«أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا»

    • «أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا»

      بسم الله الرحمن الرحيم
      الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...آما بعد
      قد يرى البعض أن هذا الموضوع غير مهم له ولكني أراه من أهم المواضيع اليوم لما نرى من الفتن والشبهات وأحببت أن يكون هذا الموضوع مرجع لكل من يتعرض لشبهات خوارج العصر فا أسئل الله التوفيق والسداد.

      في يوم من أيام مجد هذه الأمة وقف الفاروق عمر ابن الخطاب على المنبر وقال كلمة تكتب بماء الذهب على وجه التاريخ فقال:"قصم ظهري رجلان فاجر متهتك و جاهل متنسك"

      وكأني به يشير إلى زماننا هذا حيث طفى على الساحة الإثنان فهاهي الصحف والمجلات والمسلسلات والأفلام لاتكاد تخلو من تهتك بهذا الدين الحنيف ومطالبة بتغيير ثوابت في الدين لا تقبل النقاش أو الجدال مطالبين بإعادة النظر فيها هاهما السدحان والقصبي يطلان على أمة الإسلام هذا العام كما هو الحال في كل الأعوام بمسلسلهم الماجن (طاش ما طاش) يلمحون إلى أعادة النظر في موضوع المحرم وغيره من الأمور الثابته في الدين وقد سبقهما من طالب بإعادة النظر في المؤسسات الدينية من هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجمعيات البر وهذه المؤسسات وعلى الرغم من النقص فيها من ناحية الصلاحيات الممنوحة لها إلا أنها تقوم بدور عظيم يجب أن تساند فيه لا المطالبة بوقفها.
      وهذه بعض النماذج البسيطة لما وصفه الفاروق رضي الله عنه بالفاجر المتهتك الذي يهزاء بالدين ورجاله والسنة والشرائع أقول لهم إخسئوا فهذه أرض الإسلام ماضيها في الإسلام ومستقبل الإسلام فيها بإذن الله.

      أما الصنف الثاني الذي تحدث عنهم الفاروق رضي الله عنه (جاهل متنسك) فها هم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يطلون علينا بدعوى الإصلاح وأي إصلاح؟
      خرج علينا قوم لم يرو من الدين إلا رأيهم وتجاهلوا أراء علماء الإسلام السابقين منهم والحاضرين واكتفوا بفهمهم القاصر عمن سبقهم في العلم من العلماء والصحابة رضوان الله عليهم ورمو كل من خالفهم بشتى أنواع التهم من كفر وفسوق ونسب إلى السلطان وقد أخبر عنهم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.

      حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ قَالَ عَلِىٌّ - رضى الله عنه - إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ ، فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ« يَأْتِى فِى آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».صحيح البخاري

      وعندما تسوق لهم من الآيات البينات والأحاديث الصحيحة يهربون عنها بتأويلات لم يقل بهاأحد من علماء الإسلام ويكتفون بفهمهم على ظاهر الآيات ويتركون مايفسرها من أقوال صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سبقنا من العلماء.
      وهذه بعض الأدلة على ضرورة الإقتداء بمن سبقنا من السلف الصالح رضوان الله عليهم.
      وما سأذكر من أحاديث ليست مجهولة عند عامة المسلمين – فضلاً عن خاصتهم – لكن المجهول فيها هو أنها تدل على ضرورة التزام سبيل المؤمنين في فهم الكتاب والسنة ووجوب ذلك وتأكيده .

      وهذه النقطة يسهو عنها ويغفل عن ضرورتها ولزومها كثير من الخاصة ، فضلاً عن هؤلاء الذين عرفوا بـ ( جماعة التكفير ) أو بعض أنواع الجماعات التي تنسب نفسها للجهاد وهي في حقيقتها من فلول التكفير .

      فهؤلاء – وأولئك – قد يكونون في دواخل أ نفسهم صالحين ومخلصين ، ولكن هذا وحده غير كاف ليكون صاحبه عند الله عز وجل من الناجين المفلحين .

