رؤى النبي صلى الله عليه وسلم

    • رؤى النبي صلى الله عليه وسلم

      بسم الله الرحمن الرحيم

      حاولت في هذه الصفحات ان اجمع بعض رؤى النبي صلى الله عليه وسلم ...اتمنى ان تعم الفائده للجميع

      باب أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة


      --------------------------------------------------------------------------------

      قوله ( باب ) بالتنوين ( أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة ) كذا للنسفي والقابسي ولأبي ذر مثله إلا أنه سقط له عن غير المستملي لفظ " باب " ولغيرهم " باب التعبير وأول ما بدئ به " إلى آخره , وللإسماعيلي " كتاب التعبير " ولم يزد وثبتت البسملة أولا للجميع والتعبير خاص بتفسير الرؤيا وهو العبور من ظاهرها إلى باطنها وقيل النظر في الشيء فيعتبر بعضه ببعض حتى يحصل على فهمه حكاه الأزهري وبالأول جزم الراغب وقال أصله من العبر بفتح ثم سكون وهو التجاوز من حال إلى حال , وخصوا تجاوز الماء بسباحة أو في سفينة أو غيرها بلفظ العبور بضمتين وعبر القوم إذا ماتوا كأنهم جازوا القنطرة من الدنيا إلى الآخرة

      قال والاعتبار والعبرة الحالة التي يتوصل بها من معرفة الشاهد إلى ما ليس بمشاهد ويقال عبرت الرؤيا بالتخفيف إذا فسرتها وعبرتها بالتشديد للمبالغة في ذلك .

      وأما الرؤيا فهي ما يراه الشخص في منامه وهي بوزن فعلى وقد تسهل الهمزة , وقال الواحدي هي في الأصل مصدر كاليسرى , فلما جعلت اسما لما يتخيله النائم أجريت مجرى الأسماء .

      قال الراغب : والرؤية بالهاء إدراك المرء بحاسة البصر , وتطلق على ما يدرك بالتخيل نحو أرى أن زيدا مسافر , وعلى التفكر النظري نحو ( إني أرى ما لا ترون ) وعلى الرأي وهو اعتقاد أحد النقيضين على غلبة الظن انتهى .

      وقال القرطبي في " المفهم " : قال بعض العلماء قد تجيء الرؤية بمعنى الرؤيا كقوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس فزعم أن المراد بها ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء من العجائب , وكان الإسراء جميعه في اليقظة .
      قلت : وعكسه بعضهم فزعم أنه حجة لمن قال إن الإسراء كان مناما والأول المعتمد , وقد تقدم في تفسير الإسراء قول ابن عباس إنها رؤيا عين ويحتمل أن تكون الحكمة في تسمية ذلك رؤيا لكون أمور الغيب مخالفة لرؤيا الشهادة فأشبهت ما في المنام .

      وقال القاضي أبو بكر بن العربي الرؤيا إدراكات علقها الله تعالى في قلب العبد على يدي ملك أو شيطان إما بأسمائها أي حقيقتها وإما بكناها أي بعبارتها وإما تخليط , ونظيرها في اليقظة الخواطر فإنها قد تأتي على نسق في قصة وقد تأتي مسترسلة غير محصلة , هذا حاصل قول الأستاذ أبي إسحاق , قال وذهب القاضي أبو بكر بن الطيب إلى إنها اعتقادات , واحتج بأن الرائي قد يرى نفسه بهيمة أو طائرا مثلا , وليس هذا إدراكا , فوجب أن يكون اعتقادا لأن الاعتقاد قد يكون على خلاف المعتقد , قال ابن العربي والأول أولى , والذي يكون من قبيل ما ذكره ابن الطيب من قبيل المثل , فالإدراك إنما يتعلق به لا بأصل الذات . انتهى ملخصا .

      وقال المازري كثر كلام الناس في حقيقة الرؤيا , وقال فيها غير الإسلاميين أقاويل كثيرة منكرة , لأنهم حاولوا الوقوف على حقائق لا تدرك بالعقل ولا يقوم عليها برهان , وهم لا يصدقون بالسمع فاضطربت أقوالهم فمن ينتمي إلى الطب ينسب جميع الرؤيا إلى الأخلاط فيقول من غلب عليه البلغم رأى أنه يسبح في الماء ونحو ذلك لمناسبة الماء طبيعة البلغم , ومن غلبت عليه الصفراء رأى النيران والصعود في الجو وهكذا إلى آخره , وهذا وإن جوزه العقل وجاز أن يجري الله العادة به لكنه لم يقم عليه دليل ولا اطردت به عادة , والقطع في موضع التجويز غلط .

      ومن ينتمي إلى الفلسفة يقول : إن صور ما يجري في الأرض هي في العالم العلوي كالنقوش فما حاذى بعض النقوش منها انتقش فيها , قال وهذا أشد فسادا من الأول لكونه تحكما لا برهان عليه والانتقاش من صفات الأجسام , وأكثر ما يجري في العالم العلوي الأعراض , والأعراض لا ينتقش فيها قال والصحيح ما عليه أهل السنة أن الله يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان فإذا خلقها فكأنه جعلها علما على أمور أخرى يخلقها في ثاني الحال , ومهما وقع منها على خلاف المعتقد فهو كما يقع لليقظان ونظيره أن الله خلق الغيم علامة على المطر وقد يتخلف , وتلك الاعتقادات تقع تارة بحضرة الملك فيقع بعدها ما يسر أو بحضرة الشيطان فيقع بعدها ما يضر والعلم عند الله تعالى .

      وقال القرطبي سبب تخليط غير الشرعيين إعراضهم عما جاءت به الأنبياء من الطريق المستقيم , وبيان ذلك أن الرؤيا إنما هي من إدراكات النفس وقد غيب عنا علم حقيقتها أي النفس , وإذا كان كذلك فالأولى أن لا نعلم علم إدراكاتها , بل كثير مما انكشف لنا من إدراكات السمع والبصر إنما نعلم منه أمورا جملية لا تفصيلية .

      ونقل القرطبي في " المفهم " عن بعض أهل العلم أن لله تعالى ملكا يعرض المرئيات على المحل المدرك من النائم فيمثل له صورة محسوسة , فتارة تكون أمثلة موافقة لما يقع في الوجود وتارة تكون أمثلة لمعان معقولة , وتكون في الحالين مبشرة ومنذرة , قال ويحتاج فيما نقله عن الملك إلى توقيف من الشرع وإلا فجائز أن يخلق الله تلك المثالات من غير ملك , قال وقيل إن الرؤيا إدراك أمثلة منضبطة في التخيل جعلها الله أعلاما على ما كان أو يكون .

      وقال القاضي عياض : اختلف في النائم المستغرق فقيل لا تصح رؤياه ولا ضرب المثل له لأن هذا لا يدرك شيئا مع استغراق أجزاء قلبه لأن النوم يخرج الحي عن صفات التمييز والظن والتخيل كما يخرجه عن صفة العلم , وقال آخرون بل يصح للنائم مع استغراق أجزاء قلبه بالنوم أن يكون ظانا ومتخيلا , وأما العلم فلا لأن النوم آفة تمنع حصول الاعتقادات الصحيحة , نعم إن كان بعض أجزاء قلبه لم يحل فيه النوم فيصح وبه يضرب المثل وبه يرى ما يتخيله ولا تكليف عليه حينئذ لأن رؤياه ليست على حقيقة وجود العلم ولا صحة الميز , وإنما بقيت فيه بقية يدرك بها ضرب المثل .
      وأيده القرطبي بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام عينه ولا ينام قلبه ومن ثم احترز القائل بقوله " المدرك " من النائم ولذا قال " منضبط في التخيل " لأن الرائي لا يرى في منامه إلا من نوع ما يدركه في اليقظة بحسه إلا أن التخيلات قد تركب له في النوم تركيبا يحصل به صورة لا عهد له بها يكون علما على أمر نادر كمن رأى رأس إنسان على جسد فرس له جناحان مثلا وأشار بقوله " أعلاما " إلى الرؤيا الصحيحة المنتظمة الواقعة على شروطها .

