، و"المرأة الأمريكية" في 1975، و"الكمبيوتر" في عام 1982، و"صناع السلام" في عام 1993، و"الجندي الأمريكي" في عام 2003.
ورغم أن ترشيحات قراء المجلة لهذا العام ضمت عشرات الأسماء لسياسيين ورياضيين وفنانين من مختلف أنحاء العالم، على رأسهم رجب طيب اردوجان رئيس الحكومة التركية، ومن بينهم محتجون عرب بارزون مثل اليمنية الفائزة بجائزة نوبل للسلام توكل كرمان، والتونسي الراحل محمد البوعزيزي، والمصريين محمد البرادعي ووائل غنيم، وقناة الجزيرة القطرية، إلا أن هيئة تحرير "تايم"تركت كل هؤلاء هذا العام واختارت صورة رمزية لرجل ملثم أسمته "المحتج"، وكتبت تحتها "من الربيع العربي إلى أثينا ومن احتلوا وول ستريت إلى موسكو".وبذلك تصدر المحتج المشهد، ممثلا لكل من خرج إلى شوارع المدن في قارات العالم القديمة والجديدة حاملا روحه على كفيه، ومطالبا بحقوقه وداعيا إلى التغيير، ومشعلا حركات احتجاجية هزت دولا عديدة وأسقطت أنظمة ودفعت أنظمة أخرى إلى مراجعة نفسها والسعي إلى مصالحة شعوبها.
تفوق المحتج إذن على كل الشخصيات التي أثرت في العالم إيجابا أو سلبا خلال العام الذي يوشك على الانتهاء. تفوق على الأميرال وليام مكريفن قائد العمليات الخاصة الأمريكية المشتركة الذي احتل المركز الثاني في قائمة "تايم"، وهو الذي ينظر الأمريكيون إليه على أنه بطل قومي لأنه قاد المهمة السرية الأمريكية التي قتلت زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن بباكستان في مايو الفائت.
المفارقات في هذا الاختيار تبدو كثيرة ومهمة. ففي عام 1982 اختارت المجلة "الكمبيوتر" ليكون رجل العام، لتكون المرة الأولى التي تختار فيها آلة لهذا اللقب. وفي نهاية عام 2006 اختارت المجلة نفسها ان يكون شخصية العام هو الإنسان مستخدم الإنترنت في كل مكان وخاصة أولئك المستخدمين الذين تحولوا من مستهلكين للمعلومات إلى منتجين وموزعين لها عبر المدونات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة. وحمل غلاف المجلة في ذلك العام كلمة واحدة هي "أنت" للدلالة على أهمية نوع جديد من الصحافة هو صحافة المواطن التي اعتبرتها ثورة حقيقية، في إشارة إلى مستخدمي الإنترنت الذين يساهمون في إنتاج وسائلهم الإعلامية على شبكة الويب عبر التدوين الإلكتروني. وقد تنبأت المجلة بأن هذا النوع من الصحافة من شأنه ليس فقط تغيير العالم، ولكن أيضا تغيير الطريقة التي يتغير بها العالم، عبر تجميع المساهمات الصغيرة لملايين من الناس وجعلها ذات قيمة، وهو ما حدث في العام التالي. ولذلك عادت المجلة وفي هذا الوقت من العام الفائت لتختار مارك زوكربيرج صاحب الستة والعشرين عاما ومؤسس موقع التواصل الاجتماعي الشهير "فيسبوك" لكي يحتل غلاف مجلة "تايم" باعتباره شخصية عام 2010، وكأنها كانت تقرأ ما سيقع من أحداث جسام في عامنا الحالي نتيجة استخدام موقع زوكربيرج. إذ في هذا العام أصبح اتباع زوكربيرجمن مستخدمي موقعه، في أماكن مختلفة من العالم هم شخصية العام الحالي، بعد أن تجمعوا على الفضاء الإلكتروني الذي وفره لهم زوكربيرجثم خرجوا إلى الشوارع في حركات احتجاجية بدأت في تونس ثم انتقلت إلى مصر والبحرين وليبيا واليمن وسوريا واليونان والكيان الإسرائيلي والهند وتشيلي والصين وبريطانيا وإسبانيا والولايات المتحدة ولم تنته حتى اليوم. ولم يكن هذا المحتج ليصل إلى غلاف "تايم" لولا الكمبيوتر والإنترنت والفيسبوك والشبكات الأخرى مثل يوتيوب وغيرها، والتي ساهمت في الإعداد للاحتجاجات وإشعالها والترويج لها والدفاع عنها، وهو ما حول بعضها إلى ثورات شعبية حقيقية أطاحت بأنظمة ديكتاتورية كانت راسخة لفترات طويلة من الزمن.
من المفارقات المهمة أيضا في شخصية هذا العام أنها أعادت العرب وتحديدا شبابهم مرة أخرى إلى الغلاف السنوي الشهير للمجلة، بعد غياب 34 عاما. اذ كان الرئيس المصري الراحل أنور السادات هو آخر شخصية عربية تختارها المجلة كرجل للعام في 1977، وكان قد سبقه في العام 1974 الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود. إن الشباب العربي الذي ألهم شباب العالم في 2011 واحتل غلاف "تايم" مدين في ذلك دون شك لطلائعه التي استطاعت من خلال صرختها المدوية نهاية العام الماضي ومطلع العام الحالي أن تفتح الباب أمام احتجاجات شبابية عالمية غيرت العالم. ويأتي على رأس هؤلاء التونسي محمد البوعزيزى بائع الخضراوات والفواكه الذي أشعل النار في نفسه في ميدان عام، واليمنية توكل كرمان، والمصريان وائل غنيم الذي كان أول من استغل الفيسبوك في الدعوة للاحتجاج ثم الثورة، واحمد حرارة الذي لم يسهم فقط في الثورة المصرية وإنما ضحى أيضا بعينيه من أجل نجاحها، كما أنه مدين قبل ذلك لمارك زوكربيرج الذي بدأ عملية تغيير العالم بتأسيس الفيسبوك قبل سبع سنوات.
والشاهد ان المحتجين قد غيروا العالم والطريقة التي يتغير بها العالم، تماما مثلما غير اختيار "تايم" لهم المعادلة السياسية لينتقل مركز الثقل فيها من الزعماء إلى الشعوب الثائرة، فهل تتغير مقولة أبو الفلسفة الحديثة الفرنسي رينيه ديكارت الشهيرة "أنا أفكر إذن أنا موجود"، لتصبح "أنا أحتج إذن أنا موجود"؟
أكثر...
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions