التفكير بصوت مقروء .. على هامش لغة ال"أووو ... وي"

    • التفكير بصوت مقروء .. على هامش لغة ال"أووو ... وي"

      كان صوت المظيفة الفرنسية - يشرح لنا - عبر النظام الصوتي للطائرة .. كيف نربط الحزام .. ونستعمل قناع الاكسجين ونرتدي سترة النجاة .. وغير ذلك من التعليمات الروتينية التي حفظها معظمنا ... من كثرة التكرار ..
      ولفت انتباهي الصوت الرخيم .. يسبح - منغما- في اجواء الطائرة واستغرقني - اكثر ما استغرقني- حرف "الراء" الفرنسي وهو ينحدر مشبعا بـ " الغين " على نحو يتقنه الفرنسيون وحدهم .. ولكنه لا يسمع .. اجمل او اعذب .. إلا عندما تتدلل به الانثى الفرنسية .. وتتيه به على إناث الارض جميعهن .
      - ولا اريد ان يصرفكم هذا التمهيد البسيط .. البريء .. فتحسبون انني اتخذ من حرف "الراء " .. ذريعة ومدخلا الى التغزل .. بالنعومة الفرنسية .. لان تلك النعومة -كما اظن - لا تحتاج الى مداخلة من حروف الهجاء للحديث عنها فالتقاليد المخملية المعطرة في المجتمع الفرنسي .. اصبحت "فولكلورا" عالميا .. ورومانسيات الشعر الفرنسي ..الهبت مخيلات كثير من الوالهين .. لكنني -اعترف لكم - بان تلك "الراء" الغارقة حتى اذنيها في "الغين" والذائبة فيها حتى النخاع - اثارت في ذهني بعض التساؤلات عن الشعوب والحروف . فانا لا استطيع ان افكر في الفرنسيين دون ان تتسلل"الراء" الغائية الى تفكيري . ولعل المفتش البوليسي الحاد الذكاء
      " كروزو " بطل افلام الـ "بينك بانثر" قد وضع يده على مفتاح الشخصية الفرنسية .. عندما كان يصر دائما على موظف الاستقبال في الفندق ان يسهل له الحصول على "غووم" بدلا من "رووم" ..

      هذه "الراء" الغائية .. تجعل الفرنسية -في نظري - لغة مناسبة للشفاه الانثوية فقط لانها تبدو لاذني .. كهراوة غليظة عندما ينطقها الرجل الفرنسي ...
      وتنعكس غلظة النطق الرجالي للحروف الفرنسية على وجوههم فتبدو " براطمهم" ممدودة وأوداجهم منتفخة وعيونهم ضيقة .. ومسحوبة الى الداخل ، وصدورهم مرتفعة .. وبارزة ..
      ويخطر لي - احيانا- بانه من الصعب على الرجل الفرنسي ان يتحدث الفرنسية .. ويبتسم في آن واحد لان ذلك يوقع عضلات وجهه في تناقض كبير .. فالرجل الفرنسي الذي يتحدث الفرنسية يبدو ك"ديك" متأهب للعراك ..

      بل وقد خطر لي - ايضا - ان نصف مآسي الثورة الفرنسية .. كان سببها .. ان الرجال الفرنسيين كانوا يتحدثون الفرنسية الى بعضهم .. الامر الذي اثار حفيظتهم .. وألهب مشاعرهم .. وخلق فجوة عاطفية كبيرة بينهم .. و "دانتون" و"روبسبير" و"اليعاقبة " كانوا يقضون اوقاتا طويلة يخطبون ويهتفون مستعملين كميات كبيرة من "الراء" الفرنسية .. الرجالية الغليظة .. وقدرا لا باس به من "التبويز" والتكشير الممتزج بحروف المط والمواء الفرنسية الشهيرة .. حتى حولوا الثورة الفرنسية الى قطة متوحشة .. راحت تموء بحروف الهجاء الفرنسية كلها زز حتى توترت اعصابها .. فالتهمتهم جميعا ..

      ولكي لا يتهمني احد بالتحيز ضد اللغة الفرنسية فأفقد – بذلك – بعض اصدقاء اييفل .. اسمحو لي .. ان اقول ان الخاء الالمانية ... المصاحبة للراء والنون " آخن – بريخت – براخن ... الخ " تجعل اللغة الالمانبة في نظري سببا من اسباب فقدان الشهية .فالألمان يطيرون بك مع حرف الخاء .. والراء والشين ثم يهبطون بك هبوطا اضطراريا ... مزعجا على ححرف " النون " الذي يصنعونه في مكان ما بين ألسنتهم وأسنانهم ويمررونه الى العالم الخارجي عبر قناة سرية تقع في منطقة مجهولة بين اذقانهم ... وانوفهم ... فتسمع له صرير الابواب ذات المفاصل الصدئة .. ان الحرف الالماني – في نظري – حرف رجالي عسكري فلسفي – لا يليق بالانثى الناعمة ان تضبط متلبسة وهي تنطق به ...

