خلق الإنسان مفطوراً على حبّ الكمال والتّطوّر، والسعي وراء الكمالات، وهذا مما لا
يحتاج إلى إقامة الدّليل، حيث نجد جميع البشر على إختلاف أديانهم ومعتقداتهم
وثقافتهم، يسعون وراء الكمال ـ كلّ بحسبه طبعاً ـ، ولذا نجد أنّ الأزمنة الحاضرة قد
تقدّمت عن الأزمنة الماضية بدرجات كبيرة من حيث العلم والتّطور التكنولوجي وغيرهما.
نعم الحاجة لها دور كبير في تقدّم المجتمعات، لكن حبّ الإستطلاع والكمال هو الأساس.إ
لّا أنّنا للأسف الشديد نشهد أنّ العالم كلّما تقدّم خطوة نحو ـ العلم
والتّكنولوجية ـ إبتعد خطواتٍ كثيرة عن القيم والأخلاق الإنسانيّة، بل نجد أنّ أكثر
الناس رقيّاً، والذين يتمتّعون بإمكاناتٍ ترفيهيّةٍ، ويملكون الكثير من المال، هم
أكثر الناس ـ غالباً ـ إبتعاداً عن الأخلاق والقيم، حيث جرائم القتل، والإنتحار،
والتّفتت الأسري يملأ حياتهم!
فهل السبب في ذلك هو التّطور العلمي، وكثرة المال
والسعي نحو الكمال؟ بالطّبع لا فإنّه يستحيل على الله تعالى أن يوجد الإنسان
مفطوراً على حبّ الكمال، ويأمره بالتّعلّم والعمل والتّطور، ثمّ يعاقبه على ما ينتج
عن هذه الأشياء! إذن ليست هذه الأشياء هي التي تصيّر الإنسان مجبوراً على إرتكاب
الجرائم والفساد والإنحطاط الأخلاقي والإجتماعي.
السبب هو الإنسان نفسه،
حيث قد غفل عن الهدف الأساسي لخلق الله تعالى له، وهو كون هذه الدّنيا فانية،
وأنّها مجرّد طريقٍ للوصول إلى الآخرة ـ دار الخلود الأبدي ـ وأنّ الله تعالى قد
أمره بالتّعلم لمعرفة وإدراك الحقّ أكثر فأكثر بالدّرجة الأولى، وأمره بالتّطور
ليستطيع من خلاله القيام بواجباته ـ حفظ المجتمع وإنقاذ الحياة وهداية الناس و... ـ
بشكلٍ أفضل. نعم بعد ذلك لا مانع من أن ينعم الإنسان ويستفيد من تطوّره وإمكاناته
المادّية والعلميّة، بشرط أنّ لا يغفل عن هدفه الأساسي، وأن لا يصرف طاقته في معصية
الله والفساد وأذيّة الآخرين، و...!
إلّا أنّ الإنسان لم يصرف ـ العلم
والتّكنولوجية وغيرهما ـ إلاّ في الرّفاهيّة الشخصيّة، والأشياء التي يزيّنها له
الشيطان، وغفل ـ تماماً ـ عن الآخرة، فلم تكن النتيجة إلّا الفراغ الروحي والملل ـ
بعد فترة ـ من هذه الدّنيا وملذّاتها، مما يدفعه للبحث عن أشياء جديدة لم يجرّبها
بعد. فلا عجب أن نجد ـ أغلب ـ مرتكبي الجرائم بأساليب غريبة، هم من الأغنياء وأصحاب
الرفاهيّة!
وليس الهدف مما قدّمناه، هو الدّعوة للخمول والكسل وعدم السعي
وراء الدّنيا بأشكالها المختلفة، وإنّما الغرض تذكّر الهدف الأساسي وعدم الغفلة
عنه، فكما يقال: (إعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدا، وإعمل لآخرتك كأنّك تموت غدا)، فإنّ
الواجب على الإنسان أن يعمل، لكي يؤمّن لقمة العيش لعائلته وأن يضمن لهم مستقبلاً
ناجحاً، إلّا أنّ في الوقت نفسه لا بدّ له وأن يعمل لآخرته من خلال تذكّر الله
والقيام بواجباته تجاه خالقه ـ كلّ بحسبه، فالبعض لا يتحمّل أكثر من ساعة يوميّاً،
والآخر يقدر على تحمّل الأكثر ـ، وبهذا يضمن أن لا يصبح أسيراً للدنيا والمال
والسلطة، بل تصبح هذه الأمور أسيرةً في يده يتصرّف بها بما يتوافق مع الفطرة والقيم
والأخلاق الإنسانيّة بعون الله تعالى.
