"أحيوا سنته"

    • الأمانة
      الحمد لله رب
      العالمين؛ اصطفى من عباده أنبياء ومرسلين، وأمرهم بتبليغ دينه الحنيف، وهداية الناس
      إلى صراطه المستقيم، نحمده على دينه وهدايته، ونشكره على رعايته وكفايته، وأشهد أن
      لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال

      {فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ
      مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:
      72]
      فمن أدَّاها كان من المفلحين، ومن ضيعها كان من
      الخاسرين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة،
      وجاهد في الله تعالى حقَّ جهاده حتى أتاه اليقين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى
      آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين.
      أما بعد: فاتقوا الله تعالى
      وأنيبوا إليه، واستمسكوا بدينه واثبتوا عليه؛ فقد وصاكم الخليلان إبراهيمُ ومحمدٌ
      عليهما الصلاة والسلام بذلك
      {وَوَصَّى بِهَا
      إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ
      الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132]

      وجاءكم نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم بنداء الله تعالى
      لكم

      {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا
      اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:
      102].

      أيها الناس: من فضل الله تعالى علينا،
      ورحمته بنا، وإحسانه إلينا أن اختصنا بأفضل رسله وخاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه
      وسلم فأرسله إلينا نبيا ورسولا وهاديا ومعلما

      {لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ
      رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ
      وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ
      مُبِينٍ} [آل عمران: 164].

      لقد أدبه ربه فأحسن
      تأديبه فتخلق بأخلاق القرآن، وحاز صلى الله عليه وسلم أفضل الخلال، واتصف بأحسن
      الأوصاف، وبلغ الغاية في الكمال البشري؛ فسبق بأخلاقه من كانوا قبله، ولم يبلغه أحد
      ممن جاء بعده؛ حتى كُتبت الكتب الطوال في وصف أخلاقه وسجاياه.. كتبها عرب وعجم،
      ومسلمون وكفار من المؤرخين والمستشرقين وغيرهم بُهروا بما رأوا من جميل خلاله
      وصفاته، وشهد له بذلك إبَّان بعثته أعداؤه قبل أتباعه، منهم النضر بن الحارث -وهو
      من ألد أعداء الدعوة- فقام في قريش في أول دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا
      معشر قريش، إنه والله قد نزل بكم أمرٌ ما أشلتم له نَبْلَه بعد، لقد كان محمد فيكم
      غلاما حَدَثا: أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثا، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه
      الشيب وجاءكم بما جاءكم قلتم ساحر! ولا والله ما هو بساحر، قد رأينا السحرة ونفثهم
      وعقدهم، وقلتم كاهن! ولا والله ما هو بكاهن، وقد رأينا الكهنه وحالهم وسمعنا سجعهم،
      وقلتم شاعر! ولا والله ما هو بشاعر، ولقد روينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها... وقلتم
      مجنون! ولا والله ما هو مجنون، ولقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا
      تخليطه، يا معشر قريش، انظروا في شأنكم؛ فإنه والله قد نزل بكم أمر عظيم.أهـ

      فإذا كان هذا وصفُ ألدِّ أعدائه ومكذبيه، ومحاربي دعوته فكيف بوصفِ أتباعه له؟!
      فصلوات ربي وسلامه عليه صلاة وسلاما دائمين ما تعاقب الجديدان.
      لقد كانت الأمانة
      من أَخَصِّ الأوصاف التي اتصف بها منذ نشأته صلى الله عليه وسلم حتى لَصِقت به قبل
      بعثته، فنعتته قريش بالأمين، واشتُهِر بذلك عند أهل مكة فحكَّموه في خصوماتهم،
      واستودعوه أماناتهم، فما حُفظت عنه غدرة، ولا عُرفت له في أمانته زلة.
      وفي
      الجاهلية جدَّدت قريشٌ بناء البيت حتى بلغوا الحجر الأسود فاختلفوا فيه كلُ بطن
      منهم يريد أن يحظى بشرف وضعه دون غيرهم (فقال بَطْنٌ من قُرَيْشٍ: نَحْنُ نَضَعُهُ،
      وقال آخَرُونَ نَحْنُ نَضَعُهُ، فَقَالَوا: (اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ حَكَماً،
      قَالُوا: أَوَّلَ رَجُلٍ يَطْلُعُ مِنَ الْفَجِّ فَجَاءَ النبي صلى الله عليه وسلم
      فَقَالُوا: أَتَاكُمُ الأَمِينُ، فَقَالُوا له، فَوَضَعَهُ في ثَوْبٍ ثُمَّ دَعَا
      بُطُونَهُمْ فَأَخَذُوا بِنَوَاحِيهِ معه فَوَضَعَهُ هو صلى الله عليه وسلم) رواه
      أحمد.
      واستأمنته خديجة رضي الله عنها على أموالها فاتجر بها، وأربحها ضِعْفَ ما
      كان يُربحُهَا غيرَه، فما كتمها شيئا، ولا أخفاه عنها -وكان ذلك قبل بعثته صلى الله
      عليه وسلم- فأرسلت إليه خديجة تعرض عليه الزواج، فَقَبِل وكانت هي زوجتَه الأولى،
      وأولَ من صدقه واتبعه من الناس.
      ولما بعثه الله تعالى إلى الناس رسولا عاداه أهل
      مكة، وآذوه وعذبوا أصحابه، وكانت ودائعهم عنده فما خانهم في شيء منها، ولا هدَّدهم
      بها، بل حفظها لهم مع عداوتهم له.
      ولما خرج مهاجرا إلى المدينة فرارا بدينه من
      قريش وأذاها خلَّف وراءَه عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه ليردَّ الودائع إلى أهلها
      فأقام علي رضي الله عنه بمكة بعد مخرج رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أياما حتى أدى
      للناس ودائعهم التي كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدلُ على كثرتها،
      وأن بيته عليه الصلاة والسلام كان مستودعَ ودائعهم.
      وكان من أوائلِ ما دعا
      الناسَ إليه إبَّان بعثته صلى الله عليه وسلم: أداءُ الأمانة، ودليل ذلك أن جعفر بن
      أبي طالب رضي الله عنه لما قابل النجاشي رحمه الله تعالى، وسأله النجاشي عن دينهم،
      أجابه جعفر رضي الله عنه فقال له: (أَيُّهَا الْمَلِكُ، كنا قَوْماً أَهْلَ
      جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الأَصْنَامَ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ
      وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ ونسيء الْجِوَارَ يَأْكُلُ الْقَوِىُّ مِنَّا الضَّعِيفَ
      فَكُنَّا على ذلك حتى بَعَثَ الله إِلَيْنَا رَسُولاً مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ
      وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ فَدَعَانَا إلى الله لِنُوَحِّدَهُ
      وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ ما كنا نَحْنُ نعبد وَآبَاؤُنَا من دُونِهِ مِنَ
      الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الحديث وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ
      وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ...) رواه أحمد وصححه ابن خزيمة.
      فشهد
      أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمينا، وأنه يدعوهم إلى أداء الأمانة، بل شهد له
      أبو سفيان رضي الله عنه بذلك قبل أن يسلم لما سأله عظيم الروم هرقل عن ذلك ثم قال
      هرقلٌ: (وَسَأَلْتُكَ بِمَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ
      تَعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شيئا وَيَنْهَاكُمْ عَمَّا كان يَعْبُدُ
      آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ والصدق وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ
      بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، قال: وَهَذِهِ صِفَةُ النبي) رواه
      البخاري.
      وكما لم يَسْلَم صلى الله عليه وسلم من طعن الطاعنين في دعوته وصدقه،
      فكذبوه ورَدُّوا ما دعاهم إليه فإنه لم يسلم من طعن بعضهم في أمانته، وتخوينهم له
      مع أن الناس قد شهدوا له بالأمانة بمن فيهم أعداؤه صلى الله عليه وسلم، ولكن أصحاب
      القلوب المريضة، والنفوس الضعيفة يفترون الكذب، ويرمون غيرهم بأدوائهم، ولم يستثنوا
      من ذلك الأمينُ في الأرض على دين الله تعالى ووحيه محمد صلى الله عليه وسلم فرماه
      بالخيانة بعض أهل الحقد والجهل؛ كما روت عَائِشَةُ رضي الله عنها قالت: (كان على
      رسول الله صلى الله عليه وسلم بُرْدَيْنِ قِطْرِيَّيْنِ وكان إذا جَلَسَ فَعَرِقَ
      فِيهِمَا ثَقُلَا عليه وَقَدِمَ لِفُلَانٍ الْيَهُودِيِّ بَزٌّ من الشام فقلت: لو
      أَرْسَلْتَ إليه فَاشْتَرَيْتَ منه ثَوْبَيْنِ إلى الْمَيْسَرَةِ فَأَرْسَلَ إليه
      فقال: قد عَلِمْتُ ما يُرِيدُ مُحَمَّدٌ، إنما يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِمَالِي أو
      يَذْهَبَ بِهِمَا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كَذَبَ قد عَلِمَ أَنِّي من
      أَتْقَاهُمْ لله وَآدَاهُمْ لِلْأَمَانَةِ) رواه النسائي.
      وذات مرة جاءه عليه
      الصلاة والسلام مال من اليمن فقسمه في بعض كبار نجد ليتألفهم على الإسلام فغضب بعض
      من لم يُعطوا (فَجَاءَ رَجُلٌ كَثُّ اللِّحْيَةِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ غَائِرُ
      الْعَيْنَيْنِ ناتئ الْجَبِينِ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ فقال: اتَّقِ اللَّهَ يا محمد،
      فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ إن عَصَيْتُهُ؟!
      أَيَأْمَنُنِي على أَهْلِ الأرض ولا تَأْمَنُونِي؟!) وفي رواية فقالصلى الله عليه
      وسلم: (ألا تَأْمَنُونِي وأنا أَمِينُ من في السَّمَاءِ يَأْتِينِي خَبَرُ
      السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً) متفق عليه.
      وما ضرَّ رسولَ الله صلى الله عليه
      وسلم تخوينُ الخائنين، ولا تكذيب المكذبين، ولا استهزاء المستهزئين، بل أعلى الله
      تعالى في العالمين ذكره، وأظهر دينه، وكثرَّ أتباعه، وعصم أمتَه من الإجماع على
      ضلالة
      {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى
      وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ}
      [التوبة:33].

      بارك الله لي ولكم في
      القرآن....

      الخطبة الثانية
      الحمد لله حمدا طيبا
      كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
      وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى
      بهداهم إلى يوم الدين..
      أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه
      {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا
      الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33].

      أيها المسلمون: كانت أعظمَ أمانة تحملها رسولُ الله صلى الله عليه
      وسلم أمانةُ دين الله تعالى وحمله وتبليغه والدعوة إليه والقتال عليه والهجرة
      لأجله؛ فأدَّى رسولنا صلى الله عليه وسلم هذه الأمانة العظيمة كما كُلِّف بها،
      وبلغها كما تحملَّها، وهانحن بعد ما يزيد على ألفٍ وأربعِ مئةٍ وأربعين سنة نتظلل
      فيء أمانته التي أداها، وننعم بشريعتها وأحكامها، ونفخر بالانتساب إليها، فجزاه
      الله تعالى عنا وعن المسلمين خير ما جزى نبيا عن أمته، والحمد لله الذي هدانا وما
      كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله تعالى.
      لقد حمَّله الله تعالى أمانة هذا الدين
      وثقله وتبعاته
      {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا
      ثَقِيلًا} [المزمل: 5]
      وأمره ببلاغه للناس
      {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ
      رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67]

      فكان أبو القاسم صلى الله عليه وسلم كفوا لما حُمِّل، فبلغه
      كما أُمِر، وصدع به جهارا أمام الناس حتى بَلَغَ القاصي والداني.
      ساومته قريش
      على التخلي عن هذه الأمانة العظيمة فما تخلى عن أدائها، ثم ساوموه على الإخلال بها
      حين دعوه ليعبد آلهتهم سنة ويعبدوا الله تعالى سنة، فما وافقهم ولا أخلَّ بما
      حُمِّل من الأمانة، وأرادوا من عمه أبي طالب أن يكفه عن دعوته أو يخليَ بينهم وبين
      ابن أخيه، فكلمه عمه نا فقال له : يا ابن أخي، إنّ قومك قد جاءوني وقالوا كذا وكذا،
      فلا تحمِّلني من الأمر ما لا أطيق، فقال:يَا عَمَّاهُ ، والله لَو وَضَعُوا
      الشَّمْسَ في يَمِينِي وَالقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أنْ أَتْرُكَ هذا الأمْرُ مَا
      تَرَكْتُه حتَّى يُظْهِرَهُ الله أو أهْلَكَ فِيه. ثم بكى رسول الله صلى الله عليه
      وسلم وقام، فلما ولَّى ناداه أبو طالب فقال: أقبل إليَّ يا ابن أخي، فأقبل، فقال:
      اذهب فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبداً.
      وفي مقام آخر قال صلى الله
      عليه وسلم: مَاذَا تَظُنُّ قُرَيْشٌ، والله إني لاَ أَزَالُ أُجَاهِدُهُمْ على الذي
      بعثني الله له حتى يُظْهِرَهُ الله له أو تَنْفَرِدَ هذه السَّالِفَةُ) يعني: رقبته
      الشريفة. رواه أحمد.
      وبسبب هذه الأمانة العظيمة التي تحملها أوذي في الله تعالى،
      وحُصِر أتباعُه وذووه في الشعب ثلاث سنوات جاعوا فيها جوعا شديدا، وهلك منهم من
      هلك.
      وبسبب هذه الأمانة خنقه بعض المشركين حتى كاد أن يموت، ووضعوا سلا الجزور
      على ظهره وهو يصلي.
      وبسببها تآمر الأعداء على قتله غير مرة، وأُخرجوه صلى الله
      عليه وسلم من بلده، وعذبوا أصحابه، وقُتلوا منهم من قتلوا رضي الله عنهم
      وأرضاهم.
      وبسببها حمل صلى الله عليه وسلم السلاح، ودافع عن أمانته حتى شُجَّ
      رأسُه، وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه؛ فما لانت عريكته، ولا وهنت عزيمته،
      وما زادته المحن والبلايا إلا إصرارا على أداء الأمانة، وتبليغ الرسالة، حتى أكمل
      الله تعالى به الدين، وأتم النعمة، وانتشر الإسلام.
      وفي أكثر جمع في حياته
      الشريفة صلى الله عليه وسلم، وأعظم نسكٍ في الحج، وأفضل يوم وقف صلى الله عليه وسلم
      في عرفة حاجا حجة الوداع يخطب في الجموع العظيمة التي حجت معه، ويسألهم فيقول:
      (أَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فما أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قالوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قد
      بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فقال بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا
      إلى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إلى الناس اللهم اشْهَدْ اللهم اشْهَدْ ثَلَاثَ
      مَرَّاتٍ) رواه مسلم.
      وقال صلى الله عليه وسلم لمعاوية بن حيدة رضي الله عنه:
      (ألا إنَّ ربي عز وجل داعِيَّ وإنه سائلي: هل بَلَّغْتَ عِبَادَي؟ وأنا قَائِلٌ له:
      رَبِّ قد بَلَّغْتُهُمْ فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ) رواه
      أحمد.
      ولا نقول إلا كما قال الصحابة رضي الله عنهم حين سألهم النبي صلى الله
      عليه وسلم عمَّا حُمِّل من الأمانة، فنقول: إنا نُشْهِدُ الله تعالى وملائكته عليهم
      السلام والصالحين من عباده أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم قد بلَّغ الرسالة،
      وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وما فرَّط في شيء من أمانته بل أداها كاملة كما حملها،
      اللهم فاشهد.
      أيها الإخوة: ومن التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم أن نكون أُمناء
      فيما حُمِّلنا من أمانات، أعظمها وأجلها هذا الدين العظيم الذي ندين به، ويريد
      الكفار والمنافقون والمرتدون إخراجنا منه إلى أفكارهم الضالة، ومذاهبهم
      المنحرفة.
      ومن أداء الأمانة فيه: الثباتُ عليه مهما كانت التبعات؛ فإن رسولنا
      صلى الله عليه وسلم تحمل في سبيله ألوان الأذى والعذاب.
      ومن أداء الأمانة فيه:
      الدعوة إليه، مع الصبر على الأذى فيه في زمن ضعف فيه دعاة الحق، وقوي دعاة الباطل،
      واستأسد المفسدون في الأرض على الناس.
      ومن أداء الأمانة فيه: الذبُّ عنه وعن
      مبلغه إلينا محمد صلى الله عليه وسلم وقد اعتدى الكفار والمنافقون عليه وعلى دينه
      وشريعته، يريدون طمسها وإخراج الناس منها، وتعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
      الذي هو قوام هذا الدين، وسبب بقائه في الأرض.
      فكونوا يا عباد الله كما كان
      أسلافكم أمناء على دين الله تعالى تؤدنه كما بَلَغَكم عنهم، وتردون عنه اعتداءات
      الكفار والمنافقين، وتفخرون به ولو تنقصه أعداؤكم؛ فإن الدعوة إليه والفخر به من
      أحسن القول
      {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا
      إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ} [فصِّلت:
      33].

    • عَنْ ‏أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ‏عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا ‏قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏إِذَا رَأَى مَا يُحِبُّ قَالَ: "‏الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ"، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ".


      أخرجه ابن ماجه ( 2 / 422 ) و ابن السني ( رقم 372 ) و الحاكم ( 1 / 499 ) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" ( 1 / 472 ).


      قال الوالد العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في "تفسير جزء عَم": وهذا هو الذي ينبغي للإنسان أن يقول عند المكروه «الحمد لله على كل حال» أما ما يقوله بعض الناس (الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه) فهذا خلاف ما جاءت به السنة، قل كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «الحمد لله على كل حال» أما أن تقول: (الذي لا يحمد على مكروه سواه) فكأنك الان تعلن أنك كاره ما قدر الله عليك، وهذا لا ينبغي، بل الواجب أن يصبر الإنسان على ما قدر الله عليه مما يسوؤه أو يُسره، لأن الذي قدره الله عز وجل هو ربك وأنت عبده، هو مالكك وأنت مملوك له، فإذا كان الله هو الذي قدر عليك ما تكره فلا تجزع، يجب عليك الصبر وألا تتسخط لا بقلبك ولا بلسانك ولا بجوارحك، اصبر وتحمل والأمر سيزول ودوام الحال من المحال.
    • عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفْضَلُ أَيَّامِ الْدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ، يَعْنِي عَشْرُ ذِي الحْجَّةِ".


      أخرجه البزار كما فى كشف الأستار (2/28 ، رقم 1128) قال الهيثمي (4/17) : رجاله ثقات ، وصححه الألباني (صحيح الجامع ، رقم 1133).


      (أفضل أيام الدنيا) خرج به أيام الآخرة فأفضلها يوم المزيد يوم يتجلي اللّه لأهل الجنة فيرونه (أيام العشر) أي عشر ذي الحجة لإجتماع أمّهات العبادة فيه وهي الأيام التي أقسم اللّه بها في التنزيل بقوله {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْر} ولهذا سنّ الإكثار من التهليل والتكبير والتحميد فيها ونسبتها إلى الأيام كنسبة مواضع النسك إلى سائر البقاع ولهذا ذهب جمع إلى أنه أفضل من العشر الأخير من رمضان لكن خالف آخرون تمسكاً بأنّ اختيار الفرض لهذا والنفل لذلك يدل على أفضليته عليه. وقال ابن القيم: الصواب أن ليالي العشر الآخر من رمضان أفضل من ليالي عشر الحجة وأيام عشر الحجة أفضل من أيام عشر رمضان لأن عشر الحجة إنما فضل ليومي النحر وعرفة وعشر رمضان إنما فضل بليلة القدر، وفيه فضل بعض الأزمنة على بعض.


    • ‏عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا".


      أخرجه ابن ماجه (2/1044 ، رقم 3123) ، والحاكم (4/258 ، رقم 7565) وقال : صحيح الإسناد. وصححه الألباني (صحيح الجامع ، رقم 6490).


      قال شيخنا العلامة علي بن حسن الحلبي: والنبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلَّم- يقول: "مَن لم يضحِّ؛ فلا يَقربَنَّ مُصلَّانا". ويقول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: "على أهلِ كلِّ بيتٍ في كلِّ عامٍ أُضحية" -وإن اختلف أهلُ العلم في حُكم الأضحية على قولَين: قول الجمهور: أنها سُنَّة مؤكَّدة، وذهبت الحنفيَّة-وانتصر شيخُ الإسلام ابن تيميَّة إلى الوجوب. لكن: ثبت عن الصَّحابيَّين الجليلَين أبو بكر وعمررضيَ الله تعالى عنهُما: أنهما كانا لا يُضحِّيان في بعض السِّنين؛ قال: (حتى لا يظنها النَّاسُ واجبَةً). فهذا من أبي بكرٍ وعمر في أوَّل وقتِ التشريع؛ حيث قد يَظن الناسُ شيئًا على غير ما هو عليهِ في شرعِ الله؛ كانا يفعلان ذلك رضي اللهُ عنهما توضيحًا وبيانًا وإظهارًا لِما يَريانِه مِن حُكم الشَّرع في هذه الأُضحية. لكن: هذا لا يجعل القادر المتمكِّن المتموِّل أن يَزهَد في الأُضحية؛ بل عليهِ أن يفعلَ هذه السُّنَّة حتى لا تموت. بل: سمعتُ شيخَنا الشيخَ الألبانيَّ رحمهُ الله يقول: إن كثيرًا مِن النَّاس يستدينون من أجلِ الكماليَّات في حياتهم الدُّنيا؛ فلا مانعَ من أن تستدينَ مِن أجل الشَّرعيَّات؛ كأُضحِيَتك، وإن لم تكنْ واجبةً عليكَ في أصل الحُكم، وليست واجبةً عليك بِحُكم عدم القُدرة؛ لكن: إذا استدنتَ؛ لا مانع -ولا نقول: واجب. (من محاضرة "حكم الأضحية" للشيخ علي الحلبي)
    • ‏‏السؤال: هل هناك دعاء معين أدعو به عند ذبح الأضحية؟

      الجواب (الشيخ محمد بن صالح العثيمين): الحمد لله السنة لمن أراد أن يذبح الأضحية أن يقول عند الذبح: بسم الله، والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، هذا عني (وإن كان يذبح أضحية غيره قال: هذا عن فلان) اللهم تقبل من فلان وآل فلان (ويسمي نفسه).والواجب من هذا هو التسمية، وما زاد على ذلك فهو مستحب وليس بواجب.

      روى البخاري (5565) ومسلم (1966) عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا. وروى مسلم (1967) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ فَقَالَ لَهَا يَا عَائِشَةُ هَلُمِّي الْمُدْيَةَ (يعني السكين) ثُمَّ قَالَ اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ فَفَعَلَتْ ثُمَّ أَخَذَهَا وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ ثُمَّ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ضَحَّى بِهِ.وروى الترمذي (1521) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَضْحَى بِالْمُصَلَّى فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ عَنْ مِنْبَرِهِ فَأُتِيَ بِكَبْشٍ فَذَبَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ وَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي. صححه الألباني في صحيح الترمذي. وجاء في بعض الروايات زيادة "اللهم إن هذا منك ولك". انظر: إرواء الغليل (1138) ، (1152). (اللَّهُمَّ مِنْك) : أَيْ هَذِهِ الأُضْحِيَّة عَطِيَّة ورزق وصل إِلَيَّ مِنْك (وَلَك): أَيْ خَالِصَة لَك. انظر: الشرح الممتع (7/492).
    • ‏‏عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ". وعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا". فمن فَطَّرَ قوما في يوم عرفة فله عن كل صائم كفارة سنتين غير أجر الصيام،




      الحديث الأول: أخرجه الترمذي (3/124 ، رقم 749) وقال : حسن . وابن ماجه (1/551 ، رقم 1730) ، وابن حبان (8/95 ، رقم 3632) ، والبيهقي فى شعب الإيمان (3/387 ، رقم 3844) . وأخرجه أيضًا : مسلم (2/818 ، رقم 1162) ، وأبو داود (2/321 ، رقم 2425). الحديث الثاني: أخرجه أحمد (4/114 ، رقم 17074) ، والدارمي (2/14 ، رقم 1702) ، والترمذي (3/171 ، رقم 807) وقال : حسن صحيح . وابن ماجه (1/555 ، رقم 17416) ، وابن حبان (8/216 ، رقم 3429) ، والبيهقي فى شعب الإيمان (3/480 ، رقم 4121).


    • [HR][/HR]
      أخطاء شائعة في عشر ذي الحجة


      تمهيد :
      الحمد لله وكفى
      ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى ، وبعد :
      فنحن في موسم فاضل من مواسم الله
      (تعالى) ، ألا وهو (عشر ذي الحجة) ،
      فيه من الأعمال والنوافل ما يتقرب بها العبد
      إلى الله (تعالى) لعله أن تصيبه نفحة
      من نفحاته (تعالى) ، فيسعد به في الدارين ،
      سعادة يأمن بها من الموت وشدته ،
      والقبر وظلمته ، والصراط وزلته .
      و (عشر ذي
      الحجة) موسم فيه كثير من العبادات المتنوعة التي يمتاز بها عن
      غيره ، قال الحافظ
      في الفتح : (والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي
      الحجة
      لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه ، وهي : الصلاة ، والصيام ، والصدقة ،
      والحج ،
      ولايتأتى ذلك في غيره
      ) [1] .
      لهذا رأيت تنبيه إخواني القراء
      إلى الأخطاء التي قد تقع من بعضهم في هذا
      الموسم ؛ رغبة في معرفتها وتجنبها ..
      والله الموفق .
      أولاً : أخطاء
      عامة
      :
      1- مرور عشر ذي الحجة عند بعض العامة دون أن يعيرها أي اهتمام
      ،
      وهذا خطأ بيِّن ؛ لما لها من الفضل العظيم عند الله (سبحانه وتعالى) عن غيرها
      من
      الأيام ، فقد صح عنه أنه قال : (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في
      هذه الأيام العشر) .
      2- عدم الاكتراث بالتسبيح والتهليل والتكبير
      والتحميد فيها :
      وهذا الخطأ يقع فيه العامة والخاصة إلا من رحم الله (تعالى) ،
      فالواجب على
      المسلم أن يبدأ بالتكبير حال دخول عشر ذي الحجة ، وينتهي بنهاية
      أيام التشريق ،
      لقوله (تعالى) : ]وَيَذْكُرُوا اسْمَ
      اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ
      .... [[الحج : 28] .
      والأيام المعلومات : العشر ، والمعدودات :
      أيام التشريق ، قاله ابن عباس
      (رضي الله عنهما) [2]
      .
      قال الإمام البخاري : (وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان
      إلى السوق في أيام
      العشر يكبران ، ويكبر الناس بتكبيرهما
      ) [3] ، وذلك
      بشرط ألا يكون التكبير
      جماعيّاً ، ولا تمايل فيه ولا رقص ، ولا مصحوباً بموسيقى
      أو بزيادة أذكار لم ترد
      في السنة أو بها شركيات ، أو يكون به صفات لم ترد عن
      الرسول .
      3- جهر النساء بالتكبير والتهليل ، لأنه لم يرد عن أمهات المؤمنين
      أنهن
      كبّرن بأصوات ظاهرة ومسموعة للجميع ، فالواجب الحذر من مثل هذا
      الخطأ
      وغيره .
      4- أنه أحدث في هذا الزمن زيادات في صيغ التكبير ، وهذا خطأ ؛
      وأصح
      ما ورد فيه : ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان : قال : كبروا الله
      :
      الله أكبر ، الله أكبر كبيراً ، ونقل عن سعيد بن جبير ومجاهد وغيرهما
      [اخرجه
      جعفر الفريابي في كتاب العيدين ] وهو قول الشافعي وزاد : (ولله الحمد) ،
      وقيل :
      يكبر ثلاثاً ويزيد : (لا إله إلا الله وحده لا شريك له) ، وقيل : يكبر
      ثنتين ، بعدهما : لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله
      الحمد) ، جاء ذلك عن عمر ،
      وعن ابن مسعود بنحوه ، وبه قال أحمد وإسحاق [4]
      .
      وبهذا نخلص إلى أن هناك صيغتين صحيحتين للتكبير ، هما
      :

      الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ولله الحمد
      .
      الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر كبيراً .
      وما ورد في بعض كتب المذاهب
      مثل المجموع على جلالة قدر مصنفه من
      زيادات على تلك الصيغة فهي غير صحيحة ، أو
      لعلها وردت في غير العشر
      الأواخر .
      5- صيام أيام التشريق ، وهذا منهي عنه ،
      كما ورد عن الرسول ؛ لأنها أيام
      عيد ، وهي أيام أكل وشرب ، لقوله [5] : (يوم
      عرفة ، ويوم النحر ، وأيام
      التشريق : عيدنا أهل الإسلام ، وهي أيام أكل وشرب)
      [6] .
      6- صيام يوم أو يومين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك في عشر ذي الحجة
      وعليه
      قضاء رمضان ، وهذا خطأ يجب التنبه إليه ؛ لأن القضاء فرض والصيام في
      العشر
      سنّة ، ولا يجوز أن تقدم السنة على الفرض .
      فمن بقي عليه من أيام رمضان
      وجب صيام ما عليه ، ثم يَشْرع بصيام ما أراد
      من التطوع .
      وأما الذين يجمعون
      القضاء في العشر مع يومي الاثنين والخميس لينالوا
      الأجور كما يقولون فإن هذا قول
      لا دليل عليه يركن إليه ، ولم يقل به أحد من
      الصحابة فيما نعلم ، ولو صح فيه نص
      من الآثار لنقل إلينا ، والخلط بين العبادات
      أمره ليس بالهين الذي استهان به
      أكثر العامة
      [*] .
      ثانياً : أخطاء في يوم عرفة :
      1- من الأخطاء : عدم صيامه ، علماً
      بأنه من أفضل الأيام في هذه العشر ،
      وهذا خطأ يقع فيه كثير ممن لم يوفق لعمل
      الخير ، فقد ورد عن أبي قتادة
      الأنصاري (رضي الله عنه) أن رسول الله -صلى الله
      عليه وسلم- سئل عن صوم
      يوم عرفة فقال : (يكفر السنة الماضية
      والسنة القابلة
      ) [7] ، وهذا لمن لم يحج ؛
      لنهيه عن صوم يوم عرفة بعرفات
      .
      2- قلة الدعاء في يوم عرفة عند أغلب الناس والغفلة عنه عند بعضهم ،
      وهذا
      خطأ عظيم ؛ حيث يُفوِّتُ الشخص على نفسه مزية الدعاء يوم عرفة ، فإن
      الرسول
      الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (خَيْرُ الدّعَاء
      دعاء يَوْم عَرَفَةَ ، وَخَيْرُ مَا قُلتُ أنا
      والنّبِيّونَ مِنْ قَبْلي : لا
      إلَه إلا الله وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، لَهُ الملْكُ ، وَلَهُ الحَمدُ ،
      وَهُوَ
      عَلَى كلِّ شَيْءٍ قَديرٌ
      ) [8] .
      قال ابن عبد البر : (وفيه من
      الفقه : أن دعاء يوم عرفة أفضل من غيره ،
      وفي ذلك دليل على فضل يوم عرفة على
      غيره ، وفي فضل يوم عرفة دليل على
      أن للأيام بعضها فضلاً على بعض ؛ إلا أن ذلك
      لا يُدْرَكُ إلا بالتوفيق ، والذي
      أدركنا من ذلك التوفيق الصحيح : فضل يوم
      الجمعة ، ويوم عاشوراء ، ويوم عرفة ؛ وجاء في يوم الاثنين ويوم الخميس ما جاء ؛
      وليس شيء من هذا يدرك بقياس ،
      ولا فيه للنظر مدخل ، وفي الحديث أيضاً : دليل على
      أن دعاء يوم عرفة مجاب كله
      في الأغلب ، وفيه أيضاً أن أفضل الذكر : لا إله إلا
      الله ... ) [9] .
      ثالثاً : أخطاء في يوم النحر :
      1- عدم الخروج إلى مصلى العيد ، بل
      تجد بعض الناس لا يخرج إلى
      المصلى ، خاصة منهم الشباب ، وهذا خطأ ؛ لأن هذا
      اليوم هو من أعظم الأيام ،
      لحديث عبد الله بن قرط (رضي الله عنه) عن النبير قال
      : (إن أعظم الأيام عند الله
      (تعالى) يوم النحر ، ثم يوم
      القر
      ) [10] ، يعني : اليوم الذي بعده .
      2- وإذا ما خرج بعضهم خرج بثياب
      رثة ، بحجة أنه سيحلق ويقص أظافره
      ويتطيب ويستحم بعد ذبح أضحيته ، وهذا خطأ ،
      فينبغي للمسلم أن يتأسى بالرسول
      الله -صلى الله عليه وسلم- بهيئة حسنة وبألبسة
      جديدة ذات رائحة زكية ، لما ورد
      عن ابن عمر أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين
      ، وقد صح الاغتسال قبل العيد
      عند بعض السلف من الصحابة والتابعين [11] .
      3-
      الأكل قبل صلاة العيد ، وهذا مخالف للمشروع ، حيث يسن في عيد
      الأضحى ألا يأكل
      إلا من أضحيته ، لما ورد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه ، قال :
      كان الرسول الله
      -صلى الله عليه وسلم- لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ، ولا يطعم
      يوم الأضحى حتى
      يصلي .
      قال ابن قيم الجوزية : (وأما في عيد الأضحى ، فكان
      لا يَطْعَمُ حتى يَرجِعَ من
      المصلى فيأكل من أضحيته
      ) [12] .
      4- عدم
      تأدية صلاة العيد في المصلى ، بحجة أنها سنة ، وهذا حق ، لكن لا
      ينبغي لمسلم
      تركها وهو قادر عليها ، بل هي من شعائر الإسلام فلزم إظهارها من
      الجميع كباراً
      وصغاراً ، رجالاً ونساءً ، ومن تركها بدون عذر فقد أخطأ خطأً عظيماً .
      5-
      التساهل في عدم سماع الخطبة ، فينبغي للمسلم أن يستمع للخطبة لما في
      هذا من
      الفضل العظيم .
      6- التساهل في الذهاب والإياب ، وهذا خطأ ؛ فكان من سنته أن يذهب
      من
      طريق ويرجع من طريق آخر .
      7- التساهل بترك تهنئة الناس في العيد ، وهذا
      خطأ ؛ فالزيارات وتجمع
      العوائل مع بعضها ، والتهنئة فيما بينهم .. من الأمور
      المستحبة شرعاً ، كأن يقول
      بعضهم لبعض : تقبل الله منّا ومنكم ، ونحو ذلك من
      العبارات التي لا محذور فيها .
      8 - اعتقاد بعض الناس زيارة المقبرة للسلام على
      والد أو قريب متوفى ، وهذا خطأ عظيم ، فزيارة المقابر في هذا اليوم الفاضل بزعمهم
      أنهم يعايدون الموتى من البدع المحدثة في الإسلام ؛ فإن هذا الصنيع لم يكن يفعله
      أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ، وهم أسبق الناس إلى كل خير ، وقد قال
      الرسول الله -
      صلى الله عليه وسلم- : (من أحدث في أمرنا هذا
      ما ليس منه فهو رد
      ) [13] ، أي : مردود عليه .
      قال شيخ الإسلام ابن تيمية
      (رحمه الله) : قوله : (لا تتخذوا قبري عيداً) [14] قال
      : (العيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد عائداً
      ، إما لعود السنة أو لعودة الأسبوع أو الشهر ونحو ذلك
      ) ، وعلى هذا : إذا
      اعتاد الإنسان أن يزور المقبرة في يوم العيد من كل سنة بعد صلاة العيد وقع في الأمر
      المنهي عنه [15] حيث جعل المقبرة عيداً يعود إليه كل سنة ، فيكون فعله هذا مبتدعاً
      محدثاً ؛ لأن الرسول لم يشرعه لنا ولا أمرنا بفعله ، فاتخاذه قربة مخالفة له)
      .
      و نسأل الله للجميع التوفيق
      والسداد

      ________________________


    • عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي الْحَلْقَةِ وَرَجُلٌ قَائِمٌ يُصَلِّي فَلَمَّا رَكَعَ وَسَجَدَ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ يَا بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ إِنِّي أَسْأَلُكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتَدْرُونَ بِمَا دَعَا اللَّهَ؟" قَالَ: فَقَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى".



      أخرجه ابن أبى شيبة (6/47 ، رقم 29361) ، وأحمد (1/230 ، رقم 13824) ، وأبو داود (2/79 ، رقم 1495) ، والترمذى (5/550 ، رقم 3544) ، وقال : غريب . والنسائى (3/52 ، رقم 1300) ، وابن ماجه (2/1268 ، رقم 3858) ، وابن حبان (3/175 ، رقم 893) ، والحاكم (1/683 ، رقم 1856) وقال : صحيح على شرط مسلم . والضياء (5/257 ، رقم 1885) قال الألباني: حسن صحيح (الروض النضير ، 133) .




      قال الإمام الألباني في كتابه "التوسل أنواعه وأحكامه": اضطرب الناس في مسألة التوسل، وحكمها في الدين اضطراباً كبيراً، وقد اعتاد جمهور المسلمين منذ قرون طويلة أن يقولوا في دعائهم مثلاً: "اللهم بحق نبيك أو بجاهه أو بقدره عندك عافني واعف عني" و"اللهم بجاه الأولياء والصالحين، ومثل فلان وفلان" .. الخ . ثم وضَّح في الفصل الثالث : "التوسل المشروع وأنواعه" بأن التوسل ثلاثة أنواع لا رابع لهما وما دون ذلك شرك بالله تعالى والعياذ بالله:
      1- التوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائه الحسنى، أو صفة من صفاته العليا (كما جاء في الحديث أعلاه).
      2ـ التوسل إلى الله تعالى بعمل صالح قام به الداعي:كأن يقول المسلم: اللهم بإيماني بك، ومحبتي لك، واتباعي لرسولك اغفر لي.
      3 - التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح: كأن يقول المسلم في ضيق شديد، أو تحل به مصيبة كبيرة، ويعلم من نفسه التفريط في جنب الله تبارك وتعالى، فيجب أن يأخذ بسبب قوي إلى الله، فيذهب إلى رجل يعتقد فيه الصلاح والتقوى، أو الفضل والعلم بالكتاب والسنة، فيطلب منه أن يدعوا له ربه، ليفرج عنه كربه، ويزيل عنه همه.


    • عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "‏‏مَنْ قَالَ حِينَ يَدْخُلُ السُّوقَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ كُلُّهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ وَبَنَى لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ".



      أخرجه الطيالسى (ص 4 ، رقم 12) ، وأحمد (1/47 ، رقم 327) ، والدارمي (2/379 ، رقم 2692) ، والترمذي (5/491 رقم 3428) وقال : غريب . وابن ماجه (2/752 ، رقم 2235) ، والطبراني (12/300 ، رقم 13175) ، والحاكم (1/721 ، رقم 1974) ، وأبو نعيم فى الحلية (2/355) ، والضياء (1/296 ، رقم 186) وأخرجه أيضًا : عبد بن حميد (ص 39 ، رقم 28) ، والبزار (1/238 ، رقم 125)


      وحسَّنه الألباني في التعليق الرغيب ( 3 / 4 ). ألف ألف: أي ما يسمى في هذه الأيام بـ "المليون"، قال العلامة السندي في "شرح سنن ابن ماجه": ‏قَوْله ( وَمَحَا عَنْهُ أَلْف أَلْف سَيِّئَة :( ‏أَيْ إِنْ كَانَتْ وَإِلَّا تُزَادُ فِي الْحَسَنَة بِقَدْرِ ذَلِكَ، وجاء في "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي" للعلامة المباركفوري: ( مَنْ دَخَلَ السُّوقَ ) ‏‏قَالَ الطِّيبِيُّ : خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ مَكَانُ الْغَفْلَةِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَالِاشْتِغَالِ بِالتِّجَارَةِ فَهُوَ مَوْضِعُ سَلْطَنَةِ الشَّيْطَانِ وَمَجْمَعُ جُنُودِهِ فَالذَّاكِرُ هُنَاكَ يُحَارِبُ الشَّيْطَانَ وَيَهْزِمُ جُنُودَهُ فَهُوَ خَلِيقٌ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الثَّوَابِ اِنْتَهَى. ‏‏( قَدِيرٌ ) ‏‏تَامُّ الْقُدْرَةِ . قَالَ الطِّيبِيُّ : فَمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ فِيهِ دَخَلَ فِي زُمْرَةِ مَنْ قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّهِمْ "رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ"‏.


    • سنن يُستحب للحاج أن يفعلها اقتداءً بالنبي
      صلى الله عليه وسلم
      :
      ْالاغتسال للإحرام:
      لحديث زيد بن ثابت" أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم تجرد
      لإهلاله و اغتسل".

      ْللرجال لبس إزار و رداء أبيضين نظيفين: لحديث بن عباس قال:" انطلق النبي من المدينة بعد ما ترجل و ادهن و لب
      إزاره و رداءه هو و أصحابه". أما استحباب كونهما أبيضين: فلحديث ابن عباس أن رسول
      الله صلى الله عليه و سلم قال:"البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، و
      كفنوا فيها موتاكم".

      ْالتلبية من حين الإحرام بالحج إلى أن يرمي جمرة
      العقبة:
      قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (جاءني جبريل
      فقال: مُرّ أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعائر الحج).
      و روى
      الترمذي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه و سلم سُئل: أي الحج أفضل؟ فقال: "العج
      والثج" والعج هو رفع الصوت بالتلبية،و الثج هو نحر الهدي.

      ْأن يقدم رجله
      اليمنى عند الدخول إلى المسجد و يقول: " أعوذ بالله العظيم، و
      بوجهه الكريم، و سلطانه القديم من الشيطان الرجيم. باسم الله، اللهم صل على محمد و
      سلم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك".

      ْطواف القدوم بالنسبة للمفرد و القارن

      ْالرمل في الثلاثة الأشواط الأولى من الطواف ْوالاضطباع فيه
      ْالمبيت بمنى في
      اليوم الثامن ْالتكبير في عيد الأضحى
      ْوالإتيان بالأذكار والأدعية المأثورة وغير
      ذلك من السنن.


      وبعد،،أخي الكريم..أختي الكريمة..

      يسعدنا أن نضع بين يديكم بعضاً من الأفكار
      العمليّة والوسائل الإبداعية..
      لإحياء ونشر ما هُجر لدى بعض المسلمين من سنن
      الحج و مستحباته العظيمة..
      تعليماً وتعريفاً للجاهل منهم بهذه السنن، فضلها
      والحديث النبوي الدال على ذلك، وكيفية تطبيقها..
      و تذكيراً لمن كان غافلاً
      عنها..{و ذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}
      فإلى كل
      طامع بالأجر والثواب من الله تعالى..
      إلى كل محب للرسول عليه الصلاة
      والسلام..راغب في تطبيق والتزام ما جاء به من سنن الحج ومستحباته..
      نهدي هذا
      الموضوع..
      فاكسب أخي الحاج أختي الحاجة أجر اتباعك لسنة نبيك الكريم صلى الله
      عليه وسلم..
      واكسب أجر كل من تبعك من إخوانك المسلمين بإذن الله
      تعالى..
      ونذكّر/ هي سنن يُستحب للحاج أن يفعلها، وأن لا يُفرط فيها اقتداءً
      بالنبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان لا يلزمه شئ بتركها..فمن ترك شيئاً من السنن
      والمستحبات فلا شئ عليه..




    • عن أبي هـريـرة رضي الله عـنه، أن رســول الله قــال: { مـن كـان يـؤمن بالله والـيـوم الآخر فـلـيـقـل خـيـراً أو
      لـيـصـمـت، ومـن كــان يـؤمن بالله واليـوم الآخر فـليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله
      واليوم الآخر فليكرم ضيفه }
      . [رواه البخاري:6018، ومسلم:47


      الشرح
      هذا الحديث من الآداب الإسلامية الواجبة:

      الأول: إكرام الجار فإن الجار له حق، قال العلماء: إذا كان
      الجار مسلماً قريباً فله ثلاث حقوق: الجوار والإسلام والقرابة، وإن كان مسلماً غير
      قريب فله حقان: وإذا كان كافراً غير قريب له حق واحد حق الجوار.

      الثاني: وأما الضيف فهو الذي نزل بك وأنت في بلدك وهو مارٌ
      مسافر، فهو غريب محتاج وأما القول باللسان فإنه من أخطر ما يكون على الإنسان فلهذا
      كان مما يجب عليه أن يعتني بما يقول فيقول خيراً أو يسكت.

      ففي هذا الحديث
      من الفوائد: وجوب إكرام الجار فيكون بكف الأذى عنه وبذل المعروف له، فمن لا يكف
      الأذى عن جاره فليس بمؤمن، لقول النبي : { والله لا يؤمن،
      والله لا يؤمن، والله لا يؤمن }

      قالوا من يا رسول الله ؟ قال: { من لا يأمن جاره بوائقه }.


      إكرام الضيف



      إن إكرام الضيف من مكارم الأخلاق، وجميل الخصال التي
      تحلَّى بها الأنبياء، وحثَّ عليها المرسلون،واتصف بها الأجواد كرام النفوس، فمَنْ
      عُرِفَ بالضيافة عُرِف بشرف المنزلة، وعُلُوِّ المكانة، وانقاد له قومُه، فما ساد
      أحد في الجاهلية ولا في الإسلام، إلا كان من كمال سُؤدده إطعام الطعام، وإكرام
      الضيَّف، كما قال ابن حِبَّان يرحمه الله:

      "والعرب لم
      تكن تعدُّ الجودَ إلا قِرَى الضَّيف، وإطعام الطعام، ولا تعدُّ السَّخيَّ من لم يكن
      فيه ذلك".


      وقد حثَّنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على إكرام
      الضيف؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفَه" [رواه البخاري ومسلم].

      وعن أبي شُرَيحٍ خُويْلد بن
      عمرو رضي الله عنه قال: أبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعتْهُ أذناي
      حين تكلم به، قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفَهُ جائزتَهُ"،
      قالوا: وما جائزتُه؟ قال: "يومٌ وليلةٌ، والضيافة ثلاثة أيام، وما كان بعد ذلك فهو
      صدَقةٌ عليه" [رواه البخاري ومسلم].

      وعن ابن عباس
      رضي الله عنهما قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تبوك فقال: "ما من الناس
      مثل رجل آخذ بعنان فرسه، فيجاهد في سبيل الله، ويجتنب شرور الناس، ومثل رجل في غنمه
      يقري ضيفَهُ ويؤدِّي حقَّهُ" [رواه أحمد في مسنده بإسناد
      صحيح].


      فانظر إلى هذا الكرم كيف رفع منزلة أهل هذا البيت حتى أخبر
      الله نبيه خبرهم وعجب من صنيعهم!!.

      قال
      الشاعر:


      أولئك قومٌ إن بنـوا أحسنـوا البِنَا
      *** وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدُّوا


      وإن
      كانت النعماءُ فيهم جزَوا بها *** وإن أنعموا لا كـدَّروها ولا
      كـدُّوا


      وعلى المضيف عدم احتقار القليل، بل يجود بالموجود ولو بشق
      تمرة، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن احتقار القليل.

      عن أبي هريرة
      رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يا
      نساء المسلمات، لا تحقرنّ جارةٌ لجارتها ولو فِرْسنَ شاةٍ".


      وعنصر
      قِرَى الضيف هو تركُ استحقار القليل، وتقديم ما حضر للأضياف؛ لأن من حقر منع من
      إكرام الضيف بما قدر عليه، وترك الادخار عنه، وقد سئل الأوزاعيُّ – رحمه الله – ما
      إكرامُ الضيف؟ قال: طلاقةُ الوَجْهِ، وطيبُ الكلام".


      فانظر – أخي العزيز – إلى فقه هذا
      الإمام الذي جعل إكرام الضيف في طلاقة الوجه، وطيب الكلام، وقارن ذلك بحال أهل
      زمانك، فالضيافة عند أكثرهم هي بتكثير الطعام، حتى إنك تجد كثيرًا من الناس من
      يمتنع عن القِرَى لعدم وجود اللحم في حال وجود الضيف، والقاصد لوجه الله يجود
      بالموجود، ولا يتكلف التكلف الذي هو فوق الطاقة، وأما ما دون ذلك فلا بأس به، بل هو
      محمودٌ لقول الله سبحانه وتعالى – في شأن إبراهيم خليله لما أتاه الأضياف – {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ}