      وأما الحديث الذي أخرجه الحاكم والعقيلي من رواية محمد بن عجلان عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال " لقي عمر عليا فقال يا أبا الحسن الرجل يرى الرؤيا فمنها ما يصدق ومنها ما يكذب : قال نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من عبد ولا أمة ينام فيمتلئ نوما إلا تخرج بروحه إلى العرش , فالذي لا يستيقظ دون العرش فتلك الرؤيا التي تصدق والذي يستيقظ دون العرش فتلك الرؤيا التي تكذب
      قال الذهبي في تلخيصه : هذا حديث منكر لم يصححه المؤلف , ولعل الآفة من الراوي عن ابن عجلان .
      قلت : هو أزهر بن عبد الله الأزدي الخراساني ذكره العقيلي في ترجمته وقال إنه غير محفوظ , ثم ذكره من طريق أخرى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي ببعضه وذكر فيه اختلافا في وقفه ورفعه , وذكر ابن القيم حديثا مرفوعا غير معزو إن رؤيا المؤمن كلام يكلم به العبد ربه في المنام ووجد الحديث المذكور في " نوادر الأصول للترمذي ) من حديث عبادة بن الصامت أخرجه في الأصل الثامن والسبعين وهو من روايته عن شيخه عمر بن أبي عمر , وهو واه وفي سنده جنيد , قال ابن ميمون عن حمزة بن الزبير عن عبادة قال الحكيم :
      قال بعض أهل التفسير في قوله تعالى : وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أي في المنام , ورؤيا الأنبياء وحي بخلاف غيرهم فالوحي لا يدخله خلل لأنه محروس بخلاف رؤيا غير الأنبياء فإنها قد يحضرها الشيطان , وقال الحكيم أيضا :
      وكل الله بالرؤيا ملكا اطلع على أحوال بني آدم كل من اللوح المحفوظ فينسخ منها ويضرب لكل على قصته مثلا , فإذا نام مثل له تلك الأشياء على طريق الحكمة لتكون له بشرى أو نذارة أو معاتبة , والآدمي قد تسلط عليه الشيطان لشدة العداوة بينهما فهو يكيده بكل وجه ويريد إفساد أموره بكل طريق فيلبس عليه رؤياه إما بتغليطه فيها وإما بغفلته عنها , ثم جميع المرائي تنحصر على قسمين
      الصادقة وهي رؤيا الأنبياء , ومن تبعهم من الصالحين وقد تقع لغيرهم بندور وهي التي تقع في اليقظة على وفق ما وقعت في النوم , والأضغاث وهي لا تنذر بشيء وهي أنواع :
      الأول تلاعب الشيطان ليحزن الرائي كأن يرى أنه قطع رأسه وهو يتبعه أو رأى أنه واقع في هول ولا يجد من ينجده ونحو ذلك .
      الثاني أن يرى أن بعض الملائكة تأمره أن يفعل المحرمات مثلا ونحوه من المحال عقلا .
      الثالث أن يرى ما تتحدث به نفسه في اليقظة أو يتمناه فيراه كما هو في المنام وكذا رؤية ما جرت به عادته في اليقظة أو ما يغلب على مزاجه ويقع عن المستقبل غالبا وعن الحال كثيرا وعن الماضي قليلا .

      ثم ساق المصنف حديث عائشة في بدء الوحي وقد ذكره في أول الصحيح وقد شرحته هناك ثم استدركت ما فات من شرحه في تفسير ( اقرأ باسم ربك ) وسأذكر هنا ما لم يتقدم ذكره في الموضعين غالبا مما يستفاد من شرحه , ومداره على الزهري عن عروة عن عائشة , وقد ساقه في المواضع الثلاثة عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن الزهري ولكنه ساقه على لفظه في أول الكتاب , وقرنه في التفسير بيونس بن يزيد وساقه على لفظه , ثم قرنه هنا بمعمر وساقه على لفظه , وقوله هنا " أنبأنا معمر قال قال الزهري فأخبرني عروة " وقع عند مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق مثله لكن فيه " وأخبرني " بالواو لا بالفاء وهذه الفاء معقبة لشيء محذوف وكذلك الواو عاطفة عليه وقد بينه البيهقي في " الدلائل " حيث أخرج الحديث من وجه آخر عن الزهري عن محمد بن النعمان بن بشير مرسلا فذكر قصة بدء الوحي مختصرة ونزول اقرأ باسم ربك إلى قوله خلق الإنسان من علق وقال محمد بن النعمان : فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك .

      قال الزهري فسمعت عروة بن الزبير يقول " قالت عائشة " فذكر الحديث مطولا .

      قوله ( الصالحة ) في رواية عقيل " الصادقة " وهما بمعنى واحد بالنسبة إلى أمور الآخرة في حق الأنبياء .
      وأما بالنسبة إلى أمور الدنيا فالصالحة في الأصل أخص فرؤيا النبي كلها صادقة وقد تكون صالحة وهي الأكثر , وغير صالحة بالنسبة للدنيا كما وقع في الرؤيا يوم أحد .
      وأما رؤيا غير الأنبياء فبينهما عموم وخصوص : إن فسرنا الصادقة بأنها التي لا تحتاج إلى تعبير وأما إن فسرناها بأنها غير الأضغاث فالصالحة أخص مطلقا .

      وقال الإمام نصر بن يعقوب الدينوري في التعبير القادري الرؤية الصادقة ما يقع بعينه أو ما يعبر في المنام أو يخبر به ما لا يكذب والصالحة ما يسر .


      (اتمنى تثبيت الموضوع للفائده)
    • رؤية النبي أنه أعطي مفاتيح الكلم


      حدثنا أحمد بن المقدام العجلي حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي حدثنا أيوب عن محمد عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم أعطيت مفاتيح الكلم ونصرت بالرعب وبينما أنا نائم البارحة إذ أتيت بمفاتيح خزائن الأرض حتى وضعت في يدي قال أبو هريرة فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تنتقلونها


      --------------------------------------------------------------------------------

      قوله ( عن محمد ) هو ابن سيرين وصرح به في رواية أسلم بن سهل عن أحمد بن المقدام شيخ البخاري فيه عند أبي نعيم , والسند كله بصريون .

      قوله ( أعطيت مفاتيح الكلم , ونصرت بالرعب ) كذا في هذه الرواية , وقد أخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان وعبد الله بن يس كلاهما عن أحمد بن المقدام شيخ البخاري فيه بلفظ " أعطيت جوامع الكلم " وأخرجه عن أبي القاسم البغوي عن أحمد بن المقدام باللفظ الذي ذكره البخاري ووقع في رواية أسلم بن سهل بلفظ " فواتح الكلم " وسيأتي بعد أبواب من رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة بلفظ " بعثت بجوامع الكلم " قال البغوي فيما ذكره عنه الإسماعيلي لا أعلم حدث به عن أيوب غير محمد بن عبد الرحمن .

      قوله ( وبينما أنا نائم البارحة إذ أتيت بمفاتيح خزائن الأرض )
    • حديث أراني الليلة عند الكعبة فرأيت رجلا آدم


      حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أراني الليلة عند الكعبة فرأيت رجلا آدم كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال له لمة كأحسن ما أنت راء من اللمم قد رجلها تقطر ماء متكئا على رجلين أو على عواتق رجلين يطوف بالبيت فسألت من هذا فقيل المسيح ابن مريم ثم إذا أنا برجل جعد قطط أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية فسألت من هذا فقيل المسيح الدجال
    • حديث ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله

      حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان وكانت تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها يوما فأطعمته وجعلت تفلي رأسه فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك قالت فقلت ما يضحكك يا رسول الله قال ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة شك إسحاق قالت فقلت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وضع رأسه ثم استيقظ وهو يضحك فقلت ما يضحكك يا رسول الله قال ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله كما قال في الأولى قالت فقلت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال أنت من الأولين فركبت البحر في زمان معاوية بن أبي سفيان فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت


      --------------------------------------------------------------------------------

      حديث أنس في قصة نوم النبي صلى الله عليه وسلم عند أم حرام وفيه " فدخل عليها يوما فأطعمته وجعلت تفلي رأسه فنام " , وذكر ابن التين أن بعضهم زعم أن في الحديث دليلا على صحة خلافة معاوية لقوله في الحديث فركبت البحر زمن معاوية , وفيه نظر لأن المراد بزمنه زمن إمارته على الشام في خلافة عثمان , مع أنه لا تعرض في الحديث إلى إثبات الخلافة ولا نفيها بل فيه إخبار بما سيكون فكان كما أخبر ولو وقع ذلك في الوقت الذي كان معاوية خليفة لم يكن في ذلك معارضة لحديث الخلافة بعدي ثلاثون سنة لأن المراد به خلافة النبوة وأما معاوية ومن بعده فكان أكثرهم على طريقة الملوك ولو سموا خلفاء , والله أعلم .
    • رؤية النبي اللبن في المنام


      حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري أخبرني حمزة بن عبد الله أن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري يخرج من أظفاري ثم أعطيت فضلي يعني عمر قالوا فما أولته يا رسول الله قال العلم


      --------------------------------------------------------------------------------

      قوله ( اللبن ) أي إذا رئي في المنام بماذا يعبر ؟ قال المهلب يدل على الفطرة والسنة والقرآن والعلم قلت : وقد جاء في بعض الأحاديث المرفوعة تأويله بالفطرة كما أخرجه البزار من حديث أبي هريرة رفعه اللبن في المنام فطرة وعند الطبراني من حديث أبي بكرة رفعه من رأى أنه شرب لبنا فهو الفطرة ومضى في حديث أبي هريرة في أول الأشربة أنه صلى الله عليه وسلم لما أخذ قدح اللبن قال له جبريل : الحمد لله الذي هداك للفطرة وذكر الدينوري أن اللبن المذكور في هذا يختص بالإبل وأنه لشاربه مال حلال وعلم وحكمة , قال ولبن البقر خصب السنة ومال حلال وفطرة أيضا , ولبن الشاة مال وسرور وصحة جسم , وألبان الوحش شك في الدين , وألبان السباع غير محمودة , إلا أن لبن اللبوة مال مع عداوة لذي أمر .

      قوله ( حدثنا عبدان ) كذا للجميع ووقع في أطراف المزي أن البخاري أخرج هذا الحديث في التعبير عن أبي جعفر محمد بن الصلت وفي فضل عمر عن عبدان , والموجود في الصحيح بالعكس وعبد الله هو ابن المبارك , ويونس هو ابن يزيد , وحمزة الراوي عن ابن عمر هو ولده . ووقع في الباب الذي يليه من وجه آخر عن الزهري عن حمزة أنه سمع عبد الله بن عمر .

      قال ابن العربي لم يخرج البخاري هذا الحديث من غير هذه الطريق , وكان ينبغي - على طريقته - أن يخرجه عن غيره لو وجده . قلت : بل وجده وأخرجه كما تقدم في فضل عمر من طريق سالم أخي حمزة عن أبيهما , وإشارته إلى أن طريقة البخاري أن يخرج الحديث من طريقين فصاعدا - إلا أن لا يجد - في مقام المنع .

      قوله ( حتى إني لأرى الري يخرج في أظافيري ) في رواية الكشميهني " من أظافيري " وفي رواية صالح ابن كيسان " من أطرافي " وهذه الرؤيا يحتمل أن تكون بصرية وهو الظاهر , ويحتمل أن تكون علمية , ويؤيد الأول ما عند الحاكم والطبراني من طريق أبي بكر بن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده في هذا الحديث " فشربت حتى رأيته يجري في عروقي بين الجلد واللحم " على أنه محتمل أيضا .

      قوله ( ثم أعطيت فضلي يعني عمر ) كذا في الأصل كأن بعض رواته شك ووقع في رواية صالح بن كيسان بالجزم ولفظه " فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب " وفي رواية أبي بكر بن سالم " ففضلت فضلة فأعطيتها عمر " .

      قوله ( قالوا فما أولته ) في رواية صالح " فقال من حوله " وفي رواية سفيان بن عيينة عن الزهري عند سعيد بن منصور " ثم ناول فضله عمر , قال ما أولته " ؟ وظاهره أن السائل عمر , ووقع في رواية أبي بكر بن سالم أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم أولوها , قالوا : يا نبي الله هذا علم أعطاكه الله فملأك منه ففضلت فضلة فأعطيتها عمر , قال أصبتم ويجمع بأن هذا وقع أولا ثم احتمل عندهم أن يكون عنده في تأويلها زيادة على ذلك فقالوا ما أولته , قال ابن العربي اللبن رزق يخلقه الله طيبا بين أخباث من دم وفرث كالعلم نور يظهره الله في ظلمة الجهل , فضرب به المثل في المنام .

      قال بعض العارفين الذي خلص اللبن من بين فرث ودم قادر على أن يخلق المعرفة من بين شك وجهل ويحفظ العمل عن غفلة وزلل , وهو كما قال لكن اطردت العادة بأن العلم بالتعلم والذي ذكره قد يقع خارقا للعادة فيكون من باب الكرامة .

      وقال ابن أبي جمرة : تأول النبي صلى الله عليه وسلم اللبن بالعلم اعتبارا بما بين له أول الأمر حين أتي بقدح خمر وقدح لبن فأخذ اللبن , فقال له جبريل : أخذت الفطرة الحديث , قال وفي الحديث مشروعية قص الكبير رؤياه على من دونه , وإلقاء العالم المسائل واختبار أصحابه في تأويلها , وأن من الأدب أن يرد الطالب علم ذلك إلى معلمه .

      قال والذي يظهر أنه لم يرد منهم أن يعبروها وإنما أراد أن يسألوه عن تعبيرها , ففهموا مراده فسألوه فأفادهم وكذلك ينبغي أن يسلك هذا الأدب في جميع الحالات .

      قال وفيه أن علم النبي صلى الله عليه وسلم بالله لا يبلغ أحد درجته فيه لأنه شرب حتى رأى الري يخرج من أطرافه , وأما إعطاؤه فضله عمر ففيه إشارة إلى ما حصل لعمر من العلم بالله بحيث كان لا يأخذه في الله لومة لائم .

      قال وفيه أن من الرؤيا ما يدل على الماضي والحال والمستقبل , قال وهذه أولت على الماضي , فإن رؤياه هذه تمثيل بأمر قد وقع لأن الذي أعطيه من العلم كان قد حصل له وكذلك أعطيه عمر , فكانت فائدة هذه الرؤيا تعريف قدر النسبة بين ما أعطيه من العلم وما أعطيه عمر .
    • إذا جرى اللبن في أطرافه أو أظافيره


      حدثنا علي بن عبد الله حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب حدثني حمزة بن عبد الله بن عمر أنه سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري يخرج من أطرافي فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب فقال من حوله فما أولت ذلك يا رسول الله قال العلم


      --------------------------------------------------------------------------------

      قوله ( إذا جرى اللبن في أطرافه أو أظافيره ) يعني في المنام
    • القميص في المنام


      حدثنا علي بن عبد الله حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثني أبي عن صالح عن ابن شهاب قال حدثني أبو أمامة بن سهل أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك ومر علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره قالوا ما أولته يا رسول الله قال الدين


      --------------------------------------------------------------------------------

      قوله ( القميص في المنام ) في رواية الكشميهني " القمص " بضمتين بالجمع وكلاهما في الخبر .

      قوله ( حدثنا يعقوب بن إبراهيم ) أي ابن سعد بن إبراهيم
      قوله ( رأيت الناس ) هو من الرؤية البصرية , وقوله " يعرضون حال ويجوز أن يكون من الرؤيا العلمية , ويعرضون مفعول ثان والناس بالنصب على المفعولية ويجوز فيه الرفع " .

      قوله ( يعرضون ) تقدم في الإيمان بلفظ " يعرضون علي " وفي رواية عقيل الآتية بعد " عرضوا " .

      قوله ( منها ما يبلغ الثدي ) بضم المثلثة وكسر الدال وتشديد الياء جمع ثدي بفتح ثم سكون والمعنى أن القميص قصير جدا بحيث لا يصل من الحلق إلى نحو السرة بل فوقها , وقوله " ومنها ما يبلغ دون ذلك " يحتمل أن يريد دونه من جهة السفل وهو الظاهر فيكون أطول , ويحتمل أن يريد دونه من جهة العلو فيكون أقصر , ويؤيد الأول ما في رواية الحكيم الترمذي من طريق أخرى عن ابن المبارك عن يونس عن الزهري في هذا الحديث " فمنهم من كان قميصه إلى سرته , ومنهم من كان قميصه إلى ركبته , ومنهم من كان قميصه إلى أنصاف ساقيه " .

      قوله ( ومر علي عمر بن الخطاب ) في رواية عقيل " وعرض علي عمر بن الخطاب " . قوله ( قميص يجره ) في رواية عقيل " يجتره " .