والإستيقاظ من الغفلة والعمل للآخرة،
لا يتحمّل الإنتظار والتّأجيل، فلا أحد يضمن كم سيطول عمره، وأنّ غداً سيكون
بإستطاعته تعويض ما فات، فكلّ لحظة تمرّ من حياة الإنسان مهمّة وقد تكون كفيلة في
رفعه درجاتٍ عند الله، أو سقوطه درجات لا يتمكّن معها الصعود من جديد. أمّا الحسرة
والنّدم يوم القيامة لا يعد ينفع الإنسان، لأنّ الوقت يكون قد فات، ومن هنا قال
الله تعالى في محكم كتابه العزيز: (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ
الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ). نعم رحمة الله تعالى وسعت
كلّ شيء، ولذلك يقبل الله الندم والحسرة من الجميع في ـ الدّنيا ـ قبل فوات الأوان،
مهما كان عِظمُ الأمر الذي إرتكبه الإنسان في حياته، ومهما أضاع من عمره في
المفاسد، بل وقد نهى الله عن اليأس من رحمته، فلا يقول الإنسان: (قد إرتكبت ما لم
أعد قادراً على إصلاحه)، ولعل قوله هذا أعظم بكثير مما قد فعله طيلة حياته من
الجرائم والمفاسد. نعم النّدم والحسرة لا بدّ وأن يكونا صادقين، فلا يكفي مجرّد
لقلقة اللسان، ومن أهمّ علامات النّدم والحسرة الصادقين، هو البكاء على النفس مما
إغترفت من ظلمٍ وفسادٍ، فإنّ البكاء يجلي الذنوب العظام، ويشعر الإنسان بقدر
إنحطاطه ووجوب إصلاح أمره أمام الله.
نسأل الله السلامة
يحتاج إلى إقامة الدّليل، حيث نجد جميع البشر على إختلاف أديانهم ومعتقداتهم
وثقافتهم، يسعون وراء الكمال ـ كلّ بحسبه طبعاً ـ، ولذا نجد أنّ الأزمنة الحاضرة قد
تقدّمت عن الأزمنة الماضية بدرجات كبيرة من حيث العلم والتّطور التكنولوجي وغيرهما.
نعم الحاجة لها دور كبير في تقدّم المجتمعات، لكن حبّ الإستطلاع والكمال هو الأساس.إ
لّا أنّنا للأسف الشديد نشهد أنّ العالم كلّما تقدّم خطوة نحو ـ العلم
والتّكنولوجية ـ إبتعد خطواتٍ كثيرة عن القيم والأخلاق الإنسانيّة، بل نجد أنّ أكثر
الناس رقيّاً، والذين يتمتّعون بإمكاناتٍ ترفيهيّةٍ، ويملكون الكثير من المال، هم
أكثر الناس ـ غالباً ـ إبتعاداً عن الأخلاق والقيم، حيث جرائم القتل، والإنتحار،
والتّفتت الأسري يملأ حياتهم!
فهل السبب في ذلك هو التّطور العلمي، وكثرة المال
والسعي نحو الكمال؟ بالطّبع لا فإنّه يستحيل على الله تعالى أن يوجد الإنسان
مفطوراً على حبّ الكمال، ويأمره بالتّعلّم والعمل والتّطور، ثمّ يعاقبه على ما ينتج
عن هذه الأشياء! إذن ليست هذه الأشياء هي التي تصيّر الإنسان مجبوراً على إرتكاب
الجرائم والفساد والإنحطاط الأخلاقي والإجتماعي.
