((( هجرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم )))))

    • ((( هجرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم )))))

      بسم الله الرحمن الرحيم
      الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب اليه ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله ، ارسله الله تعالى بالهدى ودين الحق فبلغ الرسالة وادى الامانة ونصح الامة وجاهد في الله حق جهاده حتى اتاه اليقين وترك امته على محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك ؛ بين ماتحتاجه الامة في جميع شئونها 0 اما بعد : ولما تم اتخاذ القرار الغاشم بقتل النبي صلى الله عليه وسلم نزل اليه جبريل بوحي ربه تبارك وتعالى ، فاخبره بمؤامرة قريش ، وان الله قد اذن له في الخروج ، وحدد له وقت الهجرة قائلا : لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه 0
      وذهب النبي صلى الله عليه وسلم في الهاجرة الى ابي بكر رضي الله عنه ؛ ليبرم معه مراحل الهجرة ، قالت عائشة رضي الله عنها : بينما نحن جلوس في بيت ابي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لابي بكر هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعا ، في ساعة لم يكن ياتينا فيها ، فقال ابو بكر : فدا له ابي وامي ، والله ماجاء به في هذه الساعة الا امر 0

      قالت : فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاذن ، فاذن له
      فدخل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لابي بكر : (( اخرج من عندك ))0 فقال ابوبكر : انما هم اهلك ، بابي انت يارسول الله 0 قال : (( فاني قد اذن لى في الخروج )) ، فقال ابوبكر : الصحبة بابي انت يارسول الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( نعم )) 0

      وبعد ابرام خطة الهجرة رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بيته ، ينتظر مجيء الليل 0

      نكمل ان شاء الله تعالى 0
    • تطويق منزل الرسول صلى الله عليه وسلم :

      اما اكابر مجرمي قريش فقضوا نهارهم في الاعداد
      لتنفيذ الخطة المرسومة التي ابرمها برلمان مكة
      ( دار الندوة ) صباحا ، واختير لذلك احد عشر رئيسا
      من هؤلاء الا كابر ، وهم : 1/ ابو جهل بن هشام 0
      2/ الحكم بن ابي العاص 0 3/ عقبة بن ابي معيط 0
      4/ النضر بن الحارث 0 5/ امية بن خلف 0 6/زمعة بن الاسود0
      7/ طعيمة بن عدي 0 8/ ابو لهب 0 9/ ابي بن خلف 0 10/نبيه
      بن الحجاج 0 11/ اخوه منبه بن الحجاج 0

      قال ابن اسحاق : فلما كانت عتمة الليل اجتمعوا على بابه
      يرصدونه متى نام ، فيثبون عليه 0

      وكانوا على ثقة ويقين جازم من نجاح هذه المؤامرة الدنية
      ، حتى وقف ابو جهل وقفة الزهو والخيلاء وقال مخاطبا لاصحابه
      المطوقين في سخرية واستهزاء ، وهذا موجود في وقتنا حالى
      السخرية والاستهزاء ، اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وقال
      ابو جهل : ان محمدا يزعم انكم ان تابعتموه على امره كنتم 0

      نكمل ان شاء الله تعالى 0
      ملوك العرب والعجم ، ثم بعثتم من بعد موتكم ، فجعلت لكم
      جنان كجنان الاردن ، وان لم تفعلوا كان له فيكم ذبح ، ثم
      بعثتم من بعد موتكم ، ثم جعلت لكم نارا تحرقون فيها 0

      وقد كان ميعاد تنفيذ تلك المؤامرة بعد منتصف الليل ، فباتوا متيقظين ينتظرون ساعة الصفر ، ولكن الله غالب على
      امره ، بيده ملكوت السماوات والارض ، يفعل مايشاء وهويجير
      ولا يجار عليه ، فقد فعل ماخاطب به الرسول صلى الله عليه وسلم فيما بعد : (( واذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك او يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ))
    • --------------------------------------------------------------------------------

      الرسول صلى الله عليه وسلم - يغادر بيته :
      ومع غاية استعداد قريش لتنفيذ خطتهم فقد فشلوا فشلا
      فاحشا 0 ففي هذه الساعة الحرجة قال رسول الله صلى الله
      عليه وسلم لعلي بن ابي طالب رضي الله عنه : نم على
      فراشي ، وتسج ببردي هذا الحضرمي الاخضر ، فنم فيه ،
      فانه لن يخلص اليك شيء تكرهه منهم ، وكان رسول الله
      صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك اذا نام 0

      ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واخترق صفوهم ،
      واخذ حفنة من البطحاء فجعل يذره على رؤوسهم ، وقد
      اخذ الله ابصارهم عنه فلا يرونه ، وهو يتلو : (( وجعلنا
      من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا فاغشيناهم فهم
      لا يبصرون )) 0 فلم يبق منهم رجل الا وقد وضع على راسه
      ترابا ، ومضى الى بيت ابي بكر ، فخرجا من خوخة في دار
      ابي بكر ليلا حتى لحقا بغار ثور في اتجاه اليمن 0

      وبقي المحاصرون ينتظرون حلول ساعة الصفر ، وقبيل حلولها
      تجلت لهم الخيبة والفشل ، فقد جاءهم رجل ممن لم يكن معهم
      ، ورآهم ببابه فقال : ماتنظرون ؟ قالوا محمدا 0 قال :
      خبتم وخسرتم ، قد والله مر بكم ، وذر على رؤوسكم التراب ،
      وانطلق لحاجته ، قالوا والله ماابصرناه ، وقاموا ينفضون
      التراب عن رؤوسهم 0
      ولكنهم تطلعوا من صير الباب فراوا عليا ، فقالوا والله ان
      هذا لمحمد نائما ، عليه برده ، فلم يبرحوا كذلك حتى اصبحوا 0 وقام علي عن الفراش ، فسقط في ايديهم ، وسالوه
      عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : لا علم لي به
    • من الدار الى الغار :
      غادر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته ليلة 27 من شهر
      صفر سنة 14 من النبوة الموافق 12/13 سبتمبر سنة622 م 0
      واتى الى دار رفيقه - وامن الناس عليه في صحبته وماله -
      ابي بكر رضي الله عنه 0 ثم غادرا منزل الاخير من باب خلفي
      ، ليخرجا من مكة على عجل ، وقبل ان يطلع الفجر 0

      ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ان قريشا ستجد في
      الطلب ، وان الطريق الذي ستتجه اليه الانظار لاول وهلة هو
      طريق المدينة الرئيسي المتجه شمالا ، فقد سلك الطريق الذي
      يضاده تماما ، وهو الطريق الواقع جنوب مكة ، والمتجه نحو
      اليمن 0 سلك هذا الطريق نحو خمسة اميال ، حتى بلغ الى جبل
      يعرف بجبل ثور ، وهذا جبل شامخ ، وعر الطريق ، صعب المرتقى ، ذو احجار كثيرة ، فخفيت قدما رسول الله صلى الله
      عليه وسلم ، وقيل : بل كان يمشي في الطريق على اطراف قدميه كي يخفي اثره فحفيت قدماه ، وايا ماكان ؛ فقد حمله
      ابوبكر حين بلغ الى الجبل ، وطفق يشتد حتى انتهى به الى
      غار في قمة الجبل ، عرف في التاريخ بغار ثور 0
    • اذهما في الغار :

      ولما انتهيا الى الغار قال ابوبكر : والله لا تدخله
      حتى ادخله قبلك ، فان كان فيه شيء اصابني دونك ،
      فدخل فكسحه ، ووجد في جانبه ثقبا فشق ازاره وسدها به
      ، وبقي منها اثنان فالقمهما رجليه ، ثم قال لرسول الله
      صلى الله عليه وسلم : ادخل 0 فدخل رسول الله صلى الله عليه
      وسلم ، ووضع راسه في حجره ونام ، فلدغ ابو بكر في رجله
      من الحجر ، ولم يتحرك مخافة ان ينتبه رسول الله صلى الله
      عليه وسلم ، فسقطت دموعه على وجه رسول الله صلى الله عليه
      وسلم ، فقال : مالك ياابابكر ؟ قال لدغت ، فداك ابي و
      امي ، فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهب مايجده0
      وكمنا في الغار ثلاث ليال ، ليلة الجمعة وليلة السبت
      وليلة الاحد ، وكان عبدالله بن ابي بكر عندهما 0 قالت عائشة
      : وهو غلام شاب ثقف لقن ، فيدلج من عندهما بسحر ، فيصبح
      مع قريش بمكة كبائت ، فلا يسمع امرا يكتادان به الا وعاه ،
      حتى ياتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام 0 و( كان ) يرعى
      عليهما عامر بن فهيرة مولى ابي بكر منحة من غنم ، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء ، فيبيتان في رسل - وهو لبن منحتهما ورضيفهما - حتى ينعق بهما عامر بن
      فهيرة بغلس ، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث
      وكان عامر بن فهيرة يتبع بغنمه اثر عبدالله بن ابي بكر بعد
      ذهابه الى مكة ليعفي عليه 0