      قوله ( قالوا ما أولته ) في رواية الكشميهني " أولت " بغير ضمير , وتقدم في الإيمان أول الكتاب بلفظ " فما أولت ذلك " ووقع عند الترمذي الحكيم في الرواية المذكورة " فقال له أبو بكر على ما تأولت هذا يا رسول الله " .

      قوله ( قال الدين ) بالنصب والتقدير أولت , ويجوز الرفع . ووقع في رواية الحكيم المذكورة " قال على الإيمان "
    • جر القميص في المنام


      حدثنا سعيد بن عفير حدثني الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب أخبرني أبو أمامة بن سهل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص فمنها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجتره قالوا فما أولته يا رسول الله قال الدين


      --------------------------------------------------------------------------------

      قوله ( باب جر القميص في المنام ) ذكر فيه حديث أبي سعيد المذكور قبله من وجه آخر عن ابن شهاب .

      حديث أبي سعيد المذكور قبله من وجه آخر عن ابن شهاب , وقد أشرت إلى الاختلاف في اسم صحابي هذا الحديث في مناقب عمر , قالوا وجه تعبير القميص بالدين أن القميص يستر العورة في الدنيا والدين يسترها في الآخرة ويحجبها عن كل مكروه , والأصل فيه قوله تعالى ولباس التقوى ذلك خير الآية .

      والعرب تكني عن الفضل والعفاف بالقميص ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لعثمان إن الله سيلبسك قميصا فلا تخلعه وأخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه ابن حبان واتفق أهل التعبير على أن القميص يعبر بالدين وأن طوله يدل على بقاء آثار صاحبه من بعده .

      وفي الحديث أن أهل الدين يتفاضلون في الدين بالقلة والكثرة وبالقوة والضعف , وتقدم تقرير ذلك في كتاب الإيمان , وهذا من أمثلة ما يحمد في المنام ويذم في اليقظة شرعا أعني جر القميص , لما ثبت من الوعيد في تطويل , ومثله ما سيأتي في " باب القيد " وعكس هذا ما يذم في المنام ويحمد في اليقظة .

      وفي الحديث مشروعية تعبير الرؤيا وسؤال العالم بها عن تعبيرها ولو كان هو الرائي , وفيه الثناء على الفاضل بما فيه لإظهار منزلته عند السامعين ولا يخفى أن محل ذلك إذا أمن عليه من الفتنة بالمدح كالإعجاب وفيه فضيلة لعمر وقد تقدم الجواب عما يستشكل من ظاهره وإيضاح أنه لا يستلزم أن يكون أفضل من أبي بكر وملخصه أن المراد بالأفضل من يكون أكثر ثوابا والأعمال علامات الثواب فمن كان عمله أكثر فدينه أقوى ومن كان دينه أقوى فثوابه أكثر ومن كان ثوابه أكثر فهو أفضل فيكون عمر أفضل من أبي بكر , وملخص الجواب أنه ليس في الحديث تصريح بالمطلوب فيحتمل أن يكون أبو بكر لم يعرض في أولئك الناس إما لأنه كان قد عرض قبل ذلك وإما لأنه لا يعرض أصلا , وأنه لما عرض كان عليه قميص أطول من قميص عمر , ويحتمل أن يكون سر السكوت عن ذكره الاكتفاء بما علم من أفضليته , ويحتمل أن يكون وقع ذكره فذهل عنه الراوي , وعلى التنزل بأن الأصل عدم جميع هذه الاحتمالات فهو معارض بالأحاديث الدالة على أفضلية الصديق وقد تواترت تواترا معنويا فهي المعتمدة وأقوى هذه الاحتمالات أن لا يكون أبو بكر عرض مع المذكورين والمراد من الخبر التنبيه على أن عمر ممن حصل لهم الفضل البالغ في الدين وليس فيه ما يصرح بانحصار ذلك فيه .

      وقال ابن العربي إنما أوله النبي صلى الله عليه وسلم بالدين لأن الدين يستر عورة الجهل كما يستر الثوب عورة البدن , قال وأما غير عمر فالذي كان يبلغ الثدي هو الذي يستر قلبه عن الكفر وإن كان يتعاطى المعاصي والذي كان يبلغ أسفل من ذلك وفرجه باد هو الذي لم يستر رجليه عن المشي إلى المعصية , والذي يستر رجليه هو الذي احتجب بالتقوى من جميع الوجوه , والذي يجر قميصه زائدا على ذلك بالعمل الصالح الخالص .

      قال ابن أبي جمرة ما ملخصه : المراد بالناس في هذا الحديث المؤمنون لتأويله القميص بالدين قال والذي يظهر أن المراد خصوص هذه الأمة المحمدية بل بعضها , والمراد بالدين العمل بمقتضاه كالحرص على امتثال الأوامر واجتناب المناهي , وكان لعمر في ذلك المقام العالي .

      قال ويؤخذ من الحديث أن كل ما يرى في القميص من حسن أو غيره فإنه يعبر بدين لابسه , قال والنكتة في القميص أن لابسه إذا اختار نزعه وإذا اختار بقاءه فلما ألبس الله المؤمنين لباس الإيمان واتصفوا به كان الكامل في ذلك سابغ الثوب ومن لا فلا , وقد يكون نقص الثوب بسبب نقص الإيمان , وقد يكون بسبب نقص العمل والله أعلم .

      وقال غيره : القميص في الدنيا ستر عورة فما زاد على ذلك كان مذموما , وفي الآخرة زينة محضة فناسب أن يكون تعبيره بحسب هيئته من زيادة أو نقص ومن حسن وضده , فمهما زاد من ذلك كان من فضل لابسه , وينسب لكل ما يليق به من دين أو علم أو جمال أو حلم أو تقدم في فئة وضده لضده .
    • رؤيا المرأة في المنام


      حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أريتك في المنام مرتين إذا رجل يحملك في سرقة من حرير فيقول هذه امرأتك فأكشفها فإذا هي أنت فأقول إن يكن هذا من عند الله يمضه


      --------------------------------------------------------------------------------

      قوله ( كشف المرأة في المنام ) وقوله بعده ( ثياب الحرير في المنام ) ذكر فيهما حديث عائشة في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لها في المنام قبل أن يتزوجها , وساقه في الأول من طريق أبي أسامة وفي الثاني من طريق أبي معاوية كلاهما عن هشام وهو ابن عروة بن الزبير عن أبيه عنها , وزاد في رواية أبي أسامة " فيقول : هذه امرأتك " وبهذه الزيادة ينتظم الكلام , وزاد في رواية أبي معاوية قبل " أن أتزوجك " وأعاد فيها صورة المنام بيانا لقوله أريتك مرتين فقال في روايته " رأيت الملك يحملك " ثم قال " أريتك يحملك " وقال في المرتين " فقلت له اكشف " ووقع في رواية أبي أسامة " فاكشفها " والضمير لقوله " امرأتك " وقد تقدم في السيرة النبوية قبل الهجرة إلى المدينة من طريق وهيب بن خالد عن هشام بنحو سياق أبي أسامة , وتقدم في النكاح من طريق حماد بن زيد عن هشام ولفظه " فقال لي : هذه امرأتك , فكشفت عن وجهك " ويجمع هذا الاختلاف أن نسبة الكشف إليه لكونه الآمر به وأن الذي باشر الكشف هو الملك ووقع في هذه الطريق عند مسلم والإسماعيلي بعد قوله المنام " ثلاث ليال " فلعل البخاري حذفها لأن الأكثر رووه بلفظ مرتين وكذلك أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن إدريس وأبو عوانة من رواية مالك ومن رواية يونس بن بكير ومن رواية عبد العزيز بن المختار كلهم عن هشام بن عروة جازمين بمرتين ومن رواية حماد بن سلمة عن هشام فقال في روايته " مرتين أو ثلاثا " بالشك فيحتمل أن يكون الشك من هشام فاقتصر البخاري على المحقق وهو قوله " مرتين " وتأكد ذلك عنده برواية أبي معاوية المفسرة , وحذف لفظ ثلاث من رواية حماد بن زيد لأن أصل الحديث ثابت , وقوله " فإذا هي أنت " .

