حقوق ( الحق الثاني : حق الصلاة )

    • حقوق ( الحق الثاني : حق الصلاة )

      فتح صالح عينيه عند الصباح وقد تسللت خيوط النور إلى فراشه الصغير.
      ابتسم وسبح الله والعصافير تزقزق قرب نافذته بهذا النهار الجديد . تساءل صالح في سره عن السبب الذي جعله لا يفتح عينيه هذه المرة على قبلة جده.

      جده في زيارتهم منذ أيام وقد عوده كل صباح على أن يوقظه من نومه ويجلس معه على الشرفة. حيث يقرأ له بعضا من آيات القرآن الكريم ويشرح له معانيها . لكن هذا الأمر لم يحدث.

      قام صالح من سريره وغسل وجهه ويديه ثم اتجه إلى غرفة الجلوس حيث توقع أن يجد جده.

      دخل صالح غرفة الجلوس فوجد أمه جالسة بقرب الهاتف والقلق باد على وجهها.

      اقترب صالح منها وقال لها : صباح الخير يا أمي .ردت أم صالح بحزن : صباح الخير حبيبي.
      لكن صالحا فوجئ بأن أمه هذا الصباح لم تحتضنه بين ذراعيها ولم تقبله.

      فتسائل في سره: ما الذي يحدث؟

      ثم اقترب من أمه وقال لها: أين جدي؟ فضمته أمه بين ذراعيها وقال : لقد شعر في الليل بتعب بسيط.
      فاصطحبه أبوك إلى المستشفى وسيكون بخير إن شاء الله.
      ولكن الدمعة التي رآها صالح في عيني أمه لم تطمئنه على جده بل أشعرته بخوف شديد.

      جدي ... جدي .. قال صالح ذلك ثم صمت . إنه لا يجد ما يقوله في هذه اللحظات ولكنه يحب جده حبا لا يوصف. إنه الحضن الحنون الذي تعود على أن يغفو على دفئه كلما شعر بالتعب وهو الأقرب إليه من كل الناس
    • نظر صالح في عيني أمه يبحث عن بسمة صغيرة تطمئنه ولكن ابتسامة أمه التي ظهر خلفها كل الحزن والقلق لم تهدئ من خوفه بل زادت منه.

      وسألها صالح : ما الذي حدث لجدي ؟ أخبريني.

      قالت أم صالح : كما قلت لك شعر بألم شديد في صدره فاصطحبه أبوك إلي المستشفى
      ثم سأل بلهفة : وكيف هو الآن؟ ماذا قال الطبيب ؟ أرجوك ماما اتصلي بالمستشفى لنطمئن عليه.

      قالت أم صالح: لقد اتصلت منذ قليل وحادثني والدك وقال إن جدك نائم ويجب أن يرتاح قليلا لكنه بخير . اهدأ يا بني.

      لم يطمئن صالح وألح على أمه بأن تأخذه للمستشفى . لكن أم صالح ذكرت ابنها بأن دخول المستشفى ممنوع على الأطفال.
      فانفجر صالح بالبكاء واقتربت منه أمه. وضمته إلى صدرها وقال له : هل تريد أن تكون قريبا من جدك وتساعده في محنته هذه؟

      هز صالح برأسه .فقالت له أمه : عليك أن تبدأ بالدعاء.
      نظر صالح في عيني أمه وكأنه يطلب منها أن تؤكد له ما يجب عليه أن يفعله.

      فسألته : ألا تؤمن يا بني بأن الله قادر على كل شئ ؟ وأنه قريب من عباده؟
      قال صالح : نعم .. نعم . أؤمن بذلك يا أماه.

      قالت أم صالح : إذا اطلب منه وألح عليه أن يشفي جدك من مرضه
      سأل صالح بلهفة : وهل يستجيب لي الله إن دعوته؟

      قالت أم صالح : طبعا يا حبيبي سيفعل ما فيه خيرا لنا وصلاح ألم يقل في القرآن الكريم : ((( بسم الله الرحمن الرحيم ... وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ))) ؟؟؟
    • عندما سمع صالح هذا الكلام من والدته .هرع إلى غرفته وأغلق الباب على نفسه وبدأ يدعو الله بقلب مؤمن ومخلص ويقول : يا رب اشف جدي من مرضه وأعده لنا بخير يا رب أنت تعلم كم أحب جدي وأنت القادر على أن تعيده إلي.

      وكان صالح أثناء ذلك يدعو الله ودموعه تنهمر من عينيه بغزارة.

      لم يتوقف صالح عن الدعاء لأنه كان يشعر بطمأنينة كلما ناجى الله . ولكن طرقات أمه على الباب قاطعت بكاءه وتضرعه إذ جاءت تخبره بفرح أن جده تخطى مرحلة الخطر وأنه سيظل في المستشفى يومين للمراقبة.

      وكانت فرحة صالح لا توصف لأن الله سبحانه وتعالى استجاب لدعائه وجعل جده يتحسن.