      واما قريش جن جنونها حينما تاكد لديها افلات رسول الله صلى
      الله عليه وسلم صباح ليلة تنفيذ المؤامرة 0 فاول مافعلوا
      بهذا الصدد انهم ضربوا عليا، وسحبوه الى الكعبة ، وحبسوه
      ساعة ، علهم يظفرون بخبرهما 0

      ولما لم يحصلوا من علي على جدوى جاءوا الى بيت ابي بكر
      وقرعوا بابه ، فخرجت اليهم اسماء بنت ابي بكر ، فقالوا
      لها : اين ابوك ؟ قالت : لا ادري والله اين ابي ؟ فرفع ابو
      جهل يده - وكان فاحشا خبيثا- فلطم خدها لطمة طرح منها
      قرطها 0

      وقررت قريش في جلسة طارئة مستعجلة استخدام جميع الوسائل
      التي يمكن بها القبض على الرجلين ، فوضعت جميع الطرق النافذة من مكة ( في جميع الجهات ) تحت المراقبة المسلحة
      الشديدة ، كما قررت اعطاء مكافاة ضخمة قدرها مائة ناقة
      بدل كل واحد منهما لمن يعيدهما الى قريش حيين او ميتين ،
      كائنا من كان 0

      وحينئذ جدت الفرسان والمشاة وقصاص الاثر في الطلب ، وانتشروا في الجبال والوديان ، والوهاد والهضاب ، لكن
      من دون جدوى وبغير عائدة 0
      وقد وصل المطاردون الى باب الغار ، ولكن الله غالب على امره ، روى البخاري عن انس عن ابي بكر قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار فرفعت راسي ، فاذا انا
      باقدام القوم ، فقلت يانبي الله لو بعضهم طأطأ بصره رآنا0
      قال : اسكت ياابابكر ، اثنان الله ثالثهما ، وفي لفظ :
      ماظنك ياابابكر باثنين الله ثالثهما 0

      وقد كانت معجزة اكرم الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم ، فقد
      رجع المطاردون حين لم يبق بينه وبينهم الا خطوات معدودة 0
    • كان من ادب ابي بكر رضي الله عنه انه كان ردفا للنبي