      قال القرطبي يريد أنه رآها في النوم كما رآها في اليقظة , فكانت المراد بالرؤيا لا غيرها وقد بين حماد بن سلمة في روايته المراد ولفظه " أتيت بجارية في سرقة من حرير بعد وفاة خديجة فكشفتها فإذا هي أنت " الحديث , وهذا يدفع الاحتمال الذي ذكره ابن بطال ومن تبعه حيث جوزوا أن هذه الرؤية قبل أن يوحى إليه وقد تقدم تفسير السرقة وضبطها , وأن الملك المذكور هو جبريل , وكثير من مباحثه في كتاب النكاح , وذكرت احتمالا عن عياض في قوله " إن يكن هذا من عند الله يمضه " ثم وجدته أخذ أكثره من كلام ابن بطال .

      ومحمد في السند الثاني جزم السرخسي في رواية أبي ذر عنه أنه أبو كريب محمد بن العلاء , وكلام الكلاباذي يقتضي أنه ابن سلام .

      قال ابن بطال : رؤيا المرأة في المنام يختلف على وجوه :

      منها أن يتزوج الرائي حقيقة بمن يراها أو شبهها , ومنها أن يدل على حصول دنيا أو منزلة فيها أو سعة في الرزق , وهذا أصل عند المعبرين في ذلك . وقد تدل المرأة بما يقترن بها في الرؤيا على فتنة تحصل للرائي .

      وأما ثياب الحرير فيدل اتخاذها للنساء في المنام على النكاح وعلى العزاء وعلى الغنى وعلى زيادة في البدن , قالوا : والملبوس كله يدل على جسم لابسه لكونه يشتمل عليه ولا سيما واللباس في العرف دال على أقدار الناس وأحوالهم
    • باب نزع الذنوب والذنوبين من البئر بضعف


      حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه عن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في أبي بكر وعمر قال رأيت الناس اجتمعوا فقام أبو بكر فنزع ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له ثم قام ابن الخطاب فاستحالت غربا فما رأيت من الناس من يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن


      --------------------------------------------------------------------------------

      قوله ( نزع الذنوب والذنوبين من البئر بضعف ) أي مع ضعف نزع . حديث ابن عمر الذي قبله وحديث أبي هريرة بمعناه وزهير في الحديث الأول هو ابن معاوية ,
      وقوله " عن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم " كأنه تقدم للتابعي سؤال عن ذلك فأخبره به الصحابي
      وقوله " في أبي بكر وعمر " أي فيما يتعلق بمدة خلافتهما ,
      وقوله " قال رأيت " القائل هو النبي صلى الله عليه وسلم وحاكي ذلك عنه هو ابن عمر ,
      وقوله " رأيت الناس اجتمعوا فقام أبو بكر " فيه اختصار يوضحه ما قبله وأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ أولا فنزع من البئر ثم جاء أبو بكر , وقد تقدمت بقية فوائد حديثي الباب في الباب قبله وسعيد في الحديث الثاني هو ابن المسيب ,

      وفي الحديثين أنه من رأى أنه يستخرج من بئر ماء أنه يلي ولاية جليلة وتكون مدته بحسب ما استخرج قلة وكثرة وقد تعبر البئر بالمرأة وما يخرج منها بالأولاد وهذا الذي اعتمده أهل التعبير ولم يعرجوا على الذي قبله فهو الذي ينبغي أن يعول عليه لكنه بحسب حال الذي ينزع الماء , والله أعلم .
    • رؤيا النبي أنه على الحوض


      الاستراحة في المنام حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا أنا نائم رأيت أني على حوض أسقي الناس فأتاني أبو بكر فأخذ الدلو من يدي ليريحني فنزع ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له فأتى ابن الخطاب فأخذ منه فلم يزل ينزع حتى تولى الناس والحوض يتفجر .


      --------------------------------------------------------------------------------

      قوله ( الاستراحة في المنام ) قال أهل التعبير : إن كان المستريح مستلقيا على قفاه فإنه يقوى أمره وتكون الدنيا تحت يده لأن الأرض أقوى ما يستند إليه بخلاف ما إذا كان منبطحا فإنه لا يدري ما وراءه .

      حديث همام عن أبي هريرة في رؤياه صلى الله عليه وسلم الدلو , وفيه " فأخذ أبو بكر الدلو ليريحني , وقد تقدمت فوائده في الذي قبله .

      وقوله فيه رأيت أني على حوض أسقي الناس , كذا للأكثر وفي رواية المستملي والكشميهني على حوضي والأول أولى , وكأنه كان يملأ من البئر فيسكب في الحوض والناس يتناولون الماء لبهائمهم وأنفسهم وإن كانت رواية المستملي محفوظة احتمل أن يريد حوضا له في الدنيا لا حوضه الذي في القيامة
    • رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم لقصر عمر بن الخطاب في الجنة


      باب القصر في المنام حدثنا سعيد بن عفير حدثني الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر قلت لمن هذا القصر قالوا لعمر بن الخطاب فذكرت غيرته فوليت مدبرا قال أبو هريرة فبكى عمر بن الخطاب ثم قال أعليك بأبي أنت وأمي يا رسول الله أغار


      --------------------------------------------------------------------------------

      قوله باب القصر في المنام قال أهل التعبير : القصر في المنام عمل صالح لأهل الدين ولغيرهم حبس وضيق , وقد يفسر دخول القصر بالتزويج .

      حديث أبي هريرة " بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا أنا نائم رأيتني في الجنة " أخرجه من رواية عقيل عن ابن شهاب , ووقع عند مسلم من رواية يونس بن يزيد عن ابن شهاب بلفظ " بينما أنا نائم إذ رأيتني " وهو بضم التاء لضمير المتكلم .

      قوله ( فإذا امرأة تتوضأ ) تقدم في مناقب عمر ما نقل عن ابن قتيبة والخطابي أن قوله " تتوضأ " تصحيف وأن الأصل " شوهاء " بشين معجمة مفتوحة وواو ساكنة ثم هاء عوض الضاد المعجمة , واعتل ابن قتيبة بأن الجنة ليست دار تكليف , ثم وجدت بعضهم اعترض عليه بقوله وليس في الجنة شوهاء , وهذا الاعتراض لا يرد على ابن قتيبة لأنه ادعى أن المراد بالشوهاء الحسناء كما تقدم بيانه واضحا , قال والوضوء لغوي ولا مانع منه " وقال القرطبي إنما توضأت لتزداد حسنا ونورا لا أنها تزيل وسخا ولا قذرا إذ الجنة منزهة عن ذلك " . وقال الكرماني تتوضأ من الوضاءة وهي النظافة والحسن , ويحتمل أن يكون من الوضوء , ولا يمنع من ذلك كون الجنة ليست دار تكليف لجواز أن يكون على غير وجه التكليف . قلت : ويحتمل أن لا يراد وقوع الوضوء منها حقيقة لكونه مناما فيكون مثالا لحالة المرأة المذكورة , وقد تقدم في المناقب أنها أم سليم وكانت في قيد الحياة حينئذ فرآها النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة إلى جانب قصر عمر , فيكون تعبيره بأنها من أهل الجنة لقول الجمهور من أهل التعبير أن من رأى أنه دخل الجنة أنه يدخلها فكيف إذا كان الرائي لذلك أصدق الخلق , وأما وضوءها فيعبر بنظافتها حسا ومعنى وطهارتها جسما وحكما وأما كونها إلى جانب قصر عمر ففيه إشارة إلى أنها تدرك خلافته وكان كذلك ولا يعارض هذا ما تقدم في صفة الجنة من بدء الخلق من أن رؤيا الأنبياء حق والاستدلال على ذلك بغيرة عمر لأنه لا يلزم من كون المنام على ظاهره أن لا يكون بعضه يفتقر إلى تعبير , فإن رؤيا الأنبياء حق يعني ليست من الأضغاث سواء كانت على حقيقتها أو مثالا , والله أعلم , وقد تقدمت فوائد هذا الحديث في المناقب .