      لم يستطع صالح بعد أن علم بتحسن جده أن يلعب أو يقرأ أو يفعل أي شئ.
      كان أخوه محمد الصغير يتمسك به ليحمله ويلاعبه لكنه كان يشعر بأن عليه أن يفعل شيئا آخر.

      أحضر ألعابه ووضعها أمام أخيه الصغير ليلهيه بها.
      ثم سأل أمه : أمي أشعر بأن علي أن أفعل شيئا ما .
      قالت أم صالح : لا أفهم ... ماذا تريد أن تفعل؟
      قال صالح: عندما يقدم أحدهم هدية لي أو خدمة أو يفرحني بشيء أشعر بأنه علي أن أشكره والآن بعد أن أنعم الله تعالى علي بأن تجاوز جدي مرحلة الخطر وقد استجاب لي دعائي أشعر بأنه علي أن أشكره ولكن لا أعرف كيف.
      قالت أم صالح: ما رأيك يا بني لو تسجد سجدة شكر لله؟ ثم تستطيع أن تفعل شيئا آخر.
      قال صالح: سأسجد شكرا لله تعالى يا ماما ولكن ماذا بإمكاني أن أفعل بعد؟
      قالت أم صالح : عليك أن تطيع الله لأن الله سبحانه وتعالى يحب المطيعين له ويرضى عنهم وهكذا تشكر الله بعملك كما تشكره بقولك.

      قال صالح لأمه مستفهما: أعرف ذلك يا أماه فأنت أيضا عندما أشكرك على تعبك وسهرك من أجلنا تقولين لي كن ولدا صالحا وسأكون أسعد أم في الكون.
      ضحكت أم صالح وقالت لابنها : ولكن الله يا بني قدم لك من النعم ما لا يمكن لأحد أن يقدمه إليك وهو أولى بالطاعة مني ومن كل المخلوقات.
      سمع صالح من أمه ذلك ثم هوى على الأرض ساجدا لله سبحانه وتعالى وشاكرا لنعمته.

      عند المساء استطاع صالح أن يهاتف جده ويطمئن عليه وقد بكى فرحا عندما علم أن حال جده تتحسن بسرعة وأنه سيعود إلى البيت بعد يومين.

      فانتظره بفارغ الصبر لكنه كان كلما تذكر فضل الله عليه سجد شكرا له ولكن هناك شئ ما عليه أن يفعله

      لم يشأ أن يسأل والده أنه مشتاق لجده الذي يعلمه كل شئ.
    • وكان اليوم الذي عاد فيه الجد إلى البيت يوما رائعا. قام فيه صالح بتزيين غرفة الجلوس وقامت أم صالح بصنع الحلوى وتوزيعها على الجيران والأقارب.
      لكن الجميع اتفقوا على أن الجد يحتاج إلى الراحة وعليهم ألا يجهدوه بالضجة والكلام.

      بعد أيام كانت أم صالح قد روت للجد ما فعله صالح في مرضه وحكت له عن خوفه وقلقه وكان الجد يعلم كم يحبه حفيده ويعلم كم هو ولد ذكي فتوقع منه أن يسأله عن أمر جديد يحب أن يتعلمه.

      وبالفعل جلس صالح كعادته عند الصباح الباكر على الشرفة في حضن جده وقال له :لقد طلبت من الله سبحانه وتعالى أن يشفيك يا جدي ودعوته فاستجاب لي وبعد ذلك شكرته على ذلك.لكني أحب أن أظل دائما قريبا من الله أدعوه وأشعر بأنه يسمعني وأعتذر عن ذنوبي عندما أذنب ويغفر لي فكيف أفعل ذلك يا جدي؟.

      سر الجد كثيرا لسؤال حفيده هذا وقال له : تستطيع أن تفعل ذلك يا بني بالصلاة.
      فرح صالح كثيرا عندما أجابه جده بذلك إنه يتمنى أن يبدأ بالصلاة من الآن.
      أمه تقول له إنه ليس مكلفا بعد لأن عمره لا يتجاوز العشر سنوات. ولكن جده أوضح له ما تفعله الصلاة في نفس المؤمن فقال له : لقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا بني. إذا قام أحدكم يصلي فإنه يناجي ربه.

      سأل صالح : وما معنى المناجاة يا جدي؟
      أجاب : المناجاة هي مخاطبة الله تعالى دون أي وسيط حتى تشعر بوجود الله وقربه منك واستجابته لدعائك.
      سأل صالح : وكم مرة أفعل ذلك في اليوم يا جدي؟
      قال الجد: إذا فعلت ذلك يا بني خمس مرات كل يوم شعرت بأنك على اتصال دائم بالله تعالى. اتصال لا ينقطع ليشعرك ذلك دائما بالسكينة والرضا والفرح الدائم.