السبب هو الإنسان نفسه،
حيث قد غفل عن الهدف الأساسي لخلق الله تعالى له، وهو كون هذه الدّنيا فانية،
وأنّها مجرّد طريقٍ للوصول إلى الآخرة ـ دار الخلود الأبدي ـ وأنّ الله تعالى قد
أمره بالتّعلم لمعرفة وإدراك الحقّ أكثر فأكثر بالدّرجة الأولى، وأمره بالتّطور
ليستطيع من خلاله القيام بواجباته ـ حفظ المجتمع وإنقاذ الحياة وهداية الناس و... ـ
بشكلٍ أفضل. نعم بعد ذلك لا مانع من أن ينعم الإنسان ويستفيد من تطوّره وإمكاناته
المادّية والعلميّة، بشرط أنّ لا يغفل عن هدفه الأساسي، وأن لا يصرف طاقته في معصية
الله والفساد وأذيّة الآخرين، و...!
إلّا أنّ الإنسان لم يصرف ـ العلم
والتّكنولوجية وغيرهما ـ إلاّ في الرّفاهيّة الشخصيّة، والأشياء التي يزيّنها له
الشيطان، وغفل ـ تماماً ـ عن الآخرة، فلم تكن النتيجة إلّا الفراغ الروحي والملل ـ
بعد فترة ـ من هذه الدّنيا وملذّاتها، مما يدفعه للبحث عن أشياء جديدة لم يجرّبها
بعد. فلا عجب أن نجد ـ أغلب ـ مرتكبي الجرائم بأساليب غريبة، هم من الأغنياء وأصحاب
الرفاهيّة!
وليس الهدف مما قدّمناه، هو الدّعوة للخمول والكسل وعدم السعي
وراء الدّنيا بأشكالها المختلفة، وإنّما الغرض تذكّر الهدف الأساسي وعدم الغفلة
عنه، فكما يقال: (إعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدا، وإعمل لآخرتك كأنّك تموت غدا)، فإنّ
الواجب على الإنسان أن يعمل، لكي يؤمّن لقمة العيش لعائلته وأن يضمن لهم مستقبلاً
ناجحاً، إلّا أنّ في الوقت نفسه لا بدّ له وأن يعمل لآخرته من خلال تذكّر الله
والقيام بواجباته تجاه خالقه ـ كلّ بحسبه، فالبعض لا يتحمّل أكثر من ساعة يوميّاً،
والآخر يقدر على تحمّل الأكثر ـ، وبهذا يضمن أن لا يصبح أسيراً للدنيا والمال
والسلطة، بل تصبح هذه الأمور أسيرةً في يده يتصرّف بها بما يتوافق مع الفطرة والقيم
والأخلاق الإنسانيّة بعون الله تعالى.
والإستيقاظ من الغفلة والعمل للآخرة،
لا يتحمّل الإنتظار والتّأجيل، فلا أحد يضمن كم سيطول عمره، وأنّ غداً سيكون
بإستطاعته تعويض ما فات، فكلّ لحظة تمرّ من حياة الإنسان مهمّة وقد تكون كفيلة في
رفعه درجاتٍ عند الله، أو سقوطه درجات لا يتمكّن معها الصعود من جديد. أمّا الحسرة
والنّدم يوم القيامة لا يعد ينفع الإنسان، لأنّ الوقت يكون قد فات، ومن هنا قال
الله تعالى في محكم كتابه العزيز: (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ
الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ). نعم رحمة الله تعالى وسعت
كلّ شيء، ولذلك يقبل الله الندم والحسرة من الجميع في ـ الدّنيا ـ قبل فوات الأوان،
مهما كان عِظمُ الأمر الذي إرتكبه الإنسان في حياته، ومهما أضاع من عمره في
المفاسد، بل وقد نهى الله عن اليأس من رحمته، فلا يقول الإنسان: (قد إرتكبت ما لم
أعد قادراً على إصلاحه)، ولعل قوله هذا أعظم بكثير مما قد فعله طيلة حياته من
الجرائم والمفاسد. نعم النّدم والحسرة لا بدّ وأن يكونا صادقين، فلا يكفي مجرّد
لقلقة اللسان، ومن أهمّ علامات النّدم والحسرة الصادقين، هو البكاء على النفس مما
إغترفت من ظلمٍ وفسادٍ، فإنّ البكاء يجلي الذنوب العظام، ويشعر الإنسان بقدر
إنحطاطه ووجوب إصلاح أمره أمام الله.
نسأل الله السلامة