دفاعا عن لحى الباقين
نزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM
أعرف أن السيد مقتدى الصدر وتياره ، إرتكبوا من الأخطاء ما يكفي ، وأعرف أنه لا يتمتع بلياقات المرجعية الدينية أو القيادة السياسية ، وأعرف أنه إستهزأ بالجميع وإستخف بالكل ، فلم يبق له صاحبا أو صديق ، وأعرف أنه لم يصغ الى الكبار ، أو يستمع الى نصيحة المجربين ، وأعرف أن أكثر من جهة داخلية وخارجية إستغلت عناده وحماسه لدرجة التآمر ، وأعرف أنه إستغل سمعة عائلته وتضحياتها الجسام ، كما إستغل إسم والده المرجع الشهيد الصدر الثاني ، ليقود تيارا أكبر من حجمه بكل المقاييس ، وأعرف أنه قاد التيار الصدري بالوراثة وليس بالكفاءة والقدرة والقابلية على الادارة ، إذ أن في هذا التيار من هو أكفأ منه علما وحنكة سياسية وقدرة على الادارة والحوار ، وأوسع قدرة على تشخيص الأهم فالمهم وتحديد الاولويات ، وأعرف أنه ورط المرجعية الدينية العليا بما لم تقتنع به كأسلوب في إدارة الصراع مع الاحتلال ، وأعرف أنه أخطأ عندما أعلن عن تشكيل مليشيات سلحها فيما بعد أسماها جيش المهدي ، وأعرف أنه لم يتصرف بحكمة عندما إستعرض قواته في شوارع بغداد على وجه التحديد ، وأعرف أنه يفتقر الى الخطاب السياسي ، فهو لا يعرف كيف يعبر عن أفكاره السياسية بشكل صحيح ، وأعرف أنه أحد ضحايا الاعلام العربي الطائفي الحاقد ، وأعرف أنه ليس لديه مستشارين أكفاء وفي بعض الاحيان أمناء ، وأعرف أنه لا يمتلك من له القابلية على الحديث أمام عدسات الكاميرا ووسائل الاعلام التي يقع في شراكها وحبائلها الشاطر ، فما بالك بالساذج والبسيط ، وأعرف أنه لم يتبعه إلا الشباب المتحمس المتواضع ثقافيا من بسطاء العراقيين ، وإن من لبس العمامة منهم لم تسنح له الفرصة للتقدم في الدراسة الحوزوية ما يؤهله للفتوى أو الحديث بإسم الدين أو الاجابة على الأسئلة الشرعية ، وأعرف أن عناصر مشبوهة تغلغلت في صفوف تياره ، من بينها مخلفات النظام الشمولي البائد ، فأساءت التصرف ، ومارست ما لا يرضي الله تعالى وكل عاقل ، وأعرف أنه أساء التقدير وأخطأ في الحسابات ، وتجاوز الخطوط الحمراء عندما أعلن عن تبني سياسات قوى حزبية خارج الحدود ، ظلت حتى الان تدافع عن الطاغية الذليل وترفض الاعتراف بجرائمه البشعة ، والاعتذار للعراقيين أزاء وقوفها الى جانب النظام الشمولي البائد لعقود طويلة من الزمن ، غير مكترثة بضحاياه .
... أعرف كل ذلك وأكثر ، ولكن
مع كل ذلك ، لا يجوز إطلاقا أن يتم التعامل معه بهذه الطريقة الاقصائية الدموية ، وذلك لما يلي ؛
أولا ـ يخطئ من يظن بأن التيار الصدري ، ليس أكثر من حفنة من المراهقين المتحمسين المسلحين المجنونين بحب الصدر ، ويخطئ من يتصور بأن الصدر وحده من يمثل التيار الصدري ، ولذلك يخطئ من يظن أن بإمكانه أن يقضي على هذا التيار الجماهيري الضارب بجذوره في عمق المجتمع العراقي ، إذا ما قتل الصدر أو تمت تصفية أعوانه .
لقد ظن الطاغية الذليل مثل ذلك ، فاغتال الصدر الثاني وولديه ، إلا أن إستشهادهم لم يزد التيار إلا توسعا جماهيريا وعزما وصلابة وتحديا .
ذات الامر حصل بالنسبة للصدرالاول وللكثير من القادة والزعماء والرموز الدينية والسياسية ، إذ كلما قتل رمز، نهض آخر ليحل محله ويملأ الفراغ ، وهكذا ، حتى انتهى الطاغية الى مزبلة التاريخ ، أما مسيرة الجهاد والنضال ، فقد تواصلت بشموخ من دون
أن تنتهي .
لقد شذ الصدر عن إجماع التيار الصدري الواسع عندما إختار السلاح كوسيلة للحوار ولفرض أجندته وقناعاته الخاصة ، أو لفرض الرأي والاستراتيجية ، كما أنه أخطأ عندما راح يغرد خارج السرب ، عندما لم يلتزم بالاستراتيجية السلمية المعلنة من قبل جميع المرجعيات الدينية الشيعية على وجه الخصوص ، بالرغم من إعلانه مرات عديدة بأنه في خدمة المرجعية ، وأنه يأتمر بأوامرها ، إلا أن ذلك لا يعطي الحق لأي كان في أن يلخص التيار بشخصه ، فيتعامل معه بناءا على أخطائه .
إن تلخيص تيار جماهيري واسع برمته ، بشخص أو أشخاص معدودين ، يعقد المشكلة ويظلم الناس ، كما أن تلخيص الصدر لهذا التيار بشخصه دون سواه ، ظلم لنفسه وللتيار الذي يمثله ، كما أنه نوع من أنواع البخس لحق الآخرين ، الذي نهى عنه القرآن الكريم بقوله ـ ولا تبخسوا الناس أشياءهم ـ فكما أنه يعتبر نفسه من ورثة هذا التيار بالنسب على الاقل ، فإن هناك الكثيرين ممن ورثوا هذا التيار بالفعل والتضحية والاستمرار
والمواصلة ، وإن لم يكن بالنسب .
ثانيا ـ إن الصدر وتياره على وجه التحديد ، يختلفون جذريا عن مجموعات العنف والارهاب والجريمة المنظمة ، وإذا ما شذ بعضهم في ممارساته عن الخط العام ، فهذا لا يعني أبدا أن نعمم الحالة على كل التيار ، فلقد شذت عناصر عن الخط العام لأعرق الاحزاب السياسية ، فهل يجوز معاقبة هذه الاحزاب بجريرة وأخطاء الشواذ من
عناصرها ؟.
لقد تورط الصدر بمثل هذه العناصر ، كما تورط آخرون ، فلقد سمعناه قبل فترة يتشكى من الممارسات الشاذة لهذه العناصر ، ويهددها بالمحاكم الشرعية إذا لم تكف عن ممارساتها .
لذلك لا يجوز أن نصنف الصدر وتياره مع خانة الارهابيين أبدا ، فالصدر لم يأمر أحدا بتفجير سيارة مفخخة يقتل فيها الابرياء، كما أنه لم يصدر أوامره بزرع المتفجرات أوالسيارات المفخخة ، أمام مراكز الشرطة العراقية ، ليقتل المواطنين الابرياء الذين تجمهروا عند بوابة المركز للتطوع في قوات الحرس الوطني الجديد ، أو الشرطة أو ما
الى ذلك ، من الاجهزة الوطنية حديثة التأسيس .
فضلا عن أنه لم يتورط بلعبة الاختطاف القذرة وحز الرؤوس ، كما أنه لم يمارس لعبة الابتزاز بالخطف أو الاغتيال ، بل على العكس من ذلك ، فلقد بادر مرارا وتكرارا الى إدانة هذه الممارسات وكل أعمال العنف والارهاب من هذا القبيل ، كما أنه لم يتورط أبدا بجرائم إطلاق الصواريخ والقذائف بشكل عشوائي ، لتحصد الابرياء من دون تمييز ، ولكل ذلك
أعتقد أن أدق وصف يمكن أن ينطبق عليه وعلى تياره ، هو قول الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ــ ليس من طلب الحق فأخطأه ، كمن طلب الباطل فأصابه ــ فالصدر طلب الحق بلا شك ، إذ لم يسع أبدا الى أن يعيد عقارب الزمن الى الوراء ، كما أنه لم يدافع إطلاقا عن النظام البائد أو الطاغية الذليل قيد أنملة ، إنما أخطا ـ ربما ـ طريق الحق عن جهل أو سوء تقدير أو تعصب أعمى أو بسبب شعوره بتجاهل الآخرين له ، ولكن من دون أن نشك في نواياه الصادقة ، أو حماسه الوطني الصادق ، أما الارهابيون فقد طلبوا الباطل مع سبق الاصرار ، ولذلك مارسوا لعبة القتل والتدمير عن وعي ودراية ، لأنهم في الاساس إستهدفوا العراق الجديد بكل تفاصيله .
ثالثا ــ إن الصدر وتياره جزء من ضحايا النظام الشمولي البائد ، جملة وتفصيلا ، بغض النظر عمن إستغل الظروف الطارئة لينفذ في صفوف تياره .
لم يكن الصدر وتياره في يوم من الايام ، من المنتفعين من النظام البائد ، أبدا ، إنهم بقية السيف والمقابر الجماعية ، ولذلك لا يحق لأحد أن يقارن بينه وبين الارهابيين من أزلام النظام البائد ، من الذين تضرروا بسقوطه فلجأوا الى العنف للتعويض عما خسروه في التاسع من نيسان عام الفين وثلاثة ، أو أن يقارن بينه وبين الارهابيين الذين تسللوا الحدود من دول الجوار ، من الذين يتسلحون بالفتاوى التكفيرية التي تبيح دم الآخر ، أيا كانت هويته ، والذين يستندون الى دعم مالي ولوجستي وإعلامي طائفي حاقد .
هؤلاء هم المتضررون في العراق الجديد ، ولذلك يحنون الى الماضي ويتمنون لو يعود الطاغية الذليل حاكما على العراق من جديد ، أما الصدر وتياره ، فلا يحنون الى الماضي الذي ظل يذبح بهم على مدى نيف وثلاثين عاما عجافا ، بل إنه يدعوا الى محاكمة الطاغية الذليل ويرفض إعادة تأهيل المجرمين في العراق الجديد .
لقد شعر الصدر وتياره بالغبن وتحسس محاولات تهميشه ، وربما لهذا السبب سعى إلى أن يثبت وجوده ويجلب إهتمام الآخرين بكل الطرق والاساليب والوسائل ، التي جاءت بعضها متهورة وغير حكيمة ، للأسف الشديد .
رابعا ــ إن التيار الصدري صنعه الصدر الثاني ، بتصديه وجرأته وتضحياته ، وأخير بشهادته الدامية المدوية مع ولديه ، ولم يصنعه السيد مقتدى الصدر ، ليقال بأنه نتاج ظروف الاحتلال ، أو الانفلات الامني ، أو ما الى ذلك .
وإن دل ذلك على شئ ، فإنما يدل على أصالة هذا التيار وعراقته ووضوح تاريخه وزعاماته ، ولذلك لم يتخف الصدر بلثام الارهابيين ، ولم يحدث الاعلام من وراء حجاب ، أو يتسور الجدار ويتسلل من خلف الحدود ، إنما كان ولا يزال يتحدث الى العالم عبر منبر صلاة الجمعة ، وإن كان خطابه السياسي فيه الكثير من الركاكة في التعبير ، ما يشيرالى إفتقاره للحنكة والتجربة والخبرة .
أعتقد أن واحدة من مشاكل الصدر الكثيرة ، هو أنه يتصرف كالمراهقين في موقع الزعامة والمسؤولية ، وليس غريبا ذلك في رجل كالصدر الذي لم ير العالم أو يحتك مع الآخر أو يجرب الحياة ومشقاتها والعمل السياسي ودهاليزه ومطباته ، فهو يشبه الى حد بعيد ممارسات وتصرفات زعماء وقادة الأحزاب السياسية العريقة الحالية ، يوم كانوا في عمر المراهقة والشباب ، فلقد إرتكبوا من الأخطاء الفضيعة ما أنتج كل هذا الذي نراه اليوم في العراق ، فالعلة إذن لا تكمن في الصدر ، فحسب ، وإنما في الانسان وطبيعته البشرية التي ترفض أن تتعلم من تجارب الآخرين ، وتأبى إلا أن تجرب كل الامور بنفسها ، ولذلك يكرر الانسان أخطاء أخيه الانسان ، ولهذا السبب ، ربما ، قيل أن التاريخ يكرر نفسه ، أما الحكمة فتقول ، من جرب المجرب ندم ، أو ، إسأل المجرب ولا تسأل الحكيم .
لكل هذه الاسباب ، وغيرها الكثير ، لا يجوز أن يتم التعامل مع الصدر وتياره ، كما يتم التعامل مع الارهابيين وبقايا النظام الشمولي البائد ، أبدا .
لقد أثبتت الايام بأن الازمات التي تمر على هذا التيار ، تزيده عنادا وتمسكا بثوابته ، من جانب ، كما تزيد من شعبيته وتعاطف الناس معه ، خاصة مع غياب المرجعيات والقيادات والزعامات الشجاعة ، ولذلك فإن من يريد تحجيم هذا التيار أو التقليل من خطورته أو حتى ترشيده لاقناعه بالعدول عن تبني العنف لفرض مناهجه السياسية واللجوء الى الحوار والمنطق ، وبالتالي للمشاركة في العملية السياسية ، عليه ألا يلجأ الى العنف والقوة ومنطق التهديد والوعيد وإستخدام مختلف أنواع الاسلحة الثقيلة والفتاكة معه ، فالعنف يدعو الى العنف ، والتهديد والتلويح بإستخدام القوة يزيد من تماسك التيار بوسائله فتأخذه العزة
بالخطأ .
إن دعوة التيار للمشاركة في العملية السياسية ، الى جانب التبجح بقتل أربعمئة من أنصاره في ليلة واحدة ، أمران متناقضان ،لا يساهمان في حل الازمة ، فضلا عن أن مثل هذا التناقض يزيد من رصيد التيار ويقلل من مصداقية خصومه .
ولقد رأينا ما حصل في المؤتمر الوطني العراقي الذي عقد في بغداد يوم الخامس عشر من الشهر الجاري ، والذي دل على تعاطف حتى النخب السياسية مع الصدر وتياره ، إن لم يكن دليلا على تبني هذه النخب لهذا التيار ، فعلى الأقل إنه مؤشر واضح على رفض هؤلاء تصفية التيار بهذه الأساليب الوحشية ، ما يعري النظرية التي تقول بأن التيار الصدري ليس سوى مجموعة قليلة من أزلام النظام السابق واللصوص والمجرمين ، وأشباههم ، إذ لا يعقل أن ينشغل به المؤتمر الذي ضم مختلف تيارات المجتمع العراقي ــ الدينية والسياسية والعشائرية ومؤسسات المجتمع المدني ــ الى جانب الحكومة المؤقتة ، إذا كان هذا
حاله ؟.
إن الأزمة الخطيرة الحالية التي تمر بها مدينة النجف الأشرف ، وعموم مناطق العراق
بسبب الصدام المسلح بين الصدر والقوات متعددة الجنسيات ، ساهم في صناعتها وتفاقمها كل الأطراف من دون استثناء ، بالتجاهل ومحاولات الاقصاء والعزل والتغييب تارة ، وبالدعم غير المحسوب والتغاضي عن الأخطاء ، تارة أخرى ، وإذا كان الاحتلال يتحمل مسؤولية ، فإن المرجعية الدينية والاحزاب السياسية ، وغيرهم ، يتحملون كذلك مسؤولية كبيرة ، لا يجوز أن نغفل عنها ، وإذا كنت أعذر الاميركيين على أخطائهم الفضيعة لجهلهم أو إقتضاء المصلحة التي أسقطوا بسببها النظام الشمولي البائد ، فلا أرى نفسي قادرا على التبرير للعراقيين الذين يقولون بأنهم أعرف بمصالحهم ، وأخبر بخفايا الامور ، فلماذا وقعوا في الفخ وأخطأوا الحسابات مع هذا التيار ؟ إلا أن يكونوا قد إنطلقوا بالعلاقة معه من رؤية حزبية وأحيانا عائلية ضيقة .
إن هنالك أخطاء كثيرة إرتكبت ، ما أدى الى تفاقم الازمة ، منها ؛
ألف ؛ سعي كل الاطراف الى تجاوز الصدر وتياره ، ومنذ اليوم الاول لسقوط الديكتاتورية ، إما بسبب تراكمات تاريخية وخلافات وصراعات عائلية قديمة ، أو بسبب ردود فعل غير مسؤولة ، أو لفشل البعض في الانتقال بالعقلية وطريقة التفكير ، من مرحلة المعارضة الى مرحلة السلطة .
باء ؛ لقد تعامل الاميركيون مع الصدر وتياره ، كملف أمني ، وليس كتيار سياسي ، أي تعاملوا معه أمنيا وليس سياسيا ، ربما بسبب تمرده على الاحتلال منذ اللحظة الاولى ، وعدم قدرتهم على استيعا ب المعارضة والاكتفاء بالتعامل مع من يتعاون معهم فقط .
