
مسقط - الرؤية-
تشارك وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في مؤتمر الصحافة الإسلامية الأول -والمقام بدولة الكويت، تحت شعار: "الصحافة الإسلامية.. خطاب متجدد"، والذي افتتحت فعالياته تحت رعاية معالي هاني حسين وزير النفط ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بالوكالة، وبحضور وزير الإعلام المصري صلاح عبد المقصود؛ حيث قدم الدكتور عبدالرحمن بن سليمان السالمي رئيس تحرير مجلة التفاهم، ورقة عمل في المؤتمر بعنوان: "الإعلام والتعامل مع الإسلام"، وأوضح من خلالها أن العالم صار بمثابة الأواني المستطرقة تتواصل أجزاؤه وتتساوى في إمكانية التأثير والتأثر، وإن أول ما ينبغي تقديره في صدد تعامل الإعلام مع الإسلام أنه أظهر وسوّد انطباعاً يقول إن الإسلام دينٌ و ثقافةٌ تدفعان باتجاه العنف، وتسهلان اللجوء إليه لمواجهة مشكلاتٍ مستعصيةٍ في العالم الإسلامي، وبين المسلمين والعالم، وهي مشكلات لا يحلُّها العنف وإنما يزيدها تعقيداً. وقد أدرك ذلك الكاتب الفلسطيني الامريكي إدوارد سعيد في كتابه تغطية الإسلام ودوّن تلك الإشكالات في صورة تغطية الإسلام بالعالم الغربي، بالفعل لقد أمكن لهذا الانطباع إن يسود ليس بسبب قوة الإعلام وتأثيره وحسب؛ بل ولعوامل أخرى؛ من بينها أن هناك عنفاً هائلاً بداخل العالم الإسلامي بالفعل، يلبس بعضه لبوس الدين أو يتحدث باسمه.
مضيفا بأن الإعلام العالمي -خلال العقود الثلاثة الماضية- كون انطباعا عاما عن الإسلام مفاده أنه يمكن أن يشكل لأتباعه ما يشبه الهوية القومية، وحينها يكون انشقاقا مثلما حصل بين باكستان والهند. لكنه يمكن أيضاً أن يتدخل بدون قناع فيكون ديناً متعصبا يأبى قبول الآخر أو الاعتراف به سواء أكان ذلك الآخر أقلية أو أكثرية، وقد ذكر بعض الأساتذة المسلمين مثل طلال أسد هذا الأمر في دوائر البحوث والدراسات، فرد عليه الباحثون بأن ذلك غير صحيح، فقد قبل الغربيون الإسلام بالبوسنة وكوسوفو، بل وقاتلوا ضد الترك لإقامة كيانات مستقلة للمسلمين هناك، وأجابهم طلال أسد بأن ذلك كان من أجل مصارعة روسيا وإعادة تشكيل البلقان على هواهم، ثم لأن المذابح فاقت التصور ولم يعد السكوت ممكناً أو أن يتدفق مليوني مسلم على أوروبا الغربية، خاصة ألمانيا.
وأشار السالمي إلى أن هذا هو الواقع المعاصر، ليس في الإسلام العالمي وحسب بل في بعض دوائر التفكير والتخطيط بالغرب وروسيا والصين والهند. ولم يعد نافعاً وعظ المسلمين والعرب بأن عليهم أن يدخلوا في الإعلام الحديث ويتعاملوا معه بوسائله ذاتها. فقد فعلوا ذلك وهم يستأثرون اليوم -أي الإعلاميون العرب والمسلمين- بأكبر نسبة بين الجمهور بالتليفزيونات وفي وسائل الاتصالات الأخرى.
وطالب السالمي -في ختام ورقته- الإعلاميين بالدعوة إلى ثلاثة أمور سهلة التحقيق؛ وهي: الأول: تجنب ردود الفعل العنيفة التي تضر بالنفس أكثر مما تضر بالآخر، وتحولُ دون الوصول إلى الهدف المنشود المحق والعادل من وراء العنف أو الاحتجاجات التي تودي إلى عنف.
الثاني: تجنب الإثارة حتى في مجال كشف الحقائق، فلاشك أن أوضاع المسلمين في العالم على غير ما يرام. لكن العروض المثيرة تهيجّ الرأي العام، وتدفع باتجاه العنف ضد المتسببين في تلك الأحداث والأوضاع. والدم كما يقول المثل العربي يستسقى الدم. فالإثارة التليفزيونية أو بوسائل الاتصال الأخرى تثير ردود أفعال لدى الجمهور ضد الأخر الذي يعتبره مذنبا أو مرتكبا بحقه. فالحرص والحذر ضروريان لأنهما ينبعان من الإحساس بالمسؤولية، وخير دليل على ذلك ردود الفعل التي حصلت بمناسبة الفيلم المسيء للإسلام. والذي يمكن أن يكون ناتجا عن مؤامرة لاستثارة ردّ الفعل الذي حصل.
ثالثا: هناك مهمات أكبر تتعلق بالمفاهيم مثل الأنا والآخر، والدين والحرية، والكرامة والمسؤولية، والشرق والغرب.. إلخ، وهي مفاهيم لا تنفرد وسائل الإعلام العالمية والإسلامية بصنعها وإنتاجها؛ بل تصنع في المدارس والمنتديات التربوية والجامعات، وفي البحوث وكتب الثقافة العامة.
وقد أدى الربيع العربي معه بأجواء نقاشية حرة في وسائل الإعلام، وصرنا نرى عشرات من الباحثين ورجال الدين يتناقشون في كل هذه المسائل. وتتمتع وسائل الإعلام الجادة الإسهام في هذا الشأن بروح المسؤولية. وهذه عميلة طويلة إنما لا بد من السير فيها مهما كانت المشاق فليس هناك إعلام إسلامي وأخر غير إسلامي، وإنما هناك إعلام جادّ ومسؤول، وآخر هازل أو متشدد أو غير مسؤول.