      صلى الله عليه وسلم ، وكان شيخا يعرف ، ونبي الله شاب لا

      يعرف ، فيلقى الرجل ابابكر فيقول : من هذا الرجل الذي

      بين يديك ؟ فيقول : هذا الرجل يهديني الطريق ، فيحسب

      الحاسب انه يعني به الطريق ، وانما يعني سبيل الخير 0

      وتبعهما في الطريق سراقة بن مالك 0 قال سراقة : بينما أنا

      جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج ، ا قبل رجل منهم

      حتى قام علينا ، ونحن جلوس ، فقال : يا سراقة ، اني رايت

      آ نفا ا سودة بالساحل ، اراها محمدا واصحابه 0 قال سراقة

      : فعرفت ا نهم هم 0 فقلت له : انهم ليسوا بهم ، ولكنك

      رايت فلانا وفلانا انطلقوا باعيننا ، ثم لبثت في المجلس

      ساعة ، ثم قمت فدخلت ، فامرت جاريتي ان تخرج فرسي ، وهي

      من وراء ا كمة ، فتحبسها علي ، وا خذت رمحي فخرجت به من

      ظهر البيت ، فخططت بزجه الارض ، وخفضت عاليه ، حتى اتيت

      فرسي ، فركبتها ، فعرفتها تقرب بي حتى دنوت منهم ، فعثرت

      بي فرسي فخررت عنها ، فقمت ، فاهويت يدي الى كنانتي ،

      فاستخرجت منها الازلام ، فاستخرجت منها الازلام ، فاستقسمت

      بها ، اضرهم ام لا ؟ فخرج الذي اكره ، فركبت فرسي وعصيت

      الازلام ، تقرب بي ، حتى اذا سمعت قراءة ، رسول الله صلى الله

      عليه وسلم - وهو لا يلتفت ، وابو بكر يكثر الا لتفات -

      ساخت يدا فرسي في الارض ، حتى بلغتا الركبتين ، فخررت عنها

      ، ثم زجرتها فنهضت ، فلم تكد تخرج يديها ، فلما ا ستوت

      قائمة اذا لا ثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان ،

      فاستقسمت بالازلام ، فخرج الذي اكره ، فناديتهم بالا مان ،

      فوقفوا ، فركبت فرسي حتى جئتهم ، ووقع في نفسي حين لقيت

      مالقيت من الحبس عنهم ان سيظهر امر رسول الله صلى الله عليه

      وسلم ، فقلت له : ان قومك قد جعلوا فيك الدية ، واخبرتهم

      اخبار مايريد الناس بهم ، وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم

      يرزآني ، ولم يسالاني الا قال : اخف عنا ، فسالته ان يكتب

      لي كتاب امن ، فامر عامر بن فهيرة ، فكتب لي في رقعة من

      أدم ، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم 0
    • في الطريق الى المدينة :

      وحين خمدت نار الطلب ، وتوقفت اعمال دوريات التفتيش ،
      وهدات ثائرات قريش بعد استمرار المطاردة الحثيثة ثلاثة
      ايام بدون جدوى ، تهيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه
      للخروج الى المدينة 0

      وكانا قد استأجرا عبدالله بن اريقط الليثي ، وكان هاديا
      خريتا - ماهرا بالطريق - وكان على دين كفار قريش ، وامناه
      على ذلك ، وسلما اليه راحلتهما ، ووعداه غار ثور بعد
      ثلاث ليال براحلتيهما ، فلما كانت ليلة الاثنين - غرة ربيع
      الاول سنة 1/ هجري 16 من سبتمبر 662 م - جاءهما عبدالله بن
      اريقط بالراحلتين وحينئذ قال ابو بكر للنبي صلى الله عليه
      وسلم : بابي انت يارسول الله ، خذ احدى راحلتي هاتين 0
      وقرب اليه افضلهما 0 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بالثمن 0

      واتتهما اسماء بنت ابي بكر رضي الله عنهما بسفرتهما ، ونسيت
      ان تجعل لها عصاما ، فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة فاذا
      ليس لها عصام ، فشقت نطاقها باثنين ، فعلقت السفرة بواحد
      وانتطقت بالاخر ، فسميت ذات النطاقين 0
    • ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وابوبكر رضي الله عنه
      وارتحل معهما عامر بن فهيرة ، واخذ بهم الدليل - عبدالله
      بن اريقط - على طريق الساحل 0
      واول ماسلك بهم بعد الخروج من الغار انه امعن في اتجاه
      الجنوب نحو اليمن ، ثم اتجه غربا نحو الساحل ، حتى اذا
      وصل الى طريق لم يالفه الناس اتجه شمالا على مقربة شاطىء
      البحر الاحمر ، وسلك طريقا لم يكن يسلكه احد الا نادرا 0

