ليست كل كلمات رصت الى بعضها البعض، وأحدثت جرسا موسيقيا، بالشعر، وإلا لعد نداء الباعة فى البازار التركي على بضاعتهم من عيون القصيد.
أهم ما يميز الشعر عامة، والعربي خاصة لفظه ومعناه، وليس كقصيدة أخرجت بأورع حلة للناظرين، وتضمنت أسمى المعاني، وأرقها وأعمقها، في تسلسل للخواطر والأفكار، لايخلط الخيال بالوهم، ويقيم الروابط بين ما لا روابط بينها أصلا. وجه الشبه بين طابع الحسن والصبا في وجوه الحسان والتفاحة الغضة الحمراء والدمل المحتقن، سطحيا هي الحمرة، وشتان بين حمرة هنا وهناك، وبين ما تثيره إياها من مشاعر في نفس المتأمل. كثير منكم لن يروا علاقة بين الوردة مثلا وبين الأنثي، ولا يهم هنا إن كانت من الطير أو الحيوان أو الانسان. غاية ما سيتبادر لأذهانكم أن تهدى الزهور والورود للمحبوبة، وبها تسطرون القصيد، لكن الشاعر المطبوع يرى أعمق من ذلك، يرى أوجة الشبه بين الوردة والأنثى، متغلغلا الى طبائع الأشياء، لا ظواهرها فقط، دورة إستمرار الحياة بالثكاثر هي الحافز لابراز الحسن للنواظر، إظهارا له قوة جذب مغناطيسية لا تقاوم، الوردة تجذب الفراش والنحل، وألأنثى تجذب شريكها في الحياة، غريزة فطرت عليها الكائنات. هذه الحقائق معروفة لكل منكم منفصلة، ولكنكم حينما تكتبون لا ترون أكثر من الجزئ، ولا تتعدونه للصورة العامة الكلية، المستمدة من ظواهر وحقائق موجودة فعلا، يضفي عليها الخيال الشعري رونقا، ويزيدها إيضاحا، ويطبعها في النفس طبعا، ويجعل السامع يأمن على قولك تأمينا.
للآن ما كتب في كثير من قصائد الشعر العربي الغزلي، لا يتعدى معناه، الضنى والسهر والأرق والهم لفراق فلانة، وأن العاشق بات خيالا لنحوله وسقمه، وأن الهم مزق ضلوعه، الضلوع لا تمزق، بل تتحطم! وخيال كهذا سقيم عقيم مستورد من المصحات النفسية، و لا يجلب إلا الضحك خاصة إن ترجم.
ومثال الشعر الغزلي يصلح أن يقاس عليه، باقي الأغراض الشعرية، التي يحفل بها ديوان الشعر العربي، نفس الأدواء والعلل تقريبا، فهل من واع؟
والسلام عليكم.