      لقد نجح الرجل الالماني – عبر تاريخه اللغوي في ان يستثني الانثى الالمانية من مخارج الحروف المتحضرة الناعمة وان ينفيها الى "سيبيريا" لغوية قاحلة ... ولذلك لا استغرب ان يفضلها البعض صامته .. لانها ان نطقت تحولت الى مسترجلة فلا تنال التقدير الذي يؤهلها له جمالها ... الواثق .. البسيط .. الواضح المعالم ..

      ولا تحضر الشخصية الروسية الى ذهني دون ان يحضر معها حرف "راء" متهدجا واضحا .. ينطلق كالقذيفة .. تتبعه سلسلة من حروف "الواو" الدخانية ... ليستقر في صدر "فاء" ملتهبة " ساخارووف –اندروبوف- جوربتشوف – بوبيكووف -.... الخ و"الراء" الروسية راء حاروية استفزازية .. تنطق امامك فتشعر كأن حفنة من تراب قد نثرت في وجهك لتحفزك الى العراك .. وهي ايضا راء ملحة مصرة ..لاتدعك وشانك وتأتي تلك الراء الاستفزازية .. فتبدو لائقة جدا ل"الرجل الروسي " .. ذي الكرش المنتفخة .. والرأس الصلعاء المتكورة .. فثمة انسجام كبير بين الحرف والرجال لكن استفزازية الراء الروسية تنعكس عن الانثى الروسية عندما تنطق بها فتعطيك انطباعا عن جمال غجري .. ثائر متوحش في حاجة ماسة الى الترويض ..

      اما الراء الانجليزية فهي اكذوبة كبرى .. وسلاح انجليزي لئيم في نفس الوقت ...
      اما انها اكذوبة كبرى فلا تكاد تبين في النطق الانجليزي المعروف .. رغم اصرارهم على وجودها وعلى انهم يبذلون لها الاحترام الواجب .. واما انها سلاح خبيث فلانهم يستخدمونها بفعالية لاحراج الاجنبي واغاظته والتمييز بينه وبين المواطن فمهما كان عمق ثقافتك الانجليزية واتقانك للحرف الانجليزي فسيضبطونك .. ايضا متلبسا بسرقتها او اغتيالها فاتت مع الراء الانجليزية .. مهزوم دائما .. نطقت بها .. اولم تنطق تنطق
      والانجليز هم الذين طوروا طريقة الكلام من الانف وجعلوها فنا عاليا .. ينفردون به عن سائر مخلوقات الله الناطقة ...
      وبالطبع فان عادة الحديث من الانف عندهم عادة موروثة عن عصور السيطرة الاستعمارية .. عندما كان البريطانيون لايتحدثون من انوفهم فحسب بل .. وينظرون الى العالم كله .. من اطراف تلك الانوف ..

      ولا اريد ان اسهب فاتحدث عن سيطرة التاء الايطالية المشددة او ان افضح عجزي التام عن التعرف على حروف اليابانية او الصينية او الكورية ولكنني اجدها فرصة سانحة للتعبير عن تعصبي الشديد للغة العربية
      هذه هي اللغة الشاعرة يقف "الضاد" في ساحتها .. شامخا .. متحديا .. لكنه مع ذلك لايحتكرها ولا يستبد بها او يستأثر دون الحروف الاخرى التي تتراقص أنغامها على اللسان العربي في تناسق بديع ...

      انها اللغة التي يتحدث بها بها الرجال فيكون اكثر رجولة وتنطق بها المرأة فتكون اكثر انوثة ويتحدث الانسان بها على وجه العموم فلا يدع مخرجا من مخارج الحروف الا وقد وفاه حقه واعطاه نصيبه دون تقتير او اسراف

      لعلكم تشعرون معي بالامتنان لصوت المضيفة الفرنسية الذي اثار في نفسي مشاعر العشق الدفين الى الحرف العربي المجيد ...
    • العزيزة ملاذ ..
      اشكرك على تواصلك الجميل

      الحقيقة انه الراء دائما تسحبنا الى عوالم من الوله احيانا وتجرنا الى عوالم من الفكر وغالبا ما نجدها تقفز بنا الى ارهاصات تصارعها شفاه انثوية واخرى تتصلب وتقف متجمد على براطم ذكرية ... فهي تكاد تكون فلسفة لغز لا تجرد الى حس مرهف ينتقيها من كل تلك الاشياء ...

      اشكرك مرة اخرى ..