      وقد ذكر ابن اسحاق المواضع التي مر بها رسول الله صلى الله
      عليه وسلم في هذا الطريق قال : لما خرج بهما الدليل سلك
      بهما اسفل مكة ، ثم مضى بهما على الساحل حتى عارض الطريق
      اسفل من عسفان ، ثم سلك بهما على اسفل امج ، ثم استجاز
      بهما حتى عارض بهما الطريق بعد ان اجاز قديدا ، ثم اجاز
      بهما من مكانه ذلك ، فسلك بهما الخرار ، ثم سلك بهماثنية
      المرة ، ثم سلك بهما لقفا ، ثم اجاز بهما مدلجه لقف ، ثم
      استبطن بهما مدلجة مجاح ، ثم سلك بهما مرجح محاج ، ثم تبطن بهما مرجح ذي الغضوين ، ثم بطن ذي كشر ، ثم اخذ بهما
      على الجداجد ، ثم على الاجرد ، ثم سلك بهما ذا سلم ، من بطن اعداء مدلجة تعهن ، ثم على العبابيد ، ثم اجاز بهما
      الفاجة ، ثم هبط بهما العرج ، ثم سلك بهما ثنية العائر-
      عن يمين ركوبة - حتى هبط بهما بطن رئم ، ثم قدم بهما على
      قباء 0
    • وهناك بعض ماوقع في الطريق :
      روى البخاري عن ابي بكر الصديق رضي الله عنه قال :
      اسرينا ليلتنا ومن الغد حتى قام قائم الظهيرة ،
      وخلا الطريق ، لا يمر فيه احد ، فرفعت لنا صخرة طويلة
      لها ظل لم تات عليها الشمس ، فنزلنا عنده ، وسويت للنبي
      صلى الله عليه وسلم مكانا بيدي ، ينام عليه ، وبسطت عليه
      فروة ، وقلت : نم يارسول الله ، وانا انفض لك ماحولك ، فنام
      ، وخرجت انفض ماحوله ، فاذا انا براع مقبل بغنمه الى الصخرة ، يريد منها مثل الذي اردنا ، فقلت له : لمن انت
      ياغلام ؟ قال : لرجل من اهل المدينة او مكة 0 قلت : افي
      غنمك لبن ؟ قال : نعم 0 قلت : افتحلب ؟ قال : نعم 0 فاخذ
      شاة ، فقلت : انفض الضرع من التراب والقذى 0 فحلب في كعب
      كثبة من لبن ، ومعي اداوة حملتها للنبي صلى الله عليه وسلم
      ، يرتوي منها ، يشرب ويتوضا ، فاتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فكرهت ان اوقظه ، فوافقته حين استيقظ ، فصببت من
      الماء على اللبن حتى برد اسفله ، فقلت : اشرب يارسول الله
      ، فشرب حتى رضيت ، ثم قال : الم يان الرحيل ؟ قلت : بلى
      ، قال : فارتحلنا 0
    • وفي رواية عن ابي بكر قال : ارتحلنا ، والقوم يطلبوننا ،

      فلم يدركنا منهم احد غير سراقة بن مالك بن جعشم على فرس

      له ، فقلت : هذا الطلب قد لحقنا يارسول الله ، فقال :(( لا

      تحزن ان الله معنا )) 0

      ورجع سراقة ، فوجد الناس في الطلب ، فجعل يقول : قد

      ا ستبرات لكم ، قد كفيتم ماههنا 0 وكان اول النهار جاهدا

      عليهما ، وآ خر حارسا لهما 0

      ومر في مسيره ذلك حتى مر بخيمتي أم معبد الخزاعية ، وكانت

      ا مراة برزة جلدة تحتبي بفناء الخيمة ، ثم تطعم وتسقي من

      مر بها ، فسالاها : هل عندها شيء ؟ فقالت : والله لو كان

      عندنا شيء ماأ عوزكم القرى والشاء عازب ، وكانت سنة شهباء

      فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى شاة في كسر الخيمة ،

      فقال : ماهذه الشاة ياام معبد ؟ قالت : شاة خلفها الجهد

      عن الغنم ، فقال : هل بها من لبن ؟ قالت : هي ا جهد من

      ذلك 0 فقال : أ تاذنين لي ان ا حلبها ؟ قالت : نعم بأبي

      وا مي ، ا ن را يت بها حلبا فا حلبها 0 فمسح رسول الله صلى

      الله عليه وسلم بيده ضرعها ، وسمى الله ودعا ، فتفاجت عليه

      ودرت ، فدعا باناء لها يربض الرهط ، فحلب فيه حتى علته

      الرغوة ، فسقاها ، فشربت حتى رويت ، وسقى اصحابه حتى رووا

      ثم شرب ، وحلب فيه ثانيا ، حتى ملأ الا ناء ، ثم غادره

      عندها فارتحلوا 0

      فلما لبثت أ ن جاء زوجها ابو معبد يسوق ا عنزا عجافا

      يتساوكن هزالا ، فلما راى اللبن عجب ، فقال : من اين لك

      هذا ؟ والشاء عازب ، ولا حلوبة في البيت ؟ فقالت : لا والله

      الا ا نه مر رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت ، ومن حاله

      كذا كذا ، قال : اني والله اراه صاحب قريش الذي تطلبه ،

      صفيه لي ياأ م معبد ، فو صفته بصفاته الرا ئعة بكلا م رائع

      كأن السامع ينظر اليه أ مامه - و سننقله في بيان صفاته

      صلى الله عليه و سلم في أوا خر المقالة - فقال : ابو معبد :