      وقوله " أعليك بأبي أنت وأمي يا رسول الله أغار " تقدم أنه من المقلوب لأن القياس أن يقول أعليها أغار منك , وقال الكرماني لفظ " عليك " ليس متعلقا بأغار بل التقدير مستعليا عليك أغار عليها , قال ودعوى القياس المذكور ممنوعة إذ لا محوج إلى ارتكاب القلب مع وضوح المعنى بدونه ويحتمل أن يكون أطلق " على " وأراد " من " كما قيل إن حروف الجر تتناوب , وفي الحديث جواز ذكر الرجل بما علم من خلقه كغيرة عمر , وقوله " رجل من قريش " عرف من الرواية الأخرى أنه عمر , قال الكرماني علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه عمر إما بالقرائن وإما بالوحي .
    • الطواف بالكعبة في المنام


      حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم سبط الشعر بين رجلين ينطف رأسه ماء فقلت من هذا قالوا ابن مريم فذهبت ألتفت فإذا رجل أحمر جسيم جعد الرأس أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية قلت من هذا قالوا هذا الدجال أقرب الناس به شبها ابن قطن وابن قطن رجل من بني المصطلق من خزاعة


      --------------------------------------------------------------------------------

      قوله ( الطواف بالكعبة في المنام ) قال أهل التعبير : الطواف يدل على الحج وعلى التزويج وعلى حصول أمر مطلوب من الإمام وعلى بر الوالدين وعلى خدمة عالم والدخول في أمر الإمام فإن كان الرائي رقيقا دل على نصحه لسيده .

      قوله ( بينا أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة . . . الحديث ) تقدم شرحه مستوفى في ذكر عيسى عليه السلام من أحاديث الأنبياء , ويأتي شيء مما يتعلق بالرجال في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى .
    • رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أوتي بقدح من لبن


      حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري أخبرني حمزة بن عبد الله أن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري يخرج من أظفاري ثم أعطيت فضلي يعني عمر قالوا فما أولته يا رسول الله قال العلم


      --------------------------------------------------------------------------------

      قوله ( حدثنا عبدان ) كذا للجميع ووقع في أطراف المزي أن البخاري أخرج هذا الحديث في التعبير عن أبي جعفر محمد بن الصلت وفي فضل عمر عن عبدان , والموجود في الصحيح بالعكس وعبد الله هو ابن المبارك , ويونس هو ابن يزيد , وحمزة الراوي عن ابن عمر هو ولده .

      ووقع في الباب الذي يليه من وجه آخر عن الزهري عن حمزة أنه سمع عبد الله بن عمر .

      قال ابن العربي لم يخرج البخاري هذا الحديث من غير هذه الطريق , وكان ينبغي - على طريقته - أن يخرجه عن غيره لو وجده .
      قلت : بل وجده وأخرجه كما تقدم في فضل عمر من طريق سالم أخي حمزة عن أبيهما , وإشارته إلى أن طريقة البخاري أن يخرج الحديث من طريقين فصاعدا - إلا أن لا يجد - في مقام المنع .

      قوله ( حتى إني لأرى الري يخرج في أظافيري ) في رواية الكشميهني " من أظافيري " وفي رواية صالح ابن كيسان " من أطرافي " وهذه الرؤيا يحتمل أن تكون بصرية وهو الظاهر , ويحتمل أن تكون علمية , ويؤيد الأول ما عند الحاكم والطبراني من طريق أبي بكر بن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده في هذا الحديث " فشربت حتى رأيته يجري في عروقي بين الجلد واللحم " على أنه محتمل أيضا .

      قوله ( ثم أعطيت فضلي يعني عمر ) كذا في الأصل كأن بعض رواته شك ووقع في رواية صالح بن كيسان بالجزم ولفظه " فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب " وفي رواية أبي بكر بن سالم " ففضلت فضلة فأعطيتها عمر " .

      قوله ( قالوا فما أولته ) في رواية صالح " فقال من حوله " وفي رواية سفيان بن عيينة عن الزهري عند سعيد بن منصور " ثم ناول فضله عمر , قال ما أولته " ؟ وظاهره أن السائل عمر , ووقع في رواية أبي بكر بن سالم أنه صلى الله عليه وسلم " قال لهم أولوها , قالوا : يا نبي الله هذا علم أعطاكه الله فملأك منه ففضلت فضلة فأعطيتها عمر , قال أصبتم " ويجمع بأن هذا وقع أولا ثم احتمل عندهم أن يكون عنده في تأويلها زيادة على ذلك فقالوا ما أولته إلخ وقد تقدم بعض شرح هذا الحديث في كتاب العلم وبعضه في مناقب عمر , قال ابن العربي اللبن رزق يخلقه الله طيبا بين أخباث من دم وفرث كالعلم نور يظهره الله في ظلمة الجهل , فضرب به المثل في المنام .

      قال بعض العارفين الذي خلص اللبن من بين فرث ودم قادر على أن يخلق المعرفة من بين شك وجهل ويحفظ العمل عن غفلة وزلل , وهو كما قال لكن اطردت العادة بأن العلم بالتعلم والذي ذكره قد يقع خارقا للعادة فيكون من باب الكرامة .

      وقال ابن أبي جمرة : تأول النبي صلى الله عليه وسلم اللبن بالعلم اعتبارا بما بين له أول الأمر حين أتي بقدح خمر وقدح لبن فأخذ اللبن , فقال له جبريل : أخذت الفطرة الحديث , قال وفي الحديث مشروعية قص الكبير رؤياه على من دونه , وإلقاء العالم المسائل واختبار أصحابه في تأويلها , وأن من الأدب أن يرد الطالب علم ذلك إلى معلمه .

      قال والذي يظهر أنه لم يرد منهم أن يعبروها وإنما أراد أن يسألوه عن تعبيرها , ففهموا مراده فسألوه فأفادهم وكذلك ينبغي أن يسلك هذا الأدب في جميع الحالات .

      قال وفيه أن علم النبي صلى الله عليه وسلم بالله لا يبلغ أحد درجته فيه لأنه شرب حتى رأى الري يخرج من أطرافه , وأما إعطاؤه فضله عمر ففيه إشارة إلى ما حصل لعمر من العلم بالله بحيث كان لا يأخذه في الله لومة لائم .

      قال وفيه أن من الرؤيا ما يدل على الماضي والحال والمستقبل , قال وهذه أولت على الماضي , فإن رؤياه هذه تمثيل بأمر قد وقع لأن الذي أعطيه من العلم كان قد حصل له وكذلك أعطيه عمر , فكانت فائدة هذه الرؤيا تعريف قدر النسبة بين ما أعطيه من العلم وما أعطيه عمر .
    • رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه وضع في يديه سواران من ذهب


      حدثني سعيد بن محمد أبو عبد الله الجرمي حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح عن ابن عبيدة بن نشيط قال قال عبيد الله بن عبد الله سألت عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ذكر فقال ابن عباس ذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا أنا نائم رأيت أنه وضع في يدي سواران من ذهب ففظعتهما وكرهتهما فأذن لي فنفختهما فطارا فأولتهما كذابين يخرجان فقال عبيد الله أحدهما العنسي الذي قتله فيروز باليمن والآخر مسيلمة


      --------------------------------------------------------------------------------

      قوله ( عن ابن عبيدة ) بالتصغير ابن نشيط بنون ومعجمة ثم مهملة وزن عظيم ووقع في رواية الكشميهني " عن أبي عبيدة " جعلها كنية والصواب " ابن " فقد تقدم هذا الحديث بهذا السند في أواخر المغازي في قصة العنسي وقال فيه " عن ابن عبيدة " بغير اختلاف , وزاد في موضع آخر " اسمه عبد الله " قلت : وهو الربذي بفتح الراء والموحدة بعدها معجمة أخو موسى بن عبيدة الربذي المحدث المشهور بالضعف وليس لعبد الله هذا في البخاري سوى هذا الحديث , وقد اختلف على يعقوب بن إبراهيم بن سعد في سنده فأخرجه النسائي عن أبي داود الحراني عنه عن أبيه عن صالح قال " قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة " أسقط عبد الله بن عبيدة من السند هكذا أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن أبي داود الحراني ومن رواية عبيد الله بن سعد بن إبراهيم عن عمه يعقوب , قال الإسماعيلي هذان ثقتان روياه هكذا .

      قلت : لكن سعيد ثقة , وقد تابعه عباس بن محمد الدوري عن يعقوب بن إبراهيم أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريقه , وقد تقدم شرح الحديث في المغازي ويأتي شيء منه بعد أبواب .