    • رقم الحديث: 1
      (حديث مرفوع) حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ مُسْلِمُ بْنُ أَبِي كَرِيمَةَ التَّمِيمِيُّ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ الأَزْدِيِّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ " .
    • العمل
      نحن مع موضوع على جانب كبير من الأهمية، وهو الصحابة، والعمل، وقد تكلمنا عن علامتين هامتين جدا من علامات طريق الصحابة، وأنا أعتبر طريق الصحابة قائم على مثلث له ثلاثة أضلاع، الضلع الأول هو الإخلاص، وهذا تكلمنا عليه في درس سابق، والضلع الثاني هو العلم، وهذا تكلمنا عليه في درس سابق أيضا، والضلع الثالث هو مجال حديثنا الآن. وسوف نقلب بإذن الله صفحات الصحابة رضوان الله عليهم، حتى نرى ماذا كان يمثل العمل في حياتهم.
      نظرة الصحابة إلى العمل
      من الوهلة الأولى نرى الفارق الكبير بين نظرة الصحابة إلى العمل، وبين نظرتنا نحن إليه، فارق هائل جدا بين جيل الصحابة، وبين من لحق بهم، فقد كان تلقى الصحابة رضوان الله عليهم للكتاب والسنة بهدف التطبيق، كانوا يسمعون بهدف الطاعة، إنه مبدأ جميل جدا عند الصحابة، مبدأ السماع للطاعة {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ} [البقرة:285].
      كان الصحابة رضوان الله عليهم مثل المريض الذي يتلقى الدواء من الطبيب، والطبيب ينصحه بإجراء عملية جراحية، والطبيب يقول للمريض، أنا سوف أجري لك عملية جراحية، حتى تشفى من هذا المرض الموجود في بطنك، سوف تفتح بطنك، وتترك عملك، وسوف تدفع أموالا كثيرة تصل إلى ألف، أو عدة آلاف، والمريض يسمع ويطيع، ويتحمل الألم، ويضحي بالمال، ويضحي بالوقت، وتجري له العملية، لأنه يدرك أن هذه العملية في مصلحته، ويأمل أن يشفى من مرضه، وعند المريض ثقة كبيرة في طبيبه.
      وإنه من الأهمية بمكان التأكيد على أهمية الثقة في إنجاح المهمة، الصحابة كانوا مثل الجنود في ميدان المعركة، بل الجندي في أرض العدو، ينتظر أمرا من الأوامر ليوضح له كيف يتحرك؟
      فهو لا يستطيع التحرك بغير هذا الأمر، يخشى أن يقع في مهلكة، أو يدخل في كارثة، أو تصبه مصيبة من مصائب الزمان والمكان.
      هل الجندي في هذه الظروف يتلقى الأوامر على التراخي؟
      بالطبع لا، فالجندي في ميدان المعركة لا يدري أين يتوجه، وما هي الناحية التي يكون فيها طوق النجاة، فيسلكها حتى تكتب له السلامة، ويتلهف الجندي على سماع أمر القائد حتى يسير عليه لأنه يثق في قائده، ولذلك يسمع منه دون جدل، ولا نقاش؛ لأنه يدرك أن القائد يريد مصلحته هو وإخوانه، كذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم، وكل مؤمن فطن ذكي يتلهف على أمر الله عز وجل في أي قضية من القضايا في أي أمر من الأمور، ويعلم أن الله عز وجل يريد به الخير، فيريد أن يعلم ماذا يريد الله عز وجل منه في هذه النقطة؟
      إن علم أن الله عز وجل راضيا عن ذلك فعله، وهو مطمئن، بل سارع بفعله، وإن علم أن الله لا يرضى عنه تركه، بل بالغ في الابتعاد عنه.
      يا ترى أنت فعلا مطمئن إلى أن الحق سبحانه وتعالى ما أمر به هو فعلا الخير لك وللأرض؟ أم عندك شك في هذا؟
      لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يسارعون إلى كل أمر من أوامر الله عز وجل، وهذا من أهم الأشياء التي ميزت جيل الصحابة، فقد فقهوا الحقيقة القرآنية الكبرى التي تقول: {أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ} [الأعراف:54].
      إننا نجد فعلا فارقا هائلا بين جيل الصحابة، وبين الأجيال التالية.
      إن الأمر لمن خلق، والحكم لمن خلق، هو الذي خلق النفس البشرية، ويعلم ما يصلح شأنها، ولذلك يقول رب العزة تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينً} [الأحزاب:36].
      وكن فطنا، فطالما أن الأمر مرتبط بالله فليس لدينا أي اختيار، طالما عرفنا أن هذا أمر لله سبحانه وتعالى أوأمر الرسول صلى الله عليه وسلم إذن لابد من تنفيذ أوامر الله، سواء كانت هذه الأوامر مع رغبتنا أو عكس تفكيرنا، أم لا، أو عكس تفكير الشرق والغرب أو عكس القانون الدولي أو عكس التقاليد أو عكس أي شيء.
      نحن ليس لدينا اختيار، وفي بعض الأوقات يجد الإنسان أن تنفيذ الأمر يكون صعبا على النفس، ويكون فتنة، لذلك يقول الله عز وجل يقول إن من ينفذ أوامر الله بنفس راضية هو المؤمن والمؤمنة: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينً} [الأحزاب:36].
      المؤمن والمؤمنة هم الذين يُقْبِلون على تنفيذ أوامر الله بنفس راضية، واثقة من ربها. ومؤمنة برسولها صلى الله عليه وسلم، ومن سوف يخالف أوامر الله سوف يضل في هذه الدنيا، ويكون كالذي يتخبطه الشيطان من المس، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينً} {الأحزاب:36}.
      لذلك بعد هذا الفهم لهذه الآيات، وغيرها فإنه من المستحيل أن يصلح العلم بغير عمل يصدقه، انظر إلى الحسن البصري رحمه الله يقول:
      إن الإيمان ليس بالتحلي، ولا بالتمني، إن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل.
      لا بد أن تعرف أولا ما وقر في القلب، فلا بد من الإخلاص لله عز وجل في القلب الذي لا يطلع عليه إلا الله عز وجل، ولكن الأهم وصدقه العمل، فالإيمان بغير العمل كشجرة بلا ثمر، وواهم من يظن أنه يصل إلى الجنة بدون العمل، فهذا ضد النواميس العادلة التي وضعها رب العزة سبحانه وتعالى.
      روى الترمذي، وابن ماجه، وأحمد عن شداد بن أوس رضي الله عنه و أرضاه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن. قال: قال رسول الله: "الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ".
      يعمل كل الآثام، والشرور، ثم يتمنى على الله، يقول: إن الله غفور رحيم.
      إن هذا الكلام نسمعه كثيرا، يعمل الإنسان كل المعاصي، ويقول: ربنا غفور رحيم.
      سبحان الله، لماذا يتذكر الإنسان آيات الرحمة، ولا يتذكر آيات العذاب
      {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العَذَابُ الأَلِيمُ} [الحجر:49،50].
      وإننا نجد من يقول: إن الله ينظر إلى القلوب، وما دام القلب نظيفا فلا يضر الإنسان شيئا.
      إن القلب النظيف يأتي عليه الوقت الذي يعصي فيه الله عز وجل، و يكسل القلب النظيف، ولا يسمع كلام مَنْ خلقه، هذا كلام حق يُرَاد به باطل، إن الله سبحانه وتعالى غفور رحيم، ونظافة القلب شيء من الأهمية بمكان، ولكن لا بد من العمل مع الإيمان.
      تَرْجُو النَّجَاةَ وَلَمْ تَسْلُكْ مَسَالِكَهَا إِنَّ السَّفِينَةَ لَا تَجْرِي عَلَى الْيَبَسِ
      وهناك من يقول بمنتهى الاستهتار: لن يضرنا شيء، ولن يصيبنا شيء، إن الله غفور رحيم.
      لو أحسن هؤلاء الظن بالله لأحسنوا العمل، فلا بد من العمل، والإنسان عليه أن يأخذ بالأسباب، فهل يعقل أن ينجب الإنسان الأولاد بغير زواج، وهل يعقل أن ينبت الزرع بدون أن يزرعه الإنسان، وهل تسير السفينة في الصحراء، وتقول: إن الله سوف ينزل المطر من السماء، وسوف ينزل طوفان من السماء مثل طوفان نوح عليه السلام.
      هذا ضد السنن الكونية، والله عز وجل لا يخالف سننه إلا في ظروف خاصة جدا، والإنسان مأمور بالسير في ضوء السنن الكونية، إن الله عز وجل يقف بجوار من يأخذ بالأسباب، ويسعى في الأرض منفذا قوله تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:15].
      وعلى المرء أن يسعى، وليس عليه إدراك النتائج، والإنسان مأمور إذا قامت القيامة، وفي يده فسيلة، وهي النخلة الصغيرة أن يزرع هذه الفسيلة، رغم أن القيامة قد جاءت، وسوف يقوم الناس للبعث، والنشور، ولكن الإنسان مأمور بالعمل، أما النتائج فهي في علم الله عز وجل، فكيف يدخل الإنسان الجنة بدون العمل، أوقاته يقضيها في اللهو واللعب، والإعراض عن ذكر الله، وعن أوامر الله، فمن الطبيعي بعد كل هذا هو عدم دخول الجنة.
      فلا بد أن تسير في السنة الكونية، وسنة الله عز وجل
      {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزَّلزلة: 7 ،8]
      . وعلى قدر العمل يأتي الثواب، والجزاء من جنس العمل، إنما التواكل على الله عز وجل، واعتقاد النجاة بدون عمل، هذا ليس مسلك الصالحين، وهذا لم يكن أبدا مسلك الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، هذا المسلك سلكه الضالون من أهل الأرض.
      هذا المسلك الخاطئ كان ثمة مميزة لبني إسرائيل، على سبيل المثال بنو إسرائيل قال الله عز وجل في حقهم: {يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران:70 ،71].
      كان بنو إسرائيل يعلمون هذه الحقائق، ولكنهم أعرضوا عنها، فلم يتمسكوا بها، ولم يطبقونها، إنهم علموا، ولكنهم لم يعملوا، فكانت النتيجة ضلال، وكفر، ولعنة، وجهنم، انظر إلى حيي بن أخطب، يقول لأخيه، وحيي بن أخطب من أكابر اليهود أيام الرسول فلما ذهب إلى الرسول سأله أخوه عن هذا الرجل، عن رسول الله: أهو هو؟
      هل هذا هو الرسول الذي جاءت به كتبنا؟
      قال: نعم.
      قال: وما تفعل معه.
      انظر إلى كلام حيي بن أخطب، وهو يعرف أنه هو رسول الله، قال:
      عداوته ما بقيت.
      أحارب هذا الرسول إلى أن أموت، علم ولا عمل، عجز، وحماقة، وغباء، حقا حتى تاريخ اليهود يشهد بهذه الصفة دائما علم بلا عمل.
      روى البخاري، ومسلم، وغيرهما، وهذه الرواية للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا، وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ، فَبَدَّلُوا فَدَخَلُوا الْبَابَ يَسْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ".
      فبدلا من السجود، دخلوا بالزحف، وقالوا: حبة في شعرة.
      يعني بدل ما يقولون: حطة. قالوا: حبة في شعرة.
      في رواية قالوا: حنطة.
      سبحان الله، لا يريدون أن يطبقوا، وهم يدركون الحقيقة، ويعرفونها، فإنهم كانوا علماء في دينهم، كما قال الحق سبحانه وتعالى في حقهم: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء:197].
      لكن أين العمل؟
      لا عمل.
      {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ} [البقرة:67].
      انظر كيف يردون على النبي: أتتخذنا هزوا.
      سوء أدب، ومجادلة، وعناد، وحماقة، وعدم رغبة في التطبيق، يسمعون نعم، يسمعون، ولكن لا يطيعون، ولكن لكي يعصوا، سبحان الله يسمعون حتى يعصوا، انظر إلى كلام الله عز وجل: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ} [النساء:46].
      كل هذا العناد من بني إسرائيل يلخصه الله عز وجل في وصفهم الذي وصفهم فيه في سورة الجمعة، قال سبحانه وتعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة:5].
      إن الله عز وجل ساعدهم مرة، والثانية، والثالثة أن يقوموا بهذه المهمة المكلفين بها، وهي حمل التوراة، لكنهم عصوا مرة، والثانية، والثالثة. اختارهم وأرسل لهم الرسول الواحد تلو الآخر، رفضوا، وأراهم الآيات الواضحة واحدة وراء الثانية، ولكنهم أصروا على رفض مهمة الإنسان، وعملوا مهمة ثانية، وقبلوا مهمة الحمار، الحمار يحمل الأشياء بصرف النظر عن قيمتها، ومحتواها، يحمل الكتب مثلما يحمل الأكل، مثلما يحمل البرسيم، مثلما يحمل الحجارة، فهو لا يستفيد مما يحمله، وهذا ليس عيبا في الحمار، لأنه مخلوق لوظيفة الحمل، ولكن العيب هو عيب الإنسان الذي خلق من أجل العمل والعبادة، ولكنه لا يعمل وظيفته الرئيسية.
      إن الله عز وجل أعطاهم التوراة حتى يعملوا بها، ويعلموها لغيرهم، هم قاموا بوظيفة الحمار، وهي حمل التوراة دون أن يفقهوا ما بداخلها، ولا أن يعلموا بمحتواها، كمثل الحمار يحمل أسفارا.
      وعلى الجانب الآخر المسلم الذي سوف يحتفظ بكتاب ربنا سبحانه وتعالى وبسنة الرسول صلى الله عليه وسلم يحتفظ بها في البيت، أو في السيارة، أو غيرها من الأماكن، ولا يعمل بها واقع تحت نفس الوصف، كمثل الحمار يحمل أسفارا.
      من يقرأ آيات الربا، ويتعامل بها، ومن يقرأ آيات الرفق واللين والدعوة وما زال يتعامل بالعنف.
      ومن يقرأ آيات حفظ اللسان، ويطلق لسانه، ومن يقرأ عن بر الوالدين، وصلة الرحم، ومن يقرأ آيات الإنفاق، والجهاد وهو ما زال بخيلا بالمال، والنفس كمثل الحمار يحمل أسفارا، وسبحان الله، عندما يكون الإنسان من خارجه مسلم، واسمه مسلم، وأبوه وأمه مسلمين، ويخالف أوامر الله باستمرار يأخذ اسم قبيح جدا في الإسلام يأخذ اسم منافق، سبحان الله إنه شيء خطير، انظر إلى الحق سبحانه وتعالى يصف المنافقين في كتابه ويقول: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلً} [النساء:81].
      يسمعون الدرس ويقرءون الأحاديث، يقولون: إن شاء الله سوف نطيع، وهو لا ينوي تنفيذ الأمر، وربما يأمر الناس بالخير وهو لا يعمله، ولا يريد أن يعلمه، بل من الممكن أن يكون منهم الذين يعظون الناس، ويقوم بدور المصلح بين الناس، وممن يعتلون المنبر، ويذهل العقول بحسن بيانه ولباقته، وهو على النقيض من هذا تماما، يقف وسط الناس خطيبا، يأمر الناس بعدم الحقد، وعدم الكذب، وعدم التعرض للحرام، وعدم الظلم، ومن الممكن أن يكون حافظا لآيات، وحافظا لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن أين العمل؟
      هؤلاء يوم القيامة في موقف في غاية الخطورة.
      روى البخاري، ومسلم، واللفظ للبخاري عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم اسمع الحديث جيدا لأننا نقع في نفس الموقف هذا، يقول صلى الله عليه وسلم: "يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقَ أَقْتَابَهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ".
      وانظر إلى تشبيهه بالحمار؛ لأنه كان في الدنيا مثل {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة:5].
      فهذا الرجل يُجَاءُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقَ أَقْتَابَهَ فَي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ، فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ، مَا شَأْنُكَ؟
      أَنْت كنت رجلا عظيما جدا في الدنيا، كنت تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، كنت خطيبا، كنت تعطي دروسا، وتعطي نصائح، ماذا حدث لك؟ أين كل الخير الذي كنت تأمر به؟
      يَقُولُونَ: أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ؟
      قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ.
      أمر خطير أن يكثر الإنسان من القول ولا عمل، الأمر خطير، ويحتاج إلى وقفات، ونجد بعض المسلمين مصاب بما أسميه التخمة العلمية، عنده تخمة علمية فعلا، معلومات هائلة، ولكن لا تدفع إلى عمل، وهذا ليس سلوك الصحابة، وليس سلوك الصالحين بصفة عامة.
      وقالوا سمعنا وأطعنا
      تعالوا نرى مواقف الصحابة، فلنشاهد رد فعل الصحابة لنزول الآيات، ولسماع الأوامر من رب العالمين سبحانه وتعالى من رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، تعالوا معا نتعلم مبدأ التلقي للتطبيق، ومبدأ السماع للطاعة، تعالوا نرى ماذا تعني كلمة سمعنا وأطعنا؟
      ونرى مثلا قضية الإنفاق، الإنفاق في سبيل الله المال، حب المال مغروس في قلب الإنسان، {وَتُحِبُّونَ المَالَ حُبًّا جَمًّ} [الفجر:20].
      يقول سبحانه وتعالى في حق المال وحب الإنسان له: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8]، أي المال، يحب المال حبا جما جدا، والله سبحانه وتعالى هو الذي خلقه على هذه الصورة، وسوف يطلب منه إنفاق ماله، وسوف يطلب منه أن يدفع هذا المال في سبيل الله عز وجل، ولو كان حب المال بسيطا، لم يكن اختبارا، ولكن الله سبحانه وتعالى يزرع في النفس حب المال، حتى عندما يطلبه منك وتدفعه تكون مؤمنا بالله عز وجل.
      العلم والعمل شيء واحد عند أبي الدحداح
      انظروا إلى هذا الموقف اللطيف، يروي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، يقول: لما نزل قول الله عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:245].
      لما نزل هذا القول سمع أبو الدحداح الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه هذه الآية، وكأنها وقعت في قلبه، لا في أذنه، يروي عبد الله بن مسعود، فيقول: أسرع أبو الدحداح إلى الرسول صلى الله عليه وسلم- إنها أول مرة يسمع الآية، فكم مرة سمعنا الآية- قال:
      يا رسول الله، وإن الله عز وجل ليريد منا القرض.
      هل الله سبحانه وتعالى يحتاج إلى قرض، يقول أبو الدحداح:
      يا رسول الله، وإن الله عز وجل ليريد منا القرض؟
      هل يريد منا القرض؟
      هل يريد منا المال؟
      قال صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ يَا أَبَا الدَّحْدَاحِ".
      وانظر إلى إجابة النبي صلى الله عليه وسلم لا توجد فيها تفصيلات، ولا محاورات، ولا جدالات، ولا مناقشات، ولا ندوات، نَعَمْ يَاَ أَبَا الدَّحْدَاحِ.
      هكذا في بساطة هنا أبو الدحداح لم يسأل بعدها، لقد أدرك أبو الدحداح ما يريده الله سبحانه وتعالي، يريد القرض، ولم يشغل أبو الدحداح إطلاق لفظ القرض، وإنما شغله هو العمل، شُغِل بالعمل، سمعنا وأطعنا، شغل بالطَّاعَة، قال أبو الدحداح في نفس المجلس، وهو مازال قاعدا مع الرسول صلى الله عليه وسلم قال أبو الدحداح رضي الله عنه:
      أرني يدك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
      قال عبد الله بن مسعود راوي الحديث قال: فناوله يده،
      قال أبو الدحداح: فإني أقرضت ربي حائطي.
      وهي حديقة كبيرة وضخمة عنده، قال: فإني أقرضت ربي حائطي.
      تصدقت بكل الحائط يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه يقول: وحائط أبي الدحداح فيه ستمائة نخلة، إنه لموقف عظيم من أبي الدحداح. سمع آية واحدة من آيات الله عز وجل دفع ستمائة نخلة.
      أم الدحداح داخل الحديقة هي وأولادها، فجاء أبو الدحداح، فناداها: يا أم الدحداح.
      قالت: لبيك.
      قال: اخرجي، فإني أقرضته ربي عز وجل، سبحان الله، انظر إلى سرعة تلبية أبي الدحداح لتنفيذ أوامر الله عز وجل، لا تسويف، ولا تأجيل، ولا تأويل، منهج السماع للطاعة، يا ليتنا نتعلم هذا المنهج من أبي الدحداح، ومن غيره من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، السماع للطاعة {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ} [البقرة:285] .
      انظر على النقيض من هذا الكلام رد فعل اليهود لنفس الآية لما نزلت هذه الآية {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:245].
      قالت اليهود كلام في قمة الكفر والفسق قالوا: ما بنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا لفقير.
      سبحان الله، يقول اليهود بأن الله فقير، وهم أغنياء، وأن الله هو الذي يحتاج إليهم، كلام كله ضلال، ضياع، وكفر، ثم يكملون ويقولون:
      وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، يطلب منا أن نرجع له ونتوب إليه، وإنا عنه لأغنياء، وما هو عنا بغني، ولو كان عنا غنيا ما استقرضنا أموالنا كما يزعم صاحبكم صلى الله عليه وسلم، ينهاكم عن الربا، ويعطيناه.
      ما معنى هذه الكلمة هذا يعني أنه ينهاكم عن الربا، ويعطيناه، ولو كان غنيا ما أعطانا الربا، يقولون إن ربنا سبحانه وتعالى يطلب منكم القرض، وسوف يرده لكم أضعافا كثيرة، هذا هو الربا؛ لأن الله سوف يأخذ حسنة، ويأتيكم عشرة، سبحان الله انظر إلى هذا الفهم الموجود عند اليهود، ينهاكم عن الربا ويعطيناه ولو كان غنيا ما أعطانا الربا، سبحان الله هؤلاء هم اليهود، فعندما نرى فعل أي منهم لا نستغرب؛ لأن أجدادهم كانوا يفعلون هذا في وجود النبي صلى الله عليه وسلم، فما بالك بالأحفاد، وفي غير وجود الرسول صلى الله عليه وسلم، أرأيتم كيف كان الصحابي يتعامل مع الآية التي تنزل في قضية الإنفاق.
      حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه والجهاد
      تعالوا نرى مثلا قضية الجهاد في سبيل الله موقف كلنا نعرفه، هو موقف حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه وأرضاه غَسيل الملائكة، وغَسيل على وزن فَعِيل بمعنى مفعول، يعني الرجل الذي غسلته الملائكة، سمع حنظلة النداء يوم أحد، وهو كان حديث عهد بالزواج، وبعض الروايات تقول إنه تزوج قبل يوم واحد من استشهاده، وكان جنبا، وسمع داعي الجهاد يطلب الناس للخروج للجهاد في سبيل الله، في غزوة أحد، لم يصبر حنظلة حتى يغتسل، بل خرج مسرعا للجيش، انظر الاستجابة، إنه لم يخرج مكرها، إنه خرج مشتاقا، خرج متلهفا على تنفيذ أوامر ربنا سبحانه وتعالى، حقا سمعنا وأطعنا، وذهب إلى أحد، واستشهد، وهو جنب، فغسلته الملائكة، فأصبح حنظلة غسيل الملائكة، ليس هناك معنى لكلمة الظروف عند الصحابة، وليس هناك ما يسمى بالظروف، لا يهمهم شيء إلا وجه الله عز وجل، والرسول صلى الله عليه وسلم قال، إذاً لا بد من تنفيذ الأمر.
      هل حنظلة قد خسر؟
      أبدا حنظلة لو ظل في بيته، ولم يخرج للجهاد، كان سيموت في نفس الساعة التي مات فيها، لكن بد لا من أن يكون في أرض الجهاد، كان سيموت على فراشه، وبدلا من الموت مقبلا، مجاهدا كان سيموت معتذرا متخلفا.
      الموت لا يؤجل {لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس:49].
      إذن حنظلة وإن لم يكن يعرف ميعاد الموت، إلا أنه اختار طريقته، هذا هو الذكاء، هذه هي الفطنة، هذا هو المطلوب من المؤمن العملي، لو عاش المؤمن لله، فسوف يموت لله سبحانه وتعالى، ولو عاش المؤمن مجاهدا لله، مات مجاهدا، ولو عاش حياته في سبيل الله، مات في سبيل الله. وإذا لم يكن بيد الإنسان أن يختار ميعاد موته، فبيده اختيار طريقة الموت، ويبعث المرء على ما مات عليه، فإذا مات الإنسان وهو يصلى، يبعث وهو يصلي، ومن مات وهو يلبي في الحج يبعث وهو يلبي، ومن مات وهو يجاهد يبعث على هيئته وقت الجهاد، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، ونحن الذين نختار.
      أبو بكر الصديق والتطبيق العملي للعفو
      تعالوا نرى رد فعل الصحابة لبعض آيات القرآن الكريم التي تخاطب قلوب الصحابة، إن القلب وأحواله على درجة كبيرة من الغرابة والعجب، هناك في بعض الأوقات يكون الإنسان غاضبا من أحد الناس، وربما لا يستطيع أن يرفع هذا الغضب من قلبه، ويحقد على إنسان، ولا يستطيع أن يرفع الحقد من قلبه، أما إذا نظرنا إلى الصحابة، فقد كانت قلوبهم بأيدهم، لا يحملون حقدا لأحد، ولا يكنون ضغينة لأحد، وكأن قلبهم يحملونه في يدهم ينظفونه في أي وقت يريدون.