      والله هذا صاحب قريش الذي ذكروا من أمره ماذكروا ، لقد هممت

      ان ا صحبه ، ولا فعلن ان و جدت الى ذلك سبيلا ، واصبح صوت

      بمكة عاليا يسمعونه ولا يرون القائل :

      جزى الله رب العرش خير جزا ئه رفيقين حلا خيمتي ام معبد

      هما نزلا بالبر وارتحلا به وافلح من امسى رفيق محمد

      فيا لقصي مازوى الله عنكم به من فعال لا يجازى وسؤدد

      ليهن بني كعب مكان فتاتهم ومقعدها للمؤمنين بمرصد

      سلوا اختكم عن شاتهاوانائها فانكم ان تسالوا الشاة تشهد

      ان شاء الله تعالى ، سوف نكمل فيما بعد ، باذن الله تعالى 0
      واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين 0
    • بعد الهجرة الشاقة والمتعبة ، لما تم اتخاذ القرار الغاشم بقتل النبي صلى الله عليه وعلى

      آله وصحبه أجمعين ، دخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المدينة - ومن ذلك اليوم سميت بلدة يثرث بمدينة
      الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ويعبر عنها بالمدينة مختصرا - وكان يوما تاريخيا اغر ، فقد كانت البيوت
      والسكك ترتج باصوات التحميد والتقديس ، وكانت بنات الأنصار تتغنى بهذه الأبيات فرحا وسرورا : أشرق البدر
      علينا () من ثنيات الوداع () وجب الشكر علينا () مادعا لله داع () أيها المبعوث فينا () جئت بالأمر المطاع 0


      والأنصار ان لم يكونوا أصحاب ثروات طائلة ؛ الا أن كل واحد منهم كان يتمنى أن ينزل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم 0 فكان لا يمر بدار من دور الأنصار الا أخذوا خطام راحلته : هلم الى العدد والعدة والسلاح والمنعة ، فكان يقول لهم : خلوا سبيلها فانها مامورة ، فلم تزل سائرة به حتى وصلت الى موضع المسجد النبوي اليوم فبركت ، ولم ينزل عنها حتى نهضت وسارت قليلا ، ثم التفت ورجعت فبركت في موضعها الأول ، فنزل عنها ، وذلك في بنى النجار - أخواله - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، وكان من توفيق الله لها ، فانه أحب
      أن ينزل على أخواله يكرمهم بذلك ، فجعل الناس يكلمون رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في النزول
      عليهم ، وبادر أبو أيوب الأنصاري الى رحله ، فأدخله بيته ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول :
      المرء مع رحله ، وجاء أسعد بن زرارة فأخذ بزمام راحلته ، وكانت عنده 0

      وفي رواية أنس عند البخاري ، قال نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : (( أي بيوت أهلنا أقرب ؟ ))
      فقال أبو أيوب : أنا يارسول الله ، هذه داري ، وهذا بابي 0 قال : (( فأنطلق فهيىء لنا مقيلا )) ، قال : قوما على بركة الله 0

      بعد أيام وصلت زوجته ، وبنتاه وأم كلثوم ، وأسامة بن زيد ، وأم أيمن ، وخرج معهم عبدالله بن أبي بكر بعيال ومنهم عائشة ، وبقيت زينب عند أبي العاص ، لم يمكنها من الخروج حتى هاجرت بعد بدر 0

      قالت عائشة : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدينة وعك أبوبكر وبلال ، فدخلت عليهما فقلت :
      يا أبت كيف تجدك ، ويابلال كيف تجدك ؟ قالت : فكان ابو بكر اذا أخذته الحمى يقول : كل امرىء مصبح في أهله () والموت أدنى من شراك نعله 0
      وكان بلال اذا أقلح عنه الحمى يرفع عقيرته ويقول : ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة () بواد وحولي اذخر وجليل
      وهل أردن يوما مياه مجنة () وهل يبدون لي شامة وطفيل 0

      قالت عائشة : فجئت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فأخبرته ، فقال : اللهم حبب الينا المدينة كحبنا مكة أو أشد حبا ، وصححها ، وبارك في صاعها ومدها ، وانقل حماها فاجعلها باالجحفة 0

      الى هنا انتهى قسم من هجرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين