ما يجري في الساحة المحلية الآن يستدعي الكثير من التركيز والحذر. نحن في شهر فبراير وأحداث 2011 لا تزال أصداءها تتردد في فضائنا. هناك من يرى أن الحل الوحيد ﻹجبار الحكومة على الحركة والتجاوب مع مطالب 2011 -التي لم ترتق إلى مستوى الطموح حسب رؤية البعض- هو الضغط المستمر على الحكومة من أجل قطع الطريق أمام من يظن البعض أنهم يعرقلون مسيرة الإصلاح والتصحيح التي يقوم بها جلالة السلطان.أي أن هؤلاء يحملون حجة تبدو معقولة ووطنية ولا تعكس نية سيئة تجاه نظام الحكم. ويبدو أن مخاوفهم مشروعة إذا ما نظرنا إلى القوانين التي تم استحداثها ما بعد الاعتصامات والتي صنفت أنواع التجمهر والمتجمهرين بحيث أن هناك تجمهر سلمي وآخر مخل بالنظام وأن هناك من يتجمهر ولا يخل بالنظام مع متجمهر يخل بالنظام!!( إطلاق سراح بعض المشاركين في الوقفة الاحتجاجية بعد توقيعم تعهد بينما لم يعرض التعهد على البقية الذين ظلوا في الحجز ثم حوكموا وصدرت بحقهم أحكام وسجنوا على إثرها). كما أن بقاء رموز حقبة ما قبل الاعتصامات بدون عقاب أو حتى مساءلة يشكك البعض في جدية الحكومة في الاصلاح. فاحتجاجات 2011 ثارت على من يسمون "رموز" الفساد الاداري والمالي الذين جروا الوطن نحو طريق الفشل بالاحتكار وبتقاسم خيرات الوطن وكأنه كعكة مخصصة لفئة دون فئة. ولعل ما فجر الوضع بشكل كبير هو فشل هؤلاء في توفير وظائف ﻷصحاب الشهادات بل أجبروا المواطن أن يعمل في وظائف هم يختارونها وبرواتب هم يختارونها أي أن المواطن أصبح تحت رحمتهم.
البعض يرى أن الحكومة تقوم بالمطلوب وإن كان بوتيرة بطيئة ويبدي الكثير من القلق تجاه الضغط الداعي للإصلاح محتجا بتدهور الأوضاع في البلدان التي شهدت تغييرات جذرية ناتجة عن ثورات ما يسمى بالربيع العربي. هذه الرؤية لها مؤيدين كثر وهنا قد نرى أن هناك قاسم مشترك بين من هو بالفعل خائف على الوطن ومن هو خائف على فقدان مصلحة ﻷن النتيجة واحدة.
هناك طرف ثالث يصر على أن ما يجري ما هو إلا مخطط خارجي بأدوات محلية تحرك كالدمى لزعزعة الأمن وخلق شرخ بين القيادة والمواطن وهذا الطرح يتوافق مع الرؤية الأمنية للأحداث. ظهر هذا جليا في التحقيقات التي تعرض لها بعض المعتقلين ليس في قضية التجمهر فحسب بل في قضية الإعابة وقضايا التعبير عن الرأي المصاحبة وكانت اﻷسئلة تحوم حول علاقة المعتقلين بالمنظمات الدولية.. إلخ.
في ظل كل ذلك يتطور الإحتكاك بين كل هذه الرؤى ويتمسك كل برأيه لتتشكل جزر من الآراء والتحزبات تتخذ من الوسط الافتراضي أرضا للمعركة. كل هذا يتفاقم بشكل شبه يومي في الوقت الذي نأت فيه السلطة العليا بنفسها عن خطاب واضح يضع النقاط على الحروف ويقطع الطريق أمام الجميع ليحول دون الإنزلاق نحو الأسوأ. لا تزال الحكومة تتعامل مع ما يجري من الزاوية الأمنية المحضة ولا توجد بوادر لخطاب واضح من قبلها أي الحكومة لتبصير الرأي العام بخطتها لتلافي الأخطاء وتصحيح المسار وطمأنة الحيارى من المواطنين -وهم كثر- مما يجري. لابد أن يكون هناك وجه واضح للحكومة يشرح للعامة ما يجري، فإن كانت المطالبات بالاصلاح ومحاربة الفساد ما هي إلا مطية للمتسلقين على ظهور العامة، فعلى الحكومة الحديث عن ذلك بوضوح وتهيئة أرضية للتحاور الشفاف بين الحكومة وهؤلاء الشباب من أجل كشف مخططاتهم السلبية إن كانت كذلك. القضية أكبر من "تجمهر واعتقال وحكم ثم سجن ثم إضراب"، القضية صراع بين وجهتي نظر مختلفتين تماما. التغيير ومقاومة التغيير. وفي ظل عدم وجود خطاب واضح وشفاف من قبل الحكومة للجميع فإننا لسنا بمنأى عما يجري حولنا لأن الجمود سيصارع التغيير وهذا أمر بديهي لكن آلية الصراع لا يمكن أن نتكهن بها في الوقت الذي بإمكاننا توجيه هذا الصراع في قنوات الحوار لا في الميادين.
من أجل أن نتطور لابد من تغيير والتعبير عن الرأي بالإحتجاج مثلا يعتبر نهج جديد أفرزته الإعتصامات أي أن هناك تغير في سلوك المواطن نحو الأفضل حتى وإن كان ذلك مزعجا للسلطات الأمنية التي لا تسمح للريح أن تتصرف بحبات الرمل خوفا منها على الرمل أو منه.
الآن نحن في اختبار صعب أمام ما يجري لشباب وشابات التجمهر الذين تجاوزوا الستة أيام في إضرابهم. هذا الاختبار صعب ومحرج للحكومة بنفس القدر من الصعوبة والحرج الذي يقع على المتضامنين معهم في ظل عدم وجود آلية للتعبير غير الكتابة(التجمهر يمكن أن تفسره الجهات الامنية والادعاء العام بطريقة نعرف نتائجها). المضربأحس المضربون بالظلم وأرادوا أن يوصلوا قضيتهم إلى السلطة والمجتمع المحلي والدولي بعد يأسهم من القضاء، والحكومة تتفرج. نحن كمواطنين(أتحدث عن جزء من المواطنين وأنا منهم) نرى أن الأحكام كانت قاسية ولا تتوافق مدة الحكم(6 شهور للبعض) مع ما كان من تجمهر وبالتالي فإننا متعاطفون مع إخواننا وأحبتنا الذين سجنوا بسبب تعبيرهم بطريقة متحضرة جدا عن رأيهم وينفذون الآن إضرابهم. في نفس الوقت نرى أن ما يبدو أنه مماطلة في البت في طعن حكم الإستئناف من قبل المحكمة العليا، يعد كافيا لتضامننا مع المضربين ناهيك عن عدم الرضى عن الأحكام نفسها التي يقال أنها استندت على مادة ملغاه حسبما أشار محامي المضربين. هذا التضامن وتزامن الإضراب مع الذكرى الثانية للإعتصامات قد يدفع بالبعض للدعوة إلى الخروج من جديد وهنا قد تتطور الأحداث وتخرج مطالب جديدة تربك الحكومة أكثر مما هي مرتبكة من إضراب السجناء عن الطعام وتفاقم حالاتهم الصحية.
شخصيا أرى أن صمت الحكومة سلبي ولابد من خطاب موجه للشعب قبل أن يخرج(الشعب) إلى الشارع في ذكرى فبراير. لا توجد قنوات تواصل واضحة إلى الآن بين الشعب والحكومة لمن أراد أن يعبر عن رأيه أو يقدم حلول للقضايا المستجدة كهذه القضية. لجنة حقوق الانسان الحكومية أيضا بطيئة في التحرك ويبدو أنها مقيدة للدفاع عن الحكومة فقط. لا أدري إن كان الاعلام الرسمي قد تحدث عن موضوع المضربين أم لا، لكن تجاهل مثل هذه الاحداث المحلية من قبل الاعلام الرسمي لا يجب أن يتبعه أي شجب من قبل الجهات الأمنية في حالة تواصل النشطاء والحقوقيين أو من يتعاطف معهم مع المنظمات الدولية التي لا نتمنى أن تكون هي المدافع اﻷول عن أي انتهاكات في بلدنا.
في الأخير أتمنى أن يتغير السلوك الامني وأن لا نبالغ في الخوف وأن نفتح قنوات تواصل بين كل وجهات النظر لنصل إلى نتائج بناءة ونقطع الطريق أمام الشكوك والتخوين.. لا للعقاب بدون حوار وشفافية ولا للتخوين بدون أدلة.. ونعم لاستقلال القضاء بقوانين غير مفصلة.
المصدر : مدونة tahyati
البعض يرى أن الحكومة تقوم بالمطلوب وإن كان بوتيرة بطيئة ويبدي الكثير من القلق تجاه الضغط الداعي للإصلاح محتجا بتدهور الأوضاع في البلدان التي شهدت تغييرات جذرية ناتجة عن ثورات ما يسمى بالربيع العربي. هذه الرؤية لها مؤيدين كثر وهنا قد نرى أن هناك قاسم مشترك بين من هو بالفعل خائف على الوطن ومن هو خائف على فقدان مصلحة ﻷن النتيجة واحدة.
هناك طرف ثالث يصر على أن ما يجري ما هو إلا مخطط خارجي بأدوات محلية تحرك كالدمى لزعزعة الأمن وخلق شرخ بين القيادة والمواطن وهذا الطرح يتوافق مع الرؤية الأمنية للأحداث. ظهر هذا جليا في التحقيقات التي تعرض لها بعض المعتقلين ليس في قضية التجمهر فحسب بل في قضية الإعابة وقضايا التعبير عن الرأي المصاحبة وكانت اﻷسئلة تحوم حول علاقة المعتقلين بالمنظمات الدولية.. إلخ.
في ظل كل ذلك يتطور الإحتكاك بين كل هذه الرؤى ويتمسك كل برأيه لتتشكل جزر من الآراء والتحزبات تتخذ من الوسط الافتراضي أرضا للمعركة. كل هذا يتفاقم بشكل شبه يومي في الوقت الذي نأت فيه السلطة العليا بنفسها عن خطاب واضح يضع النقاط على الحروف ويقطع الطريق أمام الجميع ليحول دون الإنزلاق نحو الأسوأ. لا تزال الحكومة تتعامل مع ما يجري من الزاوية الأمنية المحضة ولا توجد بوادر لخطاب واضح من قبلها أي الحكومة لتبصير الرأي العام بخطتها لتلافي الأخطاء وتصحيح المسار وطمأنة الحيارى من المواطنين -وهم كثر- مما يجري. لابد أن يكون هناك وجه واضح للحكومة يشرح للعامة ما يجري، فإن كانت المطالبات بالاصلاح ومحاربة الفساد ما هي إلا مطية للمتسلقين على ظهور العامة، فعلى الحكومة الحديث عن ذلك بوضوح وتهيئة أرضية للتحاور الشفاف بين الحكومة وهؤلاء الشباب من أجل كشف مخططاتهم السلبية إن كانت كذلك. القضية أكبر من "تجمهر واعتقال وحكم ثم سجن ثم إضراب"، القضية صراع بين وجهتي نظر مختلفتين تماما. التغيير ومقاومة التغيير. وفي ظل عدم وجود خطاب واضح وشفاف من قبل الحكومة للجميع فإننا لسنا بمنأى عما يجري حولنا لأن الجمود سيصارع التغيير وهذا أمر بديهي لكن آلية الصراع لا يمكن أن نتكهن بها في الوقت الذي بإمكاننا توجيه هذا الصراع في قنوات الحوار لا في الميادين.
من أجل أن نتطور لابد من تغيير والتعبير عن الرأي بالإحتجاج مثلا يعتبر نهج جديد أفرزته الإعتصامات أي أن هناك تغير في سلوك المواطن نحو الأفضل حتى وإن كان ذلك مزعجا للسلطات الأمنية التي لا تسمح للريح أن تتصرف بحبات الرمل خوفا منها على الرمل أو منه.
الآن نحن في اختبار صعب أمام ما يجري لشباب وشابات التجمهر الذين تجاوزوا الستة أيام في إضرابهم. هذا الاختبار صعب ومحرج للحكومة بنفس القدر من الصعوبة والحرج الذي يقع على المتضامنين معهم في ظل عدم وجود آلية للتعبير غير الكتابة(التجمهر يمكن أن تفسره الجهات الامنية والادعاء العام بطريقة نعرف نتائجها). المضربأحس المضربون بالظلم وأرادوا أن يوصلوا قضيتهم إلى السلطة والمجتمع المحلي والدولي بعد يأسهم من القضاء، والحكومة تتفرج. نحن كمواطنين(أتحدث عن جزء من المواطنين وأنا منهم) نرى أن الأحكام كانت قاسية ولا تتوافق مدة الحكم(6 شهور للبعض) مع ما كان من تجمهر وبالتالي فإننا متعاطفون مع إخواننا وأحبتنا الذين سجنوا بسبب تعبيرهم بطريقة متحضرة جدا عن رأيهم وينفذون الآن إضرابهم. في نفس الوقت نرى أن ما يبدو أنه مماطلة في البت في طعن حكم الإستئناف من قبل المحكمة العليا، يعد كافيا لتضامننا مع المضربين ناهيك عن عدم الرضى عن الأحكام نفسها التي يقال أنها استندت على مادة ملغاه حسبما أشار محامي المضربين. هذا التضامن وتزامن الإضراب مع الذكرى الثانية للإعتصامات قد يدفع بالبعض للدعوة إلى الخروج من جديد وهنا قد تتطور الأحداث وتخرج مطالب جديدة تربك الحكومة أكثر مما هي مرتبكة من إضراب السجناء عن الطعام وتفاقم حالاتهم الصحية.
شخصيا أرى أن صمت الحكومة سلبي ولابد من خطاب موجه للشعب قبل أن يخرج(الشعب) إلى الشارع في ذكرى فبراير. لا توجد قنوات تواصل واضحة إلى الآن بين الشعب والحكومة لمن أراد أن يعبر عن رأيه أو يقدم حلول للقضايا المستجدة كهذه القضية. لجنة حقوق الانسان الحكومية أيضا بطيئة في التحرك ويبدو أنها مقيدة للدفاع عن الحكومة فقط. لا أدري إن كان الاعلام الرسمي قد تحدث عن موضوع المضربين أم لا، لكن تجاهل مثل هذه الاحداث المحلية من قبل الاعلام الرسمي لا يجب أن يتبعه أي شجب من قبل الجهات الأمنية في حالة تواصل النشطاء والحقوقيين أو من يتعاطف معهم مع المنظمات الدولية التي لا نتمنى أن تكون هي المدافع اﻷول عن أي انتهاكات في بلدنا.
في الأخير أتمنى أن يتغير السلوك الامني وأن لا نبالغ في الخوف وأن نفتح قنوات تواصل بين كل وجهات النظر لنصل إلى نتائج بناءة ونقطع الطريق أمام الشكوك والتخوين.. لا للعقاب بدون حوار وشفافية ولا للتخوين بدون أدلة.. ونعم لاستقلال القضاء بقوانين غير مفصلة.
المصدر : مدونة tahyati