      تعالوا نرى هذه القصة اللطيفة، والتي فيها الكثير من الدروس، والعبر العميقة، هذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه كان ينفق على ابن خالته مسطح بن أثاثة رضي الله عنه وأرضاه، فإذا بمسطح يتكلم في عِرض السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها، كارثة ضخمة، مسطح لا يتكلم عن مشكلة بسيطة، إنه لا يقول إن السيدة عائشة مثلا بخيلة، أو ليس لها حق، في رأي في مسألة. ولكن الأمر أخطر من ذلك، إنه يطعن في عرض السيدة عائشة، ويطعن في شرفها، وكان رد الفعل الطبيعي جدا للأب المجروح الذي طُعن في شرفه، وشرف ابنته الطاهرة الصديقة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، قال أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه:
      والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد ما قال.
      وفي رواية قال:
      والله لا أنفعه بنافعة أبدا.
      المهم أنه قرر ألا ينفق عليه مرة أخرى، وأبو بكر لا يمنعه حقا، ولكن أبا بكر كان يتفضل على مسطح، فقد كان يتصدق عليه، والصدقة كما نعلم ليست كالزكاة، فالصدقة اختيارية، ومع كل هذا الأمر، ينزل قول الله عز وجل: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي القُرْبَى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22]. لا يأتل، يعني لا يقسم؛ لأن أبا بكر أقسم أنه لن يعطي ثانية لمسطح، وهنا نجد موقفا عظيما لأبي بكر، وهو من أعظم مناقب الصديق، إن الله سبحانه وتعالى يصفه بأنه من أولي الفضل والسعة، هذا الأمر من الله سبحانه وتعالى على سبيل الاختيار، أي تستطيع أن ترجع عن الانفاق، وتستطيع ألا ترجع عن النفقة لمسطح، ففي هذه الآيات الله سبحانه وتعالى لا يذكر أن مسطحا له حق عند أبي بكر، ولكن يطلب بمنتهى الرفق من أبي بكر أن يعفو وأن يصفح، ثم يتودد إليه سبحانه وتعالى: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22] لأن الجزاء من جنس العمل، إن غفرت للناس، فإن الله غفور رحيم، فقال أبو بكر في رد فعل عجيب، استجابة سريعة جدا، دون تردد، قال: بلى والله، إني لأحب أن يغفر الله لي.
      بمجرد أن سمع أبو بكر هذه الآية انطلق رد الفعل مباشرة، لم يفكر طويلا رغم أن الموقف خطير وكبير، ولكن ما عند الله خير وأبقي، فتغلب أبو بكر على ما كان في قلبه من الغل، والحقد، والحزن، تجاه مسطح بن أثاثة رضي الله عنه، قال أبو بكر:
      بلى والله، إني لأحب أن يغفر الله لي.
      فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه، بل أقسم ألا يقطعها بعد ذلك، وعزم ألا يعود مرة أخري إلى القطع.
      هذا هو الصديق، وهؤلاء هم الصحابة، إن أبا بكر لم يكن ملزما هنا بالإنفاق على مسطح، وموقفه في المنع مفهوم، ولا يلومه أحد عليه أبدا، لكن النداء واضح، إن كنت تريد مغفرة الله عز وجل، فاغفر للعباد، لقد وصلت الرسالة لقلب الصديق، فلم يفكر كثيرا، فهل يا ترى كم منا من هو غاضب من جاره؟
      ومن صاحبه؟
      وفي بعض الأوقات من أبيه وأمه؟
      ويقاطعهم يوما، والثاني، والثالث، وشهرا، والثاني، وهو لا يتذكر قول الحق تبارك وتعالى: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22].
      إنه دأب المؤمنين دائما؛ المسارعة في الاستجابة لأوامر الله عز وجل.
      المنافقون قول بلا عمل
      والضد يظهر حسنه الضد، فأما المنافقون فهم الذين لا ينقادون إلى أحكام الدين، إلا عند تحقق فوائد ملموسة لهم في الدنيا، وإن لم يكن هناك فائدة مباشرة لا طاعة لكلام الله عز وجل، الله عز وجل يصف هذه الفئة المريضة في الكتاب: {وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالمُؤْمِنِينَ} [النور:47].
      الله عز وجل يصفهم أنهم ينطقون كلام الإيمان، ولكنهم لا يعملون به، قول بلا عمل، القول جميل، ولكن المشكلة في العمل، لقد قالوا كلمة الإيمان، وقالوا: أطعنا. ولكن بغير عمل {وَمَا أُولَئِكَ بِالمُؤْمِنِينَ} [النور:47].
      ثم يخبر الحق تبارك وتعالى عنهم عندما يدعون إلي كتاب الله فيقول: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} [النور:48] يعرض المنافقون عندما يدعون إلى كتاب الله عز وجل، ولا يطلبون تحكيم الكتاب إلا في حالة واحدة فقط {وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} [النور:49] إذا كان الحق لهم يأتوا بسرعة، يسمعون الكلام {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ} [النور:50]، والمقصود بالمرض هنا، يعني ليس عندهم عيب في الشريان التاجي، ولكن عندهم عيب النفاق، أم ارتابوا، أي شكوا في كلامه، وحكمه، ومنهج الله عز وجل، ومنهج الرسول صلى الله عليه وسلم.
      المؤمنون وتطابق القول مع العمل والأخذ بشمولية الإسلام
      يقول الحق تبارك وتعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [النور:51].
      ليس الكلام فقط، ولكن الكلام والفعل معا، وهذا هو ما نسعى إليه، هناك إنسان زوجته لا تسمع كلامه، فيقول: هل هذا كلام الله، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
      ويقول: إن الله قد أمر الزوجة بالطاعة، وكذا وكذا.
      يذهب إلى حكم الدين، وقد تخرج زوجته من غير حجاب، وليس عنده مانع، يتمسك بجانب من الشرع، ويترك الجانب اللآخر، يقرأ علينا قول الله عز وجل الداعي إلى لزوم الطاعة، ويتغافل عن أمر الله لعباده بأن ترتدي المرأة الحجاب، ويقول:
      إن الله غفور رحيم، المهم القلب النظيف، أنا أعرف قلب زوجتي، وأنا أعرف قلبي، وأعرف قلب بناتي.
      سبحان الله! لماذا سمعت كلام الله عز وجل عندما كنت سوف تستفيد وكان الحق لك؟
      وعندما يكون الحق عليك، أو الواجب عليك لم تسمعه؟
      كن على حذر، فهذا من علامات النفاق، ونسأل الله عز وجل أن يقينا جميعا شر النفاق.
      تحويل القبلة
      تعالوا نرى استجابة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لقضية من قضايا العبادات انظروا إلى قضية تحويل القبلة، فعندما أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين أن يغيروا القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، وهذه قضية ليست سهلة؛ لأن الصحابة ظلوا فترة طويلة جدا سبعة عشر شهرا في المدينة المنورة يُصَلون في اتجاة بيت المقدس، وفجأة تغيرت القبلة إلى البيت الحرام، فقال اليهود والمنافقون:
      إن المسلمين لا يعرفون قبلتهم، يصلون مرة ناحية بيت المقدس، ومرة ناحية البيت الحرام.
      ولم يفهم اليهود الغرض والعبرة من تحويل القبلة، لقد كان الغرض من تحويل القبلة هو اختبار المسلمين ومعرفة مدى تنفيذهم لأوامر الله عز وجل يقول الحق تبارك وتعالى: {وَمَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة:143].
      هذا الكلام ليس في موضوع القبلة، هذا الكلام في كل أمر من أوامر الدين، قال المؤمنون: سمعنا وأطعنا. تلقى المسلمون الأمر بكل رضا وارتياح، طالما أن الأمر جاء من رب العالمين سبحانه وتعالى، نصلي ناحية البيت المقدس، أو نصلي ناحية الكعبة، سمعنا وأطعنا، القضية واضحة جدا عند الصحابة رضوان الله عليهم، حتى أن المسلمين الذين كانوا يصلون في مسجد آخر عندما وصلهم الأمر، لم ينتظروا الانتهاء من صلاتهم، لم ينتظروا حتى ينتهوا من الصلاة، ويجلسوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ويسألوه، ويناقشوه، ويقولوا لماذا كنا نصلي ناحية بيت المقدس، ثم تحولنا ناحية المسجد الحرام، هذا الكلام لم يشغلهم، وإنما كان يشغلهم تنفيذ أمر الله عز وجل بالتوجه ناحية المسجد الحرام، وفي نفس الصلاة غَيّر المسلمون اتجاهم، صلوا ركعتين ناحية البيت المقدس، وركعتين ناحية الكعبة، هذا هو التطبيق العملي لكلمة سمعنا وأطعنا، وهو الفهم الحقيقي لمعنى العبادة لله عز وجل.
      ولننظر إلى رد فعل المنافقين واليهود، هؤلاء كان تفكيرهم ينطلق من الجدل والنقاش: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ للهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:142]
      وانظر إلى المنطق الإلهي في الرد على هؤلاء، لم يخبرهم عن الحكمة من الأمر، وإنما أخبرهم أن الكون بيده سبحانه وتعالى {قُلْ للهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:142] ما يأمر به الله عز وجل افعلوه، ولا تكثروا من الكلام.
      لو كان يقيم الليل
      تعالوا نسمع القصة الجميلة، قصة من عبد الله بن عمر رضي الله عنهما روى البخاري، ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال:
      كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلي الله عليه وسلم، فتمنيت أن أرى رؤيا، فأقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت في النوم كأنّ ملكيْن أخذاني، فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر (مطوية أي مبنية، إذا كانت مبنية حولها سور سميت مطوية، وإذا لم تكن مبينة سمية قليب، مثل قليب بدر، فالبئر التي رأها في الحلم مطوية) وإذا لها قرنان (أي عارضتان من الخشب مثل البئر) وإذا فيها أناس قد عرفتهم، فجعلت أقول:
      أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار.
      قال: فلقينيا ملك آخر فقال لي لم ترع.
      يعني اطمأنوا، واستيقظ عبد الله بن عمر، وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه خجل من أن يحدث الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه كان صغيرا في السن، فذهب لأخته السيدة حفصة بنت عمر رضي الله عنها وأرضاها، طبعا أخته الكبيرة، وكانت متزوجة من الرسول صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث من الهجرة عبد الله بن عمر في هذا الوقت، كان عنده اثنا عشر عاما، والسيدة حفصة كان عمرها عشرين سنة تقريبا، فذهب للسيدة حفصة، وقص عليها الرؤيا، فذهبت السيدة حفصة وقصت الرؤيا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففسر النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا بكلمات بسيطة، ولكنها تحمل الكثير من المعاني، وكان لها أثر ضخم في حياة ابن عمر رضي الله عنهما، يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: "نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ".
      وكلمة لو هنا في هذا الحديث ليست للشرط إنما هنا للتمني كما يقول ابن حجر، أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يعلق خيرية عبد الله بن عمر على قيام الليل، بل قال: "نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ". الجملة انتهت هنا، وهو يثني ويمدح عبد الله بن عمر، ثم قال: "لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ".
      يا ليته يجمل عبادته بقيام الليل، إذن سترتفع قيمته، وطبعا هذه إشارة واضحة إلى أن قيام الليل يقي الإنسان من عذاب النار الذي رآه عبد الله بن عمر في الرؤيا، يقول نافع مولى عبد الله بن عمر:
      كان عبد الله بن عمر بعد كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام من الليل إلا قليلا.
      ظل طوال عمره يقيم الليل، لأنه سمع حديثا واحدا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن الرسول صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث مدح في عبد الله بن عمر، ولم يركن عبد الله بن عمر على هذا المدح، وهذا الثناء من الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما كان دافعا له على زيادة الطاعة، وقيام الليل، ومات عبد الله بن عمر سنة ثلاث وسبعين من الهجرة، وكان عمره ست وثمانين سنة، سبحان الله! ظل مواظبا على قيام الليل الطويل، كان لا ينام من الليل إلا قليلا، ظل أكثر من ستين سنة، وهو لا يترك قيام الليل.
      إنه منهج واضح جدا، منهج السماع للطاعة، سمعت حديثا تعمل به، وسمعت آية تعمل بها مهما كان علمك قليلا، المهم أن تعمل بما عرفته.
      انظروا إلى المسيء في صلاته، روى البخاري، ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فدخل رجل، فصلى، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرد الرسول عليه الصلاة والسلام عليه السلام، فقال: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ".
      هذا الرجل قد أدى الصلاة، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمره بإعادة الصلاة، فبادر الرجل بإعادة الصلاة، ولم يناقش النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعلن أنه قد أدى الصلاة، فكيف يعيدها، ولكن الأمر قد جاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نقاش، ولا حوار، ولا جدال، فأعاد الرجل الصلاة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الصلاة ثانية، فأعادها، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيدها ثالثة، والرجل يسمع ويطيع في رضا وارتياح، وفي المرة الرابعة قال الرجل المرة الرابعة: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي.
      هذه هي المشكلة عند هذا الصحابي، المشكلة أنه لا يعرف، وعندما يعلم سوف يكون أول المبادرين إلى العمل، فقال له صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقًرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا".
      لقد كانت مشكلة الرجل في الصلاة عدم الاطمئنان في الصلاة.
      الشاهد هنا يا إخواني أن الرجل ذهب الأولى، والثانية، والثالثة ليعيد الصلاة بكل صبر، يسمع ليطع، ما دام الرسول قال، فلا بد أن أنفذ، وفي النهاية يسأل بأدب جم:
      والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره. لم يغضب، ولم يثر، ولم يترك المسجد، إن الجانب السلبي عند هذا الرجل هو عدم الاطمئنان في الصلاة، ولكن الناس لا يعطون للجانب الإيجابي اهتماما كبيرا، وهو الحرص على التعلم، والعمل، والصبر على ذلك مرة، والثانية، والثالثة، لو رأيت إنسانا يصلي، ولكنه لا يطمئن في صلاته، أو لا يسجد باطمئنان، وقلت له:
      أعد صلاتك لأنك لا تطمئن فيها.
      فسوف يقول لك: إن الله غفور رحيم إن شاء الله في الصلوات القادمة سوف أحسن الصلاة.
      ومن الممكن أن يغلظ لك القول، ومن الممكن أن يترك المسجد، ولكن سبحان الله! هذا هو فهم الصحابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، السمع للطاعة، يسمع كي يطع، {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَ} [البقرة:285].
      أهل المدينة وسرعة الاستجابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم
      تعالوا إلى قصة، الكثير منكم يعلمها، لكننا نريد التعليق على جانب معين، وهو استجابة المسلمين لمقاطعة الثلاثة المخلفين في غزوة تبوك، مَثَلٌ رائع للجانب العملي عند الصحابة، تخلف ثلاث من الصحابة الكرام عن غزوة تبوك، نزوة من نزوات الشيطان تخلف كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومراره بن الربيع رضي الله عنهم أجمعين، ونزل الوحي بعقابهم عن طريق المقاطعة، عقاب صعب جدا، ولم يحصل في حياة الصحابة إلا في هذه المرة، يقول كعب بن مالك رضي الله عنه وأرضاه أحد الذين قُوطِعوا في هذه المقاطعة، يقول كما جاء في البخاري ومسلم: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا.
      فحدثت استجابة سريعة، وكاملة، وعجيبة جدا من أهل المدينة جميعا، لا جدال، ولا نقاش، ولا مبررات، ولا تعليلات، ولا استثناءات، ولا وساطة، لم يأت أحد ويقول: هذا الرجل من السابقين، ومن أهل العقبة.
      لم يحدث هذا أبدا، سبحان الله، قطعت مصالح كثيرة، ولكن هذا لا يهم، المهم هو تنفيذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم، المهم هو الطاعة لله عز وجل، والطاعة لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم لم ينفع رحم، ولم تنفع صداقة، لكن أَمَر الله، وأَمَر الرسول، وهذا يكفي، فنفذت المقاطعة بشكلها الواسع العجيب في المدينة المنورة، كل أهل المدينة قاطعوا الثلاثة، يقول كعب بن مالك رضي الله عنه وأرضاه:
      فاجتنبنا الناس، وتغيروا لنا، حتى تنكرت في نفسي الأرض، فما هي التي أعرفها.
      حتى المدينة المنورة، كأنها ليست المدينة المنورة، فكل الناس في المدينة سمعوا وأطاعوا شيء عجيب جدا، هو هو الصحابة {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينً}[الأحزاب:36] .
      ليس لهم اختيار، هل ظل ذلك يوما أو يومين؟
      لا، بل ظل ذلك خمسين ليلة، فترة طويلة جدا في داخل مجتمع صغير مثل المدينة، ومجتمع اجتماعي ليس كمجتماعتنا هذا الزمان، الآن في أيامنا تلك من الممكن ألا يعرف الجار جاره، ولكن في هذه البيئة، وفي هذا المجتمع كان الجميع كأسرة واحدة، فالمقاطعة بهذه الصورة صعبة جدا، تفاقم الأمر مع كعب بن مالك رضي الله عنه وأرضاه يقول:
      حتى إذا طال عليَّ ذلك من جفوة الناس، مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي، وأحب الناس إليّ، فسلمت عليه، فوالله ما رد علي السلام.
      سبحان الله! إن رد السلام فرض، لو قال لك إنسان:
      السلام عليكم.
      فرض عليك أنك تقول له: وعليكم السلام.
      لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ألغى هذا الأمر في هذه الحالة الاستثنائية فقط، منع الناس من الكلام، والرجل قد اجتهد حتى السلام لن أرده عليك، يقول كعب:
      فقلت: يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله؟
      يعني أنت تظن أني أخطأت، لأني منافق، وبداخلي كراهية لله وللرسول، ولكن هذه غلطة عابرة، وأنا أحب الله ورسوله، فيقول:
      فسكت، فعدت له، فنشدته فسكت، فعدت له فنشدته، فقال أبو قتادة:
      الله ورسوله أعلم.
      أي أنه لا يعلم إيمان كعب، يشك في إيمانه، ليس واثقا منه، وهذا أشد على كعب بن مالك من السكوت، يا ليته ظل ساكتا، أراد أبو قتادة أن يبعد كعبا عنه تماما، قال: الله ورسوله أعلم.
      سبحان الله! استجابة شديدة لأوامر الله، وأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى هذه الدرجة، وهو أحب الناس في المدينة إلى كعب بن مالك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول كعب:
      ففاضت عيناي.
      قمة الألم، والحزن، والاكتئاب، هذا الوضع استمر خمسين ليلة، وبعد خمسين ليلة من المقاطعة، صدر الأمر الإلهي بالعفو عن الثلاثة الذين خلفوا، وهنا رفع الحظر عنهم، وسمح لأهل المدينة بالحديث معهم، تعالوا نرى ما حدث، فقد تحول كل ما ذكرناه من قطيعة، وصمت، وتجاهل، تحول كلية إلى وصال، وإلى حب، وإلى اهتمام، سبحان الله! قلوبهم وكأنها في أيديهم، يفعلون بها ما يشاءون، لقد أمر الله عز وجل برفع الحظر عنهم، فليكن ما أراد الله عز وجل، وانكشف الموقف، ولا توجد بقايا في النفس، أو رواسب في القلب، شيء عجيب، واستمِع إلى تصوير كعب بن مالك رضي الله عنه وأرضاه لأمر فك المقاطعة، يقول كعب:
      فلما صليت صلاة الفجر، صبح خمسين ليلة، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينما أنا جالس على الحال التي ذكر الله، قد ضاقت عليَّ نفسي، وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت، سمعت صوتَ صارخٍ ينادي بأعلى صوته:
      يا كعب بن مالك، أبشر يا كعب بن مالك، أبشر.
      يقول كعب: فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء فرج، وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر.
      يقول كعب: فذهب الناس يبشروننا، وذهب إلى صاحبيَّ مبشرون، وركض إلي رجل فرسا، ووقف رجل على الجبل ينادي عليه من بعيد، وكان الصوت أسرع من الفرس، وكان من يتكلم من فوق الجبل قد سمعته قبل أن يأتي الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبيّ، فكسوته إياهما ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومها، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل الناس فوجا فوجا كل أهل المدينة، يهنئوني بالتوبة، يقولون: لتهنك توبة الله عليك.
      احتفال مهيب، وكأنه لم يكن مقاطعا منذ دقائق، منذ دقائق فقط، ولمدة خمسين يوما، يقول كعب: حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس، فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يبرق وجهه من السرور: "أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ".
      هذا يوم التوبة من الله عز وجل، أفضل يوم مع أن هذا اليوم قد سبقه مقاطعة خمسين ليلة بعد التخلف عن الجهاد، و سبحان الله، كل شيء اختلف، انقلاب عظيم، تغير كامل لكل شيء، كلمة واحدة من الله عز وجل، ومن رسوله الكريم أحدثت المقاطعة الصارمة، وكلمة من الله عز وجل، ومن رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أحدثت هذه المظاهرة الإيمانية الأخوية التي تعظم من كعب بن مالك، نسي الناس أنه قد تخلف منذ شهرين عن غزوة كبرى، وما عادوا يذكرون إلا أنه رجل تائب، قد تقبل الله عز وجل توبته، هذا هو ما تذكره الناس بعد ذلك، فهذا هو المجتمع الإسلامي، هذا هو المجتمع الذي يُحَكِّم الله سبحانه وتعالى، ويُحَكّم الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته كلها، هذا هو المجتمع العملي في الإسلام، وهذا هو جيل الصحابة، وهذا هو الجيل المنصور، وهذا هو الجيل الذي رضي الله عنه، كان هذا هو الجانب العملي في حياة الصحابة، وانظروا إلى كلام معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه:
      تعلموا ما شئتم أن تتعلموا، فلن يأجركم الله حتى تعملوا.
      لا قبول للإيمان من غير عمل، الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل. تعالوا نختم حديثنا بكلام رائع لعبد الله بن عمر رضي الله عنه كما رواه البيهقي في الكبرى:
      لقد عشنا برهة من دهرنا، وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن.
      وهذه البرهة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى الإيمان قبل القرآن، أي قبل أن يحفظ القرآن، أو يقرأ القرآن، هو يعرف أن هذا الكتاب قد جاءه من أين، ويعرف ما ينبغي أن يعمله، فهذا الكتاب هو رسالة من الله عز وجل، فيه أوامر تطاع، ونواهٍ تجتنب، من هذا المنطلق، يقرأ القرآن الكريم.
      وأحدنا يؤتى الإيمان- بالله عز وجل وبحكمته وقانونه- قبل القرآن، وتنزل السورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنتعلم حلالها، وحرامها، وآمرها، وزاجرها، وما ينبغي أن يقف عنده منها، كما تعلمون أنتم اليوم القرآن، ثم لقد رأيت اليوم رجالا يؤتى أحدهم القرآن، قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته، ما يدري ما آمره، وما زاجره، ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه، فينثره نثر الدقل.
      الدقل رديء التمر، أي تصبح قيمته عنده مثل قيمة رديء التمر، نعوذ بالله أن نكون من هؤلاء، كثير منا يقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته، ولا يعمل بكل كلمة، هذا لم يكن حال الصحابة، وهذا فارق ضخم جدا من جيل الصحابة، وبين الأجيال التي تلت بعد ذلك.
      نسأل الله عز وجل أن يبصرنا بطريق الصحابة، وأن يرزقنا حسن العمل، وحسن القول، وحسن العلم، وأن يجعل أعمالنا كلها خالصة لوجه الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.













      الصحابة والعمل






      نحن مع موضوع على جانب كبير من الأهمية، وهو الصحابة، والعمل، وقد تكلمنا عن علامتين هامتين جدا من علامات طريق الصحابة، وأنا أعتبر طريق الصحابة قائم على مثلث له ثلاثة أضلاع، الضلع الأول هو الإخلاص، وهذا تكلمنا عليه في درس سابق، والضلع الثاني هو العلم، وهذا تكلمنا عليه في درس سابق أيضا، والضلع الثالث هو مجال حديثنا الآن. وسوف نقلب بإذن الله صفحات الصحابة رضوان الله عليهم، حتى نرى ماذا كان يمثل العمل في حياتهم.
      نظرة الصحابة إلى العمل
      من الوهلة الأولى نرى الفارق الكبير بين نظرة الصحابة إلى العمل، وبين نظرتنا نحن إليه، فارق هائل جدا بين جيل الصحابة، وبين من لحق بهم، فقد كان تلقى الصحابة رضوان الله عليهم للكتاب والسنة بهدف التطبيق، كانوا يسمعون بهدف الطاعة، إنه مبدأ جميل جدا عند الصحابة، مبدأ السماع للطاعة {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ} [البقرة:285].
      كان الصحابة رضوان الله عليهم مثل المريض الذي يتلقى الدواء من الطبيب، والطبيب ينصحه بإجراء عملية جراحية، والطبيب يقول للمريض، أنا سوف أجري لك عملية جراحية، حتى تشفى من هذا المرض الموجود في بطنك، سوف تفتح بطنك، وتترك عملك، وسوف تدفع أموالا كثيرة تصل إلى ألف، أو عدة آلاف، والمريض يسمع ويطيع، ويتحمل الألم، ويضحي بالمال، ويضحي بالوقت، وتجري له العملية، لأنه يدرك أن هذه العملية في مصلحته، ويأمل أن يشفى من مرضه، وعند المريض ثقة كبيرة في طبيبه.
      وإنه من الأهمية بمكان التأكيد على أهمية الثقة في إنجاح المهمة، الصحابة كانوا مثل الجنود في ميدان المعركة، بل الجندي في أرض العدو، ينتظر أمرا من الأوامر ليوضح له كيف يتحرك؟
      فهو لا يستطيع التحرك بغير هذا الأمر، يخشى أن يقع في مهلكة، أو يدخل في كارثة، أو تصبه مصيبة من مصائب الزمان والمكان.
      هل الجندي في هذه الظروف يتلقى الأوامر على التراخي؟
      بالطبع لا، فالجندي في ميدان المعركة لا يدري أين يتوجه، وما هي الناحية التي يكون فيها طوق النجاة، فيسلكها حتى تكتب له السلامة، ويتلهف الجندي على سماع أمر القائد حتى يسير عليه لأنه يثق في قائده، ولذلك يسمع منه دون جدل، ولا نقاش؛ لأنه يدرك أن القائد يريد مصلحته هو وإخوانه، كذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم، وكل مؤمن فطن ذكي يتلهف على أمر الله عز وجل في أي قضية من القضايا في أي أمر من الأمور، ويعلم أن الله عز وجل يريد به الخير، فيريد أن يعلم ماذا يريد الله عز وجل منه في هذه النقطة؟
      إن علم أن الله عز وجل راضيا عن ذلك فعله، وهو مطمئن، بل سارع بفعله، وإن علم أن الله لا يرضى عنه تركه، بل بالغ في الابتعاد عنه.
      يا ترى أنت فعلا مطمئن إلى أن الحق سبحانه وتعالى ما أمر به هو فعلا الخير لك وللأرض؟ أم عندك شك في هذا؟
      لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يسارعون إلى كل أمر من أوامر الله عز وجل، وهذا من أهم الأشياء التي ميزت جيل الصحابة، فقد فقهوا الحقيقة القرآنية الكبرى التي تقول: {أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ} [الأعراف:54].
      إننا نجد فعلا فارقا هائلا بين جيل الصحابة، وبين الأجيال التالية.
      إن الأمر لمن خلق، والحكم لمن خلق، هو الذي خلق النفس البشرية، ويعلم ما يصلح شأنها، ولذلك يقول رب العزة تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينً} [الأحزاب:36].
      وكن فطنا، فطالما أن الأمر مرتبط بالله فليس لدينا أي اختيار، طالما عرفنا أن هذا أمر لله سبحانه وتعالى أوأمر الرسول صلى الله عليه وسلم إذن لابد من تنفيذ أوامر الله، سواء كانت هذه الأوامر مع رغبتنا أو عكس تفكيرنا، أم لا، أو عكس تفكير الشرق والغرب أو عكس القانون الدولي أو عكس التقاليد أو عكس أي شيء.
      نحن ليس لدينا اختيار، وفي بعض الأوقات يجد الإنسان أن تنفيذ الأمر يكون صعبا على النفس، ويكون فتنة، لذلك يقول الله عز وجل يقول إن من ينفذ أوامر الله بنفس راضية هو المؤمن والمؤمنة: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينً} [الأحزاب:36].
      المؤمن والمؤمنة هم الذين يُقْبِلون على تنفيذ أوامر الله بنفس راضية، واثقة من ربها. ومؤمنة برسولها صلى الله عليه وسلم، ومن سوف يخالف أوامر الله سوف يضل في هذه الدنيا، ويكون كالذي يتخبطه الشيطان من المس، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينً} {الأحزاب:36}.
      لذلك بعد هذا الفهم لهذه الآيات، وغيرها فإنه من المستحيل أن يصلح العلم بغير عمل يصدقه، انظر إلى الحسن البصري رحمه الله يقول:
      إن الإيمان ليس بالتحلي، ولا بالتمني، إن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل.
      لا بد أن تعرف أولا ما وقر في القلب، فلا بد من الإخلاص لله عز وجل في القلب الذي لا يطلع عليه إلا الله عز وجل، ولكن الأهم وصدقه العمل، فالإيمان بغير العمل كشجرة بلا ثمر، وواهم من يظن أنه يصل إلى الجنة بدون العمل، فهذا ضد النواميس العادلة التي وضعها رب العزة سبحانه وتعالى.
      روى الترمذي، وابن ماجه، وأحمد عن شداد بن أوس رضي الله عنه و أرضاه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن. قال: قال رسول الله: "الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ".
      يعمل كل الآثام، والشرور، ثم يتمنى على الله، يقول: إن الله غفور رحيم.
      إن هذا الكلام نسمعه كثيرا، يعمل الإنسان كل المعاصي، ويقول: ربنا غفور رحيم.
      سبحان الله، لماذا يتذكر الإنسان آيات الرحمة، ولا يتذكر آيات العذاب
      {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العَذَابُ الأَلِيمُ} [الحجر:49،50].
      وإننا نجد من يقول: إن الله ينظر إلى القلوب، وما دام القلب نظيفا فلا يضر الإنسان شيئا.
      إن القلب النظيف يأتي عليه الوقت الذي يعصي فيه الله عز وجل، و يكسل القلب النظيف، ولا يسمع كلام مَنْ خلقه، هذا كلام حق يُرَاد به باطل، إن الله سبحانه وتعالى غفور رحيم، ونظافة القلب شيء من الأهمية بمكان، ولكن لا بد من العمل مع الإيمان.
      تَرْجُو النَّجَاةَ وَلَمْ تَسْلُكْ مَسَالِكَهَا إِنَّ السَّفِينَةَ لَا تَجْرِي عَلَى الْيَبَسِ
      وهناك من يقول بمنتهى الاستهتار: لن يضرنا شيء، ولن يصيبنا شيء، إن الله غفور رحيم.
      لو أحسن هؤلاء الظن بالله لأحسنوا العمل، فلا بد من العمل، والإنسان عليه أن يأخذ بالأسباب، فهل يعقل أن ينجب الإنسان الأولاد بغير زواج، وهل يعقل أن ينبت الزرع بدون أن يزرعه الإنسان، وهل تسير السفينة في الصحراء، وتقول: إن الله سوف ينزل المطر من السماء، وسوف ينزل طوفان من السماء مثل طوفان نوح عليه السلام.
      هذا ضد السنن الكونية، والله عز وجل لا يخالف سننه إلا في ظروف خاصة جدا، والإنسان مأمور بالسير في ضوء السنن الكونية، إن الله عز وجل يقف بجوار من يأخذ بالأسباب، ويسعى في الأرض منفذا قوله تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:15].
      وعلى المرء أن يسعى، وليس عليه إدراك النتائج، والإنسان مأمور إذا قامت القيامة، وفي يده فسيلة، وهي النخلة الصغيرة أن يزرع هذه الفسيلة، رغم أن القيامة قد جاءت، وسوف يقوم الناس للبعث، والنشور، ولكن الإنسان مأمور بالعمل، أما النتائج فهي في علم الله عز وجل، فكيف يدخل الإنسان الجنة بدون العمل، أوقاته يقضيها في اللهو واللعب، والإعراض عن ذكر الله، وعن أوامر الله، فمن الطبيعي بعد كل هذا هو عدم دخول الجنة.
      فلا بد أن تسير في السنة الكونية، وسنة الله عز وجل
      {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزَّلزلة: 7 ،8]
      . وعلى قدر العمل يأتي الثواب، والجزاء من جنس العمل، إنما التواكل على الله عز وجل، واعتقاد النجاة بدون عمل، هذا ليس مسلك الصالحين، وهذا لم يكن أبدا مسلك الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، هذا المسلك سلكه الضالون من أهل الأرض.
      هذا المسلك الخاطئ كان ثمة مميزة لبني إسرائيل، على سبيل المثال بنو إسرائيل قال الله عز وجل في حقهم: {يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران:70 ،71].
      كان بنو إسرائيل يعلمون هذه الحقائق، ولكنهم أعرضوا عنها، فلم يتمسكوا بها، ولم يطبقونها، إنهم علموا، ولكنهم لم يعملوا، فكانت النتيجة ضلال، وكفر، ولعنة، وجهنم، انظر إلى حيي بن أخطب، يقول لأخيه، وحيي بن أخطب من أكابر اليهود أيام الرسول فلما ذهب إلى الرسول سأله أخوه عن هذا الرجل، عن رسول الله: أهو هو؟
      هل هذا هو الرسول الذي جاءت به كتبنا؟
      قال: نعم.
      قال: وما تفعل معه.
      انظر إلى كلام حيي بن أخطب، وهو يعرف أنه هو رسول الله، قال:
      عداوته ما بقيت.
      أحارب هذا الرسول إلى أن أموت، علم ولا عمل، عجز، وحماقة، وغباء، حقا حتى تاريخ اليهود يشهد بهذه الصفة دائما علم بلا عمل.
      روى البخاري، ومسلم، وغيرهما، وهذه الرواية للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا، وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ، فَبَدَّلُوا فَدَخَلُوا الْبَابَ يَسْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ".
      فبدلا من السجود، دخلوا بالزحف، وقالوا: حبة في شعرة.
      يعني بدل ما يقولون: حطة. قالوا: حبة في شعرة.
      في رواية قالوا: حنطة.
      سبحان الله، لا يريدون أن يطبقوا، وهم يدركون الحقيقة، ويعرفونها، فإنهم كانوا علماء في دينهم، كما قال الحق سبحانه وتعالى في حقهم: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء:197].
      لكن أين العمل؟
      لا عمل.
      {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ} [البقرة:67].
      انظر كيف يردون على النبي: أتتخذنا هزوا.
      سوء أدب، ومجادلة، وعناد، وحماقة، وعدم رغبة في التطبيق، يسمعون نعم، يسمعون، ولكن لا يطيعون، ولكن لكي يعصوا، سبحان الله يسمعون حتى يعصوا، انظر إلى كلام الله عز وجل: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ} [النساء:46].
      كل هذا العناد من بني إسرائيل يلخصه الله عز وجل في وصفهم الذي وصفهم فيه في سورة الجمعة، قال سبحانه وتعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة:5].
      إن الله عز وجل ساعدهم مرة، والثانية، والثالثة أن يقوموا بهذه المهمة المكلفين بها، وهي حمل التوراة، لكنهم عصوا مرة، والثانية، والثالثة. اختارهم وأرسل لهم الرسول الواحد تلو الآخر، رفضوا، وأراهم الآيات الواضحة واحدة وراء الثانية، ولكنهم أصروا على رفض مهمة الإنسان، وعملوا مهمة ثانية، وقبلوا مهمة الحمار، الحمار يحمل الأشياء بصرف النظر عن قيمتها، ومحتواها، يحمل الكتب مثلما يحمل الأكل، مثلما يحمل البرسيم، مثلما يحمل الحجارة، فهو لا يستفيد مما يحمله، وهذا ليس عيبا في الحمار، لأنه مخلوق لوظيفة الحمل، ولكن العيب هو عيب الإنسان الذي خلق من أجل العمل والعبادة، ولكنه لا يعمل وظيفته الرئيسية.
      إن الله عز وجل أعطاهم التوراة حتى يعملوا بها، ويعلموها لغيرهم، هم قاموا بوظيفة الحمار، وهي حمل التوراة دون أن يفقهوا ما بداخلها، ولا أن يعلموا بمحتواها، كمثل الحمار يحمل أسفارا.
      وعلى الجانب الآخر المسلم الذي سوف يحتفظ بكتاب ربنا سبحانه وتعالى وبسنة الرسول صلى الله عليه وسلم يحتفظ بها في البيت، أو في السيارة، أو غيرها من الأماكن، ولا يعمل بها واقع تحت نفس الوصف، كمثل الحمار يحمل أسفارا.
      من يقرأ آيات الربا، ويتعامل بها، ومن يقرأ آيات الرفق واللين والدعوة وما زال يتعامل بالعنف.
      ومن يقرأ آيات حفظ اللسان، ويطلق لسانه، ومن يقرأ عن بر الوالدين، وصلة الرحم، ومن يقرأ آيات الإنفاق، والجهاد وهو ما زال بخيلا بالمال، والنفس كمثل الحمار يحمل أسفارا، وسبحان الله، عندما يكون الإنسان من خارجه مسلم، واسمه مسلم، وأبوه وأمه مسلمين، ويخالف أوامر الله باستمرار يأخذ اسم قبيح جدا في الإسلام يأخذ اسم منافق، سبحان الله إنه شيء خطير، انظر إلى الحق سبحانه وتعالى يصف المنافقين في كتابه ويقول: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلً} [النساء:81].
      يسمعون الدرس ويقرءون الأحاديث، يقولون: إن شاء الله سوف نطيع، وهو لا ينوي تنفيذ الأمر، وربما يأمر الناس بالخير وهو لا يعمله، ولا يريد أن يعلمه، بل من الممكن أن يكون منهم الذين يعظون الناس، ويقوم بدور المصلح بين الناس، وممن يعتلون المنبر، ويذهل العقول بحسن بيانه ولباقته، وهو على النقيض من هذا تماما، يقف وسط الناس خطيبا، يأمر الناس بعدم الحقد، وعدم الكذب، وعدم التعرض للحرام، وعدم الظلم، ومن الممكن أن يكون حافظا لآيات، وحافظا لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن أين العمل؟
      هؤلاء يوم القيامة في موقف في غاية الخطورة.
      روى البخاري، ومسلم، واللفظ للبخاري عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم اسمع الحديث جيدا لأننا نقع في نفس الموقف هذا، يقول صلى الله عليه وسلم: "يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقَ أَقْتَابَهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ".
      وانظر إلى تشبيهه بالحمار؛ لأنه كان في الدنيا مثل {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة:5].
      فهذا الرجل يُجَاءُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقَ أَقْتَابَهَ فَي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ، فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ، مَا شَأْنُكَ؟
      أَنْت كنت رجلا عظيما جدا في الدنيا، كنت تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، كنت خطيبا، كنت تعطي دروسا، وتعطي نصائح، ماذا حدث لك؟ أين كل الخير الذي كنت تأمر به؟
      يَقُولُونَ: أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ؟
      قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ.
      أمر خطير أن يكثر الإنسان من القول ولا عمل، الأمر خطير، ويحتاج إلى وقفات، ونجد بعض المسلمين مصاب بما أسميه التخمة العلمية، عنده تخمة علمية فعلا، معلومات هائلة، ولكن لا تدفع إلى عمل، وهذا ليس سلوك الصحابة، وليس سلوك الصالحين بصفة عامة.
      وقالوا سمعنا وأطعنا
      تعالوا نرى مواقف الصحابة، فلنشاهد رد فعل الصحابة لنزول الآيات، ولسماع الأوامر من رب العالمين سبحانه وتعالى من رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، تعالوا معا نتعلم مبدأ التلقي للتطبيق، ومبدأ السماع للطاعة، تعالوا نرى ماذا تعني كلمة سمعنا وأطعنا؟
      ونرى مثلا قضية الإنفاق، الإنفاق في سبيل الله المال، حب المال مغروس في قلب الإنسان، {وَتُحِبُّونَ المَالَ حُبًّا جَمًّ} [الفجر:20].
      يقول سبحانه وتعالى في حق المال وحب الإنسان له: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8]، أي المال، يحب المال حبا جما جدا، والله سبحانه وتعالى هو الذي خلقه على هذه الصورة، وسوف يطلب منه إنفاق ماله، وسوف يطلب منه أن يدفع هذا المال في سبيل الله عز وجل، ولو كان حب المال بسيطا، لم يكن اختبارا، ولكن الله سبحانه وتعالى يزرع في النفس حب المال، حتى عندما يطلبه منك وتدفعه تكون مؤمنا بالله عز وجل.
      العلم والعمل شيء واحد عند أبي الدحداح
      انظروا إلى هذا الموقف اللطيف، يروي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، يقول: لما نزل قول الله عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:245].
      لما نزل هذا القول سمع أبو الدحداح الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه هذه الآية، وكأنها وقعت في قلبه، لا في أذنه، يروي عبد الله بن مسعود، فيقول: أسرع أبو الدحداح إلى الرسول صلى الله عليه وسلم- إنها أول مرة يسمع الآية، فكم مرة سمعنا الآية- قال:
      يا رسول الله، وإن الله عز وجل ليريد منا القرض.
      هل الله سبحانه وتعالى يحتاج إلى قرض، يقول أبو الدحداح:
      يا رسول الله، وإن الله عز وجل ليريد منا القرض؟
      هل يريد منا القرض؟
      هل يريد منا المال؟
      قال صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ يَا أَبَا الدَّحْدَاحِ".
      وانظر إلى إجابة النبي صلى الله عليه وسلم لا توجد فيها تفصيلات، ولا محاورات، ولا جدالات، ولا مناقشات، ولا ندوات، نَعَمْ يَاَ أَبَا الدَّحْدَاحِ.
      هكذا في بساطة هنا أبو الدحداح لم يسأل بعدها، لقد أدرك أبو الدحداح ما يريده الله سبحانه وتعالي، يريد القرض، ولم يشغل أبو الدحداح إطلاق لفظ القرض، وإنما شغله هو العمل، شُغِل بالعمل، سمعنا وأطعنا، شغل بالطَّاعَة، قال أبو الدحداح في نفس المجلس، وهو مازال قاعدا مع الرسول صلى الله عليه وسلم قال أبو الدحداح رضي الله عنه:
      أرني يدك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
      قال عبد الله بن مسعود راوي الحديث قال: فناوله يده،
      قال أبو الدحداح: فإني أقرضت ربي حائطي.
      وهي حديقة كبيرة وضخمة عنده، قال: فإني أقرضت ربي حائطي.
      تصدقت بكل الحائط يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه يقول: وحائط أبي الدحداح فيه ستمائة نخلة، إنه لموقف عظيم من أبي الدحداح. سمع آية واحدة من آيات الله عز وجل دفع ستمائة نخلة.
      أم الدحداح داخل الحديقة هي وأولادها، فجاء أبو الدحداح، فناداها: يا أم الدحداح.
      قالت: لبيك.
      قال: اخرجي، فإني أقرضته ربي عز وجل، سبحان الله، انظر إلى سرعة تلبية أبي الدحداح لتنفيذ أوامر الله عز وجل، لا تسويف، ولا تأجيل، ولا تأويل، منهج السماع للطاعة، يا ليتنا نتعلم هذا المنهج من أبي الدحداح، ومن غيره من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، السماع للطاعة {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ} [البقرة:285] .
      انظر على النقيض من هذا الكلام رد فعل اليهود لنفس الآية لما نزلت هذه الآية {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:245].
      قالت اليهود كلام في قمة الكفر والفسق قالوا: ما بنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا لفقير.
      سبحان الله، يقول اليهود بأن الله فقير، وهم أغنياء، وأن الله هو الذي يحتاج إليهم، كلام كله ضلال، ضياع، وكفر، ثم يكملون ويقولون:
      وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، يطلب منا أن نرجع له ونتوب إليه، وإنا عنه لأغنياء، وما هو عنا بغني، ولو كان عنا غنيا ما استقرضنا أموالنا كما يزعم صاحبكم صلى الله عليه وسلم، ينهاكم عن الربا، ويعطيناه.
      ما معنى هذه الكلمة هذا يعني أنه ينهاكم عن الربا، ويعطيناه، ولو كان غنيا ما أعطانا الربا، يقولون إن ربنا سبحانه وتعالى يطلب منكم القرض، وسوف يرده لكم أضعافا كثيرة، هذا هو الربا؛ لأن الله سوف يأخذ حسنة، ويأتيكم عشرة، سبحان الله انظر إلى هذا الفهم الموجود عند اليهود، ينهاكم عن الربا ويعطيناه ولو كان غنيا ما أعطانا الربا، سبحان الله هؤلاء هم اليهود، فعندما نرى فعل أي منهم لا نستغرب؛ لأن أجدادهم كانوا يفعلون هذا في وجود النبي صلى الله عليه وسلم، فما بالك بالأحفاد، وفي غير وجود الرسول صلى الله عليه وسلم، أرأيتم كيف كان الصحابي يتعامل مع الآية التي تنزل في قضية الإنفاق.
      حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه والجهاد
      تعالوا نرى مثلا قضية الجهاد في سبيل الله موقف كلنا نعرفه، هو موقف حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه وأرضاه غَسيل الملائكة، وغَسيل على وزن فَعِيل بمعنى مفعول، يعني الرجل الذي غسلته الملائكة، سمع حنظلة النداء يوم أحد، وهو كان حديث عهد بالزواج، وبعض الروايات تقول إنه تزوج قبل يوم واحد من استشهاده، وكان جنبا، وسمع داعي الجهاد يطلب الناس للخروج للجهاد في سبيل الله، في غزوة أحد، لم يصبر حنظلة حتى يغتسل، بل خرج مسرعا للجيش، انظر الاستجابة، إنه لم يخرج مكرها، إنه خرج مشتاقا، خرج متلهفا على تنفيذ أوامر ربنا سبحانه وتعالى، حقا سمعنا وأطعنا، وذهب إلى أحد، واستشهد، وهو جنب، فغسلته الملائكة، فأصبح حنظلة غسيل الملائكة، ليس هناك معنى لكلمة الظروف عند الصحابة، وليس هناك ما يسمى بالظروف، لا يهمهم شيء إلا وجه الله عز وجل، والرسول صلى الله عليه وسلم قال، إذاً لا بد من تنفيذ الأمر.
      هل حنظلة قد خسر؟
      أبدا حنظلة لو ظل في بيته، ولم يخرج للجهاد، كان سيموت في نفس الساعة التي مات فيها، لكن بد لا من أن يكون في أرض الجهاد، كان سيموت على فراشه، وبدلا من الموت مقبلا، مجاهدا كان سيموت معتذرا متخلفا.
      الموت لا يؤجل {لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس:49].
      إذن حنظلة وإن لم يكن يعرف ميعاد الموت، إلا أنه اختار طريقته، هذا هو الذكاء، هذه هي الفطنة، هذا هو المطلوب من المؤمن العملي، لو عاش المؤمن لله، فسوف يموت لله سبحانه وتعالى، ولو عاش المؤمن مجاهدا لله، مات مجاهدا، ولو عاش حياته في سبيل الله، مات في سبيل الله. وإذا لم يكن بيد الإنسان أن يختار ميعاد موته، فبيده اختيار طريقة الموت، ويبعث المرء على ما مات عليه، فإذا مات الإنسان وهو يصلى، يبعث وهو يصلي، ومن مات وهو يلبي في الحج يبعث وهو يلبي، ومن مات وهو يجاهد يبعث على هيئته وقت الجهاد، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، ونحن الذين نختار.
      أبو بكر الصديق والتطبيق العملي للعفو
      تعالوا نرى رد فعل الصحابة لبعض آيات القرآن الكريم التي تخاطب قلوب الصحابة، إن القلب وأحواله على درجة كبيرة من الغرابة والعجب، هناك في بعض الأوقات يكون الإنسان غاضبا من أحد الناس، وربما لا يستطيع أن يرفع هذا الغضب من قلبه، ويحقد على إنسان، ولا يستطيع أن يرفع الحقد من قلبه، أما إذا نظرنا إلى الصحابة، فقد كانت قلوبهم بأيدهم، لا يحملون حقدا لأحد، ولا يكنون ضغينة لأحد، وكأن قلبهم يحملونه في يدهم ينظفونه في أي وقت يريدون.
      تعالوا نرى هذه القصة اللطيفة، والتي فيها الكثير من الدروس، والعبر العميقة، هذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه كان ينفق على ابن خالته مسطح بن أثاثة رضي الله عنه وأرضاه، فإذا بمسطح يتكلم في عِرض السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها، كارثة ضخمة، مسطح لا يتكلم عن مشكلة بسيطة، إنه لا يقول إن السيدة عائشة مثلا بخيلة، أو ليس لها حق، في رأي في مسألة. ولكن الأمر أخطر من ذلك، إنه يطعن في عرض السيدة عائشة، ويطعن في شرفها، وكان رد الفعل الطبيعي جدا للأب المجروح الذي طُعن في شرفه، وشرف ابنته الطاهرة الصديقة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، قال أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه:
      والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد ما قال.
      وفي رواية قال:
      والله لا أنفعه بنافعة أبدا.
      المهم أنه قرر ألا ينفق عليه مرة أخرى، وأبو بكر لا يمنعه حقا، ولكن أبا بكر كان يتفضل على مسطح، فقد كان يتصدق عليه، والصدقة كما نعلم ليست كالزكاة، فالصدقة اختيارية، ومع كل هذا الأمر، ينزل قول الله عز وجل: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي القُرْبَى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22]. لا يأتل، يعني لا يقسم؛ لأن أبا بكر أقسم أنه لن يعطي ثانية لمسطح، وهنا نجد موقفا عظيما لأبي بكر، وهو من أعظم مناقب الصديق، إن الله سبحانه وتعالى يصفه بأنه من أولي الفضل والسعة، هذا الأمر من الله سبحانه وتعالى على سبيل الاختيار، أي تستطيع أن ترجع عن الانفاق، وتستطيع ألا ترجع عن النفقة لمسطح، ففي هذه الآيات الله سبحانه وتعالى لا يذكر أن مسطحا له حق عند أبي بكر، ولكن يطلب بمنتهى الرفق من أبي بكر أن يعفو وأن يصفح، ثم يتودد إليه سبحانه وتعالى: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22] لأن الجزاء من جنس العمل، إن غفرت للناس، فإن الله غفور رحيم، فقال أبو بكر في رد فعل عجيب، استجابة سريعة جدا، دون تردد، قال: بلى والله، إني لأحب أن يغفر الله لي.
      بمجرد أن سمع أبو بكر هذه الآية انطلق رد الفعل مباشرة، لم يفكر طويلا رغم أن الموقف خطير وكبير، ولكن ما عند الله خير وأبقي، فتغلب أبو بكر على ما كان في قلبه من الغل، والحقد، والحزن، تجاه مسطح بن أثاثة رضي الله عنه، قال أبو بكر:
      بلى والله، إني لأحب أن يغفر الله لي.
      فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه، بل أقسم ألا يقطعها بعد ذلك، وعزم ألا يعود مرة أخري إلى القطع.
      هذا هو الصديق، وهؤلاء هم الصحابة، إن أبا بكر لم يكن ملزما هنا بالإنفاق على مسطح، وموقفه في المنع مفهوم، ولا يلومه أحد عليه أبدا، لكن النداء واضح، إن كنت تريد مغفرة الله عز وجل، فاغفر للعباد، لقد وصلت الرسالة لقلب الصديق، فلم يفكر كثيرا، فهل يا ترى كم منا من هو غاضب من جاره؟
      ومن صاحبه؟
      وفي بعض الأوقات من أبيه وأمه؟
      ويقاطعهم يوما، والثاني، والثالث، وشهرا، والثاني، وهو لا يتذكر قول الحق تبارك وتعالى: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22].
      إنه دأب المؤمنين دائما؛ المسارعة في الاستجابة لأوامر الله عز وجل.
      المنافقون قول بلا عمل
      والضد يظهر حسنه الضد، فأما المنافقون فهم الذين لا ينقادون إلى أحكام الدين، إلا عند تحقق فوائد ملموسة لهم في الدنيا، وإن لم يكن هناك فائدة مباشرة لا طاعة لكلام الله عز وجل، الله عز وجل يصف هذه الفئة المريضة في الكتاب: {وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالمُؤْمِنِينَ} [النور:47].
      الله عز وجل يصفهم أنهم ينطقون كلام الإيمان، ولكنهم لا يعملون به، قول بلا عمل، القول جميل، ولكن المشكلة في العمل، لقد قالوا كلمة الإيمان، وقالوا: أطعنا. ولكن بغير عمل {وَمَا أُولَئِكَ بِالمُؤْمِنِينَ} [النور:47].
      ثم يخبر الحق تبارك وتعالى عنهم عندما يدعون إلي كتاب الله فيقول: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} [النور:48] يعرض المنافقون عندما يدعون إلى كتاب الله عز وجل، ولا يطلبون تحكيم الكتاب إلا في حالة واحدة فقط {وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} [النور:49] إذا كان الحق لهم يأتوا بسرعة، يسمعون الكلام {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ} [النور:50]، والمقصود بالمرض هنا، يعني ليس عندهم عيب في الشريان التاجي، ولكن عندهم عيب النفاق، أم ارتابوا، أي شكوا في كلامه، وحكمه، ومنهج الله عز وجل، ومنهج الرسول صلى الله عليه وسلم.
      المؤمنون وتطابق القول مع العمل والأخذ بشمولية الإسلام
      يقول الحق تبارك وتعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [النور:51].
      ليس الكلام فقط، ولكن الكلام والفعل معا، وهذا هو ما نسعى إليه، هناك إنسان زوجته لا تسمع كلامه، فيقول: هل هذا كلام الله، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
      ويقول: إن الله قد أمر الزوجة بالطاعة، وكذا وكذا.
      يذهب إلى حكم الدين، وقد تخرج زوجته من غير حجاب، وليس عنده مانع، يتمسك بجانب من الشرع، ويترك الجانب اللآخر، يقرأ علينا قول الله عز وجل الداعي إلى لزوم الطاعة، ويتغافل عن أمر الله لعباده بأن ترتدي المرأة الحجاب، ويقول:
      إن الله غفور رحيم، المهم القلب النظيف، أنا أعرف قلب زوجتي، وأنا أعرف قلبي، وأعرف قلب بناتي.
      سبحان الله! لماذا سمعت كلام الله عز وجل عندما كنت سوف تستفيد وكان الحق لك؟
      وعندما يكون الحق عليك، أو الواجب عليك لم تسمعه؟
      كن على حذر، فهذا من علامات النفاق، ونسأل الله عز وجل أن يقينا جميعا شر النفاق.
      تحويل القبلة
      تعالوا نرى استجابة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لقضية من قضايا العبادات انظروا إلى قضية تحويل القبلة، فعندما أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين أن يغيروا القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، وهذه قضية ليست سهلة؛ لأن الصحابة ظلوا فترة طويلة جدا سبعة عشر شهرا في المدينة المنورة يُصَلون في اتجاة بيت المقدس، وفجأة تغيرت القبلة إلى البيت الحرام، فقال اليهود والمنافقون:
      إن المسلمين لا يعرفون قبلتهم، يصلون مرة ناحية بيت المقدس، ومرة ناحية البيت الحرام.
      ولم يفهم اليهود الغرض والعبرة من تحويل القبلة، لقد كان الغرض من تحويل القبلة هو اختبار المسلمين ومعرفة مدى تنفيذهم لأوامر الله عز وجل يقول الحق تبارك وتعالى: {وَمَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة:143].
      هذا الكلام ليس في موضوع القبلة، هذا الكلام في كل أمر من أوامر الدين، قال المؤمنون: سمعنا وأطعنا. تلقى المسلمون الأمر بكل رضا وارتياح، طالما أن الأمر جاء من رب العالمين سبحانه وتعالى، نصلي ناحية البيت المقدس، أو نصلي ناحية الكعبة، سمعنا وأطعنا، القضية واضحة جدا عند الصحابة رضوان الله عليهم، حتى أن المسلمين الذين كانوا يصلون في مسجد آخر عندما وصلهم الأمر، لم ينتظروا الانتهاء من صلاتهم، لم ينتظروا حتى ينتهوا من الصلاة، ويجلسوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ويسألوه، ويناقشوه، ويقولوا لماذا كنا نصلي ناحية بيت المقدس، ثم تحولنا ناحية المسجد الحرام، هذا الكلام لم يشغلهم، وإنما كان يشغلهم تنفيذ أمر الله عز وجل بالتوجه ناحية المسجد الحرام، وفي نفس الصلاة غَيّر المسلمون اتجاهم، صلوا ركعتين ناحية البيت المقدس، وركعتين ناحية الكعبة، هذا هو التطبيق العملي لكلمة سمعنا وأطعنا، وهو الفهم الحقيقي لمعنى العبادة لله عز وجل.
      ولننظر إلى رد فعل المنافقين واليهود، هؤلاء كان تفكيرهم ينطلق من الجدل والنقاش: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ للهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:142]
      وانظر إلى المنطق الإلهي في الرد على هؤلاء، لم يخبرهم عن الحكمة من الأمر، وإنما أخبرهم أن الكون بيده سبحانه وتعالى {قُلْ للهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:142] ما يأمر به الله عز وجل افعلوه، ولا تكثروا من الكلام.
      لو كان يقيم الليل
      تعالوا نسمع القصة الجميلة، قصة من عبد الله بن عمر رضي الله عنهما روى البخاري، ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال:
      كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلي الله عليه وسلم، فتمنيت أن أرى رؤيا، فأقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت في النوم كأنّ ملكيْن أخذاني، فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر (مطوية أي مبنية، إذا كانت مبنية حولها سور سميت مطوية، وإذا لم تكن مبينة سمية قليب، مثل قليب بدر، فالبئر التي رأها في الحلم مطوية) وإذا لها قرنان (أي عارضتان من الخشب مثل البئر) وإذا فيها أناس قد عرفتهم، فجعلت أقول:
      أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار.
      قال: فلقينيا ملك آخر فقال لي لم ترع.
      يعني اطمأنوا، واستيقظ عبد الله بن عمر، وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه خجل من أن يحدث الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه كان صغيرا في السن، فذهب لأخته السيدة حفصة بنت عمر رضي الله عنها وأرضاها، طبعا أخته الكبيرة، وكانت متزوجة من الرسول صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث من الهجرة عبد الله بن عمر في هذا الوقت، كان عنده اثنا عشر عاما، والسيدة حفصة كان عمرها عشرين سنة تقريبا، فذهب للسيدة حفصة، وقص عليها الرؤيا، فذهبت السيدة حفصة وقصت الرؤيا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففسر النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا بكلمات بسيطة، ولكنها تحمل الكثير من المعاني، وكان لها أثر ضخم في حياة ابن عمر رضي الله عنهما، يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: "نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ".
      وكلمة لو هنا في هذا الحديث ليست للشرط إنما هنا للتمني كما يقول ابن حجر، أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يعلق خيرية عبد الله بن عمر على قيام الليل، بل قال: "نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ". الجملة انتهت هنا، وهو يثني ويمدح عبد الله بن عمر، ثم قال: "لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ".
      يا ليته يجمل عبادته بقيام الليل، إذن سترتفع قيمته، وطبعا هذه إشارة واضحة إلى أن قيام الليل يقي الإنسان من عذاب النار الذي رآه عبد الله بن عمر في الرؤيا، يقول نافع مولى عبد الله بن عمر:
      كان عبد الله بن عمر بعد كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام من الليل إلا قليلا.
      ظل طوال عمره يقيم الليل، لأنه سمع حديثا واحدا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن الرسول صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث مدح في عبد الله بن عمر، ولم يركن عبد الله بن عمر على هذا المدح، وهذا الثناء من الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما كان دافعا له على زيادة الطاعة، وقيام الليل، ومات عبد الله بن عمر سنة ثلاث وسبعين من الهجرة، وكان عمره ست وثمانين سنة، سبحان الله! ظل مواظبا على قيام الليل الطويل، كان لا ينام من الليل إلا قليلا، ظل أكثر من ستين سنة، وهو لا يترك قيام الليل.
      إنه منهج واضح جدا، منهج السماع للطاعة، سمعت حديثا تعمل به، وسمعت آية تعمل بها مهما كان علمك قليلا، المهم أن تعمل بما عرفته.
      انظروا إلى المسيء في صلاته، روى البخاري، ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فدخل رجل، فصلى، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرد الرسول عليه الصلاة والسلام عليه السلام، فقال: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ".
      هذا الرجل قد أدى الصلاة، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمره بإعادة الصلاة، فبادر الرجل بإعادة الصلاة، ولم يناقش النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعلن أنه قد أدى الصلاة، فكيف يعيدها، ولكن الأمر قد جاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نقاش، ولا حوار، ولا جدال، فأعاد الرجل الصلاة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الصلاة ثانية، فأعادها، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيدها ثالثة، والرجل يسمع ويطيع في رضا وارتياح، وفي المرة الرابعة قال الرجل المرة الرابعة: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي.
      هذه هي المشكلة عند هذا الصحابي، المشكلة أنه لا يعرف، وعندما يعلم سوف يكون أول المبادرين إلى العمل، فقال له صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقًرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا".
      لقد كانت مشكلة الرجل في الصلاة عدم الاطمئنان في الصلاة.
      الشاهد هنا يا إخواني أن الرجل ذهب الأولى، والثانية، والثالثة ليعيد الصلاة بكل صبر، يسمع ليطع، ما دام الرسول قال، فلا بد أن أنفذ، وفي النهاية يسأل بأدب جم:
      والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره. لم يغضب، ولم يثر، ولم يترك المسجد، إن الجانب السلبي عند هذا الرجل هو عدم الاطمئنان في الصلاة، ولكن الناس لا يعطون للجانب الإيجابي اهتماما كبيرا، وهو الحرص على التعلم، والعمل، والصبر على ذلك مرة، والثانية، والثالثة، لو رأيت إنسانا يصلي، ولكنه لا يطمئن في صلاته، أو لا يسجد باطمئنان، وقلت له:
      أعد صلاتك لأنك لا تطمئن فيها.
      فسوف يقول لك: إن الله غفور رحيم إن شاء الله في الصلوات القادمة سوف أحسن الصلاة.
      ومن الممكن أن يغلظ لك القول، ومن الممكن أن يترك المسجد، ولكن سبحان الله! هذا هو فهم الصحابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، السمع للطاعة، يسمع كي يطع، {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَ} [البقرة:285].
      أهل المدينة وسرعة الاستجابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم
      تعالوا إلى قصة، الكثير منكم يعلمها، لكننا نريد التعليق على جانب معين، وهو استجابة المسلمين لمقاطعة الثلاثة المخلفين في غزوة تبوك، مَثَلٌ رائع للجانب العملي عند الصحابة، تخلف ثلاث من الصحابة الكرام عن غزوة تبوك، نزوة من نزوات الشيطان تخلف كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومراره بن الربيع رضي الله عنهم أجمعين، ونزل الوحي بعقابهم عن طريق المقاطعة، عقاب صعب جدا، ولم يحصل في حياة الصحابة إلا في هذه المرة، يقول كعب بن مالك رضي الله عنه وأرضاه أحد الذين قُوطِعوا في هذه المقاطعة، يقول كما جاء في البخاري ومسلم: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا.
      فحدثت استجابة سريعة، وكاملة، وعجيبة جدا من أهل المدينة جميعا، لا جدال، ولا نقاش، ولا مبررات، ولا تعليلات، ولا استثناءات، ولا وساطة، لم يأت أحد ويقول: هذا الرجل من السابقين، ومن أهل العقبة.
      لم يحدث هذا أبدا، سبحان الله، قطعت مصالح كثيرة، ولكن هذا لا يهم، المهم هو تنفيذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم، المهم هو الطاعة لله عز وجل، والطاعة لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم لم ينفع رحم، ولم تنفع صداقة، لكن أَمَر الله، وأَمَر الرسول، وهذا يكفي، فنفذت المقاطعة بشكلها الواسع العجيب في المدينة المنورة، كل أهل المدينة قاطعوا الثلاثة، يقول كعب بن مالك رضي الله عنه وأرضاه:
      فاجتنبنا الناس، وتغيروا لنا، حتى تنكرت في نفسي الأرض، فما هي التي أعرفها.
      حتى المدينة المنورة، كأنها ليست المدينة المنورة، فكل الناس في المدينة سمعوا وأطاعوا شيء عجيب جدا، هو هو الصحابة {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينً}[الأحزاب:36] .
      ليس لهم اختيار، هل ظل ذلك يوما أو يومين؟
      لا، بل ظل ذلك خمسين ليلة، فترة طويلة جدا في داخل مجتمع صغير مثل المدينة، ومجتمع اجتماعي ليس كمجتماعتنا هذا الزمان، الآن في أيامنا تلك من الممكن ألا يعرف الجار جاره، ولكن في هذه البيئة، وفي هذا المجتمع كان الجميع كأسرة واحدة، فالمقاطعة بهذه الصورة صعبة جدا، تفاقم الأمر مع كعب بن مالك رضي الله عنه وأرضاه يقول:
      حتى إذا طال عليَّ ذلك من جفوة الناس، مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي، وأحب الناس إليّ، فسلمت عليه، فوالله ما رد علي السلام.
      سبحان الله! إن رد السلام فرض، لو قال لك إنسان:
      السلام عليكم.
      فرض عليك أنك تقول له: وعليكم السلام.
      لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ألغى هذا الأمر في هذه الحالة الاستثنائية فقط، منع الناس من الكلام، والرجل قد اجتهد حتى السلام لن أرده عليك، يقول كعب:
      فقلت: يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله؟
      يعني أنت تظن أني أخطأت، لأني منافق، وبداخلي كراهية لله وللرسول، ولكن هذه غلطة عابرة، وأنا أحب الله ورسوله، فيقول:
      فسكت، فعدت له، فنشدته فسكت، فعدت له فنشدته، فقال أبو قتادة:
      الله ورسوله أعلم.
      أي أنه لا يعلم إيمان كعب، يشك في إيمانه، ليس واثقا منه، وهذا أشد على كعب بن مالك من السكوت، يا ليته ظل ساكتا، أراد أبو قتادة أن يبعد كعبا عنه تماما، قال: الله ورسوله أعلم.
      سبحان الله! استجابة شديدة لأوامر الله، وأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى هذه الدرجة، وهو أحب الناس في المدينة إلى كعب بن مالك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول كعب:
      ففاضت عيناي.
      قمة الألم، والحزن، والاكتئاب، هذا الوضع استمر خمسين ليلة، وبعد خمسين ليلة من المقاطعة، صدر الأمر الإلهي بالعفو عن الثلاثة الذين خلفوا، وهنا رفع الحظر عنهم، وسمح لأهل المدينة بالحديث معهم، تعالوا نرى ما حدث، فقد تحول كل ما ذكرناه من قطيعة، وصمت، وتجاهل، تحول كلية إلى وصال، وإلى حب، وإلى اهتمام، سبحان الله! قلوبهم وكأنها في أيديهم، يفعلون بها ما يشاءون، لقد أمر الله عز وجل برفع الحظر عنهم، فليكن ما أراد الله عز وجل، وانكشف الموقف، ولا توجد بقايا في النفس، أو رواسب في القلب، شيء عجيب، واستمِع إلى تصوير كعب بن مالك رضي الله عنه وأرضاه لأمر فك المقاطعة، يقول كعب:
      فلما صليت صلاة الفجر، صبح خمسين ليلة، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينما أنا جالس على الحال التي ذكر الله، قد ضاقت عليَّ نفسي، وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت، سمعت صوتَ صارخٍ ينادي بأعلى صوته:
      يا كعب بن مالك، أبشر يا كعب بن مالك، أبشر.
      يقول كعب: فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء فرج، وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر.
      يقول كعب: فذهب الناس يبشروننا، وذهب إلى صاحبيَّ مبشرون، وركض إلي رجل فرسا، ووقف رجل على الجبل ينادي عليه من بعيد، وكان الصوت أسرع من الفرس، وكان من يتكلم من فوق الجبل قد سمعته قبل أن يأتي الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبيّ، فكسوته إياهما ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومها، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل الناس فوجا فوجا كل أهل المدينة، يهنئوني بالتوبة، يقولون: لتهنك توبة الله عليك.
      احتفال مهيب، وكأنه لم يكن مقاطعا منذ دقائق، منذ دقائق فقط، ولمدة خمسين يوما، يقول كعب: حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس، فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يبرق وجهه من السرور: "أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ".
      هذا يوم التوبة من الله عز وجل، أفضل يوم مع أن هذا اليوم قد سبقه مقاطعة خمسين ليلة بعد التخلف عن الجهاد، و سبحان الله، كل شيء اختلف، انقلاب عظيم، تغير كامل لكل شيء، كلمة واحدة من الله عز وجل، ومن رسوله الكريم أحدثت المقاطعة الصارمة، وكلمة من الله عز وجل، ومن رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أحدثت هذه المظاهرة الإيمانية الأخوية التي تعظم من كعب بن مالك، نسي الناس أنه قد تخلف منذ شهرين عن غزوة كبرى، وما عادوا يذكرون إلا أنه رجل تائب، قد تقبل الله عز وجل توبته، هذا هو ما تذكره الناس بعد ذلك، فهذا هو المجتمع الإسلامي، هذا هو المجتمع الذي يُحَكِّم الله سبحانه وتعالى، ويُحَكّم الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته كلها، هذا هو المجتمع العملي في الإسلام، وهذا هو جيل الصحابة، وهذا هو الجيل المنصور، وهذا هو الجيل الذي رضي الله عنه، كان هذا هو الجانب العملي في حياة الصحابة، وانظروا إلى كلام معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه:
      تعلموا ما شئتم أن تتعلموا، فلن يأجركم الله حتى تعملوا.
      لا قبول للإيمان من غير عمل، الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل. تعالوا نختم حديثنا بكلام رائع لعبد الله بن عمر رضي الله عنه كما رواه البيهقي في الكبرى:
      لقد عشنا برهة من دهرنا، وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن.
      وهذه البرهة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى الإيمان قبل القرآن، أي قبل أن يحفظ القرآن، أو يقرأ القرآن، هو يعرف أن هذا الكتاب قد جاءه من أين، ويعرف ما ينبغي أن يعمله، فهذا الكتاب هو رسالة من الله عز وجل، فيه أوامر تطاع، ونواهٍ تجتنب، من هذا المنطلق، يقرأ القرآن الكريم.
      وأحدنا يؤتى الإيمان- بالله عز وجل وبحكمته وقانونه- قبل القرآن، وتنزل السورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنتعلم حلالها، وحرامها، وآمرها، وزاجرها، وما ينبغي أن يقف عنده منها، كما تعلمون أنتم اليوم القرآن، ثم لقد رأيت اليوم رجالا يؤتى أحدهم القرآن، قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته، ما يدري ما آمره، وما زاجره، ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه، فينثره نثر الدقل.
      الدقل رديء التمر، أي تصبح قيمته عنده مثل قيمة رديء التمر، نعوذ بالله أن نكون من هؤلاء، كثير منا يقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته، ولا يعمل بكل كلمة، هذا لم يكن حال الصحابة، وهذا فارق ضخم جدا من جيل الصحابة، وبين الأجيال التي تلت بعد ذلك.
      نسأل الله عز وجل أن يبصرنا بطريق الصحابة، وأن يرزقنا حسن العمل، وحسن القول، وحسن العلم، وأن يجعل أعمالنا كلها خالصة لوجه الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.










    • عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ ".


      أخرجه مالك (2/991 ، رقم 1797) ، والبخاري (6/2626 ، رقم 6757) ، ومسلم (4/2011 ، رقم 2526) . وأخرجه أيضًا : أحمد (2/307 ، رقم 8055) ، وابن حبان (13/66 ، رقم 5754) .




      قالَ الحَافِظُ ابْنِ حَجَرٍ العَسْقَلانِيّ فِي "فَتْحُ البَارِي بِشَرْحِ صَحِيحِ البُخَارِي": قَالَ الْقُرْطُبِيّ: "إِنَّمَا كَانَ ذُو الْوَجْهَيْنِ شَرّ النَّاس لِأَنَّ حَاله حَال الْمُنَافِق إِذْ هُوَ مُتَمَلِّقٌ بِالْبَاطِلِ وَبِالْكَذِبِ مُدْخِلٌ لِلْفَسَادِ بَيْنَ النَّاس". وَقَالَ النَّوَوِيُّ: "هُوَ الَّذِي يَأْتِي كُلّ طَائِفَةٍ بِمَا يُرْضِيهَا فَيُظْهِر لَهَا أَنَّهُ مِنْهَا وَمُخَالِف لِضِدِّهَا وَصَنِيعه نِفَاق وَمَحْض كَذِب وَخِدَاع وَتَحَيُّل عَلَى الِاطِّلَاع عَلَى أَسْرَار الطَّائِفَتَيْنِ وَهِيَ مُدَاهَنَة مُحَرَّمَة".
    • المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير
      بسم الله الرحمن الرحيم
      السلام عليكم ورحمة الله
      وبركاته

      عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول
      الله صلى الله عليه وسلم:
      "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من
      المؤمن الضعيف وفي كل خير .

      احرص
      على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز .


      وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله،
      وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان "
      رواه مسلم

      الشَّرْحُ
      قال المؤلف - رحمه الله
      تعالى - فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
      "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف"

      "المؤمن القوي"
      :
      يعني في إيمانه وليس المراد القوي في بدنه، لأن قوة البدن ضرراً على
      الإنسان إذا استعمل هذه القوة في معصية الله، فقوة البدن ليست محمودة ولا مذمومة في
      ذاتها، إن كان الإنسان استعمل هذه القوة فيما ينفع في الدنيا والآخرة صارت محمودة،
      وإن استعان بهذه القوة على معصية الله صارت مذمومة

      لكن القوة في قوله صلى الله عليه وسلم
      المؤمن القوي أي قوي الإيمان،
      ولأن كلمة القوي تعود إلى الوصف السابق وهو
      الإيمان، كما تقول الرجل القوي: أي في رجولته، كذلك المؤمن القوي يعني في إيمانه،
      لأن المؤمن القوي في إيمانه تحمله قوة إيمانه على أن يقوم بما أوجب الله عليه، وعلى
      أن يزيد من النوافل ما شاء الله، والضعيف الإيمان يكون إيمانه ضعيفاً لا يحمله على
      فعل الواجبات وترك المحرمات فيقصر كثيراً .

      وقوله: "خير " يعني خير من المؤمن الضعيف، وأحب إلى الله من المؤمن
      الضعيف،

      ثم قال عليه الصلاة والسلام:" وفي كل خير " يعني المؤمن القوي، والمؤمن الضعيف كل منهما فيه خير، وإنما
      قال وفي كل خير لئلا يتوهم أحد من الناس أن المؤمن الضعيف لا خير فيه، بل المؤمن
      الضعيف فيه خير، فهو خير من الكافر لاشك .

      وهذا الأسلوب يسميه البلاغيون الاحتراز،
      وهو أن تكلم الإنسان كلاماً يوهم معنى لا يقصده، فيأتي بجملة تبين أنه يقصد المعنى
      المعين، ومثال ذلك في القرآن قوله تبارك وتعالى: {لا يستوي منكم من
      أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد
      الله الحسنى}
      ، لما كان قوله { أولئك أعظم درجة من الذين
      أنفقوا من بعد وقاتلوا }
      وهم أن الآخرين ليس لهم حظ من هذا، قال: { كلا وعد الله الحسنى }

      ومن ذلك قوله تعالى: { وداود وسليمان إذ
      يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان
      }
      ، لما كان هذا يوهم أن داود عنده نقص، قال تعالى: { وكلا
      آتينا حكماً وعلماً } .

      ومن ذلك قوله تعالى: { لا يستوي
      القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل
      الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى }

      فهنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وفي كل خير " أي المؤمن القوي والمؤمن الضعيف، لكن القوي خير
      وأحب إلى الله،

      ثم قال عليه الصلاة والسلام :"احرص على ما ينفعك " هذه وصية من الرسول عليه الصلاة والسلام
      إلى أمته، وهي وصية جامعة مانعة" احرص على ما ينفعك" يعني اجتهد في تحصيله ومباشرته، وضد الذي ينفع الذي فيه ضرر، وما
      لا نفع فيه ولا ضرر، وذلك لأن الأفعال تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم ينفع الإنسان،
      وقسم يضره، وقسم لا ينفع ولا يضر .

      فالإنسان العاقل الذي
      يقبل وصية النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يحرص على ما ينفعه، وما
      أكثر
      الذين يضيعون أوقاتهم اليوم في غير فائدة، بل في مضرة على أنفسهم وعلى دينهم، وعلى
      هذا فيجدر بنا أن نقول لمثل هؤلاء: إنكم لم تعملوا بوصية النبي صلى الله عليه وسلم،
      إما جهلاً منكم وإما تهاوناً، لكن المؤمن العاقل الحازم هو الذي
      يقبل هذه النصيحة، ويحرص على ما ينفعه في دينه ودنياه

      وهذا الحديث عظيم ينبغي للإنسان أن يجعله نبراساً له في
      عمله الديني والدنيوي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" احرص
      على ما ينفعك"
      وهذه الكلمة جامعة عامة على ما ينفعك أي على كل شيء ينفعك
      سواء في الدين أو في الدنيا، فإذا تعارضت منفعة الدين ومنفعة الدنيا، فإنها تقدم
      منفعة الدين لأن الدين إذا صلح صلحت الدنيا، أما الدنيا إذا صلحت
      مع فساد الدين فإنها تفسد .

      فقوله :"على ما
      ينفعك"
      يشمل منافع الدين والدنيا وعند التعارض تقدم منافع الدين على منافع
      الدنيا، وفي قوله :" احرص على ما ينفعك" إشارة على أنه إذا
      تعارض منفعتان إحداهما أعلى من الأخرى، فإننا نقدم المنفعة العليا لأن المنفعة
      العليا فيها المنفعة التي دونها وزيادة، فتدخل في قوله:" احرص على
      ما ينفعك ".

      فإذا اجتمع صلة أخ وصلة عم كلاهما سواء في الحاجة، وأنت
      لا يمكنك أن تصل الرجلين جميعاً، فهنا تقدم صلة الأخ لأنها أفضل وأنفع، وكذلك أيضاً
      بين مسجدين كلاهما في البعد سواء لكن أحدهما أكثر جماعة فإننا نقدم الأكثر جماعة
      لأنه الأفضل، فقوله :"على ما ينفعك "يشير إلى أنه إذا اجتمعت منفعتان إحداهما أعلى من الأخرى فإنها تقدم الأعلى

      وبالعكس إذا كان الإنسان لابد أن يرتكب
      منهياً عنه من أمرين منهي عنهما وكان أحدهما أشد، فإنه يرتكب الأحق، فالمنهي يقدم
      الأخف منها، والأوامر يقدم الأعلى منها

      وقوله عليه الصلاة والسلام:" واستعن بالله "ما أروع هذه الكلمة بعد قوله:" احرص على ما ينفعك" لأن الإنسان إذا كان عاقلاً ذكياً فإنه
      يتتبع المنافع ويأخذ بالأنفع، وربما تغره نفسه حتى يعتمد على نفسه وينسى الاستعانة
      بالله، وهذا يقع لكثير من الناس، حيث يعجب بنفسه ولا يذكر الله عز وجل ويستعين به
      فإذا رأى من نفسه قوة على الأعمال وحرصاً على النافع وفعلاً له، أعجب بنفسه ونسى
      الاستعانة بالله، ولهذا قال:" احرص على ما ينفعك واستعن
      بالله"
      أي لا تنس الاستعانة بالله ولو على الشيء اليسير

      وفي الحديث:" ليسأل أحدكم
      ربه حاجته كلها حتى يسأل شعث نعله إذا انقطع "
      يعني حتى الشيء اليسير لا تنس
      الله، حتى ولو أردت أن تتوضأ أو تصلي أو تذهب يميناً أو شمالاً أو تضع شيئاً
      فاستحضر أنك مستعين بالله عز وجل، وأنه لولا عون الله ما حصل لك هذا الشيء

      ثم قال :"ولا تعجز "يعني استمر في العمل ولا تعجز
      وتتأخر، وتقول إن المدى طويل والشغل كثير، فما دمت قد صممت في أول الأمر أن هذا هو
      الأنفع لك واستعنت بالله وشرعت فيه فلا تعجز

      وهذا الحديث في الحقيقة يحتاج إلى
      مجلدات يتكلم عليه فيها الإنسان، لأن له من الصور والمسائل ما لا يحصى

      منها مثلاً: طالب العلم الذي
      يشرع في كتاب يرى أنه منفعة وفيه مصلحة له، ثم بعد أسبوع أو شهر يمل، وينتقل إلى
      كتاب آخر، هذا نقول استعان بالله وحرص على ما نفعه ولكنه عجز، كيف عجز ؟ بكونه لم
      يستمر، لأن معنى قوله لا تعجز أي لا تترك العمل، بل مادمت دخلت فيه على أنه نافع
      فاستمر فيه


      ولذا تجد هذا الرجل مضى عليه الوقت ولم
      يحصل شيئاً، لأنه أحياناً يقرأ في هذا وأحياناً في هذا

      حتى في المسألة الجزئية تجد بعض طلبة العلم مثلاً أن يراجع مسألة من المسائل
      في كتاب، ثم يتصفح الكتاب يبحث عن هذه المسألة، فيعرض له أثناء تصفح الكتاب مسألة
      أخرى يقف عندها، ثم مسألة ثانية فيقف عندها، ثم ثالثة فيقف، ثم يضيع الأصل الذي فتح
      الكتاب من أجله فيضيع عليه الوقت، وهذا ما يقع كثيراً في مثل فتاوى شيخ الإسلام ابن
      تيمية - رحمه الله - وهذا ليس بصحيح بل الصحيح أن تنظر الأصل الذي فتحت الكتاب من
      أجله .

      كذلك أيضاً في تراجم الصحابة في الإصابة
      مثلاً لابن حجر - رحمه الله - حين يبحث الطالب عن ترجمة صحابي من الصحابة، ثم يفتح
      الكتاب من أجل أن يصل إلى ترجمته، فتعرض له ترجمة صحابي آخر فيقف عندها ويقرأها، ثم
      يفتح الكتاب يجد صحابي آخر، ثم هكذا يضيع عليه الوقت ولا يحصل الترجمة التي من
      أجلها فتح عليها الكتاب، وهذا فيه ضياع للوقت
      .

      ولهذا كان من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام أن يبدأ بالأهم الذي تحرك من
      أجله، ولذلك لما دعا عتبان بن مالك الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: أريد أن
      تأتي لتصلي في بيتي لأتخذ من المكان الذي صليت فيه مصلى لي فخرج النبي عليه الصلاة
      والسلام ومعه نفر من أصحابه، فلما وصلوا إلى بيت عتبان واستأذنوا ودخلوا، وإذا
      عتبان قد صنع لهم طعاماً، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يبدأ بالطعام، بل
      قال: أين المكان الذي تريد أن نصلي فيه ؟ فأراه إياه، فصلى ثم جلس للطعام

      فهذا
      دليل على أن الإنسان يبدأ بالأهم، وبالذي تحرك من أجله من أجل ألا يضيع عمله سدى
      .

      فقول الرسول صلى الله عليه وسلم:" لا تعجز" أي لا
      تكسل وتتأخر في العمل إذا شرعت فيه، بل استمر لأنك إذا تركت ثم شرعت في عمل آخر، ثم
      تركت ثم شرعت ثم تركت، ما تم لك عمل .

      ثم قال عليه الصلاة والسلام: "فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا" يعني بعد أن
      تحرص وتبذل الجهد وتستعين بالله وتستمر، ثم يخرج الأمر على خلاف ما تريد فلا تقل لو
      أني فعلت لكان كذا، لأن هذا أمر فوق إرادتك، أنت فعلت الذي تؤمر به ولكن الله عز
      وجل غالب على أمره { والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا
      يعلمون }
      ونضرب مثالاً لذلك إذا سافر رجل يريد العمرة ولكنه في أثناء الطريق
      تعطلت السيارة، ثم رجع فقال: لو أني أخذت السيارة الأخرى لكان أحسن ولما حصل علي
      التعطل، نقول لا تقل هكذا لأنك أنت بذلت الجهد، ولو كان الله عز وجل أراد أن تبلغ
      العمرة ليسر لك الأمر، ولكن الله لم يرد ذلك

      فالإنسان إذا بذل ما يستطيع بذله
      وأخلفت الأمور فحينئذ يفوض الأمر إلى الله لأنه فعل ما يقدر عليه، ولهذا

      قال:" إن أصابك شيء" يعني بعد بذل الجهد والاستعانة بالله
      عز وجل" فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا" وجزى الله عنا
      نبينا خير الجزاء فقد بين الحكمة من ذلك، حيث قال: فإن لو تفتح عمل الشيطان أي تفتح
      عليك الوساوس والأحزان والندم والهموم، حتى تقول: لو أني فعلت لكان كذا، فلا تقل
      هكذا، والأمر انتهى ولا يمكن أن يتغير عما وقع، وهذا أمر مكتوب في اللوح المحفوظ
      قبل أن تخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وسيكون على هذا الوضع مهما عملت

      ولهذا قال :" ولكن قل: قدر الله" أي هذا قدر الله
      أي تقدير الله وقضاؤه، وما شاء الله عز وجل فعله { إن ربك فعال لما
      يريد }
      ، لا أحد يمنعه في ملكه ما يشاء، ما شاء فعل عز وجل

      ولكن يجب أن نعلم أنه سبحانه وتعالى لا يفعل شيئاً إلا لحكمة خفيت علينا أو
      ظهرت لنا، والدليل على هذا قوله تعالى { وما تشاءون إلا أن يشاء
      الله إن الله كان عليماً حكيماً }
      .

      فبين أن مشيئته مقرونة بالحكمة
      والعلم، وكم من شيء كره الإنسان وقوعه فصار في العاقبة خيراً له،
      كما
      قال تعالى: { وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم
      }
      ولقد جرت حوادث كثيرة تدل على هذه الآية، من ذلك قبل عدة سنوات أقلعت
      طائرة من الرياض متجهة إلى جدة وفيها ركاب كثيرون يزيدون عن ثلاثمائة راكب، وكان
      أحد الركاب الذين سجلوا في هذه الطائرة في قاعة الانتظار حتى نام، وأعلن عن إقلاع
      الطائرة، وذهب الركاب وركبوا، فإذا بالرجل يستيقظ بعد أن أغلق الباب، فندم ندامة
      شديدة، كيف فاتته الطائرة ؟ ثم إن الله قدر بحكمته أن تحترق الطائرة وركابها،
      فسبحان الله كيف نجا هذا الرجل ؟ كره أنه فاتته الطائرة، ولكن كان ذلك خيراً له

      فأنت إذا بذلت الجهد واستعنت بالله،
      وصار الأمر على خلاف ما تريد لا تندم، ولا
      تقل لو أني فعلت لكان كذا، إذا
      قلت هذا انفتح عليك من الوساوس والندم والأحزان ما يكدر عليك الصفو، فقد انتهى
      الأمر وراح، وعليك أن تسلم الأمر للجبار عز وجل، قل قدر الله وما شاء فعل

      والله لو أننا سرنا على هدي هذا الحديث لاسترحنا كثيراً، لكن تجد الإنسان
      أولاً: لا يحرص على ما ينفعه بل تمضي أوقاته ليلاً ونهاراً بدون فائدة، تضيع عليه
      سدى .

      ثانياً: إذا قدر أنه اجتهد في أمر ينفعه ثم فات الأمر ولم يكن على ما توقع
      تجده يندم، ويقول ليتني ما فعلت كذا، ولو أني فعلت كذا لكان كذا، وهذا ليس بصحيح
      فأنت أدّ ما عليك ثم بعد هذا فوّض الأمر لله عز وجل


      فإذا قال قائل
      كيف احتج بالقدر ؟ كيف أقول قدر الله وما شاء فعل ؟


      والجواب نقول: نعم هذا احتجاج بالقدر ولكن الاحتجاج بالقدر في
      موضعه لا بأس به، ولهذا قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: { اتبع
      ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين ولو شاء الله ما أشركوا
      }
      ، فبين له أن شركهم بمشيئته والاحتجاج بالقدر على الاستمرار في المعصية هذا
      حرام لا يجوز، لأن الله قال: { سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما
      أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا
      }
      لكن الاحتجاج بالقدر في موضعه هذا لا بأس به، فإن النبي عليه الصلاة
      والسلام دخل ذات ليلة على علي بن أبي طالب وفاطمة بنت محمد عليه الصلاة والسلام
      فوجدهما نائمين، فقال لهما: ما منعكما أن تقوما ؟ يعني: تقومان تتهجدان، فقال علي:
      يا رسول الله إن أنفسنا بيد الله لو شاء أن نقوم لقمنا، فخرج النبي عليه الصلاة
      والسلام وهو يضرب على فخذيه ويقول: { وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً}


      هذا جدال لكن احتجاج علي بن أبي طالب في محله، لأن النائم ليس عليه حرج فهو
      ما ترك وهو مستيقظ




      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة"، ولا يبعد أن الرسول عليه الصلاة والسلام
      أراد أن يختبر علي بن أبي طالب: ماذا يقول في الجواب وسواء كان ذلك أم لم يكن

      فاحتجاج علي بالقدر هنا حجة، وذلك لأنه أمر ليس باختياره: هل النائم يستطيع
      أن يستيقظ إذا لم يوقظه الله ؟ ..