      ثم قال صالح لجده : نعم يا جدي سأفعل ذلك ولكن أراك قبل أن تصلي تقوم وتوضأ؟
      قال الجد : سأعلمك يا بني الوضوء والصلاة ولكنني قبل كل شئ سأخبرك بشيء يفرحك حول الصلاة
      سأل صالح : وما هو يا جداه ؟

      قال الجد : إن الصلاة يا بني تهذب النفس وتقوم الخلق وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر "
      وتذكر يا بني أن فضائل الصلاة لا تحصى وهي تغرس في نفسك فضيلتي الثبات والكرم والله سبحانه وتعالى أشار إلى ذلك بقوله : " إن الإنسان خلق هلوعا. إذا مسه الشر جزوعا . وإذا مسه الخير منوعا . إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون "

      أخيرا سأل صالح جده : هل على المؤمن حق اسمه حق الصلاة يا جدي؟

      أجابه الجد : ((( وحق الصلاة أن تعلم أنها وفادة إلى الله تعالى فإذا علمت ذلك قمت مقام الذليل الحقير الراغب والراهب الراجي الخائف المسكين المتضرع لمن كان بين يديه بالسكون والوقار وتقبل عليها بقلبك وتقيمها بحدودها وحقوقها مع الإطراق وخشوع الأطراف ولين الجناح وحسن المناجاة له في نفسه والرغبة إليه في فكاك رقبتك التي أحاطت بها خطيئتك واستهلكتها ذنوبك )))

      هذا ولكم مني ألف تحية
      أم حيدر علي
      مشرفة الساحة العامة
    • سعدنا بعودتك مشرفتنا العزيزة

      جزاكي الله خيرا على هذه القصة الطيبة وعلينا أن نلجأ إلى الله في كل حين .

      وها نحن في ثاني حق ومن أهم الحقوق بعد معرفتنا بحق الله علينا أما حق الصلاة فأن تعلم أنها وفادة إلى الله، وأنك قائم بها بين يدي الله، فإذا علمت ذلك كنت خليقاً أن تقوم فيها مقام الذليل، الراغب، الراهب، الخائف، الراجي، المسكين، المتضرع، فالصلاة هي من اسمها صلة بين العبد وخالقه ليست حركات تؤدى أو عاده اعتاد الناس على أداؤها فكثير من الناس هداهم الله جعلها عادة لا يدرون مدى أهميتها وبأنها هي التي تنهانا عن الفحشاء والمنكر فمن لم تنهه صلاته عن ذلك فليتيقن بأن هناك نقص في صلاته, فالصلاة عمود الدين وروحها الخشوع وكثير من الناس يعلم بهذا الكلام ولكن لا أدري ماسبب التقاعس عن أدائها بأكمل وجه أو المحاولة بقدر المستطاع بتأديتها كما يجب وعلينا أن نطبق مانعلمه ولا حياء بأن نسأل في أمور ديننا وخصوصا أمور الصلاة

      عذرا فقد إختصرت الرد بهذا الكلام البسيط

      نسأل الله الهداية للجميع وأن يعننا على المحافظه على جميع الصلوات في جماعه

      جعل عملك هذا في ميزان حسناتك إن شاء الله

      وفقكم الله لما يحبه ويرضى
    • مشرفنا العزيز

      شكرا لك يا أخي على مرورك على ثاني الحقوق وهو حق الصلاة
      فالصلاة بالفعل هي عمود الدين ان صلحت صلح الدين ... وعلينا أدائها بأكمل وجه وكأننا في روضه من رياض الجنة وهي التي تنهانا عن الفحشاء والمنكر
      ولكنني أجد الكثير من شباب اليوم ممن يتقاعس عن أداء الصلاة في أوقاتها أو ممن لا يؤديها أبدا والعياذ بالله ويتركها للأبد
      ولهذا طبعا أسباب عديدة منها قلة الوازع الديني واتباع الغرب في كل شئ واللهث وراء القنوات التلفزيونية الساقطة والفجور الانترنتي وما نراه ينتشر في بلادنا من أمور لا يرضى بها الله ولا شرعه سبحانه وتعالى

      أخي الكريم

      نرفع أيدينا متضرعين للواحد الأحد أن يهدي جميع شبابنا ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم وعمل صالح

      تحياتي اليك
      أم حيدر علي
    • أم حيدر
      لك أنقى التحايا وأصفاها على القصة الرائعة
      التي تدفعنا لتأمل العلاقة المقدسة والرابط الذي يربط الإنسان بربه
      باتصال مباشر تملأ النفس طمأنينة وراحة بال,
      تقبلي خالص التقدير
    • [frame='6 80']
      أختي الحبيبة

      هبة الحياة

      كم يسعدني مرورك وتشريفك لموضوعي هذا
      على أمل استمرارك وتواصلك مع الحقوق كلها باذن الله
      لك مني ألف تحية

      أم حيدر علي
      [/frame]
    • أختي الكريمة أم حيدر علي

      جزاكِ الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء على ما تتحفينا به

      وأسأل الله أن يستفيد جميع الأخوة القراء من هذا الموضوع وغيره من المواضيع المفيدة بإذن الله تعالى