إنهم تشبهوا بطريقة الأنظمة العربية التي تتعامل مع حركات وأحزاب المعارضة ، أمنيا في دهاليز أجهزة المخابرات والاستخبارات ، وفي أقبية السجون المظلمة ، وليس في أروقة رئاسة الوزراء أو وزارة الخارجية أو في القصر الجمهوري ، وكلنا يتذكر يوم أن أطل علينا رئيس أعظم دولة في العالم ، أقصد الرئيس بوش ، ليصدر حكمه على الصدر وتياره بوصفه لهم بانهم مجموعة من اللصوص والارهابيين ، من دون أن ينسى النطق بقرار المحكمة عندما قال ، عليه أن يسلم نفسه أو يقتل .
جيم ؛ كذلك ، فإن إعتماد الأميركيين على تقارير ــ عراقية ــ خاطئة ومزورة وغير دقيقة ، تدفعها ثارات قديمة ومواقف عدوانية مسبقة ، بالاضافة الى تضخيم الخطر وتهويل التهديد القادم من هذا التيار ، إن كل ذلك ، لعب دورا كبيرا في دفع الأزمة بإتجاه التصعيد الخطير ، وبكلمة ، فإن الجميع ظلوا يصبون الزيت على النار ، من دون أن نر من يتبرع منهم ليؤدي دور رجل الاطفاء الذي يغامر ويضحي من أجل إنقاذ العراق والعراقيين .
نحن لا نلوم الصدر إذا ارتكب كل هذه الأخطاء السياسية حتى الآن ، لأنه يفتقر الى الحكمة والتجربة السياسية ، كما أنه لا يمتلك ما يكفي من تجربة الحوار ، لتؤهله أن يكون قائدا سياسيا يمكن أن يتعامل معه الآخرون بكفاءة عالية ، ولكن ، ما بال من يدعي الخبرة والتجربة والنضال السياسي ؟ لماذا إرتكب هؤلاء كل هذه الاخطاء بحق هذا التيار التضحوي المسحوق ؟ لماذا إرتكبت المرجعية الدينية هذا الكم الهائل من الأخطاء بحقه ؟ أين تجربة قادة الأحزاب السياسية التي تدعي الكثير من دون أن نلمس منها
حكمة ا لمجرب وخبرة رجل النضال والسياسة إلا القليل القليل ؟.
هنالك أكثر من طريق صحيح للتعامل مع الأزمة ، ليس من بينها ، بكل تأكيد ، القوة وإستخدام السلاح المدمر .
وأقولها بصراحة ، وبالفم المليان ، وليسمعني كل الزعماء والقادة والمرجعيات ــ الدينية منها والسياسية والحزبية ــ إن الأزمة رسالة اليهم جميعا ، مفادها أن من يفكر بالتمرد على سلطة الاحتلال سيكون مصيره كمصير الصدر وتياره ، وعندها سوف لن تشفع له علاقاته الطيبة مع الاحتلال ، وإذا كان الاميركان قد بدأوا بهذا التيار دون سواه فلأنه الحلقة السياسية ، ولا أقول الجماهيرية ، الأضعف التي ينظر اليها الآخرون بعين الحاسد لغريمه ومنافسه ليس إلا ، وكلنا يتذكر سياسة النظام البائد في تصفية الخصوم ، عندما كان يذبح فصيل ويوقع على ميثاق وطني مع آخر ، أو يذبح مرجعا بيد ويصافح آخر بيده الثانية ، بهدف الأستفراد بهم للتخلص منهم الواحد بعد الآخر ، وقديما قالت الحكمة ــ من حلقت لحية جاره ، فليسكب الماء على لحيته ــ فمن يريد أن يحتفظ بلحيته ، ويكره أن يرى
نفسه حليق الذقن ، فلينقذ لحية الصدر من تحت موس الحلاق ، أما إذا تهاون الملتحون ، وحلقت لحية الصدر ، فلا مناص من أن يسكبوا الماء على لحاهم إستعدادا للحلق ، شاءوا أم أبوا ، طال الزمن أم قصر .
صدقوني ، إنه دفاع عن لحاكم وليس عن الصدر ، متمنيا أن تفهموها هذه المرة على الأقل رحمة بلحاكم فقط .
