التربية احتضان والتزام

    • التربية احتضان والتزام

      تعتبر «التربية» مسألة على قدر كبير من الأهمية عند المجتمعات والدول والأمم، وعلى مستوى الحاضر والمستقبل، فهي ضمان للحاضر وبها ومن خلالها تتضح الرؤية للغد القادم، بفضل ما تنتجه من كوادر وطاقات تحصّن بها المجتمع وتصونه وتبني الأمة وتقيم الحضارة.

      ولا يخفى على أحد ما للتربية من دور مهم ومباشر في بناء الإنسان وإعداده، وتوجيه سلوكه وتصرفاته وأفكاره ومشاعره، وتأطير عاداته وطباعه، وبالتالي تحقيق نموه وتكامله، ليكون عنصراً مجتمعياً نافعاً وإنساناً يافعاً ومنتجاً... وقادراً في الوقت نفسه على الالتزام بمسؤولياته تجاه نفسه ومجتمعه وأمته.

      إن أصعب ما في «التربية» أنها لا تتم عبر مرحلة واحدة فقط، كما إن الذي يقوم بها ويشرف عليها أكثر من طرف، فهي تبدأ بالبيت وتمر بالمدرسة، وبها وبالمجتمع تنتهي، إذا جاز التعبير، فالإنسان الفطري ما دام على قيد الحياة فهو في مسيرة «تربوية» تكاملية للروح والعقل والجسد.

      إن حساسية «التربية» موضوعها الأساس: الطفل.. والذي أعطاه الخالق عز وجل قيمة مقدسة ومرتبة إنسانية متقدمة، فاعتبره أمانة في يد الوالدين، وجعله منطقة اختبار وابتلاء لهما، لتبرز مؤهلاتهم لحفظ هذه الأمانة، وكيف أنهم يستفيدون من الإرشادات الإلهية لصيانتها ورعايتها.

      الخطوة التربوية الأولى تتم في الأسرة التي تحتضن الطفل وتتبنى جميع متطلباته الضرورية وحاجياته المادية كالمأكل والملبس والراحة والأمان والمعنوية كالحب والعطف والحنان.

      وتوجب هذه «المسؤولية التربوية» على الوالدين أن يلتزما تماماً بأداء حقوق الطفل وتوفير مستلزماته وبذل الوسع والجهد في سبيل رعايته واحتضانه والعمل بكل جد وتفاني على نشأته النشأة الصالحة حيث يقول الإمام المجدد الشيرازي الثاني (قدس سره): «على الآباءِ، أنْ يجعلوا بيوتَهم مدرسةً لتربيةِ أولادِهم على تجاربِهم اليوميةِ».

      إن القيام بذلك لا يأتي من فراغ أو لمجرد أنه أمنية متجذرة في القلب، كما إنه لا ينبثق اعتباطاً أو صدفة، بل إنها تلزم بأن يكون المسؤولون عنها واعين وملمين بالعلوم التربية والنفسية والسلوكية، لتنمية الطفل بدنياً ودينياً وفكرياً وعقلياً، إذ ـ يجب على المسلمين ـ كما يقول الإمام الراحل (أعلى الله مقامه) أنْ يعملوا على تنمية عقولِ أبنائِهم، لأنَّ العقلَ نعمةٌ أنعم بها اللهُ عزَّ وجلَّ على عبادِهِ، حتى يتمكنَ العبدُ من مواجهةِ الأهواءِ والشهواتِ والانحرافاتِ التي يواجهُها من كلِّ حدبٍ وصوبٍ.

      فمن الأخطاء الكبيرة التي يقع فيها أكثر الآباء والأمهات والمربون عندما يظنون أن تربية الطفل تكون ما بعد أن يتم الطفل فترة رضاعته، في الحقيقة، وهذا ما يجب ألا يغيب عن بال أحد، إن المسؤولية التربوية تبدأ قبل ولادة الطفل بل ومنذ اللحظة التي يبحث فيها الرجل عن زوجة له.

      ففترة الرضاعة أشبه ما تكون بالأساس الذي يقوم عليه بناء الإنسان ـ الرجل ـ وبالتالي فإن مصير الإنسان ومستقبله يمكن أن ترسم خطوطه ومعالمه الرئيسة في غضون هذه الفترة.

      يروى عن أحد كبار العلماء، أن والده اشترط على أمه حينما حملت به أن لا تأكل طعاماً أو شراباً قط إلاّ مما يأتيها به، وذات يوم وبعد أن رزقهما الله تعالى ولداً، دخل الأب بيته فوجد زوجته أمام التنور تعمل خبزاً، والطفل في حضن امرأة جارة ترضعه، فجذب الأب ولده، وأدخل اصبعه في فم الطفل ليخرج من جوفه قطرات الحليب التي رضعها من ثدي تلك المرأة. ومرت السنون وإذا بالطفل يصبح من العلماء الأعلام والمبرزين، حيث كان طوال هذه المدة مواظباً على طلب العلم والعبادة، ولكنه بين حين وآخر تنتابه (فترة) يكسل فيها عن العلم والعبادة، وحينما سأل عن سبب ذلك قال: ما أظن هذه الفترات إلاّ من تلك القطرات. وقد بُشرت إحدى أمهات العلماء ذات يوم بأن ولدها أصبح مرجعاً للمسلمين فقالت: لا أتعجب لذلك، فلم أرضعه مرة إلاّ وأنا على وضوء.

      ومن هنا، ومن العديد من الآيات الكريمة والروايات الشريفة تتبين أهمية فترة الرضاعة، ويمكن لنا أن ندرك وبجلاء خطورة الطعام الحرام والمشبوه في صناعة جيل قد يصل والعياذ بالله إلى منطقة التيه والضياع والانحراف وخاصة في مرحلة «الرضاعة» والتي فيها توضع اللبنات الأولى والأساس لبناء الإنسان.

      منقول للأهمية والاستفادة منه
      أم حيدر علي