      إذ لابد للمسلم أن يجمع بين أمرين اثنين :

      • صدق الإخلاص في النية لله عز وجل وحسن الاتباع لما كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم .
      فلا يكفي إذاً أن يكون المسلم مخلصاً وجاداً فيما هو في صدده من العمل بالكتاب والسنة والدعوة إليهما ؛ بل لا بد – بالإضافة إلى ذلك – من أن يكون منهجه منهجاً سوياً سليماً ، وصحيحاً مستقيماً ؛ ولا يتم ذلك على وجهه إلا باتباع ما كان عليه سلف الأمة الصالحون رضوان الله تعالى عليهم أجمعين .
      ولا محيد عن العودة إلى منهج سلفنا الصالح لفهم كل هذه القضايا الضرورية للمسلم ، حتى يتحقق فيه صدقاً أنه من الفرقة الناجية .
      حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِىُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِىِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ الإِفْرِيقِىِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-« لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِى مَا أَتَى عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلاَنِيَةً لَكَانَ فِى أُمَّتِى مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَإِنَّ بَنِى إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِى عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِى النَّارِ إِلاَّ مِلَّةً وَاحِدَةً قَالُوا وَمَنْ هِىَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِى ».قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ مُفَسَّرٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِثْلَ هَذَا إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. سنن الترمذي

      حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِىِّ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا بَعْدَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ« أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِىٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلاَلَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. سنن الترمذي

      والأحاديث في هذا الباب كثيرة يضيق المقام عن حصرها.

      ومما خالف فيه القوم منهج السلف الصالح مواضيع التكفير وتساهلهم في إطلاق الكفر على الحكام خاصة وعلى من خالفهم بصفة عامة.
      وقد أفردت موضوع تكفير الحكام في موضوع بعنوان (هل حكامنا كفرة) ذكرت فيه الأدلة على خطاء منهجهم والموضوع موجود على الرابط التالي لمن كان باحثا عن الحق
      arabspc.net/vb/showthread.php?s=&threadid=2350

      ومن أصول الدين التي غابت على الكثير منهم هو(السمع والطاعة لولاة الأمر) وقد تكلم فيه علماء الإسلام كثيرا لأهميته التي خفيت على الكثير منهم فتركوا آيات بينات وأحاديث صحيحة واتبعوا تأويلاتهم الخاطئة أسئل الله لهم الهداية.

      وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" كان من العلم والعدل المأمور به الصبر على ظلم الأئمة وجورهم، كما هو من أصول أهل السنة والجماعة"
      يقول تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً"

      هذه آية بينة من كتاب الله تشير إلى ضرورة السمع والطاعة لولي الأمر دون الإشارة إلى كونه برا أو فاجر والأحاديث في هذا الشأن كثيرة.
      حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -« اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِىٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ »صحيح البخاري

      حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنِ الْجَعْدِ عَنْ أَبِى رَجَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ ، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ». صحيح البخاري

      وهذا حديث واضح صريح لا يحتاج إلى تأويل أو تفسير من أحد يدلنا فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم على الطريقة المثلى في حال كراهية أمر من الأمير لكن لماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم أن الخروج على الأمير من أمور الجاهلية.
      لأن العرب قبل الإسلام كانت ترى في السمع والطاعة لرجل واحد فيه الذل والمهانة ولو تتبعنا تاريخ الجزيرة العربية لو جدنا أن ولائهم كان للقبيلة وخير شاهد على ذلك عند إختلافهم فيمن يضع الحجر الأسود عند إعادة بناء الكعبة ما أن إختلفوا حتى هبوا للسيوف.ولو تتبعت تاريخ العرب قبل الإسلام لن تجد أنهم إجتمعوا على رجل واحد ولكن كل قبيلة لها شيخ.

      حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ حَدَّثَنِى زُرَيْقٌ مَوْلَى بَنِى فَزَارَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ قَرَظَةَ - وَكَانَ ابْنَ عَمِّ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ - قَالَ سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ« خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ مَنْ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ ». قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ قَالَ « لاَ مَا أَقَامُوا لَكُمُ الصَّلاَةَ أَلاَ وَمَنْ وُلِّىَ عَلَيْهِ أَمِيرٌ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِى شَيْئاً مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلْيُنْكِرْ مَا يَأْتِى مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلاَ يَنْزِعَنَّ يَداً مِنْ طَاعَةٍ ». مسند الإمام أحمد
      وهاهو المصطفى صلى الله عليه وسلم يضع شرطا لجواز الخروج على الحاكم ألآ وهو إقامة الصلاة من غير أي تأويلات من أحد.

      وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح الحديث وذلك في الفتاوى:" ونهوا عن قتالهم ما صلوا وذلك لأن معهم أصل الدين المقصود، وهو توحيد الله وعبادته، ومعهم حسنات، وترك سيئآت كثيرة.
      وأما ما يقع من ظلمهم وجورهم بتأويل سائغ، أو غير سائغ، فلا يجوز أن يزال لما فيه من ظلم وجور، كما هو عادة أكثر النفوس تزيل الشر بما هو شر منه، وتزيل العدوان بما هو أعدى منه؛ فالخروج عليهم يوجب من الظلم والفساد أكثر من ظلمهم، فيصبر عليه كما يصبر عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ظلم المأمور والمنهي في مواضع كثيرة، كقوله
      :"يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" [لقمان: 17]
      وقوله:"فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ" [الأحقاق: 35] وقوله:"وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ" [الطور: 48]. إنتهى كلام شيخ الإسلام

      حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبِ بْنِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَمِّى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنِى بُكَيْرٌ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِى أُمَيَّةَ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَقُلْنَا حَدِّثْنَا أَصْلَحَكَ اللَّهُ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَقَالَ دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَبَايَعْنَاهُ فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِى مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ قَالَ « إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ ». صحيح مسلم
      وهذا شرط أخر من المصطفى صلى الله عليه وسلم لجواز الخروج على الحاكم وذكر صاحب فتح الباري في شرح هذا الحديث مايلي:
      "قال الخطابى: معنى قوله بواحا يريد ظاهرا باديا من قولهم باح بالشيء يبوح به بوحا وبواحا إذا أذاعه وأظهره "
      وقال صاحب الفتح:" (قوله عندكم من الله فيه برهان )أى نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل، ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل"
      ونقل ابن التين عن الداودى قال:" الذى عليه العلماء فى أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب، وإلا فالواجب الصبر".

      ولو تتبعنا ما يستند عليه القوم من أدلة نجدها تعتمد في مجملها على تأويل أعمال الحكام لكي يسوغ لهم إطلاق التكفير عليهم فنجدهم يقولون أن الحاكم الفلاني تعالمل بالربا أو سمح بالتعامل بالربا في دولته إذن فقد إستحله ومن أستحل ما حرم الله فقد كفر.
      وإذا قلنا بقولهم هذا فنستطيع أن نكفر كل من يتعامل مع البنوك من المسلمين لأن القاسم المشترك بين الحالتين هو الموافقة فالحاكم وافق على التعامل في دولته بالربا والفرد وافق على التعامل مع البنك الربوي.
      ولو قلت لهم أن في الأمور أمور قال لك أنت تدافع عن السلطان.

      ماذا فهم السلف من السمع والطاعة؟

      وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِىُّ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالُوا حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِى عِمْرَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ إِنَّ خَلِيلِى أَوْصَانِى أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعَ الأَطْرَافِ. صحيح مسلم

      وقد حث المصطفى صلى الله عليه وسلم على الصبر على جور السلطان في مواضع كثيرة أذكر لكم بعضها.

      حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الْجَعْدِ أَبِى عُثْمَانَ حَدَّثَنِى أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِىُّ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ ، إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً » . صحيح البخاري
      حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالاَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِىِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِىُّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا فَمَا تَأْمُرُنَا فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فِى الثَّانِيَةِ أَوْ فِى الثَّالِثَةِ فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ وَقَالَ « اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ ».صحيح مسلم

      وقد شرع الله لنا أمور إحترازية نقوم بها مخافة الوقوع في الفتن.

      حَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ وَقَالَ ابْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ قَالَ سَمِعْتُ عَرْفَجَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَهْىَ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ ».صحيح مسلم

      وَحَدَّثَنِى وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ الْوَاسِطِىُّ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْجُرَيْرِىِّ عَنْ أَبِى نَضْرَةَ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-« إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا ».صحيح مسلم

      وها هو الرسول صلى الله عليه وسلم يصف حال القوم وأترك لكم الحكم.
      حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ - يَعْنِى ابْنَ حَازِمٍ - حَدَّثَنَا غَيْلاَنُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِى قَيْسِ بْنِ رِيَاحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ« مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِى يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلاَ يَتَحَاشَ مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلاَ يَفِى لِذِى عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّى وَلَسْتُ مِنْهُ ». صحيح مسلم
      فمن الذي خرج من الطاعة؟ من هو مفارق الجماعة؟ من الذي قتل المسلمين دون التفريق بين بر وفاجر؟ ومن الذي قتل المعاهدين بحجة أن بلادهم بلاد حرب؟ من الذي حمل علينا السلاح؟ وقد قال فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم« مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا » صحيح البخاري
      وما أن حدثت تفجيرات الرياض الأخيرة حتى سارع القوم بالبرأة منها إلا من من الله عليه بالهداية أمثال الشيخ(الخضير و الأحمد) أسئل الله لهم الثبات على الحق وماكان رجوعهم إلى الحق إلا لما رأوا من آثار فتاواهم التكفيرية سابقا.
      وقد تناقشت سابقا مع أحد الإخوة الأفاضل أسئل الله له الهداية وقال ما معناه أنه يؤيد تكفير الحكام لكنه لا يؤيد التكفير العام.
      أقول له حفظك الله أنت بهذا تناقض نفسك كأنك نسيت أو تناسيت سلسلة التكفير وهي أن من لم يكفر من كفره الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقد كفر.
      فلو صدر من الحكام الكفر البواح فكل من لم يكفرهم من الشعب فقد كفر.
      فإذا كنت ترى كفر الحاكم فأنت تكفر كل من لم يكفره من الشعب ومن هذه النقطة إستحل أذناب الخوارج دماء المسلمين وأموالهم وقاموا بتفجير أنفسهم وقتل المسلمين وبذلك دخلوا تحت قول المصطفى صلى الله عليه وسلم « وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِى يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلاَ يَتَحَاشَ مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلاَ يَفِى لِذِى عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّى وَلَسْتُ مِنْهُ»وقد أفضوا إلى ماقدموا فأمرهم إلى الله.

      والمتتبع لتاريخ الإسلام يجد أنه لم يكن هناك خروج على حاكم إلا كان من الفتن ماهو أعظم بدأ من الخروج على عثمان بن عفان الذي إنتهى بمقتله رضي الله عنه وا تسبب ذلك في تقسيم الأمة إلى أربع فرق أولاهم كانت فرقة علي بن أبي طالب رضي الله عنه والفرقة الثانية كان فيه طلحة والزبير وعائشة رضوان الله عليهم أجمعين وفرقة ثالثة كانت بقيادة معاوية ابن أبي سفيان والفرقة الرابعة من أعتزل تلك الفتن.
      ومن جراء الخروج على عثمان بن عفان رضي الله عنه توالت الأحداث وخرج جزء من جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه فئة باغية ظالمة هي ماتسمى بالخوارج أو الحرورية وكان من نتاج هذه الفتن مقتل خيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الزبير بن عوام,عماربن ياسر,وكان المصاب الأعظم في مقتل علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين.
      وهدأت الأمور بعد تنازل الحسن بن علي رضي الله عنه بالخلافة لمعاوية رضي الله عنه وعادت ثورتها من جديد بعد وفاة معاوية وتولي أبنه يزيد الخلافة وخروج الحسين بن علي رضي الله عنه ومن مصائب هذه الفتنة مقتل حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
      وبموت يزيد قامت فتنة أخرى حيث بويع لخليفتين عبدالله بن الزبير رضي الله عنه بمكة والمدينة وعبدالملك بن مروان بالشام ومن ثم بويع له في مصر.
      وأتت هذه الفتنة بمصائب عظام أستحلت مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ورميت الكعبة بالمنجنيق من قبل الفاجر الحجاج بن يوسف الثقفي وقتل فيها عبدالله بن الزبير رضي الله عنه.
      ومن هذه الفتنة إنبثقت فتنة أخرى حيث خرج على الوالي أمير سجستان أنا ذاك عبدالرحمن ابن الأشعث غاضبا لإستحلال الكعبة ومدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام معه مجموعة كبيرة من علماء المسلمين أنتهت بمقتل أغلبهم على يد الفاجرالحجاج ومن أبرزهم سعيد بن جبير.
      كما أن القاريء للتاريخ يجد أنه لم يقتل أحد من آل الخطاب في هذه الفتنة وذلك لقيام عبدالله بن عمر رضي الله عنهما فيهم ونهيهم عن المشاركة فيها.
      كل ماسبق من فتن تفرع بسبب الخروج على عثمان بن عفان رضي الله فأي فائدة يرجوها دعاة الخروج على الحكام والقرآن بين أيدينا يكاد أن لا تخلوا سورة منه إلا وفيها أمر بأن نعتبر بمن سبقنا فهل من معتبر؟