أرجو أن يأخذ الجميع هذا الكلام على محمل الجد ، فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا ، ومن أجل الدفاع عن لحى الباقين ، ومن أجل الدفاع عن الديمقراطية ، على الجميع أن لا يدع الاميركان يذبحون هذا التيار .
صحيح ، أن المليشيات لا تصنع ديمقراطية ، وأن توظيف العنف في العملية السياسية ، لا يساهم في بناء النظام الديمقراطي ، وأن تحكم شخص واحد بمصير أمة أو طائفة ، ضد التعددية السياسية التي هي من لزوميات الديمقراطية ، الا أن الاستخدام المفرط للقوة هو الآخر لا يبني ديمقراطية ، وأن سياسات الالغاء والتسقيط للآخر والتهديد بالقوة واللجوء الى الاسلحة الثقيلة لترويع الآمنين وهتك الاعراض والتجاوز على المقدسات والهروب من الأزمة ، إن كل ذلك ، كذلك ، لا يساهم بأي شكل من الأشكال في بناء النظام الديمقراطي ، مطلقا .
أما الحل الامثل الذي أراه عمليا يناسب الازمة فهو كما يلي ؛
لا يختلف إثنان على حقيقة كون كل الأطراف ، بما فيها المرجعية الدينية، باتت طرفا في الأزمة وجزءا من المشكلة ، ولذلك لا أعتقد أن بإمكان أحد أن ينفرد بالحل أبدا ، ولهذا السبب أعتقد أن الحل يجب أن يأتي جماعيا من خلال عقد مؤتمر قمة للمرجعيات العليا ومن دون إستثناء أحد ، يحضره السيد مقتدى الصدر بنفسه حصرا ، ومناقشة الأزمة بالتفصيل ، من دون إستبداد برأي أو تزمت بموقف ، للوصول الى خطة عمل تنهي الأزمة جذريا ، تصدر على شكل بيان يحدد الموقف والمسؤوليات بشكل دقيق يطلع عليه العراقيون بشفافية ليعرفوا كل التفاصيل ، ليأخذوا بزمام المبادرة إذا ما رفض أي طرف الالتزام بشروط الحل ومبادئ الاتفاق ، شريطة أن لا يتدخل الآخرون بهذا المقترح ، بمن فيهم الأميركان والحكومة الانتقالية والأحزاب السياسية ، التي فيها الكثير من العناصر المتشنجة التي لا ترغب في التوصل الى حل مشرف يحفظ ماء وجه كل الأطراف ويصون العراق من شرور فتنة عمياء ، فضلا عن أن الأزمة الحالية ، إتخذت طابعا دينيا ، لا يستطيع أحد أن يضع لها حدا سوى المرجعية الدينية مجتمعة حصريا ، فكما أن الاخوة الأكراد حكموا العقل فلجأوا الى المرجعية الدينية لإيجاد حل لأزمة المرحلين في كركوك ، لخطورتها ، كذلك ينبغي اللجوء الى المرجعية الدينية مجتمعة لحل هذه الأزمة الخطيرة ، بعد أن يعلن الجميع بمن فيهم الأميركيون والصدر ، إستعدادهم القبول بالحل مهما كانت الشروط والنتائج .
أعتقد ، إذا لم تبادر المرجعية الدينية الى إتخاذ موقف تاريخي ينقذ الموقف ، فإنها ستكون المسؤولة أولا وأخيرا عن كل النتائج .
صحيح أن الاجتماع الى بعضها لمناقشة القضايا الساخنة والتداول في الشأن العام ، ليس من شيمها ، فهي عادة لا تلتقي إلا بالصدفة في مجلس فاتحة مثلا ، إلا أن الظرف الخطير الذي يمر به العراق الآن ، يتطلب منها الخروج على المألوف والتمرد على الطبائع ، من أجل موقف ديني وطني تاريخي مشهود ومتميز ، ولهم من الله تعالى الأجر والثواب .
برأيي ، فإن القوة الوحيدة التي لا زالت تتمتع بالمصداقية المطلوبة لحل مثل هذه الأزمات الحادة ، هي المرجعيات الدينية مجتمعة ، إذ ليس بإمكان أحد أن يتجاوزها أبدا ، حتى الصدر لا يستطيع أن يتحدى قرارها إذا صدر عنها بالاجماع ، لأنه بهذه الحالة سيواجه السقوط ، بعد أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود .
أخيرا أقول ، من كان منكم بلا خطيئة ، فليرم الصدر بحجر ، والله من وراء القصد .