هل عند العمانيين رهبة إجتماعية و لماذا؟

    • هل عند العمانيين رهبة إجتماعية و لماذا؟

      ربما التطور الحضاري للشعوب و خصوصا إذا كان مبنيا على المادية كما هو الحال الذي نعيشه في الوقت المعاصر، يأثر تأثيرا مباشرا في عمق الروابط الأجتماعية بين أفراد المجتمع المدني. ويتفاوت عمق الترابط بأختلاف الطبقة الأجتماعية و الثقافية و المادية بين أفراد المجتمع الواحد.

      ولكن و من خلال معايشتي لأبناء هذا الوطن في الداخل، ومن خلال السنوات التي قضيتها في الغربة ، لاحظت أمرا يكاد يتميز به العمانيون أكثر من غيرهم و هو التحفظ في العلاقات الأجتماعية او ما يسمى بالرهبة الأجتماعية و خصوصا بين أفراد الطبقة المتوسطة الدخل في المجتمع.
      فبمقارنة سريعة مع بعض الشعوب القريبة منا مثل العائلات الهندية او المصرية او حتى الأقرب من ذلك كالبحرينية، لوجدت أن هذه العائلات أكثر تداخلا و أنفتاحا و تعاونا فيما بينهم و الأقل تحفظ و تكلف إجتماعي. وفي المقابل تلاحظ أن العائلات العمانية ، وحتى في الغربة ورغم قلة عددهم ، الأكثر تحفظا و تكلفا بين بعضهم البعض. وهذا الأمر قد ينطبق على بعض الطلبة و لكن بدرجة تقل كثيرا عن العوائل.
      وأكثر ما شد أنتباهي هو أن درجة التحفظ و التكلف تقل نوعا ما إذا كان الضيف او المضيف من جنسيات أخرى بغض النظر عن نوع الجنسية, و لهذا أسباب سنذكرها فيما بعد.

      وفي ضوء ملاحظاتي، يبدو أن هناك أكثر من عامل قد يؤدي الى هذه الرهبة الأجتماعية، و في غياب دراسة تفصيلية فأني أرجع هذه الظاهرة الى العوامل التالية:
      بعض العادات و التقاليد القديمة او المستحدثة أصبحت تشكل عبء إقتصادي و تستهلك الكثير من وقت رب و ربة الأسرة. وكون بعض هذه العادات أصبح عرف إجتماعي شبه مؤكد ، جعل بعض العائلات الأتجاه نحو الأنغلاق الأجتماعي، او حتى بالهروب تحت تبريرات السياحة كما هو الحال في الأعياد...
      فمن هذه العادات مثلا، هي عادة الذبح للضيف القادم من خارج المدينة، فمع تغير الأحوال و ظروف و طرق المعيشة، و مع ضيق الوقت و الأنشغال بالأعمال الخاصة، جعلت كلا من الطرفين سواء الضيف او المضيف محاولة تفادي الموضوع قدر المستطاع.... فالصديق قد يمتنع عن زيارة صديقه عند تواجده في البلده وذلك لعدم إحراج صديقه وربما تكليفه أكثر من طاقته....و المضيف قد يتفادى ذلك بسبب مشاغله العائلية او الخاصة وقت الزيارة او ببساطة لعدم توفر الذبيحة او غيرها من الأسباب الأخرى.

      ومن الأمور الأخرى هو كون المجتمع العماني هو مجتمع قبلي، و العمانيون يعتزون كثيرا بقبائلهم، و الظهور بمستوى مادي مقبول هو تعزيز للمكانة الأجتماعية (حسب تفكير البعض)، فترى الشخص يكلف نفسه فوق طاقتها قبيل حضور ضيفه من محاولة تزيين البيت و شراء الديكور و الكماليات حتى يظهر المضيف بصورة توازي او تفوق ضيفه. لهذا أصبحت الزيارات الأجتماعية عبئا على صاحب البيت و حتى الضيف ،بدلا أن تكون وسيلة للتواصل و التراحم.

      ومن الأمور التي قد تنفر البعض من التواصل مع أصدقائه و استقبالهم في بيته بصفة مستمرة هو سطحية تفكير بعض الأصدقاء او الضيوف بكثرة السؤال و اللألحاح فيه عن بعض المسائل الخاصة في البيت ، كالسؤال عن عمل الزوجة و كيفية التأقلم ، مع تكرار النقد، كذلك السؤال عن أسعار الأثاث و الديكور، فأذا كان السعر قليلا كان صاحب البيت بخيلا ، وإذا كان السعر باهظا كان صاحب البيت بطراننا، وهكذا....

      ومن الأسباب، وأن كنت أظن أن لها تأثير أقل، هو مبالغة بعض العائلات في مسألة التحفظ الديني خصوصا عند أصطحاب زوجاتهم، فبعض الأزواج وحتى و أن كان حاضرا مع وزجته، و كانت زوجته ملتزمة بالزي الأسلامي المحتشم، تراه مترددا و مرتبكا من أن يرى صديقه او مضيفه زوجته و لو لحظة دخولها البيت متجهة الى مجلس النساء. حيث أن فكرة الجلوس في مجلس واحد و لو بشكل منفصل مرفوضة بتاتاعند بعض الأزواج و أن كان المضيف من أعز أصدقائه او حتى أحد أقاربه.


      الأسباب المذكورة أعلاه يمكن أن نطلق عليها بالتوقعات الأجتماعية حسب العرف الأجتماعي العماني. وهذه التوقعات تشكل بعضها ضغوطا إجتماعية عند الكثير من العمانيين......وهذا يفسر تراجع شدة التحفظ عندما يكون الصديق او الضيف غير عماني، وذلك لأن التوقعات الأجتماعية عند الأجنبي قد تختلف تماما عنها عند العماني.... فالضيف الأجنبي ، وعلى سبيل المثال، لا يتوقع من مضيفه العماني أن يذبح له شاة من النوع البلدي، كلما زاره في بيته، و أن يحتفظ بالرأس كرمز و أختبار لقبلية ضيفه...بل قد يكتفي الضيف بكوب من الشاي او القهوة مما يوفر الوقت و العناء على صاحب البيت و ليس بالضرورة المال هو المقصود هنا.

      ومعي تأكيدي أن هذا الأمر قد لا ينطبق على جميع العمانيين الا أنه موجود عند شريحة عريضة في المجتمع.
      ومع طرحنا لبعض الأسباب لا بد لنا أن نتطرق لبعض الحلول لهذه الظاهرة.
      وفي رأي أن أهم الحلول هو التغلب على الحاجز النفسي المقرون بالمظاهر و بعض العادات التي لا يقرها الشرع و أنما هي نتاج عوامل ثقافية غير سليمة و مغلوطة.

      أما بالنسبة الى المبالغة في التحفظ و التكلف تحت ذريعة الشرع و الدين ، فأني و حتى لا أتهم بالتشجيع على التحرر، أترك ذلك الى أهل الفقه لتحديد حدود وواجبات المرأة في حالة زيارة او أستقبال ألأصدقاء و الأقارب و حدود الأختلاط و غيرها من الأمور.

      وفي النهاية هذا الموضوع هو أجتهاد شخصي بدافع تقوية الروابط الأجتماعية بشكل سليم و مبسط و بعيد عن التكلف المصطنع او العادات الوضعية...و ما جاء في الموضوع ليس بالضرورة حقيقة مسلم بها ، بل أمر قابل للنقاش و الحوار وهذا ما ارجوه منكم.