      وإن قول ابن عباس في هذه الرواية " ذكر لي " على البناء للمجهول يبين من رواية نافع بن جبير عن ابن عباس المذكورة هناك أن المبهم المذكور أبو هريرة , قال المهلب : هذه الرؤيا ليست على وجهها , وإنما هي من ضرب المثل , وإنما أول النبي صلى الله عليه وسلم السوارين بالكذابين لأن الكذب وضع الشيء في غير موضعه , فلما رأى في ذراعيه سوارين من ذهب وليسا من لبسه لأنهما من حلية النساء عرف أنه سيظهر من يدعي ما ليس له وأيضا ففي كونهما من ذهب والذهب منهي عن لبسه دليل على الكذب , وأيضا فالذهب مشتق من الذهاب فعلم أنه شيء يذهب عنه وتأكد ذلك بالإذن له في نفخهما فطارا فعرف أنه لا يثبت لهما أمر وأن كلامه بالوحي الذي جاء به يزيلهما عن موضعهما والنفخ يدل على الكلام . انتهى ملخصا .

      وقوله في آخر الحديث فقال عبيد الله هو ابن عبد الله بن عتبة راوي الحديث , وهو موصول بالسند المذكور إليه وهذا التفسير يوهم أنه من قبله , وسيأتي قريبا من وجه آخر عن أبي هريرة أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فيحتمل أن يكون عبيد الله لم يسمع ذلك من ابن عباس , وقد ذكرت خبر الأسود العنسي هناك وذكرت خبر مسيلمة وقتله في غزوة أحد , وشيئا من خبره في أواخر المغازي أيضا .

      قال الكرماني كان يقال للأسود العنسي ذو الحمار لأنه علم حمارا إذا قال له اسجد يخفض رأسه .

      قلت : فعلى هذا هو بالحاء المهملة , والمعروف أنه بالخاء المعجمة بلفظ الثوب الذي يختمر به قال ابن العربي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوقع بطلان أمر مسيلمة والعنسي فأول الرؤيا عليهما ليكون ذلك إخراجا للمنام عليهما ودفعا لحالهما , فإن الرؤيا إذا عبرت خرجت ويحتمل أن يكون بوحي والأول أقوى , كذا قال .
    • رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقرا تنحر


      حدثني محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد عن جده أبي بردة عن أبي موسى أراه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب ورأيت فيها بقرا والله خير فإذا هم المؤمنون يوم أحد وإذا الخير ما جاء الله من الخير وثواب الصدق الذي آتانا الله به بعد يوم بدر


      --------------------------------------------------------------------------------

      قوله ( إذا رأى بقرا تنحر ) كذا ترجم بقيد النحر , ولم يقع ذلك في الحديث الذي ذكره عن أبي موسى , وكأنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرق الحديث كما سأبينه .

      حديث أبي موسى المذكور في الباب أورده بهذا السند بتمامه في علامات النبوة , وفرق منه في المغازي بهذا السند أيضا , وعلق فيها منه قطعة في الهجرة فقال " وقال أبو موسى " وذكر بعضه هنا وبعضه بعد أربعة أبواب ولم يذكر بعضه , وقد تقدم في غزوة أحد شرح ما أورده منه فيها .

      قوله ( أراه ) بضم أوله أي أظنه وقد بينت هناك أن القائل " أراه " هو البخاري وأن مسلما وغيره رووه عن أبي كريب محمد بن العلاء شيخ البخاري فيه بالسند المذكور بدون هذه اللفظة بل جزموا برفعه .

      قوله ( فذهب وهلي ) قال ابن التين : روينا " وهلي " بفتح الهاء والذي ذكره أهل اللغة بسكونها تقول وهلت بالفتح أهل إذا ذهب وهمك إليه وأنت تريد غيره مثل وهمت , ووهل يوهل وهلا بالتحريك إذا فزع قال ولعله وقع في الرواية على مثل ما قالوه في البحر بحر بالتحريك وكذا النهر والنهر والشعر والشعر انتهى .
      وبهذا جزم أهل اللغة ابن فارس والفارابي والجوهري والقالي وابن القطاع , إلا أنهم لم يقولوا " وأنت تريد غيره " وقد وقع في حديث المائة سنة " فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهلا " بالتحريك وقال النووي معناه غلطوا , يقال وهل بفتح الهاء يهل بكسرها وهلا بسكونها مثل ضرب يضرب ضربا أي غلط وذهب وهمه إلى خلاف الصواب , وأما وهلت بكسرها أوهل بالفتح وهلا بالتحريك أيضا كحذرت أحذر حذرا فمعناه فزعت , والوهل بالفتح الفزع وضبطه النووي بالتحريك وقال الوهل بالتحريك معناه الوهم والاعتقاد وأما صاحب النهاية فجزم أنه بالسكون .

      قوله ( أو الهجر ) كذا لأبي ذر هنا بالألف واللام ووافقه الأصيلي ووقع في رواية كريمة " أو هجر " بغير ألف ولام , وهي بلد قدمت بيانها في باب الهجرة إلى المدينة .

      قوله ( ورأيت فيها بقرا والله خير ) تقدم ما فيه ووقع في حديث جابر عند أحمد والنسائي والدارمي من رواية حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر وفي رواية لأحمد " حدثنا جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت كأني في درع حصينة , ورأيت بقرا تنحر , فأولت الدرع الحصينة المدينة وأن البقر بقر والله خير " وهذه اللفظة الأخيرة وهي بقر بفتح الموحدة وسكون القاف مصدر بقره يبقره بقرا , ومنهم من ضبطها بفتح النون والفاء ولهذا الحديث سبب جاء بيانه في حديث ابن عباس عند أحمد أيضا والنسائي والطبراني وصححه الحاكم من طريق أبي الزناد عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس في قصة أحد وإشارة النبي صلى الله عليه وسلم عليهم أن لا يبرحوا من المدينة , وإيثارهم الخروج لطلب الشهادة .
      ولبسه اللأمة وندامتهم على ذلك وقوله صلى الله عليه وسلم " لا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل " وفيه " إني رأيت أني في درع حصينة " الحديث بنحو حديث جابر وأتم منه وقد تقدمت الإشارة إليه وإلى ما له من شاهد في غزوة أحد , وتقدم هناك قول السهيلي إن البقر تعبر برجال متسلحين يتناطحون في القتال والبحث معه فيه وهو إنما تكلم على رواية ابن إسحاق " إني رأيت والله خيرا رأيت بقرا " ولكن تقييده في الحديث الذي ذكرته البقر بكونها تنحر هو على ما فسره في الحديث بأنهم من أصيب من المسلمين .

      وإن كانت الرواية بسكون القاف أو بالنون والفاء وليس من رؤية البقر المتناطحة في شيء , وقد ذكر أهل التعبير للبقر في النوم وجوها أخرى :
      منها أن البقرة الواحدة تفسر بالزوجة والمرأة والخادم والأرض , والثور يفسر بالثائر لكونه يثير الأرض فيتحرك عاليها وسافلها فكذلك من يثور في ناحية لطلب ملك أو غيره
      ومنها أن البقر إذا وصلت إلى بلد فإن كانت بحرية فسرت بالسفن وإلا فبعسكر أو بأهل بادية أو يبس يقع في تلك البلد .

      قوله ( وإذا الخير ما جاء الله به من الخير وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر ) المراد بما بعد بدر فتح خيبر ثم مكة ووقع في رواية " بعد " بالضم أي بعد أحد ونصب " يوم " أي ما جاء الله به بعد بدر الثانية من تثبيت قلوب المؤمنين .
      قال الكرماني ويحتمل أن يراد بالخير الغنيمة , وبعد أي بعد الخير , والثواب والخير حصلا في يوم بدر .
      قلت : وفي هذا السياق إشعار بأن قوله في الخبر " والله خير " من جملة الرؤيا , والذي يظهر لي أن لفظه لم يتحرر إيراده وأن رواية ابن إسحاق هي المحررة , وأنه رأى بقرا ورأى خيرا فأول البقر على من قتل من الصحابة يوم أحد , وأول الخير على ما حصل لهم من ثواب الصدق في القتال والصبر على الجهاد يوم بدر وما بعده إلى فتح مكة , والمراد بالبعدية على هذا لا يختص بما بين بدر وأحد نبه عليه ابن بطال , ويحتمل أن يريد ببدر بدر الموعد لا الوقعة المشهورة السابقة على أحد , فإن بدر الموعد كانت بعد أحد ولم يقع فيها قتال وكان المشركون لما رجعوا من أحد قالوا : موعدكم العام المقبل بدر , فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ومن انتدب معه إلى بدر فلم يحضر المشركون فسميت بدر الموعد , فأشار بالصدق إلى أنهم صدقوا الوعد ولم يخلفوه فأثابهم الله تعالى على ذلك بما فتح عليهم بعد ذلك من قريظة وخيبر وما بعدها والله أعلم .
    • رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أوتي خزائن الأرض


      حدثني إسحاق بن إبراهيم الحنظلي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نحن الآخرون السابقون وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا أنا نائم إذ أوتيت خزائن الأرض فوضع في يدي سواران من ذهب فكبرا علي وأهماني فأوحي إلي أن انفخهما فنفختهما فطارا فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما صاحب صنعاء وصاحب اليمامة


      --------------------------------------------------------------------------------

      قوله ( النفخ في المنام ) قال أهل التعبير : النفخ يعبر بالكلام وقال ابن بطال : يعبر بإزالة الشيء المنفوخ بغير تكلف شديد لسهولة النفخ على النافخ , ويدل على الكلام , وقد أهلك الله الكذابين المذكورين بكلامه صلى الله عليه وسلم وأمره بقتلهما .

      قوله ( حدثني ) في رواية أبي ذر " حدثنا " . قوله ( إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ) هو المعروف بابن راهويه . قوله ( هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نحن الآخرون السابقون . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا أنا نائم ) قد تقدم التنبيه على هذا الصنيع في أوائل كتاب الأيمان والنذور , وأن نسخة همام عن أبي هريرة كانت عند إسحاق بهذا السند وأول حديث فيها حديث ( نحن الآخرون السابقون ) الحديث في الجمعة وبقية أحاديث النسخة معطوفة عليه بلفظ " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فكان إسحاق إذا أراد التحديث بشيء منها بدأ بطرف من الحديث الأول وعطف عليه ما يريد , ولم يطرد هذا الصنيع للبخاري في هذه النسخة , وأما مسلم فاطرد صنيعه في ذلك كما نبهت عليه هناك وبالله التوفيق .
      وقد تقدم هذا الحديث في " باب وفد بني حنيفة " في أواخر المغازي عن إسحاق بن نصر عن عبد الرزاق بهذا الإسناد , لكن قال في روايته عن همام " أنه سمع أبا هريرة " ولم يبدأ فيه إسحاق بن نصر بقوله " نحن الآخرون السابقون " وذلك مما يؤيد ما قررته , ويعكر على من زعم أن هذه الجملة أول حديث الباب وتكلف قوله ( إذ أتيت خزائن الأرض ) كذا وجدته في نسخة معتمدة من طريق أبي ذر من الإتيان بمعنى المجيء وبحذف الباء من خزائن وهي مقدرة , وعند غيره " أوتيت " بزيادة واو من الإيتاء بمعنى الإعطاء , ولا إشكال في حذف الباء على هذه الرواية , ولبعضهم كالأول لكن بإثبات الباء وهي رواية أحمد وإسحاق بن نصر عن عبد الرزاق .

      قال الخطابي المراد بخزائن الأرض ما فتح على الأمة من الغنائم من ذخائر كسرى وقيصر وغيرهما , ويحتمل معادن الأرض التي فيها الذهب والفضة , قال غيره : بل يحمل على أعم من ذلك .

      قوله ( فوضع ) بفتح أوله وثانيه , وفي رواية إسحاق بن نصر بضم أوله وكسر ثانيه . قوله ( في يدي ) في رواية إسحاق بن نصر " في كفي " .

      قوله ( سوارين ) في رواية إسحاق بن نصر " سواران " ولا إشكال فيها وشرح ابن التين هنا على لفظ " وضع " بالضم " وسوارين " بالنصب وتكلف لتخريج ذلك وقد أخرجه ابن أبي شيبة وابن ماجه من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ " رأيت في يدي سوارين من ذهب " وأخرجه سعيد بن منصور من رواية سعيد المقبري عن أبي هريرة مثله وزاد " في المنام " والسوار بكسر المهملة ويجوز ضمها وفيه لغة ثالثة أسوار بضم الهمزة أوله .

      قوله ( فكبر علي ) في رواية إسحاق بن نصر " فكبرا " بالتثنية والباء الموحدة مضمومة بمعنى العظم , قال القرطبي وإنما عظم عليه ذلك لكون الذهب من حلية النساء ومما حرم على الرجال .

      قوله ( فأوحي إلي ) كذا للأكثر على البناء للمجهول وفي رواية الكشميهني في حديث إسحاق بن نصر " فأوحى الله إلي " وهذا الوحي يحتمل أن يكون من وحي الإلهام أو على لسان الملك قاله القرطبي .

      قوله ( فنفختهما ) زاد إسحاق بن نصر " فذهبا " وفي رواية ابن عباس الماضية قريبا " فطارا " وكذا في رواية المقبري وزاد " فوقع واحد باليمامة والآخر باليمن " وفي ذلك إشارة إلى حقارة أمرهما لأن شأن الذي ينفخ فيذهب بالنفخ أن يكون في غاية الحقارة , ورده ابن العربي بأن أمرهما كان في غاية الشدة ولم ينزل بالمسلمين قبله مثله .
      قلت : وهو كذلك لكن الإشارة إنما هي للحقارة المعنوية لا الحسية , وفي طيرانهما إشارة إلى اضمحلال أمرهما كما تقدم .

      قوله ( فأولتهما الكذابين ) قال القاضي عياض : لما كان رؤيا السوارين في اليدين جميعا من الجهتين وكان النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ بينهما فتأول السوارين عليهما لوضعهما في غير موضعهما لأنه ليس من حلية الرجال وكذلك الكذاب يضع الخبر في غير موضعه , وفي كونهما من ذهب إشعار بذهاب أمرهما .

      وقال ابن العربي السوار من حلي الملوك الكفار كما قال الله تعالى فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب واليد لها معان منها القوة والسلطان والقهر , قال ويحتمل أن يكون ضرب المثل بالسوار كناية عن الأسوار وهو من أسامي ملوك الفرس , قال وكثيرا ما يضرب المثل بحذف بعض الحروف . قلت : وقد ثبت بزيادة الألف في بعض طرقه كما بينته .

      وقال القرطبي في " المفهم " ما ملخصه :
      مناسبة هذا التأويل لهذه الرؤيا أن أهل صنعاء وأهل اليمامة كانوا أسلموا فكانوا كالساعدين للإسلام فلما ظهر فيهما الكذابان وبهرجا على أهلهما بزخرف أقوالهما ودعواهما الباطلة انخدع أكثرهم بذلك فكان اليدان بمنزلة البلدين والسواران بمنزلة الكذابين وكونهما من ذهب إشارة إلى ما زخرفاه والزخرف من أسماء الذهب .

      قوله ( اللذين أنا بينهما ) ظاهر في أنهما كانا حين قص الرؤيا موجودين وهو كذلك لكن وقع في رواية ابن عباس " يخرجان بعدي " والجمع بينهما أن المراد بخروجهما بعده ظهور شوكتهما ومحاربتهما ودعواهما النبوة نقله النووي عن العلماء وفيه نظر لأن ذلك كله ظهر للأسود بصنعاء في حياته صلى الله عليه وسلم فادعى النبوة وعظمت شوكته وحارب المسلمين وفتك فيهم وغلب على البلد وآل أمره إلى أن قتل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كما قدمت ذلك واضحا في أواخر المغازي , وأما مسيلمة فكان ادعى النبوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لكن لم تعظم شوكته ولم تقع محاربته إلا في عهد أبي بكر , فإما أن يحمل ذلك على التغليب وإما أن يكون المراد بقوله " بعدي " أي بعد نبوتي .

      قال ابن العربي يحتمل أن يكون ما تأوله النبي صلى الله عليه وسلم في السوارين بوحي ويحتمل أن يكون تفاءل بذلك عليهما دفعا لحالهما فأخرج المنام المذكور عليهما , لأن الرؤيا إذا عبرت وقعت والله أعلم .

      ( تنبيه ) : أخرج ابن أبي شيبة من مرسل الحسن رفعه رأيت كأن في يدي سوارين من ذهب فكرهتهما فذهبا كسرى وقيصر وهذا إن كان الحسن أخذه عن ثبت فظاهره يعارض التفسير بمسيلمة والأسود , فيحتمل أن يكون تعددا والتفسير من قبله بحسب ما ظنه أدرج في الخبر فالمعتمد ما ثبت مرفوعا أنهما مسيلمة والأسود .