      لا، إذاً هو حجة
      فالاحتجاج بالقدر إذا أراد الإنسان أن
      يستمر على المعصية ليدفع اللوم عن نفسه، نقول مثلاً: يا فلان صل مع الجماعة، تقول
      والله لو هداني الله لصليت، فهذا ليس
      بصحيح،




      يقال لآخر أقلع عن حلق اللحية، يقول: لو هداني الله
      أقلعت، وأقلع عن الدخان يقول: لو هداني الله لأقلعت، فهذا ليس بصحيح، لأن هذا يحتج
      بالقدر ليستمر في المعصية والمخالفة لكن إن وقع الإنسان في خطأ
      وتاب إلى الله، وأناب إلى الله، وندم، وقال: إن هذا الشيء مقدر علي، ولكن أستغفر
      الله وأتوب إليه، نقول: هذا صحيح، إن تاب واحتج بالقدر فليس هناك مانع


      شرح رياض
      الصالحين



      الشيخ العثيمين-رحمه الله-
      وفي الختام أسأل الله السداد والتوفيق لي ولكم اخوتي في الله


    • الغيرة
      الغيرة خلق حميد ، وخلة جميلة ، وصفة جليلة وهى سمة عباد الله الصالحين وجنده
      المفلحين ، الغيرة سياج منيع لحماية المجتمع من التردي في مهاوي الرذيلة والفاحشة
      والتبرج والسفور والاختلاط المحرم ، الغيرة قوة روحية تحمي المحارم والشرف والعفاف
      من كل مجرم وغادر ، الغيرة مظهر من مظاهر الرجولة الحقة ، وهي مؤشر على قوة الإيمان
      ورسوخه في القلب ، نعم .. إن أشرف الناس وأعلاهم قدرا وهمة ، أشدهم غيرة على نفسه
      وخاصة وأهله ، ومن حُرِم الغيرة حُرِم طهر الحياة ، ومن حُرِم طهر الحياة فهو أحط
      من البهيمة الأنعام ، ورحم الله ابن القيم يوم قال " إذا رحلت الغيرة من القلب
      ترحلت المحبة بل ترحل الدين كله " [ الفوائد لابن القيم ]

      الغيرة من صفات الله
      1. " يا
      أمة محمد ! إن من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته ، يا أمة محمد والله
      لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا .. " [ رواه البخاري ].
      2. ما من أحد أغير من الله ، من أجل ذلك حرم الفواحش .." [
      رواه البخاري ]
      3. " إن الله تعالى يغار وغيرة الله
      أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه " [ رواه البخاري ]
      4.
      " قال سعد بن عبادة رضي الله عنه : لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف
      غير مصفح فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : تعجبون من غيرة سعد والله
      لأنا أغير منه والله أغير مني ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن
      .." [ رواه البخاري ]
      5. " ليس شيء أغير من الله ،
      من أجل ذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن " [ رواه البخاري ]
      6. " المؤمن يغار والله أشد غيرا " [ رواه مسلم ]
      7. غيرته على أوليائه إذا أوذوا " من عادى لي وليا فقد آذنته
      بالحرب " [ رواه مسلم ]
      8. غيرته على كتابه الذي
      أنزله ليكون نبراسا للأمة " يدرس الإسلام حتى لا يدرون ما صيام ولا صلاة ولا نسك
      ولا صدقة ويسرى على كتاب الله في ليلة فلا تبقى في الأرض منه آية " [ رواه أبو داود
      ]
      9. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية " اتصاف الله
      تعالى بهذه الصفة ، والأدلة على ذلك ، وأنها صفة كمال ، كما رد على من زعم أنها
      انفعالات نفسية [ الفتاوى 6 / 120 ] .

      غيرة المعصوم
      صلى الله عليه وسلم .
      1. عن عائشة قالت :
      دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي رجل قاعد فاشتد ذلك عليه ورأيت الغضب
      في وجهه ، قالت : فقلت : يا رسول الله إنه أخي من الرضاعة ، قالت : فقال : انظرن
      إخوتكن من الرضاعة فإنما الرضاعة من المجاعة " [ رواه البخاري ] .
      2. عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أنه قال : كان الفضل بن
      عباس رضي الله عنه رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه
      فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه
      الفضل إلى الشق الآخر .." [ رواه مسلم ] .
      3. غيرته
      على محارم الله تقول عائشة رضي الله عنها " وما انتقم رسول الله لنفسه إلا أن تنتهك
      حرمات الله فينتقم لله بها " [ رواه مسلم ] .
      4.
      غيرته على أهله المباركين ، ذكرت إحدى أزواجه امرأة بنقص فيها فقال عليه
      الصلاة والسلام " لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته " [ رواه أبو داود ] .


      الغيرة في البيت النبوي .
      1. عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما رأيت صانعا طعاما مثل
      صفية ، صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فبعثت به ، فأخذني أَفْكَلُ (أي
      أصابتاه رعدة بسبب الغيرة الشديدة) فكسرْت الإناء ، فقلت : يا رسول الله ، ما كفارة
      ما صنعت ؟ قال " إناء مثل إناء وطعام مثل طعام " [ رواه النسائي ]
      2. عن عائشة رضي الله عنها قالت : استأذنت هالة بنت خويلد ،
      أخت خديجة ، على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف استئذان خديجة (شبه صوتها فتذكر
      خديجة ) فارتاح لذلك (هشّ لمجيئها وهذا من وفائه وحسن عهده لخديجة ) فقال : اللهم !
      هالة بنت خويلد ، فغر فقلت : وما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين ، هلكت
      في الدهر ، فأبدلك الله خيرا منها " [ رواه البخاري ] .
      3.
      عن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله
      صلى الله عليه وسلم وأقول : وتهب المرأة نفسها ؟ فلما أنزل الله عز وجل " ترجي من
      تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت " قالت : قلت : والله ما أرى ربك
      إلا يسارع لك في هواك ( أي يخفف عنك ويوسع عليك في الأمور) [ رواه البخاري ].


      أنواع الغيرة .

      1. غيرة محمودة ، وهي الغيرة التي يحبها الله ورسوله , كالغيرة على محارم الله
      ، وغيرة المسلم على أهله ومحارمه فيغضب إذا انتُهِكت المحارم واقتُرِفت الآثام
      وتُعدِّيت الحدود ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فالغيرة المحبوبة هي ما وافقت غيرة
      الله تعالى وهذه الغيرة هي أن تنتهك محارم الله وهي أن تؤتى الفواحش الباطنة
      والظاهرة " [ الاستقامة ج2 ص 7 ]
      2.
      غيرة مذمومة ،
      والتي يكون سببها التنافس والحسد على أغراض شخصية وأمور دنيوية كالغيرة والتنافس من
      أهل النعم وأصحاب المهن والغيرة في مباح لا ريبة فيه فهي مما لا يحبه الله بل ينهى
      عنه إذا كان فيه ترك ما أمر الله غير الريبة فلا تكثر الغيرة على أهلك ولم تر منها
      سوءً ، فتُرمى بالشر من أجلك وإن كانت منه بريئة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول "
      وأما الغيرة التي يبغض الله عز وجل فالغيرة في غير ريبة " [ رواه النسائي ] .


      الغيرة عند البشر .
      1.
      قوم لا يغارون على حرمات الله بحال من الأحوال كالديوث والقواد وأهل الاباحة
      الذين لا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق ، ويجعل ذلك سبيله وسلوكه
      وطريقه " واذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله امرنا بها قل ان الله لا
      يأمر بالفحشاء " .
      2. قوم يغارون على ما محارم الله
      ، وعلى ما أمر به مما هو من نوع الحب والكره ويجعلون ذلك غيرة ، فيكره أحدهم من
      غيره أموراً يحبها الله ورسوله ، ومنهم من جعل ذلك طريقاً وديناً ويجعلون الحسد
      والصد عن سبيل الله وبغض ما أحبه الله ورسوله غيرة .
      3.
      قوم يغارون على ما أمر الله به دون ما حرمه ، فتراهم في الفواحش لا يبغضونها
      ولا يكرهونها بل يبغضون الصلوات والعبادات كما قال تعالى فيهم " فخلف من بعدهم خلف
      أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً ".
      4.
      قوم يغارون مما يكرهه الله ويحبون ما يحبه الله ، وهؤلاء هم أهل الإيمان [
      بتصرف من الاستقامة لابن تيمية ج: 2 ص: 7 ]

      هل هذا من
      الغيرة ..؟
      1. من يقر الخبث في أهله بمتاجرة
      الأعراض والإقرار بذلك بفعل ألوان الفاحشة " ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة مدمن
      الخمر ، والعاق ، والديوث الذي يقر في أهله الخبث " [ رواه أحمد ] .
      2. السفر إلى بلاد العهر والفجور لإشاعة الفاحشة ونشر بواعثها
      ومثيراتها والتخلي عن الحجاب الشرعي ونبذه وراء الظهور .
      3. إدخال ما يثير مكامن الشهوة ويخمر العقل ويفسد الروح من
      آلات وأجهزة وفضائيات تحرف الشباب وتثير الفتيات وتفسد ذوات الخدور .
      4. خروج النساء سافرات متبرجات متعطرات متخلعات إلى الأسواق
      والمنتديات والطرقات وعروض الزينة ومخالطتهن بالرجال الأجانب .
      5. تجول النساء والفتيات في السيارات مع السائق الأجنبي بدون
      محرم مع إبداء الإشارات بالنظرات والغمزات والضحكات مما يخل بالغيرة والحياء .

      6. استقطاب الأسر المترفة الخدم والسائقين
      واختلاطهم بربات البيوت وكذا الخادمات بأبناء المسلمين مع تمكنهم بالخلوة المحرمة
      وإغضاء الطرف عنهم وعدم الرقيب .
      7. دخول الزوجة
      على شقيق الزوج ومباشرته ومقابلته ومحادثته والسلام عليه وقضاء الساعات الطوال معه
      .
      8. تساهل بعض الرجال وأولاء الأمور مما يحدث
      لنسائه وبناته في داره من الألبسة المحرمة من بنطال وعباءة على الكتف وغطاء الرأس
      الفاضح ، أضف إلى ذلك انتشار تلك الألبسة في أوساط النساء والتجمل بها الأعراس
      والأعياد والمناسبات التجمعات العائلية.
      9. اشتراط
      بعض النساء أن لا يكشف عليهن حال مرضهن أو الذهاب بهن إلى المستشفى إلا رجل طبيب
      وكذا العكس لدا الرجال .
      10. ظاهرة انتشار محلات
      التصوير النسائية لالتقاط الصور التذكارية في أجمل حلة وأبها زينة ، وتوزيعها
      والتفاخر بها بين الأقارب والأصحاب مما يجر النكبات والويلات .
      11. ظاهرة التصوير في الأعراس بأنواع التصوير المباشر وغير
      المباشر وأخذ الصور للعريس والعروس أو الجمع بينهما في الصورة الواحدة .
      12. اللقاءات الفاضحة من المغنين والمغنيات والماجنين
      والماجنات في الفضائيات مع وجود الاتصال المباشر من المعجبين والمعجبات التي لا
      تخلو من الخضوع بالقول والميوعة وإثارة الشهوات .
      13.
      نشر الأغاني الساقطة ، والأفلام الآثمة ، والقصص الداعرة ، والملابس الخالعة
      في شتى مجالات الاتصال من مسموع ومقروء ومشاهد على الشواطئ والمتنزهات والأسواق
      والطرقات .
      14. جرأة بعض الأقلام الساقطة ،
      والأفلام الهابطة ، لتمزيق حجاب العفة والكرامة

      أسباب
      ضعف الغيرة
      1. حب المعاصي ، فكلما هاجت
      أمواج المعصية خبت نار الغيرة في القلب ، قال ابن القيم " فصل : ومن عقوباتها [ أي
      المعاصي ] أنها تطفيء من القلب نار الغيرة التي هى لحياته وصلاحه كالحرارة الغريزية
      لحياة جميع البدن ، فإن الغيرة حرارته وناره التي تخرج ما فيه من الخبث والصفات
      المذمومة كمال يخرج الكير خبث الذهب والفضة والحديد " [ الجواب الكافي جـ1ص 43 ] .

      2. الانخداع بالحضارة الغربية ، فقد أملى الشيطان
      لكثير من خلق الله أنه لا حضارة ولا تقدم إلا بنقل أنماط الحياة الغربية على كافة
      المجالات إلى المجتمعات الاسلامية .
      3. تسلط الزوجة
      وانهيار مبدأ قوامة الرجل المنزل ، قال شيخ الاسلام ابن تيمية " ولهذا لما اطلع على
      مراودتها [ أي زوج العزيز ] قال " يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من
      الخاطئين " فلم يعاقبها ولم يفرق بينها وبين يوسف حتى لا تتمكن من مراودته ، وأمر
      يوسف أن لا يذكر ما جرى لأحد محبة منه لإمرأته ولو كان فيه غيرة لعاقب المرأة " .

      4. التساهل في قضية الأمر بالمعروف والنهي عن
      المنكر ، حتى ألفت القلوب المنكرات ، واستولت عليها الشهوات وحينئذ تلاشت الغيرة
      عند كثير من الناس إلا ما رحم ربي .

      وأخيرا ..

      فإنَّه بصيانة العرض وكرامته يتجلى صفاء الدين وجمال الإنسانية ،
      وبتدنسه وهوانه ينزل الإنسان إلى أرذل الحيوانات البهيمية ، وطريق السلامة لمن يريد
      السلامة بعد الإيمان بالله ورحمته وعصمته في التمسك بشرعته ونهج سلوك سنته .
    • عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَنَامُ إِلَّا وَالسِّوَاكُ عِنْدَهُ فَإِذَا اسْتَيْقَظَ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ.
      أخرجه أحمد ( 2 / 117 ) و ابن نصر في " قيام الليل " ( ص 43 )، وحَسَّنَهُ الألباني (السلسلة الصحيحة 5 / 146 ).


    • قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { اللهم إني أعوذ بك من التردي والهدم والغرق والحريق ، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت ، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا ، وأعوذ بك أن أموت لديغا }. صحيح النسائي.
      -قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { اللهم إني أعوذ بك من الجنون والجذام ، والبرص وسيء الأسقام }.صحيح النسائي.

      - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جهد البلاء ، ودرك الشقاء ، وسوء القضاء ، وشماتة الأعداء }. صحيح البخاري.
      -قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { اللهم إني أعوذ بك من الجوع ، فإنه بئس الضجيع ، و أعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة }. صحيح الجامع.

      -قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { اللهم إني أعوذ بك من الكسل ، وأعوذ بك من الجبن ، وأعوذ بك من الهرم ، وأعوذ بك من البخل }. صحيح البخاري.
      -قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك و أنا أعلم ، و أستغفرك لما لا أعلم }. صحيح الجامع.

      -قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامة, من شر ما أنت آخذ بناصيته . اللهم أنت تكشف المغرم والمأثم . اللهم لا يهزم جندك ولا يخلف وعدك ولا ينفع ذا الجد منك الجد . سبحانك وبحمدك }. صحيح مسلم.
      -قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم وهمزه ونفخه ونفثه }. صحيح ابن ماجه.
    • عَنْ عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ قَالَ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ".


      أخرجه أبو داود (1/115 ، رقم 425) ، ومحمد بن نصر فى تعظيم قدر الصلاة (2/955 ، رقم 1034) ، والبيهقي (2/215 ، رقم 2985) ، والضياء (8/320 ، رقم 385) .

      وأخرجه أيضًا : الطبراني فى الأوسط (5/56 ، رقم 4658) وصححه الألباني (صحيح الجامع طبعة المكتب الاسلامي رقم 3242) .
    • [TABLE='width: 721']
      [TR]
      [TD='colspan: 2']طلب العلــم[/TD]
      [/TR]
      [TR]
      [TD='colspan: 2']مقالات متنوعة: الثاني عشر طلب العلم[/TD]
      [/TR]
      [TR]
      [TD='colspan: 2'][/TD]
      [/TR]
      [TR]
      [TD='colspan: 2']أ- ما هي فوائدُ طلبِ العلمِ؟

      * فوائدُ طلبِ العلمِ:

      1- به يُعرفُ اللهُ ويُعبدُ ويُوحَّدُ؛ كما قال تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾ [محمد: 19].
      2- هو أساسُ صحةِ الاعتقادِ والعباداتِ.
      3- طلبُ العلمِ عبادةٌ.
      - طريق الوصول إلى الجنة؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ) ... وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ... (.
      5- يُكسبُ صاحبه خشية الله والتواضع للخلق؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 28].
      6- يبقى أجرهُ بعد انقطاعِ أجلهِ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ) إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ (.
      7– رفعةٌ في الدُّنيا والآخرة؛ كما قال تعالى: ﴿... يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 11].
      وقال تعالى: ﴿... قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9].
      8- برهانٌ على خيريةِ العبدِ واصطفاءِ اللهِ لهُ؛ كما قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ) مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ... (.
      ب- كيف تعلم أمور الدِّينِ؟

      * وسائلُ تعلُّمِ أمورِ الدين:

      هناك وسائل متعددةٌ لتعلمِ أمور الدينِ؛ لعلَّ أهمها ما يلي:
      1- سؤالُ أهلِ الذِّكر منْ أهلِ العلمِ؛ كما قال تعالى: ﴿...فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43].
      2- طلبُ العلمِ الشَّرعيِّ؛ والتَّفقُّهُ على يدِ علماءِ الأمةِ الثقاتِ الأثباتِ.
      3- قراءةُ كتبِ أهلِ العلمِ النَّافعةِ.
      4- الاستماعُ لأشرطةِ أهلِ العلمِ النافعةِ.
      5- الاستماعُ لبرامجِ أهلِ العلمِ على المذياع؛ كما هو الشأنُ في (إذاعة القرآن الكريم بالمملكة العربية السعودية).
      6- الاستفادةُ من التقنية الحديثةِ؛ كما هو الحالُ في مواقع أهل العلم على الشبكة العالمية (الإنترنت).
      7- الانخراطُ في المعاهدِ أو الكلياتِ الشرعيةِ.

      [/TD]
      [/TR]
      [/TABLE]
    • خمس آيات غفل عنها المسلمون في فك الكرب

      قال الإمام البصري:
      عجباً لمكروب
      غفل عن خمس آيات من كتاب الله عز وجل
      وعلم فوائدها. قال تعالى:

      "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ
      الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا
      أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ .
      أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ
      الْمُهْتَدُونَ " [البقرة 157:155]

      • " وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ
      إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ . فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا
      وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ " [غافر 44] -

      • " الَّذِينَ
      قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ
      فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ .
      فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ
      وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ " [آل عمران
      173]


      • وقال تعالى ليونس عليه السلام:
      " وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ
      مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن
      لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ .
      فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي
      الْمُؤْمِنِينَ " [الأنبياء 8]

      • " وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي
      مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا
      مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ
      عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ " [الأنبياء 83]

      اللهم اجعل اخر كلامي في
      الدنيا لا اله الا الله محمد رسول الله
      اللهم ما كان من خير فمنك و حدك سبحانك..
      و ما كان من شر فمني او من الشيطان
      اللهم لا تجعلنا ممن ضل سعيهم في الحياة
      الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا
      آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآمين


    • بسم
      الله الرحمن الرحيم

      اللهم صلي على محمد وال محمد
      كماصليت على إبراهيم وآل إبراهيم
      وبارك اللهم على محمد وآل محمد
      كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم
      في العالمين إنك حميد مجيد


      دعاء
      الحفظ
      بسم الله خير الاسماء بسم الله رب الارض والسماء بسم الله الذي لايضر
      مع اسمه سم ولاداء


      بسم الله اصبحت وامسيت وعلى الله توكلت بسم


      الله على قلبي ونفسي بسم الله ديني وعقلي بسم الله اهلي ومالي بسم الله على مااعطاني ربي


      بسم الله الذي لايضر مع اسمه شئ في الارض



      ولافي السماء وهو السميع العليم


      الله الله ربي لااشرك به شيئا الله اكبر الله اكبر واعز واجل مما اخاف واحذر عز جارك وجل


      ثنائك ولا اله غيرك


      اللهم اني اعوذ بك من شر نفسي ومن شر
      كل شيطان مريد ومن كل جبار عنيد ومن شر كل


      سلطان شديد ومن شر قضاء السوء
      ومن شر كل

      دابه انت اخذ بناصيتها انك على صراط مستقيم وانت على كل شئ حفيظ
      شهيد






      [B]ان وليي الله الذي انزل الكتاب وهو يتولى الصالحين فان تولوا فقل
      حسبي الله لا اله الاهو
      عليه توكلت وهو رب العرش العظيم


      [/B]
    • [TABLE='width: 98%']




      إن الله رفيق يحب
      الرفق







      [TR]

      [TD]

      قال ابن القيم رحمه
      الله نظما :
      وهو الرفيق يحب أهل الرفق ...
      يعطيهم بالرفق فوق أمان

      وقال الشيخ عبد
      الرحمن السعدي رحمه الله في شرحه لهذا البيت :
      ومن أسمائه سبحانه
      الــرفيــق
      وهو مأخوذ من الرفق الذي هو التأني في
      الأمور والتدرج فيها
      وضده العنف الذي هو الأخذ فيها بشدة واستعجال ..


      والتفسير لهذا الاسم الكريم مأخوذ من

      قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح :

      " إن الله رفيق يحب الرفق , وإن الله يعطي
      على الرفق مالا يعطي على العنف "

      فالله
      تعالى رفيق في أفعاله حيث خلق المخلوقات كلها بالتدريج شيئا فشيئا بحسب حكمته ورفقه
      ، مع انه قادر على خلقها دفعة واحدة وفي لحظة واحدة ..

      وهو سبحانه رفيق في
      أمره ونهيه فلا يأخذ عباده بالتكاليف الشاقة مرة واحدة ، بل يتدرج معهم من حال إلى
      حال حتى تألفها نفوسهم وتأنس إليها طباعهم ، كما فعل ذلك سبحانه في فرضية الصيام
      وفي تحريم الخمر والربا ونحوهما ...

      فالمتأني الذي يأتي الأمور برفق وسكينة
      ، اتباعا لسنن الله في الكون واقتداء بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تتيسر له
      الأمور وتذلل الصعاب , لا سيما إذا كان ممن يتصدى لدعوة الناس إلى الحق فانه مضطر
      إلى استشعار اللين والرفق كما قال تعالى :
      " ولا
      تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي
      حميم "



      [HR][/HR]


      رسـائـل

      ~ 1
      ~

      رسالة إلى دعاة
      الحق والفضيلة والى كل ناصح مرشد مشفق نقول :

      رفقا بالمنصوحين وقولا لينا ، فإن في ذلك مدعاة لقبول نصحكم والاهتمام
      به ...
      فهلا تأملتم خطاب الله جل وعلا لكليمه موسى و أخيه هارون عليهما السلام
      في قوله تعالى :
      " اذهبا إلى فرعون إنه طغى
      * فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى "
      أي اذهبا إلى فرعون الطاغية الذي جاوز الحد في كفره وطغيانه وظلمه وعدوانه
      " فقولا له قولا لينا "
      أي : سهلا لطيفا برفق ولين وأدب في اللفظ ، من دون فحش

      ولا صلف ولا غلظة في المقال او فظاظة في الأفعال
      " لعله " بسبب القول اللين " يتذكر " ما ينفعه فيأتيه
      " أو يخشى "
      ما يضره فيتركهفإن القول اللين داع لذلك والقول الغليظ منفر عن صاحبه وقد فسر القول
      اللين في قوله تعالى : " فقل له هل لك إلى أن تزكى * وأهديك إلى ربك فتخشى "

      فإن في هذا الكلام من لطف القول وسهولته وعدم بشاعته مالا يخفى على المتأمل
      فإنه أتى بـ
      " هــل " الدالة على العرض والمشاورة والتي لا يشمئز منها أحد ودعاه
      إلى التزكي والتطهر من الأدناس التي أصلها التطهر عن الشرك , الذي يقبله عاقل سليم
      ولم يقل " أزكيـك " بل قـال
      " تـزكى "
      أنت بنفسك ثم دعاه إلى سبيل ربه الذي رباه و
      أنعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة التي ينبغي مقابلتها بشكرها وذكرها فقال :
      " و أهديك إلى ربك فتخشى "
      (( فإن كان أسلوب
      الخطاب هذا لذلك الطاغية فكيف بإخوانكم المسلمين يرحمكم الله ))


      ~ 2
      ~

      رسالة إلى كل
      مسؤول نقول :
      إلى كل من ولي أمر المسلمين
      سواء كانت ولاية عامة أو ولاية خاصة كن رفيقا بمن هم تحت مسئوليتك فقد قال صلى الله
      عليه وسلم :
      " اللهم من ولي من أمتي شيئا فرفق
      بهم فأرفق به ومن ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه "

      فكن معينا لهم على قضاء حوائجهم ، و إياك أن تماطل بهم أو
      تسعى للإضرار بهم فإن الله ســائلك عن ذلك فإن أحسنت أحسن الله إليك و إن أسأت
      جازاك الله على إساءتك بما تستحق وكنت مذموما في الدنيا والآخرة .


      ~ 3
      ~

      رسالة إلى كل أب
      و أم أنعم الله عليهما بالبنين والبنات والى كل معلمه ومعلم انعم الله عليهما بذلك
      العلم نقول :
      رفقا بالقوارير من بناتكم
      ومربيات الأجيال ورفقا بالبنين من أبنائكم صناع المجد بإذن الله فإنكم برفقكم وحسن
      أسلوبكم تصلون إلى مالا تستطيعون أن تصلوا إليه بالشدة والعنف فالتربية بالرفق
      والإحسان أكثر نفعا و أشد قبولا في نفوس هؤلاء الأولاد ليكون ذلك أدعى لقبولهم
      ومحبتهم للخير و أهله فالعنف معهم دون سبب بين وكحالة استثنائية لا يولد إلا العنف
      والكراهية والانفعالات لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
      " ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه "


      ~ 4
      ~

      رسالة إلى كل ابن
      كريم نقول :

      أبني رفقا بوالديك وقولا لينا
      ...
      ألم تشعر يوما ما بقسوتك في التعامل معهما وهما اللذان سهرا على تربيتك
      والإحسان إليك ....
      فإذا كان الرفق مطلوب مع الآخرين فهو مع الوالدين أوجب و
      أولى بل إن التأفف في وجههما إثم وقطيعة وجريمة ...
      وهل جزاء الإحسان إلا
      الإحسان فأحسن صحبتهما وأرفق بهما فانهما باب من أبواب الجنة ...
      أبني هل سمعت
      بوصيته تعالى لك في قوله جل وعلا :
      " وقضى ربك
      ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا
      تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل
      رب ارحمهما كما ربياني صغيرا "

      إنها وصية
      الله لك من فوق سبع سماوات ... من كتاب الله جل وعلا ...
      هاهما بجوارك قد بدأ
      المشيب إليهما واحدودب منهما الظهر وارتعشت الأطراف لا يقومان إلا بصعوبة ولا
      يجلسان إلا بمشقة أنهكتهما الأمراض وزارتهما الأسقام فعليك بالبر والإحسان ولا تبخل
      عليهما بمالك وجهدك وحسن خلقك وطيب معشرك يا رعاك الله ...


      ~ 5
      ~

      رسالة إلى كل
      الأزواج نقول :
      رفقا بزوجاتكم ورحمة بهن فقد
      كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرفق وارحم بعائشة رضي الله عنها من أبيها أبو
      بكر رضي الله عنه حينما جرى بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم كلام حتى دخل
      أبو بكر حكما بينهما .
      فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
      " تكلمي أو أتكلم "
      فقالت رضي الله عنها : تكلم أنت ولا تقل إلا حقا ..
      فلطمها أبو بكر
      رضي الله عنه حتى أدمى فاها وقال : أو يقول غير الحق يا عدوة نفسها ؟
      فاستجارت
      برسول الله صلى الله عليه وسلم وقعدت خلف ظهره ..
      فقال النبي صلى الله عليه وسلم
      :
      " إنا لم ندعك لهذا , ولم نرد منك هذا
      "
      صحيح البخاري
      فقد كان الزوج العظيم أرفق
      بزوجته من أبيها و أحلم عليها منه وأشفق عليها .
      فهلا اقتديتم برسول الله صلى
      الله عليه وسلم يا رعاكم الله


      ~ 6
      ~

      رسالة إلى كل
      الزوجات نقول :
      رفقا بأزواجكن ورحمة بهم
      تقديرا لظروفهم وعدم الإثقال على كاهلهم وتكليفهم بما لا يستطيعون خاصة بأمر
      الطلبات وكثرتها فالكفاف خير يا رعاكن الله
      وليكن لنا في أمهات المؤمنين رضي
      الله عنهن قدوة حسنة حينما آثروا واختاروا الباقية على الفانية بعد ان خيرهم رسول
      الله صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله تعالى :
      "
      إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن و أسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن
      تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما "


      ~ 7
      ~

      رسالة إلى كل ممن
      أنعم الله عليهم بالخدم والأجراء نقول :

      ترفقوا في هؤلاء الخدم وتجنبوا ان تكلفونهم مالا يطيقون وامتثلوا لأمر
      رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال :
      " ولا
      تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم "

      كما أننا ندعوكم للتصدق عليهم على أجرائكم وخدمكم زيادة على مستحقاتهم
      ففيهم أجر وصدقة وهم لها مستحقون وإلا لما تغربوا عن أبنائهم و أطفالهم ثم لتبرأ
      ذمتك من زلل أو خطأ أو قسوة وتقصير ...
      يقول عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
      :
      " نعم , هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن
      جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا يكلفه من العمل ما
      يغلبه فإن كلفه ما يغلبه فليعنه عليه "

      وفي
      الحديث القدسي:
      " ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ,
      ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة : رجل أعطي بي ثم غدر , ورجل باع حرا فأكل ثمنه ,
      ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه حقه "


      نماذج من رفق رسول الله صلى الله عليه وسلم

      الحديث الأول

      عن عائشة رضي
      الله عنها قالت : إن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال اليهود : السام
      عليكم ( الموت عليكم ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
      وعليكم قالت عائشة رضي
      الله عنها : السام عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
      :
      ( مهلا يا عائشة !! عليك بالرفق وإياك والعنف
      والفحش )
      فقالت عائشة رضي الله عنها : أو لم
      تسمع ما قالوا فقال الرسول صلى عليه وسلم :
      ( أو
      لم تسمعي ما قلت رددت عليهم " فيستجاب لي ولا يستجاب لهم في " )
      رواه البخاري ... وفي رواية مسلم :
      ( لا تكوني فاحشة فإن الله لا يحب الفحش والتفحش )


      الحديث الثاني

      عن أنس رضي الله
      عنه قال : بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام
      يبول في المسجد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يصيحون به : مه مه ( أي أترك )
      فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تزرفوه دعوه ( لا تقطعوا بوله ) فيترك
      الصحابة الأعرابي يقضي بوله ثم يدعوا الرسول عليه الصلاة والسلام الأعرابي فيقول
      رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي :
      إن
      المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة
      القرآن .

      وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
      لأصحابه : إ
      نما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين
      صبوا عليه دلوا من الماء
      . فقال الأعرابي :
      اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا .
      فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :
      ( لقد تحجرت واسعا ) " أي ضيقت واسعا " متفق عليه ...

      فانظر أخي القارئ أختي القارئة
      إلى الآثار المباركة بالرفق فاعمل به تسعد وتسعد الآخرين وإياك والعنف فإنه شقاء لك
      وللآخرين ...


      نفعنا الله وإياكم بها وجزاكم خير الجزاء
      والسلام عليكم ورحمة الله
      وبركاته

      [/TD]
      [/TR]

      [/TABLE]
    • الرحمة
      جمع الله سبحانه وتعالى في نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم صفات الجمال والكمال البشري ، وتألّقت روحـه الطاهرة بعظيم الشمائـل والخِصال ، وكريم الصفات والأفعال ، حتى أبهرت سيرته القريب والبعيد ، وتملكت هيبتهُ العدوّ والصديق ، وقد صوّر لنا هذه المشاعر الصحابي الجليل حسان بن ثابت رضي الله عنه أبلغ تصوير حينما قال :
      وأجمل منك لم ترَ قط عيني وأكمل منك لم تلد النساء
      خُلقت مبرّأً من كل عيب كأنك قد خُلقت كما تشاء

      فمن سمات الكمال التي تحلّى بها – صلى الله عليه وسلم - خُلُقُ الرحمة والرأفة بالغير ، كيف لا ؟ وهو المبعوث رحمة للعالمين ، فقد وهبه الله قلباً رحيماً ، يرقّ للضعيف ، ويحنّ على المسكين ، ويعطف على الخلق أجمعين ، حتى صارت الرحمة له سجيّة ، فشملت الصغير والكبير ، والقريب والبعيد ، والمؤمن والكافر ، فنال بذلك رحمة الله تعالى ، فالراحمون يرحمهم الرحمن .


      وقد تجلّت رحمته صلى الله عليه وسلم في عددٍ من المظاهر والمواقف ، ومن تلك المواقف :


      رحمته بالأطفال:


      كان صلى الله عليه وسلم يعطف على الأطفال ويرقّ لهم ، حتى كان كالوالد لهم ، يقبّلهم ويضمّهم ، ويلاعبهم ويحنّكهم بالتمر ،كما فعل بعبدالله بن الزبير عند ولادته .


      وجاءه أعرابي فرآه يُقبّل الحسن بن علي رضي الله عنهما فتعجّب الأعرابي وقال : " تقبلون صبيانكم ؟ فما نقبلهم " فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً : ( أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة ؟ ) .


      وصلى عليه الصلاة والسلام مرّة وهو حامل أمامة بنت زينب ، فكان إذا سجد وضعها ، وإذا قام حملها .


      وكان إذا دخل في الصلاة فسمع بكاء الصبيّ ، أسرع في أدائها وخفّفها ، فعن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي ،فأتجوز في صلاتي ، كراهية أن أشقّ على أمّه) رواه البخاري ومسلم.
      وكان يحمل الأطفال ، ويصبر على أذاهم ، فعن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: ( أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي ، فبال على ثوبه ، فدعا بماء ، فأتبعه إياه) رواه البخاري.


      وكان يحزن لفقد الأطفال ، ويصيبه ما يصيب البشر ، مع كامل الرضا والتسليم ، والصبر والاحتساب ، ولما مات حفيده صلى الله عليه وسلم فاضت عيناه ، فقال سعد بن عبادة - رضي الله عنه : " يا رسول الله ما هذا؟ " فقال : ( هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ) .


      رحمته بالنساء


      لما كانت طبيعة النساء الضعف وقلة التحمل ، كانت العناية بهنّ أعظم ، والرفق بهنّ أكثر ، وقد تجلّى ذلك في خلقه وسيرته على أكمل وجه ، فحثّ صلى الله عليه وسلم على رعاية البنات والإحسان إليهنّ ، وكان يقول : ( من ولي من البنات شيئاً فأحسن إليهن كن له سترا من النار ) ، بل إنه شدّد في الوصية بحق الزوجة والاهتمام بشؤونها فقال : ( ألا واستوصوا بالنساء خيرا ؛ فإنهنّ عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك ، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) .


      وضرب صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في التلطّف مع أهل بيته ، حتى إنه كان يجلس عند بعيره فيضع ركبته وتضع صفية رضي الله عنها رجلها على ركبته حتى تركب البعير ، وكان عندما تأتيه ابنته فاطمة رضي الله عنها يأخذ بيدها ويقبلها ، ويجلسها في مكانه الذي يجلس فيه .


      رحمته بالضعفاء عموماً


      وكان صلى الله عليه وسلم يهتمّ بأمر الضعفاء والخدم ، الذين هم مظنّة وقوع الظلم عليهم ، والاستيلاء على حقوقهم ، وكان يقول في شأن الخدم : ( هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم من العمل ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم ) ، ومن مظاهر الرحمة بهم كذلك ، ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا جاء خادم أحدكم بطعامه فليقعده معه أو ليناوله منه فإنه هو الذي ولي حره ودخانه ) رواه ابن ماجة وأصله في مسلم .


      ومثل ذلك اليتامى والأرامل ، فقد حثّ الناس على كفالة اليتيم ، وكان يقول : ( أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ، وأشار بالسبابة والوسطى ) ، وجعل الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ، وكالذي يصوم النهار ويقوم الليل ، واعتبر وجود الضعفاء في الأمة ، والعطف عليهم سبباً من أسباب النصر على الأعداء ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( أبغوني الضعفاء ؛ فإنما تنصرون وتُرزقون بضعفائكم ) .


      رحمته بالبهائم
      وشملت رحمته صلى الله عليه وسلم البهائم التي لا تعقل ، فكان يحثّ الناس على الرفق بها ، وعدم تحميلها ما لا تطيق ، فقد روى الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليحد أحدكم شفرته ، فليرح ذبيحته ) ودخل النبي صلّى الله عليه وسلم ذات مرة بستاناً لرجل من الأنصار ، فإذا فيه جَمَل ، فلما رأى الجملُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذرفت عيناه ، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح عليه حتى سكن ، فقال : ( لمن هذا الجمل؟ ) فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله ، فقال له: ( أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها ؛ فإنه شكا لي أنك تجيعه وتتعبه ) رواه أبو داوود .


      رحمته بالجمادات


      ولم تقتصر رحمته صلى الله عليه وسلم على الحيوانات ، بل تعدّت ذلك إلى الرحمة بالجمادات ، وقد روت لنا كتب السير حادثة عجيبة تدل على رحمته وشفقته بالجمادات ، وهي : حادثة حنين الجذع ، فإنه لمّا شقّ على النبي صلى الله عليه وسلم طول القيام ، استند إلى جذعٍ بجانب المنبر ، فكان إذا خطب الناس اتّكأ عليه ، ثم ما لبث أن صُنع له منبر ، فتحول إليه وترك ذلك الجذع ، فحنّ الجذع إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمع الصحابة منه صوتاً كصوت البعير ، فأسرع إليه النبي صلى الله عليه وسلم فاحتضنه حتى سكن ، ثم التفت إلى أصحابه فقال لهم : ( لو لم أحتضنه لحنّ إلى يوم القيامة ) رواه أحمد .

      رحمته بالأعداء حرباً وسلماً


      فعلى الرغم من تعدد أشكال الأذى الذي ذاقه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الكفار في العهد المكي، إلا أنه صلى الله عليه وسلم قد ضرب المثل الأعلى في التعامل معهم ، وليس أدلّ على ذلك من قصة إسلام الصحابي الجليل ثمامة بن أثال رضي الله عنه ، عندما أسره المسلمون وأتوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فربطوه بسارية من سواري المسجد ، ومكث على تلك الحال ثلاثة أيام وهو يرى المجتمع المسلم عن قرب ، حتى دخل الإيمان قلبه ، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإطلاقه ، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ، ثم دخل المسجد فقال : " أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، يا محمد : والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك ، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي ، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك ، فأصبح دينك أحب الدين إلي ، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك ، فأصبح بلدك أحب البلاد إلي " ، وسرعان ما تغير حال ثمامة فانطلق إلى قريش يهددها بقطع طريق تجارتهم ، وصار درعاً يدافع عن الإسلام والمسلمين .


      كما تجلّت رحمته صلى الله عليه وسلم أيضاً في ذلك الموقف العظيم ، يوم فتح مكة وتمكين الله تعالى له ، حينما أعلنها صريحةً واضحةً : ( اليوم يوم المرحمة ) ، وأصدر عفوه العام عن قريش التي لم تدّخر وسعاً في إلحاق الأذى بالمسلمين ، فقابل الإساءة بالإحسان ، والأذيّة بحسن المعاملة .


      لقد كانت حياته صلى الله عليه وسلم كلها رحمة ، فهو رحمة ، وشريعته رحمة ، وسيرته رحمة ، وسنته رحمة ، وصدق الله إذ يقول : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } ( الأنبياء : 107 ) .
    • فضل الصدق
      [INDENT]قال الله تعالى: "مِنَ
      الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ" [الأحزاب: 23].
      وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة وإن
      الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقًا وإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى
      النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا".




      ويكفي في فضيلة الصدق أن الصدِّيق مشتق منه، والله تعالى وصف
      الأنبياء به في معرض المدح والثناء فقال: "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ
      إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا "[مريم41] وقال تعالى: "وَاذْكُرْ فِي
      الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا" [مريم
      56].


      وقال ابن عباس: أربع من كن فيه فقد ربح: الصدق، والحياء، وحسن
      الخلق، والشكر.


      وقال بشر بن الحارث: من عامل الله بالصدق استوحش من
      الناس.

      وقال أبو سليمان: اجعل الصدق مطيتك، والحق سيفك والله تعالى غاية
      طلبك.

      وقال رجل لحكيم: ما رأيت صادقًا ! فقال له: لو كنت صادقًا لعرفت
      الصادقين
      .







      اعلم أن لفظ الصدق يستعمل في ستة معانٍ: صدق في القول، وصدق
      في النية والإرادة، وصدق في العزم، وصدق في الوفاء بالعزم، وصدق في العمل، وصدق في
      تحقيق مقامات الدين كلها، فمن اتصف بالصدق في جميع ذلك فهو صدِّيق لأنه مبالغة في
      الصدق.


      الصدق الأول:
      في صدق اللسان، وذلك لا يكون إلا في
      الإخبار أو فيما يتضمن الإخبار وينبه عليه، والخبر إما أن يتعلق بالماضي أو
      بالمستقبل وفيه يدخل الوفاء والخلف، وحق على كل عبد أن يحفظ ألفاظه فلا يتكلم إلا
      بالصدق.


      وهذا هو أشهر أنواع الصدق وأظهرها فمن حفظ لسانه عن الإخبار
      عن الأشياء على خلاف ما هي عليه فهو صادق.

      الصدق الثاني: في
      النية والإرادة، ويرجع ذلك إلى الإخلاص وهو ألا يكون له باعث في الحركات والسكنات
      إلا الله تعالى، فإن مازجه شوب من حظوظ النفس بطل صدق النية وصاحبه يجوز أن يسمى
      كاذبًا.

      الصدق الثالث:
      في صدق العزم، إن الإنسان قد يقدم العزم
      على العمل فيقول في نفسه: إن رزقني الله مالاً تصدقت بجميعه - أو بشطره أو إن لقيت
      عدوًا في سبيل الله تعالى قاتلت ولم أبالِ وإن قُتلت، وإن أعطاني الله تعالى ولاية
      عدلت فيها ولم أعصِ الله تعالى بظلم وميل إلى خلق، فهذه العزيمة قد يصادقها من نفسه
      وهي عزيمة جازمة صادقة، وقد يكون في عزمه نوع ميل وتردد وضعف يضاد الصدق في
      العزيمة، فكان الصدق هاهنا عبارة عن التمام
      والقوة.

      الصدق الرابع:
      في الوفاء بالعزم، فإن النفس قد تسخو بالعزم في الحال، إذ لا مشقة في الوعد
      والعزم والمؤونة فيه خفيفة، فإذا حفت الحقائق وحصل التمكن وهاجت الشهوات، انحلت
      العزيمة وغلبت الشهوات ولم يتفق الوفاء بالعزم، وهذا يضاد الصدق فيه، ولذلك قال
      الله تعالى: "رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ" [الأحزاب: 23].

      عن أنس رضي الله عنه: أن عمه أنس بن النضر لم يشهد بدرًا مع رسول الله
      صلى الله عليه وسلم فشق ذلك على قلبه وقال: أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه
      وسلم غبت عنه، أما والله لئن أراني الله مشهدًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
      ليرين الله ما اصنع! قال: فشهد أحدًا في العام القابل فاستقبله "سعد بن معاذ" فقال:
      يا أبا عمرو إلى أين؟ فقال: واهًا لريح الجنة! إني أجد ريحها دون أحد! فقاتل حتى
      قُتل فوُجد في جسده بضع وثمانون ما بين رمية وضربة وطعنة؛ فقالت أخته بنت النضر: ما
      عرفت أخي إلا بثيابه، فنزلت الآية.

      الصدق الخامس:
      في الأعمال، وهو أن
      يجتهد حتى لا تدل أعماله الظاهرة على أمر في باطنه لا يتصف هو به؛ لا بأن يترك
      الأعمال ولكن بأن يستجرَّ الباطن إلى تصديق الظاهر، ورب واقف على هيئة خشوع في
      صلاته ليس يقصد به مشاهدة غيره ولكن قلبه غافل عن الصلاة فمن ينظر إليه يراه قائمًا
      بين يدي الله تعالى وهو بالباطن قائم في السوق بين يدي شهوة من
      شهواته.

      الصدق السادس:
      وهو أعلى الدرجات وأعزها: الصدق في مقامات
      الدين، كالصدق في الخوف والرجاء والتعظيم والزهد والرضا والتوكل والحب وسائر هذه
      الأمور، فإذا غلب الشيء وتمت حقيقته سمي صاحبه صادقًا فيه، كما يقال: فلان صدق
      القتال، ويقال: هذا هو الخوف الصادق. ثم درجات الصدق لا نهاية لها، وقد يكون للعبد
      صدق في بعض الأمور دون بعض فإن كان صادقًا في جميع الأمور فهو الصدِّيق حقًا.



      قال سعد بن معاذ رضي الله عنه: ثلاثة أنا فيهن قوي وفيما
      سواهن ضعيف: ما صليت صلاة منذ أسلمت فحدثت نفسي حتى أفرغ منها، ولا شيعت جنازة
      فحدثت نفسي بغير ما هي قائلة، وما هو مقول لها حتى يُفرغ من دفنها، وما سمعت رسول
      الله صلى الله عليه وسلم يقول قولاً إلا علمت أنه حق، فقال ابن المسيب: ما ظننت أن
      هذه الخصال تجتمع إلا في النبي عليه الصلاة والسلام



      [/INDENT]


    • أحب الأعمال إلى الله

      الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعده ، أما بعد:

      فمِن أحب الأشياء إلى الله تعالى :


      الصلاة وبر الوالدين والجهاد ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم :« أحب الأعمال إلى الله : الصلاة لوقتها ، ثم بر الوالدين ، ثم الجهاد في سبيل الله » [ متفق عليه ] .
      الإيمان وصلة الرحم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « أحبّ الأعمال إلى الله : إيمان بالله ، ثم صِلَة الرَّحم ، ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر » [ رواه أبو يعلى وحسَّنه الألباني ] .

      المداومة على الطاعات ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ» [ متفق عليه ] .

      ذكر الله عز وجل ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « أحب الأعمال إلى الله ، أن تموت ولسانك رطب من ذِكْر الله » [ رواه الطبراني وحسَّنه الألباني ] .

      - المساجد ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « أحبّ البلاد إلى الله مساجدها ؛ وأبغض البلاد إلى الله أسواقها » [ رواه مسلم ] .

      - كلمة الحق عند سلطانٍ جائر ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم :« أحبّ الجهاد إلى الله كلمةُ الحق تقال لإمامٍ جائر » [رواه أحمد وحسَّنه الألباني ] .

      - صدق الحديث ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « أحبّ الحديث إليّ أصْدقه » [ رواه البخاري ] .

      - صيام وصلاة داود عليه السلام ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم :« أحبّ الصيام إلى الله صيام داود ، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ، وأحبّ الصلاة إلى الله صلاة داود ، كان ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه » [ متفق عليه ] .

      - تكاثر الأيدي على الطعام ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « أحبُّ الطعام إلى الله ما كثرت عليه الأيدي »[ رواه ابن حبان وحسَّنه الألباني ] .

      - قول سبحان الله وبحمده ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد : سبحان الله وبحمده » [ رواه مسلم ] .

      - قول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « أحب الكلام إلى الله تعالى أربع : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر . لا يضرُّك بأيِّهن بدأت » [رواه مسلم ] .

      - حَسَنُ الخُلُق ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خُلُقاً» [ رواه الطبراني وصحَّحه الألباني ] .

      - التسمية بعبدالله وعبدالرحمن ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم :« أحب الأسماء إلى الله عبدالله وعبدالرحمن » [ رواه مسلم ] .

      - نَفْع الناس وإدخال السرور على المسلمين وكَشْف الكُرُبات ، وقضاء دَيْن المَدِين ، وإطعام الجائع ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم :« أحبّ الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحبّ الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم ، أو تكشف عنه كربةً ، أو تقضي عنه دَيناً ، أو تطرد عنه جوعاً ، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في المسجد شهراً ، ومن كفَّ غضبه سَتَرَ الله عورته ، ومن كَظَمَ غيظاً ولو شاء أن يُمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة ، ومَن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له ، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزلُّ الأقدام ، وإن سوء الخُلُق ليُفْسد العمل كما يُفْسد الخلُّ العَسَل » [ رواه ابن أبي الدنيا وحسَّنه الألباني ] .

    • حب الوطن من الإيمان

      خير من يعلمنا حب الوطن، رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو المعلم الأول، الذي أوتي جوامع الكلم،
      يعلمنا صلوات الله وسلامه عليه بأن حب الوطن من الإيمان، ولا خير فيمن لا يحب وطنه.

      قدم أصيل الغفاري إلى المدينة بعد الهجرة فدخل على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها - قبل أن يفرض الحجاب - فقالت له: يا أصيل! كيف عهدت مكة؟
      قال: عهدتها قد أخصب جنابها، وابيضت بطحاؤها، قالت: أقم حتى يأتيك النبي فلم يلبث أن دخل النبي، فقال له:(يا أصيل! كيف عهدت مكة؟)
      قال: والله عهدتها قد أخصب جنابها، وابيضت بطحاؤها، وأغدق اذخرها، وأسلت ثمامها، وأمشّ سلمها، فقال: (حسبك يا أصيل لا تُحْزِنَّا)، وفي رواية: (ويها يا أصيل! دع القلوب تقر قرارها).

      فداك أبي، وأمي، ونفسي، وروحي، يا رسول الله، وصلى الله عليك على رقة قلبك، وحنينك إلى وطنك، لقد علمتنا الوطنية بكل معانيها.
      وكان صلى الله عليه وسلم إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَأَبْصَرَ دَرَجَاتِ الْمَدِينَةِ أَوْضَعَ نَاقَتَهُ، وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا- أي من حُبِّ المدينة.
      يحمل هذا الحديث كل معاني الحب للوطن، وتستطيع أن تفهم معنى هذا الحديث، عندما يطول غيابك عن وطنك، ثم تقدم إليه، فإن قلبك
      يهفو قبل السفر بأيام ، ويكاد يطير ويسبقك إلى الوطن، ثم إذا ما قدمت إليه يعتريك شعور لا يستطيع أن يصفه إلا صاحبه.

      - كما يتجلى حب الوطن بأعلى صوره يوم الهجرة، بعد أن خرج من مكة، وقف على حدودها، والتفت إليها وقال: (ما أطيبك من بلد وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك).
      أقوال عالمية في حب الوطن:
      قال هوميروس: ليس هناك شيء في الدنيا أعذب من أرض الوطن.
      وقال بليكو: أنا مغرم جدا ببلادي، ولكنني لا أبغض أي أمة أخرى.
      وقال كاريل: جميل أن يموت الإنسان من أجل وطنه، ولكن الأجمل أن يحيى من أجل هذا الوطن.

    • تنطلق التربية الإسلامية في تعاملها مع النفس البشرية من منطلق الحب الإيماني السامي، الذي يملأ جوانب النفس البشرية بكل معاني الانتماء الصادق، والولاء الخالص.
      والوطنية: صفة، وهي: العاطفة التي تُعبِّر عن ولاء المرء لبلده، والمقصود هنا أن يكون ولاء المرء المسلم لبلده من أجل كلمة التوحيد الظاهرة، وشرائع الدين المطبقة.
      بمعنى: أن الوطنية؛ هي: قيام الفرد المسلم بحقوق وطنه المشروعة في الإسلام
      فالأصل في الإنسان أن يحب وطنه ويتشبث بالعيش فيه، ولا يفارقه رغبة عنه، ومع هذا فلا يعني هذا انقطاع الحنين والحب للوطن،
      والتعلق بالعودة إليه، كما كان بلال رضي الله عنه يتمنى الرجوع إلى وطنه مكة.
      وحب الوطن غريزة متأصلة في النفوس، تجعل الإنسان يستريح إلى البقاء فيه، ويحن إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجم، ويغضب له إذا انتُقص.
      ولاشك أن حب الوطن من الأمور الفطرية التي جُبل الإنسان عليها، فليس غريباً أبداً أن يُحب الإنسان وطنه الذي نشأ على أرضه، وشبَّ على ثراه،
      وترعرع بين جنباته. كما أنه ليس غريباً أن يشعر الإنسان بالحنين الصادق لوطنه عندما يُغادره إلى مكانٍ آخر، فما ذلك إلا دليلٌ على قوة الارتباط وصدق الانتماء.
      :)
    • كيف يتحقق حب الوطن عند الإنسان؟
      حتى يتحقق حب الوطن عند الإنسان لا بُد من تحقق صدق الانتماء إلى الدين أولاً، ثم الوطن ثانياً؛
      إذ إن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف تحُث الإنسان على حب الوطن؛ ولعل خير دليلٍ على ذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم
      أنه وقف يُخاطب مكة المكرمة مودّعاً لها وهي وطنه الذي أُخرج منه، فقد روي عن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما أنه قال:
      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة: «ما أطيبكِ من بلد، وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ». رواه الترمذي (الحديث رقم 3926، ص 880).
      ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُعلم البشرية، يُحب وطنه لما قال هذا القول الذي لو أدرك كلُ إنسانٍ مسلمٍ معناه
      لرأينا حب الوطن يتجلى في أجمل صوره وأصدق معانيه، ولأصبح الوطن لفظاً تحبه القلوب، وتهواه الأفئدة، وتتحرك لذكره المشاعر.و
      إذا كان الإنسان يتأثّر بالبيئة التي ولد فيها، ونشأ على ترابها، وعاش من خيراتها، فإن لهذه البيئة عليه (بمن فيها من الكائنات،
      وما فيها من المكوّنات) حقوقاً وواجباتٍ كثيرةً تتمثل في حقوق الأُخوّة، وحقوق الجوار، وحقوق القرابة، وغيرها من الحقوق
      الأُخرى التي على الإنسان في أي زمانٍ ومكان أن يُراعيها وأن يؤديها على الوجه المطلوب؛ وفاءً وحباً منه لوطنه.
      وإذا كانت حكمة الله تعالى قد قضت أن يُستخلف الإنسان في هذه الأرض ليعمرها على هدى وبصيرة، وأن يستمتع بما فيها
      من الطيبات والزينة، لاسيما أنها مُسخرةٌ له بكل ما فيها من خيراتٍ ومعطيات؛ فإن حُب الإنسان لوطنه، وحرصه على المحافظة
      عليه واغتنام خيراته، إنما هو تحقيقٌ لمعنى الاستخلاف الذي قال فيه سبحانه وتعالى: {هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود:61].