      وما أحداث العراق ببعيدة عنا ولا ما يحدث في الجزائر بغائب عن أعيننا وما استبيحت فيه من دماء فهل من مجيب لله عن هذه الدماء التي سفكت.

      وهاهم أحفاد الخوارج اليوم يعيثون فسادا في أرض الحرمين يروعون أمن الحاج والمواطن لا يعدون لحرمة البيت إعتبار.
      يقول تعالى:"وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ"

      " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ"

      ومن الذي أباح لهم الحرم؟
      حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنِى اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِى سَعِيدٌ عَنْ أَبِى شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهْوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ ائْذَنْ لِى أَيُّهَا الأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلاً قَامَ بِهِ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ ، سَمِعَتْهُ أُذُنَاىَ وَوَعَاهُ قَلْبِى ، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَاىَ ، حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ ، حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ « إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ ، فَلاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا ، وَلاَ يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً ، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا فَقُولُوا إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ . وَإِنَّمَا أَذِنَ لِى فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ، ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ ، وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ » . فَقِيلَ لأَبِى شُرَيْحٍ مَا قَالَ عَمْرٌو قَالَ أَنَا أَعْلَمُ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ ، لاَ يُعِيذُ عَاصِيًا ، وَلاَ فَارًّا بِدَمٍ ، وَلاَ فَارًّا بِخَرْبَةٍ .صحيح البخاري
      الخربة بمعنى العيب والمراد بها الذي يفر إلى الحرم وقد فعل مالا يجيزه الشرع
      ومن أباح لهم دماء المسلمين؟
      حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ حَدَّثَنَا دَاوُدُ - يَعْنِى ابْنَ قَيْسٍ - عَنْ أَبِى سَعِيدٍ مَوْلَى عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا ». وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ « بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ».صحيح مسلم

      كما سارع القوم إلى تجهيل وتسفيه من خالفهم الرأي ووصل ببعضهم حد التكفير لمخالفيهم وعلى رأسهم الشيخين الجليلين عبد العزيز بن باز والشيخ محمد العثيمين رحمهم الله وإتهمهم بأنهم علماء سلطان.
      أقول له إتقي الله واحذر يوم العرض على الله يوم لا ينفع مال ولا بنون إذا كنت من العلماء الذين يستطيعون تمييز أخطائهم فهذه ليست الطريقة الصحيحة وليس هذا منهج السلف في الرد على المخطيء.
      وعلى أي أساس أفتيت بأنهم من علماء السلطان هل شققت عما في صدورهم ورأيت أنهم قالوا ماقالوا إرضاء للسلطان أم راعك أنهم خالفوك الرأي فيما ذهبت إليه؟
      وإذا كانوا مخطئين في مخالفتهم إياك فأين حسن الظن بأخيك المسلم؟
      يقول تعالى:"لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ"
      "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ"


      وإذا كنت كما تقول أنك من العلماء أو من طلبة العلم الذين ثنوا ركبهم عند العلماء ألم تجد لهم أي من الأعذار التي يعذر بها العالم إذا خالف الدليل؟
      ألم تجد لهم أي عذرغير أن تلصق بهم لفظ علماء السلطان؟
      يقول الشافعي رحمه الله "جد لأخيك سبعين عذرا فإن لم تجد له عذرا فقل لعل هناك عذرا لا أعرفه" أو كما قال رحمه الله.

      يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:"ليس العاقل من يعرف الخير من الشر ولكن العاقل من يعرف خير الخيرين وشر الشرين"
      وكان هذا واضحا جليا في حياة الشيخين الجليلين رحمهما الله وأذكر مثال لكل منهما.

      نقلا عن الشيخ عائض بن عبدالله القرني حفظه الله وفي شريط بعنوان( موعد مع الملك ) يقول حدثنا من نثق بعلمه أن فريقا طبيا ذهب إلى فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله يستفتونه في الميت دماغيا الذي لا يرجى شفائه هل يجوز أن تنزع عنه الأجهزة الطبية حتى يموت؟
      سألهم الشيخ هل يستطيع أن يقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر ؟
      أجابوا قد يستطيع ذلك.
      قال لعلها تثقل الميزان وانهد يبكي رحمه الله ولم يفتهم بجواز ذلك.
      الشاهد:قد يكون في موت هذا المريض الكثير من المصالح مثل حاجة مريض آخر لهذه الأجهزة ولكن الشيخ نظر إلى المصلحة العظمى وهي لعل تسبيحة يلفظ بها هذا المريض ترجح ميزانه يوم القيامة فرحم الله شيخنا الفاضل وأسكنه فسيح جناته وجمعنا به في جنات النعيم.

      ومن المسائل المعلومة عند طلبة العلم ولا يحضرني إسم الشريط وذلك قبل ثلاثة عشر سنة حضر بعض الإخوة من الجزائر يستفتون الشيخ الفاضل محمد صالح العثيمين في المظاهرات والإعتصامات فأفتى بعدم الجواز وأن هذا من الخروج عن الطاعة فقالوا له يشيخ هذه مظاهرات سلمية لن يحمل فيها العصي فضلا عن السلاح كل مافيه أننا سنتجمع في الطرقات ونرفع اللافتات.
      أجاب رحمه الله إذا لم يكن هذا خروج فسيؤدي إلى الخروج.

      وذهبوا إلى بعض المفتونين الذي يعيش في بريطانيا بعد أن لم يجدوا سبيل عند الشيخ اللألباني رحمه الله أيضا وأفتاهم هذا الذي يعيش في بريطانيا بجوازها واستشهد في ذلك بحديث ضعيف عند أهل العلم وكان من حصاد فتواه مايعيشه إخواننا في الجزائر من قتل وسلب بدعوى الجهاد.

      واما ماستشهد به قوم بأقوال وكتابة المقدسي فلاتعدوا أقوال للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه أولها على هواه على طريقة المنتسبين للشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله الذين كان له قصب السبق في تكفيرهم وذلك في رسالته الشهيرة( تحذير البرية من ضلالات الفرقة الجامية والمدخلية للمقدسي ) فما باله يرد عليهم ويكفرهم من ثم يحاكي أسلوبهم.
      وقد لفت إنتباهي بعض الإخوة الذي هو بعيد كل البعد عن الساحة العلمية في السعودية ولكنه يجوب النت بحث عما يؤيد أفكاره دون تثبت من صحتها:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ"وقد خيرنا البعض بين موالاة الله أو موالاة الحكام؟
      أقول له إعلم هداك الله ورعاك أن ولائنا لله دائما وأبدا وإذا كنت من الباحثين عن الحق أترك ماتتجه إليه من منتديات مشبوهة تأتينا منها بالشواذ من الأحكام واتجه إلى كتب أهل العلم وإذا لم تثق بأحد من العلماء المعاصرين توجه إلى كتب ابن القيم وابن تيمية وغيرهم من علماء الإسلام وإذا لم تكن متوفرة لديكم في بلاد الشام أنا مستعد كامل الإستعداد لإيصالها إليك.
      أما الولاء والبراء فكما يقول علماء الإسلام فإنها على نوعين ولاء عملي غير مخرج من الملة ودليله في قصة حاطب ابن أبي بلتعة وولاء إعتقادي مخرج من الملة.

      حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ قَالَ أَخْبَرَنِى حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى رَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا - رضى الله عنه - يَقُولُ بَعَثَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ قَالَ « انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً وَمَعَهَا كِتَابٌ ، فَخُذُوهُ مِنْهَا » . فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا أَخْرِجِى الْكِتَابَ . فَقَالَتْ مَا مَعِى مِنْ كِتَابٍ . فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ . فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا ، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِى بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا حَاطِبُ ، مَا هَذَا » . قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لاَ تَعْجَلْ عَلَىَّ ، إِنِّى كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِى قُرَيْشٍ ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا ، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ ، يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِى ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِى ، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا وَلاَ رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَقَدْ صَدَقَكُمْ » . قَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِى أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ . قَالَ « إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ » . قَالَ سُفْيَانُ وَأَىُّ إِسْنَادٍ هَذَا . صحيح البخاري

      ولو كان ماقام به حاطب رضي الله عنه في موالاته لقريش من الكفر المخرج من الملة لا استتابه الرسول صلى الله عليه وسلم إستتابة المرتد.
      متى يكون الولاء مخرج من الملة إذن؟
      يكون مخرجا من الملة لوكان رده حين سئل عن فعله بأنه يرى أن قريش أقرب الى نفسه من المسلمين أو أي شيء يظهر ولا ئه لقريش دون عن المسلمين.

      كما أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان حريص كل الحرص على أن يعلمنا أن نأخذ بالظاهر ونكل السرائر إلى الله عز وجل وكان ذلك جليا في المخلفين في غزوة تبوك عندما تعذر أهل النفاق بأعذارهم وكل أمر ضمائرهم إلى الله وعاملهم باظاهر ولما جاء الثلاثة المؤمنين وأظهروا مافي بواطنهم حاسبهم بها وقد علم صلى اللله عليه وسلم بكذب المنافقين وذلك لقوله لأهل الإيمان "أما هذا فقد صدق" فلماذا لم يكفر الذين تعذروا له كذبا وهو يعلم أنهم كاذبين؟

      في الختام أسئل الله العلي القدير رب العرش الكريم أن يهدي ضال المسلمين ويرده إلى الحق ردا جميل أنه ولي ذلك والقادر عليه وأن يتم على البلاد الإسلامية نعمة الأمن والأمان وأن يصلح ولاة أمورنا ويرزقهم البطانة الصالحة الناصرة على الحق.
    • انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرىء ما نوى ان كان هدف الاعلام والصحافه وغيرها ابعاد المسلمين وتشكيكهم بالدين فلن يكون لهم ما ابدوا به لغير شرع الله وكل امرىء يبتلى بحسب ايمانه فربما يكون ما اتى في عصرنا اليوم نوع من الابتلاء لسائر الخلق وجد لمقياس الايمان بين البشر
      جزاك الله خيرا
    • بارك الله فيك أختي وشكر الله لك المرور والتعقيب.
      مما لا شك فيه أن كل ما يمر بالمسلم هم من البلاء بداء من نزول آدم عليه السلام من الجنة إلى يوم القيامة ومن أول الأهداف وأسماها للمسلم هو عبادة الله ودعوة العباد إلى عبادة رب العباد ويتضح ذلك جليا لما سئل ملك الروم ربعي بن عامر عن سبب خروجهم من الصحراء والقدوم لغزو الروم فأجاب (نحن قوم إبتعثنا الله لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد) والأيات والأحاديث في هذا المعنى كثير فواجب كل مسلم الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن أكبر المنكرات التي نوجهها اليوم حرب الدين من الطائفتين التي سبق ذكرها ويجب علينا محاربة هذا الفكر الضال قبل أن يتفشى في المجتمع.
      أسئل الله العلي القدير أن يوفقني وإياكم لكل مايحبه ويرضاه.